دراسات سياسية

مفاهيم سياسية: تطور مفهوم الهوية (الجزء الثاني)

بروز إشكالية الهوية وتزايد دورها

يعود الاهتمام بمسألة الهوية إلى الفلاسفة منذ سقراط إلى يومنا هذا كمسألة فلسفية في إطار الاهتمام بالوجود، ولكن مسألة الهوية كمسألة انثروبولوجية ثقافية وسياسية ظاهرة حديثة جداً، وهناك من يقول بأن مفهوم الهوية انتشر بشكل كبير في الولايات المتحدة في الستينات، وهو يعكس وضعاً خاصاً هو: تصاعد أهمية الأقليات، لكنه أيضاً يكشف عن النزعة العميقة للحداثة لتثبيت الفردانية والإعلاء من شأن الفرد([1]). ويقول (جورج لارين) عن العلاقة بين الهوية والحداثة بأن للهوية الثقافية علاقة وثيقة ودقيقة بالحداثة، لأن الحداثة جعلت الوجود الإنساني مركز العالم ومعياراً لجميع الأشياء، وذلك ضد الرأي القديم (Theocentric) مركزية الله، فأصبح الكائن الإنساني الذات الأساسي لكل معرفة، سيداً لجميع الأشياء”([2]). و يؤكد أيضاً رأي آخر على علاقة مسألة الهوية بالحداثة وخاصة في لاقتها مع الفردانية الغربية، لأن مسالة الهوية تظهر، (حسب هذا الرأي)، في المجتمعات الحديثة فقط بفعل عامل التعددية الثقافية من حيث إن  المجتمعات التقليدية مجتمعات صغيرة ومندمجة ومنسجمة ومتشابهة بينما يظهر في المجتمعات الحديثة التساؤل (من أنا؟ أو من نحن؟ والى من ننتمي؟)، بسبب انتهاء الاستقرار والثبات التقليديين في ظل المجتمعات القديمة ولبطء التطور والتقدم فيها([3]). وتزداد في ظل التنوع والتعدد فرصة الالتقاء بالآخر والمقارنة بينها، ولكن أغلب الباحثين يُرجعون ذيوع مفهوم الهوية بشكل أوسع إلى النصف الثاني للقرن العشرين، ويقول (هاني نسيره): وقد ذاع مفهوم الهوية عالمياً وعربياً منذ ستينيات القرن المنصرم (العشرين) ومع الصعود القومي والثوري في منطقتنا نتيجة حمأة الصراع الدولي أو الثقافي منذ هذا التاريخ، واهتمام العديد من المجالات العلمية بدراسته، حتى يصح في ذلك قول المؤرخ (ألفرد كروسر- Alfred Grosser) :القليل من المفاهيم هي التي حظيت بالتضخم والاهتمام الذي عرفه مفهوم الهوية، حيث أصبحت الهوية شعاراً (طوطمياً) وأصبح بديهياً أن يحل كل الإشكاليات المطروحة، فصرنا نسمع عن خطاب الهوية، أي تلك الخطابات التي تقوم في أسسها الفكرية على تصور خاص للهوية، يمكن التمثيل بالتيارات القطرية والوحدوية والإسلامية، كما نسمع عن سياسات الهوية أي السياسات التي تمثل الهوية مصدراً لشرعيتها وسنداً لها كحقوق الأقليات في تقرير مصيرها أو الصراعات الأهلية وسلطات الحكم الذاتي([4]).

       وقبل أن تهتم العلوم السياسية بمفهوم الهوية و إشكالاتها، ظهر الاهتمام بذلك في حقل علم النفس، وخاصة علم النفس الاجتماعي، ويقول أحد الباحثين بأن (إريك إريكسون) العالم النفسي هو صاحب المفهوم وقد قام بدور مركزي في انتشار استخدام هذه الكلمة وتوسع شعبيتها في العلوم الإنسانية، وهو الذي صاغ مفهوم (أزمة الهوية) في مجالات علم النفس الاجتماعي من خلال دراساته حول العلاقة بين النماذج الثقافية لمجتمع معين وأنواع الشخصية السائدة بين الأفراد الذين يشكلون هذا المجتمع([5]).هكذا تكون للهوية الاجتماعية أساساً طبيعة سيكولوجية (نفسية) وظهرت العديد من الدراسات والأبحاث في هذا المجال، ولعل من أهم النظريات المعروفة في هذا المجال هو نظرية تصنيف الذات (Self Categorization Theory)، التي صاغها (تيرنر) عام (1960)([6])، وهي من أهم النظريات في الهوية الاجتماعية، حيث تقدم تفسيراً مفصلاً للأساس الاجتماعي-المعرفي لعضوية الجماعة([7])، وتفسر كيف تستمد الذات معناها من خلال السياق الاجتماعي، وكيف يحدد التصنيف الاجتماعي مكان الفرد في المجتمع وبالقدر الذي يجعل التوحد والتحيز للجماعة الداخلية أهمية في بروز الهوية الاجتماعية فضلاً عن عملية المقارنة الاجتماعية التي تنشأ بين الجماعات، بما يُحدث التحيز السيكولوجي، لأنه في عملية المقارنة الاجتماعية تكمن فكرة رئيسة وهي أن (الذات Self-Concept) تعتبر جزءاً من الوظيفة النفسية، فنحن عندما نتعامل مع العالم من حولنا نحتاج إلى أن نشعر بأن لذاتنا قيمة (المفهوم الإيجابي عن الذات)، لذلك فإننا نسعى دائماً إلى تقييم أنفسنا  من خلال المقارنة مع الآخرين الذين يشبهوننا فالذات تستمد معناها من خلال السياق الاجتماعي للعلاقات بين الجماعات([8]).

    هكذا دخل مفهوم الهوية من خلال دراسات علم النفس ومن ثم علم النفس الاجتماعي إلى مجالات أخرى في إطار (نظريات الهوية الاجتماعية) وذلك بتطبيق النظرية على عدد من الموضوعات التي تشمل التعصب، التمييز وتقدير الذات، الأمر الذي جعلها تفرض نفوذها ليس فقط على علم النفس الاجتماعي،و لكن أيضاً على علم النفس التنظيمي والصحة النفسية والعلوم السياسية واللغوية([9]). هكذا اقتحم، مفهوم الهوية مجالات واسعة وصار موضة علمية بمواصفات الحل السحري لجميع الإشكاليات حيث تدافعت العلوم الإنسانية من الانثروبولوجيا والسوسيولوجيا والسيكولوجيا والعلوم السياسية لاستلهام المفهوم رغبةً في الظفر بنصيبٍ من النجاح الذي حققه في مقاربة آليات التغيير وميكانيزمات حل المشاكل([10]). وتقدم الاستراتيجية السياسية إضاءة مهمة في مدى فعالية الهوية، فبنظرة بسيطة على امتداد مناطق الصراع العالمي، يمكن أن نستشف حضور النزعة الهوياتية  كمعطى فاعل، وسواء تعلق الأمر بمناطق البلقان أو القوقاز أو بصراعات أفريقيا أو البحيرات، فإن الملاحظة الأساسية التي يوردها علماء السياسة في اتجاه تمركز الصراعات حول الهوية، حيث إن القوة المدمرة للمفهوم مستمدة من الاعتقاد بتماثل الهوية الثقافية ونظيرتها السياسية، وهذا يتحول إلى عامل إنفجارفي الصراعات الدامية([11]). وهناك من يقول بأن انتشار (المفهوم) في البدء كان في الولايات المتحدة الأمريكية، في عقد الستينيات من القرن العشرين لأن الوضع السياسي في أمريكا ساهم بدوره في نشر اصطلاح الهوية وفرضه على لغة الإعلام كما على التحليل الاجتماعي والسياسي مع ظهور أقليات إثنية في أمريكا تطالب بالاعتراف بخصوصيتها([12])، وأنتجت هذه الظروف صحوة هوية حقيقية في سنوات السبعينات، و كما قال أحد الباحثين، فإن تجربة الأمريكيين من أصل أفريقي مع قضية (الإثنية) باعتبارها تصنيفاً يفرض نفسه، وفي الوقت نفسه باعتبارها تحديداً ذاتياً للهوية،كانت هذه التجربة حاسمة ليس فقط لنفسها وفي داخل حدودها الخاصة، بل أيضاً في تقديمها لنموذج الاحتجاج على أساس من الهوية، وهو النموذج الذي استفادت منه جميع أنواع الهويات، ويعود سبب اعتماد العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية في الولايات المتحدة لتحليل الصراعات الاجتماعية والسياسية إلى تميز تاريخ أمريكا- خصوصاً في مسألة أهمية الأقليات التي نشأت عن موجات متعددة من الهجرة بالإضافة إلى ضعف التحليل الاجتماعي والسياسي القائم على اصطلاح الطبقية (باعتبار الطبقة الاجتماعية نمطاً من أنماط الهوية)، وضعف السياسة الطبقية، أمر شكل تربة خصبة وحقلاً حراً لتطورالأحتجاجات المؤسسة على الهوية، ومن نفس المنطلق يمكن تفسير تزايد أهمية الهوية في أوربا لاحقاً. إذن يمكن أن نفترض بحق- وجود علاقة بين تقوي خطاب الهوية في العلوم الاجتماعية في أوربا وبين تراجع رؤية أكثر ماركسية للشأن الاجتماعي، وإذ كان التحليل بمصطلحات الطبقية لا يزال قائماً ومستمراً، فإنه الآن مجرد معطى واحد من جملة معطيات أخرى، ومكون من مكونات الهوية، وعلى المستوى السياسي ساهم سقوط الاتحاد السوفيتي (الشيوعية) في تسارع تراجع هذا التحليل([13]) (التحليل الطبقي وفق الايديولوجية الشيوعية).

ويميز (برهان غليون) بين (خطاب الهوية) و(الهوية) ذاتها ويقول “الهوية بوصفها حقيقة تعيشها الجماعات والأفراد، فالكلام على الهوية خطاب أيديولوجي يندرج في نطاق إستراتيجية عمل، أما الهوية فهي مجرد الثقافة”([14])،وهو يشير إلى غموض يكتنف مفهوم الهوية بذاته، فثمة من يتكلم عن هوية ثقافية، ويتحدث البعض عن هوية قوميته، والبعض الآخر عن هوية إثنية، ومن خلال اللعب بهذه الكلمات يشتغل خطاب الهوية([15])، هذا الخطاب الحديث العهد جداً، فمنذ عقد أو اثنين من الزمن بدأ الكلام عن الهوية في أوربا والعالم الثالث، وما يفسر ظهوره في مرحلة زمنية محددة هو التبدل في علاقة القوة على مستوى العالم من جهة بين أوربا والبلدان العربية مثلاً، وعلى مستوى دول المنطقة الواحدة من جهة ثانية، أو على مستوى الإثنيات المختلفة في الأمة الواحدة ويعتقد (برهان غليون) أن هذا ما يفسر الغموض الذي يحيط بمفهوم الأمة ومهزلة التلاعب به: فهو يستخدم لتأكيد وجود كيانات اجتماعية-سياسية تقاوم الاندماج في بنية مجتمع الدولة، أو لتعزيز الدولة بوصفها الدولة-الأمة، أو يمكن استعماله لتفكيك الدولة-الأمة وتقسيمها بين المجموعات الإثنية([16]). ولقد ظهر خطاب الهوية القومية بعد انهيار الخطاب القومي و الايديولوجيات القومية التقليدية، وحل، بمعنى ما، مكان القومية بوصفها خطاباً يعطي للدولة شرعيتها، وبموازاة هذا الخطاب ، تطور داخل مؤسسات الدولة كنتيجة ملازمة للنظام الاقتصادي الدولي الجديد خطاب حول المساواة بين الثقافات واحترام الهويات الثقافية والتعاون الدولي، وأخيراً ثمة أقليات لا تجد في سياق مقاومتها للدولة المركزية شكلاً آخراً للتنظيم والتضامن الجماعي إلا شكل الانتماء الإثني، والإقليمي، ويمكن استخدام هذا الخطاب أيضاً من قبل الدول القديمة التي تأخذ، من أجل إخفاء فشلها في تحقيق إجماع سياسي وفي تشجيع التقدم والحريات، بخطاب الهوية بهدف نشر تصوّر عن التجانس من قبل مجموعات إثنية تستعمله ضد دولة تزداد قطيعتها مع المجتمع، وهي دولة لم تتوصل هذه المجموعات إلى تحقيق ذاتها فيها، ولذا فهي تسعى من خلال هذا الخطاب إلى خلق دولتها الخاصة بها و أن تضمن لأعضائها فرصة لتحقيق ذاتهم جماعياً. ولكن (مرنيك غادان)، يرفض هذا الطرح ويؤكد على أنه لا يمكن استبعاد خطاب الهوية عن النزعة القومية. ويؤكد على أن القومية هي حاملة لخطاب الهوية، فهي تحشد الشعب سياسياً ونفسياً، وحتى عاطفياً بالتأكيد على هويته المترسخة في تاريخه، يُمجد هذا التاريخ ويُقدس ُنظم قيمه، ويشير إلى أنه تمت صياغة خطاب الهوية في مرحلة سيطرة الاستعمار، وهنا كانت البداية، وحتى قبل الكلام عن الاستقلال كان يجري النضال من أجل الحفاظ على الكيان الشفهي ومن أجل المساواة في الحقوق وفي الاحترام الفروقات الثقافية([17]).

    و نستخلص من هذه الآراء بأن مسألة (الهوية) ظهرت كإشكالية من خلال ظهورالظاهرة القومية وتحت اسم (القومية) أيضاً، ولكن تزايد وتصاعد هذه الإشكالية في خطاب الهوية القومية أو الثقافية حدث بصورة أوضح في النصف الثاني من القرن العشرين، وساعد بروز مفهوم (الهوية) في دراسات وأبحاث،جرت أولاً في مجالات علم النفس وعلم النفس الاجتماعي ثم في العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية. ويقول (برهان غليون)، “يحل خطاب الهوية الثقافية في العالم الثالث، تدريجياً، محل خطاب التحرر القومي الذي شاع أبان مرحلة النزاع مع الاستعمار، إنه شكل جديد للقومية يعبر عن نفسه بتعبير التناقض الأيديولوجي أكثر مما يعبر بتعبير التناقض السياسي، وحيث كنا لعقد خلا نتكلم عن حقوق تقرير المصير، وإقامة دولة قومية مستقلة وسيدة، فإننا نتكلم اليوم عن الصراعات والحوارات والحقوق المتعلقة بالهوية الثقافية”([18]).

2– وظيفة الهوية ودورها

       هناك آراء مختلفة حول وظيفة الهوية ودورها في حياة الأفراد والجماعة الإنسانية، وفي هذا الصدد يشير (عز الدين المناصرة) إلى تيارين، تيار يقدس الهوية، وتيار يدنس الهوية ويعتبرها وهماً، فكلاهما يرتكزان إلى حدّي التطرف من الثبات إلى التفكك، حيث يرفض تيار التقديس حركية الهوية وقابليتها للامتصاص والتحول، أما تيار تدنيس الهوية فيلجأ إلى تجاهل أهمية ودور الهوية باغتيال الأصل والأصلاني في الهوية([19]). وهذان التياران يمثلان اتجاهين مختلفين في النظر إلى أهمية الهوية ودورها وتحديد وظيفتها، في الحياة السياسية للجماعات للبشرية، فهناك من يقدس الهوية، ويعطيها تأثيراً ودوراً فعالاً ومؤثراً في العلاقات بين الجماعات، وهناك من يعتبر الهوية وهماً واختراعاً أيديولوجياً لتغطية المصالح في الصراعات بين الجماعات، وهناك آراء تتراوح بين هذا وذاك.و يربط (برهان غليون) بين النهضة وأهمية التعرف على الذات، أي تحديد الهوية، ويقول بان موضوع النهضة يخفي في الواقع موضوعاً آخراً لا يقل عنه أهمية، وهو موضوع الذاتية، فالجماعة كالفرد لا تستطيع أن تبادر إلى عمل أو تقوم بإنجاز مشروع، مهما كان نوعه أو حجمه، دون أن تعرف نفسها، وتحدد مكانها ودورها وشرعية وجودها كجماعة متميزة، أي تعرف أيضاً ما هي وما تريد أن تكون عليه وقبل أن تريد تحقيق شيء، يجب أن أدرك من أنا، وقبل أن أغير وأطور وأنهض لابد لي من أن أكون ذاتاً، أي إرادة([20]).

       ويقول (صموئيل هنتنغتون) بأن المصالح الوطنية تُشتق عن الهوية الوطنية، وعلينا أن نعرف من نحن قبل أن نتمكن من معرفة ماهي مصلحتنا([21])، وبذلك فإنه يربط بين معرفة الذات وتحديد الهوية وبين تحديد المصالح، ويشير (هنتنغتون) إلى أنه إذا جرى تعريف الهوية الأمريكية بمجموعة مبادئ معينة، فيفترض عندئذ أن يكون السلوك على أساس هذه المبادئ، وبذلك تولد تعاريف معينة للهوية الوطنية من مصالح وطنية وأولويات سياسة مختلفة، والصراع على ما يجب أن نفعل في الخارج متجذر في الصراعات على حقيقة مانحن في الوطن([22]). ويقول باحث آخر أن للهوية دوراً وتأثيراً كبيرين في ترسيخ الوحدة الوطنية بالرغم من وجود اختلاف كبير حول تحديد ماهية الهوية وأبعادها الفكرية والثقافية والسياسية، والواقع أنه يمكن استعمال المفهوم على أنه شعار سياسي ذو بعد استراتيجي لهذا الطرف السياسي أو ذاك، أو أن يصاغ على وفق الرؤيا الأيديولوجية لهذه الجهة أو تلك([23]). ويشير باحث آخر إلى دور الهوية في توحيد المجتمع وتحديد من ينتسبون إليه وتمييزهم عمن سواهم([24]).ويقول (برهان غليون) بأن الهوية ليس لها قيمة في ذاتها أو فيما تخلفه من شعور بالخصوصية، وإنما تنبع قيمتها من الإطار الذي تخلقه من الفرص الحقيقية للتقدم وتوسيع هامش المبادرة التاريخية للشعوب والجماعات التي تنطوي تحت شعارها([25]).

       ويقول (أدونيس العكرة)، في أهمية ودور الهوية أنه “لا يستطيع الإنسان في فرادته المباشرة، في شخصيته الذاتية، أن يشعر بأنه فرد بالمعنى التام، إلا متى عانى تجربة كونه جزءً من وحدة كلية أكبر منه وأعلى من حيث الرتبة وأسمى قيمة ومقاساً، إنما عملية مشاركة يشعر بها الإنسان إنه إنسان بين البشر، أنه ذاته، هذه الوحدة الكلية الشاملة التي ينضوي تحتها الإنسان كجزء مكون ويمثلها بكليتها هي الهوية([26]).وحسب رأي (أدونيس عكرة) فإن الهوية بحد ذاتها تشكل دافعاً رئيساً يدعو إلى النضال بعنف من أجل تحقيقها، كما يدعو إلى الدفاع عنها والمحافظة عليها بعنف، ولأن الهوية هي إنتماء، وقد يتمظهر هذا الإنتماء ويتعين بوطن أو بدين أو بطبقة أو بقومية أو بعقيدة، فإن من شأنها أن توفر للإنسان الاجتماعي مناخاً عقلانياً يجد فيه معنى لأفعاله وتصرفاته ومصنوعاته وأفكاره، وهذا يعني أنه من طبيعة هذه المسألة ان تكون مصدراً للقيم العقلانية والأخلاقية والسياسية. ويشكل الوجود السياسي أحد المكونات الأساسية للهوية، إن هدف الهوية الرئيس هو في أن تتعين بكيان سياسي معين، ومن الناحية الأخلاقية، تشكل الهوية مصدراً معيارياً لتصرفات الجماعة التي تنتمي إليها ولمبادئها الأخلاقية([27]). هكذا تؤدي الهوية دوراً ملحوظاً في الحياة السياسية لأنها تقضي بترسيخ التماسك والاستمرارية والاستقرار بين المواطنين، “فإن يكون المرء مواطناً فرنسياً على سبيل المثال، يدل على فكرة التشابه الأساسي مع سواه من الفرنسيين وعلى الرغم من التباين في الطبقة والوضع والتعليم وما إلى ذلك”([28]). ويبني (صموئيل هنتنغتون) أفكاره حول (صدام الحضارات) على أسس الهوية الثقافية ويقول “إن الطرح الرئيس لهذا الكتاب (صدام الحضارات) هو أن الثقافة أو الهوية الثقافية، والتي هي في أوسع معانيها الهوية الحضاراتية، هي التي تشكل نماذج التماسك والتفكك والصراع في عالم مابعد الحرب الباردة”([29])، ويضيف إلى ذلك أنه في العالم الجديد الهوية الثقافية هي العامل الرئيس الذي يشكل تقاربات الدولة وعداءاتها، ويصبح السؤال (من أنت؟) ذا أهمية كبيرة، كل دولة عليها أن تجد له إجابة، وتلك الإجابة هي هويتها الثقافية التي تحدد مكان الدولة في السياسة الدولية، وتحدد أصدقاءها وأعداءها([30]).

       وحسب هذا الرأي فإن للهوية دوراً ووظيفة فعّالة ومؤثرة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات، على كافة المستويات (الفردية، الجماعية)، وهي التي تعطي معنى للوجود والفعل والسلوك، وتحدد الخير والشر وفقاً لمعايير وقيم سائدة، وهي التي تحدد المصالح والمنافع وعكسها أيضاً، فالهوية مصدر ووعاء الشرعية لأي عمل يقوم به الإنسان، انطلاقاً من تعريفه لذاته الفردية أو الجماعية في سلوكه وتعامله مع الآخرين. ولكن بالقدر الذي تعتبر الهوية أساساً وقاعدة للتشابه والتماثل بين أفراد مجموعة بشرية، فإنها أيضاً تعتبر عامل التماثل والتمايز بين جماعات مختلفة، فإذاً كانت الهوية قاعدة وأساساً للتعاون والانسجام بين أولئك الذين يتشابهون (أصحاب هوية واحدة)، فهي أيضاً عامل صراع ومنافسة بين الذين يختلفون ولا يتشابهون. ولكن تبقى نقطة جوهرية أخرى وهي أن أهمية ودور ووظيفة الهوية منوط بالفاعل الذي يعتمدها في تعريفه لذاته وفي تعامله مع الآخرين، فإذا أنا أعطيت أهمية لهذه الهوية أو تلك فسيكون لها دور وتأثير على سلوكي وفي حياتي. لذلك نرى من يعتبر أن دور وأهمية الهوية وخاصة الهويات الثقافية، القومية، الإثنية، الدينية، يقتصر على المجتمعات تقليدية أو على حد قول (فرانسيس فوكوياما) مجتمعات داخل التاريخ أي تمييزاً لها عن العالم (ما بعد تاريخي)، وحسب رأيه، فإن الأفراد والجماعات في (عالم ما بعد تاريخي) وتحت تأثير العقلانية الاقتصادية تقلل من شأن العناصر التقليدية للسياسة بتوحيد الأسواق والإنتاج، وفي المقابل، سوف يواصل (العالم المنخرط في التاريخ) انقسامه بفعل صراعات قوية مختلفة دينية، قومية، وأيديولوجية، بحسب تقدم هذه البلدان المعنية التي سوف يتواصل فيها تطبيق القواعد القومية لسياسة القوة([31])، وجوهر القضية هو الصراع من أجل الاعتراف، وتتغير الوسيلة سواء اتخذت شكل التشبث بهويات تغطي مصالح معينة أو اتخذت شكل الصراع على المصالح والمنافع الاقتصادية (المادية) بدون أية غطاء. إذاً تكمن أهمية ودور الهوية في توظيفها أو عدم توظيفها في الصراع الإنساني من أجل الاعتراف والكرامة، وكما يقول (برهان غليون) فإن الهوية، أي التصور الذي يكونه شعب ما عن ذاته، لا قيمة لها إلا بقدر ما تساهم، من خلال القيم التي تركز عليها والعلاقات التي تشجع على بنائها والإيحاءات التي تثيرها، في إعادة بناء الشخصية الفعلية المفككة أو المهددة وبالتالي ضمان تفتحها واستقرارها، وهو ما لا يمكن أن يتحقق من دون قيام هذا البناء على الأسس نفسها التي تساهم في إدماجه في الحركة التاريخية وتعظيم مشاركته في المغامرة التاريخية الحضارية البشرية، والهوية التي لا تقود إلى مثل هذا البناء تتحول بسرعة إلى وهم محبط، وتدفع الجمهور سريعاً نحو التخلي عنها والتوجه نحو خيارات مغايرة[32].

 إشكالية الهوية بين الثبات والتحول

       تتعلق إحدى الإشكاليات في مسألة الهوية بقضية الثبات والتحول في الهوية كان هذا ولا يزال قضية معقدة في التناول الفلسفي للهوية، إذ أن الفلاسفة ما قبل سقراط، مثل( بارميندس) أو (هيراقليطس) كانوا دائماً محتارين حول مسألة (هو ذاته والآخر)، وكيف يمكن التوفيق بين التغيير والهوية؟([33]). ويعود ذلك إلى أن الهوية تشير إلى كينونة شيء وتشخصه وتميزه وهذا يعتمد على ثبات وديمومة العناصر والخصائص المكونة لذات الشيء، وخاصة إذا كان هذا الذات والوجود إنسانياً، سواء كان فرداً أو جماعة، ولكنه في الوقت ذاته، وكما فهمنا من التعاريف المختلفة للهوية الإنسانية، شيء يتكون ويتشكل بصورة مستمرة، ويعني هذا التغيير والتحول المستمرين. وبالنسبة ل(بارميندس) ول(لإيليين) من الصعب أن نفكر في التحول (في هذه المسألة)، لأنه إذا لم يكن (أ) على ماكان عليه، فهل يبقى (أ) هو (أ)؟ وعلى خلاف ذلك يرى (هيراقليطس)أن كل شيء في حركة دائمة، ونحن نعرف مقولته الشهيرة، (نحن لا نغطس مرتين في الوادي (النهر) نفسه)([34])، وبذلك تتجاوز قضية الثبات والتحول في الهوية قضية الهوية الإنسانية، ويدل على ذلك لغز سفينة (تيزوس) التي تغيرت أجهزتها ومواد بنائها شيئاً فشيئاً طوال مدة رحلاتها بين (بيراس وديلوس)، فسوفسطائيو أثينا تساءلوا هل فعلاً يتعلق الأمر في النهاية بالسفينة نفسها؟!([35]) المشكلة إذاً تكمن في هذه السفينة التي تم تجديدها كلياً أو في ذاك الشخص المسمى على سبيل المثال (سقراط) بالنظر إلى جميع مراحل حياته، هل يمكن أن نقول إنهما هما أنفسهما بالرغم من التحولات التي طرأت عليهما؟ والأمر لا زال مستمراً بعد أكثر من (عشرين قرناً)، ولكن تم تحديد المسألة نوعاً ما في العلوم الإنسانية والاجتماعية حالياً بفضل الطريقة التي طرح بها الفلاسفة الامبريقيون وعلى رأسهم (ديفيد هيوم) و(جون لوك) مشكلة الهوية الشخصية، وتساءلوا عن كيفية التفكير في وحدة واستمرارية الأنا عبر الزمان؟ هل (الأنا) الشخص نفسه الذي كنته قبل عشرين سنة (على سبيل المثال)؟ وأدى الأمر بـ(هيوم) إلى أن ينكر وجود هوية شخصية، ويعتبره وهماً من نسيج الخيال، لأن الهوية لا تتفق مع معنى التغيير في الزمان، ويقول “ما أسميه ذاتاً ليس إلا حزمة من المدركات على أساسها يكون الخيال مستمراً، وهذه الإدراكات لا يمكن أن تكون ثابتة في الواقع، فإذن استمرار الادراكات هو من صنع الخيال”([36])، ولكن (جون لوك) اقترح حل هذه الإشكالية حول الهوية الشخصية بطرح فكرة الذاكرة، حيث يقول إذا كنت الشخص ذاته الذي كان قبل عشرين سنة، فلأنني أذكر مختلف المراحل التي مرّ بها وعيي أو شعوري([37]). وهذه إشارة إلى دور الذاكرة في مسألة الهوية، ويمثل التاريخ وأحداثه الذاكرة بالنسبة للهوية الجماعية.

       ويشير(تركي الحمد) الى أنه إذا كانت الهوية تتكون من عناصر مركبة فهي بالضرورة متغيرة، في الوقت ذاته الذي تتميز فيه بثبات معين، مثل ما أن الشخص الواحد يولد ويشيخ، وتتغير ملامحه وتصرفاته وذوقه، أي شخصيته خلال ذلك، ولكنه يبقى هو وليس أحداً آخراً، فالهوية منظوراً إليها سوسيولوجياً متغير من المتغيرات([38]).وينطلق جوهر هذه الإشكالية أساساً من اعتبار (الهوية) مسألة فلسفية قبل أن تكون مسألة سوسيولوجية وسياسية متغيرة، وفي الفلسفة تشير الهوية إلى (التماهي) أو التماثل، وأحياناً تستخدم كلمة (نفس) لتشير إلى (التماثل النوعي)([39])، أي نفس الشيء (ذاتيته) بدون تغيير مهما تغيرت الظروف المحيطة به. ويحدد معجم (روبير)، الهوية باعتبارها الميزة (الثابتة في الذات)([40])، وكما تمت الإشارة إليها سابقاً، فإن (الهوية) أساساً استخدمت كمرادف ل(الوجود) في مدلول (انطولوجي-وجودي- فلسفي)ë. وهناك من يقول بأن التركيز على معنى الهوية، يكتنف في بقاء الشيء واحداً، حيث التأكيد على الفرادة والتميز عبر تحديد الأوصاف والسمات المميزة، ولكن هل هذا يعني بأنها تحمل المعنى المطلق، ألا يدعونا هذا الأمر إلى البحث في العلاقات والسياقات الكامنة في وسط الترابطات اللزجة بين الكلمات([41]). إذاً لا يمكن أن نطبق المعايير الفلسفية على مفهوم الهوية في المجال السوسيولوجي والسياسي، لأن ذلك يعقد علينا الأمر ويوقعنا في تناقضات لكون المنظور الفلسفي منظور تجريدي أكثر، وأن الواقع السوسيولوجي مختلف تماماً.

       ويؤكد (تركي الحمد) بأن هناك في كل مجتمع نوع من الثنائية في النسق الثقافي** هي ثنائية الثابت والمتحول، وهذه الثنائية هي تقسيم معرفي نموذجي الهدف منه الإيضاح التجريدي، وإلا فإن الواقع ذاته لا يعرف التقسيمات ذات الحدود الواضحة، فكل شيء متداخل ومترابط بشكل شبكي، والمقصود بالثابت في ثقافة ما هو تلك المجموعة من القيم والمبادئ والمسلمات ومنطلقات السلوك التي تعطي للجماعة أسلوبها الخاص في الحياة وتمنحها الشخصية المختلفة التي تفرقها عن غيرها من الجماعات والثقافات، أما المتحول في الثقافة، فهو تلك المجموعة المتكونة من القيم ومنطلقات السلوك المرتبطة بحركة الجماعة وسلوكها أي أن الثابت في الثقافة هو محورها الذي تدور حوله ويميزها عن الثقافات الأخرى، هذا إذا افترضنا مع (رينيه جيرار)؛ إن أي نظام ثقافي هو منهج من الاختلافات المنسقة مما يمكننا من وصف هذه الثقافة بالعربية الإسلامية، وتلك بالغربية، وهكذا، أما المتحول فهو أنماط السلوك والقيم (المكتسبة) بشكل مستمر من شتى المصادر وسواء كانت تلك المصادر هي ضرورات الحياة أو نتيجة تداخل و تلاقح الثقافات والحضارات . والعلاقة بين الثابت والمتحول في الثقافات هي عبارة عن تداخل لا يمكن أن نبين حدوده في نسيج واحد، وذلك مثلما هو الأمر بشأن البقرة وأكلها، فنحن حقيقة لا نستطيع تحديد مكان البقرة في الجسم بعد هضمها لأنها أصبحت جزءً من نسيج ذلك الجسم([42]). وهكذا يقوم الثابت من الثقافة بهضم الجانب المتحول ويمنحه صورته ومضمونه، ويقوم الجانب المتغير بتغيير مضامين وقيم ومبادئ الجانب الثابت دون أن يمس الإطار العام للقيمة، وذلك على افتراض أن الثقافة ذاتها قادرة على التفاعل الحي مع المحيط([43]). ويوضح (تركي الحمد) آراءه حول هذه المسألة بمجموعة من الأمثلة نورد بعضاً منها؛ فعندما وفدت البوذية إلى اليابان، لم تحول اليابان إلى صين مشوهة، بل إن ديانة (الشنتو) اليابانية استوعبت الديانة الجديدة لتجعل منها بوذية يابانية بخصائص قومية وثقافية خاصة اكتسبت المعالم القومية للبلاد التي حلت بها، وبالمنطق الإجرائي ذاته استوعبت اليابان الثقافة والتقنية المعاصرة وبعض القيم الغربية، ولكنها هضمتها بحيث اعطتها النكهة اليابانية الخاصة، وهناك تغييرات طرأت على بعض العناصر والمظاهر الثقافية المكونة للهوية اليابانية مثل التضحية والولاء وروح الجماعة التي تعتبر من القيم الرئيسة في الثقافة التقليدية اليابانية، وهي من القيم الثابتة لوجودها الدائم في نسيج الثقافة اليابانية قديماً وحديثاً، ولكن كونها قيماً ثابتاً لا يعني الجمود والسكون، فإذا كانت التضحية والولاء قد ارتبطتا في السابق بالإمبراطورية والنظام الإقطاعي الياباني والعمل ومؤسسات الإنتاج، وهي قيم جديدة بغض النظر عن مصادرها بحيث تغيرت العلاقة التقليدية بين مظاهر السلوك والغاية، أما جوهر السلوك وبنية القيمة فقد بقيا ثابتين مما يجعل من اليابان ياباناً في الماضي والحاضر رغم كل التحولات الجذرية والمتغيرات التاريخية([44]).

       ويعتقد (سليم مطر) أن الديمومة الزمانية  شرط جوهري لأية هوية، وأن الاعتراف بكينونة الفرد وتمايز شخصيته البدنية والمعنوية لا يتم فقط بالاعتماد على لحظة معينة بل أيضاً بالاعتماد على ديمومة زمانية تكشف عن ديمومة صفات هذه الوحدة الفردية، إن فلان الذي نعرفه كفرد (كشخص) متميز باسمه وشخصيته، نعرفه أيضاً بجوهره هو دائماً فلان نفسه ولا يمكن اعتباره شخصاً آخر بعد كل يوم أو بعد كل فترة([45]). ومهما أثرت الظروف في الفرد وتعرض لمتغيرات بدنية ومعنوية إلا أنه بالنسبة للجميع يبقى هو نفسه باسمه وبدنه والأساسية التي توحده مع ذاته وتميزه عن باقي البشر، صحيح أن الزمن والعمر والتجارب تضيف وتحذف الكثير من ناحية شكل ومحتوى الفرد، لكن مع هذا فإن هنالك شخصية واحدة مستمرة ودائمة في ذلك الفرد تجعله يحس بأنه (أنا) واحدة ودائمة ومتميزة عن الآخرين،وعلى الرغم من التغيير يتميز الإنسان وتتكون صورته لدى الآخرين([46]). ونلاحظ هنا أن (سليم مطر) يركز كثيراً على عنصر الثبات والاستقرار في الهوية، بالرغم من إقراره بوجود تغييرات، ولكن حسب وجهة نظره تكون التغييرات ثانوية من حيث الأهمية. ويؤكد كثير من الباحثين والمتخصصين على أن الهوية شيء يتشكل ويتكون، وهذا يعني أنه في تغيير دائم، ولكنهم قد لا يتفقون على مستوى ونسبة التغييرات التي تطرأ على الهوية البشرية من النواحي الاجتماعية والسياسية والثقافية ويقول (ستيوارت هول)، نحن دوماً في طريقنا إليها (إلى هويتنا)، فالهوية دوماً في طور من التشكل الدائم، ولا تنتهي أبداً فهي دائماً في تطور وتغيير، إن هذا يجعلنا واعين بأن الهويات لا تكتمل([47]). ويقول (إيمانويل والرشتاين) بهذا الصدد أيضاً، إن البشر يملكون هويات ثقافية متنوعة، إن المرء يسعى خلال الحياة ملتقطاً للهويات، بهذا المعنى يغدو بناء الهوية أمر لا يكتمل أبداً ولا ينتهي، وهناك اتجاه فكري من أنصار الخصوصية وهم نوعاً ما أصوليون يتجاهلون أن الهوية خاضعة لقانون التغيير، فكيف يخطئ المرء ويطلب الثبات لشيء هو متغير حتماً([48]). ويقول (جورج لارين)، بأنه يوجد نمطان أو طريقتان لتصور الهوية أو إدراكها ([49]):

الأول: تصور الهوية كخصوصية ماهوية ضيقة ومغلقة، وتفكر في الهوية بوصفها واقعة، هي ماهية تشكلت بالفعل وتفترض أيضاً أن الماهية يجب اكتشافها والتنقيب عن المستودع أو المخزون الذي يمكن أن يكون خلفية عرقية أو جغرافية أو دينية أو لغة محلية أو قومية وهكذا، وفي مثل هذا التصور يتوقف التاريخ ويصبح صورة هزلية لما يجب أن يكون عليه، ويصبح تاريخ المجتمع تاريخ اغتراب كبير وتاريخ فشل تام للنخب الثقافية التي تلجأ إلى نماذج عقلانية.

الثاني: نظرة تاريخية مفتوحة حين نفكر في الهوية بوصفها شيئاً يتم إنتاجه بشكل متواصل في عمليات دائمة لم تكتمل وهي موضوع صيرورة شأنها شأن الوجود، إنها موضوع ينتمي للمستقبل بقدر ما ينتمي للماضي، إنها ليست شيئاً موجوداً بالفعل متجاوزاً أو مفارقاً للمكان والزمان، للتاريخ والثقافة. فالهويات الثقافية تنبثق من أماكن لها تاريخ، ولكنها مثل كل شيء تاريخي، تعاني وتكابد التحول الدائم وهي بعيدة عن أن تكون ثابتة بشكل أبدي في بعض الماضي الماهوي، إنها (الهوية) خاضعة لتأدية دور متواصل في التاريخ والثقافة والقوة بعيدة عن أن تكون مؤسسة في مجرد صحوة الماضي.ومن هذا المنطلق يؤكد (نيتشة) على أن الذات ليست شيئاً معطاة، إنها شيء ما مضاف ومخترع ومشروع خلق ما هو موجود هناك. وعند (ميشيل فوكو) إن الذات تشكيل وتأليف وليست نقطة ابتداء، وتحت تأثير كل من (نيتشة وفرويد)، يؤكد (فوكو) على أن الفرد ليست كياناً معطى سابقاً بل أن الرد بهويته وصفاته؛ نتاج علاقة القوة الممارسة على الأجسام([50]).

       وتنطلق نظرة وتصور كل من (ميشيل فوكو ونيتشة) إلى الذات والهوية تنطلق أساساً من تصورهما للحقيقة ، إذ يعتقد نيتشة، بأن الحقيقة ليست شيئاً موجوداً معطى، وإنما شيء يمكن خلقه واكتشافه أو إبداعه، والإبداع والخلق من صفات القوي ويقول “الحيوية والإبداع بما في ذلك خلق القيم هي امتياز القوي”([51]). والقوي عند (نيتشة) هو الإنسان الخارق (سوبرمان) وتتجلى صفاته في شخصية الارستقراطي. بنفس المنطق يرى (ميشيل فوكو) بأن الحقيقة حيلة من حيل السلطة ويقول “نحن خاضعون لإنتاج الحقيقة من خلال السلطة ولا نستطيع أن نمارس السلطة إلا عن طريق إنتاج الحقيقة”([52]). إن هويتنا الثقافية والجنسية، مفهومنا للصواب والخطأ، الجنون والعقل حتى ماهو حقيقي وما هو زائف مصنوعة ومشكلة فينا، ويؤكد( فوكو)، بأن لكل مجتمع نظامه أو حكمه الخاص على الحقيقة، فالحقيقة ليست خارج القوة([53]). ويعتقد (محمد عابد الجابري) بأن الهوية كيان يصير ويتطور إما في اتجاه الانكماش وإما في اتجاه الانتشار، وهي تغتني بتجارب أهلها ومعاناتهم وتطلعاتهم، وأيضاً باحتكاكهم سلباً وإيجاباً مع الهويات الثقافية الأخرى التي تدخل معها في تغاير من نوع ما، والهوية العربية على سبيل المثال، ليست وجوداً جامداً ولا هي ماهية ثابتة جاهزة؛ إنها هوية تتشكل وتصير([54]).

ويفسر (تركي الحمد) مسألة الثابت والمتحول في الهوية قائلاً؛ انه عندما أقول (أنا) معبراً عن هوية معينة وذاتية محددة، فإنني في حقيقة الأمر إنما أتحدث عن شقين مختلفين، ولكن متكاملين في علاقة جدلية معينة، شق ثابت (أو شبه ثابت) وهو يشتمل تلك الخصائص الموضوعية التي يعرفني من خلالها الآخرون وتتضمن فيما تتضمن الاسم وصفات سلوكية معينة تتغلب على الصفات الأخرى. وهذا ما نسميه الشكل؛ أما الشق أو الجانب الآخر للأنا فهو ذلك البعد غير المرئي مني والذي قد لا يدركه سواي أو قد لا أدركه حتى أنا إذا أخذنا بنظريات التحليل النفسي وهذا البعد اللامرئي هو نتاج صراع الذات مع الظروف المتغيرة أو متغيرات المحيط الذي واجهت والحياة التي صارت وجعلتني ما أنا عليه اليوم، هذا الشق أو الجانب إنما يشمل تلك التأثيرات (الذاتية) التي انطبعت في الأنا، نتيجة الصراع مع المتغيرات في الحياة، وهذا ما نسميه (الجوهر) في الأنا هذان الجانبان، (الجوهر والشكل) هما جناحا (الأنا) التي لا يقوم لها قائمة بدونهما من حيث علاقة كل منهما بمسألة الهوية فلا قيام للأنا، وبالتالي للهوية، دون تمازج الشكل والجوهر في وحدة واحدة؛ الشكل يشمل الخصائص الثابتة أو شبه الثابتة أو الموضوعية التي تميز الذات، والجوهر هو الجانب الذي يستوعب المتغيرات ويغيرها أو يتغير وفقاً لها بما يخدم الذات ووجودها في هذا العالم، وإذا انتقلنا من (الأنا إلى النحن) فلن نجد تغييراً كبيراً إلا في المستوى فإذا كانت (الأنا) تعبر عن الذاتية الشخصية فإن (النحن) تعبر عن الذاتية الجماعية، والفرق بينهما هو فرق في مستوى التحليل وليس في جوهر التحليل، و(النحن) يتكون أيضاً من الشق الشكلي المتغير والشق (الجوهر) الثابت وإذا تعطل أحد هذين الجناحين لسبب أو لآخر، فإن ذلك يعني عدم قدرة الذات (الفردية أو الجماعية- الأنا أو النحن) على التواؤم والتفاعل محيطها ومن ثم الاضمحلال شيئاً فشيئاً وفي النهاية عدم القدرة على الحياة ذاتها([55]).

هكذا يمكن القول بأن غالبية الباحثين تتفق على أن الهوية تتضمن عنصر التغيير، حتى لولم يتفق هؤلاء على مكانة ومستوى هذا التغيير، ولكن هناك أيضاً اتجاهات فكرية تؤكد على جانب الثبات في الهوية، كما يقول (سمير أمين)، فإن مفهوم الهوية في الفكر العربي اصطبغ بمفهوم استاتيكي ثابت لا يقبل التطور، وفهمت الهوية في الأدبيات الإسلامية على انها تعني الماضي، وجزءً معيناً من الماضي، يتحدد بظهور الرسالة الإسلامية وفترة الخلافة الراشدة، وهذا الحكم كما يرى (سمير أمين) يناقضه تماماً واقع التاريخ، لأن الهوية العربية الإسلامية قد تطورت عبر التاريخ([56]). وهذا حكم نسبي لا يشمل كل الاتجاهات الفكرية في الفكر العربي، وإنما هناك تيارات واتجاهات فكرية أصولية تعتقد بثبات الهوية. ويقول (علي حرب) حول الأصولية، بأنها الوقوف موقف التنزيه والتقديس أو التعظيم والتبجيل من الأوائل والسلف، للالتزام بما قرروه من التعاليم والقواعد، على سبيل الإجماع والمطابقة معهم في القول والعمل، أو على سبيل الترجمة والتطبيق في النظرية والممارسة([57]). ويضيف (علي حرب) القول بأن الأصولية، أياً كانت المرجعيات والأسماء والنماذج، إنما تمارس بحجب الكائن وإفقار المعنى أو بمصادرة العقل وتسطيح الفكر، ولا عجب أن تنتج الأصولية،الدوغمائية والعقم والشلل، والنرجسية الثقافية هي الوجه الآخر للأصولية الدغمائية والاصطفائية، وهي آليةً من آليات الدفاع عن الذات تقوم على تعظيم ما عند النفس ونجس ما لدى الغير وهذه ممارسة فكرية أتقنها العرب، من حماة الهوية والأصالة، في سياق السجال الحضاري، وهذا مصدر الضعف وسبب الانغلاق([58]).ويعتقد (علي حرب) بأنه من الممكن في مسألة الهوية، الفردية أو الجمعية، الاسترجاع والاستحضار، لا من أجل الانغلاق على الذات بالمحافظة والحراسة، بل من أجل إعادة البناء والتشكيل على سبيل الخلق والتوليد، هناك ثوابت لا يمكن القطع الوجودي معها، أو الانقطاع الكلي عنها، ولكن لا يعني ذلك أن نقع أسرى الثوابت أو أن نصبح ضحية عبادتنا للأصول، وإنما الممكن هو تسليط الضوء عليها بمساءلتها واستنطاقها عما تحجبه أو تستبعده لقراءتها من جديد، وإعادة صياغتها في ضوء المتغيرات والمستجدات، وبهذا المعنى يمكن القول بأن الأصول الثابتة تصنعها فروعها المتكاثرة والمتحولة، أما التعامل مع الأصول على سبيل المماهاة والانغلاق، فلا مآل له سوى انفجار الأسماء والهويات([59]).

ويقول (جورج لارين)، أن من الخطأ الاعتقاد أن شعباً معيناً أو دولة يمكن أن تعتز أو تفاخر أن لها هوية ثابتة، فالهوية الثقافية هي مصنوعة دائماً ويعاد تصنيفها ويعاد تشكيلها في داخل الممارسات والعلاقات والرموز الموجودة والأفكار، ويؤكد في هذا الصدد على العلاقة بين تحولات الهوية الثقافية والتحولات التاريخية، وكيف أن التصور الضروري أو الجوهري للهوية يعرقل التحولات التاريخية مما يجعل، حسب قول (هابرماس) ،تصوراً له أهميته، أي أن نفهم الهوية الثقافية ليس باعتبارها تركيباً أو بناءً منبثقاً عن الماضي ولكن نفهمها كموضوع([60]). ويبرهن (هابرماس) على أن الهوية الثقافية ليست شيئاً معطى مسبقاً، ولكن يتزامن ومشروعنا الخاص، والحقيقة هي أن الهوية الثقافية انتقائية بشكل تراثي تسمح بإمكانية الاختيار أو الانتقاء من الموروث بالرغم من أن الأمة لا تستطيع أن تختار تقاليدها، إلا أنها تستطيع على الأقل أن تنتقي أو تختار بشكل سياسي كيف تستمر أو لا تستمر مع البعض منها([61]). وتبدو هذه الفكرة عن الهوية بوصفها مشروعاً، بوصفها فكرة خصبة غنية بالإمكانيات وتسمح لـ(هابرماس) بافتراض هويات أكثر اكتمالاً مطلعة بالقيم، العالمية، وهو يقول بهذا الصدد أنه يوجد في كل أشكال الوعي القديمة توتر بين العناصر العالمية والعناصر الخاصة التي تنبثق من التاريخ القومي؛ وهو يرفض قبول كل التقاليد القومية بشكل غير نقدي، لأن كل ماهو منبثق من ماضي الأمة ليس بالضرورة خيراً ولذلك من الممكن وضروري حقاً أن نقرر أي تقاليد نتبعها وأي تقاليد نهجرها ونتخلى عنها([62]).

ويرى (تركي الحمد)، بأن التحول والتغيير ليس مشكلة في الثقافات والهويات، بل هو شيء عادي ويحدث، ولكن المشكلة تظهر عندما تحاول جماعة أو سلطة معينة، استناداً إلى مفاهيم أيديولوجية أو ذاتية نفعية أو اختزالية، ووفق هاجس مرضي مبالغ فيه، الحفاظ على الهوية والخصوصية الثقافية ونحو ذلك، وأن تعزل نفسها وتتشبث بقيم ومبادئ ومنطلقات ونصوص ورموز تمنحها صفة الثبات والديمومة المفارقة للزمان والمكان، وتحاول فرضها فوقياً على أساس أنها الينابيع الوحيدة للثقافة والهوية الذاتية الخالصة أو النقية وفي ذلك معارضة لزخم الحياة ذاته الذي هو تعددي ومتنوع بطبعه. وهو يذكر بهذا الخصوص بأن العربي اليوم ليس هو العربي قبل ألف عام ولكنه يبقى عربياً، تكمن المشكلة في الاصطفاء أو حتى الأدلجة التي تضفيها هذه النخبة أو تلك على عناصر منتقاة من عناصر الهوية فتتبناها وتحدد الهوية من خلالها، وتضيف عليها هالة القداسة والسمو ومن هنا ينشأ مفهوم الأزمة في الهوية نتيجة تعرضها للمتغيرات من حولها وهي من طبائع الأمور([63]).

لا يبدأ الهاجس أو التخوف ألهوسي على الهوية مفترضة، ويبدأ الحديث عن أزمة الهوية ونحو ذلك وهو أمر يوجد في الذهن أكثر من وجوده على الأرض، ويرى (تركي الحمد) أن الأزمة ليست في الهوية ذاتها، ولكنها في العقل المأزوم غير القادر على استيعاب المتغيرات وإنتاج عقل جديد وثقافة جديدة فيضع اللوم على المتغيرات ويتشبث بصفات ثقافية لهوية مفترضة ومتعالية ومفارقة لا توجد إلا في الذهن أو ذهن المتعاملين معها في انفصام شبه كامل على السلوك ذاته، وهنا تكمن الأزمة الحقيقية([64]).وبذلك تكون عملية الاصطفاء والانتقاء، والتي تخضع لها عناصر الهوية المتغيرة، عملية ذات غاية سياسية محددة، وهذا ما تسعى إليه تحديداً الأيديولوجيات القومية والدينية التي تحتكر الهوية وتعريفها وتعيينها بحيث تتحدد الهوية المطروحة، وقد عبرعن ذلك (فرانسوا بايار) بقوله “والحق أن كل من هاتين الهويتين (الثقافية وماتفرزه من هوية سياسية)، تكون في أحسن الأحوال بناءً سياسياً أو أيديولوجياً، أي بناءً تاريخياً أصلاً، فلا توجد هوية طبيعية تفرضها الأوضاع، وليست هناك سوى استراتيجيات للهوية يتبعها بشكل رشيد محركون يمكن التعرف عليهم”([65]). ويصف (أمين معلوف) الهويات المنغلقة على ذاتها بهويات قاتلة، ويذكر أن الهوية ليست ثابتة بل هي تتحول مع الوقت وتحدث في السلوك البشري تغييرات عميقة، وإن وجدت في كل الأوقات تراتبية معينة بين العناصر المكوّنة لهوية كل إنسان، وهو أيضاً يؤيد الفكرة القائلة بأن الهوية لاتتحدّد نهائياً بل تتكوّن وتتحوّل طيلة حياة الإنسان([66]).

وخلاصة القول أن الهوية متغير اجتماعي، مثل أي متغير آخر، ومحاولة تثبيتها ذهنياً ضمن (الآلية المعرفية في الاختزال والانتفاء)، يقضي عليها في النهاية من حيث إن إرادة المحافظة عليها والحرص المبالغ فيه يؤدي إلى النتيجة المتخوف منها*، والهوية أيضاً هي ممارسة وسلوك قبل أن تكون تصوراً ذهنياً وهي تتكون وتثرى من خلال الممارسة.

([1]) كاثرين هالبيرن، مفهوم الهوية: تاريخه وإشكالاته، ترجمة: إلياس بلكا، من موقع ( منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث).

http://www.kalema.netr1rpt=587@art.

([2]) جورج لارين، الأيديولوجيا والهوية الثقافية (الحداثة وحضور العالم الثالث)، ترجمة: فريال حسن خليفة، ط1، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2002، ص242.

([3]) Zagorka Golubori, Models of Identity in Post Communist Societies, Yugoslav Philosophical Studies, I, 2006.

من الانترنت: http://www.onlinebooks.pobox.upenn.edu/htm.

([4]) هاني نسيره، مفهوم الهوية بين الثبات والتحول، عن موقع (إسلام أون لاين)، من الانترنت:

http://www.islamonline.netarabicarts.CulturalAreas/2006/1007.html.

([5]) ومن أبرز مؤلفات (إريك إريكسون) كتابه؛ طفولة ومجتمع، 1963للمزيد من التفصيل ينظر: كاثرين هاليبرن، مفهوم الهوية تاريخه وإشكالاته، م.س.ذ، من الانترنت.

([6]) أحمد زايد، سيكولوجية العلاقات بين الجماعات (قضايا في الهوية الاجتماعية وتصنيف الذات)، ط1، شركة مطابع المجموعة الدولية، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، 326، 2006، ص15.

([7]) المصدر السابق، ص16.

([8]) المصدر السابق، ص20-21.

([9]) المصدر السابق، ص29.

([10]) عزيزالشواط، الهوية: مأزق الأشكال وقلق المفهوم (إشكالية الهوية في العلوم الإنسانية)، من موقع الحوار المتمدن، العدد 1314- 11/9/2005، من الانترنت:

http://www.rezgar.com/debad/show.art.asp?aid=45253

([11]) المصدر السابق، (من الانترنت).

([12]) كاثرين هاليبرن، مفهوم الهوية: تاريخه وإشكالاته، م.س.ذ، (الانترنت).

([13]) المصدر السابق.

([14]) مجموعة الباحثين، ندوة(الهوية هل هي نقلة؟) مجلة الفكر العربي المعاصر (ملف الهوية)، مركز الاتحاد القومي، لبنان- بيروت، العدد 17 كانون الأول 1981، كانون الثاني 1982، ص114.

([15]) المصدر السابق، ص114.

([16]) المصدر السابق، ص114.

([17]) المصدر السابق، ص116-117.

([18])برهان غليون، الهوية والثقافة والسياسات الثقافية في البلدان التابعة، في مجموعة الباحثين، ندوة(الهوية هل هي نقلة؟) مجلة الفكر العربي المعاصر (ملف الهوية)،م س ذ، ص17.

([19]) عز الدين مناصرة، الهويات والتعددية اللغوية، م.س.ذ، ص48.

([20]) برهان غليون، اغتيال العقل (محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية)، م س ذ ، ص32.

([21]) صموئيل هنتنغتون، من نحن، م.س.ذ، ص25.

([22]) المصدر السابق، ص26.

([23]) باقر جاسم محمد، مفهوم الهوية الوطنية (محاولة في التعريف الوظيفي) من موقع الحوار المتمدن 1544-2006/5/8 على الموقع:

http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=64159

([24]) المصدر السابق.

([25]) برهان غليون، حوارات من عصر الحرب الأهلية، ط2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت-لبنان، 1995، ص312.

([26])- أدونيس عكرة، البحث عن الهوية والعنف،في مجموعة الباحثين، ندوة(الهوية هل هي نقلة؟) مجلة الفكر العربي المعاصر (ملف الهوية)،م س ذ،، ص 91.

([27]) المصدر السابق، ص97.

([28]) غيه هرميه وآخرون، معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية (عربي-فرنسي- إنكليزي)، م س ذ ، ص408.

([29]) صموئيل هنتنغتون، صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي،م س ذ ، 1999، ص76.

([30]) المصدر السابق، ص237.

([31]) فرانسيس فوكوياما، نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ترجمة: فؤاد شاهين وآخرون، ط1، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1993، ص258.

[32] برهان غليون، المحنة العربية: الدولة ضد الأمة،ط2،مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت-  لبنان،1994،ص59.

([33]) كاثرين هاليبرن، مفهوم الهوية (تاريخه وإشكالاته)، م.س.ذ، (من الانترنت).

([34]) المصدر السابق.

([35]) المصدر السابق.

([36]) ديفيد هيوم، رسالة في الطبيعة البشرية، نقلاً عن: جورج لارين، الايدولوجيا والهوية الثقافية: الحداثة وحضور العالم الثالث، م.س.ذ، ص248.

([37]) كاثرين هاليبرن، مفهوم الهوية: تاريخه وإشكالاته، م.س.ذ، (من الانترنت).

([38]) تركي الحمد، الثقافة العربية في عصر العولمة،م س ذ ، 2003، ص18.

([39]) ينظر: دليل أكسفورد للفلسفة، ج2، تحرير: تد هوندرتش، م.س.ذ، ص995.

([40])عزيزالمشواط، الهوية: مأزق الأشكال وقلق المفهوم (إشكالية الهوية في العلوم الإنسانية)، من موقع الحوار المتمدن، العدد 1314- 11/9/2005، من الانترنت:

http://www.rezgar.com/debad/show.art.asp?aid=45253

ë للمزيد من التفاصيل ينظر: (الهوية لغة واصطلاحاً) في الفصل الأول ،المبحث الثاني من هذه الدرا سة.

([41]) إسماعيل نوري الربيعي، التاريخ والهوية (إشكالية الوعي بالخطاب التاريخي المعاصر)، ط1، دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، 2002، ص52.

** يستخدم تركي الحمد في كتابه (الثقافة العربية في عصر العولمة)، الثقافة كمرادف للهوية، ولايميز بينهما.

([42]) تركي الحمد، الثقافة العربية في عصر العولمة، م.س.ذ، ص98.

([43]) المصدر السابق، ص99.

([44]) المصدر السابق، ص99.

([45]) سليم مطر، مقالات في الهوية (الهوية بين التعميم والخصوصية)، م.س.ذ، (من الانترنت).

([46]) المصدر السابق.

([47]) ستيوارت هول، هويات قديمة وجديدة: إثنيات قديمة وجديدة، في: أنطوني كينج (محرر)، الثقافة والعولمة والنظام العالمي، ترجمة: شهرت العالم وهالة فؤاد ومحمد يحيى، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، سلسلة 287، القاهرة، 2001، (ستيوارت هول هو أستاذ علم الاجتماع بالجامعة المفتوحة بالمملكة المتحدة).

([48]) إيمانويل والرشتاين، القومي والعالمي: هل يمكن أن توجد ثقافة عالمية؟، المصدر السابق، ص139.

([49]) جورج لارين، الايديولوجيا والهوية الثقافية (الحداثة وحضور العالم الثالث)، م.س.ذ، ص262.

([50]) المصدر السابق، ص249.

([51])للمزيد من التفصيل أكثر ينظر: آرثر هيرمان، فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي، م س ذ ، ص140-141.

([52]) المصدر السابق، ص426.

([53]) نقلاً عن: جورج لارين، الايديولوجيا والهوية الثقافية (الحداثة وحضور العالم الثالث)، م.س.ذ، ص183.

([54])محمد عابد الجابري، العولمة والهوية الثقافية (عشر أطروحات)،في أسامة أمين خولي(محرر) (العرب والعولمة) ،مركز دراسات الوحدة العربية،ط3،بيروت-لبنان،2000، ص54.

([55]) تركي الحمد، الثقافة العربية في عصر العولمة، م.س.ذ، ص ص194، 198.

([56]) سمير أمين، الأمة العربية، ط1، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1988، ص249.

([57]) علي حرب، الأختام الأصولية والشعائر التقدمية: مصائر المشروع الثقافي العربي، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- المغرب، 2001، ص111.

([58]) المصدر السابق، ص ص114، 116.

([59]) علي حرب، حديث النهايات (فتوحات العولمة ومآزق الهوية)، م س ذ ، ص186-187.

([60]) جورج لارين، الايديولوجيا والهوية الثقافية (الحداثة وحضور العالم الثالث)، م.س.ذ، ص51.

([61]) نقلاً عن: المصدر السابق، ص236.

([62]) المصدر السابق، ص237.

([63]) تركي الحمد، الثقافة العربية في عصر العولمة،م س ذ، ص18.

([64]) المصدر السابق، ص18.

([65]) فرانسوا بايار، أوهام الهوية، نقلاً عن: المصدر السابق، ص19.

([66]) أمين معلوف، الهويات القاتلة، م.س.ذ، ص24.

*للمزيد من التفصيل حول أسباب ونتائج (هاجس الهوية) التخوف من الضياع وفقدان الهوية في التاريخ البشري بصورة عامة وفي ظل الحداثة بصورة خاصة [ينظر: آرثر هيرمان، فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي، م.س.ذ]، حيث تكمن في فكرة الاضمحلال والانحلال والتفسخ هاجس الهوية والتوجس من فقدان وذوبان الهوية الحقيقية للإنسان والإنسانية ولجماعات بشرية معينة، وتتضمن فكرة الاضمحلال الوعي بقضايا الإنسان ومصيره من خلال البحث عن أصول ثابتة وحقيقية وغير قابلة للتحول في ماض قديم.

وحول التخوف من الهوية في ظل العولمة ينظر: مجموعة مؤلفين: الثقافة والعولمة والنظام العالمي، انطوني كينج محرر: ، م.س.ذ؛ علي حرب، حديث النهايات (فتوحات العولمة ومآزق الهوية)، م.س.ذ.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى