دراسات سياسية

قراءة فى مفهوم العدالة الإجتماعية : تأصيل نظرى

إعداد : عبدالرحمن الحديدى – باحث فى العلوم السياسية

المركز الديمقراطي العربي

أولاً نشأة مفهوم “العدالة الإجتماعية”:

قبل التطرق الى التعريفات المختلفة لمفهوم العدالة الإجتماعية باستفاضة سنلقى الضوء على مفهوم العدالة لإنبثاق مفهوم العدالة الاجتماعية منه. مفهوم العدالة مفهوم قديم للغاية فقد تجلى فى الفكر المصرى القديم من خلال “ماعت” وقد تجلى أيضاً فى الفلسفة الصينية القديمة والفلسفة اليونانية القديمة. ويُعد مصطلح العدالة الإجتماعية هو مصطلح كاثوليكي بالأساس وبعد ذلك تم أخذه من قبل العلمانيين الحداثيين، وتم استخدام مفهوم “العدالة الاجتماعية” لأول مرة فى العصر الحديث حوالي عام 1840 كتعبير من المفكرين السياسيين عن نوع جديد من الفضيلة اللازمة لمجتمعات ما بعد الزراعة (المجتمعات الصناعية)، وقد تم تصميم المصطلح من قبل المفكرين الحداثيين العلمانيين ليعني توزيع الدولة الموحد لمزايا وأعباء المجتمع([1]). ويُعتبر أول استخدام لمصطلح العدالة الإجتماعية عندما كتب قس إيطالى يُدعى “لويجي تاباريلي دازيليو Luigi Taparelli D’Azeglio” عن الحاجة الى استعادة الفضيلة القديمة لما كان يُسمى “العدالة العامة General Justice ” عند أرسطو والقديس توما الإكويني ولكن فى شكل معاصر وقد أدرج لويجي هذه العملية تحت مفهوم “العدالة الإجتماعية”([2]).

وأيضاً تجلى مفهوم العدالة بصور مختلفة فى الفكر السياسي الاسلامى والمسيحى. وقد ظهر تيار فكرى بأكمله هو تيار اشتراكي يعني بقيمة العدالة الإجتماعية بدءاً من رواد الفكر الاشتراكي وهم روبرت أوين وسان سيمون وشارل فيورييه وتطور ذلك على يد كارل ماركس([3]).

ثانياً التعريف اللغوى لمفهوم “العدالة الإجتماعية”:

ولغوياً فإن مفهوم العدالة من المفاهيم التى تحمل دلالات متعددة فى اللغة العربية. فعلى العكس من لغات الحضارة الغربية التى تعرف المفهوم فى لفظ العدالة فقط، تعرف اللغة العربية المفهوم فى مجموعة من المترادفات، فالى جانب العدل والعدالة هناك الإنصاف والنصفة والقسط والقسطاس والوسط والقوام وهى مفاهيم تشير الى معنى العدالة فى دلالات متعددة. القسط: هو العدل البيِّن الظاهر، ومنه سمي المكيال قسطًا، والميزان قسطًا؛ لأنه يصور لك العدل في الوزن حتى تراه ظاهرًا، وقد يكون من العدل ما يخفى، ولهذا قلنا: إن القسط هو النصيب الذي بينت وجوهه([4]). وأصل كلمة Justice لاتيني، فهى مشتقة من كلمة Justitia وتعنى خاصية أن تكون عادلاً. وفى المعنى اللغوى لمفهوم العدالة أو العدل يمكن الإشارة الى مجموعة من المعانى. المعنى الأول، العدل بمعنى الإنصاف فى الحكم وعدم الظلم أو الجور فيه فيقال عدل عليه فى القضية فهو عادل والعادل هو واضع كل شئ موضعه وورد أيضاً أن العدل هى قيمة مقابلة للظلم. ويتمثل المعنى الثانى للعدل بمعنى المساواة والإستقامة والتوازن([5]).

وتعريف العدالة الإجتماعية لغوياً هو بالتأكيد نقيض الظلم الإجتماعى، والذى يتجسد فى عدة صور منها الإستبداد والإستعباد والقهر الإجتماعى.

ثالثاً التعريف الإصطلاحى لمفهوم “العدالة الإجتماعية”:

ظهرت تعريفات عديدة لمفهوم العدالة الإجتماعية وأهتم الكتاب بأبعاد عدة ضرورية لتوافر العدالة الإجتماعية، حيث ادعى رفاييل بأن العدالة الإجتماعية لكى تتحقق لا بد من توافر عنصران الأول، ضرورة انطلاق جميع الأفراد فى المجتمع من نفس الخط. والعنصر الثانى، هو ممارسة الحياد من جانب الدولة. وربط رفاييل العدالة الاجتماعية بفكرة الثواب والعقاب وأنها لا تتحقق فى مجتمع يسوده الفوضى، ويسود فيه الفساد، ولكن قال أنه يجب أن يسود المجتمع فكرتى الجدارة والإستحقاق([6]).

ويدعى صامويل فليشاكير فى كتابه “تاريخ قصير من العدالة التوزيعية” وجود اختلاف كبير حول مفهوم العدالة الإجتماعية بين الفكر السياسي الحديث والكلاسيكي. ساهم فليشكاير فى توضيح تاريخ النقاس والصراع الفكرى حول مفهوم العدالة الإجتماعية، فنجده يؤرخ للمفهوم عند كلٍ من أرسطو وآدم سميث وروسو وكانط. وإن اختلفت مسميات الكُتاب حول هذا المفهوم لكن جوهره يظل موجود فى كتاباتهم، هذا مع اختلافهم حول طبيعة المفهوم ووسائل وآليات تطبيقة. وقد اختلف فليشاكير عن رفاييل، حيث يفضل فليشاكير مصطلح “العدالة التوزيعية”، وقد استخدمه كمترادف للعدالة الإجتماعية. وقدم فليشاكير خمسة شروط ضرورية من أجل تطبيق العدالة التوزيعية فى الدولة. أولاً، يجب الإعتقاد دائماً أن كل فرد خير بطبعه ولديه أشياء حسنة تستحق الإحترام. ثانياً، وجود مجموعة من الحقوق يجب احترامها. ثالثاً، تقديم حجج منطقية علمانية لمعرفة لماذا يريد الأفراد حرياتهم. رابعاً، وجود رغبة ذاتية من جانب الأفراد لضرورة تحقيق العدالة التوزيعية. خامساً، أعطى فليشاكير مسئولية تحقيق العدالة التوزيعية للدولة وليست للأفراد أو الجماعات([7]).

يبدو أنه يمكن التمييز بين مفهوم العدالة الاجتماعية لسببين رئيسيين. أولاً ، يتم تصور العدالة كفضيلة تنطبق على “المجتمع” وليس فقط على السلوك الفردي: المؤسسات الاجتماعية التي توزع الموارد المادية والمواقف الاجتماعية وهذه الأشياء جميعاً من الممكن تقييمها على أنها عادلة أو غير عادلة. ثانياً، للعدالة الاجتماعية يعتبر البعض أن مصطلح العدالة الاجتماعية هو مصطلح سياسى بالأساس يحمل دلالات أيديولوجية، وعلى أى حال فإن هذا المفهوم جانبه الإجتماعى يطغى على أى شئ آخر، حيث يُوصي بتخفيف حدة الفقر وتقليل عدم المساواة كمسألة عدالة وليست صدقة. ويثير المفهوم مجموعة من المناشدات والأفكار التى تقتضى تحقيق المساواة وتوفير الحق في الحد الأدنى اللائق وتكافؤ الفرص، وتحديد الظلم الاقتصادي الناجم عن قوى السوق غير المنظمة والتوصية بعمل الدولة لتحسينه أو إزالته كليًا. توفر هاتان الخاصيتان للمفهوم إطارًا مفيدًا يمكن من خلاله اختبار الفكر السياسي حول العدالة ، ويخلق فليشاكير منهم حجة مركزية مفادها: “حتى وقت قريب ، لم ير الناس الهيكل الأساسي لتخصيص الموارد عبر مجتمعاتهم باعتباره مسألة العدالة ، ناهيك عن اعتبار العدالة تتطلب توزيع الموارد التي تلبي احتياجات الجميع “([8]). الأمر الذى يفتح النقاش حول من هى الجهة صاحبة الحق فى توزيع تلك الموارد؟ وما مدى شرعية القيام بمثل هذا الأمر؟

وتناول الفلاسفة والمفكرون والفلاسفة المسلمون قضية العدالة الإجتماعية. ويُعتبر سيد قطب أبرز من تحدث عن العدالة الاجتماعية بمفهومها الاسلامى، وحدد قطب ثلاثة أسُس لتطبيق العدالة الإجتماعية فى المجتمع الإسلامى. أولا، التحرر الوجدانى المطلق. ثانياً، المساواة الإنسانية الكاملة. ثالثاً، التكافل الإجتماعى الوثيق([9]).

رابعاً دلالات مفهوم “العدالة الإجتماعية”:

يُثير مفهوم العدالة الاجتماعية عدة دلالات وقضايا تختلف بإختلاف المُفكرين والكتاب وانتماءاتهم ومعتقداتهم السياسية، ولكن سنقوم بالسرد فى هذه الورقة ثلاثة قضايا تنبع من مذا المفهوم، أولها قضية المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص، وثانيها قضية الضمان الاجتماعى، وثالثها قضية التوزيع العادل للموارد.

  1. المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص:

يتعرض مفهوم العدالة الاجتماعية لمسألة تحقيق المساواة فى المجتمع، وتقليل الى أقصى حد ممكن الظلم والإستغلال الاجتماعيين، وفى هذا الإطار ينبغى الإشارة الى نظرية جون رولز حول تطبيق العدالة الإجتماعية، حيث قدم رولز طرحاً لأنواع المساواة التى يجب أن تُحقق داخل الدولة وهما المساواة الإقتصادية والاجتماعية وقال أنه يجب أن يتم تنظيمها وتنسيقها على نحو يجعلها تقدم للأفراد الأقل حظا فى المجتمع أكبر نفع ممكن من جهة، ويجعلها تتيح فى الوقت نفسه إمكانية الالتحاق بالوظائف والمواقع المختلفة أمام جميع الأفراد فى إطار من المساواة المنصفة فى الفرص من جهة أخرى. ومن أجل إقامة العدالة الاجتماعية، افترض رولز إقامة “عقد افتراضى” يتكون من عنصرين، الأول هو افتراض وجود الوضع الأصلى The original position ، والثانى حجاب الجهالة The veil of ignorance. وقال رولز أن هناك نوعان من الأشياء لا يعلمها الأفراد المشاركون فى هذا العقد، الأول أنهم لا يعلمون مواهبهم الفطرية، والثانى أنهم لا يعلمون المفهوم الصحيح للخير([10]).

  1. الضمان الاجتماعى:

يُعد الضمان الاجتماعى من أبرز السمات التى تتميز بها معظم نظم الحكم الموجودة فى عالم اليوم، ويُعتبر هو أحد الأركان الأساسية للعدالة الإجتماعية، ويشمل الضمان الإجتماعى الحق فى الحصول على استحقاقات أو ضمانات مادية وغير ذلك، وفلسفة ذلك هو محاولة ربط نسيج الشعب وتقليل الفجوات بينهم دون تمييز، كما يتضمن عدة أمور من أمثلة، تقديم مساعدات مالية الى الأفراد الأكثر احتياجاً فى المجتمع، تقديم رعاية صحية جيدة لكل طبقات المجتمع، كفالة الأفراد الذين وُلدوا فى طبقات فقيرة بتقديم لهم تعليم فعال وعمل لائق([11]).

قدم روبرت نوزيك نظرية لتحقيق العدالة الإجتماعية، والضمان الإجتماعى على وجه الخصوص. أعطى نوزيك فى نظريته الدولة دوراً محدوداً قريباً من أفكار الفلاسفة الليبراليين الكلاسيكيين، حيث قال أن الدور الأمثل للدولة يتمثل فى عدم التدخل والتطفل بتوزيع الموارد لأن أى تدخل للدولة سيتمثل تعدياً على الملكية الخاصة ودور الدولة ينبغى أن يكون هو حماية الفرد من تعدى الآخرين وأسماها – أى الدولة- الحارس الليلى والدولة المحدودة Night Watch State و Minimal State. كان الحظ عنصراً أساسياً فى نظرية نوزيك حيث قال أن الفرد عندما يولد فإنه يتحدد مصيره بناءً على حظه، قإذا وُلد فى عائلة غنية فإنه يكون محظوظاً، وإذا وُلد فقيراً فإنه يكون غير غير محظوظاً. تحقيق الضمان الإجتماعى فى نظرية نوزيك لا ينبع من إرادة الدولة وإنما من إرادة الأفراد المحظوظين أى الأغنياء، وبالتالى فإن هؤلاء الأفراد –المحظوظون الأغنياء- هو من يقرروا طواعيةً بمساعدة الأفراد الأقل حظاً منهم([12]).

  1. التوزيع العادل للموارد:

تعني العدالة الاجتماعية التوزيع العادل للموارد والأعباء من خلال نظم الأجور والدعم والتحويلات ودعم الخدمات العامة، وبالذات الخدمات الصحية والتعليمية. وإصلاح هيكل الأجور والدخول يتم من خلاله تحديد المستوى المعيشي للعاملين بأجر، ويعكس بصورة أو بأخرى توزيع القيمة المضافة المتحققة في العملية الإنتاجية بين أرباب العمل والعاملين لديهم. وإصلاح النظام الضيربى يتمثل فلسفته فى توزيع الأعباء الضرييبية على كافة شرائح المجتمع دون تمييز. وثمة عنصر مهم للغاية فى تحقيق توزيع عادل للموارد ألا وهو الدعم السلعى لبعض المنتجات والخدمات وهو بالأساس موجه للفقراء بإعتبار ذلك حقهم من موارد الدولة([13]).

خامساً الأبعاد والإشكاليات:

تُثير إمكانية تطبيق العدالة الاجتماعية عدد من الإشكاليات يمكن حصرها على النحو التالى:

  1. ضرورة غياب التمييز بين المواطنين: حيث ينبغى إزالة كل ما يؤدى إليه من عوامل، وغياب ما يترتب على التمييز من نتائج سلبية كالتهميش والإقصاء الاجتماعى والحرمان من بعض الحقوق.
  2. إشكالية توفير فرص متساوية: حيث لا معنى للحديث مثلا عن التكافؤ فى فرص العمل إذا كانت البطالة شائعة ومواطن الشغل غائبة. وهو ما يرتب التزاما على الدولة بوضع السياسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوفير فرص العمل .
  3. إشكالية التمكين: فلا معنى لوجود فرص اذا لم تقترن معها استراتيجيات التمكين لكافة عناصر المجتمع وبالذات المهمشة منها، فلا بد من تمكين الأفراد من الاستفادة من الفرص ومن التنافس على قدم المساواة من أجل نولها. فاغتنام الفرص قد يرتبط بتوافر قدرات معينة مثل مستوى تعليمى معين. والمنافسة على الفرص سوف تفتقر إلى التكافؤ عندما تتسع الفجوات بين الطبقات. وهنا تظهر الحاجة إلى دور الدولة فى إتاحة التعليم والتدريب وإعادة التدريب والرعاية الصحية وغيرها من عوامل بناء القدرات وتنميتها.
  4. إشكالية الحظ ووجود الفوارق الفردية: فقد ينتج الاختلاف فى قدرات الأفراد وفى حظوظ أسرهم من الفقر أوالغنى ومن تدنى المكانة الاجتماعية أو علوها، فروقا واسعة فى العوائد أو النواتج تتجاوز ما يمكن اعتبارها فروقا مقبولة اجتماعيا كما شرحنا فى السابق “نظرية روبرت نوزيك”. ومن هنا تظهر ضرورة تدخل الدولة بسياسات إعادة التوزيع لتقريب الفروق فى الدخل والثروة بين الطبقات حتى لا تؤدى هذه الفروق للإطاحة بمبدأ تكافؤ الفرص ذاته([14]).

سادساً مفهوم العدالة الإجتماعية وعلاقته بالمفاهيم الأخرى فى حقل العلوم السياسية:

يترابط ويتداخل مفهوم العدالة الإجتماعية مع عدة مفاهيم سياسية، وأحياناً يتم الخلط بينه وبين مفاهيم أخرى. وفى السطور القادمة ستقدم الورقة مجموعة من العلاقات المفاهيمية “شبكة مفاهيمية” تربط بين مفهوم العدالة الاجتماعية ومفاهيم أخرى مثل المساواة والحرية والتنمية والعدالة التوزيعية.

  1. العلاقة بين العدالة الاجتماعية والمساواة: كثيراً ما يتم الخلط بين هذين المفهومين ويتناولهم البعض كمترادفين. ولكن يجب الانتباه إلى أن العدالة الاجتماعية لا تعنى المساواة الكاملة أو المطلقة، أى أنها لا تعنى مثلا التساوى الحسابى فى نصيب أفراد المجتمع من الدخل أو الثروة. فمن الوارد أن تكون هناك فروق فى هذه الأنصبة، حيث تتواكب هذه الفروق مع الفروق الفردية بين الناس فى أمور كثيرة كالفروق فى الجهد المبذول فى الأعمال المختلفة وفيما تتطلبه من مهارة أو تأهيل علمى أو خبرة، وكذلك الفروق المرتبطة بالعمر وبالصحة([15]).
  2. العلاقة بين العدالة الاجتماعية والحرية: إن العلاقة بين تطبيق العدالة الإجتماعية ومسألة تعارضها مع مفهوم الحرية هو سجال ونقاش دائم فى الفكر السياسى، حيث ذهب بعض المفكرين – وهو تيار ليبرالى يمينى- الى أن العدالة الإجتماعية تتطلب إعادة توزيع الثروة فى المجتمع الأمر الذى سيجعلنا نتعرض للملكيات الخاصة وإعادة توزيعها، ومن المعروف أن الملكية هى ركن أساسى من أركان الحرية، وبالتالى فإن هناك تعارض بين المفهومين. وذهب البعض الآخر وهو تيار ليبرالى يسارى وعلى رأسهم جون رولز بأنه لا يوجد تعارض بين المفهومين حيث تهدف العدالة الاجتماعية إعادة إعطاء الحقوق للفقراء والضعفاء بعد أن سُلبت منهم، فأى حرية يمتلكون فى حين أنهم لا يستطيعون توفير احتياجاتهم الأساسية وهى بالأساس أول الحريات وأسماها. وذهب تيار ثالث وهو اشتراكي، أن التناقض جاء بالأساس بسبب الفهم الخاطئ من جانب الليبرالية لمفهوم الحرية، فمفهوم الحرية فى الحركة الاشتراكية يعنى التحرر الوجدانى من كل مشقات الحياة والتفرغ الى الإبداع بعد العمل، ومن ثم لا يوجد تعارض بين وجود عدالة اجتماعية وتمتع الأفراد بحرياتهم([16]).
  3. العلاقة بين العدالة الإجتماعية والتنمية: إذا أرادت الدولة تطبيق العدالة الإجتماعية فى الدولة فلا بد أن يواكب ذلك عملية تنمية شاملة بكافة جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالتنمية السياسية تستلزم بناء مؤسسات تستطيع استيعاب التغيرات الحادثة فى الدولة وحشد الرأى العام ومؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية لبذل أقصى جهد لتطبيق العدالة الإجتماعية. ولا يختلف الأمر كثيرا فى التنمية الإقتصادية، حيث وجود النية لإقامة عدالة اجتماعية لا بد أن يوازيه عملية تنمية اقتصادية تستطيع توفير احتياجات الطبقات المختلفة وخاصة الدنيا منها فيما يتلعق بمسألة الدعم وخلافه. شرط أساسى لنجاح العدالة الإجتماعية وجود تنمية مجتمعية لتستطيع طبقات المجتمع استيعاب موجات التغيير القادمة.
  4. العلاقة بين العدالة الاجتماعية والعدالة التوزيعية: استخدم بعض المفكرين والفلاسفة المفهومان كمترادفان، وفى حقيقة الأمر فإن المفهومان متقاربان الى حد كبير، حيث تتمثل العدالة فى توزيع الحرية السياسية والمساواة الاجتماعية والحقوق الطبيعية بشكل منصف بين أفراد المجتمع، والهدف من عدالة التوزيع هو دفع البنية الأساسية للمجتمع المنظم من قبل المؤسسات بشكل يخدم تطبيق العدالة الاجتماعية.

سابعاً نحو نقد مفهوم العدالة الاجتماعية:

انتقد مايكل ريكتينفالد مفهوم العدالة الاجتماعية عند كل من ماركس ونيتشه، حيث قال أن هذه الأديولوجية –يقصد العدالة الاجتماعية- أثبتت فشلها فى كثير من المجتمعات بسبب تصورها الخاطئ عن الطبيعة البشرية، فبينما تصور ريكتينفالد وجود الفوارق الفردية بين الأفراد فإن العدالة الاجتماعية عند ماركس ونيتشه أنكرتها، كما أنه انتقد أييضاً فكرة “الحراك الاجتماعى الاجبارى” النابع من العدالة الاجتماعية وأن الأصل يجب أن تُترك للأفراد الحرية، وكل يثبت جدارته. قال ريكتينفالد أن أيديولوجية العدالة الإجتماعية وجود وضع اجتماعى يتسم بالهرمية وهذا غير منطقى وفقاً له حيث ان الهرمية هى جزء من العقيدة الانسانية التى ينبغى وجودها فى جميع المجتمعات([17]).

ومن ناحيته انتقد المفكر النمساوى فريدريك هايك مفهوم العدالة الإجتماعية، حيث قال أن إعادة التوزيع القهرية للموارد فى المجتمع تتضمن تعدياً على الحقوق والحريات الأساسية للأفراد. كان هايك ضد تدخل الدولة فى الحياة السياسية والاقتصادية، حيث رأى أنه من الصعوبة أن تقوم الدولة بتحديد كيفية تخصيص الموارد على المواطنين حتى لو أُخذت بمبدأ الجدارة والاستحقاق([18]).

عند الحديث عن مفهوم العدالة الإجتماعية، فإنه ينبغى التحديد أولا ما هى خلفية الكاتب لأنها ستؤثر بشكل كبير فى تعريفه لهذا المفهوم وبالتالى تحديده لطرق تطبيقه، فنجد كما وضحنا بالأعلى وجود مفكرين اشتراكيين يؤمنون بالمفهوم وضرورة تطبيقه، ونجد أييضاً مفكرين ليبراليين يدعون الى تطبيق المفهوم ذاته ولكن بوسائل مختلفة. إن مفهوم العدالة الإجتماعية –من وجهة نظرى- يتطلب تطبيقه تدخل الدولة فى عدة مجالات ولا أعتقد أنه يمكن أن تتحقق العدالة الإجتماعية عن طريق الإرادة الذاتيه للأفراد كما قال نوزيك. إن مسألة العدالة الاجتماعية لا تتعارض البتة مع الحريات والحقوق الشخصية، حيث لا معنى لحرية فى مجتمع يسوده الفقر، فالعدالة الاجتماعية تسعى لإعادة توزيع الموارد بين أفراد المجتمع ومنطقيته هو استغلال فئات معينة هى بالأحرى الفئات الغنية لطبقات اجتماعية أخرى، أى أنهم قاموا بمصادرة حريتهم عند استغلال قوت يومهم، وبالتالى فإن العدالة الإجتماعية تأتى لتصحح المسار هذا لتعيد الحقوق والحريات الى الفئات الأضعف. ويعد مفهوم العدالة الاجتماعية وثيق الصلة بالنظرية السياسية حيث أهتم به المنظرون السياسييون منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم بإعتباره واحد من أهم القيم السياسية الصالحة للتطبيق فى الوقت الحاضر خاصة فى المجتمعات النامية التى يسودها الفقر واستغلال فئات صغيرة لباقى قطاعات الشعب، ومن هنا تأتى عملية إعادة توزيع الموارد أو بالأحرى عملية تطبيق العدالة الإجتماعية.

المصادر:

  1. 1. سيد قطب، العدالة الاجتماعية فى الاسلام، القاهرة: دار الشروق، 1995.
  2. مريم وحيد، الخطاب السياسى فى السينما المصرية: دراسة فى مفهوم العدالة الإجتماعية 1961-1981، رسالة دكتوراة، جامعة القاهرة، كلية الإقتصاد والعلوم السياسية، 2018.
  3. عبدالرحمن محمود عليان، العدالة الاجتماعية وتوزيع الموارد: الضوابط والآليات، المؤتمر الأول لقسم المحاسبة والمراجعة عام 2011/ 2012)، كلية التجارة جامعة عين شمس، دار المنظومة، 2016.
  4. مفهوم العدالة الاجتماعية، مركز موارد العدالة الاجتماعية، ديسمبر 2013، متاح على الرابط: http://www.sjrcenter.org/index.php/social-justice/concept/item/432-مفهوم-العدالة-الاجتماعية#.XJlQeSgzbIU، 26/3/2018.
  5. مركز الدرر السنية، تعريف العدل لغوياً، https://dorar.net/akhlaq/905/معنى-العدل-لغة-واصطلاحا، 25/3/2019
  6. ابراهيم العيسوى، العدالة الاجتماعية: من شعار مبهم إلى مفهوم مدقق، بوابة الششروق، أكتوبر 2012، متاح على الرابط: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=01102012&id=b54bad65-e462-4920-ae1b-7f7945cbbcab، 26/3/2019.
  7. توفيق السيف، مفهوم العدالة الاجتماعية، الاقتصادية، سبتمبر 2013، متاح على الرابط: http://www.aleqt.com/2013/09/03/article_783008.html، 26/3/2019.

References:

  1. Fleischacker Samuel, A short History of Distributive Justice, London, Cambridge, 2004.
  2. Behr Thomas, Luigi Taparelli D’Azeglio, S.J. (1793-1862) and the Development of Scholastic Natural-Law Thought as a Science of Society and Politics, Journal of Markets & MoralityVolume 6, Number 1, Spring 2003.
  3. Jackson Ben, The Conceptual History of Social Justice, POLITICAL STUDIES REVIEW: 2005 VOL 3, 356–373.
  4. Novac Michael, Social Justice: Not What You Think It Is, Heritage Foundation, December 2009, No. 1138, pp. 1-2.
  5. T.M.D, Social Justice, life of the Spirit (1946-1964), Vol. 15, No. 170/171 (AUGUST-SEPTEMBER 1960).
  6. Swift Adam, Political Philosophy: A Beginners’ Guide for Students and Politicians, Cambridge: Polity Press, 2006, available on: https://books.google.com.eg/books?id=koYetXlCc-IC&printsec=frontcover#v=onepage&q&f=false, 26/3/2019.
  7. Rectenwald Michael, A Critique of ‘Social Justice’ Ideology: Thinking through Marx and Nietzsche, July 2017, available on: https://www.legitgov.org/Critique-Social-Justice-Ideology-Thinking-through-Marx-and-Nietzsche, 26/3/2019.
  8. Raphael, Concepts of Justice, (New York: Oxford University Press), 2001, available on: https://www.worldcat.org/title/concepts-of-justice/oclc/46882607/viewport, 26/3/2019.
  9. McPherson J. Robert, Correcting John Rawls’ Social Justice, The Reformed Conservative, 2012, available on: https://www.thereformedconservative.org/correcting-john-rawls, 26/3/2019.
  10. Social Justice: Rawls, Nozick and Singer, BSC Faculty, available on: http://faculty.bsc.edu/bmyers/justiceslide.htm, 26/3/2019.

(1). Michael Novac, Social Justice: Not What You Think It Is, Heritage Foundation, December 2009, No. 1138, pp. 1-2.

(2). Thomas Behr, Luigi Taparelli D’Azeglio, S.J. (1793-1862) and the Development of Scholastic Natural-Law Thought as a Science of Society and Politics, Journal of Markets & Morality

Volume 6, Number 1 (Spring 2003), pp. 99–115.

(3). مريم وحيد، الخطاب السياسى فى السينما المصرية: دراسة فى مفهوم العدالة الإجتماعية 1961-1981، (رسالة دكتوراة، جامعة القاهرة، كلية الإقتصاد والعلوم السياسية، 2018)، ص 80.

(1). مركز الدرر السنية، تعريف العدل لغوياً، https://dorar.net/akhlaq/905/معنى-العدل-لغة-واصطلاحا، 25/3/2019.

(2). T.M.D, Social Justice, life of the Spirit (1946-1964), Vol. 15, No. 170/171 (AUGUST-SEPTEMBER 1960), pp.70-75.

(3). Raphael, Concepts of Justice, (New York: Oxford University Press), 2001, available on: https://www.worldcat.org/title/concepts-of-justice/oclc/46882607/viewport, 26/3/2019, pp. 1-11.

(1). Samuel Fleischacker, A short History of Distributive Justice, (London: Cambridge, 2004), pp. 125-133.

(2). Ben Jackson, The Conceptual History of Social Justice, POLITICAL STUDIES REVIEW: 2005 VOL 3, 356–373.

(1). سيد قطب، العدالة الاجتماعية فى الاسلام، (القاهرة: دار الشروق، 1995)، ص 32.

(2). Robert J. McPherson, Correcting John Rawls’ Social Justice, The Reformed Conservative, 2012, available on: https://www.thereformedconservative.org/correcting-john-rawls, 26/3/2019./

(1). مفهوم العدالة الاجتماعية، مركز موارد العدالة الاجتماعية، ديسمبر 2013، متاح على الرابط: http://www.sjrcenter.org/index.php/social-justice/concept/item/432-مفهوم-العدالة-الاجتماعية#.XJlQeSgzbIU، 26/3/2018.

(2). Social Justice: Rawls, Nozick and Singer, BSC Faculty, available on: http://faculty.bsc.edu/bmyers/justiceslide.htm, 26/3/2019.

(1). عبدالرحمن محمود عليان، العدالة الاجتماعية وتوزيع الموارد: الضوابط والآليات، (المؤتمر الأول لقسم المحاسبة والمراجعة عام 2011/ 2012)، (كلية التجارة جامعة عين شمس، دار المنظومة، 2016) ص ص 292-295.

(1). Social Justice: Rawls, Nozick and Singer, Opcit.

(1). ابراهيم العيسوى، العدالة الاجتماعية: من شعار مبهم إلى مفهوم مدقق، بوابة الششروق، أكتوبر 2012، متاح على الرابط: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=01102012&id=b54bad65-e462-4920-ae1b-7f7945cbbcab، 26/3/2019.

(1). توفيق السيف، مفهوم العدالة الاجتماعية، الاقتصادية، سبتمبر 2013، متاح على الرابط: http://www.aleqt.com/2013/09/03/article_783008.html، 26/3/2019.

(1). Michael Rectenwald, A Critique of ‘Social Justice’ Ideology: Thinking through Marx and Nietzsche, July 2017, available on: https://www.legitgov.org/Critique-Social-Justice-Ideology-Thinking-through-Marx-and-Nietzsche, 26/3/2019.

(2). Adam Swift, Political Philosophy: A Beginners’ Guide for Students and Politicians, (Cambridge: Polity Press, 2006), pp. 12-13, available on: https://books.google.com.eg/books?id=koYetXlCc-IC&printsec=frontcover#v=onepage&q&f=false, 26/3/2019

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى