قضايا فلسفية

الإنسان بين الإستعداد لموت الفجأة طمعاً في رحمة الله ، والتسويف

د. محمدأبوسمره ــــ رئيس تيار الاستقلال الفلسطيني

المقدمة :

لايمكن لأحد الجزم بصلاح النفس أو فسادها وتقصيرها ، لصعوبة هذا الأمر ، حيث تتفاوت أحوال القلوب، وتتنازعها أسباب الورع والخوف والثبات واليقين والتقوى ، وهناك بعض الناس مَنْ غَلَّبَ الخوف من الله، وظنَّ في نفسه التقصير وكان دائم الاستعاذة من موت الفجأة، ويرجو من الله ــــ سبحانه وتعالى ــــــ أن يُكَّفِّر ويغفر له ذنوبه ومعاصيه وخطاياه ، بينما هناك البعض الآخر ممَن غَلَّبَ الأمل والرجاء في سعة رحمة الله تعالى وتوبته ومغفرته وكرمه ، ويعتقد أنَّه قد يكون في موت الفجأة فرجاً ورحمةً وعفواً ورضى من الله سبحانه وتعالى ، وقد لا تُتاح الفرصة لمن يفاجئه الموت من أن يُلَقَّن الشهادة ، وقد لا يكون البعض مستعدَّاً للقاء الله ، بخلاف من ساق الله تعالى له من الشواهد والإشارات على قرب مفارقته للدنيا، فاستعدَّ للقاء ربه، وغالباً فإنَّ الذين يموتون ( فجأةً ) لا يتوقّعون الموت ولا ينتظرونه، لعدم المرضٍ، أو كِبَر السنٍّ، أو الإصابات والجروحٍ، أو غير ذلك،

دلالات موت الفجأة :

قد يكون الموت المفاجئ رسالةً ربانيةً للناس لكي  يستعدوا ويتهيأوا ، كما أشار اليها الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولهذا فقد كان الكثير من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والسلف الصالح والأئمة والعلماء والأولياء الصالحين والعارفين بالله ( رضوان الله عليهم ) دائمًا على أهبة الاستعداد للرحيل، بحيث لو قيل لأحدهم أنك قد تموت في هذا الشهر ، لن يضيف شيئاً في العمل الصالح، لأنَّه كان مستغرقاً كافة أوقاته وجهوده في الأعمال الصالحة، ومُبتَعداً عن الذنوب والمعاصي والآثام والمحرمات وكل مايُغضِب الله سبحانه وتعالى .

ومن المحتمل أن يكون ( موت الفجأة) خيراً، وكذلك يُحتمل أن يكون شراً، بحسب اختلاف حال المتوفى، وما له عند الله عزوجل ، فإن كان المتوفَّى من أهل التقوى والصلاح والخير، وله عند الله تعالى ، من الحسنات والأعمال الصالحة ما يُرجَى أن تكون له نوراً بين يديه يوم القيامة ، ومن كان كذلك فجميع صور الموت بالنسبة له من الخير، سواء موت الفجأة، أو بعد معاناة سكرات الموت ؛ فموت الفجأة رحمة وتخفيف وعفو من الله سبحانه وتعالى ، فلا يجد من ألمِ الموت وشدة سكراته ومعاناة مرضه شيئاً يذكر، وإن وقع له ذلك ، ولم يكن موته فجأة كان تكفيراً وطهوراً لذنوبه وسيئاته، ورحمةً له من الله تعالى ، ورفعة لدرجاته عند الله، تصديقاً لما أخبرنا به النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أنَّ أمر المؤمن كله له خير، وأن موت المؤمن راحة له من نَصَب الدنيا وعذابها، إلى نعيم الآخرة ).

ولايمكن إعتبار موت الفجأة أمارة على سوء الخاتمة ، حيث قال تعالى: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}.(الأعراف ـــ الآية34)، وقال تعالى:{ وَمَاكَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ }.(آل عمران ـــ الآية 145).

الآجال والأعمار محدودة :

أورد الإمام البخاري ( رضي الله عنه ) ، في صحيحه حديث أم المؤمنين السيدة عائشة ( عليها السلام) ، فروت أنَّ : ( رجلاً قال للنبي ” صلى الله عليه وآله وسلم” : إنَّ أمي افتلتتْ نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر ان تصدقت عنها؟ ) ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (نعم). والمقصود بالافتلات: الموت بغتةً.

وفي صحيح الإمام مسلم (رضي الله عنه ) ، عن عبدالله بن مسعود ( رضي الله عنه ) ، قال: } قالت أم حبيبة زوج النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم “:( اللهم أمتعني بزوجي رسول الله، وبأبي سفيان، وبأخي معاوية) ، فقال النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم “:( قد سألت الله لآجالٍ مضروبة، وأيامٍ معدودة، وأرزاقٍ مقسومة، لن يُعجِّلَ شيئاً قبل أجله، ولن يؤخّر شيئاً عن أجله، ولو كنتِ سألتِ الله أن يُعيذَكِ من عذابٍ في النار، وعذابٍ في القبر، كان خيراً وأفضل{.

وأجمعَ العلماء ، أنَّ المقتول ميت بأجله، فعلم الله تعالى وقدّرَ وقضى أنَّ هذا يموتُ بسببِ المرض، وهذا بسببِ القتل، وهذا بسببِ الهدم، وهذا بسببِ الحرق، وهذا بالغرقِ ، إلى غير ذلك من الأسباب، والله سبحانه وتعالى ، خلقَ الموتَ والحياة ، وخلق سبب الموت والحياة.

الاستعداد للموت :

يتوجب على الإنسان أن يكون دائمًا مستعدًا للموت، ويؤدي الأعمال الصالحة حتى لا يتمنى زيادة حياة، مصداقاً لقول الله تعالى:{وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}.(المنافقون ـــ الآية 10، 11).  

وبشرَّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أنَّ برالوالدين يؤخّر الأجل، ويبارك في العمر ، فقال في الحديث الذي رواه الإمام البخاري ( رضي الله عنه) ، في صحيحه: ( مَنْ سَرَّهُ أن يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).

ويتوجب على المسلم الإكثار من الأعمال الصالحة، كنوافل الصلوات والصدقات والصيام، وقراءة القرآن الكريم ، والذكر والدعاء والتوسل لله تعالى ، ونوافل البر والصلة، والصدق والصبر، والإحسان ، وعمل الخيرات ، والحرص على حُسُن الأخلاق الكريمة، فكلُ ذلك من أسباب مد الأجل، وبسط الرزق ، والفوز برضا الله سبحانه وتعالى.

وقد يؤجل البعض التوبة إمَّا تكاسلاً أو إهمالاً وتغافلاً، أو لإنشغاله بالدنيا، أو اغتراره بالعمر الصغير، وغفلته أنَّ الأمور جميعها بيد الله يُقلِبَها كيفما يشاء، ولا يدري أنَّ الموت بات قريباً ، ولهذا فقد أوصانا النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم) بتذكر الموت دوماً والاستعداد له ، في الحديث الشريف : ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) .

، وعلى الإنسان أن يعمل وفق الحكمة المشهورة : ( إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، وإعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ).

ونقل الإمام الطبراني ( رضي الله عنه ) ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الحديث الشريف : ( إنَّ من أمارات الساعة ، أن يظهر موت الفجأة) .

وفيما لو كان المتوفَّى من المقصرين، أو الفسقة والظلمة أو الكفرة: فإنَّ موت الفجأة بالنسبة له نقمة وغضب، اذ عوجل بالموت قبل التوبة، ولم يُمهَل كي يستدرك ما مضى من تفريطه وتقصيره، فأُخِذَ أخذةَ انتقام وغضب ، كما وصف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال: (مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ) رواه أبو داود.

كراهية تمني الموت :

أحياناً يتمنى بعض الناس الموت لدى أية مشكلة ومصيبة تنزل عليه، وخصوصاً لو أصيب المرء بمرضٍ عُضال ، ومن المؤكد أنَّ المرض العُضال والآلام المستمرة لوقتٍ طويل تستثقله النفس، ويعتريها العجز وعدم التحمل، حتى يتمنى البعض الموت للتخلص من تلك الآلام والأوجاع والمتاعب ، وقد نهى النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك ، وقال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به، فإن كان لابد قائلاً فليقل : اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي).

وعلى المؤمن أن يحتسب الأمراض ومايصاحبها من أوجاعٍ وآلام ومعاناةٍ ، خيرًا وأجرًا وثواباً وطهوراً من الذنوب والمعاصي ، لقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) : ( ما يُصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمٍ ولا غَمٍ ، حتى الشوكة يُشاكَها ، إلاَّ كفَّرَ الله بها من سيئاته ).

موت الفجأة وضياع الحقوق:

في الموت المفاجئ ضياع للحقوق بين الناس ، ولهذا رُوِيَ عن الإمام أحمد بن حنبل ( رضي الله عنه ) قوله : ( أكره موت الفوات)، وسبب الكراهية لموت الفجأة ، لما فيه من خوفِ حرمان الوصية، وفوات الاستعداد للمعاد بالتوبة والإستغفار والتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، ولأنَّ الإنسان في صحته وسعيه يأمل بالحياة الطويلة، ويتهاون بكتابة الوصية وما له وما عليه، رغم أنَّ ذلك مندوب ، لقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الحديث الشريف : ( ما حق أُمرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين ، إلاَّ وصيته مكتوبة عنده) .

وللأسف فإنَّ الكثير من الناس يتهاونون بما لهم وما عليهم، فيأتي بعضهم الموت فجأة ، قبل أن يتمكن من كتابة وصيته، فتضيع الحقوق التي له والتي عليه، ولربما تغيب أمور كثيرة عن أولاده وزوجته  وأسرته وعائلته

صدمة الموت المفاجئ ، والتعبير عن الحزن :

إنَّ الموت قضاء محتوم ، وقدَّرَه الله عز وجل للناس والخلق جميعاً ، ويؤمن جميع المسلمين بهذه الحقيقة، ولكن ما يصعب عليهم هو فراق الأحباب ورحيلهم عن حياتهم، ولذلك يمر أهل الفقيد والمقربون منه بحالة نفسية من الحزن والصدمة ، ويتسبب الموت المفاجئ بصدمة لأهل وأقارب وأصدقاء ومعارف المتوفى ، وتختلف ردود فعل الناس عليه ، وتعتبر صدمة أهل فقيد «موت الفجأة » هي الأصعب نفسياً، وتصيب بعض الناس ( مرحلة الانكار) ،أي إنكار الحدث تماماً ، كأنه لم يقع ، وهذا الإنكار ، هو حيلة دفاعية (نفسياً وعصبياً وذهنياً) ، وأسلوباً تكيفياً في الساعات الأولى وبدايات وصول خبر «موت الفجأة» ، لأنَّ الواقع والمصيبة أكبر من قدرة الإنسان على التحمل، ومن الطبيعي جداً أن يُعبِّر الإنسان عن حزنه في الموت ، وليس هناك مايمنع من الناحية الشرعية أو الإجتماعية والعرفية والسيكولوجية أن يعيش الإنسان لحظات وأوقات الحزن لرحيل عزيز عليه، ثم يعود بعد فترة للتعايش مع الحياة والحقيقة ، ومن الطبيعي أنَّ تجعل المفاجأة الإنسان يفكر في عبثية الدنيا فينعزل لبعض الوقت ، فالله سبحانه وتعالى يعرفنا أكثر من معرفتنا بأنفسنا ، فيخفف على الإنسان بالتدريج، فهي ردة فعل تكيفية وإيجابية للبعض في بدايتها، ثم يدرك الانسان بعد ذلك الحقيقة بكامل حذافيرها ، ويعيشها ، فالحزن مسألة طبيعية في تكوين الإنسان ، فقد بكى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إبنه إبراهيم ( عليه السلام ) ، وحزن على أُمُ المؤمنين السيدة خديجة (عليها السلام) ،  ولهذا فمن الطبيعي أن يُعبِّر الإنسان عن حزنه، ومن غير الصحي ألاَّ يعيش اللحظة الحزينة .

الخروج من الصدمة :

مثلما خلق الله عزوجل الدمع، فقد خلق نواقل عصبية مسؤولة عن تفكيرنا وعن حالتنا النفسية ، وهناك مادة تشبه (المورفين ) في تأثيرها في الجهاز العصبي وعلى الإنسان، هي التي تخرج الإنسان تدريجياً من حالة الحزن بعدما يعيش الواقع ، ويصبح مستعداً لأن يخرج منها، فخلق الله سبحانه وتعالى لكل شيء ما يرادفه ويوازنه ، وفي حال  مرت 6 شهور والإنسان الحزين لايزال كما لوكان حينما  تلقي الخبر، وكأن الحدث حصل اليوم ، فهو بالتأكيد يحتاج إلى مساندة عاطفية واجتماعية، وخروجه من المنزل للترفيه عنه ، وفي حال لم تخرجه المساندة الاجتماعية والسفر والخروج للتنزه، فسيتحول الحزن إلى اكتئاب، ويفضل أن يعرض هذا الإنسان على معالج نفسي لتلقي العلاج السلوكي ، والعلاج السلوكي يتطلب جهداً كبيراً من الحالة ، ويفضل البدء بالعلاج السلوكي والمعرفي والمساندة وببعض الأنشطة الرياضية التي يمكن والاشتراك في نادٍ أو القيام بعمل خيري، ولا يتطلب في هذه الحالة أدوية ومضادات الإكتئاب.

الخاتمة :

يتوجب على الأمهات الدعاءلأبنائها ، وخصوصاً الدعاء لهم بظهر الغيب ، فهو ينفع دائماً ـــ بإذن الله تعالى ــــ ، وهو أقرب للاخلاص لأولادها ولأحبابها، وهذا سببٌ مباركٌ عند الله بأن يحفظهم ويقيهم من كلِ شر، لكن اذا جاء قضاء الله وقدره، فلا رادَّ لهذا القدر والقضاء …

نسأل الله تعالى أن يقبلنا في رضوانه ورحمته ، وأن يكتب لنا الشهادة في سبيله وابتغاء مرضاته وطاعته ، دفاعاً عن ديننا ووطننا وقضيتنا ومقدساتنا ، وأتذكر في هذا المقام الدعاء الجميل لإمام البلاغة علي بن أبي طالب ( عليه السلام) ، حينما كان يدعو لنفسه بالشهادة فيقول : ( اللهم هب لنا الشهادة بعد طولِ عُمرٍ في جهاد ) .

والحمدلله رب العالمين ….

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البريدالإليكتروني palwasat@hotmail.com

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى