التحضير لشهادة البكالورياقضايا فلسفية

سلسلة كبيرة و حصرية من المقالات الفلسفية لجميع الشعب (2024)

احصل الآن على مجموعة واسعة من المقالات الفلسفية المصممة لدعم تعلمك وتطوير مهاراتك، واستعد لتحقيق نتائج مميزة في مسيرتك التعليمية ان شاء الله.

السؤال : قارن بين المشكلة والإشكالية ؟                                        الدرس : المشكلة والإشكالية-1

طرح المشكلة: الحذر من المظاهر

  إن الإنسان يواجه تجاه وجوده غموضا وجهلا نهائيا أمام الصعبات وعوائق جمة ، ليس الإنسان بمعناه العام ، بل الإنسان بمعناه الخاص لدى الفلاسفة والعلماء والمفكرين الذين يعانون بعقولهم وبكل كيانهم هذا الوجود ، فهناك من الأمور تعتبر مشكلات وهناك أمور تعتبر إشكاليات والسؤال الذي يطرح نفسه: ما علاقة المشكلة بالإشكالية ؟ أو بعبارة أخرى ، ما الفرق الموجود بين المشكلة والإشكالية ؟

محاولة الحـــــل:

  1. بيان أوجه الاتفاق:
  2. كلاهما يبحثان عن الحقيقة .
  3. كلاهما نابعان من القلق والإثارة تجاه ظاهرة ما.
  4. كلاهما يطرح بطريقة استفهامية.
  5. كلاهما ناتجان من الإرادة والحافز تجاه عوائق ما.
  6. كلاهما آليتان غامضتان ومبهمتان.
  7. بيان أوجه الإختلاف:

إن المشكلة عبارة عن تساؤل مؤقت يستدرك جوابا مقنعا ، أما الإشكالية فهي عبارة عن طرح تساؤل دائم يعاني القضايا الصعبة في هذا الوجود والإجابة تكون غير مقنعة.

  • إن المشكلة قضية جزئية في هذا الوجود ، أما الإشكالية فهي قضية كلية عامة.
  • إن المشكلة تمثل غيض الوجود من الإشكالية التي تعتبر فيض الوجود.
  • إن المشكلة هي عبارة عن فرع من أصل الأم وهي الإشكالية.
  • إن المشكلة اضطراب لدى الإنسان من زاوية الدهشة ، أما الإشكالية فهي اضطراب لدى الإنسان من زاوية الإحراج .
  • إن المشكلة مجالها ضيق مغلق ، أما الإشكالية فهي واسعة مفتوح على هذا الوجود.
  • طبيعة العلاقة بينهما:

إن المشكلة هي جزء من الإشكالية التي تعتبر الكل ، وكما مثل بعض المفكرين الإشكالية بأنها عبارة عن مظلة تتسع لكل المشكلات كمشكلة الأخلاق والمنطق والميتافيزيقا والطبيعة ، إذا هنالك تداخل وطيد الصلة بينهما.

    حل المشكلة: “نسبة الترابط”

إن العلاقة بين المشكلة والإشكالية كعلاقة الإنسان بالحياة ، فمهما تعمق الإنسان في فهم هذا الوجود ، فإنه يجد نفسه في لا متناهي من الغموض تجاه الظواهر المطروحة في هذا الوجود.

قارن بين السؤال الفلسفي والسؤال العلمي ؟                                      الدرس : المشكلة والإشكالية-2

  1. طرح المشكلة: “احتمال وجود مواطن تشابه بين طرفين مختلفين”

  إنه ومما لاشك فيه أن معرفة حقيقة هذا الوجود لن يتأتى من دون عقل يفكر ، إنه السؤال الذي يدفع نفسه من الإنسان المريد الراغب في البحث عن حقائق هذا العالم المبهم في كثير من جوانبه ، ومن دون السؤال لن تتولد الحقائق أبدا عن ذلك العالم. وما دام السؤال وجد مع وجود عقل الإنسان. وبما أن مجالات الحياة متعددة فإن الأسئلة ستكون متعددة ، هذا يجعل السؤال يتفرع إلى قسمين رئيسيين هما؛ السؤال الفلسفي والسؤال العلمي ، ولهذا كله نتساءل:

 ما الفرق بين السؤال الفلسفي والسؤال العلمي ؟ أو بعبارة أخرى: ما علاقة السؤال الفلسفي بالسؤال العلمي؟

  • محاولة حل المشكلة:
  • مواطن الاتفاق:
  • كلاهما سبيل للمعرفة.
  • كلاهما يثيران الفضول ويدفعان بالمتعلم إلى البحث.
  • كلا منهما يطرح على شكل الاستفهام.
  • كلاهما لديه موضوع ومنهج وهدف مرجو من عملية البحث.
  • كلاهما يستعملان مهارات مكتسبة.
  • مواطن الإختلاف:
  • إن السؤال العلمي يهتم “بعالم الملموس” (عالم الطبيعة) ، أما السؤال الفلسفي فإنه يهتم “بعالم الماورائيات”(عالم ما وراء الطبيعة).
  • إن دراسة السؤال العلمي تستوجب التخصصات الجزئية أما السؤال الفلسفي فدراسته متعددة المجالات في البحث.
  • إن السؤال العلمي يستعمل الفروض وحسابات رياضية أما السؤال الفلسفي فإنه يستخدم لغة الألفاظ.
  • إن السؤال العلمي يستعمل المنهج التجريبي الاستقرائي الذي يقوم على المشاهدة والتجربة ، أما السؤال الفلسفي فإنه يستعمل المنهج الاستنباطي الذي يتم بالعمل لا بالخرافة ولا الأسطورة.
  • طبيعة العلاقة بينهما:

إن العلاقة بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي هي علاقة تداخل متلاحم ومتماسك ، بحيث أن السؤال الفلسفي يخدم السؤال العلمي وهذا الأخير يخدم الأول.

  • حل المشكلة “الفصل في المشكلة موضوع المقارنة”:

  إن السؤال العلمي والسؤال الفلسفي لهما علاقة وظيفية فعالة وخدمة متبادلة دوما بلا انقطاع ، بل هناك تواصل لا نهائي بينهما.


الطريقة : استقصائية                                                                الدرس : مدخل إلى الفلسفة

السؤال الأول :   ”  الفلسفة  ليست معرفة وإنما هي تفكير حول المعرفة ” .

                                    اشرح هذا القول وناقشه ؟

   ملاحظة :  في موضوع عام هكذا  يجب أن نقرأ  بإمعان نص الموضوع   ونحدد معنى كل كلمة تحديدا دقيقا ’  وبعد ذلك نشرع في وضع تصميم للموضوع  ونحدد معنى كل كلمة  تحديدا  دقيقا  ، وبعد ذلك  نشرع في وضع   تصميم  للموضوع ثم ننتقل  إلى تحليل الموضوع . وإذا لم نحدد معنى  كل كلمة في نص الموضوع  ربما جرنا ذلك إلى الوقوع  في خطأ في فهم الموضوع  وبالتالي فإننا سنخرج  عن الموضوع . والكلمة التي يجب تحديد معناها  في الموضوع هي كلمة ّ<< معرفة >> . ويقصد هنا  بالمعرفة المعرفة اليقينية  وهي المعرفة العلمية . ويمكن أن نستبدل كلمة معرفة  بكلمة علم فيصبح الموضوع  على الشكل الآتي :<<  الفلسفة ليست علما و إنما هي تفكير حول العلم >> ,  فالمقصود هنا  بالتفكير التأمل  . بعد أن حددنا معنى كلمات الموضوع المطروح أصبح الموضوع  واضحا إذ علينا أن نعالج قضية علاقة العلم بالفلسفة .

تحليل الموضوع :

       كانت الفلسفة في القديم  تضم جميع العلوم , وكان على الفيلسوف  أن يلم بجميع علوم عصره , وهكذا رأينا أن

( أفلاطون )  مثلا اهتم بقضايا الميتافيزيقيا  في نفس الوقت الذي اهتم فيه بالرياضيات  والفلك والاجتماع والسياسة  و الأخلاق  … الخ .  وكذلك الأمر بالنسبة لغيره من الفلاسفة وحتى  عهد قريب كان ينظر  إلى الفلسفة على أنها تشمل  جميع العلوم الأخرى فـ ( ديكارت )  مثلا شبه الفلسفة بالشجرة  جذورها الميتافيزيقيا , وجذعها الفيزياء  وغصونها الميكانيكا والطب و الأخلاق  .

 إلا أن عملية انفصال العلوم على الفلسفة تمت بصورة تدريجية إلى أن استقلت هذه العلوم بعد أن تحدد موضوعها ومنهجها .

 ولم تحدث عملية الانفصال في فترة واحدة من تاريخ الفكر البشري ، بحيث أن الفكر كان يشهد  من حين لآخر  انفصال علم من العلوم عن الفلسفة ,  حتى وصلنا إلى الوضعية التي نحن عليها الآن . فابتداء من ( أوقليدوس ) و ( أرخميدس )  اعتبرت الرياضيات منفصلة عن الفلسفة  ، وكذلك الفيزياء عرفت  هذا الاستقلال في القرن السابع عشر على يد ( غاليلي ) و( نيوتن ) ، والكيمياء في القرن الثامن عشر على يد ( لافوا زيه ) ، والبيولوجيا على يد ( لامارك ) و( كلودبرنار ) ، ومنذ منتصف القرن الماضي  بدأت عملية استقلال السوسيولوجيا  أو علم الاجتماع على يد ( أوغست كونت ) و ( سان سيمون ) . وتلتها عملية  استقلال  السيكولوجيا  أو علم النفس .

    وتعتبر السوسيولوجيا والسيكولوجيا  العلمان اللذان  استقلا حديثا عن الفلسفة  بعد أن تحدد موضوعهما  ومنهجهما , وبعد أن أصبح  بالإمكان  إجراء التجربة في هذين العلمين .

    ولكن إذا استقلت جميع العلوم  أي المعارف عن الفلسفة  فهل هذا يعني أنه لم يعد للفلسفة موضوع ؟  إن الفلسفة لم يعد ينظر إليها في العصر الحديث على أنها حصيلة المعارف السائدة في عصر من العصور  ، وإنما أصبحت طريقة في التفكير  وفي تناول الموضوعات . لذلك يمكن للفلسفة أن تستخدم حقائق العلم لتطرح سؤالها حول قيمة هذه الحقائق .  ولو كانت الفلسفة حقائق ثابتة  يمكن أن نتعلمها  لتحولت إلى علم ، لذا قيل بأنه  لا توجد فلسفة يمكن  أن نتعلمها  وكل ما يمكن أن نتعلمه  هو كيف نتفلسف .

  ونحن عندما نتفلسف لا نضيف معرفة جديدة إلى معارفنا ، وإنما نقف من معارفنا  موقفا  نقديا فنتساءل  عن حقيقة ما نعرف  وقيمته وحدوده .  وقديما كان ( سقراط )  يدرك أن الفلسفة  لا تضيف إلى معلوماتنا شيئا جديدا وإنما تزيد عمقا  ما لدينا من معلومات ،  لذا استخدم سقراط  طريقته المشهورة في الجدل  والتي أطلق عليها اسم << التوليد >>  أي توليد الأفكار من الذاكرة   ففي محاورة  << مينون >>لـ ( أفلاطون )  يسأل سقراط ( مينون )   السؤال ويقول : <<   ما هو تعريف الفضيلة >>  ؟  ويستسهل ( مينون)  السؤال ويقول : <<  إن الفضيلة هي أن يستطيع الإنسان أن يأمر أو يوجه الآخرين >> . 

ويعترض ( سقراط )  على هذا الجواب قائلا  بأن الطفل يمكن  أن يكون فاضلا  وكذلك العبد لكنهما لا يأمران الآخرين .

ويجيب ( مينون ) ، ثم يعترض عليه ( سقراط )  … وهكذا إلى أن يصل ( مينون )  بنفسه إلى التعريف الصحيح للفضيلة .

وهكذا فان  (سقراط )   ولد تعريف الفضيلة  من إجابات ( مينون)  . إذن إن مادة التفكير  في حوار ( سقراط ) و ( مينون )

 هي المعرفة التي يتوفر عليها ( مينون ) نفسه . فـ  ( سقراط)  يتفلسف ولكن موضوع فلسفته  في الحوار المذكور هو معرفة

( مينون )  السابقة . وهذا دليل على أن الفلسفة ليست معرفة و إنما هي تفكير حول المعرفة .

  وإذا ما استعرضنا الفلسفات الحديثة رأينا أن هذه الفلسفات قد تخلت عن تقديم << منظومات >> فلسفية متكاملة كما كانت تفعل في الماضي لترضى بأن تكون تفكيرا حول مختلف المعارف الإنسانية. لذا يقول ( برونشفيك )  وهو من الفلاسفة المحدثين  بأن الفلسفة ليست  محاولة للزيادة من << كم >>  المعرفة الإنسانية وإنما هي تفكير <<كيف >> هذه المعرفة , ويقصد ( بر ونشفيك )  من قوله هذا بأن الفلسفة  ليست مطالبة بأن تزيد  من معارفنا كما تفعل العلوم الأخرى  وإنما هي مطالبة بأن تتساءل عن قيمة معارفنا . وهذا التساؤل قد يؤدي  إلى إعادة  النظر في معارفنا  وإلى حذف بعضها . وقد أخذ بهذا الموقف  الفيلسوف الألماني

 ( كانط )  الذي يعتبر موقفه نقطة تحول  في الفلسفة الحديثة . يرى ( كانط ) بأن  علينا قبل كل شيء أن نحدد مدى طاقة تفكيرنا ونتساءل فيما إذا كان بإمكان العقل البشري أن يدرك  جميع الموضوعات وما هي حدود هذا العقل  . وينتهي ( كانط )  إلى أن العقل لا يدرك  إلا ما هو محدد في الزمان  والمكان وذلك بعد قسم الموضوعات إلى قسمين :: << الظواهر >> , وهي ما يخضع للزمان والمكان ، و << النومين >>  أو الأشياء في ذاتها , وهي ما لا يخضع  للزمان والمكان أي  موضوعات الميتافيزيقيا  . ويقول أن العقل البشري  ركب بطريقة لا يدرك  معها إلا ما هو خاضع للزمان  والمكان أي الظواهر ، أما إذا حاول العقل أن يدرك  موضوعات << النومين >>  أو الحقائق المطلقة فإنه سيقع في << المعارضات >>  أي يبرهن برهنة متساوية  في اليقين على قضايا متناقصة  في نفس الوقت .

    وقد يعترض البعض فيقول :  إذا كانت الفلسفة هي مجرد  تفكير حول المعرفة وليست معرفة  حقيقة فهذا يعني أنها ستبقى  دائما نسبية لأنها ستظل دائما مرتبطة  بالمعرفة التي تتغير باستمرار . إن هذا الاعتراض لا يضر الفلسفة في شيء ،  بل يمكن اعتباره دليلا  على حيويتها ، إذ كلما تجددت المعارف  كلما تجددت الفلسفة . والعلم في تقدم ويفتح مجالات جديدة للفلسفة  ولا يقضي عليها  ،  بل على العكس من ذلك  إنه يتيح للفلسفة أن تجدد في طرح قضاياها  ويسمح لها بطرح قضايا جديدة .

لهذا قيل <<  إن الفلسفة تبدأ حيث ينتهي العلم >>  ،  بمعنى  أن العلم يقرر الحقائق الجزئية و تأتي الفلسفة  لتنطلق من هذه الحقائق  وتجعلها موضع تساؤل ، أي أن الفلسفة  لا تضيف حقائق جديدة  أو معارف جديدة كالعلم ، وإنما تفكر في هذه الحقائق  وتحدد مدى قيمتها . وهكذا يبدو واضحا أن الفلسفة ليست علما  أو معرفة وإنما هي تفكير  حول العلم أو حول المعرفة .       

————————————————————————

الطريقة : استقصائية                                                                             الدرس : المنطق1

 السؤال الثاني (1) :  هل تعتقد أن قوانين  المنطق  معايير يجب  أن يلتزم بها كل تفكير  ؟

   إن المنطق هو علم القواعد التي تجنب الإنسان  الخطأ في التفكير  وترشده إلى الصواب  ، فموضوعه أفعال العقل  من حيث الصحة والفساد .  وتشير الدراسات الحديثة أن هناك شعوبا عرفت المنطلق في كثير من تفاصيله كالصينيين والهنود …  قبل أرسطو الذي كان  مهتما به للرد على السوفسطائيين  ،  ولتنظيم الفكر الإنساني ،  ومن هنا كانت قواعد المنطلق عند أرسطو مقدمة  للعلوم أو آلة لها ، فكان يسمى الأورغانون أي الآلة ،  وأصبح يعرف عند الفلاسفة ” بأنه آلة قانونية تعصم مراعاتها  الذهن من الخطأ  في الفكر . ”   فإذا كان المنطق  في نظر أرسطو هو قانون للفكر ومنظم لعملياته وضابط  لصحيحه من فاسده ، وهو وحده الذي يصلح  آلة للفلسفة والعلوم . فهل عد المنطق كذلك عند من جاء بعده ؟

المنطق قانون الفكر الإنساني

     لقد اعتنى  أرسطو بالمنطق  إذ كان هو أول من نضمه  كعلم له موضوع  معين يتميز به  عن سائر العلوم ،  وكان كذلك أول من بوب أبوابه  ووضح أجزاءه ، لذا سمي أرسطو  بالمعلم الأول  ، إلا أنه سماه بالتحليل  لا المنطلق  ، وأول من أطلق اسم المنطق  على هذا العلم شرح أرسطو ، ثم اهتم به فلاسفة الإسلام  ، فكان له تأثير  كبير في العالم  الإسلامي حيث سماه العرب  بعلم المنطق تارة  وبعلم الميزان تارة أخرى  ، وقد اعتبره الفارابي   رئيس العلوم  لنفاذ حكمه فيها  أو بقوله عنه : ”  فصناعة المنطق تعطي  بالجملة القوانين التي  شأنها أن تقوّم العقل  وتسدد الإنسان نحو الطريق  الصواب ونحو الحق .”…

 وقد ذهب الكثير  من المفكرين الأصوليين  إلى أن تعلم المنطق  فرض كفاية على المسلمين  وهذا على درب أبو حامد  الغزالي الذي قال :

    ”  إن من لا يحيط بالمنطق  فلا ثقة بعلومه أصلا ” . ومن علماء العصر  الحديث هانزريشنباخ  الذي يرى أن في جمع قواعد  المنطق على شكل  نظرية وتطبيقها  بوعي في المجال العلمي  هو بحث يعود فيه الفضل إلى أرسطو، إذ يقول : ”  بفضل دراسة أرسطو للصورة المنطقية  اتخذ المنطق الخطوة الأولى التي أدت إلى قيام علم المنطق .”

      فعلا يعتبر المنطق من العلوم  العقلية القديمة  التي استحوذت على اهتمام  الفلاسفة و المناطقة  قديما وحديثا ، إلا أن هذه الحركة  المنطقية لم تحظ  بالترحيب الكلي من طرف الجميع ، فقد وقف البعض منها  موقف العداء الشديد  خاصة من بعض فلاسفة  وفقهاء الإسلام .

 المنطق قانون الفكر اليوناني وحده .

      إذا كان أرسطو و المشاؤون   القدماء يرون أن العلم  بحقائق الأشياء إنما  يحصل بأداة هي المنطق ، فان أهمية المنطق

 و ضروريته   بدأت  تطرح مع فلاسفة الإسلام  فمثلما أثرت مباحث المنطق  على المسلمين ووصلت في  أبحاثهم اللغوية والأصولية  إلى درجة أن بعض علماء الكلام  وعلماء أصول الدين  أخذوا يخرجون حججهم  في صورة القياس المنطقي ، فان أثر هذه  الحركة في العالم الإسلامي لم يدم . وكان من طائفة الفقهاء  من لم يوافق  على هذه الحركة المنطقية   ووقف منها موقف العداء الشديد ، فهوجم الغزالي  هجوما شديدا من علماء الإسلام  ومنهم ابن الصلاح الذي كتب  يقول : ”  فأبو بكر وعمر  وفلان وفلان وصلوا  إلى الغاية من اليقين  ولم يكن أحد منهم  يعرف المنطق “.  وكان يقول أيضا : ”  المنطق مدخل الفلسفة  ومدخل الشر . ”  وقد كان أثر بن الصلاح  عميقا في علماء المسلمين  بعده ، بحيث أصبح  شائعا القول : ”  من تمنطق تزندق ”  ولكن ما لبث نقد المنطق  أن توجه وجهة  أخرى على يد مفكري السلف  المتأخر تقي الدين ابن تيمية  فلم يعد نقد  المنطق في صورة فتاوى  بل بدأ يتخذ شكل النقد  المنهجي بمعنى أن ابن تيمية  لم يكتف بالقول أن المنطق  يخالف صحيح المنقول  بل اعتبره مخالفا للصحيح  المعقول ، فيقول  فيما جاء به المناطقة : ”  كل هذه الدعاوى كذب  في النفي والإثبات  ، فلا ما نفوه من طرق  غيرهم كلها باطلة  ، ولا ما أثبتوه  من طرقهم كلها حق  على الوجه الذي أدعو فيه “.  وهكذا كان من يصبو  إلى تعلم المنطق  يتهم بالتبدع أو فساد العقيدة . ولم يحدث هذا في المشرق  وحسب بل وفي المغرب أيضا . 

   حقيقة لا يمكن اتخاذ  المنطق أداة وحيدة  وفريدة لمعرفة الواقع  وحقيقة الموجودات  مثلما كان شائعا في عصر  أرسطو والمشائين  بعده إلا أنه لا  يمكن تجاهل قيمة المنطق  فمعرفة المنطق  إيجابية في بلوغ الحق .

     إن الشريعة الإسلامية بعلومها قد تمت ، وقد خاض علماؤها في  بحر حقائقها بكلياتها  وتفصيلها دون أن يكون لهم  منطق ولا مناطقة  ، ودون أن يتعرفوا  على منطق أرسطو  ولكن إذا كان الجهل بالمنطق  لا يعطل مسائل الفكر  فان الاطلاع على المنطق  يجعل صاحبه ذا قدرة  على البرهنة  والاستدلال بشكل أفضل ، ولعل هذا ما جعل  أرسطو يعتبر المنطق قانون  الفكر الإنساني وهو أيضا  ما دفع ببعض فلاسفة الإسلام  إلى تعلم المنطق ولو خفية  زمن عداء الفقهاء له ،  واعتباره أداة بها يحصل العلم بحقائق الأمور ، وعليه فان حاجة الإنسان  إلى المنطق تبقي قائمة  خاصة في المسائل  التي لا تدرك إلا بالفكر  وتأمل واستدلال على حد  تعبير الفارابي : ” ففي هذه دون تلك  يضطر الإنسان إلى قوانين المنطق ” .

   إن العقل الإنساني  يملك القدرة على الانتقال   من المعلوم إلى المجهول  والناس من محادثاتهم اليومية  وفي مناقشاتهم يسيرون على مقتضى  المنطق ،  غير أن العقل الإنساني  لا يكتمل بدون هذا الترتيب  الذي يعمل على فحص وتنظيم  وتصحيح الفكر  ألا وهو المنطق ، فهو الأسلوب الذي يساعدنا  على تصحيح تفكيرنا  وهو أداة التفكير الصحيح  ، التي تم اختصارها  وتحويلها إلى قوانين  يمكن تدريسها  لكل عقل عادي  فتقدم له الضبط اللاشعوري للتفكير . ولذا ينبغي  لكل تفكير الالتزام  بقوانين المنطق .

السؤال :  أثبت بالبرهان الأطروحة القائلة : بأن المنطق الصوري هو الضامن الوحيد لسلامة وصحة التفكير.                        

                       ـ   الدرس : المنطق      ـ استقصاء بالوضع

طرح المشكلة:

التقديم لها : المنطق علم معياري يبحث في صحيح الفكر وفاسده وهو اتفاق الفكر مع نفسه ومع الواقع وله أهمية كبرى تتمثل في البحث عن القوانين التي يتم بها هذا الاتفاق المزدوج ولكن المنطق الأرسطي لقي معارضة شديدة من طرف الخصوم الذين رفضوه لعقمه وعدم جدية نتائجه والسؤال المطروح : إذا كانت الأطروحة التي أمامنا تقر بفائدة المنطق الأرسطية وإيجابيته فكيف يا ترى نقوم بتبرير هذه القضية؟  أي ما فائدة المنطق الصوري بالنسبة للفكر البشري؟
محاولة حل المشكلة:

عرض منطق الأطروحة : اعتقد الكثير من الفلاسفة والمفكرين من أنصار المنطق الصوري (الغزالي, الفارابي,إبن الساوي, إبن رشد , برتراند راسل) أن المنطق ضروري لكل فكر فهو أداة للبرهنة وليس للبحث يحمل قوانين تميز العلم اليقيني عن غيره ،  يحافظ على وحدة الحقيقة . يقول عنه الفارابي : ( هو صناعة تعطينا بالجملة القوانين التي من شأنها أن تقوّم العقل وتسدد الفكر نحو طريق الصواب) .
الدفاع عنها:

 كل إنسان يستخدم المنطق في حياته اليومية دون شعور منه وبواسطة المنطق يتميز الصواب من الخطأ ، كما يكشف عن مبادئ التفكير ويثبت عدم تناقض الفكر مع نفسه ومع الواقع ويعصم الذهن من الزلل .  يقول الغزالي ( من لا يعرف المنطق لا يوثق بعلمه  فهو آلة للعلم .
عرض موقف الخصوم وإبطاله :

 لكن في المقابل من الفلاسفة والمفكرين من ذهب إلى القول بأن المنطق الصوري الأرسطي لا فائدة ولا قيمة ترجى من دراسته لأنه مجرد آلة عقيمة يقيّد الفكر بقواعده الكثيرة المملة .  يقول عنه ابن تيمية : (إنه منطق متعلق بتربة اليونان) وأكدوا له مجموعة من السلبيات منها أنه (منطق شكلي ، أنه منطق ميتافيزيقي ، أنه منطق سكوني… ) ، ولكن رغم سلبيات المنطق إلا أن له فائدة كبيرة في إبعاد الفكر من الخطأ وتعليمه مبدأ الاستنتاج واستعمال الحدود بكيفية سليمة فلا يمكن أن ننكر هذا المجهود الفكري الإنساني..
حل المشكلة:

 الخروج منها : إن المنطق علم معياري يستخدم قياس قوانين الفكر والمنطق ،  له طابع نظري وله أهمية كبرى تجعل علم صاحبه محل ثقة عند الجميع وهو ما تنطبق عليه مقولة الإمام الغزالي من لا يعرف المنطق لا يوثق بعلمه وعليه فالأطروحة التي أمامنا قابلة للدفاع والتبني وهي سليمة وصحيحة .

السؤال : إن مراعاة قواعد المنطق الصوري تعصم الفكر من الخطأ .  كيف تبرر ذلك ؟        الدرس : المنطق2

        استقصاء بالرفع :

  1. طرح المشكلة:المطلوب إبطال رأي يبدو سليما

  إن المنطق هو علم القواعد التي تجنب الإنسان الخطأ في الأفكار وترشده إلى الصواب والمنطق معروف قبل اليونان ،

ولكن هناك انتقادات واعتراضات من قبل فلاسفة غربيين وفلاسفة إسلاميين وجهت للمنطق الأرسطي إلى درجة الهدم والتقويض . ولهذا يمكننا طرح هذه التساؤلات :

 إلى أي حد يمكن لقواعد المنطق أن تقوم العقل البشري؟ أو بعبارة أخرى: إلى أي مدى يمكن للمنطق الصوري أن يصحح الفكر ويصوبه؟

  • محاولة حل المشكلة :

  أ)  عرض منطق الأطروحة:

إن هناك فلاسفة ومفكرين وعلماء أفذاذ حاولوا إعطاء نظرة حول مشروعية ونوعية المنطق الصوري أمثال واضع المنطق أرسطو الذي يعرفه : “بأنه آلة العلم وصورته” أو هي “الآلة التي تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ” وأيضا نجد الإسلام

“أبو حامد الغزالي” الذي يقول: “إن من لا يحيط بالمنطق فلا ثقة بعلومه أصلا” وهناك أيضا “الفرابي” الذي أقر بضرورة المنطق وأهميته في إبعاد الإنسان من الغلط والزلل شريطة التقيد بقواعده ولقد سماه الفرابيعلم الميزان

  ب) إبطال الأطروحة:

لكن برغم ما قدمه الفلاسفة تجاه المنطق إلا أن هناك من عارضه بشدة سواء من قبل فلاسفة غربيين أو إسلاميين. فهناك ديكارت و كانط و غوبلو و يوزنكيث الذين أكدوا على أن المنطق الأرسطي فارغ من محتواه ، أي تحصيل حاصل جديد لا يعطي الجديد ، بحيث المقدمات متضمنة في التاريخ ، وهناك جمهرة من الفقهاء والعلماء ممن عارض المنطق الأرسطي ، فهناك “إبن صلاح الشهر وردي” يقول: “فأبى بكر وعمر و فلان وفلان وصلوا إلى غاية من اليقين ولم يكن أحد منهم يعرف المنطق” وفي قوله أيضا: “إن المنطق مدخل الفلسفة ومدخل الشر” وقوله أيضا: “من تمنطق فقد تزندق” وهناك شيخ الإسلام “إبن تيمية” الذي عارض المنطق الأرسطي بأنه عقيم دون جدوى فهو منطق خاص بالتربة اليونانية ، فالقواعد الخاصة بالفكر الإنساني كامنة في هوى الإنساني دون أن يؤسس لهذه القواعد لأنها موجودة ، ولقد أعطى “إبن تيمية” منطقا جديدا وهو المنطق الإسلامي البديل للمنطق الأرسطي.

  جـ) نقد أنصار الأطروحة:

حقيقة إن المنطق بإمكانه أن يقوم الفكر ويوجهه توجيها صحيحا لا خطأ في ذلك ، ولكن مع ذلك فمنطق أرسطو منطق تكراري عديم الجدوى لم يعط الجديد ، بل هو فارغ من محتواه نتيجة عدم مواكبته لروح العصر.

حل المشكلة: “التأكيد على مشروعية الإبطال

  حقيقة إن المنطق الصوري الأرسطي لم يعط الجديد وحتى وإن جعل الفكر صائبا دوما إلا أن هناك بدائل للمنطق تتجلى في المنطق الرمزي والمنطق الإسلامي. 

————————————————————————–

الطريقة : استقصائية                                                                             الدرس : المنطق3

السؤال) : إذا كان الحديد معدنا  فهو ينقل الكهرباء ،  لكن الحديد معدن ،  إذن ناقل للكهرباء

                              برهن على صحة القياس .

    إن قواعد المنطق التي وضعها أرسطو تعتبر مقدمة للعلوم وآلة لها ، لذلك سمي المنطق بالأورغانون أي الآلة ، وهو علم القواعد التي تجنب الإنسان الخطأ في التفكير و ترشده إلى الصواب ، و هو ثلاثة  : مباحث المقولات و القضايا و الاستدلال وهذا الأخير هو الجزء الرئيسي من منطق أر سطو،  وهدفه في المنطقة هو إثبات صدق القضايا أو نفيها سواء تعلق الأمر بالقياس أو البرهان .

    و القياس المنطقي نوعان : القياس الحملي و القياس الشرطي ، ولكل منهما قواعد وبدونهما يقع العقل في الزلل و الغلط ويصل إلى نتائج خاطئة و القياس الذي نحن بصدد دراسته هو قياس شرطي فما مدى صحته ؟ أو بمعنى آخر ما مدى مطابقة هذا القياس لقوانين الفكر ؟

    طبيعة القياس : القياس الشرطي أما متصل أو منفصل ، والقياس الوارد في نص السؤال هو عبارة عن قياس شرطي متصل و هو الذي تكون مقدمته الكبرى قضية شرطية متصلة ومقدمته الصغرى تثبت المقدم أو تنفي التالي و هو الذي يكون على صورة ” إذا…فإن… ” ويفيد اللزوم بين طرفيه المقدم و التالي بمعنى أن العلاقة بين طرفي القضية الشرطية هي علاقة لزوم.

 وهذا يعني في هذا المثال أن عملية نقل الكهرباء لا تحدث إلا إذا تحققت الحادثة الأولى و هي كون الحديد معدن ، و هذا لأن نقل الكهرباء مشروط بثبوت صفة المعدن على الحديد و هو الشرط .

وجود القياس: إن القياس الشرطي يقوم على قواعد خاصة به، وأن الفكر ما دام ملتزم بقواعد الاستدلال الصحيح فانه يصل إلى نتائج برهانيه يقينية لا ريب فيها، من قواعد القياس الشرطي المتصل أن المقدمة الصغرى تثبت المقدم أو تنفي التالي، فإذا أثبتت المقدمة الصغرى المقدم، فان النتيجة تتبعها فتثبت التالي، وفي هذا القياس المقدمة الصغرى أثبتت المقدم إذن النتيجة أثبت التالي فكان على ضرب الوضع ( الإثبات ) بالوضع ( الإثبات ) وهذا طبقا للقاعدة، وضع الشرط يلزم عنه وضع المشروط و العكس غير صحيح.

    قيمة القياس : يعرف المنطق الأرسطي بكونه منطقا صوريا لا يهتم إلا بانسجام الفكر مع نفسه دون مراعاة

لتطبيقاته في الخارج، و هذا أهم نقد وجه لمنطقة أرسطو، فهو لا إلا في بيان ارتباط قضية بأخرى و لا يفيد في اكتشاف حقائق جديد لأن نتيجة متضمنة في مقدماته، و لذلك فان فائدة المنطق عموما والقياس على وجه الخصوص في القدر على الانتقال من التجربة فان فائدة القياس تكمن في توجيه العقل و إرغامه على وضع الفروض العلمية ثم دفعه إلى التحقيق من صحتها.

     حقيقة القياس : إن القياس الذي قمنا بدراسته صحيح من الناحية المنطقية لأنه جاء موفقا لقواعد القياس الشرطي. باعتبار أن الحديد متى كان ينتمي إلى فئة المعادن فانه ينقل الكهرباء وبما أن المقدمة الصغرى وضعت المقدم ولم أو ترفع التالي و بما أن العلاقة بين الصغرى و النتيجة علاقة لزوم فان الوضع بالوضع يجعل من هذا القياس قياسا صحيحا من الناحية المنطقية بالإضافة إلى مطابقته للتجربة .

————————————————————————

السؤال المشكل :                                                                            الدرس : المنطق4
إذا افترضنا أن الأطروحة القائلة : (بمعرفتنا بقواعد المنطق نكون في مأمن من الأخطاء)  أطروحة صحيحة وتقرر لديك تفنيدها وإبطالها فما عساك أن تفعل؟
المقدمة :

 لما كان المنطق آلة وأرغانون العلم فانه يصل بالإنسان إلى تحصيل المعارف الصحيحة بالالتزام بقواعده وهذا ما دفع بالبعض إلى الإقرار بان معرفتنا بهذه القواعد تقينا من الوقوع في الخطأ ، فكيف نفند هذا القول ونبطله ؟
التوسيع :
1  – عرض منطق الأطروحة :

يؤكد أرسطو بان قواعد المنطق الصوري عند الالتزام بها تجنبنا الوقوع في الخطأ
قواعد التعريف قواعد الاستدلال المباشر وغير المباشر  < القياس >

2 – إبطال الأطروحة :

قد نعرف هذه القواعد لكننا قد نخطئ لتأثر الحكم المنطقي ب : الحتمية النفسية و الحتمية الاجتماعية
تأثير حتمية الفكر الفلسفي على الحكم المنطقي
3 – نقد أنصار الأطروحة :
الانتقادات الموجهة للمنطق الأرسطي: نقد ابن تيمية نقد فرنسيس بيكون نقد كارل ماركس…..الخ

الاستنتاج :
التأكيد على مشروعية الأبطال ، إذن معرفتنا بقواعد المنطق لا تقينا الوقوع في الخطأ فلا بد لنا من أن نتسلح بأدوات و وسائل أخرى تجنبنا ذلك ، كالاستقراء العلمي مثلا.

مقال فلسفي:  حول مصدر المعرفة .                                                    الدرس : المذاهب الفلسفية1
بناء المقال- المقدمة:
يحتاج الإنسان ليتفاعل مع العالم الخارجي إلى إدراكه وفهمه أي معرفته وهذه المعرفة تحتاج أدوات أو ما نسميه بمصدر المعرفة وفي تحديد المصدر اختلفت الآراء والمجادلة بين المذاهب المختلفة فهناك من اعتبر التجربة الحسية أساسا تنبع منه المعرفة، فهل يمكن الوثوق بها واعتبارها مصدرا وحيدا؟
محاولة حل الإشكال:
عرض المواقف المتجادلة في مصدر المعرفة.
القضية:
التجربة الحسية هي أساس كل معرفة فلا وجود لمعارف عقلية بالفطرة ، هذا ما ذهب إليه التجريبيون أمثال “جون لوك، مل ، بيكون، دافيد هيوم”
المبرر: يولد العقل صفحة بيضاء لا ترد معارف الطفل إلى بعد احتكاكه بالعالم الخارجي.
النقيض: ولكن الحواس معرضة للخطأ فهي أحيانا مصدر لمعارف خاطئة.

نقيض القضية:
العقل وحده أساس لكل معرفة هذا ما ذهب إليه أغلبية أصحاب المذهب العقلي “ديكارت، مال برونش، سبينوزا”
الحجة: العقل يملك معارف قبلية مثل مبدأ البديهيات كما هو الشيء في البديهيات الرياضية.
النقيض: ولكن من أين للعقل هذه المعارف إدا لم تكن التجربة مصدرها.

التركيب:
تعتمد المعرفة في تحصيلها على كل من التجربة والعقل فهي تركيبية وهذا ما يمثله الموقف النقدي “إمانويل كانت”.

الخاتمة:
ما يهم الإنسان في علاقاته بالعالم الخارجي هو فهمه وإدراكه سواء كان هذا الفهم بالحواس أو بالتجربة أو بينهما معا، المهم أن تكون قائمة على أسس منطقية سواء توافقت مع الواقع أو مع مبادئ العقل.


إلى أي حد يمكن اعتبار الحقيقة مطلقة في الفلسفة ؟                       الدرس : الحقيقة الفلسفية والحقيقة العلمية

طرح المشكلة: “احتمال وجود رأيين جدليين متناقضين”

 إن موضوع الحقيقة اتخذ وجها ت نظر متعددة من طرف الفلاسفة ، والمفكرين ، والعلماء . فهنالك من يرى أن الحقيقة مطلقة دون إدخال الذات ، وهنالك من يرى أن الحقيقة نسبية متغيرة حسب معرفة الذوات لها ، دون وجود طابع موضوعي أو خارجي ، ففي ظل هذا التعدد والتباين في فهم الحقيقة وإدراكها على حقيقتها ، يمكننا طرح تساؤلات عدة حول مشكلة الحقيقة في الفلسفة:

إلى أي مدى يمكن اعتبار الحقيقة مطلقة دون وجود ما يسمى بالنسبية في الفلسفة ؟

محاولة حل المشكلة:

  1. الأطروحة:

 إن مقياس الوضوح والبداهة والصدق واليقين هو أساس الحقيقة المطلقة للفلسفة ، ومن هؤلاء الفلاسفة والمفكرين نجد أمثال الفيلسوف الفرنسي “رينيه ديكارت” الذي يعتبر قطب رئيسي للفلسفة الحديثة ، ولقد فجر العصر الحديث بمقولته المشهورة:

 >>  أنا أفكر إذن أنا موجود << هذا الكوجيتو الذي يحمل حقيقة مطلقة في البديهيات الرياضية التي تعتبر ضرورية وواضحة بذاتها كقولنا مثلا في البديهيات ، أن الواحد أكبر من الجزء أو أن اثنان ضعف الواحد وأن 1+1=2 ، وفكرة البداهة والوضوح لدى ديكارت لم تظهر لهذا الوجود إلا إذا تبين أن ذلك الشيء البديهي حق وعدم التقيد بالأفكار السابقة ، وفكرة الوضوح لن تتأتى إلا بالشك المنهجي المنظم الذي يحقق نتائج صحيحة وواضحة دون شك هدام بمعنى دون الشك من أجل الشك ، بل الشك الذي هو في حد ذاته تفكير ، وفي هذا المقام يتحصل ديكارت على الحقيقة المطلقة عن طريق ما يسمى البداهة والوضوح وذلك وفق وضوح التفكير ، وهنالك إلى جانب هذا الرأي وهو رأي الفيلسوف الهولندي: “باروخ إسبنوزا” الذي يرى بأنه ليس هناك معيار للحقيقة خارج عن الحقيقة ، بل مجمل الحقيقة كلها تتجلى في فكرة الصدق حيث أن النور يكشف عن نفسه وعن الجهل ، وكذا العدل يكشف عن نفسه ومعيار الكذب ، وكذا الخير يكشف عن نفسه وعن الشر ، هذا ما نفهمه من خلال الفيلسوف اليوناني سقراط حينما أراد تجسيد العدالة في المجتمع ، حينما حارب السفسطائيين في قضية مطلقة الأخلاق حيث اعتقدوا أنها ذاتية وخاصة ، وخاصة فكرة العدالة والتي من أجلها مات عن طريق الإعدام. في هذا المقام تكمن الحقيقة المطلقة دون منازع.

  • نقيض الأطروحة:

  حقيقة إن الحقيقة المطلقة تتجلى في الوضوح ، والبداهة ، والصدق ، واليقين ، والثبات وما هو دائم سرمدي ، ولكن هناك من عارض معارضة شديدة هذا الطرح للحقيقة ، وأعطى بديلا فلسفيا يتجلى في الحقيقة النسبية. وفي هذا الموقف النقيض هناك فلاسفة أمثال “بيرس شارل” الذي يرى أن الحقيقة نسبية وذلك من خلال فكرة النفع أي المصلحة من خلال أي فعل أو سلوك من أي إنسان وجب أن يترجمه العمل والتطبيق وفي هذا الصدد يقول “بيرس“: “إن تصورنا لموضوع ما هو تصورنا لما قد ينتج من هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر” ، ومعنى هذا القول أن المعارف الصحيحة إنما تقاس بالنتائج التي تترتب على طبيعتها في الواقع وإن حققت لنا نتائج إيجابية ملموسة كانت صحيحة ، وإذا لم تحقق ذلك كانت خاطئة ، وهناك أيضا “وليام جيمس” الذي يقول: “إن كل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي” وأيضا يقول: ‘الحق ليس التفكير الملائم لغاية” ، ومعنى هذا القول عند جيمس هو أن الحق عندما يكون حقا إلا إذا كانت مصلحة ما دون وجود غايات ، لأن لو كانت هناك غاية لأصبحت الحقيقة مطلقة ، وهذا غير موجود في البرغماتية ويضيف “جيمس” مبينا بأن العدد (27) بإمكان احتمال وجود هذا العدد بهذه الصورة باحتمالات عدة ، فبإمكان أن يكون مكعب العدد (3) ، أو حاصل ضرب (9×3) ، أو حاصل جمع (26+1) ، أو باقي طرح (73) من (100) أو بطرق لا نهاية لها ، وهذا بإمكاننا القول بأنها احتمالات صادقة وذلك حسب ما نضيفه نحن إلى العالم لأنه من صنعنا نحن ، أي من ذواتنا دون وجود حقيقة مطلقة ، بل هناك حقيقة نسبية وكما نجد “جون ديوي” الذي يرى أن التفكير يعتبر أداة أو وسيلة نلجأ إليها كلما صادفتنا مشكلة تعترض سبيلنا ، وذلك عن طريق حل هذه المشكلة عن طريق إبتكار الوسائل الضرورية وتجاوز المواقف المعقدة ، وهنا بالضبط الحقيقة النسبية ، لأنه لا تحصل دفعة واحدة ، بل تنمو وتتطور وتتراكم بالعمل والتجارب.

  • التركيب:

إن الحقيقة ليست واحدة بل هناك حقائق تتجلى في الحقيقة المطلقة حسب ما هي موجودة في فكرة الوضوح والبداهة عند العقلانيين ، والحقيقة النسبية التي تؤسسها المنفعة و المصلحة عند البرغماتيين ، ولكن كلا من الوضوح والنفع يحكمها معيار نسبي أي أنه متغير غير ثابت ، لأن معيار الحقيقة في منطق الوضوح والنفع كلاهما نسبي غير مطلق.

حل المشكلة: “الفصل في المشكلة المتجادل فيه”

إن معيار الحقيقة في الفلسفة من جهة الوضوح والنفع ليس بالإطلاق ، بل بنوع من النسبية والتغير ، لأن الحقيقة المطلقة تتواجد في الحقائق الرياضية والعلمية والفيزيائية نتيجة معيارها التجريبي ، غير شأن الحقيقة في الفلسفة.

—————————————————————————-

الطريقة :جدلية                                                                  الدرس : الرياضيات والمطلقية1

الإشكال:هل ترى أن المفاهيم الرياضية في تطورها نابعة من التجربة أم من العقل ؟

لقد انقسم المفكرون في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية إلى نزعتين ،نزعة عقلية أو مثالية يرى أصحابها أن المفاهيم الرياضية من ابتكار العقل دون التجربة ،ونزعة تجريبية أو حسية يذهب أنصارها إلى أن المفاهيم الرياضية مهما بلغت من التجريد العقلي فإنها ليست من العقل في شي وليست فطرية ؛بل يكتسبها الإنسان عن طريق تجاربه الحسية فما حقيقة الأمر ؟فهل المفاهيم الرياضية في نموها انبثقت من التجربة أم من العقل ؟

     يرى أصحاب الاتجاه المثالي أو العقلي أن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا فهي توجد في العقل قبل الحس أي أن العقل لم يفتقر في البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيمه وإبداعها وقد كان على رأس هذه النزعة أفلاطون الذي يرى أن المعطيات الأولية الرياضية توجد في عالم المثل فالخطوط والأشكال والأعداد توجد في العقل وتكون واحدة بالذات ثابتة وأزلية يقول أفلاطون(إن العلم قائم في النفس بالفطرة والتعلم مجرد تذكر له ولا يمكن القول أنه اكتساب من الواقع المحسوس)؛فهو يرى أن المفاهيم الرياضية لا ندركها إلا بالذهن وحده ،فالتعريفات الرياضية مجالها ذهني ولا تتحقق إلا بواسطة العقل دون حاجة إلى المحسوسات فالتعريفات للحقائق الرياضية واحد لا يتغير واضح متميز وعلى شاكلة هذا الطرح ذهب ديكارت إلى أن الأعداد والأشكال الرياضية أفكار لا يجوز فيها الخطأ وفي هذا يقول (إنها ما ألقاه الله في الإنسان من مفاهيم)أي بمعنى المفاهيم الرياضية ويؤكد مالبرانش من جهته ذلك حيث يقول(إن العقل لا يفهم شيئا ما إلا برؤيته في فكره اللانهائي التي لديه وأنه لخطأ خالص أن تظن ما ذهب إليه فلاسفة كثيرون من أن فكره اللانهائي قد تكونت من مجموعة الأفكار التي تكونها عن الأشياء الجزئية بل العكس هو الصحيح ،فالأفكار الجزئية تكتشف وجودها من فكره اللانهائي كما أن المخلوقات كلها تكتسب وجودها من الكائن الإلهي الذي لا يمكن أن يتفرع وجوده عن وجودها )إننا فيم يقول لم نخلق فكرة الله ولا فكرة الامتداد بكل ما يتفرع عنها من حقائق رياضية وفيزيائية فقد جاءت إلى عقولنا من الله و يمكن أن نضم كانط إلى هذه النزعة رغم أنه كان يقصد التركيب بين التفكير العقلي والتفكير الحسي فهو يرى أن الزمان والمكان مفهومان عقليان قبليان سابقان لكل معرفة تجريبية ويؤطرانها وهم يرون أن هذه الحقائق تدعم نظرتهم وهي كالتالي :إن الملاحظة لا تكشف لنا على الأعداد بل على المعدودات كذلك أن المكان الهندسي الذي نتصوره على شكل معين يشبه المكان الحسي الذي نلاحظ بالإضافة إلى أن الخط المستقيم التام الاستقامة لا وجود له كذلك بعض القوانين كالعلاقات بين الأشكال كما أن الكثير من المعاني الرياضية مثل 0.7 لا ترجع إلى الواقع المحسوس .

     إن القول بهذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أنه مهما تبدو المعاني الرياضية مجردة فإنه لا يمكن القول بأنها مستقلة عن الواقع الحسي و إلا فكيف نفسر الاتجاه التطبيقي للهندسة لدى الشعوب القديمة خاصة عند الحضارات الشرقية في استخدامها الطرق الرياضية في الزراعة والحساب وهذا ما يدل على ارتباط الرياضيات أو التفكير الرياضي بالواقع .

     وعلى عكس الرأي السابق نجد أصحاب المذهب الحسي أو التجريبي مثال جون لوك *دافيد هيوم* جون ستورات مل يرون أن المفاهيم الرياضية في رأيهم مأخوذة-مثل جميع معارفنا- من صميم التجربة الحسية ومن الملاحظة العينية ،فمن يولد فاقدا لحاسة فيما يقول هيوم لا يمكن بالتالي أن يعرف ما كان يترتب على انطباعات تلك الحاسة المفقودة من أفكار فالمكفوف لا يعرف ما اللون والأصم لا يعرف ما الصوت ،إن الانطباعات المباشرة التي تأتينا من العالم الخارجي هي بمثابة توافد للأفكار ومعطيات للعقل ،ونجد جون ستوارت ميل يرى (أن المعاني الرياضية فيما يقول والخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد في ذهنه هي مجرد نسخ من النقط والخطوط والدوائر التي عرفها في التجربة ) ،وهناك من الأدلة والشواهد من الواقع النفسي ومن التاريخ ما يؤيد هذا الموقف ،فعلم النفس يبين لنا أن الأعداد التي يدركها الطفل في بادئ الأمر كصفة للأشياء ولكنه لا يقوى في سنواته الأولى على تجريدها من معدوداتها ثم أنه لا يتصور إلا بعض الأعداد البسيطة فإذا ما زاد على ذلك قال عنه (كثير ) فمثلا لو أعطينا طفل ثلاث حبات زيتون وأعطينا بالمقابل أخاه الأكبر خمس حبات فنلاحظ أن الطفل الصغير يشعر بضيق كبير لأنه يرى أن حصته أقل من حصة أخيه لكن حكمه لا يستند إلى أن حصة أخيه الأكبر تفوقه بـ (2) لأن هذه العملية تتطلب منه النظر إلى كمية الزيتون باعتبارها وحدات مجردة من منافعها ثم طرح مجموع الوحدات التي لديه من مجموع الوحدات التي كانت من نصيب أخيه وهذه العملية ليس بوسع الطفل القيام بها في مرحلته الأولى ،كذلك أن الرجل البدائي لا يفصل هو الآخر العدد عن المعدود فقد كان يستخدم لكل شيء كلمة خاصة به فمثلا العدد(2) يعبر عن جناحي الطير والعدد (4) يعبر عن قدمي الطير وقد كان لليد تأثير كبير في الحساب حتى قال أسبيناس أنها أداة الحساب ،إذن فالمفاهيم الرياضية بالنسبة لعقلية البدائي والطفل لا تفارق مجال الإدراك الحسي وكأنها صفة ملامسة للشيء المدرك كالطول والصلابة .أما من التاريخ فتاريخ العلوم يدلنا على أن الرياضيات قبل أن تصبح علما عقليا قطعت مرحلة كلها تجريبية ودليل ذلك أن العلوم الرياضية المادية هي التي تطورت قبل غيرها فالهندسة كفن قائم بذاته سبقت الحساب والجبر لأنها أقرب للتجربة ويظهر أيضا أن المفاهيم الرياضية الأكثر تجريدا أخذت نشأتها بمناسبة مشاكل محسوسة مثل تكعيب البراميل وألعاب الصدفة التي عملت على ظهور حساب الاحتمالات .

     إنه لمن الواضح أن العلم لا يجد أية صعوبة في تطبيق هذه المعاني ولكن هذا لا يعني أن ننكر دور العقل في تحصيل هذه المعاني ولهذا ظهر الاتجاه التوفيقي بين الطرفين .

     إن الخطأ الذي وقع فيه المثاليون والتجريبيون هو أنهم فصلوا العقل عن التجربة والحق أنه لا وجود لعالم مثالي أو عقلي ولأعداد وأشكال هندسية تتمتع بوجود لذاتها مثل الأفكار الأفلاطونية والقوالب الكانطية القبلية ونجد جون بياجي الذي يرى أن للعقل دورا إيجابيا ذلك أن عملية التجريد واكتساب المعاني عمل عقلي ويرى في المقابل أن العقل لا يحمل أي معاني فطرية قبلية بل كل ما فيه قدرة على معرفة الأشياء وتنظيمها ويرى كذلك جون سارتون أن العقل لم يدرك المفاهيم الرياضية إلا من جهة ارتباطها بلواحقها المادية ولكنه انتزعها بالتجربة من لواحقها حتى أصبحت مفاهيم عقلية بحتة ،وأيضا نجد بوانكاري يقول (لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة فالطبيعة في نظره بدون عقل مسلط عليها لا معنى لها يقول أحد العلماء الرياضيين (إن دراسة معمقة للطبيعة تعد أكثر المنابع إثمارا للاكتشافات الرياضية)

     لا شك أن التجربة كانت في البداية منطلق التفكير الرياضي ومنه له ولكن منذ ذلك العهد أصبح من الصبياني طرح مشكلة أسبقية العقل أو التجربة في نشوء هذا التفكير لأن هذا التفكير الرياضي تطور بصفة مستقلة نحو النطاق أو المملكة العقلية الخالصة ،رغم الفارق الذي يظهر بين التجربة من جهة والمجرد العقلي من جهة أخرى فإن اللغة الرياضية تبقى نافعة جدا في معرفة العالم المحسوس معرفة علمية .                                               


السؤال:                                                                     الدرس : الرياضيات والمطلقية2

أي الخصائص يمكنها أن تميز بين التفكير المنطقي والتفكير الرياضي ؟

المقدمة:

الإستنتاج هو إحدى طرق التفكير الأكثر عموما وهو وسيلة برهان فننتقل من المقدمات المسلم بصدقها إلى النتيجة الصادقة التي تلزم عنها وهو منطق مشترك بين المنطق والرياضيات مما يحمل على الإلتباس بين طريقة التفكير في المنطق وطريقة التفكير في الرياضيات ولهذا نجد أنفسنا محمولين على التساؤل عما يمكن أن يفرق بينهما ، أو بمعنى آخر هل يختلف التفكير الرياضي عن التفكير المنطقي ؟

المشكلة:

ب1: يقوم المنهج الإستدلالي على مبادئ عامة ، يجب تحديدها في البداية كي يستقيم هذا الإستدلال وتحدد طرقه ، ويتميز التفكير الرياضي والتفكير المنطقي على السواء بتحديد مبادئهما بطريقة قبلية بحيث نكون هي أساس الإستنتاج ، ومن ثم فالتفكير الرياضي يقوم على مجموعة من المبادئ تعتبر هي الأسس المشروعة لقيامه كتفكير خاص كما يقوم التفكير المنطقي على مبادئ خاصة تعتبر هي أسس الإستدلال المنطقي المشروعة وبدون هذه المبادئ لا يستقيم الإستدلال ويتعذر الإستنتاج.

والمبادئ التي تقوم عليها الرياضيات هي:

أولا التعاريف: ونعني بها تحديد جميع الرموز المستخدمة في التفكير الرياضي كالأعداد والأشكال الهندسية والعلاقات الرياضية والرموز المتعلقة بقيم الأعداد والمحددة لطبيعة ونوع العلاقة الرياضية كعلاقة القسمة والجذر التربيعي إلى الخ …

وإلا جانب التعاريف هناك:

البديهيات أو (الأولويات) وهي المبادئ العقلية الأولية الصادقة بذاتها صدقا ضروريا ولا تطلب البرهان على صدقها مثل قولنا الكل أكبر من أجزائه ، أو الخمسة هي نصف العشرة ، وأن الكمين لكم آخر متساويين.

وهناك أيضا:

المسلمات: أو (المصادرات) وهي تلك القضايا الشديدة العموم التي يضعها الرياضي في أحد فروض الرياضيات دون أن يبرهن عليها والتي تعتبر كقواعد أو مقدمات صادقة ضرورية للإستدلال ، إذا التعاريف والبديهيات والمسلمات هي المبادئ العامة التي يقتضيها الإستدلال الرياضي كشرط ضروري ، أما المنطق فيقوم أيضا على مبادئ عامة بدونها لا يصح الإستدلال المنطقي مثل تعريف الحدود وأنواعها والقضايا وأنواعها والعلاقة المنطقية ومعرفة الموضوع ، والمحمول ، والمفهوم ، والقضية المركبة ، والقضية البسيطة ، والقضية الحملية ، والقضية الشرطية ، ومعرفة القواعد العامة الخاصة بالإستدلال المباشر أو غير المباشر (القياس).

ب2: رأينا أن الإستدلال الرياضي و الإستدلال المنطقي كلاهما قائم عل الإستنتاج إنطلاقا من مبادئ معينة غير أنه إذا كان الإستنتاج إنطلاقا من مبادئ معينة غير أنه إذا الإستنتاج مشتركا بينهما فهذا يلزم عنه أن طريقة بينهما واحدة.

يري بوانكريه أن الإستدلال الرياضي يختلف عن القياس لأن القياس لا نصل فيه إلى نتيجة جديدة بالنسبة للمقدمات بل هو تكرار للمقدمات فالحد الأكبر والحد الأصغر اللذان نجدهما في المقدمات نجدهما في النتيجة أيضا وهكذا فالقياس نوع من تحصيل الحاصل ، أما الإستدلال الرياضي وإن كان إبتكار النتيجة وهذا بخلاف نتيجة القياس ، ويرى بوانكريه أن نتيجة الإبتكار الرياضي يشبه في طبيعته الإبتكار العلمي فهو قائم على نظام.

فسيستخدم الرياضي عقله في حل قضاياه ويتطلب في ذلك جهدا أكبر ونفسا أطول ، ولا يهتدي إلى الحل بنفس السهولة التي يبدو عليها القياس.

ويرى جوبلو من جهته أ ما يتميز به الإستدلال الرياضي بصفة خاصة هو كونه يعتمد على التعميم وهذا التعميم نوعان فهو إنتقال من البسيط إلى المركب أو إنتقال من الخاص إلى العام ومثال الأول الحالة البسيطة القائلة بأن مجموع زوايا المثلث تساوي قائمتين إلى البرهنة على صدق حالة أشد تركيبا منها وهي القائلة بأن مجموع الزوايا القائمة في أي شكل كثير الأضلاع تساوي ضعف أضلاعه ناقصا أربع قوائم.

ومثال الحالة الثانية من الخاص إلى العام: إذا أثبتنا أن زاويتي القاعدة في المثلث متساوي الساقين أ ب ج متساويتان فإنه يمكننا تعميم هذه القضية على جميع المثلثات متساوية الساقين ، مع صرف النظر عن مقدار كل زاوية ، ويذهب ديكارت من جهته أيضا إلى أن التفكير الرياضي يختلف عن الإستنتاج القياسي لأن القياس لا يتوفر على التحليل الكامل الذي يسع الإستنتاج الرياضي هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن القياس ينتقل من قضيتين عامتين إلا قضية ثالثة أقل عموما منهما بينما يعتمد التفكير الرياضي على عملية التعميم كما رأينا.

ونستنتج مما سبق أن المنطق يختلف عن الرياضيات أولا في كون النظرية المنطقية لا تشمل بالقدر الكافي جميع العلاقات التي يتطلبها التفكير الرياضي ، ثانيا أن التعريف في الرياضيات أكثر منها في المنطق ثالثا ، أن التفكير الرياضي قائم على عملية التعميم وليس المنطق كذلك.

رابعا: تتوفر الرياضيات على كثرة من البديهيات والمسلمات لا يتوفر عليها المنطق القديم.

ب3: لقد رأينا أن الطريقة الإستنتاجيةمشتركة بين الرياضيات والمنطق ممال جعل قضاياهما تتداخل ومما جعل أرسطو قديما يرجع المنطق للرياضيات غير أن سعة التحليل الرياضي وخصوبة علاقته حددت الفرق بين الرياضيات والمنطق فضلا على أن للرياضيات مجالا واسعا في التطبيق فلغتها صارت مستخدمة في مختلف العلوم التي تطمح إلى الدقة لكن تطبيق المنطق يجد مجاله في صيغ لغة التعبير العادية وفي أساليب البرهان العقلي.

الخاتمة:

لقد لمسنا الجوانب المتفقة بين المنطق والرياضيات في الجزء الثاني ثم إنتهينا إلى بيان أهمية كل منهما مع هذا الإستثناء أن الرياضيات تبدو أوسع مجالا في تطبيق المنطق .

وعندئذ تتوقف هذه المقارنة عند حدود معطيات النظرية المنطقية القديمة أو (القياس) لكن المنطق الرياضي الذي ينظر في قضايا العلم ، والمنطق الجدلي يكون مجالهما الواقع وخاصة المنطق الجدلي الذي يأخذ صبغته الإجتماعية عند ماركس.


السؤال : هل ترى أن المفاهيم الرياضية نابعة من التجربة أم العقل ؟             الدرس : الرياضيات والمطلقية3

طرح المشكلة:

باعتبار أن الرياضيات علم من العلوم التجريدية التي تتعلق بالمقادير الكمية ، والتي تبحث في الرموز المجردة ومجالها التصور العقلي البحت ، أثيرت تساؤلات عدة في شأن أصل الرياضيات ومصدرها ، فهناك من ردها إلى التجربة وهناك من أرجعها إلى العقل ، في ظل هذا النزاع يمكننا طرح التساؤلات التالية:

هل أصل الرياضيات التجربة أم العقل؟ أو بعبارة أخرى: هل أصل الرياضيات عقلي خالص لا صلة لها بالواقع الحسي؟

محاولة حل المشكلة:

  1. الأطروحة:

إن أصل الرياضيات عقلي خالص حسب ما يراه الفلاسفة العقليين المثاليون أمثال الفيلسوف اليوناني “أفلاطون” الذي يقول: “إن المعرفة تذكر” ، وما نفهمه من هذا التعريف حسب أفلاطون هو أن كل المعارف بمختلف أشكالها تذكر ، حيث أن الإنسان عندما كان في عالم المثل عرف هذه المعرف ومنها الرياضيات ، ولكن عندما جاء إلى عالم الواقع المادي نسي تلك المعرفة ولكن سرعان ما يدركها بالذهن وحده دون أي واسطة من وسائط المعرفة ، وما أكده أفلاطون كذلك على أن التعريفات الرياضية مجالها ذهني ولن تتحقق إلا بواسطة العقل دون المعرف الأخرى ، وكما أوضح لنا أفلاطون على أن التعريفات الرياضية طبيعتها أنها أزلية وثابتة لن تتغير لأن لها سبق مثالي على ملامسة هذه التعريفات للواقع الخارجي. وإلى جانب أفلاطون هناك الفيلسوف الفرنسي قطب الفلسفة الحديثة ومفجر ثورة العقلانية  إنه ” روني ديكارت ”  الذي حاول أن يوضح لنا أن الرياضيات نابعة من أفكار فطرية  شأنها شأن فكرة الله ، ومعنى هذا أن الرياضيات تأسست بفعل العقل  وذلك أنها بعيدة عن مجال الملموس الخارجي ، وفي هذا المقام يقول ديكارت : إن العقل أعدل قسمة بين الناس وما نفهمه من هذا القول هو أن الناس جميعا يشتركون في هذه الملكة المعرفية والتي بها يصلون إلى مبتغاهم ، وبالإضافة إلى هذا الفيلسوف نجد الفيلسوف الفرنسي أيضا “مالبرانش” الذي يرى بأن الأفكار الرياضية وكل المعارف جاءت من عند الله ، وذلك بفعل العقل دون وسائل معرفية أخرى ، وكما يؤكد قطب الفلسفة النقدية ” إيمانويل كانط ” على أن أساس الرياضيات يتجلى في القضايا العقلية التي تفرض نفسها على العقل ، وهي معرفة كلية ، ولقد أسماها “كانط” بالمعارف الأولية التي لا تعني الأفكار الفطرية كما عند “ديكارت ” بل أن هذه المعارف الأولية بمثابة شروط ضرورية قائمة في الذهن ، ولقد ركز “كانط” على فكرتي الزمان والمكان على أنهما مفهومان مجردان عن العالم الخارجي .

  • نقيض الأطروحة :

    على عكس ما طرحه الفلاسفة العقلانيين على أن أصل الرياضيات هو العقل ، هناك رأي مضاد يرى أن أصل الرياضيات هو التجربة ومن هؤلاء الفلاسفة الحسيين التجريبيين نجد الانجليزي ” جون لوك ” الذي رد على ديكارت بأنه لا وجود للمعاني الفطرية في النفس لأن الأطفال والبله والمتوحشين لا يعرفونها  وهذا قوله :

إن الطفل يولد صفحة بيضاء تكتب فيه التجربة ما تشاء ؛ ومعنى هذا ومعنى هذا القول أن المعرفة الرياضية أو أي معرفة أخرى إنما تكتسب من الواقع الحسي ، وهناك أيضا الفيلسوف الفرنسي ” كوندياك ” الذي يرى بأن الإحساس هو المنبع الذي تنبجس منه جميع قوى النفس ، وأيضا يؤكد “دافيد هيوم” على أن جميع معارفنا مستمدة من التجربة ، لأن العقل بدون تجربة لا يساوي شيء ، فتكمن المعرفة الرياضية هي المعرفة الخارجية ، وكما يؤكد الفيلسوف الإنجليزي “جون ستيوارت ميل” الذي يرى أن الرياضيات هي علم الملاحظة كما يرى جل الوضعين المعاصرين ، وكما يوضح أن النقط والخطوط والدوائر قبل أن تكون عقلية كانت تجريبية أي أنها “مجرد نسخ” ، وكما أن تاريخ العلوم يشهد على أن الرياضيات قبل أن تكون عقلية كانت تجريبية ، وذلك من خلال الحضارات الشرقية القديمة التي مارست الرياضيات ممارسة عملية قبل أن تكون نظرية ، وذلك في تنظيم الملاحة والفلاحة والري.

  • التجاوز:

إن هذا الرأي التجاوزي يرى أصحابه على أنه لا وجود للعقل دون الأشياء المحسوسة دون العقل. بل هناك تلازم وترابط وظيفي بينهما والذي يتزعم هذا الإتجاه التجاوزي العالم النفساني السويسري “جان بياجي” الذي يرى أن الرياضيات عبارة عن نشاط إنشائي وبنائي يقوم به العقل ويعطي التجربة صورتها ، وخلال ذلك يتهيل هذا النشاط في حد ذاته ، بمعنى أن العقل لا يحتوي على أطر مسبقة بل فيه القدرة على الإنشاء وفي هذا المقام يقول جورج سارطون:إن الرياضيات المشخصة هي أولى العلوم الرياضية نشوءا فقد كانت في الماضي تجريبية… ثم تجردت من هذه التأثيرات فأصبحت علما عقليا. ومعنى هذا القول عند سارطون هو أن معاني الرياضيات قبل أن تكون عقلية محضة كانت حسية واقعية وذلك وفق منطق التدرج و التمرحل من مرحلة الملموس إلى مرحلة التعقل المجرد.

وفي هذا الطرح التجاوزي هناك أيضا قول الفيلسوف الفرنسي “بوانكريه” الذي يقول: “لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة ، ولكن الطبيعة بدون عقل مسلط عليها لا معنى لها“. ومعنى هذا القول هو أن علم الهندسة ولد من خلال الأجسام الموجودة في الطبيعة ، و وجود طبيعة بكل أشكالها المتعددة بدون وجود عقل دارس ومعمق لها لن تساوي شيء في هذا الكون.

حل المشكلة:

حقيقة إن التجربة كانت المنطلق إلى التفكير الرياضي ، ولكن من هذا المنطلق تجردت الرياضيات تجريدا بعيدا عن الواقع الحسي ، ولهذا فاللغة الرياضية تبقى هي الأساس في معرفة العالم المحسوس.

———————————————————————–

السؤال: قارن بين المعرفة الرياضية والمعرفة التجريبية.                       الدرس : الرياضيات والمطلقية4

طرح المشكلة:

إن التطور الذي عرفته العلوم التجريبية في العصر الحديث بفضل تطبيقها المنهج التجريبي مكنها من الوقوف على النتائج المتصفة بالرمزية والدقة على غرار ما في الرياضيات. والإشكال الذي يتحدد حول ذلك هو : فما العلاقة بين الدقة في الرياضيات والدقة في العلوم؟ أو بعبارة أخرى : ما هي أوجه المقارنة بين الرياضيات والعلوم التجريبية؟

محاولة حل المشكلة :

  1. أوجه الاتفاق :

كل من والرياضيات العلوم التجريبية تشترك في :

  • التعبير الرمزي عن القضايا.
  • الدقة من حيث النتيجة (استخدام الكم).
  • الابتعاد عن التفسيرات الميتافيزيقية والذاتية.
  • أوجه الإختلاف: 

ومن خلال الخصوصيات لكل واحدة من المعرفتين السابقتين الذكر ، فإننا نجد فارقا بينهما تتمثل عناصره في :

  • موضوع الرياضيات مجرد ؛ فيما أن العلوم التجريبية موضوعها حسي .
  • المنهج استنتاجي في الرياضيات. وتجريبي في العلوم التجريبية.
  • نتائج الرياضيات دقيقة يقينية وهذا بخلاف العلوم التجريبية التي تتصف نتائجها بالدقة النسبية.
  • بيان التداخل:

 العلوم التجريبية استمدت نجاحها من :

  1. استعمال اللغة الرياضية الكمية وإبعاد الكيف.
  2. اعتماد الفيزياء المعاصرة على منهج الرياضيات الذي هو منهج أكسيومي.
  3. الفيزياء المعاصرة رجحت مفهوم ريمان للمكان على باقي التصورات الأخرى.

حل الإشكالية :

الخاصية الوظيفية للمعرف تفرض ترابطا بين الرياضيات والعلوم التجريبية ، فالتطور الحاصل في مجالات العلوم والسعي إلى الدقة في نتائجها جاء بعد توظيف الرياضيات.

السؤال:                                                            الدرس : العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية1

بماذا تتميز الملاحظة العلمية عن الملاحظة العادية؟

المقدمة: الإشكال:

يبدو أن العلم أو على الأصح العالم يستخدم حواسه في البحث مثله مثل الرجل العادي خاصة حاسة البصر ووظيفة الحواس هي الملاحظة ، لكن ما هي الفروق التي تميز بين ملاحظة الرجل العادي وملاحظة العالم؟

الاتفاق:

كلاهما الملاحظة العلمية والملاحظة العادية قائمة على استخدام الحواس وكلاهما منصبة على موضوع ما خارجي.

فالرجل العادي والعالم كلاهما تستوقفهما بعض القضايا التي تلفت الانتباه يوميا مثلا حوادث السيارات ، مشاكل السوق كلا الملاحظتين تصدران عن شخص معين.

الإختلاف:

الإختلاف بين ملاحظة العالم وملاحظة الرجل العادي كبير فالملاحظة العلمية هي أولا ملاحظة منهجية ونعني بالملاحظة المنهجية هي ملاحظة مقصودة لها هدف محدد ووسائل.

هي ملاحظة إشكالية أي قائمة حول إشكال ما ، وكونها ملاحظة إشكالية هذا ما يعطيها الطابع الإرادي القصدي الواعي ويتمثل في الانتباه الطويل مثل ملاحظة علماء الفلك يقضون الليل على طوله مشدودين وراء المنظار ، والإشكالية هنا في عالم الكواكب والمجرات والنجوم.

هي ملاحظة مسلحة تستخدم فيها مختلف الأدوات التقنية و التكنولوجية والإلكترونية الممكنة حسب نوع الظاهرة ، يستخدم المنظار الفلكي في الملاحظة الفلكية ، والمجهر الإلكتروني في مجال الذرة والخلية إلخ ….

هي ملاحظة يساهم فيها العقل والحواس معا ويتدخل العقل عن طريق الذكاء وعن طريق المعرفة المكتبية حول الظاهرة من أجل تفسيرها مؤقتا.

الترابط:

لا تداخل بين الملاحظتين العلمية والعادية فالملاحظة العلمية هي ملاحظة مخبرية قائمة على أساس المنهج لها غاية وهدف بينما الملاحظة العادية ملاحظة عابرة خاضعة للصدفة ولا يمكن للرجل العادي أن يرى في الظاهرة ما يراه العالم من خلال معرفته بتاريخها وبقوانينها.

تختلف الملاحظة العلمية عن الملاحظة العادية كما وكيفا.

السؤال : دور الفرضية في المنهج التجريبي ؟                  الدرس : العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية2

الأسئلة: -هل يمكن الاستغناء عن الفرضية؟-هل للفكرة المسبقة دور في الملاحظة والتجربة؟-هل أساس العلم العقل أم التجربة؟-هل للاستنتاج دور في بناء العلم؟

  1. المقدمة: تنطلق الدراسات العلمية على اختلاف مضمونها ومنهجها من مرحلة البحث حيث تحرّك العلماء أسئلة وإشكالات محيّرة تقودهم إلى مرحلة الكشف من خلال بناء ملاحظات واستنتاجات مختلفة غير أن مكانة الفرضية في المنهج التجريبي عرفت جدالا كبيرا بين الفلاسفة والعلماء فالمشكلة المطروحة:هل يمكن الاستغناء عن الفرضية؟1
  2. / الرأي الأول(الأطروحة): ترى هذه الأطروحة الموقف العقلي أن الفرضية نقطة انطلاق ضرورية لكل بحث تجريبي وهي من حيث المفهوم مجهود عقلي يستهدف الخروج من الإشكالية التي تطرحها الملاحظة وحجتهم أن الاكتشافات العلمية أساسها العقل في ليست مجرد تجميع للملاحظات والتجارب, عبّر عن هذه الأطروحة “كلود برنارد” قائلا {ينبغي أن نطلق العنان للخيال فالفرضية هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع إنها تنشأ عن نوع من الشعور السابق للعقل}, ومن الأمثلة التي تبين دور الفرضية في بناء العلم أن “باستور” ربط ظاهرة التعفن بالجراثيم رغم عدم رؤيته لها و”فرانسوا أوبير” كان عالما كبيرا لم تمنعه إعاقته البصرية من تخيل التجارب الصحيحة لأنه عوض فقدان البصر بقوة الحدس العقلي وبقدره على وضع فرضيات صحيحة, كل ذلك دفع “بوانكريه” إلى القول {إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن لأنه سيجعل كل تجربة عميقة} والفرضية لها أهمية بعيدة المدى من حيث قدرتنا على إثارة الملاحظات والتجارب وكذا رسم الأهداف وتجاوز العوائق قال “ميدوار” في كتابه [نصيحة إلى كل عالم شاب] {على الباحث أن يستمع دوما إلى صوت يأتيه من بعيد-صوت الفرضية- يذكره بسهولة كيف يمكن أن يكون}.
  3. نقد:إن هذه الأطروحة تتجاهل أن الفرضية من خلال اعتمادها على الخيال قد تبعدنا عن الواقع وتدخلنا في متاهات يصعب الخروج منها.2
  4. IV-             /الرأي الثاني(نقيض الأطروحة): ترى هذه الأطروحة الموقف التجريبي أن المنهج التجريبي هو المنهج الاستقرائي القائم على الملاحظة والتجريب ولا مكان فيه للفرضية, وحجتهم أن الفرضية تقوم على عنصر الخيال والخيال يبعدنا عن الواقع, تجلت هذه الأطروحة في نصيحة “ماجندي” إلى أحد تلاميذه {أترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر} وتعمقت أكثر فكرة استبعاد الفرضية على يد الإنجليزي “جون ستيوارت مل” الذي وضع قواعد الاستقراء [قاعدة الاستقراء- قاعدة الاختلاف- قاعدة البواقي- قاعدة التلازم في التغير] ومن الأمثلة التي توضح قاعدة الاتفاق البحث الذي قام به العالم “ويلز” حول أسباب تكوّن الندى حيث لاحظ أن الندى يتكون على المرآة عند تقريبها من الفم, وعلى زجاج النوافذ في الشتاء ….. وأرجع ذلك إلى انخفاض حرارة الأجسام مقارنة مع درجة حرارة الوسط الخارجي, قال “ستيوارت مل” {إن الطبيعة كتاب مفتوح لإدراك القوانين التي تتحكم فيها ما عليك إلا أن تطلق العنان لحواسك} ورأى “أوجست كونت” أن الطريقة العلمية تختلف عن الطريقة الفلسفية فهي ليست بحاجة إلى التأويل العقلي بل إلى الوصف من خلال إجراء التجارب وهذا ما أكد عليه “أرنست ماخ” قائلا {المعرفة العلمية تقوم على إنجاز تجربة مباشرة}.
  5. نقد:هذه الأطروحة تتجاهل أن طرق الاستقراء لا يمكن أن تعوّض الفرضية نظرا لطابعها الحسي, بينما القانون العلمي إبداع.
  6. VI-             /التركيب: العلم ضرب من المعرفة الممنهجة فهو يدرس الظواهر المختلفة من أجل الكشف عن قوانينها وتاريخ العلم يؤكد أن أهم النظريات العلمية وضعها أصحابها بالاعتماد على الفرضية [نيوتن مثلا يضع بحثه نصب عينيه وكان كثير التأمل] من هذا المنطلق الفرضية لازمة ومشروعة قال “كانط” {ينبغي أن يتقدم العقل إلى الطبيعة ماسكا بيد المبادئ وباليد الأخرى التجريب الذي تخيله وفق تلك المبادئ} فالطرق الاستقرائية التي وضعها “ستيوارت مل” غير كافية نظرا لطابعها الحسّي فهي بحاجة إلى قوة الحدس العقلي قال “غاستون باشلار” {إن التجربة والعقل مرتبطان في التفكير العلمي فالتجربة في حاجة إلى أن تفهم والعقلانية في حاجة إلى أن تطبق} فالفرضية ضرورية لا يمكن استبعادها من المنهج التجريبي .
  7. VII-            الخاتمة: ومجمل القول أن المعرفة العلمية يتكامل فيها الموضوع والمنهج وعلى حد تعبير “جون المو” {العلم بناء} غير أن خطوات المنهج العلمي لم تكن مسألة واضحة المعالم بل غلب عليها الطابع الجدلي فالموقف العقلي مثلا تمسّك بالفرضية فالعلم عندهم إبداع والإبداع في حاجة إلى الخيال, على النقيض من ذلك الموقف التجريبي رفض الفرضية واقترح قواعد الاستقراء غير أن منطق التحليل كشف لنا عن عدم كفاية هذه القواعد وتأسيسا على ذلك نستنتج:لا يمكن الاستغناء عن الفرضية.

مقالة حول حدود التجريب في البيولوجيا                           الدرس : العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية2


الأسئلة: – ما هي العوائق الابستمولوجية التي تحدّ من تطبيق المنهج التجريبي في البيولوجيا؟- هل تطبيق المنهج التجريبي في علوم المادة الحية مثل تطبيقه في علوم المادة الجامدة؟- هل التجريب ممكن في البيولوجيا؟- هل يمكن دراسة ظواهر المادة الحية وفق خطوات المنهج التجريبي؟- هل المنهجية التجريبية في البيولوجيا محكوم عليه بالنجاح أم الفشل؟

المقدمة: تنطلق الدراسات العلمية على اختلاف مضمونها ومنهجها من مرحلة البحث حيث تحرّك العلماء أسئلة وإشكالات محيّرة تقودهم إلى مرحلة الكشف من خلال بناء ملاحظات واستنتاجات مختلفة فإذا علمنا أن المنهج التجريبي أساسه التجريب وأن البيولوجيا تدرس المادة الحية فالمشكلة المطروحة:هل المنهجية التجريبية في البيولوجيا محكوم عليها بالنجاح أم بالفشل؟

1/الرأي الأول(الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن خصائص المادة الحية تختلف عن خصائص المادة الجامدة, فالمادة الحية أساسها التكاثر والتغير وعلى حد تعبير الطبيب الفرنسي”بيشا”{الحياة هي جملة الخصائص التي تقاوم الموت}وربطوا فشل المنهج في البيولوجية بوجود عوائق موضوعية ترتبط بطبيعة الكائن الحيّ وذاتية (ثقافة المجتمع بكل ظواهرها) ومن هذه العوائق صعوبة الفصل والعزل لأن فصل عضو من الكائن الحيّ يؤدي إلى إتلافه(موته) أو يغير في وظائفه, هذا ما عبّر عنه “كوفيي”{سائر أجزاء الكائن الحيّ مترابطة فهي لا تستطيع الحركة إلا بمقدار ما تتحرك كلها وفصل جزء من الكتلة معناه نقله إلى نظام الذرات الميتة تبديل ماهيته تبديلا تاما} ومن الأمثلة التي توضح هذه الصعوبة أن أفضل عضو من المعدة أو الكلية يؤدي إلى تغير وظائف الكائن الحيّ كما ذهب إلى ذلك “كنغلهايم”, وتظهر صعوبة التعميم بعدم وجود تطابق بين الكائنات الحية لقد جمع “أغاسيس” 27000 صدفة من البحر ولم يجدد أي تطابق بينها, هذه الحقيقة عبّر عنها “لايبندز” {لا يوجد شيئان متشابهان}والأمثلة التي تؤكد ظاهر التميز البيولوجي أن الخلايا التي تنقل لفرد آخر لا يتقبلها ذلك الفرد, أو من العوائق الابستمولوجية التي تحد من تطبيق المنهج التجريبي غياب الحتمية والسببية لأن السلوك الإنساني يجري في مجرى الحرية.

نقد: هذه الأطروحة تتجاهل أن العلم الحديث قد وجد حلولا لأكثر هذه العوائق.

2/الرأي الثاني(نقيض الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن خصائص المادة الحية مماثلة لخصائص المادة الجامدة لوجود نفس العناصر الطبيعية(هيدروجين, أوكسجين, آزوت, كربون…..) وأن أفضل طريقة لدراسة المادة الحية هي الطريقة التجريبية أي تفسير الظواهر الحيوية تفسيرا وضعيا من خلال ربطها بشروط فيزيائية وكيميائية عبّر عن هذه الأطروحة أصدق تعبير “كلود برنار” قائلا{المظاهر التي تتجلى لدى الكائنات الحية مثل المظاهر التي تتجلى فيه الأجسام الجامدة تخضع لحتمية ضرورية تربطها بشروط كيميائية خالصة} وأمام التقدم المذهل في التكنولوجيا لم تعد مطروحة صعوبة الفصل والعزل وعلى حدّ تعبير “توماس كسكي” {أمكن فحص الجسم البشري من الخلايا المفردة إلى الحمض النووي} واستنسخ بعض العلماء النعجة [دولي] بل وأمكن القيام بعمليات جراحية دون الحاجة إلى فصل الأعضاء (جراحة القلب المفتوح مثلا), والتعميم ممكن لوجود تشابه في الوظائف حيث أثبتت بحوث علماء الوراثة , كما أن التماثل الوراثي بين الإنسان والقرد من فصيلة الشمبانزي يصل إلى حدود 99 أن النشاط الآلي عند الكائنات ومثال ذلك عملية الهضم التي تبدأ بالأسنان وتنتهي في صورة أحماض أمينيه وتؤكد فكرة السببية, وملخص الأطروحة في عبارة”كلود برنار” {بفضل التجريب يمكننا فهم ظواهر الأجسام الحية والسيطرة عليها}.

نقد: هذه الأطروحة تتجاهل أنه لابد أن يرتبط التجريب بضوابط أخلاقية وكذا مراعاة خصوصية الكائن الحيّ.3

3/التركيب: لا شك أن إشكالية حدود التجريب في البيولوجيا ترجع إلى عوائق ابستمولوجية نابعة من صميم موضوعها [العوائق الموضوعية] هذه العوائق تم تجاوزها تدريجيا أولا من خلال مراعاة خصوصيات الكائن الحيّ [التغيّر والتكاثر] قال “كلود برنار” {يجب على البيولوجيا أن تستعير من العلوم الفيزيائية والكيميائية المنهج التجريبي ولكن مع الاحتفاظ بخصوصياتها} وثانيا من خلال فكرة طرح فكرة التجريب في البيولوجيا في ضوء علاقة العلم بالأخلاق والدين, وكما قال “بوانكريه”{لا يمكن أن يكون العلم لا أخلاقيا لأن الذي يحب الحقيقة العلمية لا يمكنه أن يمتنع عن محبة الحقيقة الخلقية}.

-الخاتمة: وفي الأخير يمكن القول أن البيولوجيا هي علم دراسة الكائنات الحية وهي بحث علمي يغلب عليه التنوع إذ يمكن دراسة الظواهر الحيوية من زاوية وظائف الأعضاء وهذا ما يعرف بالفيزيولوجيا أو دراسة حدود التجريب وبناء على ما تأسس نستنتج:التجريب في البيولوجيا ممكن بشرط احترام خصوصيات الكائن الحيّ وكذا المبادئ الأخلاقية.


 السؤال : قيل : بقدر ما تنجح العلوم الإنسانية في إنجاز عمل علمي حقيقي    الدرس: العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية

                           يتقلص لديها التمييز بين ما هو إنساني وما هو طبيعي

                           أبد رأيك في هذا الحكم مبينا دواعي التقلص وحدوده.

المقدمة :

المشكلة : إن نجاح علوم الطبيعة على المستوى النظري والعملي قد أوحى بفكرة تكوين علوم إنسانية على منوالها .

 ما هي شروط علمية العلوم الإنسانية ؟ وهل يمكن اختزالها في مدى تقليصها للفوارق بين دراسة الإنسان ودراسة الطبيعة ؟

التحليل :

محاولة الحل : شروط تحقق علمية حقيقية في مجال علوم الإنسان ( علوم الطبيعة نموذجا لعلوم الإنسان ) .

1 – على مستوى الموضوع

      ضرورة تجاوز الرؤى التي تقر بتعالي الذات على الطبيعة وباستحالة دراستها علميا : التأكيد على ضرورة تجاوز مركزية الوعي وفكرة الإرادة والحرية وهو ما يؤدي إلى مماثلة الظاهرة الإنسانية بالظاهرة الطبيعية.

     استقلالية الموضوع عن الذات تحقيقا لشرط الموضوعية.

     قابلية الموضوع للتحديد وإعادة بنائه مخبريا مثل دراسة السلوك في علم النفس واعتبار الظاهر الإجتماعية ـ أشياء ـ في المجال الاجتماعي وإعادة بناء الحدث التاريخي في علم التاريخ .

2 – على مستوى المنهج

     إبراز قابلية الظاهرة الإنسانية للملاحظة الخارجية والتجريب .

     إخضاع الظواهر الإنسانية إلى مبدأ الحتمية .

     إمكانية التكميم والصياغة الرياضية للقوانين .

النقاش :  – إبراز المفارقة التي تواجه الدراسة العلمية للإنسان فما اعتبر شرطا لنجاح علوم الإنسان يفضي إلى موت الإنسان بصفته ذاتا واعية .

  • إبراز خطأ الاعتقاد في اعتبار علمية علوم الطبيعة نموذجا لعلوم الإنسان.

إبراز أن مطلب المماثلة بين الإنسان والطبيعة قد يستجيب إلى غايات معرفية بقدر ما يخفي توجها غايته السيطرة على الإنسان .

الخاتمة :

الحل:إن العلوم الإنسانية علوم قائمة بظواهرها الخاصة بطبيعتها تطبق المنهج العلمي في دراسة ظواهرها وفقا للخصوصية التي تميزها .


السؤال (1) :  بماذا تفسر تعدد المناهج في علم النفس؟           الدرس : العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية

الموضوع يعالج وفق الطريقة الاستقصائية.

المقدمة:(4ن)

محاولة فهم الإنسان لنفسه وما يصدر عنها من ظواهر نفسية (رغبات ،ميول ،عواطف…إلخ) قادته إلى إيجاد علم النفس لدراستها   ومحاولة فهمها وضبطها وإمكانية حتى التنبؤ بحدوثها .غير أن واقع هذا العلم يبرز وجود عدة مناهج لدراسة وفهم هذه الظاهرة النفسية الواحدة ومنه نطرح الإشكال التالي :ما الذي يبرر كثرة وتعدد المناهج في دراسة الظاهرة النفسية الواحدة ؟ وما قيمة هذا التعدد؟

التوسيع :(12ن)

1-بيان طبيعة القضية : علم النفس باعتباره يهتم بدراسة الظواهر النفسية محاولا فهمها وضبطها وتوجيهها لم يعرف منهجا واحدا في تفسير ظواهر النفس ،بل أوجد عدة مناهج لفهم الظاهرة الواحدة حيث أن كل منهج يفهم الظاهرة من وجهة نظره ، فنجد المنهج الاستبطاني ،كما نجد المنهج السلوكي ،كذلك نجد منهج التحليل النفسي ، إضافة إلى المنهج التجريبي ……إلخ وهذا راجع إلى تعدد تجليات الظاهرة النفسية الواحدة وظهورها في عدة أشكال تفرض تعدد المناهج .

2- إثبات وجود القضية : إن استقراء تاريخ وواقع علم النفس يؤكد وجود عدة مناهج تحاول فهم الظاهرة النفسية الواحدة فمثلا في تفسير ظاهرة الهيجان منهم من فسرها تفسيراً ذهنيا ،ومن ردها إلى الجسم (السلوكيون) ومنهم من ردها إلى اللاشعور (التحليل النفسي)….إلخ .

3-بيان قيمة القضية : تعدد المناهج في علم النفس يحقق الفهم الشامل للظاهرة النفسية الواحدة ويحيط بدراستها من جميع جوانبها ،رغم أن هذا التعدد ينقص من الدقة والموضوعية واليقين كشروط للمعرفة العلمية إذا ما قورنت بنتائج العلوم التجريبية والرياضية (الدقيقة) .وهذا نظرا لاختلاف التفاسير باختلاف المناهج.

الخاتمة:(4ن)  4- بيان حقيقة الموضوع :

تعدد المناهج في علم النفس يبرره تعدد تجليات الظاهرة النفسية (الموضوع) الواحدة وتمظهرها بأشكال مختلفة ،أي فرضه طبيعة الموضوع المدروس.

  السؤال (2) : « هل يستطيع المؤرخ أن يتجاوز العوائق التي تمنعه من تحقيق  

                            الموضوعية في التاريخ؟ »         الدرس : العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية

المقدمة:إذا كانت المعرفة العلمية متوقفة وملتزمة بشروط . والموضوعية إحدى هذه  الشروط والتي نجد صعوبة في تفسيرها لعدم تخلص المؤرخ من نظرة الذاتية التي يفرضها عهده أو ظنه أو الطبقة التي ينتمي إليها فهو لا يستطيع أن يعيش الحادثة الماضية إلا من خلال القيم والاهتمامات السائدة لديه والسؤال الذي يطرح نفسه  فهل بإمكان المؤرخ أن يتجاوز العوائق التي تمنعه من تحقيقها؟

الموقف الأول:إن المؤرخ عندما يكتب التاريخ لا يستطيع أن يتخلص من التعسف في الاختيار الذي يخص به بعض الحوادث دون بعضها إذ معياره الوحيد في التمييز بين المهم والأهم إنما الاهتمام الذي يوليه لنوعيتها وهذا الاهتمام نفسه قد يكون شخصيا وقد يكون جماعيا بحيث أن قيمة الحوادث التاريخية إنما تستمد حقيقتها من القيم التي يؤمن بها المؤرخ على حدة أو التي يفرضها عليه المجتمع الذي ينتمي إليه فقد أصبحنا اليوم نهتم بالحوادث التاريخية ذات الطابع الجماعي الذي يتجلى فيها مفعول الجماعة كلها بينما كان أسلافنا يولون اهتمامهم الأكبر إلى أعمال الأفراد من ملوك وأمراء كما صرنا اليوم نميل إلى العناية بالحوادث الإقتصادية بالماضي في حين كان الجل من أسلافنا لا تلفت أنظارهم إلى الحوادث الدينية ولعلنا لا نخرج عن جادة الصواب إذا ما قلنا أن المؤرخين الاستعماريين الذين كتبوا تاريخ المستعمرات إنما كتبوا في الواقع تاريخ النظام الاستعماري الحاكم فقد سجلوا آثار النظام الاستعماري    مما سجلوا تأثر المستعمرين المحكومين بهذا النظام ومعاناتهم له كما أنهم عمدوا إلى إبراز مزايا النظام الاستعماري وأهملوا بصفة شعورية أو لا شعورية معاناة المحكومين لهذا النظام والصعوبات التي وضعت أمامهم للتحرر من السلطة الأجنبية في حين أن أهالي البلاد المستعمرة لا يرون في مراكز التعمير ومظاهره إلا وسائل مشؤومة لإخضاعهم والسيطرة عليهم فهذا المثال البسيط يعطينا فكرة واضحة عن حدود الموضوعية في التاريخ و يبين لنا أنها حدود ضيقة جدا حتى إذا ما تجاوزنا هذا النوع من الأمثلة إلى النظرة العامة التي ينظر بها المؤرخ إلى الحوادث التاريخية وجدناه لا يستطيع أن يأخذ من التاريخ  أي عبرة لأنه لا يستمد فلسفته ولا قيمه من التاريخ بل هو الذي يضفي هذه الفلسفة وهذه القيم على التاريخ مما جعل النازيين والصهيونيين يرون أن لكل جيل الحق في النظر إلى التاريخ نظرة تتفق مع حاجاته الوطنية وفي هذا دلالة كافية على الدور الهام الذي تقوم به النزعة الذاتية في النظر إلى الحوادث التاريخية مما يتعين معه على المؤرخ النزيه أن يكون أشد يقظة وانتباها إلى المزالق التي تعترض سبيله .

النقد: صحيح أن المؤرخ تعترضه بعض الصعوبات والعقبات في سبيل تحقيق الموضوعية لكن لماذا لا تكون هذه العقبات حافزا له يدفعه إلى الحذر واتخاذ الاحتياطات اللازمة لبلوغ الهدف مجردا من كل طابع ذاتي ثم إن تطور المناهج قلل من شأن هذه العوائق وصارت الموضوعية أمرا ممكن التحقيق.

الموقف الثاني :إذا كانت الحادثة التاريخية تفلت من الملاحظات المباشرة فإنها تترك آثاراً ووثائق يستطيع بها المؤرخ أن يبنيها من جديد وغالبا ما تكون هذه الوثائق متملكة في الأخبار قدوتها الأجيال السالفة غير أن الأخبار كما يقول إبن خلدون ” إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فربما لا يؤمن فيها من العثور وزلة القدم والحيدة عن الجادة      ” ومعنى هذا أن المؤرخ لا يقبل الشواهد الماضية  منها المباني والأدوات والأسلحة وقطع النقد….إلخ وحتى يتحقق المؤرخ من صحة الوثائق التي يعتمدها يجب عليه أن ينقدها نقدا خارجيا يتناول صورة الوثيقة لمعرفة ما إذا كانت الوثيقة محتفظة بهيأتها الأولى وإذا لم يحدث بها أي تغيير  ولمعرفة الطريقة التي تم بها صنعها من أجل الوصول إلى مصدرها وينصب هذا النقد على الخط واللغة والأشكال والمصادر إلى ….إلخ ،ثم يتعين عليه أن ينقدها داخليا ليتناول مضمون الوثيقة  ويستعمل فيه المؤرخ القياس التمثيلي الذي تستمد مقدماته الكبرى من علم النفس العام للوصول إلى الأحوال النفسية التي يكون قد مر بها واضع الوثيقة يجب التساؤل أو أراد صاحبها أن يقول ؟ وهل كان اعتقاده صحيحا؟ إلى غير ذلك ويكون المؤرخ في كل ذلك محتاجا إلى الاستعانة ببعض العلوم المساعدة كعلوم الآثار وعلوم الكتابات القديمة والحديثة ومعرفة اللغات القديمة والحديثة ورغم قيام المؤرخ بهذين النوعين من النقد يبقى معرضا لمزا لق أخرى منها وحدة المصدر وحدة المشرب .استبعاد بعض الحوادث فقدان الوثائق الهامة وأيضا النزعة الموضوعية التي قد تمنع المؤرخ من التعاطف مع الحادثة التي يدرسها والنزعة الذاتية والتي تبالغ في التعاطف مع الحادثة إلى درجة تجعل المؤرخ يضفي عليها ميوله ورغباته .

النقد: لكن هذه الموضوعية مهما تحققت ووصل إليها المؤرخ فإنها لن تصل إلى الموضوعية في العلوم الطبيعية وهذا راجع لعوائق ومصاعب كثيرة.

التركيب:إن تجاوز العوائق وإن كان الجميع يدرك مدى صعوبته لكن ذلك ليس مستحيلا على المؤرخ الذي تبقى المعرفة العلمية دوما ضالته وهو يدرك أنه لا يمكنه بلوغ ذلك إلا إذا تحلى بالروح العلمية وفي مقدمة ذلك الموضوعية.

الخاتمة:ومنه فرغم محاولة الالتزام بالحياد المنهجي إلا أن الموضوعية في التاريخ تبقى نسبية وتتفاوت من مؤرخ إلى آخر.


الموضوع: الغير والوعي بالذات.                                    الدرس : الشعور بالأنا والشعور بالغير

‏ ‏إن نفي فكرة الوعي عل أنه شيء معطى أدى .إلى التأكيد عل تاريخية الإنسان والقول بتاريخية الإنسان يحيلنا إلى إشكالية أن الفرد لا يمكنه بناء تاريخه. فالتاريخ هو من صنع المجموعة والأفراد لا يصنعون التاريخ. والقول بمدنية الإنسان يجعلنا أمام تحديد دور هذا العامل وغيره من العوامل في تحديد وعي الإنسان بذاته كذات مستقلة . وهنا يتنزل نص الموضوع الذي يؤكد عل دور الغير في تحديد الوعي بالذات، فكيف يساهم الغير في تحقيق الوعي لدى الإنسان؟ ثم هل الوعي بالذات محدد فقط بهذا الغير؟ وأخيرا إلى أي مدى يحقق هذا الغير وعينا بذواتنا؟

‏إن مجموع هذه الإشكاليات من شأنها إن توضح لنا الطابع الإشكالي في الموضوع ولكن قبل الانطلاق في التحليل لا بد من تحديد الغير فماذا نقصد بالغير؟ الغير هو كل ما موجود خارج عن الأنا. فقد يكون هذا الغير الطبيعة أو بصورة أخرى العالم الخارجي وقد يكون الغير الآخر سواء كان هذا الآخر الفرد أو المجتمع أو التاريخ. ‏فكيف تحدد هذه العوامل الخارجية عن الأنا الوعي بالذات؟ إن الإنسان لا يعيش في ‏فراغ بل تحدده مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية وتتفاعل هذه العوامل فيما بينها لتحقق للإنسان وعيه بذاته. فقد حدد هيغل وعي الذات انطلاقا من جدلية العالم والانا والآخر. فالوعي بالذات عند هيغل لم يتم إلا عن طريق الاغتراب في الطبيعة ويحدد هيغل هذا الاغتراب في انفصال الذات عن الأنا لتصبح بالنسبة لها آخر ثم تغترب في الطبيعة أي تنتج مجموعة من التعابير الثقافية كالفن ، الدين. . . وفي هذه المرحلة ‏تكتشف الذات أنها مغايرة للطبيعة وفي مرحلة ثانية ترجع الذات إلى الأنا. ويتم إنتاج الفلسفة التي تأتي متأخرة لتعقلن ما سبقها من التعابير ولتضفي على الوجود صبغته الإنسانية ويسمي هيغل اغتراب الذات في الطبيعة بدهاء العقل أو «حيلة العقل عبر التاريخ» ومن هذا المنطلق نقول إن الغير والمتمثل هنا في الطبيعة الخارجية ساهم في تحقيق وعي الذات بذاتها ولم يتم هذا التحقق إلا بعد اكتشاف إن الذات مخالفة للعالم الآخر وحين تم الفصل بين الذات والموضوع .والقول بفصل الذات عن الموضوع يحيلنا إلى القول بأن الذات قطعت كل التفاسير الإحيائية أو الانتروبومورفية للطبيعة وظواهرها وتحرر العقل من سيطرة الخرافة والأسطورة والسحر. بل إن وعي الإنسان تحقق عبر اكتشاف قوانين الطبيعة واكتشف إنها عبارة عن مجموعة ميكانيزمات داخلية وليست ضربا من الأفضية التخيلية كما كان المعتقد سائدا حولها فأصبحت الطبيعة مع غاليلي “مكتوبة بلغة رياضية” وأصبح الإنسان “سيدا ومالكا لها”، بعد أن كان عبدها إذا فتحول الإنسان من العبودية للطبيعة والعبودية تعني غياب الوعي إلى السيادة عليها وتم ذلك عن طريق العمل . فالعمل حرر الإنسان من الطبيعة وحقق له استقلاليته عنها وأكسبه إنسانيته وبالتالي وعيه .

‏ومن خلال تحليلنا لمساهمة الطبيعة في تحديد الوعي بالذات تبين لنا أهمية هذا العامل لدى الإنسان ولكن الغير قد يأخذ كذلك بعدا اجتماعيا أي إن الغير يمثل المجتمع فكيف يحقق المجتمع للفرد أو للإنسان بصفة عامة وعيه؟

‏يقول ابن خلدون “الإنسان مدني بالطبع” ومدنية الإنسان أكدت عليها كذلك الدراسات الانتروبولوجية التي أكدت أن الإنسان خارج إطار اجتماعي هو أقل من الحيوان . فالاجتماع إذا ضروري للإنسان فما هو تأثير المجتمع على الإنسان؟ بعرف ابن خلدون الإنسان بأنه «ابن مألوفه وابن عوائده” وهنا تأكيد عل الطابع الاجتماعي للإنسان. فالمجتمع يمكن الإنسان من الوعي بل أن وعي الإنسان يتحدد عبر الاجتماع الذي يحقق له إنسانيته . ‏فعن طريق الثقافة يهذب الإنسان من غرائزه ويجعلها وفق متطلبات ذلك المجتمع وبالتالي يحقق التكيف مع مجتمعه والتكيف الاجتماعي يعبر عن اكتساب الوعي فالمجتمع يساهم بدور كبير في تحقيق شخصية الإنسان . فشخصية الفرد لا تتحقق إلا بوجود إطار اجتماعي يمكنها من الوعي بذاتها كذات مستقلة عن بقية الأفراد وفي نفس الوقت تكون تحمل شخصية ذلك المجتمع فكل فر د يحمل الشخصية الجمعية كما عبر عن ذلك دوركايم. ووعي الإنسان يتحدد انطلاقا من الثقافة والحضارة حيث يؤكد فرويد أن الثقافة ضرورية للإنسان اعتبارا من إن الثقافة تحقق إنسانية الإنسان وتجعله كائنا متميزا عن غيره ولكنه يعتبر إن “‏الإنسان بالفرض والقوة عدو للحضارة» فكيف يتم تجاوز هذه المقارنة؟ إن فرويد يؤكد على ضرورة حسن استعمال الثقافة لان سوء استعمالها يوقعنا في الصراع بين الثقافة والإنسان مما يتولد عنه الكبت والقمع إلا أن هذا الكبت والقمع هو الذي يولد ويصنع الحضارة حسب فرويد ويبرز أساسا في تصعيد ذلك الكبت في انتاجات فنية وإبداعات مختلفة كما بساهم المجتمع في بناء شخصية الفرد التي هي تعبير عن تفاعل بين ما هو فيزيولو جي وما هو بيولوجي غريزي في الإنسان وبين ما هو ثقافي مكتسب وبين المحددات الاجتماعية تتفاعل هذه العناصر فيما بينها لتحدد للإنسان وعيه بذاته داخل إطار اجتماعي وثقافي معين. ‏والثقافة هي خاصية إنسانية إذ أن الثقافة تحدد وتساهم في بلورة وعي الإنسان بذاته بما يضيفه الإنسان على الطبيعة . الم نعرف الثقافة بأنها «كل ما اضافه الإنسان على الطبيعة» ومن هنا نقول أن وعي الإنسان وشخصيته لا تتحدد إلا داخل المجتمع وكذلك وعي الإنسان يحدده العامل التاريخي فكيف يساهم العامل التاريخي في الوعي بالذات؟ التاريخ هو خاصية إنسانية “فالأسان هو الكائن الوحيد الذي يصنع ذاته في نفس الوقت الذي يصنع فيه تاريخه” كما يقول ماركس والقول بتاريخية الإنسان يحيلنا إلى القول بتاريخية الوعي لدى الإنسان فوعي الإنسان ليس معطى جاهز موروث بل يكتسبه عبر مراحل الحياة بل إن عقل الإنسان متطور وخاضع للصيرورة التاريخية . وماركس يؤكد أن وعي الإنسان بذاته لا يتم إلا عبر التاريخ . فالتاريخ هو تاريخ صراع الطبقات والوعي يتحدد أساسا من خلال تحديد العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع .

‏لئن أكدنا مساهمة العوامل الخارجية عن الأنا ني تحقيق الوعي لها فهل هذا يعني أن الذات بمفردها قاصرة عن تحقيق وعيها بذاتها؟ إن نص الموضوع يؤكد إن الغير يساهم في بلورة الوعي للذات ولكنه لا يحقق لها الوعي التام والمطلق بل أن الغير يبلور الوعي بالذات في مرحلة معينة مساهمة منه وليس الوعي الذي يتحقق للذات عبر هذا الغير هو المحدد الأخير بل أن للذات قدرة على تدعيم وعيها بذاتها كذات مستقلة والغير مرحلة ضرورة للذات في بلورة وعيها . فالإنسان في مرحلة أولى يستوعب المحددات البيئية والاجتماعية في ذاته وفي مرحلة ثانية حين يصل إلى مرحلة تخول له النقد والتحقق من مدى نجاعة هذا الوعي الذي اكتسب عن طريق المجتمع أساسا ومن منا تنطلق الذات في عملية نقد وشك في كل الموروث والجاهز ولتصبح الذات هي التي تنتج المعارف. وقد تأكد منذ افلاطون إن الذات هي مصدر الحقيقة ولا يتم الوعي بالذات إلا بالتخلص من كل ما هو سائد وموروث لأنه يخبر عن إيديولوجية معينة كذلك كان مشروع ديكارت في تقويض كل المعارف الجاهزة لتحقيق الذات وعيها بأنها ذات مبدعة خلاقة فاكتشاف الكوجيتو «إنا أفكر إنا موجود» . فالوعي بالوجود حددته الأنا وكل انتاجات الذات عبر التاريخ هو تعبير عن وعي هذه الذات . فاليوم أصبحت تحدد الوعي بمدى رفض الواقع المطموس ومدى وعي الإنسان بضرورة تغيير هذا الواقع بل إن الوعي لا يكفي لتحقيق ما تطلب الذات لذلك لا بد من العمل على التغيير وإيجاد البديل المناسب لهذا الواقع المطموس واقع الاغتراب والاستلاب.

‏إن التأمل في العلاقة القائمة بين الذات والأخر والغير بمستوياتها المتعددة يلاحظ إن العلاقة تنحوا منحى السيطرة والصراع فهذا المجتمع يقمع كل ثقافة مضادة ويسعى إلى تكريس ثقافة وايديولوحية وهذا ما يجعل الذات في حالة استلاب وغياب عن الواقع كما إن العلاقات الإنسانية اليوم المقامة على المصلحية وعلى الاستغلال فإنها لا تعبر عن الوعي بالذات بقدر ما تعبر عن اغتراب هذه الذات . ففي إطار العمل خاصة العمل بمفهومه في عصر الآلة وعصر السرعة وحين أصبح العمل مفروضا فالعمل هو ظاهرة إلزامية قهرية ومن هنا فقد الإنسان ذاته ووعيه بها حين أصبح العمل أداة استعباد للإنسان وليس أداة تحرر. أصبحنا اليوم نتحدث عن مدى وعي الإنسان وكيف يمكن تحقيق هذا الوعي. فان هذا الوعي قتلته مجموعة الضرورات فحرية الإنسان أصبحت لا تتحدد بمدى وعيه بتلك الحرية بل بمدى ممارستها ني إطار الواقع الفعلي بل أصبحنا اليوم نتحدث عن الحرية بقدر ما نتحدث عن تحرر الإنسان من قيود الضرورة، قيود المجتمع. . . ‏ومهما يكن من الأمر فإننا لا يمكن إن ننكر دور العامل الخارجي في تحقيق وعي الإنسان بذاته قد تكون نسبة هذا الوعي كبيرة أو صغيرة تختلف من مجتمع إلى آخر باختلاف المعطيات التي تتوفر في كل مجتمع ولكن المؤكد أن وعي الإنسان مرتبط بالتاريخ فلا يمكن أن نقول أن الإنسان استطاع إن يحقق مرحلة الاكتمال العقلي بل أن ” للعقل بنية متبدلة منذ كان للإنسان تاريخ» عل حد عبارة باشلار ولا يمكن أن ننكر دور الثورات العلمية وانعكاسها عل وعي الإنسان فكل تطور علمي يصاحبه تطور في الوعي لدى الإنسان.

السؤال :*هل الحرية مجرد وهم ؟                                                            الدرس : الحرية والمسؤولية 1

إن الحرية من الموضوعات الفلسفية الغامضة والشائكة التي بحث فيها العلماء والفلاسفة قديما وحديثا فهي اصطلاحا تجاوز لكل إكراه داخلي أو خارجي فالفعل الحر هو الفعل المختار عن رؤية وتدبر وبعقل هذا من جهة المفهوم أما من جهة أنه مسير في جميع أفعاله والآخر يثبت أنه مخير ويملك الإرادة في أفعاله كلها. فما هي الأدلة التي اعتمدوها وما هي قيمها ؟.

يري جملة من الفلاسفة أن الحرية وهم وخيال من إبداع الإنسان فهو لا يملك  القدرة على اختيار أفعاله كلها لأنه مسير فيها فمنهم من نفى الحرية باسم الدين ومنهم من نفاها باسم العلم فالجبرية تؤكد من خلال رائدها “جهم بن صفوان” أن الإنسان مصيره محدد منذ الأزل فهو خاضع لإرادة الله حيث أن الفعل هو فعل الله وليس فعل الإنسان فكل شيء قضاء وقدر فقد اعتمد أصحاب الجبرية على أدلة مفادها أن الأفعال تنسب إلى الإنسان وتضاف إليه مجازا فقط كذلك بالنسبة للظواهر الأخرى فمثلا عندما يقال :”زيد مات”فهذا الأخير لم يمت نفسه وإنما أماته الله سبحانه وتعالى وأكدوا أن الله هو الخالق الفعال لما يريد لا يشبه أحد من خلقه ومن قال أن الإنسان يخلق أفعاله بنفسه فقد كفر واعتمدوا دليل نقلي كقوله تعالى:      (قل لن  يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)

أما الحتميين أمثال “دور كايم وفريد” فقد اعتمدوا على أدلة علمية لتبرير موقفهم تتمثل في أن الإنسان مائل للظواهر الطبيعية فهو يخضع لنقص الشروط التي تخضع لها بما أن الطبيعة الفيزيائية تخضع للحتمية الفيزيائية فكذلك الإنسان يخضع لها و إثباتهم من الناحية البيولوجية بمعطياتها الوراثية تتحكم في أفعال الإنسان إذا اختلت اختل توازنه وإذا توازنت توازنت أفعاله فهو إذن خاضع لحتمية بيولوجية كما أفادوا بأن الإنسان مقيد بحتمية نفسية فاللاشعور حسب فرويد يتحكم في أفعال الفرد بحيث كل ما يفعله هو خاضع للاشعور . أما دوركايم فيؤكد بأن الفرد من صنع المجتمع فهو لا يستطيع أن يفعل إلا ما يمليه القانون الاجتماعي ولهذا فهو خاضع للحتمية الاجتماعية .

لقد وجهت العديد من الانتقادات لأصحاب هذا الموقف تتمثل في أن فكرة الجبرية دعوة للخمول والكسل وتأكيد بأن الإنسان خاضع بصفة مطلقة للإرادة الأهلية فهو كالريشة في مهب الريح لا يملك القدرة على توجيه أفعاله فإذا كان هذا صحيحا لماذا يرهق الفرد نفسه بالعمل ويجتهد مادام مصيره معلقا ومستقبله محددا فهنا الجبرية نفت غاية الأنبياء والرسل ويوم القيامة كما أسقطت التكليف واستغلت هذه السياسة من طرف حكام بني أمية لتبرير فسادهم وظلمهم أما الحتميون فقد فرقوا بين الإنسان والكائنات الحية الأخرى ينقاد وراء غرائزه وأهوائه فحاشى أن يكون الإنسان كذلك إذ أنه  يملك العقل والإرادة وباستطاعته  تجاوز كل إكراه داخلي أو خارجي فبواسطة العلم والتقنيات  المتطورة يستطيع تكييف الظواهر المحيطة به لصالحه وبذلك يحقق العديد من المنافع الاجتماعية والطبيعية فقد قيل قديما ” إذا عرفت استطعت “.

يرى جملة من العلماء أمثال الشهرستاني ـ كانط ـ ديكارت ـ برغسون أن الحرية ليست وهما من صنع الخيال وإنما واقعا حيث أن الإنسان حر في أفعاله ويملك حق الإرادة والاختيار و اعتمدوا في موقفهم أدلة مفادها أن الحرية حالة  شعورية ذاتية فالإنسان يعلم أنه حر من أحاسيسه ومشاعره ويملك القدرة  على التمييز  بين الأفعال الإرادية واللاإرادية فإذا أراد الحركة تحرك وإذا أراد السكون سكن وهذا ما أكده الشهرستاني وكما أكد ديكارت أيضا إن الحرية فكرة لا يمكن إنكارها لأنها بديهية لا تحتاج إلى برهان أما برغسون فيرى أن الحرية لا تدرك في علاقاتنا بالغير (الأنا السطحي ) بل تدرك من خلال داخلنا ( الأنا العميق ) وقد قدموا أيضا دليل أخلاقي مفاده أن الحرية قيمة أخلاقية لا يمكن إنكارها أما  كانط فيؤكد بأن الحرية مسلمة لا تحتاج لدليل يؤكد الواجب الأخلاقي كما أكدوا بأن عقود الإيجار والبيع لا تبرم إلا على أساس الحرية والدليل  ميتافيزيقى مفاده أن الإنسان لا يفعل إلا الأفعال الناقصة والكمال لله وحده إن أصحاب هذا الموقف جعلوا الإنسان منطويا على ذاته لا يشارك الآخرين ولا يشاركونه في الحرية كما نرى أن كانط لم يثبت الحرية وإنما وضعها كشرط للواجب الأخلاقي كما أن الإنسان قد يفقد حريته داخل المجتمع الذي ينتمي إليه فلا يكفي أن نكون أحرارا إنما علينا تحرير من حولنا فنحن في حقيقة الأمر مكبلون بقيود فالمجتمع الخاضع للاستعمار أفراده مسيرون في أفعالهم ، إذن الحرية لا أساس لها في الواقع .

إن الإنسان ليس مسيرا تسييرا مطلقا ولا مخيرا تخييرا  مطلقا فحريته محدودة فهو يملك القدرة لتحديد أفعاله لكن قدرة الله عز وحل غالبة على كل أفعال الإنسان كقوله تعالى (( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) . نخلص في النهاية إلى أن الحرية موضوع شائك اختلف فيه الكثير من الفلاسفة في الحقيقة هي بجانب الرأي الثاني كما نادى فريق آخر بالتحرر الذي جعل منه وسيلة للتعبير عن ضروريات أساسية لمعرفة الإنسانية وقيمها  السامية التي تؤكد بأن العلم سلاح ذو حدين حيث يقول اكسبيري : “لا حرية إلا تلك التي ترسخ الإنسان طريقا نحو هدف معين “

أطروحة (إيمانويل مونييي) تقول : أن حرية الشخص مشروطة ، نظرا للعلاقة القائمة بين الأنا والآخر.

                                                                               الدرس : الحرية والمسؤولية 2

2-صاحب الأطروحة : هو الفيلسوف الفرنسي المعاصر إيمانويل مونييي (1905-1950)، وهو رائد التيار الشخصاني بفرنسا، أنشأ مجلة “الروح” في أكتوبر 1932، ودعا فيها إلى مناهضة الحضارة الأوربية التي تقوم على المادية المفرطة وهو ما جعلها تعاني من أزمة روحية، أي غياب تربية روحية شخصانية، فالمهمة الرئيسة في نظر مونيي ليست هي تغيير العالم وإنما تغيير الفرد، أي دعم كماله الأخلاقي الذاتي الروحي، ودعا مونييه إلى قيام التربية على ثورة روحية تعيد الوحدة بين الروح والمادة في الشخصية، وتتأسس على نزعة إنسانية تنظر إلى الشخص باعتباره كائنا يعيش في إطار اجتماعي كوني، متفتح على الأشخاص الآخرين في المجتمع والكون ويتمتع بروح متسامحة، إزاء كل الأديان، ولذا رفض مونيي الماركسية والمادية بكل أشكالها.

3-الإشكال: هل حرية الفرد مطلقة أم مشروطة؟  

4-المفاهيم:

§التحرر: تدل لدى الفلاسفة الشخصانيين على فعالية يحياها في استمرار شامل كل واحد منا في تضامنه مع مجموع الإنسانية.

§شخصنة: عملية تشير إلى أن الإنسان أو الكائن لا يتخذ قيمته إلا في الوقت الذي يدخل في عالم مشخصن.

§القـيم: كل القواعد والأخلاق والمبادئ الاجتماعية التي يتواضع عليها الأفراد (المجتمع)، ويحرصون على صونها وتمريرها إلى كل فرد يدخل هذا المجتمع.

5-الأطـروحة: يرى مونيي أن الشخص لا يحقق وجوده مع الآخرين إلا في إطار الفعل الحر المتجدد، فحرية الشخص موجودة في ذاته، وهي مشروطة بالوضع الواقعي له، وهي لا تتحقق إلا عندما يتجه الإنسان نحو التحرر في إطار التشخصن، أي الخروج بالذات من عزليتها وفرديتها والاتجاه نحو الشخص عبر الانفتاح على الآخرين والتواصل معهم، وتحمل مصائرهم وآلا مهم بكل كرم ومجانية.  

6-الأفكار الأساسية:

×حرية الإنسان هي حرية شخص، وهذه الحرية تكون ملازمة لواقعه.

×أن يكون الإنسان حرا معناه أن يقبل ظروفه واقعه.

×الوعي هو وعد وبادرة للتحرر

السؤال :  متى يمكننا الحكم على الإنسان بأنه مسؤول عن أفعاله ؟       الدرس : الحرية والمسؤولية 3

الموضوع يعالج وفق الطريقة الاستقصائية

المقدمة:(4ن)

تصدر عن الإنسان جملة سلوكات وأفعال يترتب عنها جزاء .(ثواب أو عقاب)،غير أن هذا الجزاء لا يمكن تبرير مشروعيته إلا إذ ثبتت مسؤولية صاحب الفعل عن فعله.

– الإشكال: فما طبيعة المسؤولية ؟ وما هي شروط تحققها وثبوتها؟

التوسيع:(12ن)

بيان طبيعة القضية:

تعني المسؤولية في العرف القانوني تحمل الإنسان لتبعات أفعاله من حيث هو فاعلها ،سواء يحملها لنفسه (مسؤولية داخلية أخلاقية ) بواسطة سلطة الضمير الخلقي،أو يلحقها بغيره (مسؤولية اجتماعية) بواسطة سلطة القوانين الوضعية ..إلخ ولا نستطيع أن نلحق به هذا الجزاء إلا إذا تأكدت وثبتت مسؤوليته في الفعل وهي لا تثبت إلا إذا كان عاقلا (واعيا) أي لديه القدرة على التمييز بين الخير والشر،وبين الحسن والقبح ،وبين الصالح والطالح ،وإلا إذا كان حرا (الحرية) أي لديه القدرة على الفعل أو الترك .

2-إثبات وجود القضية:

جملة القوانين الوضعية والمحاكم الحديثة أو الجنائية تبني العقوبة(المسؤولية)على أساس تحقق شرطي العقل والحرية فيها ،فغير العاقل غير مسؤول فهي لا تعاقب المجنون ولا الصبي..إلخ .وهو ما نجده واضحا في القانون الشرعي في قوله (صلى الله عليه وسلم ) : ” رفع القلم عن ثلاث : عن المجنون حتى يعقل وعن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ”.فهؤلاء الثلاثة يشتركون في غياب عنصر الوعي لذلك فهم غير مسؤولين حتى يرجع وعيهم .كما أن القوانين الوضعية والشرعية لا تحمل المسؤولية للمكره غير الحر،والمدفوع إلى الفعل دفعا.

3-بيان قيمة القضية:

بناء المسؤولية على شروطها يحقق إنسانية الإنسان ويحقق العدالة الاجتماعية وتسود الفضيلة بقيام المسؤولية في المجتمع،والمساواة بين الأفراد.

الخاتمة: 4- بيان حقيقة القضية :

يمكننا الحكم على الإنسان بأنه مسؤول عن أفعاله إذا تحققت شروطها فيه وهما شرطا العقل والحرية لذلك فقدان أحد الشرطين في الفعل يبطل ويسقط مسؤولية الشخص عن فعله.

السؤال :قيل: يبرر العنف دائما بأنه رد فعل ضد عنف الآخرين .                    الدرس : العنف والتسامح

                حلل هذا القول وناقشه مبينا إلى أي مدى يمكن أن تقوم العلاقة مع الآخر على غير العنف ؟.

المقدمة :

طرح المشكلة:     لقد أصبح العنف هو القاعدة سواء في العلاقة بين الأفراد أو العلاقة بين الدول وهذا الوضع يهدد الوجود  الإنساني … هل نحتاج في مواجهة عنف الآخرين إلى عنف مضاد ؟ أم أنه بالإمكان أن نؤسس علاقتا معهم على اللاعنف ؟

التحليل:

  1. أصناف العنف:  

العنف سلوك إيذائي يصنف إلى شرعي وغير شرعي.

البحث عن مبرر يتضمن إدانة للعنف اللامشروع.

 تعارض العنف مع العقل والحق والخير الأسمى.

مع ذلك تعمد للعنف.

  • مبررات العنف المضاد:
  • المجال السياسي: تبرير عنف الدولة كمقاومة لعنف الأفراد بغية تحقيق الأمن والعدالة …
  • المجال الأخلاقي: تبرير اللجوء إلى العنف بالدفاع عن قيم أخلاقية ضد نزوع بعض الأفراد إلى خرقها. 
  • قد يدعي هذا العنف الدفاع عن مبادئ عليا
  • عنف الوقاية والقصاص والحماية لا يرى غير العنف سبيلا لمقاومة عنف الآخرين.

المنـــاقـــشــــــــــة:

      المكـــــــــــاسب:

الاستهجان الضمني لتبرير العنف

العنف مظهر من مظاهر العجز واليأس

تأبيد علاقات الصراع لأن العنف لا يولد غير العنف

 تعارض العنف مع حياة تطمح أن تكون إنسانية حقا تبنى على الحوار والاحتكام إلى العقل.

استخلاص أن اللاعنف هو أفضل حل للخروج من الدائرة المفرغة للعنف والعنف المضاد (غاندي).

      الــحــــــدود:

لا يبرر العنف على أنه “رد فعل” إذ قد يبرر أحيانا بردعه إلى نوازع متأصلة في طبيعة الإنسان (المرجعية الفرويدية).

قد يرتبط العنف بحتمية تاريخية تجعله يتجاوز التبرير.

الخاتمة:

الحل: حتمية استبدال علاقات العنف بعلاقات الحوار والتواصل باعتبارها العلاقات التي تتطابق مع جوهر الإنسان بما هو كائن عاقل ومدني.

السؤال : أيهما أخطر العنف المادي ؟ أم العنف الرمزي ؟

في رحلة بحث الإنسان عن حقيقته عبر الزمن أثبت الفلاسفة أن الإنسان في حاجة إلى الآخر لتحديد انيته و تحقيق ذاته ووجوده ضمن العالم. و استجابة لهذه الحاجة للآخر اعتمد الإنسان مجموعة من الأنظمة التي تمكنه من التواصل مع الآخر، تعرف هذه الأنظمة بالأنظمة الرمزية و هي وسائل تواصل اتخذت أشكالا متعددة كالدين و اللغة و الصورة و تهدف إلى تحقيق التواصل بين الأفراد. و لكن هذه الوسائل تطورت مع تطور الإنسان فأصبحت تشكل عنفا رمزيا قد يضاهي العنف المادي أو قد يكون أخطر منه.
فكيف أصبحت وسائل التواصل وسائل عنف؟
أيهما يشكل خطرا أكبر؟ أهو العنف المادي أم العنف الرمزي؟
كيف يمكن أن نتجاوز هذا الخطر؟
إن النظر في هذه المسألة يقر بفشل الأنظمة الرمزية في تحقيق دورها المنشود و أنها أصبحت عائقا أمام التواصل. بالتالي نحن مطالبون بالحد من العنف بجميع أشكاله من خلال نقد الأوضاع و إيجاد الحلول.
لا يخفى على المتأمل في واقعنا المعيش أن العنف أصبح منتشرا بين أفراد جميع الفئات الاجتماعية و يشمل جميع الميادين الحياتية. فالعنف المادي أصبح عادة اجتماعية متجذرة فينا و أصبح هو الوسيلة المثلى لتحقيق الرغبات و المطالب.
و العنف المادي هو إلحاق أضرار مادية بالآخرين من خلال الاعتداء بالضرب أو استخدام السلاح كما يمكن أن يكون اعتداء على

أملاك الآخرين بطريقة مباشرة وهو وسيلة معتمدة لاغتصاب الحقوق و ارهاب الغير. و انطلاقا من هذا المبدأ يلحق العنف المادي أضرارا خطيرة بالأفراد على المستوى الجسدي كالإصابات والكسور و على المستوى النفسي كالخوف و الكره و الخضوع. بالتالي فان العنف المادي يكرس العداوة و القطيعة و الحقد بين الأفراد فيصبح بذلك عائقا رئيسيا أمام التواصل فهو يفرق بين الناس و يدعو إلى المواجهة المباشرة العنيفة عوضا عن الحوار الذي يمثل الركيزة الأساسية للأنظمة الرمزية.
يمكن أن نسلم بأن العنف المادي من أخطر العوائق أمام التواصل الإنساني فهو المصدر الأساسي للخصومات و المعارك.
و لكن هل يعتبر هذا العنف هو الأخطر من بين أشكال العنف المعتمدة اليوم؟
اتخذ العنف اليوم أشكالا أكثر تطورا و أكثر “جمالا” فلم يقتصر على العنف المادي الجسدي المباشر بل أصبح يعترضنا أينما ذهبنا و أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. إنه موجود معنا في تعاملاتنا اليومية فيسلط علينا و لانعي به. أصبح العنف ميزة الأنظمة الرمزية و هو ما يسمى بالعنف الرمزي أي ذلك العنف الذي تمارسه علينا وسائل التواصل.
و يتمظهر هذا العنف في جل الوسائط الرمزية و يتخذ أشكالا متنوعة و ملتوية تدعمها و تساعد على نشرها وسائل الاتصال. فنجد مثلا في مجال الصورة مشاهد عنيفة تصور الحروب و المعارك و الدماء و الضحايا و الأشلاء فتمارس بذلك ضغطا علينا يكرس فينا الخوف و الرهبة و التبعية. كما يدعم المشهد الإعلامي هذه النزعة من خلال اعتماد الإشهار للترويج للمنتجات و رغم ما تبدو عليه هذه الصور من جمالية و إبداع فإنها أقوى أشكال العنف الرمزي الذي يمس الجانب اللاواعي من الإنسان فتكرار نفس المشاهد و نفس الكلمات بصورة متتالية أو ما يعبر عنه بالفرنسية “le matraquage “
يجعلنا خاضعين لتلك الصور و منقادين بها و هو ما يحقق مصالح الرأسمالية للحث على الاستهلاك.
و لم يسلم الدين أيضا رغم قداسته من اعتماده سلاحا لمحاربة الغير و الاعتداء عليهم. و يتشكل العنف الديني في الإرهاب و التعصب و التطرف الذي أصبح ردة فعل طبيعية لما يلحق المقدسات من مس بحرمتها و قدسيتها فانتهاك حرمة المساجد و حرق الكنائس يعتبر اعتداء على إنسانية الأفراد و كرامتهم و هذا العنف يولد ردة فعل مقابلة قد تكون أعنف من الأولى.
و يمكن أن تتبين أن العنف قد اتخذ أشكالا خفية تلمس فينا جوانبنا اللاواعية فترسخ فينا و تصبح مقبولة في مجتمعاتنا فلا نصدها و لا نحاربها. فالصور الخليعة و الكلام البذيء في المشهد الإعلامي لم تعد تعتبر مسا بالحياء و الأخلاقيات نظرا لتعودنا عليها. إذن فالعنف الرمزي الذي تمارسه علينا أنظمة التواصل و الذي تدعونا إليه من خلال إثارة جوانبنا الإنسانية و المس من معتقداتنا و تقاليدنا و خصوصيتنا اتخذ أشكالا خفية لا تظهر للجميع و لا يفهمها عامة الناس. حيث ترسخ و تتجذر فينا دون وعي منا و بالتالي لا نتمكن من إيقافها و الحد منها.
و نظرا لقدرة الأنظمة الرمزية على التعبئة و جمع الناس حول نظام رمزي معين كاللغة و الدين يصبح العنف المادي هو النتيجة المباشرة للعنف الرمزي المستبطن، فعند أول صدام بين يهودي و مسلم يسترجع المسلم مشاهد القتل و الدمار و الحرب في فلسطين التي بقيت مخزنة في لاوعيه و يعبر المسلم عن عداءه و حقده على ذلك اليهودي باستخدام العنف المادي الذي يتمظهر في الإرهاب و الحروب بدافع الانتقام. و بالتالي يتأكد فشل الأنظمة الرمزية في تحقيق غايتها الأساسية وهي تحقيق التواصل و الانسجام و نشر قيم الأخوة و التفاهم بين الشعوب و على عكس ذلك تربي الوسائط الرمزية الفرد منذ الصغر من خلال الألعاب الالكترونية و الأفلام مثلا على العنف. فتنمو بذلك الكراهية و الحقد في ذهن الفرد و تكمن منتظرة فرصة لتظهر للغير فتبرز من خلالها سوء الوضع الذي يعيشه العالم في ظل أزمة التواصل و هذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كان العنف المادي هو نتيجة مباشرة للعنف الرمزي و بالتالي يعتبر أقصى مظاهر العنف أم أن العنف الرمزي ينطلق من واقعنا المشبع بالعنف المادي ؟

ولكن المسألة الأهم و الأكثر إلحاحا في عالمنا المعاصر ليست مسألة المصدر أو النتيجة بل هي مشكلة فشل الأنظمة الرمزية في لعب دورها المطلوب و ما ينجر عنها من أشكال للعنف.
فالعنف المادي و العنف الرمزي يشكلان خطرا جسيما على المجتمعات و الشعوب و بالتالي يشكلان عائقا أمام التطور البشري الذي يرتكز على التواصل و الحوار و النقاش. و هذا العائق يتسبب في خلق أزمة تواصل عالمية عجزت فيها وسائل التواصل رغم تعدد و سائل الاتصال عن جمع البشرية حول قيم موحدة أساسها الأخوة و التسامح و السلام.
و في ظل هذه الظروف وجب على الأفراد أن يتبصروا و يعملوا عقولهم في ما يدور حولهم حتى لا يقعوا في فخ الأنظمة الرمزية كما يجب أن يكتسب الإنسان، ذلك الحيوان الرامز، بعدا نقديا فلا ينخدع ب”براءة الوسائط الرمزية” و لا يصبح فريسة سهلة في يد أصحاب السلطة و القرارات الذين يرغبون في تسيير العالم وفق رغباتهم و مخططاتهم تحت شعار “العولمة” التي ما فتئت تدعم الاغتراب و التبعية و الخضوع.
كما يجب تدعيم قيم التسامح و نبذ العنف و التطرف انطلاقا من العائلة و من البرامج التعليمية حتى يتحصن الفرد من خطر العنف.
إن العالم اليوم يشهد أزمة حقيقية لا يمكن إنكارها و قد أدت هذه الأزمة إلى تدهور الأوضاع لأن كلا من العنف المادي المباشر و العنف الرمزي يشكلان خطرا حقيقيا على الشعوب وهو ما يجب اتخاذ إجراءات تجاهه. و هذا الخطر يشكل دعامة من دعائم أزمة التواصل التي يجب تجاوزها للدفع بالبشرية إلى التطور..

و لكن رغم وجاهة السؤال المطروح للنقاش فان الإجابة عنه تخلق مشكلا أكبر و هو إمكانية تجاوز هذا العنف سواء وقع اعتباره سببا أم نتيجة . و هل أن الأنظمة الرمزية في حد ذاتها هي سبب أزمة التواصل؟ أم أننا نعيب عليها و العيب فينا، نحن الذين لم نعرف كيف نوظفها و لم نحسن استغلالها؟


تحليل النص                                                                      الدرس : المذاهب الفلسفية2

النص:(هناك ثلاثة أنماط من نظرية المعرفة ،مما يطلق عليه اليوم كلمة “مثالي”ونستطيع أن نفرق بينهما بأن أحدها هو النمط المستند إلى الإدراك الحسي ، وتمثله نظرية بركلي ، وثانيها هو النمط العقلي ، وثالثها هو النمط المنطقي ، والفرق بين الأول والثاني إنما ينشأ عن إقحام فلسفات كونية مثالية ، إقحاما يؤدي إلى الفصل الذي ناقشناه فيما سبق – بين ما يدرك في التجربة إدراكا حسيا ، وبينما تتكون فكرته العقلية في التصور الذهني ، وأما النظرية الثالثة فتمثل محاولة للتغلب على هذا الإنقسام ، وذلك بالرجوع إلى نوع من الخبرة يندمج فيها ما يدرك بالحس وما يدرك بالعقل إندماجا تاما ، وأعني بها الخبرة المطلقة).                                                   (جون ديوي)

  1. بلورة المشكلة:

المشكلة التي يطرحها جون ديوي هنا هي مشكلة المعرفة من وجهة نظر ثلاثة إتجاهات فلسفية ، وهي التجريبية – العقلانية – والكنطية ( نسبة إلى كانط ) ويبلور موقفه البراغماتي من خلال تحديد طابع النقص الذي وقعت فيه كل نظرية من النظريات الثلاثة باقتصارها على جانب وإهمال الجوانب الأخرى .

  • التحليل :

لقد كانت نظرية المعرفة من بين النظريات الأكثر جدلا في مجال الفلسفة ذلك لأنها لا تتناول بالنقد المعارف التي وصل إليها المفكرون فقط ، بل تتجاوز ذلك إلى الوسائل التي بنى بها هؤلاء معارفهم أي نظرياتهم الفلسفية ، فهي تتناول بالنقد النظرية والمنهج ووسيلة المنهج هل عقلية أم حسية ، ويحدد ( جون ديوي ) هنا ثلاثة نظريات واضحة في مبادئها كما هي ، واضحة في تعارضها ، وهي كلها مثالية حسب مفهومنا ، لأنها تقابل النظرية الواقعية للعلم اليوم .

والنظرية الأولى هي النظرية التجريبية التي ترجع مصدر المعرفة إلى الإحساسات ويمثلها تاريخيا باركلي ، ومقولتها المشهورة عقلنا صفحة بيضاء تكتب عليها الإحساسات المعرفة الممكنة. وهي بهذا طرح التجريبي الضيق على حد تعبير جون ديوي تفضل جانبا هاما وهو العقل الذي ننظر إليه نظرة سلبية.

وثاني هذه النظريات هو المذهب العقلي الذي يرى أن للإحساسات وجود فلا يمكن إنكارها ، لكنها ليست مصدرا للمعرفة كما يزعم التجريبيون ، ففي العقل المعاني الفطرية السابقة على التجربة ، وهذه المعاني هي أصل المعرفة ، ونلمس هذه الفكرة بشكل واضح عند أفلاطون في نظرية المثل ، فالمثل العقلية هي الحقيقة وهي الأصل ، وأما العالم الحسي فهو مجرد ظل أو صورة منعكسة عن المثل ، وتستمد النفس هذه المعاني الفطرية من عالمها (المثل) الذي كانت فيه قبل حلولها بالبدن.

ويهذب أرسطو نظرية المثل الأفلاطونية بإحلال الماهيات أو الجواهر محل المثل فالمعاني الفطرية عقلية ، وهي (الماهيات).

وهكذا نلمس الفرق بين النظرية الأولى والثانية ، في أن الثالثة أقحمت الفلسفة المثالية مع أفلاطون والفلسفة الكونية مع أرسطو بينما إقتصرت الأولى على معطيات الحس ولكنها قامت كرد فعل ضد النزعة العقلية.

أما نظرية كنط فقد حاولت أن تضع حدا لما نتج عن تطرف كلتا النظريتين السابقتين. تطرفا أفضى إلى الإنقسام في المجال المعرفي بينما يدرك بالتجربة إدراكا حسيا وبينما يتكون كفكرة عقلية بواسطة التصور ، فعبارة كنط الإدراك الحسي قوة عمياء بلا عقل ، والعقل قوة جوفاء بلا إحساس ، نقد لتطرف كلتا النظريتين فالمعرفة تنشأ من التركيب بين معطيات التجربة التي يكون الحدس الحسي هو أداتها ووسيلتها ، وبين مقولة العقل القبلية الحاصلة كمعاني في الذهن والفهم هو الذي يقوم بعملية التأليف. لكن ما يترتب منطقيا على نظرية كنط هو أن معرفتنا محدودة بحدود الواقع ، أي عالم الظواهر. فالمقولات العقلية هي قوالب ومفاهيم تندرج ضمنها الخبرة الحسية المكتسبة ، وعندئذ وبهذا المعنى لا يمكننا أن ننشئ معرفة متعلقة بالعالم غير الحسي الذي لا يدركه الحدس الحسي ، وما يمكن هو عالم الظواهر أما الأشياء في ذاتها التي لا تدرك حسيا لا يمن معرفتها.                                      

بحث في الإفتراضات:

  • هناك ثلاثة نظريات في المعرفة التجريبية عقلية كنطية.
  • الإختلاف بين الأولى و الثانية نشأ عنه الفصل بين المعرفة المستفادة بالتجربة الحسية وبين التصور العقلي.
  • نظرية كنط تحاول حل مشكلة الإنفصال التي نشأت عن كلتا النظريتين بالتركيب بينهما بواسطة الفهم.

بعد حوصلة الأفكار الجزئية ننظر في الإفتراضات:

  • الإفتراض الأول: نشأ عن تعارض النظرية العقلية والتجريبية إنفصال المعرفة التي تكتسب بالتجربة الحسية عن المعرفة التي يكون مصدرها التصور العقلي وكأنهما منفصلان.

تقييم:

الدليل: إذا كانت المعرفة مصدرها الإحساسات على ما يقول التجريبيون فإن العقل لا وظيفة له ، وإذا كانت المعرفة مصدرها العقل فإن التجربة لن نحصل منها على معرفة ما ، وعندئذ إما أن تكون المعرفة مصدرها العقل أو مصدرها التجربة. والنتيجة أن هناك إنفصال بين العقل والتجربة.

صورة الدليل:

ننظر في كلتا الحالتين المتعارضتين في القياس الشرطي المنفصل.

الحالة الأولى:

(التجريبيون):

 إما أن يكون العقل هو مصدر المعرفة أو التجربة

لكن العقل ليس هو مصدر المعرفة    

إذن التجربة هي مصدر المعرفة

(العقليون):

إما أن تكون التجربة هي مصدر المعرفة أو العقل

لكن التجربة ليست هي مصدر المعرفة

إذن العقل هو مصدر المعرفة

إذن لا يمكن إجتماع التجربة والعقل في المعرفة فهما ضدان متعاندان وهذا ما نتج عنه الإنقسام. ومن بين نتائجه إلغاء الفروض العلمية عند جـ.س.مل.

ويكون موقف كنط هنا موقفا توفيقيا بحيث يميز بين الفهم الذي يقوم بالتركيب بين معطيات التجربة الحسية والمقولات العقلية ، وبين المنطق الذي هو أداة الإستدلال. فالفهم قوة تأليف وتركيب ، بينما النطق هو مجرد أداة إستدلال ، يثبت القضية ونقيضها في آن واحد. وهو ما يسمى (متعارضات العقل) Antinomie.


تحليل النص:                                                                     الدرس : الرياضيات والمطلقية5

من يدلي في العلوم الرياضية بأن قضية ما هي قضية حقه فإنه لا يدلي إلا ما يلي: “أن هذه القضية تستنتج استنتاجا منطقيا من قضايا أخرى بدأت بالتسليم بها” فالرياضيات علوم اصطلاحية إننا نفترض بعض المبادئ ونطلب التوفيق فيما بينها ، وبناء على هذه المبادئ المقترحة ، نثبت وجوب اعتبار بعض القضايا قضايا لازمة فعندما أقول: أن هذه القضية حقه فمعنى قولي أنها تستنتج استنتاجا منطقيا من بعض البديهيات (المصادرات) الأولية وعليه ليست الخصائص الرياضية سوى تكرارات صحيحة للتعارف أو الإفتراضات.

بما أن التعاريف هي المبادئ الوحيدة التي يثبت كل شيء بناء عليها ،ى وبما أنها اعتباطية ونسبية ، لذلك تكون النتائج الممكن استخلاصها من هذه التعاريف هي أيضا نتائج اعتباطية ونسبية فما يسمى حقائق رياضية يقتصر إذن على أفكار تشكل وحدة ذاتية ، وليس لها أي وجود حقيقي ، إننا نجري افتراضات ونحاكم بناء على افتراضاتنا ونستخلص منها بعض النتائج ومن هذه النتائج نخلص إلى نتائج نهائية إلى قضية حقه بالنسبة إلا افتراضنا ولكنها ليست أكثر واقعية من الإفتراض ذاته”                                                                      (بوفون)

  1. بلورة المشكلة:

المشكلة المطروحة هنا تتعلق بعلم الرياضيات فيتساءل (بوفون) ما إذا كانت الرياضيات علما يبحث عن حقيقة ما أم هي مجرد دوران عقلي حول قضايا معلومة منذ البداية في أولوياتها وبديهياتها أي تحصيل حاصل أي المشكلة التي يطرحها هي ما هي الحقيقة التي يمكن للرياضيات أن تعبر عنها وتؤكدها ؟

  • التحليل:

إن من يعتقد في مجال الرياضيات أن القضايا التي تعبر عنها الرياضيات هي قضايا صحيحة كل ما يفعله هنا 

أنه يقول: (أن هذه القضية تستنتج استنتاجا صحيحا من قضايا أخرى بدأت بالتسليم بها).

فالرياضيات علم اصطلاحي حي قائم على قبول معنى الحدود والعبارات المستخدمة وبناء عليها نفترض بعض المبادئ ونثبت ضرورة اعتبار القضايا الأزمة عن هذا الإفتراض ، فالقضايا التي نعتبرها حقة هنا هي قضايا استنتجت من بعض البديهيات وعندئذ الحقائق الرياضية هي تكرارات صحيحة للتعاريف والافتراضات وليس فيها أي شيء جديد خارج عن نطاق ما افترضناه في البداية.

وبما أن التعريف وضعناها نحن وبما أنها هي المبادئ التي سوف تترتب عليها النتائج وبما أننا وضعناها بكيفية اعتباطية فإن النتائج سوف تكون اعتباطية ونسبية. 

وما يعتقدون أنه حقيقة في مجال الرياضيات فهي أفكار لها وحدتها الذاتية الخاصة ، وخارج هذا النطاق لا وجود لها فليس ثمة في العالم ما يمكن أن تعبر عنه أو تصفه.

والنتائج التي تصل إليها هي نتائج مستخلصة من افتراض مسبق ، غير أن هذه النتائج لن يكون لها وجود واقعي أكثر من الإفتراض ذاته ، فليس للافتراض ولا للنتائج أي وجود واقعي يمكن أن يشكل حقيقة وإن طبقت هذه النتائج في مجال العلوم والفلك والفيزياء مثلا فإنها تكون من مشمولات هذه العلوم وليست علما رياضيا.

بحث في الإفتراضات:

  • طابع التفكير الرياضي طابع مجرد قائم على الإستنتاج لا يعبر عن حقيقة واقعية.
  • ينطلق التفكير الرياضي من بعض المبادئ والأولويات هي الفروض التي تكون أساس الإستنتاج ويثبت ضرورة لزوم بعض القضايا عن هذه الفروض.
  • الرياضيات علم تكراري قائم على مبدأ تحصيل الحاصل.
  • التعاريف هي المبادئ الوحيدة التي يثبت كل شيء بناء عليها

بعد هذه الحوصلة تنظر في الإفتراض:

الإفتراض الأول: الحقائق الرياضية مجرد تكرارات.

الإفتراض الثاني: التعاريف هي المبادئ التي تقوم عليها وهي مبادئ اعتباطية لأنها لا تعبر عن حقائق واقعية.

  • تقييم:

هل يمكننا أن نحذف علم الرياضيات من قائمة العلوم لأنها لا تعبر عن حقيقة واقعية ؟ ففما يمكن أن يصدق على الرياضيات يصدق على المنطق وعلى كل العلوم التي لا تشير إلى الواقع فالرياضيات علم لأن لها موضوع ولها منهج فمن طبيعة التفكير الرياضي أن يكون مجردا يبحث في حقيقة ذاتية.

الدليل:

والدليل هنا الذي يقدمه مردود ومعناه إذا كانت الرياضيات تفكيرا مجرد فهي لا يمكنها أن تعبر عن حقيقة واقعية لكنها تعبر عن حقيقة ذاتية اعتباطية مستمدة من المبادئ التي نضعها. إذن فهي لا تعبر عن حقيقة واقعية.

وصورته: – إذا كانت الرياضيات علم يجب أن يعبر عن الحقيقة

        لكنها لا تعبر عن الحقيقة

  إذن هي ليست علما.

هذا القياس الشرطي متصل لأن للرياضيات حقيقتها فهي علم له مجاله الخاص وموضوعه الخاص وقوانينه الخاصة.


النص :                                                                       الدرس : العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية
من حق علوم الفكر أن تحدد بنفسها منهجها بحسب موضوعها. فعلى العلوم أن تنطلق من أعم مفاهيم المنهجية ، وتسعى إلى تطبيقها على مواضيعها الخاصة فتصل بذلك إلى أن تنشئ في ميدانها المخصوص مناهج ومبادئ أكثر دقة على غرار ما حصل بالنسبة إلى علوم الطبيعة. وإننا لا نبين أننا التلاميذ الحقيقيون لكبار العلماء إن نحن اكتفينا بأخذ المناهج التي توصلوا إليها ، ونقلناها نقلا إلى ميداننا ، وإنما نكون تلاميذهم بحق حين نكيف بحثنا مع طبيعة مواضيعه فنتصرف إزاء علمنا تصرفهم إزاء علمهم . إن التحكم في الطبيعة يكون بالامتثال لها. وأول ما يميز علوم الفكر عن علوم الطبيعة أن علوم الطبيعة موضوعها وقائع تبدو للوعي كما لو كانت ظواهر بعضها بمعزل عن بعض من الخارج ، والحال أنها تبدو لنا من الداخل واقعا ومجموعة حية أصلا. والحاصل من هذا أنه لا يوجد في العلوم الفيزيائيّة والطبيعية مجموع منسجم للطبيعة إلا بفضل استدلالات تكمل معطيات التجربة بواسطة منظومة من الفرضيات ؛ أما في علوم الفكر فان مجموع الحياة النفسية يمثل قي كل مكان معطى أوليا وأساسيا. فالطبيعة نفسرها، والحياة النفسية نفهمها.

ذلك أن عمليات الاكتساب و مختلف الطرائق التي تترابط بواسطتها الوظائف – وهي العناصر الخاصة بالحياة الذهنيّة- فتشكل كلا ، تمدنا بها أيضا التجربة الداخلية. وهنا نجد أن المجموع المعيش هو الشيء الأولي ، أما التمييز بين الأجزاء التي يتكون منها فلا يأتي إلا في المرتبة الثانية. يترتب على ذلك أن المناهج التي نعتمدها لدراسة الحياة الفكرية و التاريخ و المجتمع مختلفة أشد الاختلاف عن المناهج التي أدت إلى معرفة الطبيعة.

                                                                                               دلتاي
”                                                                                     أفكار في علم نفس وصفي وتحليلي “

الإجابة:
المقدمة:
تفطّن كلود ليفي ستراوس إلى أنّ ما يشرّع لقيام علم يهتمّ بدراسة الظّاهرة الإنسانية هو وجود عناصر ثابتة  وكلّية تتخطّى التّحديدات الزّمانيّة و المكانيّة، أو بالأحرى بنية تمكّن من استخدام المنهج التّجريبي بشكل ناجع  ومفيد.
لكن، ألا يكون هذا النّجاح المنهجي قائما على تجاهل لطبيعة و لخصوصيّة الظّاهرة الإنسانية و رهين استبعاد الإنساني و القيمي و الدّلالي ؟ فهل من إمكان لمنهج يضمن، في آن، الإبقاء على خصوصيّة الموضوع، و تحقيق العلوميّة و الموضوعيّة للعلوم الإنسانية ؟
الأطروحة: إن التّأسيس الفعلي لعلوم الفكر ( العلوم الإنسانية ) يمرّ ضرورة عبر توخّي منهج الفهم و التّأويل.
الأطروحة المستبعدة: لا تنجح العلوم الإنسانية في تحقيق علوميّتها إلا إذا سحبت مناهج العلوم الطّبيعيّة على العلوم الإنسانيّة.
الإشكالية: كيف يمكن تحقيق علوميّة علوم الفكر رغم اختلاف موضوعها الجذري عن موضوع العلوم الطّبيعيّة ؟
أو: هل من سبيل إلى تأسيس العلوم الإنسانية تأسيسا علميّا يراعي خصوصيّة موضوعها ؟
تفكيك عناصر التّحليل:
الفرق بين ظواهر الطّبيعة و ظواهر الفكر ( مستوى الموضوع(
2. إشكال الخيار المنهجي ) التّفسير أم التّأويل ) و إستتباعاته على مسألة علوميّة العلوم الإنسانية.
التّحليل:
1. الفرق بين ظواهر الطّبيعة و ظواهر الفكر ( مستوى الموضوع (
ظواهر الفكر ظواهر الطّبيعة·   تدرك في إطار تجربة داخليّة.
التحام الذّات بالموضوع
· معطاة في التّجربة الدّاخليّة في شكل ” مجموع معيش ” يمتاز بكلّيته و وحدته.
· مهمّة الباحث محاولة فهم التّجربة الإنسانية دون إقصاء القصدي و الغائي و الدّلالي.
· تدرك في إطار تجربة خارجيّة.
فصل بين الذّات و الموضوع
· معطاة في التّجربة في شكل ظواهر مستقلّة و مشتّتة لا رابط بينها.
· مهمّة الباحث تتمثّل في تنظيم و توحيد هذه الوقائع الطّبيعيّة بفضل فرضيّات تحاول الانتباه إلى العلاقات السببيّة الموضوعيّة بين الظّواهر.
و ذلك هو منهج التّفسير.
2. إشكال الخيار المنهجي ( التّفسير أم التّأويل ) و إستتباعاته على مسألة علوميّة العلوم الإنسانية:
· إذا كانت ظواهر الفكر غير ظواهر الطّبيعة، لا يمكن تأسيس علم بها بالاستناد إلى المنهج المعتمد في العلوم الطّبيعيّة كما ذهب إلى ذلك أوغست كونت.
· على العلم الإنساني أن يراعي خصوصيّة الظّاهرة التّي يدرسها و يستبدل التّفسير، من حيث هو يفترض انفصال الذّات عن الموضوع، بالفهم أو التّأويل:
× ” فالطّبيعة نفسّرها “: أي نحدّد شروط ظواهرها و العلاقة الثّابتة بين هذه الشّروط، أي نصوغها في قانون.  وذلك ما تفعله الفيزياء و الكيمياء و الفلك الخ…

× أمّا الظّاهرة الإنسانية فنفهمها. و هذا الفهم هو المنهج الوحيد الذّي يلائم دراسة الظّواهر الإنسانية. و نعني بالفهم الإدراك الحدسي للدّلالة القصديّة لنشاط إنساني ما. فالفهم جهد نحو النّفاذ، وراء الظّواهر المدروسة، إلى الدّلالات و المقاصد الإنسانية التّي صبغتها الذّوات على تجاربها المعيشة.
العالم الإنساني مدعوّ، إذن، إلى استحضار معيش الآخرين في كلّيته دون عزل المعنى و الدّلالة و القيمة.
يقتضي الفهم نظرة إلى الواقعة الإنسانية في كلّيتها و شموليّتها تبتعد عن التّشتيت و التّجزئة ( Comprendre = Prendre ensemble la totalité du vécu humain ).
مثال : فهم إصلاح قانوني أو قضائي معيّن يستوجب النّظر في المجموع التّاريخي، الاجتماعي و الثّقافي الذي أفرز هذا الإصلاح ( دون عزل و إقصاء و تشتيت و تجزئة و ذلك على عكس علوم الطّبيعة  (
إن الوقائع الإنسانية، إذن، لا تدرك من الخارج، كالظّواهر الطّبيعيّة، بل تعاش ضمن تجربتنا الذّاتيّة. و لذلك يسمّي (دلتاي) العلوم الإنسانية بالعلوم الذاتيّة في مقابل العلوم الموضوعيّة.
v الإشكال:
إذا ما سلّمنا بأنّ العلوم الإنسانية هي علوم تعتمد على الفهم و على التّأويل، فكيف يمكن أن تكون لنتائجها و لنظريّاتها صلاحيّة موضوعيّة ؟ ثمّ ألا نسقط في الرّيبيّة و في النّسبيّة حين نرفض مع دلتاي أن تكون هذه العلوم مجرّد تجميع لوقائع منفصلة و مترابطة سببيّا ؟
و هل يقودنا ذلك إلى حدّ الحكم، مع نيتشه، بأنّه ” لا توجد وقائع و إنما فقط تأويلات ” ؟ بحيث نقابل المثل الأعلى الموضوعي، الذي يسعى العلم إلى تحقيقه، بهوّة ذاتيّة نقع فيها في إطار هذه العلوم ؟
-v تجاوز الإشكال:

لا يجب أن نعتقد أنّ دلتاي يقصي التّفسير نهائيّا و يعتبر أنّ العلوم الإنسانية تكتفي بالفهم. فهو مثلا لا يختزل علم التّاريخ في مجرّد فهم الأحداث أو الوقائع. فالموضوعات التّي يتناولها عالم التّاريخ محدّدة بشكل موضوعي في الزّمان و المكان، و هي من حيث هي كذلك تشكّل جزءا من الطّبيعة الخارجيّة يخضع لقوانين السّببيّة.
لكن إن كانت الظّواهر التّاريخيّة تخضع لحتميّة مشابهة لحتميّة الطّبيعة، فهي تتميّز عن هذه الأخيرة من حيث هي ظواهر ذات دلالة، و هي بما هي كذلك لا تتحدّد فقط بسببيّة موضوعيّة و طبيعيّة، بل كذلك و في نفس الوقت بسببيّة قصديه. فلا يمكن، في هذا السّياق أن نقصي نوايا و مقاصد الشّخصيّات التّي ساهمت في هذه الأحداث.
يجب إذن، في إطار العلوم الإنسانية، أن لا نكتفي برصد علاقات سببيّة موضوعيّة تستبعد كلّيا كلّ ما هو كيفي وقيمي و دلالي ( شأن التّفسير في العلوم الطّبيعيّة )، بل من الضّروري محاصرة البعد الدّلالي و الغائي،  والاعتراف بأنّ هذه الوقائع وليدة خيارات قيميّة، غائيّة، أخلاقيّة، سياسيّة، دينيّة، اجتماعيّة، ثقافيّة الخ…
ينتج عن ذلك أنّه يتوجّب على العلوم الإنسانية أن تعرف كيف تراوح بين التّفسير ( لفهم الشّروط الموضوعيّة للوقائع: رصد سببيّة خارجيّة ) و الفهم ( للامساك بالمقاصد و الغايات و تحديد البعد الدّلالي لهذه الوقائع: رصد سببيّة باطنيّة و قصديه – المعنى ( .


 نص : الهوية والشعور                                              الدرس : الشعور بالأنا والشعور بالغير

لكي نهتدي إلى ما يكوّن الهوية الشخصية لابد لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى. فالشخص، فيما أعتقد، كائن مفكر عاقل قادر على التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة. ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة. وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر، بل هو، فيما يبدو لي، ضروري وأساسي تماما بالنسبة للفكر، مادام لا يمكن لأي كائن [بشري]، كيفما كان، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر أنه يدرك إدراكا فكريا.

عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق أو نحس بشيء ما أو نتأمله أو نريده، فإنما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا. إن هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة، وبها يكون كل واحد منا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته، وفي هذه الحالة لا نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرة في الجوهر نفسه أو في جواهر متنوعة. إذ لما كان الشعور يقترن بالفكر على نحو دائم، وكان هذا هو ما يجعل كل واحد هو نفسه، ويتميز به، من ثم، عن كل كائن مفكر آخر، فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو. وبقدر ما يمتد ذلك الشعور بعيدا ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، بقدر ما تمتد هوية ذلك الشخص وتتسع. فالذات الحالية هي نفس الذات التي كانت حينئذ، وذلك الفعل الماضي إنما صدر عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر.

جون لوك، مقالة في الفهم البشري، الكتاب II فصل 27، فقرة 9 ترجمه إلى الفرنسية كوسط، ونشره إميليان نايرت، فران، 1994 ص : 264-265

-الإشكـال:

 كيف يجعل الشعور الشخص ذلك الكائن المفكر القادر على التعقل والتأمل حيث ما وجد في أي زمان ومكان.

 4-المفــــاهيم:

§الهـوية: مفهوم فلسفي يدل على هوية الشيء أو الشخص، أي ما يتعلق بماهيته وطبيعته أي  جوهره، ولكل شخص هويته قد تتحدد في عقله وفكره أو ثقافته (اللغة، الدين…)

§الـذات: مصطلح فلسفي يرتبط بالأنا الواعي والمفكر، ويدل على الشخص أو الوعي بالذات.

§الجوهر: جوهر الشيء يعني ماهو ثابت فيه، وماهو ثابت لا يتغير في الكائن.

6-الأطـــروحة:

إن الشخص حسب جون لوك هو ذلك الكائن المفكر والعاقل القادر على التعقل والتأمل، وذلك عن طريق الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة وبشكل مستمر دون حدوث أي تغير في جوهر الذات، فاقتران الشعور بالفكر على نحو دائم هو ما يكسب الشخص هويته ويجعله يبقى دائما هوهو، باعتباره كائنا عاقلا يتذكر أفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي يدركها في الحاضر.

7-الأفكــــار الأساسية:

×الشخص كائن مفكر قادر على التعقل والتأمل

×إن ذات الشخص مطابقة لنفسها وهي نفس الشيء الذي يفكر في أزمته وأمكنة مختلفة.

×الشعور هو ماهية الشخص، وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر.

×إن الذات المفكرة تدرك الأفعال التي صدرت عنها في الماضي والحاضر.

8-الــحجـــــــاج

التفسير: عند ما نعرف… فإننا نعرف…

النفـي: هذا الشعور لا يقبل الانفصال

التعريف: الشخص هو كائن مفكر وعاقل…

اعتماد بنية مفاهيمية قوية: الشعور، الجوهر، الذات…

9-الاستنتـــــاج: الشخص كائن مفكر يعقل ذاته وأفعاله مهما تغيرت الظروف وتوالت الأزمان، وعن طريق الوعي يكون مسؤولا مسؤولية قانونية عن كل ما يصدر عنه من أفعال. من هنا فأساس هوية الشخص حسب لوك هو الشعور الذي يجعل الإنسان يحرك ذاته ويبني معرفته بذاته على نحو دائم فيصبح الشخص إثرها هوهو رغم ما يلحقه من تغير.

10-قيمـة النص وراهنيته: تكمن قيمة النص في جعل قيمة الشخص لا تخرج عن كونه كائن عاقل ومفكر، فالإنسان في كل زمان ومكان قادر على تعقل العالم وتأمل مجتمعه، هكذا فإنسان العصر الراهن لازم عليه أن يتعقل وجوده أكثر وأن يتعقل ما يصدر عنه من سلوكات وأفعال قد تكون أنفع للإنسانية جمعاء وقد تكون عكس ذلك أفعال مدمرة للوجود الإنساني كأفعال العنف والإرهاب والحروب والتلوث.

النص :                                                                    الدرس : الشعور بالأنا والشعور بالغير

التحليل :

المقدمة :

طرح المشكلة: توتر العلاقة بين ما تقتضيه اجتماعية الإنسان من تنازل وما تقتضيه الفضيلة من تعال وصرامة …

هل تتحقق الفضيلة – بما هي إتمام للذات الإنسانية– بترك مخالطة الناس والزهد أم من خلال معاشرتهم ؟ وإلى أي حد يمكن الملائمة بين القول باجتماعية الإنسان وما يترتب عن القول بفطرية الفضيلة من قول بإطلاقية القيم؟      

التحليل :

  1. الفضيلة:  استعداد فطري لا يتحقق إلا بمعاشرة الناس

استكمال الذات سعي نحو تحصيل السعادة.

السعادة طيبة الحياة والعيش طبقا للسداد أي العقل.

الإنسان ككائن عاقل ومدني يحمل استعداد للفضيلة ؟

العقل قدرة على التمييز بين الخير والشر والتطلع إلى الفضيلة.

  • شروط تحقق الفضيلة:

مخالطة الناس: المخالطة شرط إمكان تحول الفضيلة من الكمون إلى الفعل (التمييز الأرسطي بين الوجود بالقوة والوجود بالفعل). 

المعرفة بالقيم.      

العفة والعدل وفضائل الزهاد فضائل مزعومة.

النقـــــــــــــــاش:

       المكــــــــــاسب:

إنسانية الإنسان رهينة “الاجتماع” لا “العزلة” والتفرد.

السعادة قيمة اجتماعية والحياة الاجتماعية شرط إمكانها ومحك الفضيلة.

تجاوز التقابل بين الفرد والمجتمع.

       الــحـــــــــــدود:

هل أن الإختلاط يظهر الفضائل أم أنه ينشئها ؟

هل أن المعرفة والفضيلة تؤديان إلى السعادة ؟

تهميش دور العامل الذاتي في تحقيق الفضيلة ( توظيف سارتر الذي يربط القيم بالحرية).

الحل: تحقيق السعادة والفضيلة يستلزم المعاشرة ولكن هذا الشرط يهدد بإبطال المبادرة الفردية والتحرر من النموذج التأويلي المهين.  

تحميل السلسلة (2024)

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى