شهد النظام الدولي بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي تحولا من حيث البنية من نظام ثنائي القطبية إلى نظام أحادي القطبية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وقد تمخض عن هذا التغيير في بنية النظام الدولي، بروز العديد من الفراغات الإستراتيجية خاصة في المجالات الجيوبوليتيكية التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي السابق، كما كان من نتائج تفكك القطب الاشتراكي ظهور روسيا الاتحادية التي أصبحت الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي، حيث احتلت هذه الأخيرة مكانة على مستوى هيئة الأمم المتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن، باعتبارها الأكبر من حيث المساحة والمقومات مقارنة مع باقي الجمهوريات الأربعة عشرة التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي السابق والتي انفصلت لتشكل جمهوريات مستقلة لكل منها أهدافها ومصالحها القومية المستقلة. وقد أفرز بروز تلك الفراغات الإستراتيجية اشتداد أطماع العديد من القوى الإقليمية والدولية نظرا للمزايا التي يتمتع بها
الفضاء السوفييتي السابق. ويحتل إقليم جنوب وشمال القوقاز، أهمية بالغة في المجال السوفيتي السابق، بفضل أهميته الجيوستراتيجية كونه يمثل بوابة ممر الطاقة لضخ النفط والغاز من حقول قزوين وآسيا الوسطى إلى أوروبا. لذلك أصبحت منطقة جنوب القوقاز في الفترات الأخيرة ساحة للصراع بين واشنطن وموسكو بسبب حدة التناقض في المصالح بين الطرفين في المنطقة، خاصة منذ تبوء فلاديمير بوتين سدة الحكم في روسيا حيث عمد هذا الأخير منذ وصوله على إعادة تأكيد مكانة روسيا فيما تسميه بالجوار القريب، وهي جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، كما بدأ يناوئ ويحرض ضد الوجود العسكري الأمريكي في منطقة جنوب القوقاز، وخاصة في جورجيا والتي أصبحت الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. هذا إذا علمنا مدى الأهمية التي تشكلها منطقة القوقاز الشمالي بالنسبة إلى روسيا، حيث تعد بوابتها الأساسية للتعامل مع العالم، ويعتبر انغلاق هذه البوابة بمثابة التحدي الاستراتيجي الأخطر الذي يمكن أن يؤدي إلى خنق روسيا اقتصادياً وسياسياً واستراتيجيا. لذلك كانت النوايا الأمريكية واضحة منذ لحظة انهيار الاتحاد السوفيتي عندما بادرت إلى احتواء جمهورية جورجيا التي تحتل الموقع الأكثر خطورة في المنطقة لأن من يسيطر على جورجيا يستطيع وبكل سهولة إغلاق ممر البوابة القوقازية أمام الروس، وإشعال…