دراسات سياسية

خصائص القيادة واستمرار الوحدة الترابية للدولة: المقاربة السيكولوجية

أظهرت عملية استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق ضعفا واضحا في الخصائص الشخصية لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أمام الشخصية الكاريزماتية الاثنية الممزوجة بالخبرة السياسية الطويلة والمكر السياسي لشخصية مسعود البارزاني. من حيث المقارنة، اتخذ البرزاني قرار الاستفتاء ومورست عليه ضغوط إقليمية ودولية، ولكنه كان في كل مرة يخرج أمام وسائل الإعلام ويقول أنه ماضي في القرار ولا رجعة فيه مهما كانت الظروف؛ وهي التصريحات التي كانت منسجمة تماما مع سلوكه السياسي؛ وهو بذلك يتطابق كثيرا مع سلوك الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
لكن في مقابل ذلك، ظهر حيدر العبادي ضعيفا جدا أمام البرزاني، سواء من حيث التصريحات السياسية أو الأفعال؛ بالنسبة للتصريحات السياسية، كانت في معظمها عبارة عن استجداء ومطالب من الأكراد، مثله مثل القادة العرب عندما يتعاملون مع القادة الإسرائيليين؛ وحتى بعض التهديدات التي أطلقها لا تحمل نبرة القوة والشخصية التي توحي بأنه يستطيع أن يعاقب من يعتدي على وحدة البلاد. ليس هذا فحسب، وإنما ظهر في الندوة الصحفية مع الرئيس الفرنسي ضعيفا جدا، خاصة عندما طلب من قوات البيشمرجة أن تعمل مع القوات العراقية.
سوف تخلق طريقة الضعف وربما الخوف في القيادة السياسية، الوهن والضعف والتردد وعدم الثقة لدى القادة العسكريين والأمنيين الميدانيين، الذين يفترض أنهم الصف الأول في الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد. بناءً على المرجعية التنظيرية لكل من ابن خلدون وكلاوزفيتز في الشؤون الإستراتيجية، فإن البطولة العسكرية (ابن خلدون) والعبقرية العسكرية (كلاوزفيتز) شرطان أساسيان في تأمين النصر للقوات المسلحة على العدو أو القضاء على التهديدات الخطيرة؛ وفي كثير من الأحيان يكونان أكثر أهمية وحسما في إنجاز الأهداف من الأدوات القتالية والكثرة العددية.
من ناحية التناظر في القيادة العربية، لاحظنا خلال خمس سنوات من الحرب القاسية في سوريا، ان الرئيس السوري كان في كل مرة يخرج لوسائل الإعلام ويدلي بتصريحات تدل على الثقة في النفس، عدم الخوف، والرغبة الكبيرة في كسب الحرب ضد خصومه؛ وهي الخاصيات التي أثرت إلى حد بعيد على بقاء القوات المسلحة صامدة في المعارك في كل مناطق البلاد، بالرغم من الدعم الدولي والإقليمي للجماعات المناهضة للحكومة.
بناءً على تصريحات وتصرفات العبادي، فإنه لحد الآن لا يفرق بين القضايا التي يمكن أن يفاوض عليها ويقايض ويتراجع ويتنازل؛ ونظيرتها التي لا يتنازل فيها ويظهر فيه الإمكانية العالية لسفك الدماء من أجلها. كانت هناك الكثير من الخيارات أمامه لكن لم يقم بها، مثل دفع الوضع إلى حافة الهاوية، تمكين الأكراد (البيشمرجة) من اختبار أقواله، التعبئة العامة للحفاظ على وحدة البلاد. الحقيقة كانت حادثة الاستفتاء فرصة ذهبية لتوحيد العراقيين وراءه، لكن بسبب ضعف خاصياته القيادية لم يستطع استغلالها.
أتمنى أن تفرز الانتخابات القادة قيادة جديدة أكثر قدرة على المحافظة البقاء القومي للدولة العراقية.

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى