أخبار ومعلومات

رسائل طمأنة وعقبات أمام الإنعاش الاقتصادي

باشرت الجزائر، منذ عقدين، في انتهاج سياسة ميزانياتية مالية توسعية، مع تخصيص موارد مالية معتبرة رصدت بالخصوص عبر برامج الاستثمارات العمومية المنفذة والممتدة على طول الفترة من 2001 إلى 2020، إلا أن هذه التوجهات لم تسفر عن إقلاع أو إنعاش اقتصادي فعلي، وقد زادت الأزمة الصحية المتصلة بجائحة كورونا من متاعب الاقتصاد الذي ينتظر أن يرفع عنه مقاربة التسيير الإداري والمركزي، مع ضمان تفعيل آليات مرنة تضمن توسيع دائرة الفعل الاستثماري وتحفيز القطاع الخاص.

وفيما اعتبرت الحكومات المتعاقبة أن اعتماد نموذج سياسات الإنعاش مرتبط بضرورة تدارك التأخر في التنمية الموروث عن الأزمات الاقتصادية وبعث حركية الاستثمار والنمو من جديد، إلا أن النموذج المعتمد أبان عن نقائص وقصور، وإن كان الخبراء يشيرون إلى أهمية الاستثمارات العمومية، وعلى جملة الأهداف المتوخاة، أي تحقيق نسب نمو كفيلة بضمان تفعيل الآلة الإنتاجية والتشغيل والتنمية الشاملة.

وقد طرحت عدة إشكاليات حول توافق الأهداف المسطرة والمرجوة والنتائج المحققة، بداية بمبدأ مضاعفة الاستثمار، فغالبا ما كانت الجزائر تسجل ضخ ما يعادل 10 إلى 12 بالمائة من الناتج في الدائرة الاقتصادية، إلا أن نسب النمو تبقى متواضعة وتتراوح ما بين 2.5 و3.5 بالمائة، ويشير الخبراء إلى أنه في مجال الإنفاق الاستثماري إذا انخفضت ثقة رجال الأعمال والمتعاملين فإن الإنفاق الاستثماري سيتدنى أو قد يتوقف، وسيؤدي توقف الإنفاق الاستثماري إلى خفض المداخيل والعائدات بما في ذلك للعاملين، وبالتالي إلى خفض إنفاقهم الاستهلاكي، ما يؤدي بالضرورة إلى تدني مستويات التشغيل، ويظل مناخ ومحيط الأعمال يعتبره الكثير من العقبات، بما في ذلك مسألة تجريم التسيير.

كما تم طرح إشكاليات تخص مدى قدرة الاقتصاد الوطني، لاسيما الجهاز الإنتاجي، على الاستجابة للطلب الإضافي الإجمالي الهام والمتزايد وعن مدى استدامة سياسة الإنفاق العمومي في ظل عدم اليقين من ضمان استمرار تمويلها، خاصة في ظل احتمال حدوث صدمات نفطية معاكسة، ومدى الفعالية في استعمال الموارد الموظفة وترشيدها، وذلك في ظل الاختلالات التي تميز الجهاز الإداري البيروقراطي في الجزائر بمختلف مستوياته المضطلع أساسا بتنفيذ مختلف برامج الإنعاش، والنقائص على مستوى المنظومة الرقابية ومدى القدرة على التصدي لمختلف الانحرافات في تسيير الأموال العمومية، ونقص التقييم الموضوعي والمنهجي لمختلف البرامج والمشاريع المنجزة أو المبرمجة.

ولعل الرسائل الموجهة أمس من قبل الرئيس عبد المجيد تبون تدخل في سياق توجيه إشارات تطمين وضمان، بداية بالإعلان عن المسارعة في رفع التجريم عن فعل التسيير، بهدف تشجيع المبادرة الفردية والجماعية، وهو ما سبق أن خاطب به الولاة في لقاء الحكومة ـ ولاة السنة الماضية، وبعدها عبر تعليمة رفض “الرسائل المجهولة”، ولكن أيضا دعوة الولاة إلى المبادرة والانخراط في دائرة الفعل الاستثماري، وكسر الكابح البيروقراطي، في ظل ما ينتظر من إصلاحات هيكلية فعلية على مستويات اقتصادية متعددة بما فيها السوق المالي والمصرفي، وكذلك تحسين مناخ الاستثمار سواء المحلي أو الأجنبي. ودرء النقائص بحيث يلاحظ أن النمو يبقى هشا، ولا يعول عليه كثيرا في مجالي التشغيل والتنمية الشاملة، حيث إن نقطة الضعف لأداء الاقتصاد الوطني خارج المحروقات تبقى متمثلة في القطاع الصناعي، الذي يظل يمثل نحو 5 بالمائة من الناتج المحلي الخام.

“تسريع رفع التجريم عن فعل التسيير إشارة إيجابية”

ثمنت رئيسة الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، سعيدة نغزة، الدعوة التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون للإسراع في  رفع التجريم عن فعل التسيير وتأطيرها عبر نص قانوني، فضلا عن دعوة الولاة للانخراط في دائرة الفعل الاستثماري.

وشددت نغزة في تصريح لـ”الخبر” على ضرورة قيام الولاة بالأدوار المنوط بهم، لاسيما في انخراطهم في الدائرة الاقتصادية والاستثمارية وضرورة إيلاء اهتمام بمنتجي الثروة.

وأكدت رئيسة الكنفدرالية العامة على أهمية التركيز على إنعاش وتفعيل القطاعات الاقتصادية القادرة على ضمان توسيع دائرة تنويع الاقتصاد على غرار السياحة والفلاحة، كما اعتبرت أن قرار رفع التجريم عن فعل التسيير، كفيل بتكريس نظام الحوكمة، من خلال السماح لكل الفاعلين بتسيير المرحلة دون مثبطات وكوابح وعراقيل، لاسيما أن الحركية الاقتصادية شهدت عدة تحديات على رأسها تبعات جائحة كورونا ولكن أيضا المشاكل الاقتصادية.

ودعت رئيسة الكنفدرالية إلى إرساء منظومة اقتصادية متوازنة ومتنوعة وتجاوز التسيير الإداري البيروقراطي للاقتصاد وتشجيع الرقمنة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة والمبتكرة.. كما دعت نغزة إلى وضع الأسس والمرتكزات لدولة القانون، ومواجهة الفساد، مثمنة دعوة رئيس الجمهورية للولاة والمسؤولين المحليين وتوجيه رسائل تطمين عبر رفع التجريم عن فعل التسيير، داعية إلى أهمية اعتماد إجراءات مصاحبة لتشجيع الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال ومحيط الاستثمار، وتكييف القوانين مع التغييرات البنيوية والهيكلية للاقتصاد مع إحداث إصلاحات فعلية على مستوى المنظومة النقدية والمصرفية والعقار الصناعي وتحرير المبادرات، وتكريس لا مركزية القرارات، فضلا عن تصحيح الاختلالات القائمة.

“تحرير المبادرة وحماية المسؤولين ضرورة لتجسيد خطة التنمية”

أكد رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين، سامي عاقلي، على أهمية إعادة النظر في تجريم فعل التسيير، لاسترجاع الثقة في أعين المسؤولين على اتخاذ القرارات على مختلف الأصعدة، ضمن الأطر القانونية التي تحميهم من تبعات التعرض للمتابعات القضائية، قصد تحرير المبادرة الاقتصادية.

وقال عاقلي، في تصريح لـ”الخبر”، إنّ الولاة تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في تنفيذ خطة العمل والدفع بالتنمية الاقتصادية إلى المستويات المنشودة، مشيرا إلى كون برنامج الإنعاش الاقتصادي المسطر يأخذ بعين الاعتبار تحقيق التنمية في مختلف مناطق الوطن وعلى مستوى كل الولايات الوطن انطلاقا من القاعدة، وعلى هذا الأساس كان من الضروري تحرير المبادرة في تسيير العمل الاقتصادي بالنسبة للمسؤولين المحليين وحمايتهم من المتابعات السابقة، من خلال منظومة قانونية واضحة تأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر.

ومن هذا المنطلق، أكد المتحدث على أهمية لقاء رئيس الجمهورية مع ولاة الجمهورية وتخصيصه للجانب الاقتصادي، واعتبره سامي عاقلي رسالة مهمة تكشف منح الأولوية للسلطات العمومية من أعلى الأهرم لمجال التنمية الاقتصادية، من خلال قطع الطريق أمام العراقيل التي ما فتئت تقف حجرة عثرة أمام المتعاملين الاقتصاديين والمستثمرين المحليين والأجانب على السواء، مشيرا إلى كونها خطوة نحو تجسيد الإصلاحات الاقتصادية انطلاقا من المسؤولين المحليين والولاة في إطار مساندة النشاط الاقتصادي محليا.

وأشار عقلي إلى التوجهات المتعلقة بالتخفيف من ثقل الإدارة في مواكبة النشاط الاقتصادي والعمل على التصدي للبيروقراطية “الخانقة” للمنظومة الاقتصادية، واعتبرها حتمية في الوقت الراهن وليست خيارا بالنسبة للسلطات العمومية، للمضي قدما في تجسيد الإصلاحات على الصعيد الميداني، مشيرا إلى المبادرات المتعلقة بالشباك الموحد لتفادي انتقال المتعاملين بين عدة إدارات للحصول على رخصة أو وثيقة، الأمر الذي يصطدم بسمة الحركية والسرعة للنشاط الاقتصادي.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى