دراسات شرق أوسطية

سبعون خريفًا على سوريا 1949.. من يستيقظ مبكرًا يحكم البلاد

محمد عبدالرحمن عريف

إنها الدولة السورية، في كنف الانتداب الفرنسي 1925، واستمرّ حتى تأسيس الجمهورية السورية الأولى عام 1930، خلفًا للاتحاد الفيدرالي السوري. شملت حدود الدولة، حدود دولة دمشق ودولة حلب بما فيها مقاطعة الجزيرة، دون حكومتي اللاذقية والسويداء. وأديرت مباشرة من قبل رؤساء وحكومات معينين من قبل المفوض الفرنسي السامي.

توالى عليها حكم ثلاث رؤساء، حملوا لقب “رئيس الدولة” هم صبحي بركات، وأحمد نامي، وتاج الدين الحسني. وما إن أتمّ المفوض الفرنسي رحلته وعاد إلى مركزه في بيروت، حتى أعلن في 5 كانون الأول/ ديسمبر 1924 حل الاتحاد السوري وقيام وحدة سورية بين مقاطعتي دمشق وحلب، اعتبارًا من أول كانون الثاني/ يناير1925.

بالحديث عن الجمهورية السورية المستقلة في 1946، بعد سنوات من الحكم الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أن الحكم الديمقراطي انتهى بانقلاب بدعم من الولايات المتحدة في آزار/ مارس 1949، تلاه انقلابين آخرين في نفس العام. في هذا السياق يأتي كتاب “أيام عشتها 1949 – 1969/ الانقلابات العسكرية وأسرارها في سورية” لمحمد معروف أحد الرجالات العسكرية التي شاركت وخططت لأكثر من انقلاب ليقدم شهادته على مرحلة امتدت من انقلاب الزعيم عام 1949.

هنا يمكن توضيح بعض النقاط وتسجيل بعض الملاحظات المتعلقة بالمعلومات التي يقدمها في هذا الكتاب عن تلك المرحلة الزاخرة بالاضطراب السياسي الذي عاشته سوريا بما فيها مصدر المعلومات وكيفية تقديمها للقارئ، فهو يعتمد على الذاكرة وعلى ما سبق ما دونه في دفاتره معتمدًا في ذلك على ما قرأه أو سمعه دون أن يكون في نيته القيام بعلمية توثيق لتلك الوقائع والأحداث التي شارك فيها أو عاشها عن قرب، إذ تأتي هذه الشهادة نابعة من شعوره بغنى تلك المرحلة التي يسرد تفاصيلها من خلال موقعه فيها كمشارك وعلمه بما كان يجري من انقلابات وتحولات وتحالفات سرعان ما كانت تختفي لتظهر مكانها تحالفات جديدة تقود البلاد إلى انقلاب جديد على رفاق الأمس، ما جعل الأحداث تتداخل وتتميز باستمراريتها، لكنه رغم ذلك يشير إلى أن ما يكتبه ليس مذكرات بل هي ذكريات يقدِّمها بعين الشاهد ويدّونها في إطار سياقها التاريخي.

عن المشهد العسكري يكشف الكاتب أن موقعه كضابط فيما كان يعرف بالشعبة الثانية (المخابرات العسكرية) قد سمح له بالاطلاع على كل ما كان يجري من فتن، وما يدبر من مؤامرات لاسيما الفتنة بين آل الأطرش وآل العسلي من جهة والحركة الشعبية من جهة ثانية في جبل الدروز، ثم يتحدث عن حرب فلسطين التي شارك فيها وكان شاهدا عليها بدءًا من تمسك الملك عبدالله في الأردن بأن يكون قائدًا للجيش العربي، ومرورًا بالمعارك التي كانت تجري على مختلف الجبهات والدور الذي لعبته بريطانيا وأمريكا في إنقاذ العصابات الصهيونية من الهزيمة، إلى جانب ندرة السلاح التي خلقت واقعًا من عدم التوازن في القوى العسكرية على الأرض.

إن أول ما يكشف عنه في تاريخ الانقلابات في سوريا هو العلاقة المضطربة بين الطبقة السياسية والبرلمانية والمؤسسة العسكرية إذ يتهم بعض رموز القيادات الأولى بالتعالي والإساءة إلى القيادة العسكرية ما جعلها تتدخل عبر الانقلابات لإعادة الاعتبار لتلك القيادة كما حدث في انقلاب حسني الزعيم مثلا. ولئن كان فهم تلك المرحلة يستدعي رسم صورة وافية للمشهد السياسي في سوريا فإنه يحاول تسليط الأضواء على واقع الأحزاب الرئيسية قبل الاستقلال وبعده كالكتلة الوطنية وحزب الشعب المنشق عن الكتلة وحزب البعث والحزب السوري القومي في حين يغفل الحديث عن الحزب الشيوعي وحركة الأخوان المسلمين. وربما كان من أسباب هذا التجاهل غياب دورهم عن حركة الانقلابات التي كانت تتم آنذاك.

نعم تبقى السلطة مصدر إغراء لكثير من السياسيين والعسكريين على حد سواء، حيث تعددت طرق الوصول إليها، كما تعددت طرق الاحتفاظ بها، وتجاوز القوانين من أجل الإبقاء عليها في أيادي أشخاص معينين، وقد كانت الانقلابات العسكرية إحدى أقصر الطرق للاستيلاء على السلطة من قبل العسكريين والسياسيين بعد أن يهيئوا الأجواء لذلك، كون الانقلاب يعتمد على عنصر المفاجأة وعلى العمليات السريعة والمحدودة نسبيًا، وعدم توسيع دائرة المواجهة المسلحة، وإبقائها ضمن إطار محدود، وغالبًا يعتمد على دعم خارجي من خلال الاعتراف بشرعيته وجعله أمرًا واقعًا، من خلال تغيير نظام الحكم السائد في البلاد عن طريق إطاحة الجيش بالحاكم، ليتولى القائد العام للجيش الحكم لتحقيق هدف ما، ربما يرتبط بتحقيق العدل والمساواة، وربما مجرد طمع في الحكم.

في الوسط من ذلك وفي القلب كانت سوريا من إحدى تلك الدول التي شهدت انقلابات عسكرية متتالية في تاريخها الحديث هزت استقرارها السياسي، حيث في كل مرة يستولي فيها الجيش على الحكم، وتكون الأسباب في معظم الحالات لأطماع شخصية تتعلق برغبة العسكريين بالاستيلاء على الحكم، غير أن المبررات التي كانوا يقدمونها تتمحور في معظمها حول فساد السلطة، وأوضاع البلاد المتدهورة، لذلك يضطر الجيش إلى تسلم زمام الحكم مؤقتًا في البلاد حرصًا على استقلالها وتهيئة حكم ديمقراطي صحيح، نظرًا لأنهم القوة الوحيدة في الدولة التي تمتلك التنظيم والأسلحة والعتاد، بالإضافة إلى ولائهم المنقطع النظير للمؤسسة العسكرية .  

يبقى هنا أن الانقلاب العسكري في سوريا آزار/ مارس 1949، صُنف على أنه هو أول انقلاب عسكري في البلاد منذ الاستقلال، وفاتحة سلسلة من الانقلابات العسكرية وهيمنة الجيش على الحياة السياسية. تبعه انقلابان عسكريان خلال العام ذاته، وعرف بدعم الولايات المتحدة له. ويعتبر انقلاب “الزعيم” أول انقلاب في الشرق الأوسط وفي الوطن العربي أيضًا، حيث جاء كفاتحة لتدخل الجيوش العربية في سياسة بلادها الداخلية؛ وقد وصفه فارس الخوري بكونه “أعظم كارثة حلّت بالبلاد منذ حكم تركيا الفتاة”..

سبعون خريفًا منذ تلك الكارثة مرت على سوريا.. بدأت بتلك الانقلابات الثلاثة في عام واحد 1949، فتحها انقلاب “حسني الزعيم” في آزار/ مارس، تبعه انقلاب “سامي الحناوي” في آب/ أغسطس، وصولًا لانقلاب “أديب الشيشكلي” في كانون الأول/ ديسمبر، وأضحى حينها أنه من يستيقظ مبكرًا يحكم سوريا.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى