دراسات قانونية

بحث حول الشفعة وتطبيقاتها في التشريع الجزائري

من إعداد الطالب القاضي:  بن عمار عبد الحليم – الجزائر
مذكرة التخرج  لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء
مقدمة
الملكية سلطة مباشرة لشخص على شيء معين حق عيني تخوله سلطة الاستئثار باستعماله واستغلاله والتصرف فيه بشتى أنواع التصرف بصفة دائمة،وهي كغيرها من الحقوق العينية الأصلية الأخرى تكسب بأسباب مختلفة،فقد تكسب بأسباب مختلفة،كاستيلاء إنسان على مال لا يملكه أحد،وقد نكسب انتقالا من مالك إلى آخر وهذا الانتقال يكون إما بسبب الوفاة  كالميراث والوصية أو بين الأحياء إما بالتراضي كالعقد أو جبرا على إرادة المالك الأول كالشفعة التي هي موضوع بحثنا باعتبارها سببا من أسباب كسب الملكية تتميز عن غيرها من الأسباب الأخرى التي حددتها القوانين الوضعية بأنها حق  تملك جبري بحكم القانون لما فيها من انتزاع ملك الغير عن غير رضاه من أجل دفع ضرر الشركة أو الجوار،فقد يشتري المبيع شخصا غير سوي فيسيء إلى بقية شركائه ا والى جيرانه فيمكن لباقي الشركاء أو للجار أن يأخذ المبيع بالشفعة لدفع هذا الضرر،كما يمكن بالشفعة الحيلولة دون تجزئة العقار إلى أجزاء صغيرة،أو قسمتها واستحداث مرافق جديدة مع ما يترتب على ذلك من نفقات وتكاليف جديدة،كما يمكن بالشفعة جمع ما تفرق من حق الملكية.
مثل ضم حق الانتفاع إلى الرقبة أو العكس وهو ما أقرته الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدرا للشفعة طبقا لما ورد من أحاديث ثابتة في السنة النبوية الشريفة وبإجماع الفقهاء على مشروعيتها وثبوتها.
والمشرع الجزائري من المشرعين الوضعيين نظم أحكام الشفعة بموجب المواد من 797 إلى 807 من القانون المدني تحت فصل طرق اكتساب الملكية وكذلك قانون التوجيه العقاري،مستمدا من الشريعة الإسلامية.
والباعث إلى اختيار هذا الموضوع وإفراده بالدراسة في مذكرة التخرج  هو الوقوف على الإشكالات الواقعية المطروحة على الجهات القضائية وحتى جهل المواطن لمطالبته بحقوق قد يكون لا سند ولا مبرر له بها في الشيء محل المطالبة القضائية ،وكذا الطبيعة الاستثنائية للموضوع في حد ذاته للكشف عن المستجدات الحاصلة في قانون التوجيه العقاري ,وإذا كانت مختلف أسباب كسب الملكية صالحة لكسب الحقوق العينية الأصلية الواردة على المنقول والعقار على حد سواء،فهل أن الشفعة تخضع لهذا الأصل،أم أنها تصلح لبعضها دون الآخر؟
والشفعة ليست سببا مستقلا لكسب الملكية،بل تقترن بشرط قيام تصرف ناقل للملكية قبل المالك،وعليه ففي أي نوع من التصرفات يمكن ممارسة الشفعة فيها؟ ومن المستفيد منها؟
وتم تناول الموضوع بانتهاج المنهج التحليلي و الاستنتاجي،وذلك باستعراض النصوص القانونية وتطبيقاتها القضائية على مستوى المحاكم والمجالس وكذا على مستوى قضاء النقض ،واستخلاص المسائل وتأصيلها بالجانب الفقهي لتحديد مرجعياتها في الشريعة الإسلامية وكل من الفقه والتشريع المقارن.

المبحث الأول:تعريف الشفعة.

نتناول في هذا المبحث المدلول اللغوي للشفعة،ثم تعريفها اصطلاحا في الفقه الإسلامي،وننتهي إلى مدلولها في القانون الوضعي.
المطلب الأول:المدلول اللغوي للشفعة.
الشفعة بضم الشين وسكون الفاء هي خلاف الوتر،وهو الزوج، ،نقول كان وترا فشفعته شفعا وشفع الوتر من العدد جعله زوج،يقال شفعت الركعة جعلتها اثنتين.
وكلمة الشفعة مأخوذة من الشفع وهو الضم والزيادة بما فيه من ضم عدد إلى عدد أو شيء إلى شيء،والشفيع يضم المبيع إلى ملكه,وورد في القرآن الكريم قوله تعالى:)من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها،ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها(بمعنى من يزد عمله،فيضم عملا إلى عمل.
يتبين من هذا أن الجامع لمعاني الشفعة في اللغة هو الضم وهو مناسب لمعناها الشرعي أي ضم ملك المشفوع فيه إلى ملك الشفيع.
المطلب الثاني :المدلول الاصطلاحي للشفعة في الفقه الإسلامي.
اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في تعريف الشفعة تبعا لاختلاف مذاهبهم في تحديد الأحكام المتعلقة بها ونورد أهم تلك التعاريف على النحو الآتي:
فقد عرف فقهاء الحنفية الشفعة بأنها: تملك البقعة جبرا على المشتري بما قام عليه ،وهذا التعريف ورد في غالبية الشروح إلا أنه ورد في بعضها تملك العقار بدل البقعة.
وعرفها بعضهم بأنها ضم بقعة مشتراة إلى عقار الشفيع بسبب شركة أو جوار.
أما المالكية فقد عرفوا الشفعة بأنها استحقاق شريك أخذ ما عاوض به شريكه من عقار بثمنه أو بقيمته،والمقصود بالاستحقاق،طلب الشريك أخذ ما باعه شريكه للغير بثمنه الذي باع به أو قيمة العقار الذي عاوض به.
وعرفها الشافعية بأنها حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحديث فيما ملك بعوض
أي أن ذلك الاستحقاق قهري يثبت للشريك بمجرد البيع من غير رضا المشتري  الحديث،ومعنى كونه قهريا،أي أنه متى بذل المستحق الثمن فوجدت الصيغة حصل قهرا من المشتري الأول.
وعرفها الحنابلة بأنها:استحقاق الشريك بانتزاع حصة شريكه المنتقلة من يد من انتقلت إليه.
مما سبق نخلص إلى القول بان تعريف الشفعة في الفقه الاسلامي لا يخرج عن أصل معناها اللغوي،وهو الضم أي أن الشفيع يتملك العقار المشفوع فيه فيضم ذلك العقار إلى ملكه.
المطلب الثالث: مدلول الشفعة في القانون الوضعي.
إن القانون المدني الجزائري يختلف عن بعض القوانين العربية،في تعريف الشفعة،فهي حسب المادة 795 من القانون المدني رخصة تجيز الحلول محل المشتري في بيع العقار ضمن الأحوال والشروط المنصوص عليها قانونا.
المبحث الثاني:الطبيعة القانونية للشفعة.
يتفق القانون المدني الجزائري مع أغلب القوانين العربية على اعتبار الشفعة سببا لكسب ملكية العقار وهو سبب مستقل كغيره من الأسباب الأخرى التي حددها القانون ويجاريه في هذا الصدد الفقه،لكن رغم هذا الاتفاق بين الفقه والقانون إلا أنه قام خلاف بين الفقهاء حول تحديد طبيعتها،فهناك من اعتبرها واقعة مادية مركبة والبعض اعتبرها حقا من الحقوق.
فالمركز القانوني للشفيع هو الذي يكشف عن حالة الارتباط التي تقوم بين العقار المشفوع فيه والعقار المشفوع به.
ولكن للأخذ بالشفعة يجب أن يعلن رغبته في الأخذ بها،وهذا يعتبر تصرفا قانونيا.
1-    الشفعة حق: ثار جدل حول تكييف الشفعة وهل تعد من الحقوق العينية أم الشخصية وكان الباعث في هذا الجدل هو البحث في بعض الآثار الخاصة بالشفعة،والتي تتوقف على تحديد طبيعتها كتحديد المحكمة المختصة بنظر دعوى الشفعة وتحديد مدى اتصال الشفعة بشخص الشفيع.
فذهب البعض إلى القول بأن الشفعة حق عيني حقيقي،وأساس هذا الحق هو الحق العيني لملكية العقار المشفوع به،التي تخول مالك هذا العقار حقا على العقار المشفوع فيه،وباعتباره حقا عينيا فهو يتولد من ملكية العقار،وينتقل من مالك إلى مالك بانتقال الملك من شخص إلى آخر،فالشفيع عندما يرفع دعوى الشفعة يطالب فيها بحق عيني عقاري يثبت الاختصاص للمحكمة الكائن بدائرتها العقار المشفوع فيه.
أما الفريق الآخر الذي قال بأن الشفعة حق شخصي لم يقصدوا الحق لشخصي المقابل للحق العيني، بل أرادوا القول بأنها حق متصل بشخص الشفيع لا تجوز حوالته،ولا يجوز لدائني الشفيع أن يستعملوه باسمه.
وقد ذهبت أراء أخرى تتوسط بين الرأيين السابقين الى أن الشفعة ليست حقا عينيا بحتا،ولا حقا شخصيا محضا،بل هي حق ذو طبيعة مختلطة لكونه حقا ينصب على عقار من جهة،ولكونه من جهة أخرى لا يمنح للشفيع إلا بناء على اعتبارات شخصية خاصة به،والرأي الراجح هو القائل بأنه لا يمكن وصف الشفعة بالحق العيني الذي  يتبع العقار أينما حل،فقد جاء صريحا في القانون المدني الجزائري أنها طريق من طرق كسب الملكية والحقوق العينية كالعقد,فهي إذن وسيلة من وسائل كسب الملكية،في حين أن الحق في الشفعة هو حق في استخدام هذه الوسيلة،وهذا الحق لا يثبت إلا لمن توافرت فيه صفة الشفيع.
2-    الشفعة رخصة:حسب المادة 795 من ق م ج فان الشفعة رخصة في حين سبقت الإشارة إلى الاختلاف الذي ثار حول تحديد طبيعة الشفعة،فالبعض اعتبرها حقا  من الحقوق،والبعض الأخر ذهب إلى أنها منزلة وسطى بين الحق والرخصة،ونميز بينها كما يلي:
فالحق هو مكنة للشخص يثبت له على سبيل التخصيص والإفراد،كحق الشخص في ملكية عين من الأعيان،أو حقه في اقتضاء دين من الديون أو حقه في طلاق زوجته.
أما الحرية فهي مكنة يعترف بها القانون للناس كافة دون أن تكون محلا للاختصاص الحاجز،وينطبق ذلك على كل الحريات العامة المكفولة دستوريا،مثل حرية الاعتقاد ،حرية
الحركة،حرية التعاقد وحرية التعبير.
أما الفرق بين الحرية والرخصة فتتجلى في أن الحرية مكنة تمنح للشخص بسبب مركز قانوني خاص في أن يحدث أثرا قانونيا بمحض إرادته،فهي تخيير بين بدائل معروفة مقدما،ومحددة أو ممكنة التحديد،كرخصة الموصى له في قبول الوصية فله قبولها أو رفضها،وهذا يختلف عن الحرية حيث يكون التخيير بدون حدود وتكون نتائجه غير معلومة،فالشفيع قبل بيع الشريك لنصيبه له حرية التملك،أما إذا باع الشريك نصيبه عندئذ يكون للشفيع رخصة التملك من حيث المطالبة بالشفعة أو عدم المطالبة بها،وهو ما ينطبق تماما على الرخصة.
3-    الشفعة منزلة وسطى بين الحق والرخصة:الشفعة في هذا الصدد تبدأ بكونها مركزا قانونيا تتهيأ أسبابه للشفيع فيكون شريكا مشتاعا في عقار أو مالكا لعقار،فتباع شائعة في عقار أو يباع عقار مجاور للعقار الذي يملكه فهنا ينشأ المركز القانوني الذي أشرنا إليه،ويكون للشفيع رخصة في أن يتملك العقار المشفوع فيه،والرخصة هي مكنة واقعية لاستعمال حرية من الحريات العامة،أما الحق فهو كل مكنة تثبت لشخص من الأشخاص على سبيل التخصيص والإفراد،وما بين الرخصة والحق منزلة وسطى هي أعلى من الرخصة وأدنى من الحق فنجد حق التملك وحق الملك،الأول رخصة والثاني حق وما بينهما منزلة وسطى هي حق الشخص في التملك وهذا ما ينطبق على الشفعة.

المبحث الثالث:التطور التاريخي للشفعة.

إن تاريخ الشفعة يرتبط ارتباط وثيقا بتاريخ الملكية،والأخذ بالشفعة بترتب عنه نقل الملكية من المشتري إلى الشفيع،وهذا ما تبرره عدة اعتبارات متعلقة بالمصلحة الاجتماعية أو النظام الاقتصادي،وهو ما يستنتج من الأنظمة المختلفة التي استندت إليها الشفعة عبر الأجيال والحقب الزمانية لا مجال لاستعراضها بالتفصيل،بل سنركز على تاريخها في الجزائر فقط.
فقبل سنة 1832 كانت الجزائر تابعة للسلطة العثمانية ،وقد أخذت بنظام الشفعة في الشريعة الإسلامية.
أما في بعد دخول الاحتلال الفرنسي 1832 أصدر قانون 16 جوان 1851 الذي خول للمحاكم الإذن باستعمال الشفعة حسب طبيعة العقارات  والظروف أو رفضها قبل الفرنسيين،وجاء بعدها قانون فارني Varné في 23 جويلية 1873 الذي حول الشفعة إلى حق استرداد وراثي لا يمكن التمسك به إلا من الأقارب الوارثين شرعا،وبالشروط تقررها المادة 841 من المجموعة المدنية الفرنسية،وطبق هذا على التل Tell،وعلى الأراضي المفرنسة.
أما باقي الأراضي فطبقت فيها أحكام الشريعة الإسلامية.
أما بعد الاستقلال تم صدور الأمر 75 /58المؤرخ في 26 سبتمير 1975 يتضمن أحكام الشفعة وقد أخذها المشرع الجزائري من القانون المدني المصري التي اقتبست من الشريعة الإسلامية.

 

الشفعة هي رخصة تستعمل إذا تهيأ مركز قانوني للشفيع يمكنه من تكملك عقار باعه مالكه لمشتر آخر بالشفعة متى توفرت أسبابه وسنتطرق إلى ذلك بالتفصيل كما يلي:
المبحث الأول:البيع العقاري.
نظرا لما تتميز به الشفعة عن غيرها من أسباب كسب الملكية الأخرى،لأن حق التملك جبري بحكم القانون بما فيها انتزاع ملك الغير دون رضا تحقيقا لمصلحة الشفيع المتضرر جراء التصرف في العقار المشفوع فيه،اذ يدخا طرف أجنبي بتملكه حصة شائعة ،لهذا أحاطها المشرع بعدة ضمانات واشترط لها شروطا،نتناولها كما يلي:
المطلب الأول:المال المشفوع فيه.
وهو المال الذي يمكن للشفيع أخذه جبرا عن المشتري طبقا للقانون الجزائري،وهو العقار فقط دون المنقول،لأن هذا الأخير يرد عليه حق الاسترداد.
الفرع الأول:ورود الشفعة على العقار فقط.
لا تكون الشفعة إلا في العقارات،وعليه إذا بيع عقار بالتخصيص مستقلا عن العقار الذي رصد لخدمته أو استغلاله لا شفعة فيه لأنه يعد منقولا في هذه الحالة،أما إذا بيع تبعا للعقار الذي رصد لخدمته واستغلاله فتثبت فيه الشفعة تبعا للعقار.
فالمنقول لا تجب فيه الشفعة،لأن الشفعة شرعت لدفع ضرر لشركة أو الجوار على الدوام.
الفرع الثاني:عدم تجزئة الشفعة .
قاعدة عدم تجزئة الشفعة تعني انه لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع جملة واحدة دون بعضه الآخر لما في ذلك ممن ضرر للمشتري فهو لم يشتر الجزء بل اشترى العقار كله،والثمن قدر جملة واحدة بغض النظر عن قيمة كل جزء من الصفقة على حدى وقد يكون لولا الجزء المشفوع فيه لما رغب المشتري في شراء العقار بكامله،فتفريق الصفقة جملة على المشتري لا يصح دون رضاه في غياب مبرر جدي يسقط ذلك الحق.
المطلب الثاني:التصرف المجيز للشفعة.
يشترط القانون الجزائري أن يكون التصرف المجيز للشفعة بيعا يصدر عن مالك العين المشفوع فيها إلى المشتري حتى يمكن للشفيع أن يطالب بالأخذ بالشفعة هذا كأصل عام.واستثناءا يحظر على الشفيع المطالبة بالشفعة في بعض البيوع لاعتبارات خاصة.
الفرع الأول:عدم جواز الشفعة إلا في عقد البيع.
لكي تصح الشفعة يجب أن ينصب البيع على عقار بمقتضى عقد بيع،لأن الشفعة لا تكون إلا في البيع،ومنه كان يجب تحديد طبيعة التصرف الذي يعتبر ذا أهمية لتحدد مدى تضمنه الشفعة،والحكمة من اقتصار العقود المجيزة للشفعة على عقد البيع،أن البائع لا مصلحة له في الشراء من شخص بالذات،ويستوي لديه أن ينتقل العقار الى ملك المشتري أو ملك الشفيع،ومنه فإن أي تصرف قانوني يأخذ شكل البيع،وناقل للملكية بعوض من النقود،وصادر من الجانبين يجوز الأخذ فيه الأخذ بالشفعة.
الفرع الثاني:مالا تجوز فيه الشفعة.
هناك بعض التصرفات لا تجوز فيها الشفعة بسبب طبيعتها التي تختلف عن عقد البيع ،وسنتناول هذ من خلال التطرق إلى التصرفات التي لا يجوز الأخذ فيها بنص القانون ثم نتطرق الى التصرفات التي لا ترد عليها الشفع نظرا طبيعتها.
أولا:التصرفات التي لا يجوز الأخذ فيها بالشفعة بسبب طبيعتها:هناك عقود البيع وعقود شبيهة بعقد البيع وتصرفات لا يجوز الأخذ فيها بالشفعة نتناولها بالتفصيل كما يأتي:
أ/البيع الباطل:البطلان هو جزاء يلحق العقد إذا تخلف ركن من أركانه،فلا يترتب علبه أي أثر منذ إبرامه وبالتالي فهو معدوم،ولما كان الأخذ بالشفعة في عقد البيع حتى يحل الشفيع محل المشتري في هذا البيع،وعياه فالبيع الباطل تنتفي فيه شروط الشفعة.
ب/البيع الصوري:الشفعة لا تنصب الا في بيع قائم وقت طلب الشفعة،وإذا تعلق الأمر بتصرف صوري وجب أن يكون البيع هو التصرف الحقيقي الذي يقصده المتعاقدان فذا كان البيع نستترا بتصرف آخر،كما لو كانت هناك هبة مثلا،جاز للشفيع أن يثبت الصورية بكل الطرق،فاذا تبين أن العقد في حقيقته بيع وليس هبة،فان الشفعة تجوز له في هذا العقد.
ج/الوعد البيع:إذا كان الوعد بالبيع تبادليا،يجب أن تتوافر فيه أهلية التعاقد على العقد الموعود عند صدور الوعد،وأن تخلو الإرادة من العيوب في هذا الوقت،فمتى حصل الاتفاق على البيع والثمن فانه يأخذ حكم البيع وعلى ذلك يجوز الأخذ فيه بالشفعة،أما إذا الوعد من جانب واحد فلا يجوز البيع ما لم يتصل بقبول الطرف الآخر،وعليه لا تجوز فيه الشفعة حتى تتطابق الإرادتين.
د/المقايضة:إن طبيعة المقايضة تتنافي مع وقوع الشفعة عليها لأنها حسب المادة 41  3 من ق م ج نقل الملكية على سبيل التبادل دون نقود،لأن الشفعة لا أثر لها على حق البائع في اقتضاء الثمن،فالبائع يحصل على الثمن سواء من المشتري أو من الشفيع،بينما لو أجيزت الشفعة في المقايضة،فإن صاحب العقار المشفوع فيه لن يحتفظ بالشيء الذي حصل عليه بدلا من هذا العقار،إذ يتعين أن يرد هذا الشيء إلى صاحبه،على أن يدفع الشفيع لصاحب العقار المشفوع فيه مبلغا من النقود يعادل قيمة ذلك الشيء.
ه/الوفاء بمقابل:تنص المادة 285  ق م ج على أنه ((إذا قبل الدائن في استيفاء حقه مقابلا استعاض به عن الشيء المستحق قام هذا مقام الوفاء.))،وعليه فإذا كان الدين مبلغا من النقود وقبل الدائن في استيفاء حقه عقارا بدلا من هذا المبلغ،فان الشفعة لا تجوز في هذا العقار ذلك أن هذا الوفاء لا ينطوي على بيع،إنما ينصب على تجديد بتغيير محل الدين يعقبه في الحال وفاء بالالتزام الجديد ,
ه/عقد الهبة:حسب المادة 202 من قانون الأسرة فإن ((الهبة تمليك بلا عوض…)) وعليه ،فإن المقابل يتخلف في الهبة،لأن الواهب قد رضي بالتخلي عن ملكه دون مقابل،ذلك لاعتبارات شخصية في الموهوب له،لذلك لا تجوز الشفعة حتى ولو أراد الشفيع أن يأخذ العقار بقيمته.
و/العقود المقررة:لا تجوز الشفعة في العقود المقررة مثل القسمة،لأنها كاشفة عن حقوق الشركاء.
ه/عقد الشركة:إذا قدم الشريك حصته في الشركة عقارا،فلا يؤخذ هذا العقار بالشفعة من الشركة،إذ أن الشفعة ترتب حلول الشفيع محل المشتري وقيامه بكل التزاماته،وهذا متعذر في حالة تقديم العقار للشركة.
ه/تصرفات لا يجوز الأخذ فيها بالشفعة:الميراث واقعة قانونية تفيد الملك في حق الوارث بحكم القانون فا تجوز الشفعة بسببه،كما لا يجوز الأخذ بالشفعة في الوصية لأنها تصرف من جانب واحد.
كما أن نزع الملكية للمنفعة العامة لا يجوز الأخذ فيه بالشفعة لأنه ليس بيعا حتى وإن كانت عملية النزع تتم مقابل تعويض قبلي عادل ومنصف،إلا أن الشفيع لا يستطيع الحلول محل الدولة ي تخصيص العقار للمنفعة العامة.
ثانيا:البيوع العقارية الصحيحة التي لا ترد عليها الشفعة بنص القانون:هناك بيوع رغم صحتها إلا أنها لا تجوز فيه الشفعة لعدة اعتبارات مختلفة نتناولها كما يلي:
أ/البيع بالمزاد العلني:وهو البيع الجبري الذي يتم بناء عل أمر قضائي استنادا إلى طلب الدائنين قصد استيفاء حقوقهم من ثمن العقار المبيع،بالإضافة البيع الذي يتم عن طريق الإدارة وفقا لإجراءات رسمها القانون.
ب/البيع بين ذوي قرابة معينة :حسب المادة798 فان الشفعة لا تنعقد إذا كان البيع بين الأصول والفروع أو بين الزوجين أو بين الأقارب حتى الدرجة الرابعة أو بين الأصهار لغاية الدرجة الثانية.
ب/بيع العقار ليكون محل عبادة:وفقا للمادة 798/ 03 ق م ج فإنه لا يمكن الأخذ بالشفعة إذا كان العقار ليكون محلا للعبادة أو يلحق به،فإذا باع المالك أرضه لتكون مسجدا أو لتلحق بمسجد لتوسيعه مثلا،فلا تجوز فيه الشفعة،وليس المقصود بمكان العبادة المساجد فقط،بل حتى الكنائس،والحاخامات وغيرها من المعابد.

الفرع الثالث:الشفعة عند توالي البيوع:

 تنص المادة797 ق م ج على أنه(( إذا اشترى شخص عقارا تجوز الشفعة فيه ثم باعه قبل أن تعلن أي رغبة في الأخذ بالشفعة، أو قبل تسجيل هذه الرغبة طبقا للمادة 801 فلا يجوز الأخذ بالشفعة إلا من المشتري الثاني،وحسب الشروط التي اشترى بها.
أولا:بيع العقار بعد شهر إعلان الرغبة للأخذ بالشفعة:إذا باع المشتري الأول العقار للمشتري الثاني ة ثبت أن البيع الثاني تم بعد شهر إعلان الرغبة بالشفعة، فإن هذا البيع لا يسري في حق الشفيع طبقا للمادة 806 ق م ج، و عليه يأخذ الشفيع بالشفعة في البيع الأول و يمضي في إجراءات الشفعة تجاه المشتري الأول إلى نهايتها و إذا وجد الشفيع أن شروط البيع الثاني أيسر من شروط بيع الأول يمكنه التنازل عن شروط الشفعة في البيع الأول، و يتخذ إجراءات جديدة للشفعة بالنسبة للبيع الثاني بشروطه و في مواعيده.
ثانيا:بيع العقار قبل شهر إعلان الرغبة للأخذ بالشفعة:إذا صدر من المشتري بيع لمشتري آخر قبل إتمام شهر إعلان الرغبة للأخذ بالشفعة في البيع الأول فترفع الدعوى على المشتري الثاني حسب شروط العقد، حيث لا يعتبر البيع الأول موجودا و منه لا تقبل دعوى الشفعة إذا رفعت على المشتري الأول وحده و ذلك لان كل تصرف يصدر من المشتري قبل شهر إعلان الرغبة في الشفعة يسري في حق الشفيع، مادام الشفيع يأخذ بالشفعة في البيع الثاني دون الأول فيترتب على ذلك أن البيع الثاني لا يجوز الأخذ فيه بالشفعة حتى و لو كان البيع الأول يجيز ذلك، كما أن الشفيع إذ لم يكن قد وجه إليه الإنذار المنصوص عليه في المادة 799 ق م ج، و أراد الأخذ بالشفعة في البيع الثاني، و يشترط فيه أن يكون مشهرا لان الشهر وسيلة للإعلام بالبيع الثاني ، أما إذا لم يشهر هذا البيع جاز للشفيع رفع دعواه على المشتري الأول، أما إذا أنذر من المشتري الثاني فترفع الدعوى على المشتري الآخر.
المبحث الثاني:وجود شفيع.
إن الحق في ممارسة الشفعة لا يثبت إلا إذا وجد شفيع،والشفيع هو من يحق له تملك العقار جبرا على المشتري إذا توافر له سبب من أسباب الشفعة التي حددها القانون من شركة أو جوار،إضافة إلى الشروط الأخرى الواجب توافرها فيه،وإذا اجتمعت شروط الشفعة لأكثر من شفيع لأسباب مختلفة فإن الشفعة لا تثبت لجميعهم بل بحسب مراتبهم التي يضعها القانون لكل سبب منها،وعليه سنتناول ذلك كما يلي:
المطلب الأول:ثبوت صفة الشفيع.
الأشخاص الذين تثبت لهم صفة الشفيع في القانون الجزائري حددتهم المادة 795 من القانون ق م ج التي تنص على أنه((يثبت حق الشفعة وذلك مع مراعاة الأحكام التي ينص عليها الأمر المتعلق بالثورة الزراعية([1])
·        لمالك الرقبة إذا بيع الكل أو البعض من حق الانتفاع المناسب للرقبة
·        للشريك في الشيوع إذا بيع جزء من العقار المشاع إلى أجنبي
·        لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت الرقبة كلها أو بعضها.
·        بالإضافة إلى ما ورد في قانون التوجيه العقاري،حيث تنص المادة 71 منه على أنه ((ينشأ حق الدولة والجماعات المحلية في الشفعة بغية توفير الحاجيات ذات المصلحة العامة والمنفعة العمومية بصرف النظر عن اللجوء المحتمل إلى إجراء نزع الملكية ويمارس هذا الحق في المرتبة التي تسبق ما هو محدد في المادة 795 من الأمر رقم 75/58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المذكور أعلاه ))
كما تنص المادة 57 من نفس القانون على أنه (( يمتد حق الشفعة كما نصت عليه المادة 795 من الأمر 75/58 المؤرخ في26 سبتمبر 1975 المذكور أعلاه إلى المجاورين في إطار أحكام المادة 55 أعلاه وبغية تحسين الهيكل العقاري في المستثمرة )).
الفرع الأول:الدولة والجماعات المحلية.
تنص المادة 16 من المرسوم التنفيذي 91/454 الذي يحدد شروط أدارة الأملاك الخاصة والعامة للدولة على أنه((يمارس حق الشفعة المقرر لفائدة الدولة،بموجب المادة 118 من قانون التسجيل والمادة 24 من القانون 87/19 المؤرخ في 08 ديسمبر 1987 والمادتين 62/71 من القانون رقم 90/25 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990 المذكور أعلاه وفق الشروط وحسب الكيفيات المقررة بموجب الأحكام أو النصوص المتخذة لتطبيقها ))[2]
يتضح من هذا النص أن المشرع أعطى للدولة حق ممارسة الشفعة بموجب قانون التوجيه العقاري بالنسبة للأراضي الفلاحية والأراضي العامرة والقابلة للتعمير،كما لها أن تمارس الشفعة على كل الأملاك العقارية،بموجب نص المادة 118 من قانون التسجيل وسنتطرق اليها على الشكل الآتي:
أولا :ممارسة الشفعة بالنسبة للأراضي الفلاحية:الأراضي الفلاحية عرفتها المادة 04 من قانون التوجيه العقاري بما يلي:((الأرض الفلاحية أو ذات الوجهة الفلاحية في مفهوم هذا القانون هي كل أرض تنتج سنويا أو خلال عدة سنوات إنتاجا يستهلكه البشر أو الحيوان،أو يستهلك في الصناعة استهلاكا مباشرا أو بعد تحويله ))[3]،ولتحقيق عملية الحصول على الأراضي الفلاحية يمكن للديوان الوطني للأراضي الفلاحية استعمال حقه في الشفعة،والذي يجعله محل تفضيل على كل مشتر لأرض فلاحية فيحل محله [4] وهذا في إطار المادتين 52 و56 من قانون التوجيه العقاري،باعتباره الهيئة المكلفة بممارسة الشفعة بالنسبة للأراضي الفلاحية لحساب الدولة في المرتبة الرابعة بعد ما هو محدد في المادة 795 من ق م ج .
حيث يمكن للديوان أن يمارس الشفعة بموجب المادة 24 من هذا القانون باعتبار الدولة مالكة للرقبة،وتمارس الشفعة في هذه الحالة في المرتبة الأولى وفقا للمادة 795 من ق م ج باعتبارها مالكة للرقبة فقط.
ثانيا:الشفعة التي تمارسها الدولة على الأراضي العامرة والقابلة للتعمير:الأراضي العامرة عرفتها المادة 20 من قانون التوجيه العقاري على أنها((هي كل قطعة أرض يشغلها تجمع بنايات في مجالاتها الفضائية ومشتملات تجهيزاتها وأنشطتها ولو كانت هذه القطعة الأرضية غير مزودة بكل المرافق أو غير مبنية،أو مساحات خضراء أوحدائق أو تجمع بنايات.))
أما الأراضي القابلة للتعمير فعرفتها المادة 21 من نفس القانون على أنها(( الأرض القابلة للتعمير،في مفهوم هذا القانون هي كل القطع الأرضية المخصصة للتعمير في آجال معينة بواسطة أدوات التهيئة والتعمير)).
فنظرا لقوة  الطلب على الأرض العامرة أو القابلة للتعمير وقلة العرض يكون اللجوء إلى الشفعة أمرا ضروريا باعتباره طريقا استثنائيا إلى جانب نزع  الملكية،حيث تمارس على كل الأراضي العمرانية وبدون استثناء،وفي مرتبة سابقة على الشفعاء المذكورين في المادة 795 ق م ج لصالح الدولة والجماعات المحلية،وهذا بواسطة وكالات التسيير والتنظيم العقاريين الحضريين[5] .
ثالثا:الشفعة التي تمارسها الدولة بالنسبة لكل الأملاك العقارية:للدولة أن تستعمل الشفعة على كل العقارات حسب ما ورد في المادة 118 من قانون التسجيل لفائدة الخزينة العمومية،كما يمكنها ممارسة الشفعة التلقائية على تصرفات الأجانب الواردة على أملاكهم العقارية ونستعرض ذلك كما يلي:
أ/استعمال الشفعة لفائدة الخزينة العمومية: تنص المادة 118 من قانون التسجيل على ما يلي:((تستطيع إدارة التسجيل أن تستعمل لصالح الخزينة حق الشفعة على العقارات أو الحقوق العقارية أو المحلات التجارية أو الزبائن أو حق الإيجار،أو الاستفادة من وعد بالإيجار على العقار كله أو جزء منه والذي ترى فيه بأن ثمن البيع غير كاف مع دفع مبلغ هذا الثمن مزاد فيه العشر لذوي الحقوق،وذلك فضلا عن الدعوى المرفوعة أمام اللجنة المنصوص عليها في المواد من 102 إلى 106 من هذا القانون وخلال أجل عام واحد ابتداء من يوم تسجيل العقد أو التصريح ويبلغ قرار استعمال حق الشفعة إلى ذوي الحقوق إما بواسطة ورقة من المحضر القضائي أو بواسطة رسالة موصى عليها مع إشعار بالاستلام يوجهها نائب مدير الضرائب للولاية التي توجد في نطاقها الأموال المذكورة)).
ب/الشفعة التلقائية الممارسة من قبل الدولة على تصرفات الأجانب في ملكيتهم العقارية:
نشير في البداية إلى أن استعمال الشفعة يكون اختياريا،غير أن المرسوم رقم 83/344 الذي يتضمن حرية المعاملات قد جعل من تدخل الدولة إجباريا،أي أن الدولة ليس لها حرية الخيار في الحلول محل المشتري فهي مجبرة على التدخل التلقائي لأجل شراء العقار من الأجنبي، وبعد ذلك تتنازل لفائدة المواطن الذي يحتل العقار محل المعاملة،فهي مجبرة أن تكون همزة وصل من أجل نقل الملكية العقارية من الأجنبي لفائدة المواطن الجزائري،[6]
رابعا:ازدواجية الشفعة في القانون الجزائري:طبقا لنص المادة 26 من قانون الأملاك الوطنية [7] نجد بأن الشفعة طريق استثنائي تمارس في إطار القانون العام لتكوين الأملاك الوطنية بنوعيها العمومية والخاصة وبذلك فهي امتياز من امتيازات السلطة العامة تمارسها الدولة والولاية والبلدية هذا من جهة،ومن جهة ثانية فالشفعة هي حلول الشفيع محل المشتري في عقد البيع،والدولة هنا تتدخل في عقد مدني أطرافه أشخاص طبيعيون فيتحول إلى عقد إداري وفقا لنص المادة 07 من ق إ م،لذا نقول بالشفعة في القانون العام في هذا الإطار،ونتناول ذلك كما يلي:
أ/من حيث المستفيد:فالشفعة الإدارية  مقررة لفائدة الأشخاص العمومية المتمثلة في الدولة والجماعات المحلية،في حين نجد أن الشفعة المدنية مقررة لحماية مصالح أشخاص القانون الخاص منهم،مالك الرقبة،والشريك في الشيوع،وصاحب حق الانتفاع  والمجاورين للأراضي الفلاحية المبيعة.
ب/من حيث تبرير الأخذ بالشفعة: المستفيد من الشفعة المدنية لا يحتاج إلى تبرير رغبته في الحلول محل المشتري الأصلي،في حين نجد الإدارة في حالة قرارها باستعمال حقها في ممارسة الشفعة تكون ملزمة بتسبيب موقفها على أساس المنفعة العامة،وعليه يمكن للقاضي متى اقتضت الضرورة مراقبة مدى مشروعية قرارها.
ج/من حيث الهدف:الهدف من الشفعة المدنية هو المصلحة الخاصة،قررها المشرع لمنع دخول الأجنبي إلى العائلة الواحدة وتجميع الملكية رقبة وانتفاعا في يد واحدة لتسهيل عملية الاستغلال،أما الشفعة الإدارية فتهدف إلى التحكم في المعاملات العقارية،وتفادي أي ارتفاع غير طبيعي في الأسعار وعادة ما توضح الإحصائيات أن اللجوء إليها يكون ضئيلا،الأمر الذي يؤكد أن دورها وقائي. [8]
وبناء  على ما تقدم فإن الشفعة المدنية تختلف عن الشفعة الإدارية من عدة جوانب لكنهما تخضعان لنفس الأحكام المقررة في القانون المدني،الأمر الذي يجعلنا نقول بأنه كان على المشرع عندما نص على الشفعة الإدارية في قانون التوجيه العقاري ألا يحيل على نصوص القانون المدني،حتى نستطيع الفصل بين الشفعة المدنية،والشفعة الإدارية،ودراسة كل واحدة منها على حدى،وهذا لا يتسنى لنا إلا بإصدار تنظيم خاص بالإجراءات التي تتبع أثناء ممارسة هذه الشفعة،لكن حاليا وفي غياب هذا التنظيم فتطبق بشأنها القواعد العامة في القانون المدني،لكن هذا قد لا يتناسب مع طبيعة هذا النوع من الشفعة.
الفرع الثاني:مالك الرقبة.
مالك الرقبة قد يكون شخصا معنويا حسب قانون 87/19 الذي يتضمن المستثمرات الفلاحية فالمستفيدون في المستثمرة الفلاحية يتمتعون بحق الانتفاع الدائم،أما الدولة فتملك الأرض – الرقبة – وعليه فإذا أسقط حق المستفيد من المستثمرة بموجب قرار من الوالي أو في حالة التنازل عن حصة،كان للدولة باعتبارها مالكة للرقبة أن تشفع في حق الانتفاع المتنازل عنه،وبالتالي تصبح مالكة رقبة وانتفاعا،ولا يزاحمها الشركاء الآخرون في حق الانتفاع باعتبارها في مرتبة الشريك في الشيوع.
كما يكون مالك الرقبة شخصا طبيعيا وفقا لنص المادة 795 ق م ج التي تثبت الحق في الشفعة((لمالك الرقبة إذا بيع الكل أو البعض من حق الانتفاع المناسب للرقبة))،والشفعة في هذه الحالة تعتبر سببا لكسب حق الانتفاع حسب ما تقضي به المادة 844 من القانون المدني الجزائري بنصها على أن((يكسب حق الانتفاع بالتعاقد وبالشفعة وبالتقادم أو بمقتضى القانون))
الفرع الثالث:الشريك في الشيوع.
رأينا بمقتضى نص المادة 795 ق م ج أن الشفعة تثبت ((للشريك في الشيوع إذا بيع جزء من العقار الشائع لأجنبي))والعقار الشائع يشمل العقار المملوك ملكا تاما لعدد من الشركاء على الشيوع،ويشمل كذلك رقبة العقار إذا انفصل عنها حق الانتفاع فتكون رقبة العقار عقارا شائعا إذا كانت مملوكة لعدد من الشركاء في الشيوع،كما يشمل أيضا حق الانتفاع بعقار،لكن الشريك الذي أعطى له المشرع الحق في الشفعة هو الشريك في ملكية الرقبة.
أما الشريك على الشيوع في حق الانتفاع لم ينص عليه القانون صراحة،لذا نتناول كما يلي نخصص الأول للشريك على الشيوع في الملك، أما الثاني فتناول فيه الشريك على الشيوع في حق الانتفاع.
أولا:الشريك على الشيوع في الملك:حتى تثبت الشفعة للشريك على الشيوع،يجب أن نكون بصدد عقار شائع،وأن يبيع أحد الشركاء حصته الشائعة لأجنبي لكن ما الحكم لو بيعت حصة مفرزة من العقار الشائع سواء بعد قسمة العقار،أو قبل قسمته ؟ هذا ما نتناوله كما يلي:
أ/بيع أحد الشركاء حصته الشائعة لأجنبي:ابتغى المشرع من خلال تقريره للشفعة للشريك في الشيوع أن يمكن الشريك من منع دخول أجنبي بينهم في الشركة،وأن تكون الشفعة وسيلة لأيلولة وانتقال الملكية كلها لمالك واحد،وهذه هي الحكمة ذاتها في تحويل الشريك في المنقول أو في المجموع من المال من استرداد الحصة الشائعة المبيعة لأجنبي[9]، وهذا ما نصت عليه المادة 795 مدني جزائري، والمقصود بالأجنبي هنا هو الذي تباع له الحصة الشائعة من غير الشريك في العقار.[10]
لذا فإن المشتري للحصة الشائعة هو نفسه شريك في الشيوع فُضِلَ على شفيع هو مثله شريك في الشيوع لأنه شفيع من طبقته،لكن يأخذ الشريك في الشيوع الحصة الشائعة المبيعة بالشفعة إذا كان الذي اشترى هذه الحصة أجنبيا،لأن الشفيع هنا يكون من طبقة أعلى فيتقدم المشتري.
ب/حكم الشفعة إذا بيعت حصة مفرزة بعد قسمة العقار الشائع:فالعقار الذي كان شائعا بين مجموعة من الأشخاص ثم قسم إلى أجزاء مفرزة يختص كل شريك بحصة واضحة المعالم والحدود لا تكون فيه الشفعة[11] ويستوي الأمر في ذلك إذا وقعت القسمة بطريقة ودية أو عن طريق القضاء، إذا باع أحدهم حصته مفرزة إلى شخص أجنبي لا يمكن للشركاء الآخرين استعمال حقهم في الشفعة بدعوى أنهم شركاء فيه،لأنهم بعد عملية القسمة لم يعودوا شركاء في الشيوع بل أصبحوا حيرانا ، إنما تثبت الشفعة هنا لسبب آخر هو الجوار إذ توافرت شروطه[12] لأن الغرض منها هو إبعاد الأجنبي من اقتحامه نطاق الملكية الشائعة،وهذا للتقليل من عدد الشركاء قدر الإمكان على اعتبار أن الملكية الشائعة غير مرغوب فيها من الناحية الاقتصادية من جهة، ومن جهة ثانية انه كلما تعدد الشركاء اتسع نطاق الاختلاف،وهذا ما تبرره القضايا العديدة المطروحة أمام المحاكم.[13] .
 ج/حكم الشفعة إذا بيعت حصة مفرزة في العقار الشائع :الأصل أن الشفعة تثبت للشريك إذا كان المبيع حصة شائعة في العقار،لكن قد يحدث أن يبيع أحد الشركاء جزءا مفرزا من العقار الشائع لأجنبي، فهل تجوز الشفعة في هذا البيع ؟ .
ذهب الرأي الأول [14] إلى أن بيع الشريك المشتاع لحصته المفرزة من المال الشائع لا يحول دون طلب باقي الشركاء أخذها بالشفعة ،استنادا  إلى المادة 795 ق م ج التي تقضي بثبوت الشفعة للشريك سواء كان هذا الجزء المبيع حصة شائعة أو قدرا مفرزا، ثم إن المادة 714 ق م ج قررت صحة التصرف في جزء مفرز قبل القسمة أيا كانت نتيجة القسمة .
وذهب رأي ثان إلى أنه لا يجوز للشريك في الشيوع أن يشفع في جزء مفرز من العقار الشائع، وذلك بناء على بيع حصة مفرزة من العقار الشائع وإنما يظل البائع هو الشريك حتى تقع القسمة[15] وكما لا يجوز للشريك المشتاع أن يشفع في جزء مفرز من العقار الشائع باعه شريك آخر،كذلك لا يجوز للمشتري لهذا الجزء المفرز أن يشفع في حصة شائعة من العقار باعها شريك مشتاع ذلك أن المشتري للجزء المفرز لا يصبح مالكا في الشيوع مع باقي الشركاء المشتاعين كما سبق القول.
والرأي الراجح أن الشفعة تجوز للشريك إذا بيعت حصة شائعة أو قدر مفرز من العقار الشائع، بناء على أن تصرف الشريك في جزء مفرز في حكم التصرف في قدر شائع إلى حين تمام القسمة ومن ثم تجوز فيه الشفعة كما تجوز في التصرف في حصة شائعة.
ثانيا:الشريك على الشيوع في حق الانتفاع. ثار خلاف بين فقهاء القانون حول حق الشريك في حق الانتفاع في طلب الشفعة فهناك من ذهب إلى أنه لا يجوز للشريك في حق الانتفاع أن يأخذ بالشفعة حصة شائعة في حق الانتفاع باعها شريك آخر في هذا الحق إلى أجنبي،وذلك لأن نص المادة 795 ق م ج خول الشريك في الشيوع الحق في الشفعة ((إذا بيع جزء من العقار الشائع إلى أجنبي)). فالذي له الحق في الشفعة هو الشريك في الملك لا صاحب حق الانتفاع.
لكن أغلب الفقهاء[16] يذهبون إلى جواز الشفعة للشريك في حق الانتفاع إذا بيعت حصة من هذا الحق لأن عبارة الشريك على الشيوع الواردة في المادة 795 ق م ج جاءت مطلقة بحيث تصدق على الملكية،كما تصدق على الانتفاع بالعقار يعتبر عقارا بصريح نص المادة 684 ق م ج التي تنص على أنه((يعتبر مالا عقاريا كل حق عيني يقع على عقار،بما في ذلك حق الملكية،وكذلك كل دعوى تتعلق بحق عيني على عقار)).
الفرع الرابع:صاحب حق الانتفاع.
يثبت الحق في هذه الحالة بمقتضى نص المادة 795/03 ق م ج ((لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت الرقبة كلها أو بعضها )).
وعليه فإن صاحب حق الانتفاع يشفع في الرقبة،ويتجلى في إقدام مالك الرقبة على بيعها إلى أجنبي وكان قد رتب حق انتفاع لفائدة شخص آخر،ففي هذه الحالة يخول القانون لصاحب حق الانتفاع أن يشفع في الرقبة،وبذلك يجمع عناصر الملكية [17].
وقد تكون الرقبة مملوكة لشخص واحد، ويكون الانتفاع مملوكا لعدة أشخاص على الشيوع وفي هذه الحالة يكون للشركاء في الانتفاع مجتمعين الشفعة في الرقبة المبيعة،كما يكون ذلك لأي واحد منهم إذا لم يطلبها الآخرون، وفي هذا الصدد ينبغي الإشارة إلى مسألتين أثارت الكثير من النقاش في الميدان العملي.[18]
المسألة الأولى: تتعلق بمدى جواز تمسك المستأجر بحق الشفعة في ظل القانون الجزائري ؟
وفقا للمادة 795 ق م ج ،الشفعة هي رخصة جاء بها المشرع لدفع الضرر عن الشريك في الشيوع إذا بيع جزء من العقار المشاع إلى أجنبي ،ولمالك الرقبة إذا بيع حق الانتفاع، وأخيرا لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت الرقبة كلها أو بعضها،وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارين جاء نص الأول
كما يلي ((…كما كان من الثابت في قضية الحال أن قضاة المجلس لما رأوا المستأجر (الطاعن) لا يدخل ضمن الحالات الثلاثة المنصوص عليها في المادة 795 من ق م ج باعتبار أن حق الإيجار حق شخصي في حين حق الانتفاع حق عيني، ومن ثم فإنهم بقضائهم كما فعلوا قد طبقوا القانون سليما))[19] أما القرار الثاني يقضي(( أن المادة 795 ق م ج تذكر على سبيل الحصر الأشخاص الذين لهم الحق في ممارسة حق الشفعة،وهم ثلاثة أصناف،مالك الرقبة،والشريك في الشيوع،وصاحب حق الانتفاع،إذا لم يبين ولم يثبت أن له صفة من الصفات الثلاثة المنصوص عليها في هذه المادة فإن تمسكه بحق الشفعة يعتبر خارج من كل إطار قانوني [20]،وعليه فالمستأجر الذي يلجأ إلى استعمال الشفعة عندما يزمع مالك الرقبة بيعها لشخص ثالث لا يستفيد من هذا الحق،لأن حق الإيجار لا يمنح صاحبه مرتبة صاحب حق الانتفاع، لكن خروجا عن هذا المبدأ خول المشرع الجزائري بنص استثنائي خاص ورد في المرسوم التشريعي رقم 93/03 المتعلق بالنشاط العقاري[21] للمستأجر الشاغر حق ممارسة الشفعة شريطة أن يكون المؤجر شخصا معنويا قرر بيع البناية التي يملكها أجزاء،حيث جاء في المادة 23 منه ((إذا قرر شخص معنوي مؤجر بيع البناية التي يملكها أجزاء يستفيد الشاغل القانوني للجزء الموضوع للبيع من حق الشفعة لشرائه وتبين بدقة نية البيع على الخصوص  ثمن البيع المطلوب،كما يجب أن تبلغ برسالة موصى عليها مع وصل استلام إلى الشاغل الذي يتعين عليه أن يجيب خلال أجل لا يمكن أن يتجاوز شهرا واحدا ويصبح حق الشفعة بدون أثر إذا انقضى الأجل)).فهذا النص كرس نوعا جديدا من الشفعاء، وهو المستأجر لجزء من البناية يملكها شخص معنوي أجزاء خروجا عن القواعد العامة، وهذا موازاة مع إلغاء حق البقاء الذي كان مقررا للمستأجر قبل صدور هذا المرسوم أعلاه.
المسألة الثانية: مدى تمسك مؤجر جدران المحل المعد للاستغلال التجاري بحق الشفعة إذا أراد المستأجر بيع القاعدة التجارية للغير؟ فسبق التعرض إلى أن الشفعة لا ترد إلا على العقارات وبما أن القاعدة التجارية ليست بعقار، بل مال معنوي منقول لا يجوز الأخذ فيه بالشفعة وهذا ما استقر عليه القضاء الجزائري،حيث صدر عن المحكمة العليا قراران، تضمن الأول ما يلي(( متى كان من المقرر قانونا أن مالك الجدران الأصل التجاري يمنع من التعرض لمستأجر إذا أراد بيع قاعدته التجارية،باعتبار أن حق الشفعة ينحصر نطاقه في العلاقات التي يتضمنها القانون المدني.
ولما كان القرار المطعون فيه صرح بأن حضور مؤجر المحل التجاري يعد ضروريا لإبرام العقد الذي باع بمقتضاه المستأجر قاعدته التجارية،ثم منح الأولوية في شرائه يكون قد خالف القانون واستوجب نقضه))[22] .
أما القرار الثاني نصه كما يلي :((إن المادة 794 من ق م ج تنص على أن حق الشفعة لا يكون إلا في العقارات،ولا يمكن ممارسته في المحلات التجارية ،أي القاعدة التجارية))[23].
الفرع الخامس:شفعة الجار.
بالرجوع إلى الفقه الإسلامي نجد بأن شفعة الجار ليست محل اتفاق بين الفقهاء، فقد ذهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى القول بعدم جواز الشفعة للجار،بينما ذهب فقهاء الحنفية إلى القول بإجازة الشفعة للجار الملاصق[24] .
ويبدو أن ذلك الخلاف في الفقه الإسلامي انعكس على واضعي القوانين الوضعية،حيث لم تتفق القوانين التي جعلت الشفعة سببا للتملك،على جعل الجوار سببا للتملك بالشفعة ،أما القانون الجزائري استبعد الجوار في القانون المدني،لكن استدرك ذلك بالنص عليها في قانون التوجيه العقاري.
أولا : الشروط العامة لشفعة الجوار.
 تتمثل هذه الشروط في التلاصق بين العقار المشفوع فيه والعقار المشفوع به،وكذلك ملكية الجار للعقار المشفوع به.
 أ/شرط التلاصق:يعد هذا الشرط أساسيا في كل الحالات التي يثبت فيها الحق في الشفعة للجار والمقصود بالجوار في هذا المقام هو التلاصق أي الاتصال المباشر بين عقارين وليس المقصود به مجرد قرب المسافة بين العقارين[25] أما مقدار التلاصق الذي يتحقق به الجوار، فيذهب غالبية الفقه إلى أن التلاصق يتحقق بأي امتداد مهما صغر ولو كان بطول شبر واحد، فذلك كاف لتبرير الأخذ بالشفعة في الجوار، ولا يتحقق التلاصق إذا فصل بين ملك الجار والملك المبيع عقار ليس مملوكا للجارين أو مملوكا للبائع ولم يشمله البيع، فإذا وجد بيع عقار الجار والعقار المبيع طريق عام أو مصرف عام ، فلا يتحقق التلاصق، أما إذا كان الفاصل بين العقارين طريقا خاصا أو مسقاة خاصة مملوكة لأحد الجارين أو مشتركا بينهما ، فلا يحول دون تحقق التلاصق [26] .
ب/ شروط ملكية الجار الشفيع للعقار المشفوع به: يجب أن يكون طالب الشفعة مالكا للعقار ملكية تامة،أو ملكية الرقبة فقط،فإن من يكن مالكا،بأن كان الجار صاحب حق الانتفاع، فلا يجوز له أن يشفع إذا بيع العقار المجاور للعقار الذي يرد عليه حقه،كما يجب أن يكون المشفوع فيه واراد على الملكية[27] كذلك يجوز للملاك على الشيوع أن يطلبوا الشفعة مجتمعين، في العقار المجاور المبيع ، ويكون لكل منهم نصيب يتناسب مع حصته في العقار المشفوع به.
ثانيا:الجار الشفيع في القانون الجزائري:لم يتضمن القانون المدني الجزائري الصادر سنة 1975 شفعة الجوار،لأنه صدر في وقت كانت الدولة تسلك النهج الاشتراكي، والذي كرس الملكية الجماعية،وحدد الملكية الخاصة، فتقرير شفعة الجوار يعني ضم أراضي جديدة تزيد في الملكية عن الحد القانوني .
لكن بعد صدور دستور سنة 1989 كُرس نظام اقتصاد السوق، وصدرت عدة قوانين تطبيقا له،منها قانون التوجيه العقاري، الذي ألغى قانون الثورة الزراعية ونص على استرجاع الأراضي المؤممة والمتبرع بها والأراضي التي كانت تحت الحماية لملاكها الأصليين، وفي هذا الإطار أصبح لا مانع من تقرير الشفعة للجار في الأرض الفلاحية بما تحققه من مصلحة اقتصادية واجتماعية في نفس الوقت ، تتمثل في تمكين صغار الملاك الذين يمثلون الجانب الأعظم في المجتمع من استغلال ثرواتهم المحددة في تملك الأراضي المجاورة لأراضيهم بطريق الشفعة، فإذا أتيح لهم ذلك أصبح من المستطاع توحيد الملكيات الصغيرة، الأمر الذي يحقق استغلالها وإدارتها على أحسن وجه، فعلى ضوء هذه الاعتبارات توسع المشرع في منح الشفعة بالنسبة للجار بموجب نص المادة 57 من قانون التوجيه العقاري الذي يقضي بأن(( يمتد حق الشفعة كما نصت عليه المادة 795 من الأمر 75/58 المؤرخ في 26 ديسمبر 1975 المذكور أعلاه إلى المجاورين في إطار أحكام المادة 55 أعلاه وبغية تحسين الهيكل العقاري)).
المطلب الثاني:الشروط الواجب توفرها في الشفيع.
طبقا للمبادئ العامة فإنه يجب أن تتوافر في الشفيع الشروط المطلوبة قانونا حتى يستطيع أخذ العقار بالشفعة، والتي تتمثل في الأهلية، وملكية العقار المشفوع به من وقت بيع العقار المشفوع فيه إلى وقت ثبوت حقه في الشفعة، كما يشترط في الشفيع أن يكون غير ممنوع من شراء العقار المشفوع فيه وألا يكون وقفا،ونتناول ذلك كم يلي:
الفرع الأول:توافر أهلية التصرف في الشفيع.
لما كان الأخذ بالشفعة من أعمال التصرف باعتبارها مصدرا من مصادر اكتساب الملكية العقارية، فهي ليست من أعمال الإدارة لأنها في حكم شراء العقار المشفوع فيه، والشفيع يحل بإرادته محل المشتري في هذا التصرف القانوني لذلك فإن الأهلية المدنية المحددة بتسعة عشر سنة حسب المادة 40 ق م ج وغير محجور عليه جاز له اتباع الإجراءات القانونية التي حددها المشرع عن طريق إبداء رغبته فيها بنفسه [28] وقد يطالب بالشفعة عن طريق وكيله، ونفرق هنا بين الوكالة العامة والخاصة، فإذا كان الوكيل قد منحه الشفيع توكيلا عاما ولم يجز له صراحة في طلب الوكالة الأخذ بالشفعة، فلا يجوز له إبداء رغبته فيها نيابة عن الموكل الشفيع،لأن وكالته تقتصر على بعض الأعمال الإدارية فقط،وهذا طبقا لنص المادة 573 من القانون المدني الجزائري، وعليه فلا بد من الوكالة الخاصة للأخذ بالشفعة لأن الأخذ بها يعد عملا من أعمال التصرف،وأن تتوفر هذه الوكالة على الشكل الرسمي المطلوب في التصريح بالرغبة للأخذ بالشفعة حسب المادة 572 ق م ج.
وعليه فلا يستطيع الوكيل الحلول محل الشفيع في إتباع إجراءات الشفعة إلا إذا نص على ذلك صراحة في مضمون الوكالة، بل في الذهاب إلى أبعد من ذلك فيتعين ذكر البيانات التي يتطلبها القانون في العقار المشفوع فيه للتوضيح.
أما إذا كان الشفيع قاصرا فلوليه نيابة عنه في الأخذ بالشفعة،أما إذا كان الشفيع محجورا عليه كان للقيم عليه الأخذ بالشفعة نيابة عنه وذلك بعد حصوله على إذن من المحكمة.
الفرع الثاني:ملكية الشفيع للعقار من بيع العقار المشفوع فيه إلى ثبوت حقه في الشفعة.
 يجب أن يكون الشفيع مالكا لما يشفع به،فإذا كان الشفيع يشفع برقبة أو بحق انتفاع فيجب أن يكون مالكا للرقبة أو لحق الانتفاع، وإن كان يشفع بحصة شائعة وجب أن يكون مالكا لهذه الحصة، وإن كان يشفع بعقار مجاور وجب أن يكون مالكا لهذا العقار المجاور.
ولا تقبل الشفعة إلا إذا كانت ملكية الشفيع للعقار المشفوع به سابقة على البيع الذي يأخذ فيه بالشفعة، فإذا تملك بعد ذلك لم تثبت له الشفعة،وعلى الشفيع إثبات ملكيته للعقار المشفوع به وقت بيع العقار المشفوع به بجميع طرق الإثبات[29]،وإذا آل العقار المشفوع به إلى الشفيع بموجب عقد بيع لا يكف تمام البيع بل يجب أن يكون هذا البيع مقيدا بمصلحة الشهر العقاري حتى تنتقل الملكية إلى الشفيع حسب نص المادة 793 ق م ج.
وبناء على هذا إذا كان سند ملكية الشفيع بيعا معلقا على شرط واقف فلا تثبت الشفعة حتى لو تم إشهار هذا البيع، فملكية الشفيع تعد موقوفة، ولا يتغير الحكم حتى ولو تحقق الشرط الواقف قبل الأخذ بالشفعة، والسبب في ذلك أن ملكية الشفيع كانت موقوفة غير قائمة وقت صدور البيع المشفوع فيه.
أما إذا آلت ملكية الشفيع ببيع معلق على شرط فاسخ، فإن هذا البيع بمجرد شهره يؤدي إلى نقل الملكية إلى الشفيع معلق على هذا الشرط الفاسخ،وتعد ملكية قائمة تجوز الشفعة بها [30]، لكن إذا تحقق الشرط الفاسخ قبل الحكم بالشفعة،سقط حق الشفيع بزوال ملكيته،أما إذا تحقق الشرط بعد صدور الحكم بالشفعة،فلا أثر لهذا التحقق على أخذ الشفيع للعقار المشفوع فيه، لأن ملكيته استمرت إلى وقت القضاء له بالشفعة.
الفرع الثالث:أن يكون الشفيع غير ممنوع من شراء العقار المشفوع فيه.
لما كان الأخذ بالشفعة بمثابة شراء للعقار المشفوع فيه،إذ الشفيع يحل محل المشتري فيصبح هو المشتري للعقار، لذلك لا تجوز الشفعة إذا كان الشفيع ممنوعا من شراء هذا العقار[31] وهذا المنع يعني إنقاص أهلية الوجوب la capacité de jouissance  والتي تتمثل في صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات،ومناطها هو الشخصية القانونية[32]،و القانون يعترف بالشخصية القانونية لكل إنسان بمجرد ولادته، غير أن هناك قيودا تحد من أهلية الوجوب على سبيل الاستثناء بالنسبة لبعض الأفراد وفي بعض الأحوال نتناولها كما يلي:
أولا:منع القضاة والمحامين وأعوان القضاء من شراء الحقوق المتنازع عليها:تنص المادة 402 ق م ج على أنه (( لا يجوز للقضاة ولا للمدافعين القضائيين ولا للمحامين ولا للموثقين ولا لكتاب الضبط أن يشتروا بأنفسهم مباشرة، ولا بواسطة اسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه، وإذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها وإلا كان البيع باطلا)).
العقار الذي يكون نظر النزاع فيه من اختصاص مجلس قضائي آخر ،وينطبق نفس الأمر على عمال سائر الجهات القضائية .[33]
والمنع من الشراء ينطبق على القاضي والمحامي،سواء تم الشراء باسمه صراحة أو باسم مستعار، كأن يتعاقد شخص ثالث مع البائع،وسواء كان البائع يعلم الحقيقة أو لا يعلمها[34]
 ثانيا:الوكلاء الممنوعين من شراء العقارات الموكل بهم بيعها:تنص المادة 410 ق م ج على أنه((لا يجوز لمن ينوب على غيره بمقتضى اتفاق أو نص قانوني أو أمر السلطة المختصة أن يشتري مباشرة أو باسم مستعار،ولو بطريق المزاد العلني ما كلف ببيعه بموجب النيابة كل ذلك ما لم تأذن به السلطة القضائية مع مراعاة الأحكام الخاصة الواردة في النصوص القانونية الأخرى)).
وتنص المادة 411 ق م ج على أنه((لا يجوز للسماسرة،ولا للخبراء أن يشتروا الأموال المعهودة إليهم ببيعها أو تقدير قيمتها،سواء بأنفسهم أو باسم مستعار)).
وعليه فلا يجوز لمن ينوب عن غيره في بيع مال الغير،من شراء هذا المال لنفسه،بسبب تعارض مصلحته باعتباره مشتريا مع مصلحة من ينوب عنه،إذ مما لا شك فيه أنه يشتري هذا الشيء بأقل مما يساوي،في حين أن مصلحة موكله هي أن يبيعه بأحسن سعر[35]،فالنيابة قد تكون بأمر من المحكمة كما هي عليه الحالة في القيم،والوصي،والوكيل عن الغائب،والحارس القضائي،وقد تكون قانونية كالولي،كما تكون النيابة اتفاقية كما هو عليه الحال في الوكالة ،فالنائب عن غيره في بيع مال هذا الغير، لا يجوز له أن يتعاقد مع نفسه أصلا في الشراء لنفسه،ونائبا في البيع عن غيره،وإذا كان يحظر عليه شراء العقار المكلف ببيعه، فإنه يحظر عليه أيضا أن يمارس الشفعة لأن العقار المشفوع به وإن كان ملكا وقت البيع المشفوع فيه لم يستمر كذلك إلى وقت ثبوت الحق في الشفعة.
وإذا كانت الشفعة لا تجوز بالوقف، فإنها تجوز في الوقف، ويتحقق ذلك كما إذا اشترط الواقف استبداله، فإذا بيع الاستبدال يصبح ملكا فتجوز فيه الشفعة،أما ثمنه فيشتري به عقارا آخر،هو الذي يصبح يتضح من النص أن الأشخاص الذين يمتنع عليهم شراء الحقوق المتنازع عليها هم القضاة وممثلي النيابة العامة وكتاب الضبط والمحامين،وهذا التعداد ورد على سبيل الحصر لأن هذا المنع استثناءا من القواعد العامة،فلا ينصرف إلى غيرهم بطريق القياس.
وجزاء الحظر هو بطلان البيع وذلك لإبعاد رجال القضاء عن مواطن الشبهات خشية ظنون الناس في نزاهتهم وحيادهم،ولا يجوز لهم أن يشفعوا في هذا العقار إذا توافرت لهم أسباب أخذه بالشفعة،ويشترط لمنع القضاة والمحامين من شراء الحقوق المتنازع فيها أن تثبت لهم هذه الصفة وقت الشراء.
فإذا اشترى قبل تعيينه في القضاء أو بعد اعتزاله فشراءه صحيح، ويشترط في الحق الذي يمتنع عليه شراءه، أن يكون حقا متنازعا فيه، وهذا ما تقضي به المادة 400/02 مدني جزائري (( يعتبر الحق متنازعا فيه إذا رفعت من أجله دعوى أو كان محل نزاع جوهري))، ويعتبر النزاع جوهريا أو جديا كلما كانت هناك حاجة إلى رفع دعوى لإثبات حق صاحب الحق، ولو لم ترفع هذه الدعوى فعلا، فهذه مسألة موضوعية متروكة لتقدير المحكمة عندما يطعن في عقد البيع بالبطلان[36] .
الفرع الثالث:تعدد الشفعاء وتزاحمهم.
تنص المادة 796 ق م ج على أنه ((إذا تعدد الشفعاء يكون استعمال حق الشفعة حسب الترتيب المنصوص عليه كما يلي:إذا تعدد الشفعاء من طبقة واحدة استحق كل منهم الشفعة بقدر نصيبه.
-إذا كان المشتري قد توافرت فيه الشروط التي تجعله شفيعا بمقتضى المادة 795 فإنه يفضل على الشفعاء من طبقته أو طبقة أدنى ولكن يتقدمهم الذين هم طبقة أعلى)).
وهذه المادة تقتصر على ذكر تزاحم الشفعاء من طبقة واحدة،وحالة تزاحم المشتري الشفيع مع غيره من الشفعاء، غير أنها لم تتضمن تزاحم الشفعاء من طبقات مختلفة، ومنه إذا وجد أكثر من شفيع توافرت فيه شروط الأخذ بالشفعة، فإذا لم يتقدم منهم سوى شفيع واحد، فله الشفعة بغير مزاحمة،فله العقار المشفوع فيه كله أو بعضه طبقا لما يقرره مبدأ عدم قابلية الشفعة للتجزئة وعدم جواز تفريق الصفقة على المشتري كما تقدم آنفا، ولكن قد يتعدد الشفعاء ويتزاحمون في طلب الشفعة، في هذه الحالة لا بد من مرجح بينهم، وهذا ما تكفلت به النصوص المتقدمة والتي تبين بأن التراجم بين الشفعاء قد يكون بين شفعاء من طبقات مختلفة[37]  أو شفعاء من طبقة واحدة، كما قد يتزاحم المشتري الشفيع مع غيره من الشفعاء، لذا نقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب، الأول يتضمن تزاحم الشفعاء من طبقات مختلفة، أما الثاني فيتناول تزاحم الشفعاء من طبقة واحدة، والثالث نخصصه لتزاحم الشفعاء المشتري وهو شفيع مثلهم. 
أولا:تزاحم الشفعاء من طبقات مختلفة.إذا كان الشفعاء من طبقات مختلفة ، وتزاحم وفيما بينهم في طلب الشفعة فيكون استعمال الشفعة حسب الترتيب المنصوص عليه في المادة 795 ق م ج إضافة إلى ما ورد في نص المادة 71 والمادة 57 من قانون التوجيه العقاري، فنجد في الطبقة الأولى الدولة والجماعات المحلية،وفي الطبقة الثانية مالك الرقبة، وفي الطبقة الثالثة الشريك في الشيوع، وفي الطبقة الرابعة صاحب حق الانتفاع،وفي الطبقة الخامسة الجار،وعليه نستعرض هذه الطبقات تباعا.
الطبقة الأولى:الدولة عندما تشفع في الأرض العامرة أو القابلة للتعمير:فإذا بيعت أرض عامرة أو قابلة للتعمير فللدولة أن تمارس حقها في الشفعة في المرتبة التي تسبق ما هو محدد في المادة 795 ق م ج، وهذا حسب المادة 71 من قانون التوجيه العقاري بهدف تحقيق المصلحة العامة والتي تخولها عند اللزوم إجراء نزع الملكية، كما يكون للدولة الأولوية في ممارسة الشفعة على بقية الشفعاء في جميع الحالات الأخرى التي يكون لها فيها حق ممارسة الشفعة.
الطبقة الثانية:مالك الرقبة عندما يشفع في حق الانتفاع: إذا كان هناك عقار قد رتب عليه حق انتفاع شخصين، باع أحدهما حصته، كان الشفعاء اثنين، مالك الرقبة،وصاحب حق الانتفاع الآخر باعتباره شريكا في حق الانتفاع، فإذا تقدم الاثنان في طلب الشفعة،فضل مالك الرقبة لأنه في الطبقة الثانية ويليه الشريك في الشيوع[38]،و قد يكون مالك الرقبة شخصا معنويا وهذا حسب نص المادة 24 من القانون 87/19 فإذا تنازل أحد الشركاء في المستثمرة عن حصته في حق الانتفاع الدائم، فيكون للدولة وحدها حق ممارسة الشفعة باعتبارها مالكة للرقبة،أما باقي المستفيدين في المستثمرة فهم شركاء على الشيوع.
الطبقة الثالثة:الشريك في الشيوع: والشريك هنا قد يكون الشريك في حق الملكية التامة وقد يكون الشريك في الرقبة أو في حق الانتفاع، فإذا كان العقار الذي يملكه اثنان شائعا بينهم قد رتب عليه حق انتفاع،فأصبحا يملكان الرقبة فقط ثم باع أحدهما حصته الشائعة في الرقبة لأجنبي ،ولما كان الشريك الآخر في الرقبة في طبقة أعلى من طبقة صاحب حق الانتفاع والجار، فيتقدم على كل منهما،ويأخذ بالشفعة وحده دون الاثنين الآخرين[39].
الطبقة الرابعة:صاحب حق الانتفاع عندما يشفع في الرقبة:فإذا كان مالك عقار قد رتب عليه حق انتفاع فأصبح مالكا للرقبة وحدها ثم باع الرقبة، كان الشفعاء هم صاحب حق الانتفاع والجار،ويتقدم هنا صاحب حق الانتفاع على الجار.
الطبقة الخامسة:الجار.وهو أدنى المراتب حيث يتقدمه الشفعاء أصحاب الطبقات الأربعة وبالترتيب السابق، ولا يتصور أن تكون الشفعة للجار بغير مزاحمة إلا إذا تصورنا العقار المشفوع فيه مملوكا لشخص واحد ملكية تامة، ولم يقرر عليه أي حق انتفاع ولا يوجد شريك في الشيوع، عندئذ تكون الشفعة للجار وحده[40].
ثانيا:تزاحم الشفعاء وهم من طبقة واحدة:تنص المادة 796 ق م ج على أنه ((إذا كان الشفعاء من طبقة واحدة استحق كل منهم الشفعة بقدر نصيبه))،يتضح من النص أنه إذا ثبتت صفة الشفيع في عدة أشخاص ينتمون إلى مرتبة واحدة من مراتب الشفعاء السابق ذكرها، يأخذ كل شفيع بالشفعة جزءا يتناسب مع مقدار حصته في المال المشفوع به.
والملاحظ هنا هو أن نية المشرع اتجهت إلى أن مالك الرقبة أو صاحب حق الانتفاع أو الشريك في الشيوع لا يشفع إلا بالقدر الملابس لحقه فقط، ومعنى ذلك أن المشرع قد خرج هنا عن مبدأ عدم جواز تجزئة الشفعة بما تؤدي إليه من تفريق الصفقة على المشتري لكن استقر الفقه على وجوب طلب الشفعة في كل العقار المبيع تحسبا لعدم المطالبة بالشفعة من باقي الشفعاء،إعمالا لمبدأ عدم جواز تجزئة الشفعة ،لذلك إذا كان طلب الشفعة في الجزء من الانتفاع مثلا يؤدي إلى تفريق الصفقة على المشتري على خلاف ما كان ينبغي، كان على المشتري إلزام الشفيع، أما أن يأخذ الكل أو يدع الكل فمبدأ عدم التجزئة هنا لمصلحة المشتري[41].
ثالثا:التزاحم بين الشفعاء يكون المشتري واحدا منهم :تقضي المادة 796/03 ق م ج على أنه(( إذا كان المشتري قد توفرت فيه الشروط التي تجعله شفيعا بمقتضى المادة 795 فإنه يفضل على الشفعاء من طبقته أو من طبقة أدنى،ولكن يتقدمه الذين هم من طبقة أعلى))،يفترض هذا النص أن المشتري نفسه قد توافرت فيه وقت الشراء شروط للأخذ بالشفعة في العقار الذي اشتراه فإذا زاحمه شفعاء آخرون،فإن هناك فروض ثلاثة يمكن أن يتصور هذا التزاحم ندرجها في ثلاثة فروع،الأول نتناول فيه تزاحم المشتري مع شفعاء أعلى منه طبقة،والثاني نخصصه لتزاحم المشتري الشفيع مع شفعاء أدنى منه طبقة،أما الفرع الثالث خاص بتزاحم المشتري الشفيع مع شفعاء من نفس طبقته.
أ/تزاحم المشتري الشفيع مع شفعاء أعلى منه طبقة.لم يأت النص بجديد حيث يتفق النص الوارد فيها مع الحكم المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 796 ق م ج فيفضل هؤلاء الشفعاء على المشتري لكونهم من طبقة أعلى[42] وفقا للترتيب الوارد في المادة 795 ق م ج،وما نص عليه قانون التوجيه العقاري بخصوص الشفعة ولا حق للمشتري في الاعتراف،ذلك أن سبب الشفعة في الشفيع أقوى من سببها في المشتري،وليس للبائع أن يؤثر المشتري على الشفيع خلافا لما يقضي به القانون[43].
وعليه إذا كان مالك العقار قد رتب عليه حق انتفاع لشريكين في الشيوع فأصبح لا يملك إلا الرقبة وباع أحد الشريكين في حق الانتفاع حصته الشائعة في هذا الحق للشريك الآخر، فإن مالك الرقبة له أن يأخذ هذه الحصة الشائعة من المشتري بالشفعة،ولا يستطيع المشتري الشريك في حق الانتفاع أن يرفع دعوى الشفعة بأنه هو أيضا شفيع لأنه شريك في الشيوع وذلك لأن مالك الرقبة الشفيع أعلى منه طبقة[44]
ب/تزاحم المشتري الشفيع مع شفعاء أدنى منه طبقة:في خصوص هذه الحالة أيضا لم يأت النص بجديد حيث يتفق الحل الوارد فيه مع الحكم المنصوص عليه في الفقرة الأولى من نص المادة 796 مدني جزائري،فيفضل المشتري على هؤلاء الشفعاء لكونهم من طبقة أدنى فإذا كنا بصدد مالك الرقبة في عقار،ورتب على هذا العقار حق انتفاع لشخصين بالتساوي شركة بينهما على الشيوع، اشترى مالك حصة احد المنتفعين وتقدم للأخذ بالشفعة كل من صاحب حق الانتفاع الأخر والجار، فلا تجوز شفعتهم، فالمشتري هو شفيع قد زاحمه من هم أدنى منه رتبة[45]،
ج/تزاحم المشتري الشفيع مع شفعاء من نفس الطبقة:هذه الحالة جاء فيها نص المادة 796 مدني جزائري بجديد حيث أن الحل الوارد فيها يخالف الحكم المنصوص عليه في الفقرة الثانية من نفس المادة إذ يقضي بتفضيل المشتري على هؤلاء الشفعاء رغم كونهم من طبقته،وعلى ذلك إذا بيع لشريك في الرقبة حق الانتفاع الملابس لنصيبه،وطلب الشركاء الآخرون في الرقبة الشفعة في هذا الحق،فضل الشريك المشتري ،وإذا بيعت لشريك في حق الانتفاع الرقبة الملابسة لنصيبه وطلب الشركاء الآخرون في حق الانتفاع الشفعة في الرقبة المبيعة فضل الشريك المشتري،أما إذا باع شريك في الشيوع حصته الشائعة في العقار إلى أحد الجيران فطلب الشفعة فيها الجيران الآخرون من تعود على ملكه منفعة من الشفعة أكثر من المشتري لأن الجيران يعتبرون جميعا من طبقة واحدة،بصرف النظر عن مقدار المنفعة التي تعود على ملك كل منهم من الشفعة.[46]
ونشير أخيرا إلى أن تفضيل المشتري الذي توفر له سبب الشفعة على الشفعاء الذين هم من طبقته أو من طبقة أدنى لا يقتضي منه أن يقوم بالإجراءات التي يستلزمها القانون لإمكان طلب الشفعة فيكفي أن تتوفر لديه الشروط الموضوعية التي كانت تجعله شفيعا، أما الشروط الشكلية فليست مطلوبة بالنسبة إليه،لأنه يستعمل حقه بطريق الدفع، لا بطريق الدعوى، حيث أنه لا يريد الحصول على ملكية جديدة بالحلول محل مشتر آخر، وإنما هو يبتغي استبقاء الملك الذي اشتراه.[47]

 

لقد راعى المشرع في رسمه لهذه الإجراءات أن الشفعة قيد يرد على حرية التصرف يستحسن عدم التوسع فيه,وأن استقرار المعاملات يقتضي ألا يضل المشتري مهددا بطلب الشفعة مدة طويلة،فاهتم ببيان هذه الإجراءات وحدد طريقها،وفرض لها مواعيد تعتبر قصيرة،بحيث رتب على عدم القيام بالإجراء المطلوب على النحو الذي يتطلبه القانون وفي الميعاد المحدد لذلك سقوط حق الشفيع،بالإضافة إلى إمكانية الشفيع بإرادته التنازل عن حقه في الشفعة.
وسنتناول في البداية الإنذار بوقوع البيع ثم نتناول ثم إعلان الرغبة وبعدها نعرج على دعوى الشفعة لننتهي في الأخير إلى سقوط الحق في الشفعة.
المبحث الأول:ضرورة إضفاء الرسمية على الإنذار بوقوع البيع.
إن إجراءات الشفعة تفتتح عادة بالإنذار الذي يوجهه البائع أو المشتري إلى الشفيع ويطلب إليه فيه إبداء رغبته في حالة ما إذا كان يريد أخذ العقار المبيع بالشفعة،وفي ميعاد معين وإلا سقط حقه في الشفعة.
وهذا الإنذار إما أن يوجه من طرف البائع أو من المشتري أو منهما معا ،بحيث إذا وجهه أحدهما يغني عن الآخر.
المطلب الأول مضمون الإنذار الرسمي بوقوع البيع.
تنص المادة 800 ق م ج على أنه:يجب أن يشمل الإنذار المنصوص عليه في المادة 799 على البيانات الآتية وإلا كان باطلا:
بيان العقار الجائز أخذه بالشفعة بيانا كافيا،بيان الثمن والمصاريف الرسمية وشروط البيع واسم كل من البائع والمشتري ولقبه ومهنته وموطنه والأجل الذي قدره ثلاثون 30 يوما للإعلان المنصوص عليه في المادة 799،والمقصود بالبيان الكافي للعقار البيان الذي يتمكن به الشفيع من معرفة هذا العقار معرفة نافية للجهالة،وذلك بتعيين موقعه وحدوده ومساحته،وذكر أي بيان آخر ضروري من شأنه جعل الشفيع عالما بالعقار المبيع،بحيث يستطيع أن يتدبر في أمره الصفقة فيأخذ بالشفعة أو يترك،وتقدير كفاية هذا البيان من عدمه متروك للسلطة التقديرية للقاضي.
فإذا لم يشمل الإنذار  على بيان من البيانات المتقدمة،أو لم يكن رسميا بالمفهوم السابق،أو أعلن للشفيع في غير موطنه،فان هذا الإنذار يعد باطلا،ولكن بطلان هذا الإنذار لا يؤدي إلى سقوط الحق في الشفعة إذا لم يعلن الشفيع رغبته في خلال المدة القانونية،ووجود إنذار الشفيع بحصول البيع ليس معناه انه لا يستطيع إبداء رغبته في الأخذ بالشفعة إلا بعد حصول هذا الإنذار،بل أن عدم إنذاره أساسا لا يحول دون إعلان رغبته بمجرد علمه بالبيع الحاصل دون حاجة إلى انتظار الإنذار،بل يجوز له قبل الإنذار أن يجاوز مرحلة إعلان الرغبة إلى مرحلة إيداع الثمن ورفع دعوى الشفعة،حيث يعد إعلان عريضة دعوى الشفعة بمثابة إعلان للرغبة في الأخذ بها.
المطلب الثاني :المدة المحددة لإعلان الرغبة.
من الثابت أن الشفيع إذا علم بوقوع البيع فإنه يستطيع أن يبادر إلى إعلان رغبته في الأخذ بالشفعة لكل من البائع والمشتري دون انتظار أن يصله الإنذار الرسمي المشار إليه في المادة 799  ق م ج  بل ويستطيع الشفيع وقبل إنذاره أن يرفع دعوى الشفعة ويودع الثمن أمانة ضبط المحكمة،ويقوم بإعلان عريضة رفع الدعوى مقام إعلان الرغبة.
ولكن حرية الشفيع في إعلان الرغبة تتقيد من حيث الميعاد،فإذا ما أنذر إنذارا رسميا يجب عليه أن يعلن رغبته في خلال ثلاثين(30) يوما من هذا الإنذار،أما إذا لم يصل هذا الإنذار وتم إشهار البيع في المحافظة العقارية فلا يستطيع الشفيع إعلان رغبته إلا في خلال سنة من وقت الشهر،وإذا لم ينذر الشفيع ولم يسجل البيع فله الحق في إعلان الرغبة طالما أن شفعته لم تسقط بالتقادم، فهي تسقط بمضي خمسة عشر(15) سنة من إتمام عقد البيع.
الفرع الأول:حالة إنذار الشفيع بوقوع البيع .
في حالة ما إذا وجه أي من المتبايعين إنذارا إلى الشفيع بوقوع البيع،فإن هذا الأخير لا يستطيع أن يعلن رغبته في الأخذ بالشفعة إلا خلال ثلاثين(30) يوما من هذا الإنذار،وذلك وفقا للمادة 799 ق م ج ،بحيث يجب على الشفيع إذا ما أراد الأخذ بالشفعة بعد توجيه إنذار إليه من قبل أحد المتبايعين أن يعلن رغبته خلال ثلاثين يوما من تاريخ وصول الإنذار إليه بوقوع البيع، إلى كل من المشتري والبائع يعلمهم فيها برغبته في أخذ العقار المبيع بالشفعة وعلى ذلك لا يعتد بعلم الشفيع بوقوع البيع، حتى ولو أثبت المشتري علم الشفيع بالبيع،ذلك لأن الأجل القانوني لا يسري إلا من تاريخ الإنذار الموجه إلى الشفيع لأنه يستطيع الانتظار دون أن يطلب الشفعة، حتى يصله الإنذار بحيث يبقى محتفظا بحقه في طلب الشفعة طوال المدة التي تفصل ما بين العلم بالبيع وتاريخ الإنذار مهما طالت هذه المدة،فإذا ما وصله الإنذار بوقوع البيع،فعند ذلك يسري أجل ثلاثين(30) يوما اعتبارا من تاريخ وصوله،وطالما أن المسافة هي خاصة بإعلان إبداء رغبة الشفيع إلى البائع والمشتري فتكون المسافة المقصودة هي المسافة بين موطن الشفيع وبين موطن البائع والمشتري،ويتم تحديد مدة المسافة التي تضاف إلى ميعاد الثلاثين(30) يوما.
الفرع الثاني: حالة عدم إنذار الشفيع بوقوع البيع.
إذا لم يقم البائع أو المشتري بإنذار الشفيع إنذارا رسميا بوقوع البيع أو كان الإنذار باطلا، غير أن المشتري قام بإشهار عقد البيع في المحافظة العقارية،هنا ينفتح للشفيع ميعاد آخر يبدأ من تاريخ شهر عقد البيع، فقد نصت المادة 807/02 ق م ج  بأن((لا يمارس حق الشفعة في الأحوال التالية:
– إذا مرت سنة من تسجيل عقد البيع…))
يفهم من هذا النص أن الشفيع إذا لم يعلم بوجود البيع، لكن تم إشهار البيع فإن المشرع يفترض حتما افتراضا لا يقبل إثبات العكس، أن الشفيع قد علم بهذا البيع بعد لحظة إشهاره،لكن نظرا لأن هذا العلم يعد علما افتراضيا، فإن المشرع قد أطال الميعاد الواجب على الشفيع أن يطلب فيه الشفعة فجعله سنة من وقت الإشهار، فعلى الشفيع أن يبادر إلى إعلان رغبته خلال هذا الميعاد و إلا سقط حقه في الشفعة[48].
وهذه القاعدة لا تمنع من سقوط الشفعة لأن مدة السقوط لا تتوقف بسبب جهل الشفيع بالبيع بسبب الشفعة لانقضاء الميعاد المحدد قانونا[49]، يعد من الدفوع المتصلة بالنظام العام الذي تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، وفي أبة حالة كانت عليها الدعوى وحتى لو تناول صاحب الحق صراحه عن التمسك بالسقوط.
ويقع عبء إثبات استعمال رخصة الشفعة في خلال سنة من شهر عقد البيع في المحافظة العقارية على عاتق الشفيع، ولكن إذا ثبت أن الشفيع قد استعمل هذه الرخصة خلال الميعاد المحدد ولكن أخطأ في بعض البيانات خطأ لم يكن من شأنه إيقاع المشتري في أي لبس، فإن تصحيح هذا الخطأ لا يعد فيما بعد طلبا جديدا،وعليه فإذا رفع الشفيع دعوى يطلب الشفعة في الأرض المبيعة ثم تبين خطأ في البيانات التي أوردها في عريضة الدعوى عن حدود الأرض ورقم القطعة، فعدل طلباته بما يتفق والبيانات الصحيحة فإن الحكم يكون معيبا إذا قضى بسقوط حق الشفيع في الشفعة لأن تعديل الطلبات في هذه الحالة يعتبر رفعا للدعوى بطلبات جديدة تخالف الطلبات الواردة في عريضة الدعوى وأن هذا التعديل جاء بعد مضي أكثر من سنة من تاريخ القيام بشهر عقد البيع.
الفرع الثالث:حالة عدم إنذار الشفيع وعدم إشهار عقد البيع.
إذا لم يوجه إلى الشفيع إنذار صحيحا، ولم يشهر عقد البيع عندئذ لا يتصور سريان المواعيد السابق بيانها في حق الشفيع، لأن الوقائع التي تنفتح معها هذه المواعيد لم تحدث، ولذلك يظل حق الشفيع في طلب الشفعة قائما وهو لا يسقط إلا بالتقادم المسقط بمضي خمسة عشر سنة من تاريخ وقوع البيع المشفوع فيه.
ولا يحرم الشفيع من طلب الشفعة قبل انقضاء خمسة عشر عاما من تاريخ البيع كغيره من الحقوق والدعاوى التي لم يرد في شأنها نص على مدة خاصة لسقوط الحق.
المطلب الثالث:شهر الإعلان بالرغبة للأخذ بالشفعة
تنص الفقرة الأولى من المادة 801 ق م ج بخصوص إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة على أنه ((…لا يحتج بالتصريح ضد الغير إلا إذا سجل،ويقصد بالتسجيل الوارد في هذا النص، عملية الشهر،ويتم بقيد الإعلان في المحافظة العقارية الواقع بدائرتها العقار محل الشفعة.
فإذا قام الشفيع بإعلان رغبته في الأخذ بالشفعة إلى كل من البائع والمشتري، فيحتج بهذا الإعلان على من أعلن إليه من يوم وصوله إليه،أما بالنسبة للغير الذي قد يكتسب حقا عينيا على العقار المشفوع فيه فلا يحتج عليه بإعلان الرغبة في الشفعة إلا بعد شهره[50]
فالشهر إذن إجراء وقائي غير وجوبي، حيث به يتوقى الشفيع تصرفات المشتري أو البائع على العقار المشفوع فيه، ولا يتقيد بذلك بميعاد معين، حيث يصح شهر الإعلان بالرغبة في المحافظة العقارية في أي وقت حتى ولو بعد رفع دعوى الشفعة،غير أن القضاء الجزائري يعتبر شهر الإعلان شرطا لصحة إجراءات طلب الشفعة ويترتب على عدم القيام به سقوط  حق الشفيع في مواصلة باقي إجراءات الشفعة[51].
لكن نص المادة 801  ق م ج صريح ويقضي بأن تكون كل التصرفات الواقعة على العقار المشفوع فيه حجة على الشفيع متى صدرت قبل شهر الإعلان بالرغبة، وبالتالي لا يمكن للشفيع الأخذ بالشفعة إلا من التصرف الثاني إن كان بيعا، أو يأخذ العقار مثقلا إذا كان التصرف الثاني مرتبا لحق عيني تبعي[52] ، وبالتالي لا تكون حجة على الشفيع جميع التصرفات – ناقلة للملكية أو مرتبة لحقوق عينية تبعية – الواردة على العقار المشفوع فيه بعد شهر إعلان الرغبة.

المبحث الثاني: دعوى الشفعة.

إذا طالب الشفيع بحقه في الأخذ بالشفعة، ورضي المشتري بتسليم العقار المشفوع فيه إلى الشفيع ترتب الشفعة أثرها، بحيث يحل الشفيع محل المشتري في عقد البيع الذي أبرمه مع البائع،غير أنه قد يمتنع المشتري عن تسليم العقار المشفوع فيه إلى الشفيع بالتراضي، فينازع المشتري في الشفعة، وهنا يلجأ الشفيع إلى المحكمة لحل هذا النزاع، فيرفع دعوى الشفعة بعد إيداع ثمن البيع والمصاريف لدى الموثق،فإذا نجح فيها ثبت حقه بصدور حكم نهائي من القضاء وعليه نتناوله كما يلي:
المطلب الأول :إيداع ثمن البيع والمصاريف لدى الموثق.

تنص المادة 801/02 ق م ج على أنه ((يجب إيداع ثمن البيع والمصاريف بين يدي الموثق خلال ثلاثين يوما على الأكثر من تاريخ التصريح بالرغبة في الشفعة،بشرط أن يكون هذا الإيداع قبل رفع دعوى الشفعة، فإن لم يتم الإيداع في هذا الأجل على الوجه المتقدم سقط الحق في الشفعة)).

يتبين من النص أن المشرع اشترط لقبول دعوى الشفعة أن يقوم الشفيع بإيداع ثمن البيع والمصاريف قبل رفع الدعوى، وعلى ذلك فإن تفويت أحد هذين الشرطين يعد موجبا لسقوط الحق في الشفعة.
الفرع الأول :إيداع ثمن البيع لدى الموثق.
يتم إيداع الثمن عقب إعلان الشفيع لرغبته في الشفعة، أو عند إعلان هذا الرغبة، فيتعين عليه أن يستظهر الوثائق الثبوتية التي تؤكد بأنه قام فعلا بإيداع الثمن وذلك بالوصل الذي يقدمه له الموثق لأن هذا الوصل يعتبر سندا أساسيا في رفع دعوى الشفعة أمام المحكمة المختصة.
وليس هناك تعارض بين ما أوجبه القانون من إيداع كل الثمن قبل رفع دعوى الشفعة،وما تقضي به المادة 804 ق م ج من أنه لا يحق للشفيع الانتفاع بالأجل الممنوح للمشتري في دفع الثمن إلا برضى البائع، إذ أن هذا الحكم الأخير ليس مجاله الإجراءات التي يجب القيام بها لجواز الأخذ بالشفعة وإنما يتعلق بالآثار التي تترتب عن الشفعة،وهذه الآثار لا ينظر إليها إلا بعد تمام الأخذ بالشفعة قضاء
 أو رضاء، فحينئذ يكون للبائع أن يمنح الشفيع الأجل الممنوح للمشتري، ومن ثم لا يجوز الاستناد إلى ذلك الحكم لتخويل البائع حق إعفاء الشفيع من ايداع الثمن قبل رفع الدعوى[53].
غير أن نص المادة 256 من قانون التسجيل اشترط إيداع خمس الثمن بدل الثمن كله وعليه فهل يكتفي الموثق بايداع ما يعادل الخمس من الثمن المصرح به في صلب عقد البيع أم يفرض على الشفيع ايداع الثمن كله حسب مفهوم المادة 801 ق م ج ؟
بصفة عامة أنه على الموثق أن ينظر إلى الكيفية التي تم بها إبرام عقد البيع، فإذا اكتفى الأطراف بإيداع خمس الثمن وجب عليه حينئذ أن يشير إلى ذلك في صلب عقد التصريح بالرغبة في الشفعة، من كون الطرفين متعاقدين وضعوا خمس ثمن البيع في الخزينة والأربعة أخماس الأخرى تسلمها البائع خارج مجلس العقد أو جزء من الثمن مؤجل إلى تاريخ لاحق،أو أن ثمن البيع تم إيداعه بالكامل لكن هذه المادة لا يمكن تطبيقها على أحكام الشفعة لأننا لسنا بصدد بيع رضائي يتم الاتفاق على تفاصيله بين البائع والمشتري والكيفية التي يتم بواسطتها تسديد الثمن،وإنما نحن بصدد حالة استثنائية نص عليها القانون ووضع لها ضوابطا محددة وإجراءات دقيقة وجعل لها آجالا محددة لا يجوز تجاوزها، لذلك يكون لزاما على الشفيع ايداع الثمن كاملا إضافة إلى المصاريف، ولا يجوز للموثق أن يكتفي بإيداع خمس الثمن، لأن الشفيع لا تربطه علاقة مباشرة مع المشتري، ولم يتفق معه على تفاصيل العقد وكيفية التسديد، ولم يتفاوض معه بشأن الثمن وإنما وجد نفسه أمام واقعة قانونية تبيح له استعمال حق منحه القانون عندما يتهيأ له مركز معين وعليه يجب ايداع الثمن كاملا والمصاريف إذا أصدرت المحكمة حكما بأحقية الشفيع في الحلول محل المشتري ويسدد الثمن إلى الشفيع المودع للثمن والمصاريف إذا خسر الدعوى.
وإذا كان الثمن المذكور في العقد أقل من الثمن الحقيقي، جاز لأي من المتعاقدين أن يثبت الثمن الحقيقي فإذا نجح في هذا الإثبات وجب على الشفيع أن يدفع الثمن الحقيقي الذي قام الدليل عليه، وفي هذه الحالة يكفي أن يودع الشفيع الثمن المذكور في العقد، حتى إذا ما ثبت الثمن الحقيقي أثناء النظر في الدعوى وجب عليه أن يكمل الثمن ولا يعتبر حينئذ أنه تخلف عن القيام بما يفرضه القانون من ايداع كل الثمن الحقيقي أثناء رفع الدعوى، لأنه لم يكن يعلم بهذا الثمن ، وله عذره في ذلك[54]
 الفرع الثاني: إيداع مصاريف البيع لدى الموثق:
أوجب المشرع على الشفيع أن يودع المصاريف لدى الموثق في نفس الميعاد القانوني وهو ثلاثون يوما من تاريخ إعلان التصريح بالرغبة في الشفعة،ويتم الإيداع قبل رفع دعوى الشفعة، وعليه نقول أن المشرع لم يغفل تحديد نوع المصاريف،فلو أنه أراد أن يودع مع الثمن المصاريف الرسمية لما أغفل ذكرها، ولا نص عليها صراحة كما فعل في البيانات الواجب ذكرها في الإنذار[55]
لذا فإن المصاريف التي قصدها المشرع هي المصاريف الرسمية وغير الرسمية، فالمصاريف الرسمية كرسوم توثيق عقد البيع المشفوع فيه، ورسوم تسجيله لدى مصلحة الضرائب،وإشهاره لدى المحافظة العقارية، أما المصاريف غير الرسمية كأتعاب المحاماة، ومصروفات معاينة العقار المشفوع فيه، كما يجب على الشفيع أيضا إيداع المصاريف التي أنفقها المشتري قبل الإعلان بالرغبة في الشفعة.
ويترتب على عدم إيداع الشفيع للثمن والمصاريف لدى الموثق في الأجل المحدد سقوط حقه في الشفعة ويستطيع البائع أو المشتري أن يتمسك بهذا السقوط في الدعوى وذلك عن طريق دعوى يرفعها أمام القضاء وللمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط الشفعة،وفي أية مرحلة كانت عليها الدعوى،حتى ولو تناول صاحب الحق عن حقه ويترتب على ذلك أنه يجوز إبداء الدفع بسقوط الشفعة ولو لأول مرة سواء أمام المجلس القضائي أو أمام المحكمة العليا.
 المطلب الثاني:رفع دعوى الشفعة.
تنص المادة 802 ق م ج على أنه ((يجب رفع دعوى الشفعة على البائع والمشتري أمام المحكمة الواقع في دائرتها العقار في أجل مدته ثلاثون يوما من تاريخ الإعلان المنصوص عليه في المادة 801 وإلا سقط الحق فيها))،ونتناول ذلك كما يلي:
الفرع الأول:الخصوم في دعوى الشفعة.
بعد إيداع ثمن المبيع والمصاريف لدى الموثق يجب على الشفيع تبعا لنص المادة 802 ق م ج ،رفع دعوى الشفعة على البائع والمشتري في أجل ثلاثون يوما من تاريخ إعلان الرغبة في الشفعة، أمام المحكمة الواقع في دائرتها العقار المشفوع فيه[56]،وإلا سقط حقه في الأخذ بالشفعة ولا يكون هذا الإجراء وجوبيا في حالة تسليم المشتري والبائع بشفعة الشفيع، فعندما يتعين عليهم تحرير سند التراضي أمام موثق ثم يشهر في المحافظة العقارية.
ولقبول دعوى الشفعة يجب أن يكون الشفيع كامل الأهلية ببلوغ تسعة عشر سنة، وترفع دعوى الشفعة وفقا للإجراءات التي قررتها المادة 12 ق إ م،وذلك بإيداع عريضة مكتوبة من الشفيع أو وكيله – وكالة خاصة – مؤرخة وموقعة منه لدى كتابة ضبط المحكمة الواقع في دائرتها العقار المشفوع فيه،على اعتبار أن دعوى الشفعة دعوى عينية عقارية[57] وهذا من ناحية الاختصاص المحلي، أما من ناحية الاختصاص النوعي، فإن المحكمة هي المختصة بنظر دعوى الشفعة بموجب حكم ابتدائي أو نهائي تبعا للحكم الصادر في دعوى الشفعة والذي يتضمن ثمن البيع، فإن كان هذا الأخير دون الألفي دينار، فإن الحكم الصادر في شأنها حكم ابتدائي نهائي طبقا لنص المادة 02من ق إ م ولا يكون قابلا للطعن إلا بالطرق غير العادية.
أما إذا كان ثمن البيع المحكوم به يتجاوز ألفين دينار، فالحكم الصادر بالدعوى حكم ابتدائي قابل للاستئناف أمام المجلس القضائي الواقع في دائرة اختصاصه مقر المحكمة الناظرة في الدعوى والمعارضة إذا كان الحكم غيابيا.
وعليه فالمدعي في دعوى الشفعة هو صاحب الحق، وإذا تعدد الشفعاء قبلت الدعوى المرفوعة عنهم جميعا بعريضة واحدة إذا كان طلب الشفعة قد حصل منهم في إعلان واحد,في ميعاد ثلاثين يوما.
أما إذا كان الشفيع قاصرا أو محجورا عليه فوليه أو وصيه أو القيم هو الذي يرفع دعوى الشفعة نيابة عنه،ولا يجوز لدائني الشفيع أن يرفعوا دعوى الشفعة نيابة عنه بطريق الدعوى غير المباشرة، باعتبارها دعوى شخصية متصلة بشخص الشفيع تبعا لنص المادة 189 ق إ م .
أما المدعي عليه في دعوى الشفعة، فهما كل من البائع والمشتري، فإذا رفعت الدعوى على أحدهما في الميعاد المحدد لذلك، ورفعت على الآخر بعد انقضاء الميعاد كانت غير مقبولة،وإذا توفي البائع أو المشتري وجب على الشفيع أن يخاصم جميع الورثة، فإذا طعن أحد ورثة البائع أو المشتري دون باقي الورثة فإن الطعن يكون غير مقبول من ناحية الشكل،وإذا لم يحضر البائع أو المشتري أو من يمثلهما قانونا رغم صحة التبليغ، فإن المحكمة تقضي في الدعوى بحكم غيابي أما إذا تغيب الشفيع عن الجلسة باعتباره مدعيا فإن المحكمة تقضي بشطب الدعوى[58] حسب نص المادة 35 ق إ م .
الفرع الثاني:الحكم النهائي بثبوت الشفعة.
تنص المادة 803 ق م ج على أنه (( يعتبر الحكم الذي يصدر نهائيا بثبوت الشفعة سندا لملكية  الشفيع، وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالاشهار العقاري)).
إذن فصدور حكم نهائي بثبوت الشفعة يعتبر سندا لملكية الشفيع للعقار المشفوع فيه،أي أن الحكم الصادر بأحقية الشفيع في الحلول محل المشتري في تملك العقار المشفوع فيه، هو السبب القانوني المنشئ لحق الشفيع، ومعناه أن الحكم يقرر حقا ولا ينشئه، فلا تبدأ آثاره إلا من يوم صدور الحكم. ولا يرجع إلى تاريخ البيع الذي حل فيه الشفيع محل المشتري ،أي أن الحكم يعتبر دليلا على الملكية التي قضى بها، وبما أن الحكم يعتبر سندا لملكية العقار المشفوع فيه، يجب أن يخضع إلى إجراء الإشهار طبقا لما نصت عليه المادة 793 ق م ج ،فالعقود المدنية والقرارات الإدارية والأحكام القضائية التي تتعلق بالملكية العقارية ونقلها أو إنشائها أو إقرارها تخضع لنفس الإجراءات التي حددها قانون إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري[59] بحيث لا يكون بين الأطراف المتعاقدة في حق الغير إلا إذا روعيت الإجراءات القانونية لا سيما التي تدير مصلحة الشهر العقاري.
وهذا ما أقرته المحكمة العليا في أحد قراراتها[60]،وعليه فالشفيع الذي يصدر حكما نهائيا بأحقيته في الشفعة والحلول محل المشتري في ملكية المشفوع فيه يكون قد تحصل على سند الملكية،ومن ثمة يمكن له التقرب من أي مكتب توثيق من أجل إيداع الحكم القضائي من أجل إشهاره حتى تنتقل ملكية العقار من البائع الى الشفيع بدلا من انتقالها من البائع إلى المشتري.
المبحث الثالث:سقوط الحق في الأخذ بالشفعة
تنص المادة 807 على أنه (( لا يمارس حق الشفعة في الأحوال الآتية:
ü     إذا تنازل الشفيع عن حقه في الشفعة ولو قبل البيع.
ü     إذا مرت سنة من يوم تسجيل عقد البيع وفي الأحوال التي نص عليها القانون)).
فنزول الشفيع عن حقه في الأخذ بالشفعة يؤدي إلى سقوط هذا الحق، وهذا النزول تصرف قانوني قد يقع بمقابل، وقد يقع بغير مقابل، كما أنه قد يكون صريحا، وقد يكون ضمنيا وهذا النص جاء خلافا للقواعد العامة، التي تجيز النزول عن الحقوق إلا بعد ثبوتها حيث وسع من مفهوم النزول عن الحقوق حتى قبل ثبوت الحق.
المطلب الأول:النزول عن الشفعة قبل ثبوت الحق فيها.
فيصح أن يكون هذا النزول صريحا لا يدع مجالا للشك فيه أو تأويله ،كأن يحصل المشتري من الشفيع على تنازل صريح عن الشفعة قبل أن يتعاقد مع مالك العقار المشفوع فيه، ويتم ذلك إما كتابة أو شفاهة، وفي هذه الحالة يقع عبء إثبات هذا التنازل على المشتري[61].
كما قد يكون التنازل عن الشفعة قبل ثبوتها، تنازلا ضمنيا يستفاد من كل عمل أو تصرف يأخذ منه نزول الشفيع عن حقه، كأن يقوم الشفيع بالوساطة في البيع بين البائع والمشتري أو يتفق مع مشتر على تقرير حق ارتفاق لمصلحة العقار المبيع أو عليه، أو يضمن المشتري في الثمن.
المطلب الثاني:النزول عن الشفعة بعد ثبوت الحق فيها.
هذا النزول قد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا،فالنزول الصريح بعد ثبوت الشفعة يكون بالكتابة الرسمية أو الكتابة العرفية،ويجوز أن يتم شفاهة وهو تعهد من الشفيع بالامتناع عن استعمال حق الشفعة عند حصول البيع،وعلى من يتمسك بحصول هذا النزول إثباته طبقا لقواعد الإثبات المقررة.
أما النزول الضمني يتحقق إذا صدر من الشفيع أي عمل يفيد نزوله عن حقه، ومن أمثلة النزول الضمني استئجار الشفيع من المشتري العقار المبيع ودفعه الأجرة للمشتري إذا كان العقار مؤجرا من البائع قبل البيع،والاتفاق على حقوق ارتفاق أو أن يكون الشفيع وسيطا بين المشتري والمتصرف إليه، كما يعد نزولا ضمنيا، نزول الشفيع عن الشفعة إلى الغير، فالشفعة كما رأينا لا يجوز النزول عنها للغير فيحقق مثل هذا النزول معنى إسقاطها.
ثانيا:آثار الشفعة في القانون الجزائري
يترتب على الشفعة انتقال الحق العقاري المشفوع فيه من البائع إلى الشفيع، سواء أكان هذا الحق حق الملكية أم حق الانتفاع، ولما كانت الحقوق العينية الأصلية الواردة على عقار لا تنتقل إلا بعد شهرها في المحافظة العقارية،فإنه يلزم شهر سند الشفعة وهو الحكم النهائي بثبوت الشفعة إن تمت بالتقاضي وموافقة المشتري وتسليمه بها إن تمت بالتراضي، ولا تنتقل الملكية ولا حق الانتفاع إلا من وقت الشهر دون أثر رجعي،وبهذا يحل الشفيع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته ويعود المشتري إلى حالته قبل الشراء.
المبحث الأول:آثار الشفعة في علاقة الشفيع بالبائع.
تنص المادة 794 ق م ج أن (( الشفعة رخصة تجيز الحلول محل المشتري في بيع العقار…)) وتأكد المادة 104 ق م ج الأثر المباشر للشفعة وهو حلول الشفيع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته في مواجهة البائع.
فالشفيع  يحل محل المشتري في بيع العقار ويخرج هذا الأخير من الصفقة وكأنها لم تنعقد له أصلا[62] فينتج البيع آثاره بين البائع والشفيع،فيكون للشفيع حقوق المشتري وعليه التزاماته، وذلك منذ تاريخ انعقاد البيع فالشفيع هو الدائن المباشر للبائع بحقوق المشتري، ومدينا مباشرا للبائع بالتزامات المشتري[63] سواء تمت الشفعة بالتراضي أو بحكم قضائي.
المطلب الأول :وقت حلول الشفيع محل المشتري.
يترتب على ثبوت الشفعة حلول الشفيع اتجاه البائع محل المشتري في حقوقه والتزاماته إلى انتقال الملكية الذي يؤجل إلى شهر سند التراضي في الشفعة الرضائية وحكم الشفعة إذا كانت الشفعة قضائية.
اختلف الفقه الوضعي في مسألة وقت حلول الشفيع محل المشتري،فهناك رأي يذهب إلى القول بأن الشفيع يحل محل المشتري من وقت تمام البيع المشفوع فيه، ورأي ثان يرى بأن الشفيع يحل محل المشتري من وقت إعلان رغبته في الأخذ بالشفعة إلى كل من المشتري والبائع،ورأي ثالث يقول بأن الشفيع يحل محل المشتري،من وقت رفع دعوى الشفعة، أما الرأي الرابع يذهب إلى أن الشفيع يحل محل المشتري من وقت صدور الحكم له بثبوت حقه في الشفعة،لأن هذا الحكم منشأ لحق الشفيع لا كاشفا عنه، وعليه نتناول هذه الآراء كما يلي:
الفرع الأول: حلول الشفيع محل المشتري من وقت البيع:
يرى جانب من الفقه أن الشفيع يحل محل المشتري من وقت تمام البيع المشفوع فيه لأن القواعد القانونية تقضي بأن الأحكام القضائية مقررة للحقوق لا منشئة لها، وهذا يعني أن الحق الذي قضى به مكتسب من يوم وجوده لا من يوم القضاء به، وعلى هذا يكون الشفيع الذي يطلب الأخذ بالشفعة مالكا للعقار المشفوع فيه من يوم انعقاد البيع[64].
الفرع الثاني:حلول الشفيع محل المشتري وقت إعلان الرغبة الشفعة:
يرى هذا الجانب من الفقه[65] بأن الشفعة هي سبب في كسب الملكية، ذلك أنه بالبيع يوجد حق الشفيع ولكنه لا يثبت في مواجهة البائع والمشتري إلا بعد إعلان رغبته في الشفعة، فمن هذا التاريخ يحل الشفيع في مواجهة البائع محل المشتري في كافة ما كان له وعليه من حقوق ويصبح المشتري
في منزلة الحائز سيء النية، أما الاحتجاج بحق الشفيع على الغير يكون من وقت شهر إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة، وهذا طبقا لنص المادة 806 ق م ج .
وعلى هذا الأساس فإن حكم الشفعة من الأحكام المقررة لا المنشئة،إلا ما خص منها حكم رسو المزاد، لأنه لو قيل بأن حكم الشفعة منشئ لملكية الشفيع وأن المشتري يعتبر مالكا من تاريخ صدور الحكم لوجب اعتبار جميع تصرفات المشتري المادية من بناء أو غراس صحيحة، بمعنى أن على الشفيع دائما الاحتفاظ بالبناء والغراس مع تعويض المشتري عن قيمتها سواء تم البناء أو الغراس قبل طلب الشفعة أو بعدها،وكذلك اعتبار جميع تصرفات المشتري القانونية نافذة في مواجهة الشفيع سواء تمت قبل طلب الشفعة أو بعده.
الفرع الثالث:حلول الشفيع محل المشتري وقت رفع الدعوى.
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن حكم الشفعة لا يرتد إلى تاريخ البيع، لأنه لا يملك بالعقد بل بالشفعة وقد جعلها المشرع سببا مستقلا لكسب الملكية، ولا يمكن القول أيضا بارتداد أثر هذا الحكم بالشفعة،لأن حق الشفيع لا يثبت نهائيا بمجرد إبداء الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة، بل أن حقه يظل مهددا بالسقوط حتى يستوفي الإجراءات التي فرضها عليه القانون، لكن حكم الشفعة يرتد بأثر رجعي إلى الوقت الذي يستكمل في الشفيع سائر إجراءات الشفعة وفقا لنصوص القانون، لكن حكم الشفعة يرتد بأثر رجعي إلى الوقت الذي يستكمل فيه الشفيع سائر إجراءات الشفعة وفقا لنصوص القانون، إذ أنه عندئذ فقط يمكن القول أنه اكتسب مركزا قانونيا نهائيا يستند إليه حقه في تملك العقار المشفوع فيه.
الفرع الرابع: حلول الشفيع محل المشتري وقت صدور حكم الشفعة:
يذهب هذا الاتجاه الغالب في الفقه[66] إلى أن الشفيع يتملك العقار المبيع من وقت شهر الحكم بالشفعة أو تسليم المشتري بها أي أن الحكم بالشفعة منشئ لحق الشفيع وناقل للملكية إليه، وليس مقررا له.
فالشفيع بمجرد البيع لا يكون له الحق إلا في أن يطالب بالشفعة، وهو لا يكتسب الملكية بمجرد الطلب، ولا يصح أن ترجع ملكيته إلى تاريخ هذا الطلب أو شهره، فالملكية لا تنتقل إليه إلا إذا سلم المشتري له بالشفعة، أو قضى له بها أما قبل ذلك فتكون الملكية للمشتري،ولهذا قيد المشرع حق المشتري في بناء العقار بعد إعلان الرغبة في الشفعة وقرر عدم سريان التصرفات التي تقع من المشتري في مواجهة الشفيع إذا حصلت بعد شهر إعلان الرغبة.[67]      
وما أراده المشرع هو اعتبار حكم الشفعة سببا قانونيا لملكية الشفيع، فكلمة سند التي وردت في نص المادة 803 ق م ج تعني السبب القانوني المنشئ لحق الملكية ولم تأت على معنى دليل الملكية أو حجيتها، ومتى كان حكم الشفعة في نظر القانون هو سبب ملكية الشفيع ومنشأها فإن مقتضى أن لا يصير المشفوع فيه إلى ملك الشفيع، إلا بعد هذا الحكم، أما قبله فلا يتصور.
وإذا كان المشرع قد جعل التصرفات التي تصدر من المشتري أو تصدر ضده في خصوص العقار بعد تسجيل إعلان الرغبة غير نافذة في حق الشفيع، فإن هذا لا يفيد استناد ملكية الشفيع إلى هذا التاريخ كما يقول الرأي الثاني، إذ لو كان الامر كذلك لما كان المشرع في حاجة الى إيراد هذا الحكم لأنه لو صح أن ملكية الشفيع تستند إلى هذا التاريخ لأدى ذلك إلى خلاص العقار من هذه التصرفات دون حاجة إلى نص.
المطلب الثاني:أثر حلول الشفيع محل المشتري قبل البائع
تنص المادة 804 ق م ج على أنه(( يحل الشفيع بالنسبة إلى البائع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته إلا انه،لا يمكن له الانتفاع بالأجل المضروب للمشتري عن دفع الثمن إلا برضى البائع ولا يرجع الشفيع إلا على البائع إذا ما استرد الغير العقار بعد الشفعة ))[68] .
ويتبين من خلال هذا النص أنه يترتب على حلول الشفيع محل المشتري قبل البائع أن يلتزم الشفيع بجميع التزامات المشتري قبل البائع، كما يلتزم البائع اتجاه الشفيع بجميع الالتزامات التي كانت في ذمته قبل المشتري  قبل الأخذ بالشفعة، وعليه ندرس هذا المطلب في فرعين الأول خاص بالتزامات البائع والثاني نتناول فيه التزامات الشفيع.
الفرع الأول:التزامات البائع.
يلتزم البائع بأن يقوم بما هو ضروري لنقل الحق المشفوع فيه[69]إلى الشفيع،ولكن هذه الملكية لا تنتقل سواء في حق الغير أو فيما بين المتعاقدين إلا بمراعاة القواعد المتعلقة بالشهر العقاري،وهذا حسب ما جاء في المادة 165 ق م ج التي تنص على أن((الالتزام بنقل الملكية أو حق عيني آخر من شأنه أن ينقل بحكم القانون الملكية أو الحق العيني إذا كان محل الالتزام شيئا معينا بالذات يملكه الملتزم وذلك مع مراعاة الأحكام المتعلقة بالشهر العقاري))، ونفس الشيء نصت عليه المادتان792 و 793 ق م ج
فإذا كانت الشفعة بالتقاضي يجب شهر حكم الشفعة،أما إذا كانت بالتراضي فإنه يتم كذلك شهر سند التراضي وبالتالي تنقل الملكية إلى الشفيع من وقت هذا الشهر سواء بين المتعاقدين أو تجاه الغير.
أما الالتزام الثاني الذي يقع على عاتق البائع فإنه يتمثل في الالتزام بتسليم العقار المشفوع فيه للشفيع إذا لم يكن قد سلمه إلى المشتري وينطبق على هذا الالتزام فضلا عن النصوص الخاصة به في عقد البيع جميع القواعد العامة التي وضعها القانون في شأنه فتبعه الهلاك تقع على البائع قبل التسليم بوصفه مدينا به، وعلى الشفيع بعد التسليم باعتباره مالكا وحائزا في ذات الوقت.
الفرع الثاني:التزامات الشفيع:
يقع على عاتق الشفيع اتجاه البائع التزامين هما، التزامه بدفع الثمن والمصاريف للبائع، وكذلك التزامه بتسلم العقار المشفوع فيه من البائع.
أولا: التزام الشفيع بدفع الثمن والمصاريف للبائع:عندما يأخذ الشفيع العقار المشفوع فيه بالشفعة يصبح ملتزما بدفع الثمن للبائع إذا لم يكن هذا الأخير قد قبضه من المشتري،ومقدار الثمن والمصاريف معينا بالاتفاق بين جميع الأطراف إذا أخذت الشفعة بالتراضي، بحيث يلتزم الشفيع في هذه الحالة بدفع كل الثمن والمصاريف المتفق عليها للبائع،غير أنه إذا أخذت الشفعة بالتراضي فإن الشفيع يكون قد أودع الثمن والمصاريف لدى الموثق، وفي هذه الحالة يستطيع البائع أن يتسلم الثمن الذي أودعه الشفيع بين يدي الموثق، وبهذا يكون الشفيع قد وفى بالتزامه بدفع الثمن وأيا كان المبلغ يلتزم الشفيع بدفعه للبائع فإنه يلتزم بدفعه فورا، وهذا حتى ولو كان البائع اتفق مع المشتري في الأصل على تأجيل الثمن فليس للشفيع لأن ينتفع بالأجل الممنوح للمشتري حسب ما نصت عليه المادة 804 ق م ج التي تقضي بأنه((..إلا أنه لا يمكن له الانتفاع بالأجل المضروب للمشتري عن دفع الثمن إلا برضى البائع..))
والسبب في ذلك واضح فإن البائع قد يضع في المشتري ثقة لا يضعها في الشفيع فيؤجل الثمن للأول دون الثاني، وقد تربطه بالمشتري دون الشفيع من الصلات ما يدفعه إلى تأجيل الثمن للمشتري، ومع ذلك قد يرضى البائع بتأجيل الثمن للشفيع كذلك لأسباب يراها مبررة لذلك[70] ورضا البائع لتأجيل الثمن للشفيع إنما يأتي بعد الأخذ بالشفعة أما أثناء إجراءات رفع دعوى الشفعة فيجب على الشفيع أن يودع كل الثمن لدى الموثق حتى لو كان البائع راضيا بتأجيل الثمن، فإذا ما ثبت حق الشفيع في الشفعة ورضي البائع بتأجيل الثمن استطاع الشفيع أن يسحب الثمن كله أو بعضه بإذن من البائع وعليه بعد ذلك أن يسدده للبائع في الأجل المتفق عليه.
ثانيا التزام الشفيع بتسلم العقار المشفوع فيه من البائع:يلتزم الشفيع بتسليم العقار المشفوع فيه إذا كان لا يزال في يد البائع،أما إذا كان المشتري قد تسلمه من البائع فإن الشفيع يستلمه من المشتري[71] وفي هذا الصدد نصت المادة 394 ق م ج على أنه(( إذا لم يعين الاتفاق أو العرف مكانا أو زمانا لتسليم المبيع وجب على المشتري أن يتسلمه في المكان الذي يوجد فيه المبيع وقت البيع وأن يتسلمه دون تأخير باستثناء الوقت الذي تتطلبه عملية التسليم)).
أما بالنسبة لنفقات التسليم فقد نصت المادة 395 ق م ج (( إن نفقات تسليم المبيع تكون على المشتري ما لم يوجد عرف أو  اتفاق يقضي بغير ذلك)) يستفاد من هذا النص أن نفقات تسليم المبيع تكون على البائع، أما نفقات تسليمه فتكون على المشتري وقد حل محله الشفيع.
المبحث الثاني:آثار الشفعة في علاقة الشفيع بالمشتري
تنشأ عن هذه العلاقة حقوق والتزامات متبادلة بين الطرفين فيحتمل كل طرف منها بالتزام نحو الآخر، ونبين هذه الالتزامات في مطلبين الأول نتناول فيه التزامات الشفيع والثاني نخصصه لالتزامات المشتري.
المطلب الأول:التزامات الشفيع
عند حلول الشفيع محل المشتري بعد ثبوت الشفعة تقع على عاتقه عدو التزامات،منها التزامه بدفع ثمن البيع والمصاريف للمشتري إذا كان هذا الأخير قد أوفى في بها للبائع، كما أنه يلتزم بالتعويض للمشتري عن المصروفات اللازمة والنافعة التي على العقار المشفوع فيه، وأخيرا التزامه بالتعويض عن البناء والغراس في العقار المشفوع فيه وهذا ما ندرسه في ثلاثة فروع تباعا
الفرع الأول:التزام الشفيع بدفع ثمن البيع والمصاريف للمشتري.
إذا دفع المشتري الثمن إلى البائع وتمت الشفعة بالتراضي فعلى الشفيع أن يدفع الثمن المتفق عليه إلى المشتري وأيا كان المبلغ الذي يلتزم بدفعه فإنه يلتزم بدفعه فورا للمشتري، ولا يجوز للمشتري أن يطلب من الشفيع مبلغا يزيد عن الثمن الذي قام بالوفاء به إلى البائع بحجة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وبالتالي فإن العقار قد ارتفعت قيمته.
وبالمقابل فإنه يجوز للشفيع كذلك أن يطلب إنقاص ثمن البيع بحجة انخفاض الأسعار وبالتالي العقار قد انخفضت قيمته[72] وإذا أخل الشفيع بالتزامه بدفع الثمن للمشتري فإن المشتري لا يستطيع فسخ البيع بحجة أن الشفيع لم يقم بوفاء الثمن له لأن المشتري حين قام بوفاء ثمن البيع للبائع إنما يكون قد وفى دينا واجبا في ذمته ويرجع المشتري على الشفيع في هذه الحالة طبقا لقواعد الإثراء بل سبب ليسترد الثمن الذي دفعه للبائع،وذلك بالتنفيذ على أموال الشفيع أو حبس العقار المشفوع فيه ،وإذا تمت الشفعة بالتقاضي قام الشفيع بإيداع الثمن لدى الموثق يكون حينئذ للمشتري سحب الثمن الذي أودعه الشفيع لدى الموثق،عندها يكون الشفيع قد أوفى بالتزامه نحو المشتري،كما يسترد المشتري من االشفيع أيضا مصروفات البيع سواء كانت مصاريفا رسمية كرسوم التوثيق ورسوم الشهر وغيرها،أو كانت غير رسمية كالسمسرة وأتعاب المحاكمات ومعاينة العقار المشفوع فيه،وهذه المصروفات التزم المشتري بدفعها عند شراء العقار وهو ما جاء في المادة 393 ق م ج.
الفرع الثاني:التزام الشفيع بالتعويض عن المصروفات اللازمة والنافعة للمشتري.
قد ينفق المشتري على العقار المشفوع فيه بعد تسلمه من البائع مصروفات ضرورية أو نافعة أو كمالية فهنا يعتبر المشتري حائزا للعقار المشفوع فيه فيرجع بهذه المصروفات على المالك وهو الشفيع طبقا للقواعد العامة وهو ما جاء في المادة 839 ق م ج.
وحسب هذا النص فان المالك الشفيع يدفع للحائز المشتري  جميع المصروفات اللازمة وهي مجموع المصروفات العارضة غير العادية التي يتوجب إنفاقها من أجل الحفاظ على العقار المشفوع فيه،كالمصروفات التي ينفقها المشتري لإنقاذ العقار من حريق تسبب فيه الغير يكاد يغير من طبيعته أو كالمصروفات المنفقة من المشتري لترميم جدار في العقار المشفوع فيه آيل للسقوط وتدخل ضمن المصروفات اللازمة.
أما بالنسبة للمصروفات النافعة فتسري في شأنها  أحكام المادتين 784و  785 ق م ج ,وهي المصروفات التي ينفقها المشتري لتحسين العقار والزيادة في قيمته وتحسين طريقة الانتفاع به كالإنارة الكهربائية،أو إدخال أنابيب الغاز،المياه،…الخ ،و قد نصت المادة 784 ق م ج ((إذا أقام شخص منشآت بمواد من عنده على أرض يعلم أنها ملك لغيره دون رضى صاحبها فلصاحب الأرض أن يطلب في أجل سنة من اليوم الذي علم فيه بإقامة المنشآت،وإزالة المنشآت على نفقة من أقامها مع التعويض عن الضرر إذا اقتضى الحال ذلك،أو أن يطلب استبقائها مقابل دفع قيمتها في حالة الهدم أو دفع مبلغ يساوي ما زاد في ثمن الأرض إلا إذا اختار صاحب الأرض استبقائها طبقا لأحكام الفقرة السابقة)).
فإذا أقام المشتري هذه المنشآت والتحسينات قبل شهر الشفيع إعلان الرغبة في الشفعة فإنه يعد حائزا حسن النية، فلا يجوز لمالك الأرض – الشفيع–أن يطلب إزالة المنشآت بل يجوز للحائز –المشتري – أن يطلب استبقاء المنشآت، ويملكها صاحب الأرض – الشفيع – بالالتصاق وعليه أن يعوض المشتري بدفع قيمة مواد البناء وأجرة العمل وهي القيمة التي افتقر بها المشتري، أو يدفع مبلغا يساوي ثمن ما زاد في قيمة الأرض بسبب المنشآت وهي القيمة التي اغتنى بها مالك الأرض وهو الشفيع، حسب نص المادة 785 ق م ج.
أما إذا أنجز المشتري هذه المنشآت والتحسينات بعد أن أشهر إعلان الشفيع إعلان الرغبة في الشفعة فإنه يعد سيء النية، وبالتالي يكون للشفيع باعتباره مالكا خلال سنة أن يطلب إزالة المنشآت على نفقة من أقامها، وكما يمكن له أن يطلب زيادة على ذلك تعويضا عما تحدثه هذه الإزالة على أساس أن من أقام هذه المنشآت – المشتري- كان يعلم بأن العقار المشفوع فيه ملكا للشفيع كما له أن يطلب استبقاء المنشآت فيملكها بالالتصاق مع دفع مقابل ذلك للمشتري، وهو أقل القيمتين، قيمة المنشآت مستحقة الإزالة، وقيمة العقار المشفوع فيه بسبب هذه المنشآت .
أما المصروفات الكمالية فهي مصروفات لا تعود بالنفع الكبير على العقار، وإنما تنفق مثلا لزخرفة العقار وتزيينه، كطلاء الجدران، فهذه المصروفات لا يجوز للمشتري أن يطالب الشفيع بردها له، إنما كل ما يستطيعه هو أن ينزع ما استحدثه من منشآت التزيين والتجميل على أن يعيد العقار إلى حالته الأولى على نفقته غير أنه يجوز للشفيع أن يطلب استبقاء هذه المنشآت على أن يدفع للمشتري قيمتها مستحقة الإزالة كما لا يجوز للمشتري أن يطالب الشفيع  بالمصروفات الكمالية سواء أنفق  هذه  المصروفات قبل التصريح بالرغبة في الشفعة أو بعده. [73]
الفرع الثالث:التزام الشفيع بالتعويض عما أقامه المشتري من بناء وغراس.
تنص المادة 805 ق م ج على أنه ((إذا بنى مشتر في العقار المشفوع فيه أو غرس فيه أشجارا قبل إعلان الرغبة في الشفعة كان للشفيع ملزما تبعا لما يختاره أن يدفع له إما المبلغ الذي أنفقه أو مقدار الإعلان بالرغبة في الشفعة كان الشفيع ملزما تبعا لما يختاره المشتري أن يدفع له إما المبلغ الذي أنفقه أو مقدار ما زاد في قيمة الغقار بسبب البناء أو الغراس، أما إذا حصل البناء أو الغراس بعد الإعلان بالرغبة في الشفعة كان للشفيع أن يطلب الإزالة، وإذا اختار أن يستبقي البناء أو الغراس فلا يلزم إلا بدفع قيمة أدوات البناء وأجرة العمل أو نفقات الغراس)).وهنا نميز بين حالتين.
فإذا قام المشتري في العقار المشفوع فيه بالبناء أو غرس فيه أشجارا قبل التصريح بالرغبة في الشفعة،كان للمشتري الخيار بين أن يطالب الشفيع إما بالمبلغ الذي أنفقه في البناء أو الغراس وإما بمقدار ما زاد في قيمته العقار بسبب هذا البناء أو الغراس حيث يكون للمشتري أن يتقاضى أكبر القيمتين[74] كما يجوز للمشتري طلب نزع البناء  والغراس على نفقته على أن يعيد العقار إلى أصله.
أما إذا بنى المشتري في العقار المشفوع فيه أو أقام غراسا بعد شهر إعلان الرغبة في الشفعة كان للشفيع الخيار بين أن يطلب الإزالة وإعادة العقار إلى أصله على نفقة المشتري مع التعويض إن كان له وجه، أو يطلب استبقاء البناء أو الغراس على أن يدفع للمشتري قيمة ما أنفقه في البناء والغراس.
المطلب الثاني: التزامات المشتري.
يلتزم المشتري اتجاه الشفيع بتسليم العقار المشفوع فيه إليه،كما يلزم برد ثمار العقار التي قبضها من يوم إعلان الشفيع الرغبة في الشفعة، وعليه نتناول هاتين المسألتين في فرعين تباعا.
الفرع الأول:التزام المشتري بتسليم العقار المشفوع فيه إلى الشفيع.
إذ كان المشتري قد تسلم العقار المشفوع فيه من البائع فإنه يلتزم بتسليمه للشفيع على الحالة التي كان عليها وقت البيع وبالمقدار الذي ذكر في عقد البيع،ويتم التسليم بوضع العقار تحت تصرف الشفيع بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون عائق[75] .
وتبدو أهمية التسليم في تبعة الهلاك، فإذا هلك المشفوع فيه قبل تصريح وشهر إعلان الرغبة في الشفعة نتيجة قوة قاهرة أو حادث مفاجئ فإن تبعة الهلاك تقع على عاتق الشفيع على اعتبار أن المشتري الحائز حسن النية[76],استناد لنص المادة 842 مدني جزائري.
أما إذا حدث هلاك المشفوع فيه بعد شهر إعلان الرغبة في الشفعة والعقار بحوزة المشتري تقع تبعة الهلاك على هذا الأخير باعتباره حائزا سيء النية،  إلا إذا أثبت أن العقار كان يهلك ولو كان في يد الشفيع استناد لنص المادة 843 مدني جزائري.
الفرع الثاني:التزام المشتري برد ثمار المشفوع فيه للشفيع.
هذه المسألة لم يفردها المشرع بنص خاص في أحكام الشفعة، وعليه نرى أنها تخضع لأحكام قواعد الحيازة باعتبار المشتري حائزا لملك الشفيع، وذلك وفقا للمادة 837 مدني جزائري.
 ولما كان المشتري قبل شهر اعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة يعتبر حائزا حسن النية فإنه لا يلتزم برد ثمار العقار المشفوع فيه ونمائه إلى الشفيع على اعتبار أنها ملك له.
وبالمقابل تكون الثمار التي طلبها المشتري أو قصر في قبضها بعد شهر إعلان الرغبة في الشفعة تكون ملكا للشفيع باعتبار المشتري في هذه الحالة سيء النية وعليه يلتزم بردها إلى الشفيع كما يتحمل هذا الأخير تكاليف جمع هذه الثمار طبقا لنص المادة 838 ق م ج .
المبحث الثالث:آثار الشفعة في علاقة الشفيع بالغير وعلاقة البائع بالمشتري.
يترتب على ثبوت الشفعة سواء بالتراضي أو بالتقاضي،حلول الشفيع محل المشتري واستلامه للعقار وينشأ عن هذا الحلول علاقات متعددة من علاقة الشفيع بالغير وعلاقة البائع بالمشتري ونتعرض لهاتين العلاقتين كما يلي:
المطلب الأول:علاقة الشفيع بالغير.
تظهر علاقة الشفيع بالغير في حالة ما إذا رتب المشتري حقوقا عينية على العقار المشفوع فيه ويجب التمييز بين الحقوق العينية التي رتبها المشتري على العقار المشفوع فيه قبل وبعد شهر الإعلان بالرغبة في الشفعة، وهذا ما نتناوله في فرعين تباعا.
الفرع الأول:التصرفات الحاصلة قبل شهر إعلان الرغبة في الشفعة.
تنص المادة 806 ق م ج على أنه ((لا تكون حجة الشفيع الرهون والاختصاصات المأخوذة ضد المشتري وكذلك كل بيع صدر منه وكل حق عيني رتبه المشتري أو ترتب عليه، إذا كان ذلك قد تم بعد تاريخ شهر الإعلان بالرغبة في الشفعة، على أنه يبقى للدائنين المسجلة ديونهم مالهم من حقوق الأفضلية فيما آل للمشتري من ثمن العقار)).
إذا رتب المشتري أو البائع على العقار المشفوع فيه حقوقا عينية أصلية، كحق انتفاع أو حق ارتفاق أو حقوق عينية تبعية، كرهن رسمي أو رهن حيازي، بحيث يكلف دينا في ذمة البائع أو المشتري قبل أن يشهر الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة فتكون هذه الحقوق نافذة في مواجهة الشفيع[77].
  وعليه فإذا تصرف المشتري بالبيع في العقار المشفوع فيه للغير، وقام هذا الأخير بشهر عقد البيع قبل شهر الشفيع لإعلان الرغبة، سقط الشفيع في الشفعة من البيع الأول،وله أن يأخذ بها من البيع الثاني وبشروط هذا البيع، فإن كان الغير المشتري الثاني – من أصول أو فروع أو زوج للمشتري الأول لا يثبت للشفيع الحق في الأخذ بالشفعة لتوافر مانع درجة القرابة.
أما إذا كان الحق الذي كسبه الغير حقا عينيا تبعيا كرهن رسمي أو حيازي، وتم قيد هذا الحق قبل شهر إعلان رغبة الشفيع، فلهذا الأخير أن يأخذ العقار المشفوع فيه وينتقل إليه وهو مثقل بهذا الحق ولا يكون له سواء اللجوء إلى المشتري بقاعدة الإثراء بلا سبب[78] وعلى البائع بدعوى الضمان والاستحقاق إذا كان البائع هو الذي رتب هذا الحق طبقا لنص المادة 804 ق م ج.
 الفرع الثاني:التصرفات الحاصلة بعد شهر إعلان الرغبة في الشفعة.
طبقا لنص المادة 806 ق م ج ، إذا ترتب على العقار المشفوع حقوقا عينية من جانب المشتري قبل شهر إعلان الرغبة، لا تسري في حق الشفيع والسبب في ذلك أن، المشتري ولو أنه يعتبر مالكا ظاهرا إلا أنه يتعامل في العقار بعد شهر إعلان الرغبة، فلا يعتبر من يتعامل مع حسن النية إذا كان يمكنه أن يكشف من سجلات الشهر العقاري عن حقيقة المشتري. وعلى ذلك إذا باع المشتري العقار المشفوع فيه بعد شهر إعلان الرغبة لا يسري في حق الشفيع البيع الثاني الصادر إلى المشتري الثاني من المشتري الأول، ويأخذ الشفيع الشفعة في البيع الأول بثمنه وفي مواعيده وطبقا لشروطه، والمفروض أنه قيد طلب الشفعة في هذا البيع فيضمن في إجراءات الشفعة إلى نهايتها وذلك لا يمنعه إذا رأى شروط البيع الثاني بثمنه أيسر أو أن الثمن فيه أقل من أن ينزل عن طلب الشفعة في البيع الأول،ويطلبها في البيع الثاني بثمنه وفي مواعيده وطبقا لشروطه[79] .
إذا رتب المشتري حق انتفاع أو حق ارتفاق على العقار المشفوع فيه،وذلك بعد شهر إعلان الرغبة في الشفعة، لا يسري هذا الحق على الشفع ويأخذ هذا الأخير العقار بالشفعة خاليا من حق الانتفاع أو حق الارتفاق، إذا رتب المشتري على العقار المشفوع فيه رهنا رسميا أو ترتب عليه حق اختصاص من قبل دائنيه أو حق امتياز يكفل دينا في ذمته، وكان ذلك بعد شهر إعلان الرغبة لا يسري هذا الحق على الشفيع ويأخذ هذا الأخير العقار خاليا منه.
وفي هذه الحالة يحتفظ الدائن في حق الأولوية على ما آل للمشتري من ثمن العقار إذا كان المشتري
قد دفع الثمن للبائع ويريد تقاضيه من الشفيع، فالدائن الذي قيد حقه يتقدم على الدائنين الذين قيدوا حقوقهم بعده، في الثمن الذي يكون في ذمة الشفيع للمشتري أو في الثمن الذي أودعه الشفيع لدى الموثق قبل رفع دعوى الشفعة، وهذا ما قضت به العبارة الأخيرة من المادة 806 ق م ج على أنه((..يبقى للدائنين المسجلة ديونهم مالهم من حقوق الأفضلية فيما آل للمشتري من ثمن العقار)).
المطلب الثاني:علاقة البائع بالمشتري.
تؤخذ الشفعة في البيع الذي أبرم بين البائع والمشتري، ويترتب على ثبوتها حلول الشفيع محل المشتري فإذا كان هذا الحلول يؤدي إلى نشوء علاقة جديدة بين البائع والشفيع بعد أن كانت قائمة بين البائع والمشتري، وعلى ذلك فإن الصلة التي كانت قائمة بين هذين الأخيرين لا تنقطع تماما، وإنما تبقى آثارها فيما بينهما، وتظهر هذه العلاقة في الحقوق التي يرتبها البائع على العقار المشفوع فيه قبل وبعد شهر الإعلان بالرغبة في الأخذ بالشفعة، وعليه نتناول هذا المطلب في فرعين تباعا.
الفرع الأول:الحقوق العينية المترتبة من البائع على العقار قبل شهر الإعلان بالرغبة في الشفعة.
إذا رتب البائع على العقار المشفوع فيه حقوقا عينية أصلية أو تبعية، كحق الانتفاع أو حق الارتفاق أو رهن رسمي أو حيازي، أو ترتب عليه حق امتياز بحيث يكلف دينا في ذمة البائع وشهر صاحب هذا الحق  حقه قبل يشهر المشتري عقد شرائه، فهذه الحقوق تكون نافذة في مواجهة المشتري، والسبب في ذلك أن صاحب الحق العيني الذي ترتب على العقار لا يستطيع أن يكشف عن البيع الذي صدر من البائع إلى المشتري.
إذا كان هذا الأخير لم يشهر عقد شرائه لدى المحافظة لدى المحافظة العقارية وكذلك الحال بالنسبة للشفيع في حالة ما إذا رتب البائع حقا من هذه الحقوق على العقار المشفوع فيه قبل أن يشهر الشفيع التصريح بالرغبة في الأخذ بالشفعة، فهذه الحقوق تكون نافذة في حقه، وبالتالي ينتقل العقار المشفوع فيه سواء عن طريق شهر الحكم النهائي بثبوت الشفعة أو بشهر عقد التراضي بالشفعة مثقلا
بهذه الحقوق، وكل ما يمكن أن يقوم به الشفيع بعد أخذ العقار المشفوع فيه بالشفعة محملا بهذه الحقوق أن يرجع بضمان التعرض والاستحقاق على البائع[80]
الفرع الثاني:الحقوق العينية المترتبة من البائع على العقار بعد شهر الإعلان بالرغبة في الشفعة.
هذه الحالة تختلف عن سابقها، فإذا رتب البائع حقوقا عينية على العقار المشفوع فيه بعد أن أشهر المشتري عقد شرائه، فإن هذه الحقوق لا تسري في مواجهة المشتري، وكذلك الأمر بالنسبة للشفيع، فإذا رتب البائع الحقوق على العقار المشفوع فيه بعد شهر التصريح بالرغبة في الأخذ بالشفعة، حيث لا تسري في مواجهة الشفيع وبالتالي فإن العقار يخلص للمشتري خاليا من هذه الحقوق، كما يخلص أيضا للشفيع خاليا منها ويبقى للدائنين المقيدة ديونهم مالهم من حقوق الأفضلية فيما آل للبائع من ثمن العقار أو فيما آل للمشتري من ثمن العقار بعد أخذه بالشفعة.
فإذا قيد الدائنون حقوقهم على العقار المشفوع فيه بعد أن أشهر المشتري عقد شرائه أو بعد شهر التصريح بالرغبة في الشفعة، فهذه الحقوق تكون غير نافذة، لا في مواجهة المشتري ولا في مواجهة الشفيع بحيث لا يستطيعون تتبع العقار المشفوع فيه في يد المشتري أو في يد الشفيع، إنما يحتفظون مع ذلك بميزة الأولوية أو التقدم على الثمن الذي يستحقه البائع في مقابله[81]
خاتمة
بعد أن انتهينا من هذه الدراسة التي خصصناها لموضوع اكتساب الملكية بالشفعة في القانون الجزائري أننا سوف نستعرض خاتمة موجزة للعمل الذي قمنا به في المذة فقد تبين لنا من خلال الدراسة السابقة أن الشفعة نظام إسلامي أصيل أخذ من الشريعة الإسلامية، ومصدره الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقره إجماع الفقهاء والقياس، وأخذ بهذا النظام كسبب من أسباب كسب الملكية في القوانين الوضيعة، ونظر لما يتميز به هذا النظام من أخذ الملك جبرا من المتصرف إليه بحكم الشرع لمال تصرف فيه مالكه للغير، فهو تشريع استثنائي باعتباره واردا على خلاف الأصل العام الذي يقضي بأنه لا يجوز نزع مال الإنسان منه الا برضاه فهي تكسب الشفيع ملكية العقار المشفوع فيه رغما عن إدارة المشتري والبائع، وهذا لغرض رفع ضرر الشركة والجوار .
ويترتب على الطابع الاستثنائي لأحكام الشفعة، أنه لا يجوز التوسع في تفسير النصوص المتعلقة بها وتأكد هذا الطابع الاستثنائي في القانون الجزائري من خلال إحاطتها بشروط صارمة ومواعيد قصيرة وهذا حتى لا تبقى ملكية المشتري مهددة بالزوال بسبب الشفعة لمدة طويلة، واعتبرت على أنها رخصة تجيز الحلول محل المشتري في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها قانونا، وهي بهذا المعنى لا تخرج عن معناها اللغوي والشرعي وهو الضم، أي أن الشفيع يتملك العقار المشفوع فيه، فيضمه إلى ملكه، وذلك لرفع ضرر الشريك الجديد بسبب اتصال ملك الشفيع بالمبيع اتصال شركة، فتكييف الشفعة على انهارخصة متصلة بشخص الشفيع يترتب عليها عدم استعمال الشفعة نيابة عن الشفيع، وعدم انتقالها عن طريق الحوالة ويجوز للشفيع أن ينزل عنها حتى قبل البيع، وهذا هو التكييف الصحيح للشفعة،فهي أدنى من الحق وأكثر من الحرية، فالشفيع قبل بيع الشريك لنصيب له حرية التملك، أما بعد أن يبيع الشريك نصيبه تصبح له رخصة التملك من حيث المطالبة بالشفعة أو عدم المطالبة بها، وهذا ينطبق تماما على الشفعة لأنه إذا طلب الشفيع بالشفعة يصبح له حق الملك يكسبه الملكية، فيكون من التزيد البحث في الاختلاف الفقهي فيما إذا كانت الشفعة حقا أو واقعة مركبة أو منزلة وسطى بين الحق والرخصة.
ولا يمكن ممارسة الحق في الشفعة إلا بتوافر شروط معينة منها ما تعلق بالتصرفات المجيزة للأخذ بالشفعة وشروط أخرى تتعلق بالأعيان التي يجوز طلب الشفعة فيها، وتبين لنا أن القوانين الوضعية لم تذهب مذهبا واحدا في شروط الأعيان التي تجوز الشفعة فيها، فبعض القوانين العربية معهم جانب من الفقه الوضعي يجيز الشفعة في العقار والمنقول، أما القانون المدني الجزائري فقد اشترط أن يكون المبيع عقارا ولا شفعة في المنقول.
مع ملاحظة أن هذا القانون له نظام بديل بالنسبة للمنقول، وهو استرداد الحصة الشائعة المبيعة، متفقين بذلك مع جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية، كما قصر المشرع الجزائري الشفعة على عقد البيع دون غيره من التصرفات القانونية والوقائع المادية، وإذا أعاد المشتري بيع العقار فللشفيع أن يأخذ بالشفعة في البيع الثاني ولكن يستطيع أن يأخذ بالشفعة في البيع الأول، إذا رأى فيه شروطا أحسن وحدد مفهوم البيع بالثمن النقدي، وقصد المشرع من هذا التضييق من نطاق الشفعة، زيادة في التضييق من نطاق الشفعة اشترط بالأخذ بالشفعة أن لا يكون البيع قد صدر إلى أقارب البائع لحكمة رآها المشرع، وهي أن البيع للأقارب يحمل آثار العلاقة الخاصة بين البائع والمشتري، كذلك لا تجوز الشفعة إذا كان البيع قد حصل بالمزاد العلني وفقا للإجراءات الرسمية أو كان العقار قد بيع ليجعل محل عبادة أو ليلحق بمحل عبادة، واستثناء هذه البيوع بعد حسن نظر من جانب المشرع، اذ لا شك أن للروابط العائلية تأثيرا على العلاقات التعاقدية، فيغلب على البيع بين الأقارب طابع المودة والتسامح، ثم إن العلاقة العائلية لا تسمح بأن يقتحم نطاقها أجنبي عنها، كما أن البيع بالمزاد العلني من شأنه أن يوفي للبائع فرصة الحصول على قيمة أكبر للعقار بأعلى ثمن ممكن، ويشجع الراغبين في الشراء على الدخول بالمزاد وهم مطمئنون على بقاء المبيع ملكهم، وهذا حتى لو وجد من تثبت له صفة الشفيع الذين حصرهم القانون في الدولة، ومالك الرقبة، والشريك في الشيوع، وصاحب حق انتفاع والجار لأرض فلاحية مبيعة على الترتيب.
فالدولة منح لها الحق في الأخذ بالشفعة بموجب قانون التوجيه العقاري وقانون الأملاك الوطنية بهدف المصلحة العامة والمنفعة العمومية، لتكوين الأملاك الوطنية بنوعيها العمومية والخاصة، كما لمالك الرقبة أن يمارس حق الأخذ بالشفعة إذا بيع جزء من الانتفاع الملابس لها، ولصاحب حق الانتفاع الحق في الأخذ بالشفعة إذا بيع الكل أو البعض من ملكية الرقبة، واستقر القضاء الجزائري على أنه لا يمكن للمستأجر أن يمارس الشفعة باعتباره لا يدخل ضمن ما حددته المادة 795 مدني جزائري غير أن، قانون النشاط العقاري نص في مادته 23 على أنه يمكن للمستأجر في بناية عمومية إذا ما بيعت أجزاء أن يشفع في الجزء الذي يشغله وهذا جاء بعد ما تم إلغاء حق البقاء في السكن، أما عن شفعة الجوار لم ترد أحكامها في القانون المدني، بل وردت في قانون التوجيه العقاري، وحصرها المشرع في الأراضي الفلاحية فقط لكن  ما يؤخذ على هذا التنظيم أنه لم يحدد شروط وحالات تطبيقها، مما جعلنا نرجع إلى ما ورد في أحكام الشريعة الإسلامية والقانون المدني المصري، حيث تبين لنا أنه لكي يمارس الجار الشفيع إجراءات الشفعة يجب توافر شروط عامة تتمثل في شرط التلاصق بين العقار المشفوع فيه والعقار المشفوع به وشرط ملكية الجار الشفيع للعقار المشفوع به.
ولا يستطيع الشفيع ممارسة الشفعة إلا إذا توافرت شروط تتمثل في أهلية التصرف، وأن يكون الشفيع مالكا للعقار المشفوع به من وقت بيع العقار المشفوع فيه، حتى ثبوت حقه في الشفعة، كما يشترط الشفيع أن يكون غير ممنوع من شراء العقار المشفوع فيه.
وفي حالة تعدد الشفعاء يقسم العقار المشفوع فيه بقدر نصيب كل واحد منهم في العقار المشفوع به متى كانوا من طبقة واحدة، وإن كانوا من طبقات مختلفة، استحق الشفعة من كان من كبقة أعلى، وإذا كان المشتري شفيعا في نفس الوقت، فإنه يقدم على الشفعاء من طبقته ومن هم أدنى طبقة من طبقته باستثناء الدولة التي لها الأولوية في ممارسة الشفعة على جميع الشفعاء في الأراضي العامرة والقابلة للتعمير، فالمشرع الجزائري لم يورد حكما في حالة تزاحم الشفعاء من الجيران الملاصقين واختلف الفقه في هذه المسألة فكان من رأينا إعطاء الحق في الشفعة على أساس المنفعة التي يعود من منفعة على الشفيع شخصيا من جواء الأخذ بالشفعة.
فبعد توافر الشروط السابقة إذ لم يسلم المشتري بالشفعة يباشر الشفيعاجراءات الشفعة التي تبدأ بإنذار رسمي يوجهه البائع أو المشتري إلى الشفيع، يعلمه بوقوع البيع، يتبع بتصريح من الشفيع في خلال ثلاثين يوما من تاريخ الإنذار، يعلن فيه رغبته في الأخذ بالشفعة، مع إيداع ثمن البيع والمصاريف الرسمية قبل رفع دعوى الشفعة في خلال أجل ثلاثين يوما من تاريخ التصريح بالرغبة، وحتى يتوفى الشفيع خطر التصرف في العقار المشفوع فيه، أعطاه المشرع حق شهر إعلان الرغبة، حيث بهذا الإعلان لا يسري في حق الشفيع كل تصرف وارد على العقار المشفوع فيه بعد تاريخ الشهر، وإذا ما اخل الشفيع بهذه المواعيد سقط حقه في الشفعة، كما يسقط هذا الحق بالنزول عنه من قبل الشفيع حتى قبل البيع، سواء كان ذلك صراحة او ضمنيا كما يسقط  بعد سنة من يوم شهر البيع في حالة عدم إنذار الشفيع بوقوع البيع، وتنتهي دعوى الشفعة بحكم نهائي يعتبر سندا لملكية الشفيع، إذ بعد شهره تنتقل ملكية العقار المشفوع فيه إلى الشفيع، ويحل محل المشتري قبل البائع في كل حقوقه والتزاماته، وبدلك تزول العلاقة التي كانت قائمة أثناء البيع وقبل الشفعة بين البائع والمشتري سيتبعها زوال سند ملكية المشتري للعقار المشفوع فيه بأثر رجعي وكأنه لم يكن مالكا يوما  هذا وقد خلصنا من خلال الدراسة الى مجموعة من المقترحات ومن أهمها:
1-       إعادة النظر في نصوص الشفعة في القانون المدني من حيث التنسيق بين النص العربي والفرنسي على أساس الترجمة الصحيحة بضبط المصطلحات التي تؤدي المعنى المقصود.
2-       نقترح بأن يفرد المشرع الجزائري نصا قانونيا ينظم الشفعة التي تمارسها الدولة، يحدد نطاقها والإجراءات الخاصة بها.
3-       تنظيم شفعة الجوار في الأراضي الفلاحية، وفقا لما قررته الشريعة الإسلامية والقانون المدني المصري باعتبارهما المصدران الأساسيان لأحكام الشفعة في القانون الجزائري، وذلك من حيث الشروط والحالات التي تمنح للجار حق ممارسة الشفعة وكذلك إقرار الأولوية في الشفعة للجار الذي تعود على عقاره منفعة أكثر في حالة تزاحم الجيران الشفعاء.
4-       إعادة النظر في التصريح بالبيع في ظل مسايرة أو تحديث الأنظمة من خلال اقتصاد السوق والتخلي عن المفاهيم الاشتراكية، والتحاليل على القانون حيث التصريح بأقل ثمن عند التبايع، لأن ذلك مدعاة لعدم اللجوء إلى المحاكم في حالة المطالبة بالشفعة خاصة بالنسبة إلى الشفيع.
قائمة المراجع .
1.     الإمام مالك،الموطأ.بدار النفائس يروت لبنان.الطبعة العاشرة 1987
2.     الشيخ أبو بكر جابر الجزائري،منهاج المسلم،دار الكتب الحديثة القاهرة،بدون تاريخ.
3.     شمس الدين السرخسي،المبسوط،المجلد 14،مطبعة السعادة القاهرة.الطبعة الأولى، بدون تاريخ
4.     الأستاذ علي الخفيف،أحكام المعاملات الشرعية،دار الفكر العربي ، بيروت لبنان،الطبعة الثانية،بدون تاريخ
5.     الإمام محمد أبو زهرة،الملكية ونظرية الحق في الشريعة الإسلامية،دار الفكر العربي، بيروت لبنان، 1988.
6.     د محمد وحيد الدين سوار، النزعة الجماعية في الفقه الإسلامي وأثرها في الملكية/ م و ك الجزائر.1989
7.     محمد قدري باشا،مرشد الحيران لمعرفة أحوال الإنسان،دار الفرجاني القاهرة.الطبعة الثانية،1978.
8.     الدكتور أنور طلبة،الوسيط في شرح القانون المدني،ج 3، دار الفكر العربي ، بيروت لبنان.1988
9.     الدكتور أحمد أبو الوفاء،تعليق على نصوص قانون المرافعات،منشأة المعارف الاسكندرية مصر.1984
10.        حمدي باشا عمر،نقل الملكية العقارية في التشريع الجزائري،مطبعة الشهاب,باتنة،الجزائر،2000.
11.        د خليل أحمد حسن قدادة،الوجيز في شرح القانون المدني، د و م ج ،الطبعة الثانية الجزائر.1999
12.        د.رمضان أبو السعود،الوسيط في الحقوق العينية الأصلية،الدار الجامعية للطباعة والنشر،بيروت لبنان.1985
13.        رمضان أبو السعود،الوسيط في شرح مقدمة القانون المدني ، الدار الجامعية للطباعة بيروت لبنان.
14.        الدكتور طلبة وهبة خطاب،الشفعة في المنقول،الولاء للطبع،مصر,1990.
15.        عبد العزيز محمد أبي غدير،التعليق على نصوص الشفعة في القانون المدني،دار الفجر للطباعة،الإسكندرية مصر
16.        د. أحمد عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني،بيروت لبنان،المجلد 9 دار إحياء التراث العربي
17.        د. عبد الناصر توفيق العطار،أحكام الملكية،دار الفكر العرب، بيروت لبنان.
18.        د.عصام أنور سليم،عدم تجزئة الشفعة،دراسة تأصيلية،مصر. منشأة المعارف الاسكندرية مصر.1997
19.         د.عبد المنعم فرج الصدة،الحقوق العينية الأصلية،دار النهضة العربية،بيروت لبنان 1989
20.        د،علي علي سليمان،النظرية العامة للالتزام.د م د الجزائر.1994
21.        المستشار عبد الحكم فودة،أحكام الريع في القانون المدني، الولاء للطبع،مصر,1993.
22.        الدكتور: منصور مصطفى منصور، حق الملكية في القانون المدني المصري.مكتبة وهبة،1976
23.        د.بن يوسف بن رقية،شرح قانون المستثمرات الفلاحية،الديوان الوطني للأشغال التربوية،2001.
24.        الأستاذ حمدي باشا عمر،القضاء العقاري،دار هومة،2002.الجزائر.
25.        الأستاذ اسماعين شامة،النظام القانوني الجزائري للتوجيه العقاري، دار هومة،2002.الجزائر.
26.        الأمر رقم 75 /58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975،المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم.
27.        الأمر رقم 75 /59 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975،المتضمن القانون التجاري المعدل والمتمم.
28.        قانون رقم 66 /154 المؤرخ في 08جوان 1966،المتضمن قانون الإجراءات المدنية,
29.        الأمر رقم 70 /91 المؤرخ في 15 ديسمبر 1970،المتضمن تنظيم التوثيق.
30.        الأمر رقم 74 /26 المؤرخ في 20 فيفري 1974،المتضمن تكوين احتياطات عقارية لصالح البلديات.
31.        الأمر رقم 75 /74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975،المتضمن اعداد مسح الأراضي وتأسيس السجل العقاري المعدل والمتمم.
32.        الأمر رقم 76 /105 المؤرخ في 09 ديسمبر 1976،المتضمن قانون التسجيل المعدل والمتمم.
33.        قانون رقم 81 /01 المؤرخ في 07 فيفري 1981،المتضمن التنازل عن الأملاك العقارية ذات الاستعمال السكني أو المهني أو التجاري أو الحرفي التابعة للدولة والجماعات المحلية ومكاتب الترقية والتسيير العقاري والمؤسسات المعدل والمتمم .
34.        القانون رقم 90 /30 المؤرخ في 01 ديسمبر 1990،المتضمن قانون الأملاك الوطنية  ج ر رقم 52.
35.        المرسوم التنفيذي 90 /405 المؤرخ في 22 ديسمبر 1990،المتضمن وكالات التنظيم والتسيير العقاريين الحضريين ج ر رقم 56 .
36.        القانون رقم 91 /11 المؤرخ في 27 أفريل 1991،المتضمن نزع الملكية للمنفعة العمومية ج ر رقم 21.
37.        مجلة الموثق العدد  04  1998         
38.        مجلة الموثق العدد 05  1998    
39.        مجلة الموثق العدد 06  1999
40.        المجلة القضائية العدد الأول 1990
41.        المجلة القضائية العدد الثالث 1992
42.        المجلة القضائية العدد الأول 1993
43.        نشرة القضاة العدد 54 سنة 1999
فهرس
         
مقدمة
فصل تمهيدي ماهية الشفعة.
المبحث الأول:تعريف الشفعة………………………………………………………….01
              المطلب الأول:المدلول اللغوي للشفعة. ………………………………………01
              المطلب الثاني :المدلول الاصطلاحي للشفعة في الفقه الإسلامي. ………………….01
              المطلب الثالث: مدلول الشفعة في القانون الوضعي. ……………………………02
المبحث الثاني:الطبيعة القانونية للشفعة. …………………………………………………02
المبحث الثالث:التطور التاريخي للشفعة. ………………………………………………..05
الفصل الأول شروط الأخذ بالشفعة
المبحث الأول:البيع العقاري. …………………………………………………………06
         المطلب الأول:المال المشفوع فيه.. ………………………………………………06
         المطلب الثاني:التصرف المجيز للشفعة. ……………………………………………07
المبحث الثاني:وجود شفيع. …………………………………………………………..11
        المطلب الأول:ثبوت صفة الشفيع. ………………………………………………11
        المطلب الثاني:الشروط الواجب توفرها في الشفيع…………………………………..23
الفصل الثاني: إجراءات وآثار الشفعة.
أولا:إجراءات الشفعة في القانون الجزائري. ……………………………………33
المبحث الأول:ضرورة إضفاء الرسمية على الإنذار بوقوع البيع. …………………………….33
  المطلب الأول:مضمون الإنذار الرسمي بوقوع البيع. …………………………………….33
  ا
لمطلب الثاني :المدة المحددة لإعلان الرغبة. …………………………………………34
المطلب الثالث:شهر الإعلان بالرغبة للأخذ بالشفعة. ……………………………………37
المبحث الثاني: دعوى الشفعة. ……………………………………………………….38
المطلب الأول :إيداع ثمن البيع والمصاريف لدى الموثق. ………………………………….38
المطلب الثاني:رفع دعوى الشفعة. …………………………………………………….41
المبحث الثالث:سقوط الحق في الأخذ بالشفعة. …………………………………………43
المطلب الأول:النزول عن الشفعة قبل ثبوت الحق فيها. ………………………………….44
  المطلب الثاني:النزول عن الشفعة بعد ثبوت الحق فيها. …………………………………44
ثانيا:آثار الشفعة في القانون الجزائري……………………………………….45
 المبحث الأول:آثار الشفعة في علاقة الشفيع بالبائع. ……………………………………45
 المطلب الأول :وقت حلول الشفيع محل المشتري. ……………………………………..48
 المطلب الثاني:أثر حلول الشفيع محل المشتري قبل البائع. ………………………………..49
المبحث الثاني:آثار الشفعة في علاقة الشفيع بالمشتري. …………………………………..52
 المطلب الأول:التزامات الشفيع. …………………………………………………….52
 المطلب الثاني: التزامات المشتري. ……………………………………………………55
المبحث الثالث:آثار الشفعة في علاقة الشفيع بالغير وعلاقة البائع بالمشتري. …………………57
المطلب الأول:علاقة الشفيع بالغير. …………………………………………………..57
المطلب الثاني:علاقة البائع بالمشتري. ………………………………………………….58
خاتمة.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى