دراسات سياسية

«سياسات ترامب» تنذر بصيف شديد السخونة

منذ دخول الرئيس الأمريكي إلى «البيت الأبيض» في يناير 2017، والتغييرات في إدارته لم تتوقف، وطالت هذه التغييرات العديد من المسؤولين في مواقع مختلفة ولم تستثن حتى أقرب المقربين له سواء بالإقالة أو الإجبار على الاستقالة عبر قرار ممهد أو عبر مكالمة هاتفية أو حتى عبر تغريدة «تويترية» لا تتعدى حروفها الـ280 حرفاً.

دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي يمثل استثناءاً في تاريخ بلاده وهو خروجاً عن النسق الأمريكي في اختيار الرؤساء لانتهاجه سياسات تعبر عن «فوضوية» سياسية وعصفاً بالنهج المحافظ والتقليدي لسياسات المؤسسات الأمريكية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وهو – عن حق- قبلة التيار الشعبوي واليميني الذي بدأت ملامحه في بعض العواصم الأوروبية انطلاقاً إلى دول أمريكا الجنوبية، وتمثلت ذروته بوصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في واشنطن ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي للمبنى الواقع في 10 دوانج ستريت في لندن.

لم يرق لترامب وجود بعض المسؤولين الذين يخالفونه وجهة نظره “الحادة” بشكل واضح تجاه عدد من الملفات حتى تمكن من استبدالهم بآخرين يشاركونه وجهة النظر تلك التي عبر عنها خلال حملته الانتخابية بعدد من الوعود الانتخابية التي حقق بعض منها ويسعى لتحقيق البعض الأخر، لإرضاء قاعدته الشعبية.

ومن المتوقع أن يكون الصيف القادم صيف حاراً نتيجة إجراء هذه التغييرات والإجراءات والسياسات والقرارات المتوقعة من الإدارة الأمريكية بشكلها الجديد، التي يطلق عليها البعض “إدارة حرب”، تجاه عدد من الملفات أبرزها الملف النووي الإيراني وملف كوريا الشمالية والموقف من روسيا وإسرائيل وقضايا الشرق الأوسط الشائكة خلال الفترة القادمة.

أولاً- أبرز التغييرات التي أجراها ترامب منذ توليه السلطة:

في تقرير صدر في ديسمبر الماضي عن معهد «بروكينجز» الأمريكي للأبحاث في واشنطن، ذكر أن 34% من كبار المسؤولين استقالوا من مناصبهم في حكومة ترامب منذ تأسيسها قبل نحو عام. وحسب التقرير، كانت إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان هي صاحبة الرقم القياسي في عدد التغييرات في عامها الأول، إذ شهدت مغادرة 17% من كبار مساعديه، في سنة 1981 وهذا أقل مرتين من عدد الاستقالات في إدارة الرئيس الحالي.

مثلت أبرزت التغييرات التي أجراها الرئيس دونالد ترامب منذ اليوم الأول لدخول البيت الأبيض في  إقالة كل سفراء الولايات المتحدة بالعالم بعد وقت قصير من حلفه اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة – وإن كان هذه سياسة متبعة- إلا أن الخارج عن المألوف هو عدم تعيينه بدائل لهم، وبعد وقت قصير من تصاعد الاتهامات بشأن تواطؤ مزعوم بين حملة الرئيس دونالد ترامب وبين الروس على خلفية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، أقال ترامب عدد من المسؤولين، كان أرزهم مدير مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) جيمس كومي بالإضافة إلى إقالة أقرب مستشاريه في مجلس الأمن القومي الأمريكي الإعلامي اليميني ستيف بانون، فضلاً عن “استقالة” مايكل فلين على خلفية اتهامه بإجراء اتصالات مع روسيا، وإقالة مدير الاتصالات في البيت الأبيض أنطوني سكاراموتشي، من منصبه بعد عشرة أيام فقط على تعيينه في المنصب.

وقد أجرى ترامب العديد من الإقالات بشأن طاقم العمل في البيت الأبيض كان منها إقالة رئيس طاقم الموظفين، رينس بريبوس، والمتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، وغيرهم، كما استقال مستشار ترامب الاقتصادي جاري كوهين بعد أن فشل في إيقاف ترامب من فرض التعريفات الجديدة على الألومنيوم والصلب، كما استقال أيضاً جون داوود، المحامي الكبير الذي يمثل الرئيس في تحقيق المستشار الخاص روبرت مولر حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، وبعد استقالة هوب هيكس أيضاً، يسعى ترامب حالياً لتعيين مدير اتصالاته الخامس خلال 15 شهراً.

مثلت “التغييرات الأخيرة” التي أجراها الرئيس دونالد ترامب في إدارته الأبرز منذ توليه رئاسة البيت الأبيض، التي تمثلت في إقالة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أثناء قيامه بجولة أفريقية، وتعيين مايك بومبيو مدير جهاز الاستخبارات الأمريكية  «CIA» خلفاً له بوزارة الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى تعيين ضابطة الاستخبارات «جينا هاسبيل» مديره للجهاز الاستخباراتي الأشهر «CIA»  خليفة لمايك بومبيو، ثم  إقالة الجنرال «اتش آر ماكماستر» مستشار الأمن القومي الأمريكي وتعيين «جون بولتون» بدلاً منه، وربما يتبع هذه التغييرات قريباً إقالة كبير مسؤولي البيت الأبيض جون كيلي ونائب وزير العدل رود روزنستاين.

ثانياً- أسباب ودوافع هذه التغييرات:

لم تأت هذه التغييرات من فراغ، بل أنها كانت نتيجة محصلة من الدوافع التي تضافرت فيها عوامل الداخل والخارج جعلت الرئيس دونالد ترامب يقدم عليها، كان أبرزها:

1- الاتهامات الخاصة بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية:

مثلت الاتهامات الموجهة لحملة الرئيس دونالد ترامب بالتواطؤ مع التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، واحدة من أهم أسباب الإقالات والاستقالات الكثيرة في إدارة ترامب، حيث وجهت اتهامات بإقدام بعض من أبرز أعضاء حملة ترامب الانتخابية– الذين صاروا جزء من فريقه الرئاسي وكبار مسؤوليه فيما بعد– بأجراء اتصالات مع الروس والسفير الروسي في واشنطن سيرجي كيسلياك، ويتولى هذه التحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر الذي وجه الاتهام لمايكل فلين مستشار ترامب للأمن القومي ومدير حملته الانتخابية بول مانافورت وريك جيتس وآخرون، وقد طالت هذه الاتهامات أقرب المقربين لترامب حتى وصلت إلى محاميه الخاص مايكل كوهين الذي تم مداهمة مكتبه ومصادرة وثائقه على خلفية التحقيقات التي يجريها مولر بشأن الاتصالات مع الروس، ما ينذر بقرب توجيه الاتهام «Impeachment» إلى ترامب ذاته.

2- الخلافات بين ترامب ومسؤوليه:

مثلت القضايا الخلافية بين ترامب وبعض من كبار مسؤوليه واحدة من أسباب إجراء التغييرات العديدة داخل إدارته، ولعل السبب في وجود خلافات بين ترامب ومسؤوليه هو الخلاف بين وجهة نظره الشخصية في بعض القضايا والملفات التي يغلب عليها النزعة “اليمينية الشعبوية” في مقابل وجهة نظر أخرى يتبناها ما يمكن تصنيفهم على أنهم مسؤولون ينتمون لــ«الدولة العميقة» في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة مؤسسات «الخارجية»  و«البنتاجون»  و«التجارة»، وقد مثل ملف الاتفاق النووي مع إيران وكوريا الشمالية والعلاقات مع الروس وأزمة قطر مع الرباعي العربي المقاطع لها «مصر والسعودية والإمارات والبحرين»، ونقاط خلاف جوهرية بين الرئيس ترامب ومؤسستي «الخارجية» و «البنتاجون»، وهي السبب المباشر في إقدام ترامب على الإطاحة بوزير خارجيته ريكس تيلرسون دون مقدمات وبطريقة يعتقد أنها مهينة.

3- وعوده الانتخابية وإرضاء القاعدة المؤيدة له:

أطلق دونالد ترامب العديد من الوعود الانتخابية إبان حملته الانتخابية التي وصفت حينها بأنها أكثر شعبوية وتطرفاً وكان أبرزها إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وإلغاء نظام «أوباما كير» الصحي، ومنع «المناطق منزوعة السلاح»، والانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادئ، ومنع توطين اللاجئين السوريين، وتشييد جدار على الحدود مع المكسيك، وهزيمة «داعش».

والواقع أن بعض هذه »الوعود« قد تحقق فعلياً مثل إلغاء نظام «أوباما كير» الصحي ومنع توطين اللاجئين السوريين وفرض قيود على المهاجرين من بعض الدول الإسلامية، وإنجاز مهمة هزيمة داعش بشكل كبير في العراق وسوريا، وكذلك الخروج من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ والتفاوض حول التخارج من اتفاق «النافتا»، والعمل على إتمام بناء جدار مع المكسيك. وهناك بعض الوعود التي تراجع عنها- مؤقتاً- وهو فضه الاتفاق النووي مع إيران، وقد مثلت هذه الوعود التزام فرض على ترامب أن يتخلى عن بعض مسؤوليه الذين يعارضون المضي قدماً في تنفيذ هذه الوعود من أجل إرضاء قاعدته الانتخابية التي لوحظ أنه لا يسعى لإرضائها وعدم رغبته في كسب مؤيدين آخرين.

4- الفضائح الأخلاقية:

تصاعدت مؤخراً اتهامات لترامب بممارسات جنسية خارج إطار الزواج، كان أبرزها اتهام  الممثلة الإباحية «ستورمي دانيالز» التي أدعت أن دونالد ترامب أقام معها علاقة جنسية معها في 2006، وقد أقدمت على رفع دعوى أمام محكمة في لوس أنجلوس تطلب فيها إعلان بطلان اتفاق لحفظ السرية أبرمته مع الرئيس وتقاضت مقابله مبلغ 130 ألف دولار، ما يعني زيادة الضغط القانوني والمالي حول ترامب الذي قد يوجه له اتهامات مباشرة بالاتصالات مع الروس على خلفية التدخل في الانتخابات التي أتت به رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.

5- رغبة ترامب في تحقيق مكاسب جديدة:

يعتقد البعض أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب انعزلت بشكل كبير خاصة عن ملفات الشرق الأوسط الملتهبة، وهو يحاول متردداً أن يثبت بقاء الدور الريادي للولايات المتحدة دولياً عبر التصعيد مع روسيا وعبر التورط في ملفات مختلفة كالملف السوري الذي قام بتوجيه عدد من الضربات لمواقع معينة في سوريا من أجل حفظ ماء وجهه في مقابل تغول روسي في الملف السوري، كما يعد ترامب رائداً في التخارج من الاتفاقات الدولية الموقعة عليها الولايات المتحدة من قبل، مثل الاتفاق النووي مع إيران أو التطبيع مع كوبا أو اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ أو اتفاق المنطقة الحرة مع دول أمريكا الشمالية “النافتا”، لذا وجب عليه تعويض هذا التخارج بمكاسب جديدة وحلفاء جدد واتفاقات جديدة، وأبرز ما يدلل ذلك هو محاولته التوصل إلى اتفاق مع بيونج يانج بشأن برنامجيها النووي والصاروخي، ووجب عليه لإجراء هذه المكاسب أن يستعين برموز جديدة تحقق له مبتغاه.

ثالثاً- دلالات هذه التغييرات:

هذه التغييرات تعبر بشكل واضح وصريح عن تمكين التوجه المتشدد الذي يتبناه ترامب نفسه منذ البداية، في مواقع صنع القرار في الإدارة الأمريكية، وهذه التغييرات لا ينقصها إلا استبدال وزير الدفاع الأمريكي الحالي «جيمس ماتيس» بآخر أكثر تشدداً وهو متوقع أن يكون قريباً على كل حال، والواقع أن ترامب قد مورست ضده ضغوط بعد توليه مقاليد الأمور في الولايات المتحدة من قبل ما يمكن وصفه بـ«الدولة العميقة» في الولايات المتحدة لتعديل توجهه المتشدد الذي بدا جلياً إبان حملته الانتخابية وفرض عليه قبول بعض الشخصيات في مواقع مؤثرة التي سرعان ما انقلب عليها ليتمكن من مراضاة القاعدة الانتخابية التي أتت به إلى سدة الحكم والتي تعبر بشكل أو بأخر عن تلك التوجهات.

فلا شك أن وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون» قد شكل حجر عثرة أمام طموحات «ترامب» الرامية إلى فض الاتفاق النووي مع إيران- وهو الوعد الانتخابي الذي تعهد به ترامب ولم يحققه بعد- ذلك لأن تيلرسون كان يتبنى نهجاً تقليدياً محافظاً يعبر عن المؤسسات الأمريكية التي ترى في الاتفاق مع إيران مصلحة أمريكية وإن كان هناك عيوب فيمكن حلها عن طريق «تعديل» الاتفاق وليس الإطاحة به، ونفس الوضع ينطبق على أزمة قطر مع الرباعي العربي المقاطع لها (مصر والسعودية والإمارات والبحرين)، حيث اختلف ترامب مع تيلرسون بخصوص هذا الملف وتمنى «ترامب» لو أن الولايات المتحدة تتخذ موقف أكثر شدة وحزماً ضد قطر وأكثر دعماً للرباعي العربي، الأمر الذي أحالت مؤسسة «الخارجية» بقيادة تيلرسون بالتعاون مع «البنتاجون» من المضي قدماً فيه، وكان رأيهما أن قطر شريكاً استراتيجياً في المنطقة وبها أكبر قاعدة أمريكية جوية بالخارج تحوي آلاف الجنود الأمريكيين، وحليف يمكن الوثوق به في منطقة هي الأهم بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن خلافه الضمني مع الرئيس ترامب بخصوص «القضية الفلسطينية»، التي دلل عليها إسناد ملف القضية الفلسطينية بشكل كامل لصهره جاريد كوشنر بمعزل عن «الخارجية».

كل هذه العوامل وغيرها، دفعت ترامب أن يقيل وزير خارجيته بـ «تغريدة» وهو في جولة أفريقية، ليحل محله برأس جهاز الاستخبارات «مايك بومبيو» وهو الذي يحمل نفس تشدد ترامب ضد إيران وكوريا الشمالية والإسلاموية ويحمل أيضاً موقفه الداعم لإسرائيل.

كما عين ترامب «جينا هاسبيل» كأول امرأة  على رأس جهاز الاستخبارات المركزية CIA وهي المرأة الحديدة وضابطة استخبارات مخضرمة، شاركت في مطاردة عناصر «القاعدة» وأشرفت على عمليات التعذيب بنفسها وهي لا تقل تشدداً عن سلفها «بومبيو».

وجاء قرار إقالة «هربرت مكماستر» مستشار الأمن القومي، وتعيين «جون بولتون» مستشاراً جديداً للأمن القومي الأميركي، والذي كان ولا يزال شخصية مثيرة للجدل، يتوقع أن يشكل تعيينه، في مثل هذا الموقع الخطير، منعطفاً جديداً في سياسة خارجية أميركية، يعتقد على نطاق واسع أن بوصلتها تتجه من الآن فصاعداً نحو مزيد من التشدد في معالجة الملفات الساخنة، خصوصاً ملف البرنامج النووي لكل من إيران وكوريا الشمالية وملف الصراع العربي الإسرائيلي، بل وليس من المستبعد أن تصبح هذه السياسة أكثر ميلاً لاعتماد الوسائل العسكرية وأدوات القوة الخشنة بديلاً للوسائل الديبلوماسية ولأدوات القوة الناعمة.

رابعاً- تداعيات هذه التغييرات على السياسة الخارجية الأمريكية:

لا شك أن هذه «التغييرات» تمثل إعادة هيكلة لشكل الإدارة الأمريكية وبالتالي السياسات والقرارات الأمريكية وخاصة فيما يتعلق بسلوك الولايات المتحدة الخارجي. ورغم اختلاف هذه التغييرات في مواقعها إلا أنها تتفق مع المضمون، وهو التوجه نحو التشدد وانتهاج سياسات يمينية متطرفة، حيث تمكن لـ«الصقور» في الإدارة الأمريكية، وربما ذهب البعض لوصفها بـ «إدارة حرب»، ذلك لما تتضمنه من شخصيات يعرف عنها الطابع الحاد في التعامل مع القضايا التي تعمد «ترامب» تعيينهم من أجل التعامل معها.

ويمكن العرض لأبرز تداعيات هذه التغييرات من خلال الآتي:

1- العلاقة مع روسيا:

ظن البعض في بداية تولي الرئيس دونالد ترامب مقاليد الأمور في البيت الأبيض أن العلاقات ما بين واشنطن وموسكو ستتجه نحو مزيد من التحسن بعكس ما كانت عليه في عهد إدارة أوباما من توتر متزايد، ويرجع السبب في هذا الظن بتحسن العلاقات بين الجانبين على خلفية تصريحات ترامب في حملته الانتخابية التي يمكن وصفها بالودية تجاه موسكو  و الرئيس “بوتين”، وهو الأمر الذي لم يدم طويلاً حتى تم توجيه اتهامات لحملة ترامب ومسؤوليه بالاتصال مع الروس والتواطؤ حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، الأمر الذي أدى إلى استقالة/ إقالة مستشاره للأمن القومي السابق مايكل فلين، وإقالته لمدير مكتب التحقيقات الاتحادي “FBI” جيمس كومي، والعديد من المسؤولين الآخرين، وهو الأمر الذي يفسره البعض بأنه محاولة من ترامب لنفي أي تورط له مع الروس قد يفضي إلى اتهام مباشر لشخص الرئيس بالتواطؤ مع التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية وهو ما يطعن في شرعيته كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية من خلال أسلوب “تأكيد العداء” لموسكو.

هذا وقد وصلت العلاقات بين الجانبين في عهد إدارة ترامب إلى مستوى متدني أكثر مما كانت عليه في عهد الرئيس أوباما، حيث مثلت قضايا سباق التسلح بين البلدين أبرز ملفاتهما الخلافية والتي تزايدت مؤخراً، وكان خطاب بوتين الصاروخي الشهير في أول مارس الماضي دليلاً دامغاً على تدني مستوى العلاقات بين الجانبين على خلفية هذا الملف حيث أعلن بوتين عن تطور نوعي في ترسانة بلاده الصاروخية بشكل لا يمكن للأمريكان إيقافه، في ظل محاولات الولايات المتحدة تطويق روسيا من الجنوب عبر جورجيا وأوكرانيا والدول الاسكندنافية بصواريخ الناتو وكسب مزيد من الحلفاء.

وتأتي أزمة تسميم العميل الروسي سيرجي سكريبال معبرة، بشدة، عما وصلت إليه العلاقات بين واشنطن وموسكو، حيث تبنت ودعمت واشنطن وجهة نظر لندن التي اتهمت موسكو بالضلوع في تسميم العميل المزدوج سكريبال منذ اللحظات الأولى وربما قبل حتى التثبت من الأمر، بل واتخذت – واشنطن- إجراءات ضد موسكو لم تتخذها لندن نفسها المعنية بالأزمة بشكل مباشر، حيث أغلقت القنصلية الروسية في سياتل وطردت 60 دبلوماسياً روسيا وهو ما ردت عليه موسكو بالمثل، فضلاً عن تأليب حلفاء واشنطن لاتخاذ إجراءات ضد موسكو. كما تستمر العقوبات الأمريكية على روسيا والتي طالت مؤخراً شخصيات اعتبارية وأفراد مرتبطين بالكرملين أبريل الجاري.

ومثلت الضربة الأمريكية المشتركة على مواقع سورية دليلاً أخر على تدني مستوى العلاقات بين البلدين، وهو الضربة التي رأى البعض أنها حلقة ضمن سلسلة الحرب الباردة الجديدة الدائرة بين البلدين والتي مثل الملف الأوكراني والسوري أبرز محطاتها.

ويعتقد أن القادم مع روسيا لن يكون سلساً ولا ودياً، فالتغييرات التي أجراها ترامب أتت بصقور اليمين الذين لا يحملون أية نوايا طيبة تجاه موسكو، ويرون فيها عدواً تقليدياً ومنافساً للنفوذ الأمريكي وخاصة في عهد رئيس جعل من روسيا قوة عظمي منافسة وهو الرئيس بوتين.

2- الموقف من الاتفاق النووي الإيراني:

تتشارك الشخصيات الجديدة التي عينها «ترامب» العداء تجاه طهران وتتشارك رؤيته تجاه الاتفاق النووي مع إيران والتي تدعو إلى فض  هذا الاتفاق وفرض مزيد من العقوبات عليها لإثنائها عن المضي قدماً في برنامجها النووي والصاروخي.

ورغم أن البرنامج النووي والصاروخي لإيران لا يقارن بنظيره في كوريا الشمالية، فالأخيرة تمتلك أسلحة نووية حقيقية وقدرات باليستية تتباهي في الإعلان عنها وإجراء تجاربها، في حين أن إيران لم يثبت حتى الآن امتلاكها لتلك الأسلحة، لكن الجغرافيا السياسية المتمثلة في دخول “العامل الإسرائيلي” على خط المواجهة يجعل من إيران “أهمية أمريكية” عن تلك الواقعة في أقصى جنوب شرق آسيا.

ويعتقد أن يقوم ترامب بمعاونة مسؤوليه الجدد بفض الاتفاق النووي مع إيران في مايو القام، وهو موعد البت في تمديد أو تجميد العقوبات على إيران حسبما صرح بذلك رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الجمهوري بوب كوركر، بانسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في مايو المقبل. ومن ثم فرض مزيد من العقوبات على طهران وربما يتعدى ذلك الأمر إلى توجيه ضربة لإيران تستهدف منشآتها النووية والصاروخية، أو ضرب “وكلاءها” في منطقة الشرق الأوسط في لبنان أو سوريا ممثلاً في حزب الله أو اليمن ممثلاً في «جماعة أنصار الله- الحوثيين» أو لحركة حماس في غزة لتجحيم نفوذ إيران في المنطقة.

3- الموقف من كوريا الشمالية:

صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برغبته في عقد قمة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في مايو المقبل، ويعتقد أن هذا الملف كان أحد الملفات الخلافية بين ترامب ووزير خارجتيه تيلرسون الذي لم ترق له هذه المبادرة من ترامب، وعقدت لقاءات ثنائية للمرة الأولى بين مسؤولين أمريكيين وكوريين شماليين في فنلندا للترتيب بعقد قمة بين ترامب وكيم.

وقد تؤدي التغييرات التي أجراها ترامب على معاونته في المضي بشأن هذا الملف للضغط على بيونج يانج من أجل قبول شروط التخلي عن تهديدات الحلفاء مقابل البقاء على النظام في كوريا الشمالية.

4- الموقف من إسرائيل:

تتشارك التعيينات الأخيرة في إدارة ترامب الموقف الداعم لإسرائيل والرافض لحل الدولتين ما قد ينذر بعواقب وخيمة على القضية الفلسطينية في إطار ما يعرف ب «صفقة القرن» الذي يتم التجهيز لها لحين الإجهاز بها على الفلسطينيين. ومن المتوقع أيضاً أن تتبني الولايات المتحدة في ظل هذه التغييرات على مستوى الإدارة الأمريكية موقفاً أكثر تشدداً تجاه السلطة الفلسطينية والذي بدأ فعلياً بخفض الدعم المالي الموجه لها أو لمنظمة الأونروا .

وقد أعلن ترامب في موقف غير مسبوق، القدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل، كما تم الإعلان عن احتمالية حضوره افتتاح السفارة الأمريكية في مدينة القدس وهو ما تم الكشف عنه إبان زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشطن في 5 مارس الماضي. على صعيد «صفقة القرن» فإن التغييرات في الإدارة الأمريكية ستعطيها دفعة جديدة ، بانضمام الخارجية الأمريكية (بعد أن كانت معزولة عن هذا الملف) وباتجاهات تصب في مصلحة إسرائيل ، وربما سيبدو الرئيس ترامب بطروحاته ومقارباته المتشددة ،الأقل تشددا في فريق الإدارة الأمريكية الجديد، الذي يؤمن باستثمار القوة لتحقيق المصالح الأمريكية العليا، يؤيد ذلك ردود الفعل العربية والإسلامية «المحدودة» على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وربما افتتاحها في 15 مايو القادم ،بحضور أمريكي عالي المستوى.

5- الموقف من أزمات الشرق الأوسط:

من المفترض أن يتخذ ترامب بفريقه الجديد إجراءات أكثر حدة تجاه قضايا الشرق الأوسط والتي بدأها بتوجيه ضربة مشتركة إلى مواقع سورية بعد الهجوم المزعوم من قبل النظام السوري ضد المدنيين في دوما بالغوطة الشرقية، وهو موقف يعبر بشكل أو بآخر عن عودة أمريكية للملف السوري، كما يمثل موقفاً حازماً و خروجاً عن المألوف للسياسة الأمريكية تجاه أزمة سوريا والتي كانت سلبية بقدر كبير في عهد إدارة أوباما.

وتؤثر هذه التغييرات على مزيد من الضغط على حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط (تركيا وباكستان وقطر) لتحجيم العلاقات مع إيران واتخاذ مواقف حاسمة تجاه «الإسلام السياسي» وجماعة الإخوان المسلمين، والمشاركة بقوة في الحرب ضد الإرهاب. فالمجال الآن مفتوح أمام ترامب بعد أن أقصى من كانوا يخالفونه الرؤية بشأن الضغط على الحلفاء من أجل مزيد من المكاسب لاعتبارات سياسية واستراتيجية معينة، فيمكنه الآن أن يفرض مزيد من الضغوط وربما «الإتاوات» على حلفاءه في المنطقة ويرغمهم على دفع مزيد من «الأموال» لاستمرار حمايتهم وأن يتخذوا مواقف أكثر وضوحاً من إيران والجماعات التي يعتقد بأنها إرهابية، ويدعمونه بقوة في حربه ضد الإسلاموية والإرهاب.

بقلم شريف أبو الفضل

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى