دراسات أمنيةدراسات استراتيجية

الاتجاهات الرئيسية لاستراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية لعام 2022

تقدم وزارة الدفاع الأمريكية من خلال نشر “استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022” رؤية واشنطن للأولويات الدفاعية والتهديدات المُلحة التي تواجه البلاد في المرحلة المقبلة، في ظل تصاعد التحديات التي تواجه صانع القرار الأمريكي في مناطق النفوذ المختلفة، لا سيما من جانب الصين وروسيا. ومن هذا المنطلق، عدَّدت الاستراتيجية التهديدات المُلحَّة التي تواجه الولايات المتحدة، وقد جاء على رأسها اعتبار الصين التهديد الأكثر خطورةً للولايات المتحدة، مع النظر إلى روسيا كتهديد حاد للنظام العالمي، خاصةً عقب التدخل العسكري في أوكرانيا ومحاولة تغيير الحدود الدولية بالقوة، كذلك حذر ت الاستراتيجية من اختراق الخصوم بشكل متزايد للداخل الأمريكي. ومن جانب آخر، سلطت الاستراتيجية الضوء على آليات الحفاظ على الأمن الأمريكي في أقاليم العالم المختلفة.

تهديدات مُلحَّة

كشفت الاستراتيجية عن مجموعة من التهديدات؛ وذلك لتوجيه وزارة الدفاع للعمل بشكل عاجل، في إطار أولويات دفاعية تتضمَّن الدفاع عن الوطن، وردع الهجمات الاستراتيجية أو أي عدوان، مع ضمان أفضلية عسكرية مستقبلية للولايات المتحدة. ويمكن تناول أبرز التهديدات المُلحَّة على النحو التالي:

1– اعتبار الصين التهديد الأكثر خطورةً لواشنطن: وصفت الاستراتيجية الصين باعتبارها “التحدي الأكثر شمولاً وخطورةً على الأمن القومي الأمريكي”؛ وذلك في ظل مساعي بكين لإعادة تشكيل منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك النظام الدولي الحالي. واعتبرت الاستراتيجية أن الجيش الصيني يقوم بتعزيز وتوسيع قدراته الفضائية والإلكترونية والمعلوماتية لدعم نهجه العسكري الشامل، علاوةً على إنشاء بنية تحتية خارجية وقواعد أكثر قوة للسماح بإبراز القوة العسكرية الصينية.

2– النظر إلى روسيا كتهديد حاد للأمن العالمي: بحسب الاستراتيجية، فإن التطورات الأخيرة في أوكرانيا تكشف عن التهديد الروسي للأمن العالمي، لا سيما عبر استخدام القوة لفرض تغييرات حدودية، ووصفت موسكو “كتهديد حاد” للأمن العالمي، كما اعتبرت الاستراتيجية أنه بالرغم من إجراءات موسكو السياسية والعسكرية من أجل تمزيق الناتو، فإن ذلك قد جاء بنتائج عكسية. وفي سياق متصل، فإنه على الرغم من المصالح المتباينة والعداء التاريخي بين روسيا والصين، فإن هناك تطوراً في علاقات البلدين، وهو ما يمثل معضلة للأمن القومي الأمريكي.

(Read more) نظرية ماكندر قراءة جديدة في ظل الهيمنة الأمريكية

3– اختراق الخصوم المتزايد للداخل الأمريكي: اعتبرت الاستراتيجية أن نطاق وحجم التهديدات التي يتعرَّض لها الداخل الأمريكي تتزايد، وأن الصين وروسيا باتا أكثر خطورةً على الأمن الأمريكي حتى مع استمرار التهديدات الإرهابية، خاصةً عبر استهدافهما القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية ومحاولة تقويض إرادة الشعب الأمريكي من خلال التدخل في الانتخابات واستهداف البنية التحتية الحيوية، فضلاً عن نشر قدرات الفضاء المضادة التي يمكن أن تستهدف نظام تحديد المواقع العالمي والقدرات العسكرية، وكذلك ما يرتبط بالحياة المدنية اليومية للأمريكيين.

4– تهديدات إيران وكوريا الشمالية والمنظمات المتطرفة: اعتبرت الاستراتيجية أن كوريا الشمالية تواصل توسيع قدراتها النووية والصاروخية لتهديد الولايات المتحدة وحلفائها، ومن جانب آخر، تتخذ إيران إجراءات من شأنها تحسين قدراتها على إنتاج سلاح نووي إذا اتخذت قرارها بذلك، وكذلك تقوم ببناء وتصدير قوات صاروخية واسعة النطاق وأنظمة مُسيَّرات وقدرات بحرية متطورة تهدد تدفق موارد الطاقة والتجارة الدولية. ومن جانب آخر، تدهورت قدرات التنظيمات الإرهابية العالمية، بما في ذلك تنظيم داعش والقاعدة والجماعات التابعة لهما، لكن بعضها قد يكون قادراً على إعادة تشكيل نفسه في وقت قصير؛ الأمر الذي يتطلب رقابة مستمرة ضد تهديدات الإرهاب والتطرف العنيف.

5– مخاطر التقنيات المتطورة على مستقبل الصراع: تعمل مجموعة واسعة من التقنيات والتطبيقات الجديدة أو السريعة التطور، على تعقيد ديناميات التصعيد وخلق تحديات جديدة للاستقرار الاستراتيجي، مثل الأسلحة المضادة للفضاء، والأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، والأسلحة الكيمياوية والبيولوجية المتطورة، وعلوم الكم، والأنظمة الناشئة للأسلحة النووية، كذلك فإن التطبيقات الجديدة للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية وتقنيات الفضاء لديها القدرة ليس فقط على تغيير حالة الصراع، ولكن أيضاً على تعطيل سلاسل التوريد والعمليات اللوجستية في الولايات المتحدة.

6– أنشطة المنطقة الرمادية لخصوم واشنطن: بحسب الاستراتيجية فإن منافسي وخصوم الولايات المتحدة يلجؤون لاستخدام أساليب المنطقة الرمادية؛ فعلى سبيل المثال تقوم الصين بتوظيف قواتها وعملياتها والإكراه الاقتصادي ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وكذلك تقوم روسيا باستخدام العمليات المضللة والإلكترونية والفضائية ضد المصالح الأمريكية، كما لفتت الاستراتيجية إلى أن كوريا الشمالية وإيران تستخدمان الشيء نفسه وإن كانت مخاطره أقل تأثيراً.

(Read more) لماذا أوراسيا؟ المفهوم السياسي لأوراسيا.. وماذا تعني للعالم العربي؟

7– تنوُّع التهديدات العابرة للحدود الوطنية: اعتبرت الاستراتيجية التغير المناخي من هذه التحديات، ولفتت إلى أنه خلق ممرات جديدة للتفاعل الاستراتيجي، لا سيما في منطقة القطب الشمالي، علاوةً على ارتباط التغير المناخي بالعلاقات الأمنية مع الحلفاء والشركاء، ومسألة انعدام الأمن وعدم الاستقرار المرتبطَيْن بتغير المناخ وتزايد المخاطر في مناطق النزاعات المسلحة، في وقت تواصل فيه جائحة كورونا التأثير على المجتمعات وسلاسل التوريد العالمية.

آليات مقترحة

قدمت الاستراتيجية بعض الأدوات التي يمكن لوزارة الدفاع الأمريكية أن توظفها من أجل الحفاظ على الأمن القومي والمصالح الأمريكية في أقاليم العالم المختلفة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1– تعزيز الأمن المرن في منطقة الهندو–باسيفيك: بحسب الاستراتيجية، ستقوم واشنطن بالحفاظ على نظام إقليمي حر في المنطقة، وردع محاولات حل النزاع بالقوة، مع تعزيز التحالف مع اليابان وأستراليا، وتحديث التحالفات المتعددة الأطراف مثل AUKUS وQUAD، وتعزيز دور رابطة دول جنوب شرق آسيا في معالجة الأمن الإقليمي، كما ستعمل وزارة الدفاع على تعزيز الشراكة الدفاعية مع الهند وكوريا الجنوبية، ودعم الدفاع الذاتي غير المتكافئ لتايوان، بما يتناسب مع التهديدات الصينية.

2– تأكيد الالتزام الراسخ بالأمن الجماعي الأوروبي: وفق الاستراتيجية، ستُحافظ وزارة الدفاع الأمريكية على التزامها الراسخ بالأمن الجماعي الأوروبي، وستعمل جنباً إلى جنب مع الحلفاء لردع روسيا، مع استمرار المساهمة في تعزيز قدرات الناتو وجاهزيته، بما في ذلك الالتزام الموسع بالردع النووي. وكذلك سوف تتعاون واشنطن مع الحلفاء لبناء القدرات على طول الجناح الشرقي لأوروبا وتعزيز القدرات الدفاعية المضادة في مواجهة الخصوم.

3– تحسين “الأمن المستدام” في الشرق الأوسط: لفتت الاستراتيجية إلى أنه مع إعادة التفكير في الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، سوف تركز واشنطن على التصدي للتحديات الأمنية بطرق مستدامة وأكثر فاعليةً، مع حرمان إيران من امتلاك أسلحة نووية، والعمل ضد التهديدات الإيرانية والمدعومة من إيران، وكذلك تعطيل تهديدات التطرف العنيف، مع إعطاء الأولوية للعمل على زيادة قدرات الحلفاء على ردع عدوان إيراني محتمل، مثل العمل على تعزيز الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، والأمن البحري، وقدرات الحرب غير النظامية. وستُضاعِف الإدارة الأمريكية جهودها لدعم التحالفات الأمنية داخل مجلس التعاون الخليجي وبين دول المنطقة لضمان الأمن البحري وتحسين الأداء الاستخباراتي والإنذار المبكر.

(Read more) الثقافة الكونفوشيوسية : دراسة في الأبعاد الثقافية للصعود الاستراتيجي الصيني

4– أولوية تحجيم التطرُّف والإرهاب في أفريقيا: أشارت الاستراتيجية إلى أن وزارة الدفاع سوف تعطي الأولوية لمواجهة تهديدات التطرف العنيف والعمل على بناء قدرات الدول الأفريقية لإضعاف التنظيمات الإرهابية، مع التركيز على نهج تعزيز التعاون الأمني، وزيادة التنسيق مع الحلفاء والمنظمات المتعددة الأطراف والهيئات الإقليمية، ودعم المبادرات الأمريكية المشتركة في القارة، بما في ذلك الجهود المبذولة لتعطيل الأنشطة الخبيثة لكل من الصين وروسيا داخل القارة.

5– ردع أي تهديدات في منطقة القطب الشمالي: تسعى الولايات المتحدة إلى منطقة مستقرة تتسم بالالتزام بالقواعد والمعايير المتفق عليها دولياً؛ إذ ستردع وزارة الدفاع أي تهديدات تتعرض لها واشنطن في منطقة القطب الشمالي وعبرها، من خلال تحسين قدرات الإنذار المبكر والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، والشراكة مع كندا لتعزيز قدرات قيادة الدفاع الجوي، والعمل مع الحلفاء لزيادة الوعي بالمجال البحري.

وختاماً، أكدت الاستراتيجية مسارات العمل التي ستتخذها وزارة الدفاع الأمريكية للمساعدة في تلبية أي تهديدات قائمة أو محتملة، في إطار تعزيز التنسيق مع الحلفاء ودعم هياكل الأمن الإقليمية الرئيسية؛ إذ اعتبرت الاستراتيجية التحالفات والشراكات أكبر ميزة عالمية لدى الولايات المتحدة، وأنها مركز الجاذبية لهذه الاستراتيجية في مواجهة خصومها اعتماداً على الردع المتكامل؛ وذلك من خلال مواءمة سياسات وزارة الدفاع وتحديثها بشكل مستمر لتقليل قدرة الخصوم على تصور مكاسب محتملة من العدوان مقارنةً بالعمل على ضبط النفس.

المصدر: عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

2022 National Defense Strategy, U.S. Department of Defense, October 27, 2022, Accessible at: https://media.defense.gov/2022/Oct/27/2003103845/–1/–1/1/2022–NATIONAL–DEFENSE–STRATEGY–NPR–MDR.PDF

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى