دراسات سياسيةدراسات قانونية

السيادة ومسألة الاختصاص الاقليمي للدولة العراقية

المبحث الثاني الاجتراء على سيادة الدولة في مناطق حظر الطيران

     

   تمثل مناطق حظر الطيران المفروضة على العراق في شماله وجنوبه انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق على إقليمه الجوي وبدون أي مبرر قانوني وهي مثال واقعي على سيادة قانون القوة بدلاً من قوة القانون في العلاقات الدولية منذ تسعينات القرن الماضي .

      إن التمهيد لفرض هذه المناطق تم منذ آذار/ 1991 عندما عقدت الدورة السابعة والأربعون للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ، وتم عرض القرار 74/1991 في 6 آذار 1991 بأكثرية 30 صوتاً مقابل صوت واحد وامتناع 10 أعضاء عن التصويت ، والذي كان يقضي بتسمية مقر خاص عن حقوق الإنسان في العراق مهمته القيام بدراسه معمقة ودقيقة لاوضاع حقوق الإنسان في العراق[1].ولسنا هنا بصدد تحليل واقعية التصويت في هذه اللجنة فيما إذا كان يستند على الجوانب القانونية الدولية والموضوعية أم يستند على آلية ذات طابع سياسي ترتبط بالمصالح السياسية للدول . ولا بشأن واقعية ومصداقية النتائج التي توصل أليها مقرر اللجنة التي ستكون بلا أدنى شك متأثرة لحد كبير بالجو العام في هذه اللجنة من الموقف في العراق ، فنتائج المقرر لن تختلف عن نتائج التصويت وبالتالي ستمهد هذه التوصيات للخطوة التالية التي لم تستغرق وقتاً طويلاً ، حيث عرضت الولايات المتحدة الأمريكية موقفها في 6/ 4/ 1991 على النحو التالي   ( على نحو ما صرح به الرئيس بوش في 5 نيسان / 1991 سوف تحلق الطائرات التابعة للقوات الجوية الأمريكية فوق شمال العراق من اجل إلقاء المواد الغذائية والبطانيات والملابس والخيام ومواد الإغاثة للاجئين الأكراد . وتنبع هذه العمليات من اعتبارات إنسانية بدون أي تدخل وينبغي لدولة العراق ان تكون على علم بان ثمة طائرات أخرى سوف ترافق طائرات النقل لحمايتها حينما يقتضي الأمر ذلك، وترغب الحكومة الأمريكية في تفادي نشوء أي سوء تفاهم أو مواجهة غير مقصودة مع القوات العراقية لدى تنفيذ هذه السياسة الحالية التي لا تسمح لطائرات ثابتة الجناحين بالقيام بأي نشاط في المجال الجوي العراقي . ولتحقيق هذا الغرض ،لا ينبغي لأي طائرة عراقية التحليق في المنطقة الواقعة شمال خط العرض 36 اعتباراً من الساعة التاسعة من صباح يوم 7 نيسان 1991 وحتى أشعار آخر ، ويمثل حظر الطيران ، الطائرات المدنية والعسكرية على السواء ، وكل طائرة تحلق في المجال الجوي السابق ذكره بعد ذلك الوقت تتحمل مسؤولية عملها)[2] .

    وفي يوم 8 / 4 /1991 أعلنت الحكومة البريطانية أنها سوف تقوم بعملية إغاثة في شمال العراق مماثلة للعملية الأمريكية وتقوم على نفس الأسس فيما يتعلق بحظر الطيران شمال خط العرض 36[3] . هذا فيما يتعلق بالكيفية التي فرض بها حظر الطيران شمالاً . أما فرض حظر الطيران في جنوب العراق فقد تم فرضه على النحو التالي ، في 11/ 8/ 1992 تم عقد جلسة لمجلس الأمن للاستماع إلى مقرر حقوق الإنسان عن العراق الهولندي فان دير شتول ، وذلك خلافاً للقواعد الإجرائية المتبعة في عمل منظمة الأمم المتحدة حيث إن عمل المقرر الخاص يرتبط بلجنة حقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي وليس من مسئوليته تقديم تقارير إلى مجلس الأمن . وعلى اثر هذه الجلسة قررت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا في 27/ 8/ 1992 فرض منطقة حظر الطيران جنوب خط العرض 32 تحت ذريعة حماية المواطنين الشيعة في جنوب العراق[4] . لقد استمرت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في سياسة الإمعان في النيل من سيادة العراق من خلال التخطيط لتوسيع مناطق حظر الطيران ، ففي 3/ 9/ 1996 أعلن الرئيس الأمريكي بيل كلنتون انه اتخذ قراراً بضرب العراق وان الحكومة الأمريكية ( قررت توسيع نطاق منطقة حظر الطيران في جنوب العراق بهدف حرمان الرئيس العراقي من السيطرة على المجال الجوي العراقي الذي يمتد من الحدود الكويتية إلى ضواحي بغداد     الجنوبية )[5].

    وقد أرسلت وزارة الخارجية الأمريكية رسالة بالفاكس إلى العراق في         3/ 9/ 1996 عن طريق ممثل العراق الدائم في الأمم المتحدة ، أشارت فيها إلى أن الحكومة الأمريكية قررت توسيع نطاق منطقة حظر الطيران في جنوب العراق من خط العرض 32 إلى خط العرض 33 اعتباراً من ظهر يوم 4/ 9/ 1996.[6] 

كانت تلك خلفية فرض وتوسيع مناطق حظر الطيران في شمال وجنوب العراق ، وهي تمثل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي وإجتراءا على سيادة العراق ، لا بل على جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي أكدت على التزام جميع الدول الأعضاء بسيادة العراق واستقلاله وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي . فالسيادة على الأجواء تعود لقاعدة قانونية قديمة مفادها       ( من يملك الأرض يملك السماء ) [7] وان سيادة الدولة تمتد إلى طبقات الجو التي تعلو إقليمها استناداً إلى مبدأ ملكية العلو وهي سيادة تامة ومطلقة [8] . وان النتيجة الطبيعية لهذا المبدأ هو ان الدولة واستناداً لسيادتها على أجوائها هي التي تسمح أو لا تسمح بالطيران بكل أنواعه فوق إقليمها [9]. ولقد تزعم هذا الرأي وست لوك west lake   وأيده في ذلك العديد من الكتاب الأوائل في القانون الدولي أمثال الألمانيين Grueriwald  و Zittelmann  والبلجيكي de visscher  والايطالي Anzilotti والهولندي Nijeholt  وغيرهم.[10]

     وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى اتفقت الدول الأطراف في معاهدة فرساي على ضرورة تنظيم الملاحة الجوية في 13/ 10/ 1919 ، حيث تبني هذه الاتفاقية نظرية سيادة الدولة على إقليمها الجوي[11]. كما ان الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأمريكية لم تنظم الى هذه الاتفاقية ، إذ وقعت فيما بينها اتفاقيه خاصة في هافانا عام 1928 تؤكد  سيادة الدولة على إقليمها الجوي [12].

وتوالت بعد ذلك الاتفاقيات الدولية التي تنظم الملاحات الجوية ونخص منها اتفاقية شيكاغو لسنة 1944 التي نصت الأولى منها على ما يلي ( تقرر الأطراف المتعاقدة إن لكل منها سيادة كاملة ومانعة فوق الفضاء الجوي الذي يعلو إقليمها[13]).

       وفي عام 1958 شكلت الأمم المتحدة لجنة خاصة بالفضاء الخارجي لبحث المشاكل المتعلقة باستعمال الفضاء الخارجي ، وأصدرت قرارها المرقم 1348 الذي يؤيد تكريس استخدام الفضاء في الأغراض السلمية ، حيث توالت بعد ذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الشأن إلى ان تم توقيع معاهدة الفضاء عام 1967 [14] .

       إن جميع المعاهدات الدولية سواء في إطار الأمم المتحدة أو خارجها إضافة إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تعتد إلى سيادة الدول في فضائها الجوي، بل هي اعترفت به ونظمت استخدامه وهذبت من غلو بعض الادعاءات من امتداد سيادة الدول على أجوائها إلى ما لانهاية سيما ( بعد التطورات الأخيرة خصوصاً بعد توقيع معاهدة الفضاء ، فان مبدأ سيادة الدولة على هوائها وفضائها إلى ما لانهاية في الارتفاع سيادة كاملة وانفرادية صار مبدأ متخلفاً لا يتواءم مع طبيعة الأشياء ولا مع الأوضاع الراهنة ، ومن جهة أخرى فانه لا يمكن أن يعد الهواء والفضاء إلى ما لانهاية في الارتفاع عنصراً من عناصر الإقليم ، بل انه يجب ان يحدد هذا العنصر بارتفاع معين ، وسوف يقرر عرف التعامل بين الدول في المستقبل القريب أو البعيد مدى هذا الارتفاع . أما تحديده ألان فأمر سابق لأوانه في هذه المرحلة [15] ).

     تلك هي المبادئ العامة التي اقرها المجتمع الدولي في استخدام الفضاء الجوي حيث قصر استخدامه للأغراض السلمية وبما يعزز التعاون الدولي ، إضافة إلى ما جاء في المادة 2/1 و 2/7  من الميثاق في المساواة في السيادة بين الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى .

    فهل هذه المبادئ القانونية تتوافق وتنسجم مع ادعاءات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في فرض مناطق حظر الطيران وانتهاك سيادة العراق على أجوائه الإقليمية ؟

       لقد استندت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في فرض منطقتي حظر الطيران في شمال العراق وجنوبه عامي 1991 و 1992 على التوالي على قرارات مجلس الأمن 678 (1990 ) و 687 (1991 ) و688 (1991) التي أذن فيها المجلس لأعضاء التحالف مع الكويت باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن اللاحقة ذات الصلة وردع أو منع ( القمع العراقي) لسكانه  المدنيين والذي عالجه القرار 688 حيث نص على إن ( القمع الذي يتعرض له السكان المدنيون العراقيون في أجزاء كثيرة من العراق والذي شمل مؤخراً المناطق السكانية الكردية ، وتهدد نتائجه السلم والأمن الدوليين ….)[16]

      إن النقطة الجوهرية الأساسية التي ينبغي التعامل معها هي نقطة واضحة وبسيطة ، وهي ما إذا كانت القرارات التي أشارت إليها الولايات المتحدة تخّول بالفعل بما يسمى بإقامة مناطق حظر الطيران التي هي انتهاك سافر لسيادة العراق واجتراء على حرمة إقليمه الجوي .

       إن أحكام القرار 678 (1990 ) قد انتهت بموجب أحكام الفقرة (33) من القرار 687 (1990) الذي أعلن انه ( في حال أشعار العراق رسمياً للامين العام ومجلس الأمن بقبوله بالأحكام أعلاه ، يكون وقف إطلاق النار الرسمي نافذ المفعول بين العراق والكويت والدول الأعضاء التي تتعاون معها استناداً إلى القرار 678 (1990) ). وفي الفقرة الأخيرة من القرار687 (1991) أكد مجلس الأمن إن أي إجراء قسري مستقبلي ضد العراق يتطلب تخويلاً جديداً. فالفقرة      (34) من القرار المذكور نصت : يقرر أن يبقي المسألة قيد النظر وان يتخذ ما قد يلزم من خطوات أخرى لتنفيذ هذا القرار وضمان السلم والأمن في المنطقة[17]).وعليه فليس ثمة أساس قانوني لموقف الولايات المتحدة بالزعم بوجود أي تخويل باستخدام القوة ضد العراق ضمن وضع يسري فيه وقف رسمي لاطلاق النار أعلنه مجلس الأمن وبغياب أي تخويل جديد[18] .

    كما إن الفقرة ( 1) من القرار 687 تدحض حجة الولايات المتحدة باستنادها على القرار المذكور حيث أشارت تلك الفقرة إلى ما يلي :

وأذ يلاحظ النية التي أعربت عنها الدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت بموجب الفقرة ( 2) من القرار 678 ( 1990 ) على إنهاء وجودها العسكري في العراق في اقرب وقت ممكن تمشيا مع الفقرة ( 8 ) من القرار 686 ( 1991 ) [19] .

    ولقد تم تأكيد هذا التفسير القانوني في مناسبتين في مجلس الأمن كانت الأولى عند مناقشة المجلس في 9/4/1997 وفي لجنة 661 ليوم 18/3/1999 لمسألة نقل الحجاج العراقيين من قبل الخطوط الجوية العراقية إلى الديار المقدسة ، إذ إن آراء أعضاء المجلس باستثناء الولايات المتحدة وبريطانيا كانت ان العراق غير خاضع لأي حظر جوي من مجلس الأمن [20] . والمناسبة الثانية كانت في أثناء المشاورات التي أجراها مجلس الأمن لتبني القرار 1205 ( 1998 ) حيث أخفقت الولايات المتحدة وبريطانيا في محاولاتها إدراج بند في مشروع القرار يخول باستخدام القوة ضد العراق دون الرجوع إلى المجلس [21] . وقد أكد المجلس بدلا من ذلك ، في الفقرة ( 6 ) من قراره المذكور ما يلي ” استنادا إلى مسئوليته الأساسية بموجب الميثاق عن صيانة السلم والأمن الدوليين ، إبقاء هذه المسالة قيد نظره الفعال ” وكانت هذه هي صيغة التسوية التي تم التوصل إليها للتأكيد على ضرورة الرجوع إلى المجلس قبل اي لجوء إلى القوة ، فيما يتعلق بالموقف الأمريكي القائل بان فرض مناطق حظر الطيران هو إجراء ينسجم مع قرار مجلس الأمن 688   (1991) فان ذلك تفسير خاطئ ولا أساس له من الصحة ، لان نصوص القرار لا تحتمل مثل هذا التفسير المشوه . وبالإضافة إلى ذلك ، فان القرار المذكور لم يتم اعتماده بموجب الفصل السابع من الميثاق وهو الفصل الوحيد الذي يجوز استناداً  له استخدام القوة من قبل الأمم المتحدة أو بالنيابة عنها على وفق تفويض محدد .  كما إن القرار المذكور لا يتضمن أي نبذ يفرض منطقة حظر الطيران في أجواء العراق[22] علاوة على ذلك ، فان استخدام القرار 688 (1991) كأساس لفرض منطقتي حظر الطيران لا ينسجم مع أحكام القرار المذكور . فالفقرة الثانية من ديباجة القرار تشير إلى المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تمنع الأمم المتحدة من التدخل في مسائل تقع أساسا ضمن السلطان الداخلي لأي دولة . كما ان القرار 688 (1991 ) يؤكد بوضوح في فقرته السابعة من الديباجة، التزام جميع الدول الأعضاء بسيادة العراق ووحدة أراضيه واستقلاله السياسي[23]. كما أن أحكام وقف إطلاق النار التي نص عليها القرار 687 ( 1991 ) تفرض على جميع الدول احترام وتطبيق هذه الأحكام التي تعني الإنهاء الكلي للأعمال العسكرية وان أي تجديد لها يجب ان يكون من خلال العودة إلى مجلس الأمن والحصول على تخويل منه وذلك تطبيقاً للحكم الوارد في الفقرة 24 من القرار المذكور والتي قرر فيها مجلس الأمن إبقاء المسألة بقيد النظر[24].

     وعلى أساس ما تقدم ، فان الموقف الأمريكي ليس له أي أساس قانوني ويجب رفضه . فالولايات المتحدة غير مخولة بتجديد مناطق لحظر الطيران ورسم أهداف لتلك المناطق تحت انطباع زائف أن تلك المناطق قانونية .

    لقد اصبح من الواضح انه ليس هناك أي تفويض بفرض مناطق حظر الطيران من قبل مجلس الأمن وهو الجهاز الوحيد الذي يمتلك بموجب الميثاق صلاحية التعامل مع صيانة السلم والأمن الدوليين[25]. فالمجلس لم يخول باتخاذ أي إجراءات قسرية ضد العراق على شكل مناطق لحظر الطيران . فلم تستطع الولايات المتحدة التي تفرض تلك المناطق بدعم بريطاني وفرنسي في أول الأمر، ان تقدم أي تبرير قانوني لها . وعليه فان تلك المناطق تبقى إجراءات قسرية ضد العراق ووحدة أراضيه ووحدته الوطنية وانتهاكا لمبدأ عدم استخدام القوة أو التهديد بها بموجب ميثاق الأمم المتحدة [26] . وعلاوة على ذلك فان القوى التي تفرض تلك المناطق قد أخفقت في بيان الجهة التي منحتها السلطة للقيام بما يسمى بالأشراف على تطبيق القرار 688 ( 1991 ) في جنوب العراق وممارسة دور المراقب لحقوق الإنسان في العراق [27] .

    ان الوقائع تجعل من الواضح ان فرض مناطق حظر الطيران هو قرار انفرادي ليس له أي علاقة بالأمم المتحدة وقراراتها . وقد أكد ذلك المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة ( جوسيلس ) الذي صرح بتاريخ 7/1/1993 بأن ( فرض مناطق حظر الطيران في جنوب وشمال العراق لا يستند إلى أي قرار من مجلس الأمن ).

     إن عدم شرعية فرض منطقتي حظر الطيران في شمال وجنوب العراق وعدم استنادها إلى أي سند قانوني ، دفع فرنسا إلى تعليق مشاركتها في الأعمال غير القانونية في منطقة حظر الطيران قي شمال العراق في العام 1996 . كما أكدت هذا التعليق عموما في 23/12/1998 ، حيث يعد ذلك اعترافا صريحا من فرنسا بعدم شرعية هذا الإجراء ورفضها مواصلة المشاركة في عمل عدائي عسكري مناقض للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن . وقد صرح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية السيد جاك روميلار في 2/9/1996 قائلا ” لا يوجد هناك أي نص للأمم المتحدة أو مجلس الأمن يحدد قواعد منطقة الحظر الجوي شمال خط العرض 36 وجنوب خط العرض 32 ” [28] كما أكد وزير الخارجية الفرنسي آنذاك السيد هوبير فيدرين في أثناء زيارته للرياض في       28/2/2000 ” ان مناطق حظر الطيران لا تستند إلى أي قرار دولي ” [29] .

    كما إن موقف الولايات المتحدة وبريطانيا في فرض مناطق حظر الطيران ، لا يدعمه عضوان دائمان من أعضاء مجلس الأمن ، هما روسيا والصين ، إضافة إلى عدد من أعضاء مجلس الأمن الآخرين . وهذا يفسر السبب الذي جعل الولايات المتحدة وبريطانيا غير قادرتين على الحصول على تفويض من المجلس بعملهما غير القانوني هذا [30].

   وتأتي الشهادة الأساسية في عدم شرعية فرض هذه المناطق وعدم وجود أي أساس قانوني لها في ميثاق الأمم المتحدة أو قرارات مجلس الأمن حيث عبر عن ذلك الامين العام السابق للأمم المتحدة السيد بطرس بطرس غالي إذ يقول :       ( وقد زعمت الولايات المتحدة إن القرار 688 قد رخص لها القيام بهذه    الهجمات . غير ان اعتماد الولايات المتحدة على القرار 688 لم يكن له أساس ، إذ انه على خلاف القرار 687 المتعدد الأغراض ، لم يتخذ بموجب الفصل السابع المتعلق بالإنقاذ ، كما لم يكن توغل القوات البرية العراقية يشكل انتهاكاً للمنطقة المحظور الطيران فيها التي فرضتها الولايات المتحدة فيما بعد من جانب واحد ، فيما وصفوه بأنه محاولة لإنقاذ القرار688 . ولم يسبق لمجلس الأمن أن أيد إنشاء منطقة حظر الطيران . وكان من الممكن ان تواجه الولايات المتحدة عقبات سيستعصي التغلب عليها لو أنها كانت قد حاولت الحصول على تأييد مجلس الأمن لاستخدام القوة ضد العراق )[31].

     إن العمل الذي تنفذه الولايات المتحدة وبريطانيا ضد حرمة أجواء العراق بشكل يومي تقريباً وما يسببه من إرهاب وترويع للمواطنين المدنيين وتدمير الممتلكات الشخصية والعامة ، يشكل عدواناً صريحاً وسافراً ضد دولة مستقلة وذات سيادة ، كما يشكل انتهاكاً فاضحاً لاسس التعامل الدولي التي قامت على مبادئ واحكام ثبتتها الأعراف والمواثيق الدولية التي تبنتها أمم العالم من خلال التنظيمات الدولية باعتبارها الإطار القانوني الشرعي الذي ينظم العلاقات بين الشعوب التي تعهدت بالالتزام بهذه المبادئ وخصوصاً مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وزعزعة أمنها واستقرارها . حيث ان احترام مفهوم الدولة وعناصر كينونتها هو احترام للمركز الأساسي الذي يقوم عليه مفهوم تعزيز السلم والأمن الدوليين .

    فبالإضافة إلى ما أكدته المادة 2/7 من الميثاق على انه ( ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للامم المتحدة ان تتدخل في الشؤون التي يتكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما … ) فقد نص إعلان قانون المبادئ الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 2625 بتاريخ 24/ 10/ 1970 والذي تم اعتباره بموجب الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراغوا عام(1986 ) بأنه يعكس القانون الدولي العرفي . كما انه يعد عملاً مستمراً من أعمال العدوان بموجب تعريف العدوان الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 3314  في 14/12/1974 .

      وبهذا فان فرض منطقتي حظر الطيران في شمال العراق وجنوبه من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا يمثل اجتراءاً على سيادة العراق وبدون مسوغ   قانوني . وان الأمم المتحدة قد ساهمت بفرض تلك المناطق من خلال سكوتها على ذلك الانتهاك الفض لسيادة دولة عضو فيها ، وهي بذلك تنكرت لمبادئها وميثاقها .

    وإذا كانت الأمم المتحدة قد آثرت السكوت هنا ، فأنها قد مارست عملاً يجافي القانون الدولي والميثاق ايضاً حينما تدخل مجلس الأمن ولاول مرة في فرض الحدود بين دولتين وهذا ما سوف نبحثه في المبحث التالي .

الهوامش

[1]  انظر باسيل يوسف . سيادة الدول . مصدر سابق . ص ، 132 .

[2]–  وزارة الخارجية العراقية . العرض الذي قدمه وفد جمهورية العراق . مصدر سابق . ص 32 .

[3]–  المصدر السابق .

-[4] Sarah Graham Brown . The Politics Of  Intervention In Iraq . London . IB ,Tauris Publishers , 1991. P . 62 .

[5] Sarah . G. Brown . Op.Cit . p . 45 .

[6]–  وزارة الخارجية العراقية . العرض الذي قدمه وفد جمهورية العراق . مصدر سابق .ص 37 .

[7]–  آينيس ثروت الاسيوطي . قانون الطيران المدني . دار النهضة العربية ، 1966 . ص 93 .

[8]–  انظر شارل شومون . قانون الفضاء . ط2 . ترجمة سموحي فوق العادة . بيروت . منشورات عويدات ، 1982. ص 63 .

[9]–  انظر عبد الكريم علوان . الوسيط في القانون الدولي العام . الكتاب الثاني القانون الدولي المعاصر .    عمان . دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 1997 . ص 132 .

[10]–  انظر تفاصيل اراء هؤلاء الكتاب ، ابراهيم شحاته . سيادة الدولة او اختصاصها في الفضاء الجوي ، المبدأ   و القيود الواردة عليه . القاهرة .  مجلة العلوم القانونية والاقتصادية ، مطبعة جامعة عين شمس ,1965 . ص 243 .

[11]–  انظر حامد سلطان . القانون الدولي العام . مصدر سابق . ص 715  .

[12]–  انظر ابراهيم شحاتة . مصدر سابق . ص 245 .

[13]–  انظر فؤاد الراوي . المعجم المفهرس للمعاهدات والاتفاقيات . بغداد .طبع على نفقة وزارة التخطيط ،1975 . ص55.

[14]–  انظر ابراهيم شحاتة . مصدر سابق 260 .

[15]–  انظر عبد الكريم علوان . مصدر سابق . ص60 – ص 64 .

[16]–  وزارة الخارجية . العرض الذي قدمه وفد جمهورية العراق . ص 38 .

[17]–  الامم المتحدة والنزاع بين العراق والكويت 1990- 1996. الامم المتحدة . ادارة شؤون الاعلام ،  1996 . ص 214 .

-[18] Doc. S/ 22276 . 1991.

-[19] Doc. s/ 22320 . 1991 .

[20]–  الوثائق الرسمية لمجلس الامن . السنة الثالثة والخمسون ، ملحق تموز وآب وايلول / سنة 1998 ،       ص 72 .

[21]–  وزارة الخارجية . العرض الذي قدمه وفد جمهورية العراق . مصدر سابق ، ص 39 .

-[22] Sarah G . Brown . Op. Cit .P . 25 .

-[23] Ibid .p.28

1- Sarah G . Brown . Op. Cit .P . 27 .   

2-Ibid. P. 31

3-Ibid .p.33

[27]–  وزارة الخارجية . العرض الذي قدمه وفد جمهورية العراق . مصدر سابق . ص 41 .

-[28] Sarag G. Brown . op. Cit. P. 29 .

-[29] Ibid . p. 31 .

-[30] Ibid.

[31]–  بطرس بطرس غالي . خمس سنوات في بيت من زجاج . ص336 – 337 .

تابع…الصفحة التالية

الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى