دراسات سياسيةدراسات قانونية

السيادة ومسألة الاختصاص الاقليمي للدولة العراقية

المبحث الثالث الاجتراء على سيادة الدولة في ترسيم الحدود مع الكويت

      إن دراسة تداعيات قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بحرب الخليج الثانية ، ضرورة حتمتها طبيعة تلك القرارات والأسس القانونية التي استندت عليها وآثارها التي لم تعرف كل أبعادها إلا بعد سنوات طوال ، فآثارها القانونية والسياسية كثيرة تستحق البحث والدراسة المتأنية .

      ولعلنا لا نغالي إذا قلنا ان موضوع ترسيم الحدود بين العراق والكويت من قبل مجلس الأمن ، حدث غريب وفريد من عدة اوجه فهي المرة الأولى التي يمارس المجلس هذا الدور في ترسيم الحدود بين دولتين متنازعتين ، وهو أمر غير مألوف في نطاق العلاقات الدولية من أن تقوم منظمة دولية بفرض أجراء معين يتعلق بالحدود بدون طلب من الدول المعنية . لان ذلك يعني إبقاء النزاع القائم مستمراً وهو ما يهدد السلم والأمن الدوليين . ومن جهة أخرى فان مهام وواجبات مجلس الأمن محددة في ميثاق الأمم المتحدة بوضوح لا يقبل الالتباس ولم يكن من ضمنها تخطيط الحدود بين الدول .

    ولكن هذه الممارسات والآليات المبتكرة لمجلس الأمن استحدثت ضمن المناخ الدولي الجديد بعد زوال الاتحاد السوفيتي من الساحة الدولية و إحلال نظام القطبية الأحادية محل القطبين المتوازيين وما ترتب على ذلك من تفسير وتطبيق قواعد الميثاق والقانون الدولي من منظور أحادي الجانب[1].

    لقد كانت الإشارة الأولى الواضحة والصريحة من مجلس الأمن لموضوع ترسيم الحدود بين العراق والكويت ، في قراره المرقم (687 ) الصادر في  3 / نيسان / 1991 فعلى الرغم من ان قواعد القانون الدولي قد استقرت على ان مشاكل الحدود وتعيينها وتحديدها هو من اختصاص الدول المعنية ويتم بمعرفتها ورضاها الحر[2]، وفي حالة حدوث نزاع حول تعيين الحدود يمكن حله بالوسائل القضائية . ورغم ان  النزاع العراقي – الكويتي في جانب من جوانبه المهمة هو نزاع على الحدود [3]، فكان بإمكان مجلس الأمن إن يقرر إحالة النزاع إلى  محكمة العدل الدولية ، أو إلى هيئة تحكيم دولية ، أو أي طريقة قضائية او تحكيمية أخرى تؤمن الجانب الحيادي والموضوعي في حل النزاع [4] . لا ان يفرض بموجب قرار سياسي تسوية لم تنل رضا أحد الأطراف وهو العراق . حيث ان مجلس الأمن لم يفرض أبدا الحدود الدولية المتنازع عليها بين دول منظمة الأمم المتحدة ، فكيف الحال إذا كان العراق يرى ان هذه التسوية تشكل انتهاكاً لسيادته وسلامته الاقليمية وهي لا تتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. لان الحدود في القانون الدولي هي خط يحدد أين تبدأ وأين تنتهي الأقاليم المتعلقة بدولتين متجاورتين [5] ، أو بعبارة أوضح هو الخط الذي يبين أين تنتهي سيادة الدولة وأين تبدأ سيادة دولة أخرى ، وعلى ذلك فان أي تجاوز على الحدود هو تجاوز على سيادة الدولة ، فخط الحدود الفاصل بين سيادات الدول المتجاورة يحدد أنشطة الدولة والتي من خلالها تنظم العلاقات الدولية . ان ذلك يؤدي إلى إثارة التساؤل فيما إذا كان مجلس الأمن قد نجح في هذه المهمة الشائكة والتي يمارسها لاول مرة في تسوية مشكلة الحدود بين العراق والكويت أم إن تسوية هذه المشكلة من خلال لجنة ترسيم الحدود كما ورد في القرار (687 ) وفرض هذا الترسيم على العراق بقرار مجلس الأمن (833) ، قد أضاف مشاكل جديدة أخرى ، يتعلق قسم منها بمشكلة الحدود ذاتها والقسم الآخر يتعلق بشرعية القرارات ذاتها وخصوصاً القرار687 الذي يمكن اعتباره ابا القرارات الصادرة من مجلس الأمن ذات الصلة بحرب الخليج الثانية.فرغم ان موضوع مبحثنا هذا هو الاجتراء على سيادة الدولة في ترسيم الحدود مع الكويت ، إلا إن منهجية البحث تحتم إلقاء الضوء على القرار 687 بقدر تعلق الأمر بموضوع بحثنا قبل مناقشة موضوع الترسيم .

      لاشك ولا ريب من ان مجلس الأمن هو الجهاز المسؤول في الأمم المتحدة عن أمر حفظ السلم والأمن الدوليين بموجب الميثاق [6] ولكي ينهض المجلس بهذه المسؤولية الرئيسية لابد له من سلطات تمكنه من القيام بهذا الواجب ، وهنا أصبحت المسؤولية والسلطة مقترنة أحداهما بالأخرى . ولقد حدد الميثاق الأساس القانوني لهذه السلطة حيث أشار ( بتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق [7] ) والميثاق بهذا النص قد اكمل ما قررته المادة الرابعة والعشرون من ان المجلس يعمل نائباً عن أعضاء الأمم المتحدة ويكون نتيجة طبيعية لها [8] .

    وعلى هذا الأساس فان مجلس الأمن يمارس نوعين من السلطات .        النوع الاول هي السلطات التي يمارسها بموجب الفصل السادس وهي عبارة عن توصيات غير ملزمة لمن توجه إليه وتفتقد إلى الإلزام القانوني لان المادة (25) من الميثاق تشير صراحة إلى تعهد الأعضاء بقبول وتنفيذ قرارات وليس توصيات مجلس الأمن . وهذا ما ذهبت إليه محكمة العدل الدولية حيث أشارت إلى أن      ( قرارات مجلس الأمن بشأن قضية قناة كورفو توصية لا قراراً ملزماً ، إذ أوصى المجلس طرفي النزاع بإحالة نزاعهما الى المحكمة حيث لا يشكل ذلك إلزاما قانونياً بالخضوع لسلطات المحكمة [9] ) .

    والنوع الثاني سلطات مجلس الأمن التي يمارسها بموجب الفصل السابع وهي قرارات ملزمة وواجبة التنفيذ وعلى أعضاء الأمم المتحدة الالتزام بها والعمل بموجبها استناداً إلى نص المادة (25) من الميثاق وسلطات المجلس قيدها الميثاق بشكل جزئي لكي لا ينحرف المجلس عن الأهداف الرئيسية للمنظمة العالمية أو أن يتم استخدامها من جانب الدول المؤثرة في المجلس لتحقيق أغراض ذاتية ، حيث الزم المجلس من ان تكون سلطاته قاصرة على شؤون حفظ السلم والأمن   الدوليين [10] ، وان تكون ممارسة هذه السلطات وفقاً لأهداف الأمم المتحدة ومبادئها وان القوة الإلزامية للقرارات وليس للتوصيات كما ان قرارات المجلس لا تتمتع بقوتها الإلزامية إلا إذا كانت قد اتخذت وفقاً للميثاق [11] .

      وسلطات مجلس الأمن في أدائه لوظيفته الشاملة مبينة في فصول الميثاق التي تعالج جوانب تلك الوظيفة ، وهي حل المنازعات الدولية حلاً سلمياً ( الفصل السادس ) ، وما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان ( الفصل السابع ) ، والاستعانة بالتنظيمات الإقليمية ( الفصل الثامن ) ونظام الوصاية الدولي ( الفصل الثاني عشر ) وهذه السلطات قد وردت في الميثاق على سبيل الحصر . ومن هذا يتضح ان الميثاق قد حدد مهمات وسلطات لا يقبل اللبس [12] .

     ان حرية التحرك التي تمتع بها مجلس الأمن في مرحلة التسعينات ولحد الآن والمشاكل الدستورية والقانونية التي صاحبت قراراته في تلك الفترة طرحت مسألة الرقابة على تصرفات المجلس وان تنشيط طرح هذه المسألة يجد مبرراته في سلسلة القرارات التي اتخذها المجلس في منظمة تضم ألان ما يربو على المائة وتسعين دولة عضواً وينتظر منها إحلال السلم وبناؤه [13] . وقد أشارت مجموعة الإجراءات التي اتخذها المجلس تساؤلات حول دستورية بعض هذه الإجراءات ويشار بصورة خاصة إلى اعتماد وتطبيق عدد من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وهي : القرار687 المتعلق بالعراق والقراران 731 ، 748 المتعلقان بليبيا والقراران 808 ، 827  حول تشكيل المحكمة الجنائية الدولية والقرار 837 حول الصومال والقرار 713 الخاص بفرض الحظر على الأسلحة للبوسنة والهرسك [14] .

      فالقرار 687 في 3 نيسان 1991 ضم مجموعة إجراءات إلزامية بعضها يتعلق بالتعويضات والبعض الآخر يخص ترسيم الحدود بين العراق والكويت . وان قلب القرار بني على إجراءات نزع سلاح العراق والتحقق من ذلك بصورة دائمة . وقد استحدث القرار العديد من اللجان التي تخص تدمير التسليح والقدرة النووية كاللجنة الخاصة للأمم المتحدة المكلفة بمراقبة إزالة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في العراق وبعثة مراقبة الأمم المتحدة للعراق والكويت ، كما احدث القرار نفسه لجنة التعويضات المكلفة بإدارة صندوق دفع الأضرار ولجنة العقوبات ولجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت [15] . وخلال جلسة اعتماد القرار 687 أثار العديد من الوفود القضايا المتعلقة بمشروعيته فقد أشار مندوب العراق إلى أن بعض نصوص القرار تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة وعلى سبيل المثال مسألة ترسيم الحدود ، كما قال مندوب اليمن بان مشروع القرار يتجاوز إطار الميثاق وصلاحية مجلس الأمن وأشار بصورة خاصة إلى مسألة الحدود التي لم يفرض مجلس الأمن ابدا حلولاً لها من قبل وتركت دوماً للمفاوضات ، وهو يوصي باللجوء إلى محكمة العدل الدولية لحل مثل هذه المسائل الدولية باتفاق الأطراف المعنية وأضاف مندوب اليمن ، ان ضمان مجلس الأمن لحدود أية دولة يشكل إجراءا لا سابق له .

ألا يفتح ذلك الباب لطلبات موجهة من الدول لضمان حدودها التي تكثر النزاعات حولها [16] ؟ .

    أما مندوب كوبا وهي الدولة الوحيدة التي عارضت القرار فقال [17] : إن مجلس الأمن هيئة قوية مقتدرة لان الدول الأعضاء قد منحتها مسؤوليات محددة في الميثاق ولكن المجلس ليس له أبدا السلطة القانونية او السياسية أو الأخلاقية لإعادة تفسير الميثاق كلما رغبت دولة من أعضائه .

    أما مندوب الولايات المتحدة الأمريكية وبعد ان اعتبر القرار 687 بأنه الوحيد والتاريخي أضاف : ان الحالة التي نتناولها هي الوحيدة في تاريخ الأمم المتحدة وان القرار مفصل حصراً على هذه الحالة . إن الولايات المتحدة لا تبحث عن دور جديد لمجلس الأمن وهو دور لا يدعم كون المجلس هيئة مكلفة بترسيم الحدود الدولية [18] .

    والخلاصة التي كشفها من الجوانب القانونية الكاتب الفرنسي جان بيير ديبوي كما يقول القاضي محمد البجاري في كتابه : النظام العالمي الجديد والرقابة على مشروعيته أعمال مجلس الأمن هي : إن أحكام الفصل السابع قد كرست في الاثنى عشر قراراً الأولى من قرارات المجلس من رقم 660 إلى 678 والتي شددت تدريجياً بالضغط على العراق لسحب قواته من الكويت كما طبق القرار 661 المادة 41 من الميثاق .

    وأهملت أحكام الفصل السابع في القرار 678 الذي فوض الدول باستخدام الوسائل الضرورية لاحترام تطبيق القرار 660 والقرارات اللاحقة لم يكن تطبيقاً للمادة 42 ، وقد فكر البعض بإسناده إلى المادة 51 من الميثاق المتعلقة بالدفاع الشرعي لولا بعض المصاعب القانونية التي تحول دون ذلك .

    ثم تم تجاوز أحكام الفصل السابع من الميثاق بالكامل ، إذ إن القرار 687 فرض شروطاً للسلام . كما إن القرار 688 قد استند على الفصل السادس واجاز التدخل باسم أنساني داخل العراق دون سابقة في الأمم المتحدة [19] .

     بعد هذا العرض الموجز لنشاطات مجلس الأمن ومدى مشروعية قراراته ، نستطيع القول إن القرار 687 يعد سابقة لم تألفها منظمة الأمم المتحدة من قبل . فهو من اكثر قرارات مجلس الأمن تعقيداً وأكثرها مساساً بسيادة دولة عضو من الدول الأعضاء ويشكل خروجاً على أسلوب عمل المجلس وطريقة تعامله مع الأزمات والمشاكل الدولية . وتكمن خطورة هذا القرار من اعتباره الأساس الشرعي والقانوني لجميع القرارات التي تلت صدوره [20] . فرغم قبول العراق بالقرار الا ان ذلك لا يلغي التساؤل حول شرعيته اذ ان العراق لم يتردد في ان يعلن رسمياً عند موافقته عليه انه مكره على قبوله رغم قناعته بعدم شرعيته فهذا القرار من الناحية العملية صدر تحت ضغط الإكراه الواضح للعديد من الدول الأعضاء   في مجلس الأمن [21] .

    فالشروط التي فرضها القرار 687 تماثل الشروط التي يجري فرضها في معاهدات الصلح من جانب الدول المنتصرة على الدول المغلوبة . وتقع هذه الشروط المفروضة بموجب القرار ضمن أربع محاور، يتعلق الأول منها بقدرات العراق العسكرية ، والثاني يتعلق بالتعويضات، والثالث المتعلق بالجزاءات الاقتصادية والمحور الرابع والأخير المتعلق بالحدود بين العراق والكويت ونشر وحدة مراقبة لتهيئة الظروف الملائمة لانسحاب قوات التحالف من العراق [22] . فالقرار 687 لم يترك مسألة تتعلق بسيادة العراق دون ان يمسها ، ويبدو من الناحية الفعلية كما لو ان مجلس الأمن قد وضع العراق تحت وصاية عدد من الدول المتنفذة فيه وهو أمر يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وقواعد التعامل الدولي [23] .

     كما ان من غرائب هذا القرار موضوع ترسيم الحدود بين العراق والكويت ، حيث تضمنت بعض فقراته العاملة ما يلي :

  1. يطالب بان يحترم العراق والكويت حرمة الحدود الدولية وتخصيص الجزر على النحو المحدد في المحضر المتفق عليه بين دولة الكويت والجمهورية العراقية بشأن استعادة العلاقات الودية والاعتراف والأمور ذات العلاقة الذي وقعاه ، ممارسة منهما لسيادتهما في بغداد في 4 تشرين الأول / أكتوبر / 1963 وسجل لدى الأمم المتحدة [24] .
  2. يطلب إلى الأمين العام ان يساعد في اتخاذ الترتيبات اللازمة مع العراق والكويت لتخطيط الحدود بين العراق والكويت ، مستعيناً بالمواد المناسبة ، بما فيها الخرائط المرفقة بالرسالة المؤرخة 28اذار / مارس 1991 الموجهة إليه من ممثل بريطانيا الدائم لدى الأمم المتحدة ، وان يقدم الى مجلس الأمن تقريراً عن ذلك في غضون شهر واحد [25] .
  3. يقرر إن يضمن حرمة الحدود الدولية المذكورة أعلاه وان يتخذ جميع التدابير اللازمة حسب الاقتضاء لتحقيق هذه الغاية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة [26] .

    لقد بينا ان القرار687 كان محل جدل سواء في مضمونه او من جهة إصداره من قبل بعض أعضاء مجلس الأمن وخصوصاً ما يتعلق منه بترسيم الحدود بين العراق والكويت . حيث ان القرار يعتبر الأساس القانوني الذي استندت إليه عملية الترسيم ومن ثم قرار مجلس الأمن 833 القاضي بفرض هذا الترسيم حيث ان هذا الجدل الذي طال اصل القرار (687 ) قد طال بالضرورة عملية الترسيم وعمل اللجنة المشكلة استناداً لهذا القرار ، خصوصاً بعدما أعلنت مادلين اولبرايت ممثلة الولايات المتحدة في مجلس الأمن آنذاك ان موافقة العراق على قرار الترسيم كانت نتيجة الإكراه [27] ، لذا فانه لا يضفي أي صفة شرعية على تلك الموافقة . وعلى اية حال ، فانه واستناداً لقرار مجلس الأمن المشار أليه أنشأت لجنة لترسيم الحدود بين العراق والكويت في أيار / 1991 حيث عهد أليها مهمة ترسيم الحدود الدولية بين العراق والكويت على النحو المحدد في المحضر المتفق عليه والموقع بين البلدين عام 1963 والمسجل لدى الأمم المتحدة وفقاً للمادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة . فتكونت اللجنة من خمسة أعضاء ممثل واحد لكل من العراق والكويت وثلاثة خبراء مستقلين [28] يعينهم الأمين العام للأمم المتحدة ، ثم أضاف إليهم خبيراً آخر كسكرتير للجنة [29] . وتكون اللجنة مسؤولة أمام الأمين العام في شأن عملها وتقدم تقاريرها أليه . وقد شكلت اللجنة المذكورة صيغ واليات عملها حيث يشكل ثلاثة أعضاء النصاب في الهيئة على ان يكون الرئيس من بينهم وان يحضر ممثل حكومة واحدة في الأقل . وكان عملها يجري في جلسات مغلقة ومن خلال زيارات لمنطقة الحدود وأجراء العمل الميداني وعقدت (11) دورة عمل شملت (82) اجتماعاً أما في مكتب الأمم المتحدة في جنيف او مقرها  في نيويورك [30] .

    وحدد الامين العام اختصاصات اللجنة التابعة لمجلس الأمن في تخطيط الحدود الدولية وإنها ستستعين بالإحداثيات الجغرافية وخطوط الطول والعرض وذلك على النحو المبين في المحضر المتفق عليه بين البلدين بشأن استعادة العلاقات الودية والاعتراف والأمور ذات العلاقة . ونظراً لان أحد المقاصد الرئيسية لتخطيط الحدود بين الدولتين هو تعزيز الاستقرار والسلم على طول الحدود ، فان اللجنة ستتخذ الترتيبات اللازمة للتعيين المادي للحدود على الأرض وتحويل الخط المرسوم على الخريطة [31] الى خط مادي واضح القسمات بما يحتويه من دعائم وقوائم ونصب وما الى ذلك . وقال ان الإحداثيات التي تحددها اللجنة ستشكل التخطيط النهائي للحدود الدولية بينهما . وستودع في سجلات كلتا الحكومتين . وقال السكرتير العام ان عملية التخطيط ستتم بالاستعانة بالوسائل المناسبة بما فيها الخريطة التي قدمتها بريطانيا ، وستتخذ اللجنة الإجراءات اللازمة لصيانة العلامات والقوائم بشكل مستمر [32] وهذا يعني ان اللجنة لها صفة الاستمرار  والدوام ، وسوف نناقش ذلك لاحقاً . وسيتم تقاسم التكاليف مناصفةً بين             الطرفين المعنيين [33] .

     ان ما حدده الامين العام للأمم المتحدة للجنة من مهام وسياقات واسس عمل تبين كيف حشر مجلس الأمن نفسه من غير سابقة في مسألة الحدود بين العراق والكويت من خلال القسم ( أ ) من القرار687 ، لا من خلال فرض              ( صيغة التحديد ) فقط وانما ايضاً بفرض أسس وأسلوب رسم الحدود ، وان جميع هذه الأسس وصيغ العمل ما هي إلا خرق لا بل واجتراء على سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة من خلال الملاحظات القانونية العديدة التي يمكن إثارتها في هذا المجال [34] .واول هذه الملاحظات ما جاء في الفقرة 3 من القسم أ من القرار المذكور ( …. مستعيناً بالمواد المناسبة ، بما فيها الخرائط المرفقة بالرسالة المؤرخة 28/ اذار / 1991 ….) فهذه الخرائط المشار إليها في القرار لا يتوافر لها الأساس القانوني لاعتبارها أساسا لترسيم الحدود لعدم إشراك في رسمها من جهة وعدم اعترافه او إقراره بها بأي شكل من الأشكال من جهة اخرى ، كما ان مذكرة التفاهم الموقعة بين العراق والكويت عام 1963 والتي اشار اليها القرار السالف الذكر لم تتطرق إلى أية خارطة وبذلك فان إدراجها ضمن الفقرة 3 من القرار لأغراض ترسيم الحدود كان يعني حكماً جرى تصوره سلفاً بشأن مسار خط الحدود على الأرض وقبل المباشرة بعملية الترسيم [35] .

     أما الملاحظة الثانية فهي التي تتعلق بتشكيل اللجنة من قبل السكرتير العام للأمم المتحدة والتي سبق ان أشرنا إليها ، حيث ان اللجنة تتألف من خمسة أعضاء اثنان منهم يمثلان العراق والكويت والثلاثة الآخرون هم خبراء( مستقلون ) يختارهم السكرتير العام للأمم المتحدة والذي يعين أحدهم رئيساً للجنة  وان تتخذ قرارات اللجنة على أساس أصوات الأغلبية وان تكون هذه القرارات نهائية ، وان تكون اللجنة مسؤولة أمام الأمين العام . وبالتالي فان رأي العراق في مجمل عملية الترسيم سيكون ممثلاً بعضو واحد من بين خمسة أعضاء وان ذلك لا يوفر التوازن التام بين الآراء التي قد تعتمد من قبل كل طرف من الأطراف خلال عملية الترسيم طالما لا يكون له أي دور في اختيار الخبراء للتأكد من حقيقة استقلالهم . حيث ان ذلك يعني من الناحية الواقعية ان مصالح الكويت هي المرجحة في مجمل عملية الترسيم [36] .

     والملاحظة الثالثة هي ان السكرتير العام للأمم المتحدة وعند تشكيله للجنة الترسيم قد استخدم تعابير جديدة غامضة للتعبير عن أسس جديدة غير تلك التي أشار إليها القرار 687 في القسم ( أ ) ، مثل ان تستفيد اللجنة من التكنولوجيا المناسبة ( وستتخذ التدابير الضرورية لتحديد وفحص المادة المناسبة ذات الصلة بعملية ترسيم الحدود ).

    وهذا يتطلب توضيحاً عن المقصود بتلك التعابير والمفاهيم الجديدة لكي تكون معلومة لجميع الأطراف ، وهذا ما دفع العراق للاستفسار عنها وطلب توضيحها . إلا ان اللجنة رغم ذلك اعتمدت ما سمي بالتكنولوجيا المناسبة في عملية الترسيم مما زاد في الأضرار بحقوق ومصالح العراق [37] .

     والملاحظة الرابعة هي تحمل العراق نصف تكاليف عملية الترسيم . وهنا يجدر التساؤل عن أساس هذا الرأي . خصوصاً ان إجراءات السكرتير العام للأمم المتحدة في تشكيل وأسلوب عمل اللجنة التي وردت في تقريره الى مجلس الأمن والتي حصلت موافقته عليها لم تعر أي اعتبار لرأي العراق في مجمل عملية الترسيم وبالتالي فان ما جاء في ذلك التقرير يكاد يرقى الى شروط عقد الإذعان اذ ليس للعراق أية حرية او إرادة في الاتفاق الرضائي على مضامينه . والحقيقة ان عملية الترسيم قد حسمت سلفاً ، حتى قبل ان يتم تشكيل لجنة للترسيم في القرار 687 ، باعتبارها أحد الشروط التي أملتها دول التحالف على العراق لوقف إطلاق النار ، وما عمل اللجنة الا أداة لوضع ما تقرر في هذا القرار على الأرض [38] . فعملية الترسيم ليست عقد إذعان في تكيفها القانوني السليم ، إنما هي عملية إكراه طرف خاسر في الحرب على القبول بالحدود التي تحدد له دون ان يكون لارادته أي دور في التعبير عن رضائه بتلك الحدود . ومن ثم فان إكراه العراق على قبول الترسيم وما يترتب عليه من نتائج من بينها تحمله نصف نفقات عملية الترسيم ، لا تستند الى أي أساس قانوني شرعي ولا يمكن تأسيسها على أساس مبادئ العدل والأنصاف.

    والملاحظة الخامسة تتعلق بطبيعة اللجنة هل هي دائمة او مؤقتة ؟ يوحي كلام السكرتير العام للأمم المتحدة بان هذه اللجنة ستكون دائمة باعتبارها جهازاً فرعياً تابعاً لمجلس الأمن مثل لجنة أركان الحرب او لجنة نزع السلاح وغيرها من اللجان التي يستعين بها المجلس في القيام بوظائفه المحددة في الميثاق . ولقد عبر السكرتير العام للأمم المتحدة عن صفة الدوام للجنة من إنها ( ستتخذ الترتيبات اللازمة لصيانة علامات الحدود بشكل مستمر) [39] ، هذا يعني ان للجنة ستقوم بزيارات ميدانية بين الحين والآخر للاطلاع على أحوال علامات وتغير او استبدال التالف منها والتأكد في الوقت نفسه من ان هذه العلامات موجودة فعلاً في الموقع والمكان الذي وضعتها فيه اللجنة .

    ان بقاء لجنة تخطيط الحدود بصفة دائمة امر لا مبرر له أصلا فاللجنة لها مهمة محددة ، عليها إنجازها ثم تقديم تقريراً للسكرتير العام للأمم المتحدة الذي يرفعه بدوره الى مجلس الأمن . اما ان تستمر اللجنة الى ما لانهاية فهو أمر مكلف مادياً من ناحية وقيمة عملها محدود من الناحية العملية والقانونية خصوصاً وان اللجنة قد عززت عملها الأرضي بالصور الجوية إضافة الى تواجد قوات حفظ السلام الموجودة في المنطقة المنزوعة السلاح والتي من ابسط واجباتها ملاحظة ومراقبة نقاط الحدود بين الدولتين .

     اما الملاحظة الأخيرة والمهمة فهي ان مهمة لجنة الحدود وكما جاء في تقرير السكرتير العام للأمم المتحدة المرفوع الى مجلس الأمن فهي ( تخطيط الحدود بين الدولتين ) وذلك استناداً للفقرة 2 و 3 من القسم أ من القرار 687 (1991) ، فاللجنة اذن تقوم بتخطيط الحدود وليس ( تحديد الحدود ) وهنالك فرق كبير من الناحية القانونية بين تخطيط الحدود وتحديد الحدود [40] . فعمل اللجنة كان يفترض ان يكون عملاً فنياً خالصاً بتخطيط الحدود على الأرض فليس من عملها او مهمتها إعادة توزيع الأرض من جديد او تحديد الحدود البحرية بين الدولتين حيث عبر عن ذلك رئيس اللجنة السيد مختار كوسوما اتماجا ( إندونيسيا) بانه وفي ضوء طبيعة ومدى تفويض اللجنة فانه سيكون من الصعب التعامل مع ترسيم الحدود البحرية . وكان هذا يعزى الى ان التفويض المذكور لم يخول اللجنة التعامل مع مسار الحدود في ما وراء نقطة ارتباط خور الزبير مع خور عبد الله  ( أي بعبارة أخرى ما وراء تلك النقطة حتى البحر ) ما لم توافق الأطراف الأخرى على غير ذلك وان اللجنة لم يكن بمقدورها توسيع حدود تفويضها على مسؤوليتها الخاصة وقد عبر الخبيران المحايدان عن تفهمهما لرئيس اللجنة [41] .

   إلا ان اللجنة رغم ذلك فقد تصدت لهذا الموضوع المهم والحساس ، عندما بحثت في دورتها الثالثة التي انعقدت في جنيف في الفترة من 12 الى 16 اب 1991 ، مسألة موقع نقطة التقاء خور عبد الله مع خور الزبير ورغم المناقشات المطولة حول تحديد موقع هذه النقطة ، فان اللجنة وبوضوح تام جاملت ممثل الكويت وسعت الى إرضائه على حساب المراعاة الكاملة لقواعد الإجراءات التي وضعتها لنفسها وهي بذلك قد تجاوزت حدود سلطاتها على حساب ارض وسيادة العراق على إقليمه البري والبحري [42] وسوف نناقش هذه الملاحظة اكثر تفصيلاً في الصفحات اللاحقة عند التعرض لنشاطات اللجنة .

     لقد كانت بعض هذه الملاحظات محور رسالة وزير الخارجية العراقي الموجهة الى السكرتير العام للأمم المتحدة [43] حول مشروع تقريره المزمع تقديمه الى مجلس الأمن حول تشكيل اللجنة ومهامها وطبيعة عملها والمشار إليها عند تشكيل اللجنة.ولقد أجاب السكرتير العام على الملاحظات العراقية في رسالته المؤرخة في 30/ 4/ 1991 [44] ، حيث اعتمد على ذكر نص القرار 687 فيما يتعلق بأساس الترسيم وكأنه لم يكن معلوماً لدى العراق . وأحال السكرتير العام الى لجنة الترسيم مهمة تفسير بعض الأفكار الغامضة في أسس الترسيم بحجة ان تفسيره هو يؤثر على استقلال عمل اللجنة واوضح ان اشتراك العراق في اللجنة من شأنه تمكين العراق من التعبير عن وجهات نظره وعليه يتحتم عليه تحمل نصف تكاليف عملية الترسيم .وبمثل هذه الإجابات فان السكرتير العام للأمم المتحدة قد ابتعد كثيراً عن المسألة الجوهرية لملاحظات العراق ووجهات نظره . وكانت المسألة الأساسية في موقف العراق هو أمله في ان يسعى الأمين العام للأمم المتحدة في ضوء قيام مجلس الأمن بفرض صيغة تعيين الحدود واسس ومصادر الترسيم ،لضمان العدالة والإنصاف فيما يتعلق بنواح جوهرية معينة في عملية الترسيم ، نخص منها أسلوب عمل اللجنة وطريقة تنفيذ مهمتها الفنية وطريقة اتخاذ قراراتها وطبيعة القرارات المذكورة ومواصفاتها . ولتحقيق ذلك فلقد دعا العراق الى اجراء التشاور ، حيث تم تجاهل هذه الدعوة تماماً من قبل الامين العام حين مضى قدما في تقديم تقريره حول تشكيل اللجنة وإجراءات عملها ومهامها بدون إجراء أية تغيرات الى مجلس الأمن في 2/5/1991 [45]. ولقد اعتبر السكرتير العام للأمم المتحدة ما قد فعله مع العراق بشأن تقديم مشروع تقريره حول تشكيل اللجنة وطبيعة عملها وإبداء العراق لملاحظاته التي لم يعرها السكرتير العام أي اهتمام ، تحقيقاً للتشاور المطلوب لغرض إنجاز ترتيبات ترسيم الحدود [46] ! .

     لقد باشرت اللجنة أعمالها في 22/ 5/1991 ولغاية 20/5/1993 حيث عقدت (11) دورة شملت (82) اجتماعاً- كما قلنا – اما في مكتب الأمم المتحدة في جنيف او في مقرها في نيويورك . ففي دورة اجتماعها الأولى التي عقدتها اللجنة في نيويورك للفترة من 22-24 مايس 1991 اقتصرت على جوانب تنظيمية [47] . وكانت دورة اجتماعاتها المنعقدة في جنيف للفترة من 1-12 تموز 1991 نقطة البداية لمناقشات اللجنة حيث اعتمدت اللجنة عدداً من القرارات الحاسمة ، منها قرارات جوهرية وأخرى فنية والتي حسمت من خلالها الأسس الجوهرية لمسار الحدود البرية ، في جو تميز بجملة من الخصائص التي لا يمكن إغفالها من قبل أي مراقب منصف وموضوعي [48] .

      ومن الأمثلة العديدة التي يمكن ان تساق بهذا الصدد ، يمكن ان تتناول مثالاً واحداً يلقي الضوء على كيفية توصل اللجنة الى أحد القرارات الجوهرية الأكثر أهمية التي اتخذتها اللجنة والذي تعلق بإنشاء نقطة انعطاف مسار الحدود في صفوان وهي تسيطر على مجمل مسار الحدود في شمال الكويت وباتجاه الشرق . حيث اعتمد الخبيران في تفسيرهما لهذا المسار على اعتبارات خرائطية تستند بصورة جوهرية على المراسلات والخرائط البريطانية التي يعود تاريخها الى الفترة التي كانت خلالها بريطانيا القوة الاستعمارية المهيمنة في المنطقة [49] .

    ولقد أجاب ممثل العراق في لجنة الترسيم على وجهات نظر الخبراء بإيضاح النواحي المتعلقة بتفسير معنى ( صيغة تعيين ) الحدود المنصوص عليها في عملية تبادل الرسائل لعام 1932 بين حكومة العراق وأمير الكويت ، والنواحي الفنية المتعلقة بالتركيز حصراً على المواد الخرائطية التي من شأنها ان توفر مادة ناقصة لعملية الترسيم حيث ان التعويل على الخرائط فقط دون الرجوع الى الوثيقة يؤدي حتماً الى هذه النتيجة ورغم ذلك واصلت اللجنة من خلال الخبيرين          تنفيذ تلك القرارات والتي كان من بينها التحقيق بشأن نقطة انعطاف مسار الحدود في صفوان وتحري موقع تلك النقطة على الأرض بطريقة تتعارض مع جوهر قرار اللجنة . لقد خول قرار اللجنة الذي تم اتخاذه في 11/7/1991 الخبراء بإجراء تحقيقات وجمع المعلومات الضرورية لتمكين اللجنة من اتخاذ قرارها الدقيق بشأن الحدود الشمالية [50] . وقد ابدى ممثل العراق في اللجنة بصدد هذه النقطة تحديدا ً، رأيا مفاده بان الاعتماد على وجهة النظرالمسحية الصرف بشان هذه النقطة يعني إبراز صورة غير كاملة من ( المواد المناسبة) واشار الى ان على اللجنة الانتباه الى حقيقة الزحف الإقليمي الكويتي باتجاه الشمال بعد عام 1963 بتحريك مراكز الحدود وقوات الحدود ومواقع التنقيب عن النفط واقامة المزارع ، وان كل هذه الأعمال قد تم الاعتراض عليها بمذاكرات عراقية قدمت بالطرق الرسمية كما قدم ممثل العراق للجنة مجموعة من الوثائق تمثل جوازات سفر كانت تختم في موقع حددته السلطات الكويتية في( المطلاع ) بدءاً من الستينات والذي زحف شمالاً باتجاه الأراضي العراقية لأكثر من             سبعين كيلومتراً [51] . وقد ظهر أثناء الجلسة الخامسة للجنة ان ممثل الكويت وخبراءه رافقوا ( الخبراء المحايدين ) في تحقيقاتهم في منطقة صفوان ، بخلاف قرار اللجنة ، وان هؤلاء الخبراء قد اعتمدوا على رأي الخبراء الكويتيين في تقرير وضع نقطة الانعطاف إضافة الى المصادر البريطانية [52] .

    وهكذا فقد شارك ممثلو الكويت ، على الرغم من حقيقة انهم يمثلون طرفاً له مصلحة مباشرة في هذه المسألة ، في عمل ميداني كلف الخبراء ( المحايدين ) بتنفيذه ، وان قرار اللجنة لم يخول اي شخص بالسير على وفق هذه الخطوط . ولقد ابلغ ممثل العراق اللجنة بهذا الوضع بعد إجراء التحقيقات التي جرت بشكل يتناقض ومبدأ حسن النية .

    لقد توصلت لجنة ترسيم الحدود الى قراراتها النهائية بشأن الحدود البرية في جلستها الخامسة المنعقدة في نيويورك  للفترة من 8- 6/ نيسان / 1992 [53] ولقد قاطع العراق حضور الجلسة السادسة لاعتقاده بان مشاركة ممثله في اللجنة لن تجدي نفعاً [54] وكما جاء في رسالة وزير خارجية العراق للامين العام للأمم المتحدة  بتاريخ 21/ تموز /1992 .

    والملاحظ هنا ان قرار الخارجية العراقية قد جانب الصواب لأن مقاطعة أعمال اللجنة كان يفترض ان تتم منذ الاجتماع الأول ، لانه اذا ما كانت القناعة من ان مجلس الأمن قد افتقدت قراراته الى الموضوعية في تنفيذ مهمته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، فما الذي يرجى من لجنة فرعية تعمل تحت توجيه المجلس والأمانة العامة ؟ .

    لذا فلا مبرر من مقاطعة أعمال اللجنة بعد مضي عام على عملها وحضور ممثل العراق لجميع اجتماعاتها في تلك الفترة بل انه كان ينبغي الاستمرار في حضور جلسات الاعمال في اللجنة وتثبيت موقف العراق من كل تلك    الممارسات .

    اما بشأن ترسيم الحدود البحرية فلقد قلنا سابقاً ان اللجنة لم تكن مفوضة في ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وهذا ما اكده رئيس اللجنة بوضوح [55] .إلا ان إصرار ممثل الكويت على ان تفويض عمل اللجنة يشمل ترسيم الحدود البحرية من جهة او غياب ممثل العراق عن حضور جلسات عمل الجلسة السادسة المنعقدة في نيويورك للفترة من 15/24/تموز/1992 من جهة أخرى والضغوطات الكبيرة على رئاسة اللجنة من قبل الأمانة العامة  من جهة ثالثة حتمت إدراج موضوع القسم البحري من الحدود في جدول الأعمال [56]  .

    ان أحساس اللجنة بالاستياء الواسع من عملها والذي عبرت عنه الصحافة العربية والغربية من تجاوزها على سيادة العراق في إقليمه البري واقتطاع ام قصر وضمها للكويت بدون وجه حق ، اضطرها الى إصدار بيان صحفي يوم   24/تموز/1992 تبين فيه ان لجنة الحدود ليست بصدد إعادة توزيع الأراضي بين الكويت والعراق وانما هي تضطلع ببساطة بمهمة فنية ضرورية لترسيم الإحداثيات المضبوطة للحدود الدولية بين الكويت والعراق للمرة الأولى [57] .

    كما ان السكرتير العام للأمم المتحدة أرسل رسالة الى مجلس الأمن في     12/آب/1992 يطلب فيها توسيع تفويض اللجنة ليشمل عملها الحدود البحرية بين البلدين ، حيث أوضحت الرسالة ( وبقدر تعلق الأمر بالحدود القريبة من الساحل فان المجلس قد يرغب في تشجيع اللجنة على ترسيم ذلك الجزء من الحدود بأسرع وقت ممكن لتستكمل بذلك عملها ) [58] .

    ان هذه الرسالة التي جاءت في سياق إرضاء الكويت والدول المساندة لها في مجلس الأمن التي خططت منذ البداية لإنهاء عمل اللجنة لصالح الكويت وبصرف النظر عن وجهات النظر الأخرى حتى وان كان عمل اللجنة يمثل اجتراءا على سيادة العراق في إقليمه البري والبحري وخلافا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة بل وخلافا لإجراءات لجنة ترسيم الحدود ذاتها خلال العمل على توسيع تفويضها ، جعلت مجلس الأمن يتصرف بسرعة كبيرة ويصدر قراره المرقم ( 733 ) في 26/8/1992 أي بعد رسالة السكرتير العام بأسبوعين فقط الذي رحبت الفقرة ( 3 ) منه بـ ( قرار اللجنة النظر في القسم الشرقي من الحدود الذي يشمل الحدود البحرية ) وبذلك ساهم السكرتير العام ومجلس الامن برفع الحرج الذي كان يراود اللجنة بشكل عام ورئيسها الاندنوسي بشكل خاص بشان ترسيم الحدود البحرية لانه لا يدخل ضمن اختصاص اللجنة [59] .

    ان هذه الجهود المنظمة والمنسقة للكويت والأمانة العامة وبعض دول مجلس الأمن لتوجيه عمل اللجنة خلافا للتفويض الممنوح لها كما حدده مجلس الأمن نفسه في القرار 687 (1991 ) ، ومواقف ممثل الكويت المتكررة حول استعداده للعودة الى السكرتارية ومجلس الأمن لاتخاذ الموقف المطلوب في اية مناسبة حينما تقدم وجهة نظر مغايرة لوجهة نظره ، يمكن ان تكون في عداد فضيحة قانونية وسياسية سافرة ، دفعت رئيس اللجنة الى تقديم استقالته في 20/11/1992 لسببين [60] أولهما( شخصي) اما الثاني فهو بحسب ما جاء في نص الرسالة ( بعض نواحي الخاصة بشروط الرجوع الى اللجنة وكيف انه جلب الانتباه الى ان الحدود في القسم البحري لم يشر اليها بدقة في وصف الحدود كما تضمنته تبادل الرسائل لعام 1932 ولذلك فان تعيين الحدود كان غير متاح ) .

     وعند استقالة رئيس اللجنة الاندونيسي تم تعيين السيد نيكولاس فالتيكوس     ( اليونان )  رئيساً جديداً للجنة ، وتم عقد الجلسة السادسة في جنيف للفترة من 14- 16 كانون الثاني 1992 [61]. واتخذت اللجنة خلالها قراراً سريعاً بان المبدأ الجوهري الذي يحكم عملية ترسيم الحدود في خور عبد الله ينبغي ان يكون الخط المار في الوسط مما يفهم منه ان هدف وغرض تسوية الحدود هو تسهيل مرور الملاحة لكلا الطرفين .

   ان هذه النتيجة التي توصلت اليها اللجنة تثير العديد من التساؤلات القانونية والتي يمكن إيجازها على النحو التالي :

    ان صيغة تعيين الحدود التي اعتمدها مجلس الأمن كأساس لترسيم الحدود في القرار687 (1991 ) لا تتضمن أية إشارة لوصف الحدود في خور عبد الله . وعلى هذا الأساس فانه من غير الممكن ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين مالم يعتمد الترسيم على وصف للحدود ، أي بعبارة أخرى تعيين للحدود متفق عليه من جانب الأطراف المعنية [62] . كما ان طبيعة المياه في منطقة خور عبد الله لا يمكن ان تكون من نفس طبيعة المياه البحرية الإقليمية للكويت بغية التمكين من تطبيق قواعد قانون البحار في تقسيم المناطق البحرية بين الدول التي تمتلك سواحل متقابلة . وحتى على افتراض ان المنطقة هي جزء من المنطقة البحرية الإقليمية ، فان هذه المنطقة تخضع لمفهوم الظروف الخاصة الذي أكده الخبيران      المحايدان [63] . وذلك لعدم وجود صيغة متفق عليها لتعيين الحدود بين العراق والكويت في خور عبد الله . كما ان العراق يمتلك حقوقاً تاريخية في منطقة خور عبد الله التي لم تمارس فيها الكويت عمليات ملاحية ذات معنى ان فرض الحدود في خور عبد الله بالطريقة التي مارستها اللجنة قد شكل إنكارا خطيراً لحق العراق التاريخي في التمتع بمنفذ حر الى البحر من خلال عمليات ملاحية آمنة وغير مقيدة في خور عبد الله والى الحد الذي يصبح معه العراق عملياً دولة          برية مغلقة [64] .

    رغم جدية وأهمية الملاحظات على عمل اللجنة في ترسيم الحدود البرية والبحرية ، إلا ان رئيس اللجنة وبتاريخ 20/5/1993 قدم تقريره الى السكرتير العام للأمم المتحدة المتضمن النتائج النهائية لعمل اللجنة مع نسخة من قائمة الإحداثيات لترسيم الحدود بين العراق والكويت . وفي اليوم التالي قدم السكرتير العام التقرير الى مجلس الأمن الذي سارع هو الآخر في 27/5/1993 الى اتخاذ قراره 833 وفقاً للفصل السابع من الميثاق والذي بموجبه صادق على تقرير اللجنة مؤكدا مرة أخرى بان قراراته بخصوص رسم حدود نهائية [65] .

     والخلاصة ان صلاحيات مجلس الأمن ووظائفه بموجب الميثاق لا تمنحه الحق في فرض عملية تعيين حدود على دولة عضو وذلك لان هذه الصلاحية تخضع بموجب القانون الدولي لقاعدة الاتفاق بين الدول ذات العلاقة . كما ان هذه القضية لا تتعلق من جهة نظر قانونية دقيقة بالقضايا التي تخص صيانة السلم والأمن الدوليين والتي تقع ضمن صلاحيات مجلس الأمن . وعليه فان مجلس الأمن قد تصرف خارج إطار صلاحياته في هذه القضية مجترءاً ومعتديا على سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة على إقليمها البري والبحري .

الهوامش

[1] Mohammed Bedjaoui . Nauvel Ordre Nondial  Et  Controle , De La Legalite Des Actes Du Conseil De  Securite . Belgiam . Bruylant Bruxelles . 1994 . P .14.

[2]–  انظر حامد سلطان . مصدر سابق . ص 422

[3]– رسالة وزير خارجية العراق الى الامين العام لجامعة الدول العربية في 15/7/ 1990 . كراس منشورات وزارة الخارجية العراقية . ص 1 .

[4]–  ضاري رشيد السامرائي . مصدر سابق . ص 133 .

[5]–  علي ابراهيم . النظرية العامة للحدود الدولية . القاهرة . دار النهضة العربية ، 1995 . ص 19 .

[6]–  انظر نص  المادة 24 من ميثاق الامم المتحدة  .

[7]–  انظر نص  المادة 25 من ميثاق الامم المتحدة .

[8]–  انظر ضاري رشيد السامرائي . مصدر سابق . ص 51 .

[9]   L . C. Green . International Law Through The Cases ., 2 Ed Published . London Institute Of Word Affairs . London And Sons Limited , 1959 p . 563 .

[10]–  انظر نص المادة 39 من ميثاق الامم المتحدة .

[11]–  انظر محمد حسن الابياري . مصدر سابق . ص 237 .

[12]  Mohammed Bedjaoui . op. Cit .p 3 .

[13] Ibid P .15 .

[14] Andre Dulait La Cour Penale Internationale . Parise .Commission Des Affairres Etrangeres , Ee La Defense Et Des Forces Armees , 1999. P 41 .

 [15] – Mohammad Badjaoui op . cit p . 22 .

 [16] -Ibid  . P 24 .

[17]-Mohammad Badjaoui . op . cit p 24 .   

[18] Ibid . p. 26.

[19] Ibid .P 47

[20]–  انظر ضاري رشيد السامرائي . مصدر سابق . ص 84 .

[21]   Ian Johnstone .Aftermath of the Gulf  Ware .London. Lynne Rienner Publishers 1994 .p 13.

[22] – Ibid ,P .35

[23]–  ضاري رشيد السامرائي . مصدر سابق .ص 84 .

[24]–  الفقرة (2) من القرار ( 687 ) .

[25]–  الفقرة (3) من القرار ( 687 ) .

[26]–  الفقرة (4) من القرار ( 687 ) .

[27] -Ian Johnstone . op .cit p 27 .

[28]–  ضمت اللجنة الدكتور رياض القيسي ممثلاً عن العراق وطارق رزوقي ممثلاً عن الكويت والخبراء هم السيد ايان بروك المدير الفني للمسح السويدي انذاك والسيد وليم روبرتس المدير العام لقسم المسح ومعلومات الارض في نيوزيلندا ورئيس اللجنة السيد هوجشار كوسوما اومجدا وزير خارجية اندونيسيا السابق وعضو لجنة القانون الدولي ، وقد استقال في 20/11/1992 لامور تتعلق بالقرارات التي اتخذها مجلس الامن واللجنة وحل محله السيد نيكولاس فاليتكوس المدير العام السابق لمنظمة العمل الدولية ومحام دولي معروف . انظر في ذلك

 Maurice Mendelson And Susan Hulton .The IRAQ-Kuwait Boundary .1994 ,p 140                                                                  كماورد في

سيف الدين المشهداني. السلطة التقديرية لمجلس الامن واستخدامها في حالة العراق . بغداد . دار الشؤون الثقافية العامة ، 1999 . ص 171 .

[29]–  هو السيد ميكلوس بنشر رئيس رسامي الخرائط في الامانة العامة للامم المتحدةوقد اشار الامين العام الى ان مهمة الهيئة هي رسم الحدود الدولية في خطوط الطول والعرض الجغرافية كما هي في المحظر المشار اليه في القرار 687 وتكون قراراتها ملزمة ونهائية وتتخذ القرارات باغلبية الاصوات . المصدر السابق. ص 172 .

[30] Doc. S /25558   / 1991

[31]–  ان الخارطة المشار اليها في الفقرة 3 من القرار 687 : هي الموجهة الى السكرتير العام للامم المتحدة من الممثل الدائم للمملكة المتحدة لبريطانيا لدى الامم المتحدة والمرسومة عام 89-90 من قبل مدير عام المساحة العسكرية في المملكة المتحدة والتي تم تداولها كوثيقة من وثائق مجلس الامن بناء على طلب الممثل البريطاني في رسالته المؤرخة في 28/اذار/1991 . أي بعبارة اخرى قبل خمسة ايام من اعتماد القرار 687 (1991) انظر في ذلك وثيقة مجلس الامن 1991 / Doc/     22412

[32]–  قرارات مجلس الامن وبيانات رئيسة بشأن الحالة بين الكويت والعراق 1990-1994 الامم المتحدة ، 1994 . ص 7 .

[33]–  المصدر نفسه . ص 9 .

[34]–  انظر رسالة وزير خارجية العراق الموجهة الى الامين العام للامم المتحدة في 21 / ايار /1991 . بغداد . دار الحرية للطباعة والنشر ، 1992 . ص 10 .

[35]  Doc .s /22558/1991 كذلك انظر الحوار مع الامين العام للامم المتحدة . مصدر سابق . ص 65

[36]–  انظر رسالة وزير خارجية العراق . مصدر سابق. ص11 . كذلك انظر ضاري رشيد السامرائي . مصدر سابق . ص135 . وسيف الدين المشهداني . مصدر سابق . ص 172 .

[37]–  انظر الامم المتحدة . الوقائع . مجلة الامم المتحدة ، العدد 3 السنة الرابعة عشرة ، ايلول 1993. ص32

[38]–  بالرغم من ذلك اكد العراق استعداده الكامل لاجراء المشاورات الخاصة حول عملية الترسيم والملاحظات المتعلقة بها سواء في نيويورك او أي مكان اخر وعزمه على التعاون مع الامين العام طبقاً للقرار 687 حتى ولو لم تؤخذ وجهات نظره بعين الاعتبار بسبب استمرار نفس الظروف التي تفرض على العراق القبول. وهذه اشارة واضحة الى ان العراق مضطراً للقبول بذلك القرار وقرار الامين العام بتشكيل لجنة الترسيم . انظر رسالة وزير خارجية العراق . مصدر سابق . ص 12 .

[39]–  قرارات مجلس الامن وبيانات رئيسة بشأن الحالة بين الكويت والعراق . مصدرسابق. ص 11

[40]–  للمزيد من الاطلاع على النقاش القانوني حول الفرق بين تخطيط الحدود وتحديد الحدود انظر 

     Maurice Mendelson And Susan Hulton ,op cit , p  24

[41]–  لمزيد من التفاصيل حول الموضوع انظر محاضر عمل اللجنة في الوثائق . IKBDC MIN  19 ,   40 ،49

3 -IKBDC / DOC – 8 .

4-DOC .S / 22558 /1991 .

 

[44]  -Doc .s /22558 / 1991.

[45]  انظر وزارة الخارجية . العرض الذي قدمه وفد العراق . مصدر سابق . ص 66

[46]–  المصدرنفسه . الصفحة نفسها

[47]  Doc . S/25811 / 1991

[48]–  من رسالة وزير خارجية العراق الى الامين العام للامم المتحدة . مصدر سابق . ص 14 .

[49]–  وزارة الخارجية . العرض الذي قدمه وفد جمهورية العراق . مصدر سابق . ص67 .

[50]  Doc . S/25905 .   1991 .

[51]–  انظر ضاري رشيد السامرائي . مصدر سابق . ص 140

[52]–  وزارة الخارجية . العرض الذي قدمه وفد جمهورية العراق . مصدر سابق . ص 68 .

[53]  DOC. S/ 24044 . 1992

[54]  DOC .S / 24275 . 1992

[55]  DOC . IKBDCMIn , 19 ,40 ,49

[56]  DOC. IKBDCMIN. 51.PP.1-11 .

[57]  DOC. S/24044/1992 .

[58]  DOC. S/22558/1992

[59]–  وقد اعترف السكرتير العام للامم المتحدة ان هذا الاجراء تتخذه الامم المتحدة لاول مرة في التاريخ من خلال تخطيط الحدود بين اثنين من الدول الاعضاء . انظر بطرس بطرس غالي . تقرير عن اعمال المنظمة من الدورة السابعة والاربعين الى الدورة الثامنة والاربعين للجمعية العامة  ، ايلول/1993 . ص 127 .

[60]–  وزارة الخارجية . العرض الذي قدمه وفد جمهورية العراق . مصدر سابق . ص72

[61] MAURICE AND SUSAN .OP . cit P .149

[62]–  رسالة السيد وزير خارجية العراق الى السكرتير العام للامم المتحدة ، 1992 . ص8 . كذلك العرض الذي قدمه وفد العراق . مصدر سابق ص 72 .

[63] DOC . KBDC /min 5  and 11

[64]–  رسالة السيد وزير الخارجية المشار اليها سابقاً.

[65]  MAURICE AND SUSAN . OP . CIT . P 152 .

المصدر: رسال ماجستير بعنوان السيادة و موقف الأمم المتحدة منها: دراسة في القضية العراقية، من اعداد الباحث عامر محمد محمود السعيدي، الجامعة المستنصرية، 2002

الصفحة السابقة 1 2 3

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى