دراسات سياسية

بين أروقة الجمعية العامة

بقلم: أحمد طه الغندور.

 كعادتها في كل عام تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعها العام لمناقشة جملة من القضايا الدولية التي يشملها ميثاق الأمم المتحدة وتُعنى بشؤون القانون الدولي وقضايا السلم والأمن في العالم بالإضافة مناقشة تطوير خطط التنمية وخاصة المستدامة للعالم أجمع، وعلى غرار ما يحدث في كل عام تُعقد الدورة رقم (73) في الفترة ما بين (25) سبتمبر من الشهر الحالي وحتى الأول من أكتوبر القادم والتي تترأسها هذا العام السيدة ماريا فرناندا إسبينوزا غارسيا من الإكوادور، والتي تمتاز بأنها دبلوماسية و شاعرة فقد كانت وزيرة الخارجية السابقة في الإكوادور ولها خمس مجلدات شعرية.

ومن الجدير ذكره أن شعار الدورة الحالية للجمعية العامة جاء تحت عنوان: ” جعل الأمم المتحدة ذات صلة بجميع الناس: القيادة العالمية وتقاسم المسؤوليات لإقامة مجتمعات سلمية ومنصفة ومستدامة “، فهذا الشعار المزدوج يهدف إلى دفع أداء الأمم المتحدة نحو أفاق عالمية جديدة، وهنا يحق لنا التساؤل؛ هل يجد هذا الهدف مكاناً على أجندة قادة الدول؟!

فمن المعلوم أن معظم قادة الدول في العالم يعتبرون أن هذا التجمع الدولي بمثابة مناسبة هامة لمناقشة القضايا الدولية المتنوعة فيما بينهم، وخاصة الثنائية منها سواء تم ذلك من خلال الدبلوماسية الرسمية بين المتفقين منهم، أما من يواجهون خلافات فيما بين بعضهم البعض فهم في العادة يلجؤون إلى دبلوماسية الكوريدور التي تتميز بها الأمم المتحدة من أجل تحقيق اختراق ما لفتح أفاق جديدة في علاقاتهم الثنائية ذات الطريق المسدود.

وعادةً ما يصدر من تصريحات على منصة المنظمة الدولية يغاير تماماً ما تشهده ” لقاءات الصدفة” في دهاليز هذه المنظمة أو الفنادق والمطاعم القريبة من مقر الأمم المتحدة والتي تمتاز برفاهية قادرة على أن تُنسي أعتى الخصوم أسباب خصومتهم!!

ولقد شهد الأمس اليوم الأول لهذه الدورة والذي سجل كلمات (37) لقادة وزعماء الدول بدأتها البرازيل ثم تلتها الدول المضيفة “الولايات المتحدة” فباقي الكلمات بالإضافة إلى كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، أما اليوم الثاني ـ الأمس ـ فقد أعتلي المنصة الدولية (39) شخصية دولية من زعماء العالم بين رئيس، ورئيس وزراء أو وزير خارجية

ولو أردنا أن نركز على لقطات معينة مما تم إثارته من على المنصة الدولية، قد نجد أن أكثر ما يثير الغرابة ما صرح به الرئيس الأمريكي ترامب، والذي بعث حالة من الضحك بين الحضور في بداية كلمته عندما أثنى على سجل حكومته في الشؤون الداخلية، حتى أنه تفاجئ من الضحك الخافت والذي ارتفعت وتيرته حينما علق قائلاً: “لم أكن أتوقع رد الفعل هذا، ولكن لا بأس”.

ثم واصل في سرد نقاط متناقضة حول سياسية الولايات المتحدة والتي يتحدى فيها العالم ومن أبرزها كما يرى،

أن نهج واشنطن الجديد في الشرق الأوسط بدأ يحدث تغييراً تاريخياً وأنهم ملتزمون بالسلام، وأن الاعتراف بالقدس عاصمة “لإسرائيل” خطوة مهمة وأنهم لن يكونوا رهينة لأي عقليات أو روايات دينية فيما يتعلق بالقدس.

ومن ثم شرع في مهاجمة المنظمات الدولية قائلاً ان “المحكمة الجنائية الدولية لا تملك اي سلطة او شرعية”

واتهم ترامب منظمة “أوبك” بنهب باقي دول العالم، وأنه ضد سياسة العولمة، وأن المساعدات فقط للأطراف التي تحترم الولايات المتحدة.

هذه الكلمات تعكس الصلف والغرور الذي تحاول اليوم الإدارة الأمريكية تصديره للعالم من على منصة الأمم المتحدة لتعلن بأنها ضد الإرادة الدولية في تحقيق الأمن والسلم الدولي بالإضافة إلى رفضها لأي جهود من أجل تحقيق العدالة الدولية وخاصة إن مست “ربيبتها تل أبيب” أو حاولت المساس بمواطني الولايات الأمريكية.

ثم جاء في اليوم ليعلن أنه: “نه يدعم حل الدولتين (فلسطين وإسرائيل)، ويجب على “إسرائيل” أن تفعل شيئا لصالح الفلسطينيين، وأضاف: “أحب حل الدولتين فهو يعمل بشكل أفضل”.

أي تناقض هذا من شخص فاق ناتنياهو في حربه على فلسطين وقيادتها، بل أنه لم يُبق أي فرصة لنجاح حل الدولتين!

ولعل الكلمة الثانية التي أود التركيز عليها هي كلمة الأمين العام أنطونيو غوتيريش، والتي كانت في افتتاح أعمال الدورة الحالية، والتي يمكن اعتبارها أنها بالصدفة تتناقض مع خطاب ترامب.

ومن المقاطع التي أود التركيز عليها حديثه عن زيارته للمنطقة الشهر الماضي، وقوله: يجب ألا ندع الركود الذي نشهده اليوم في عملية السلام يؤدي إلى تصعيد في الغد. ويجب أن نعيد الآمال إلى الناس. فالحل القائم على وجود دولتين يبقى السبيل الوحيد للمضي قدُماً. ويجب السعي إلى تحقيقه على وجه السرعة.

وأضاف: مع ذلك، لا بد لي من أن أكون صريحا: في حالات كثيرة للغاية، تعتقد الأطراف المتحاربة أن الحرب هي الحل وهي قد تتكلم عن استعداد للتوصل إلى تسوية، ولكن أفعالها تنمّ في كثير جدا من الأحيان عن تعطش إلى انتصار عسكري كامل، بأي ثمن وتتفشى انتهاكات القانون الدولي الإنساني، ويسود الإفلات من العقاب. ويدفع المدنيون الثمن الأفدح، وتواجه النساء والفتيات العنف والقمع المنهجيين ـ بالطبع هو يقصد الاحتلال الإسرائيلي بهذا الكلام، لكن يمكن النطق به صراحة، فقد يواجه ما لا تحمد عقباه.

ومع ذلك فإن الأمين العام يناقض سياسة الولايات المتحدة الرافضة للسلام في الشرق الأوسط، ومناقض للإفلات من العقاب الذي تفرضه المحكمة الجنائية، وكأنه يقول لترامب، ” أعلم أن وجودك طارئ على الساحة الدولية ولن يكون له أثر يُذكر في السياسة الدولية”!

أخيراً يمكن اعتبار كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المساء ـ بمشيئة الله ـ هي الكلمة الثالثة التي أود الإشارة إليها ـ والتي لن أرجم الغيب في مضمونها ـ ولكن المهم هذه الحمى التي تستشري في الوطن الفلسطيني المقسم بفعل الاحتلال والمنقسم بفعل الخلاف الفصائلي المقيت، بين مؤيد ومعارض، وبين داعم وبين مُشكك في الشرعية الفلسطينية؟!

ربما لو علمنا أن هذا الجنون لا يؤثر بأي شكل من الأشكال في مهمة الرئيس في الأمم المتحدة، فلا الدعم يزيد في نسبة الحضور في الأمم المتحدة، ولا المعارضة والتشكيك ستدفع الحضور إلى الخروج من القاعة احتجاجاً على كلمة الرئيس!

سيلقي الرئيس كلمته وسيعود بسلامة المولى إلى الوطن الذي يُقتل بيد أبنائه، ليجد هذا الجو المشحون، حينها ما هو التصرف المطلوب؟

فهل نحن مع المصالحة والوحدة أما نحن مع الفرقة والانفصال ودعم ترامب في تمرير “صفقة القرن”؟!

على الكل أن يُفكر في قيمته وقيمة القضية الفلسطينية في ضميره قبل أن ننظر إلى قيمتها في عيون المنتدى الدولي.

وعلينا أن نُركز أعيننا على زعماء الدول المأزومة والتي تدعي دوماً حرصها على الفلسطينيين وقضيتهم؛ هل بدوا لكم قادرين على مساعدة أنفسهم في الجمعية العامة؟!

فما هو قراركم اليوم ـ الذي ستحاكمكم به الأجيال القادمة ـ هل أنتم مع المصالحة والاعتذار للشعب عما ارتكبتم من أخطاء في حقه؟!

أم أنتم مجرد أداة لا تعقل مهمتها تمرير “صفقة القرن” التي لن تمر من خلال الأحرار في هذا الشعب!

لن يضار أحد من المتخاصمين أن يجلس أمام التلفاز ويستمع بقلبه قبل عقله لكلمة فلسطين في الأمم المتحدة التي يُلقيها نيابة عن عموم الشعب الفلسطيني ـ المعارض قبل المؤيد ـ السيد الرئيس محمود عباس رمز الشرعية الفلسطينية.

معكم في انتظار المساء لعله يكون نصراً جديداً للأغلى “فلسطين”.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى