كرونولوجيا التطرّف تَصاعد مظاهِر إِرهاب الفَاعل الفَرْد في الدُوَل المسيحيَّة

م .م. حازم حميد دهش، مركز دراسات البصرة والخليج العربي /جامعة البصرة

د. فراس عباس هاشم، كلية العلوم السياسية /جامعة النهرين

مقال نشر في  مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 23 الصفحة 11.

الملخص

تبحث هذه الدراسة في مسألة شديدة الحساسية وشائكة في الوقت نفسه، خصوصا مع زيادة نبرة خطابات الكراهية والتعصب الديني في الدول الغربية وتصاعد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة والتي وجدت في الإعلان مساحة واسعة لنشر أفكارها المتطرفة وتأثيراتها الممتدة إلى الساحة السياسية في الدول الغربية، وتكوين سلطة موجهة ومتحكمة في سلوك الناس. لذلك تحاول الدراسة بيان كيف يمكن لمثل هذه المواقف أن تصنع إرهابا فرديا مصحوبا بنزعة تاريخية تظهر نمطية الصورة المعادية للآخر، ومحاولة الاعتزاز بالهوية المسيحية في ظل الإشكاليات التي رافقت نمو مثل هذه الظاهرة، وبيان مدى انسجام المجتمعات الغربية مع المهاجرين في ظل عودة المقدس الديني في حياة الناس، وبالتالي ربما سيكون ذلك مسوغاً يدفع بالجماعات المتطرفة لأن تكون أكثر عنفا في عملياتها الإرهابية.

الكلمات المفتاحية: الكراهية، شبكات التواصل، الفرد الفاعل، الأحزاب اليمينية.

المقدمة

لقد أفضت التحوّلات التي شهدتها الدول الغربية إلى استشعار الخطر الذي بات يهدد مجتمعاتها، وينذر بتصدع مؤسساتها الديمقراطية القائمة على أسس الثقافة العلمانية. هذا التطور يتمثل في بروز الاصطفافات على أسس مذهبية وعقائدية، وعودة ما يسمى بالهوية الدينية، كما تنبأ لها مفكرون مثل “أندريه مالرو”، ومن بعده  “صامويل هانتنغتون”، في القرن العشرين، ويأتي ذلك نتيجة لظهور حركات التطرف الإسلامي وتنامي نشاط الحركات الإرهابية التي من شأنها أن تخلق ردات فعل تأخذ في أغلبها حالة من التقوقع للفرد الأوروبي داخل كيانات دينية، كما دلت عليه إحصائيات واستطلاعات ميدانية وصفت بالتراجعات والخسارات المرة داخل المجتمعات الأوروبية ([1]).

ومن هنا وفرت البيئة المحلية فرص تزايد شعبية أحزاب اليمين المتطرف الشعبوية، في ظل الفسحة التي وفرتها حالة التخبط السياسي للدول الغربية في تحديد البدائل لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى مسألة المهاجرين، وهكذا وجدت الظروف المناسبة لتبنى خطاب متطرف أكثر عنصرية حيال الأقليات الأخرى وبالتحديد الإسلامية، والاستفادة من تطور وسائل الاتصالات والتواصل الاجتماعي التي تتيح مساحة  لنشر الأفكار العنصرية، مما ولد صناعة للتطرف الفردي الأكثر عنفا ودموية، كما حصل في هجمات نيوزيلندا، واستقاء أفكارهم من خلال هذه الأحزاب، عبر استدعائها للتاريخ  وأحداثه، ومطالباتها بالحفاظ على الهوية المسيحية للدول الغربية أمام التهديد الذي تتعرض له من الوافدين إليها .

وعليه تكمن أهمية الدراسة في كونها محاولة جادة لاستكشاف تلك التطورات التي أسهمت في بلورة وإنضاج صعود مستوى الكراهية ضد الأقليات الأخرى في الدول الغربية، واعتبارها مصدر تهديد للقيم والمبادئ المسيحية أمام تصاعد موجات المهاجرين إلى أوروبا بما يعطي فسحة  أمام تصاعد أحزاب اليمين المتطرف وتبني خطاب أكثر عنصرية وشعبوية. وبالتالي تأتي الإشكالية التي تنطلق منها الدراسة من خلال تتبع مجريات الأحداث والتطورات التي تشهدها أوروبا، يتبين أنها كانت بيئة محفزة على تصاعد شعبية أحزاب اليمين المتطرف، وبالتالي ظهور أفراد أكثر تطرفا ودموية ضد الأقليات الأخرى، وذلك بسبب الفسحة التي شكلها عجز الحكومات الغربية على توفير البدائل المتاحة لمواجهة التحديات الداخلية سواء أفي المستوى السياسي أم في المستوى الاقتصادي .

وتنطلق الإجابة على هذه التساؤلات من خلال فرضية رئيسة مفادها” أنّ حالة التخبط السياسي في المجتمعات الغربية انعكست بصعود أحزاب اليمين المتطرف على الساحة السياسية والمحلية ودعواتها للحفاظ على الهوية المسيحية للدول الغربية بل انعكست سلبا على الواقع الاجتماعي وعلاقات الانسجام مع الأقليات ” .

أما منهجية الدراسة فإن تناول هذا الموضوع يفرض علينا إتباع أكثر من منهج بحسب ما تقتضيه الضرورة، فقد تم استخدام المنهج التاريخي خلال دارسة التطورات الداخلية والخارجية ومدى انعكاساتها على صعود اليمين المتطرف ، فضلاً عن الأحداث التاريخية. كما جرى توظيف المنهج الاستقرائي لفهم دوافع تزايد شعبية اليمين المتطرف وتصاعد الاهتمام بالهوية المسيحية للغرب أمام التحولات الدراماتيكية التي يشهدها العالم. واتساقا مع ما تقدم سيتم توزيع هذه الدراسة إلى أربعة محاور كما تشتمل على المقدمة والخاتمة.  ويتمثل المحور الأول في: مدخل تمهيدي. أما المحور الثاني فقد: تناول اتجاهات الانجذاب لمنحى تأكيد الخطاب الهوياتي المسيحي. فيما تناول المحور الثالث : استدعاء المخيال التاريخي كدالة لإعادة إحياء مصعدات الثأر.

المحور الأول

مدخل تمهيدي

فرضت الأحداث التي شهدتها مختلف الدول الأوروبية مؤخراً حالة من تصاعد ظاهرة الكراهية اتجاه الآخرين، خصوصا مع تزايد أعداد المهاجرين من ناحية، وتصاعد شعبية أحزاب اليمين المتطرف من ناحية أخرى وقد ساعدها في ذلك حرية فضاء ساحات التواصل الاجتماعي في نشر الكثير من خطابات الكراهية وأفكار التطرف والتحريض ورفض الآخر على أساس الجنس أو العقيدة …، وفي هذا الإطار سوف نتناول مفهوم الكراهية.

           وعليه تستند الكراهية إلى أساس معرفي وإدراكي يفرق بين الفرد والجماعة التي تكره وبين الفرد أو الجماعة الأخرى، بشكل ينزع الشرعية عن كليهما، وفي المستوى السلوكي تولد الكراهية الرغبة لدى الأفراد في إزالة أو محو الجماعة الأخرى من الوجود، وقد تؤدي هذه المشاعر أيضاً إلى تشكيل حركات وأحزاب متطرفة وعرقية تؤسس حملاتها على كراهية الطرف الآخر، كما قد تجعل عملية المصالحة بما تتضمنه من مشاعر إيجابية بعيدة المنال، ويصبح مفهوم  الغفران أو التسامح صعبا تقبله على المدى القصير([2])، والكراهية لها مستويات عدة منها المستوى العاطفي  الذي يعني شعور الأفراد بتغلغل مشاعر الكراهية داخل نفوسهم اتجاه شخص ما أو جماعة محددة، وهذا المستوى رغم خطورته فإن تأثيره محدود في العالم الخارجي فربما يحتفظ الشخص بهذا الشعور السلبي دون أن يعبر عنه في سلوك ظاهر. أما المستوى السلوكي فهو الأخطر لأنه يعني تحول الشعور السلبي من مجرد عاطفة  إلى سلوك ظاهر غالبا ما يتخذ شكلا من أشكال العنف اتجاه الآخرين بدءا بالعنف اللفظي ووصولا إلى العنف المادي([3]).

          ويشير مفهوم الكراهية “إلى أنها مشاعر سلبية مستمرة ومتطرفة يشعر بها أحد الأطراف اتجاه الطرف الآخر، وتحتوي على رغبة ذاتية في إيذاء هذا الطرف وربما تدميره  تماماً وتنطوي على اعتقاد بأن الطرف الآخر شرير ولن يتغير أبداً ولذلك فهي غير مرتبطة بموقف بعينه وإنما هي شعور تراكمي يوجه إلى الطرف الآخر بناء على شخصيته وسماته الأصلية أكثر من كونه رد فعل على تصرفات محددة” ([4])، تجدر الإشارة هنا إلى عدم وجود معنى موحد ومقبول لمفهوم الكراهية وذلك يعود للاختلافات الفكرية للأشخاص الذين تناولوا المفهوم.

ومن هنا يمكن القول أن الظروف المجتمعية التي يمر بها المجتمع تمثل عاملا دافعا لانتشار المشاعر الإيجابية أو السلبية داخل المجتمعات فكما أنها تمثل تربة إما جاذبة أو طاردة لهذه المشاعر ، قد تخلق بيئة حاضنة لانتشار مشاعر الكراهية أو تخلق بيئة رافضة لها، ومن البديهي أن الظروف المجتمعية التي تمر بها الدول تخلق بيئة تهديدية حيث يعيش الأفراد في بيئة تمتلئ بالتهديدات والضغوط، وهذا السياق التهديدي الضاغط يساعد على ظهور التناقضات في المجتمع  ويجعل الاختلافات المجتمعية الكامنة تطفو على السطح، كما يؤثر في إدراكات الأفراد حيث يدفعهم لرفض البدائل المتاحة، ويحد من استقبالهم للمعلومات ويزيد من استخدامهم للأحكام النمطية والمقولبة، كما يؤثر في رؤيتهم لبعضهم بعضا، خاصة في ظل مشاعر الشك والريبة، وعدم الثقة والكراهية التي تنتشر في هذه المجتمعات([5]). وهنا يظهر لنا التأثير الذي تلعبه وسائل الإعلام والإنترنت في تحديد اتجاهات الناس وتوجيهها وفق رغبات القائمين عليها، ولعل تطور وسائل التقنية، قد سهّل مهمة تغيير اتجاهات الرأي العام، بما في ذلك الترّويج لخطاب الكراهية.([6])

             من ناحية أخرى أسفر انتشار شبكات التواصل الاجتماعي عن تبلور مساحات واسعة النطاق، وأنماط من التفاعلات تفتقر للضوابط بصورة جعلت الفضاء الإلكتروني في حالة “فوضى افتراضية” (Virtual Chaos) تتسم بعدم القدرة على تحديد هوية الفاعلين الحقيقة والتدفق الحر للمعلومات والأفكار على نحو يجعل من الصعب التأكد من صحة ودقة المحتوى الإعلامي الإلكتروني، بالإضافة إلى ذلك، فإن افتقاد تلك المساحات لسلطة تنظيمية عليا، فضلا ًعن نطاقات محظورة دعم من احتمالية استخدامها في أنشطة غير مشروعة والترويج لخطابات الكراهية عبرها([7]).

         ومن هذا المنطلق يرى (فرانك مالاندرو- Frank Malandro) (*) أن اعتبار الآخرين في معسكر الخصوم أو المؤيدين هو إحدى أهم الأولويات في حياة الإنسان منذ القدم، وعلى أساس هذا التصنيف الذي يكون ظالما في أغلب الحالات قد يبني الإنسان تصوراته عن هذا العالم ويحدد مديات علاقته بالآخرين سواء أكان في بيئته المحلية الضيقة أم العالم ككل([8])، وقد عبر عن هذا المعنى أيضاً (هنري تاجفيل -Henri Tajfel) مشيراً إلى أن الأفراد يميلون إلى تبني قناعات أفراد أسرهم في المحل الأول ثم قناعات المجموعة الاجتماعية الضيقة التي يتشاركون معها في البيئة ذاتها، وبمجرد الحكم على أفراد جماعة معينة بصورة سلبية سواء أكانت من وجهة نظر دينية وثقافية وقومية أم غير ذلك من التصنيفات المسبقة، يصبح من الصعب التعامل مع أي من أفرادها بمنظور متجرد حتى وإن أثبت سلوكه في مواقف معينة عكس ذلك ([9])، مما تقدم يعد مفهوم الكراهية أحد الموضوعات التي شغلت اهتمام الباحثين والمختصين  بهدف الوصول إلى فهم مشترك إزاء تنامي هذه الظاهرة وانعكاساتها على الواقع الاجتماعي في الدول الغربية، وأحد سمات الواقع الجديد الذي خلفته هذه المسألة استدعاء القوى اليمينية للتاريخ وتقديم تفسيرات لهذا التوجه ومحاولتها أن تكون أكثر جاذبية وقبولا داخل مجتمعاتها.

المحور الثاني

اتجاهات الانجذاب لمنحى تأكيد الخطاب الهوياتي المسيحي

 

تجدر الإشارة ابتداءً أنه نظراً إلى الانعطافات الكبرى التي حصلت في العقدين الأخيرين بوجه خاص وأدت إلى حالة غير مسبوقة من التماس بين الدين والسياسة، إلى الدرجة التي أصبح فيها الدين أو التدين يملي شروطه لدى الأفراد في مواقفهم من مختلف القضايا التي تطرح نفسها في الساحة العامة، أصبحت السياسة تشير نحو الخضوع للتمثلات الدينية([10]).على هذا النحو طرأ تطور نوعي على الوعي الأوروبي في العقد الأخير نتيجة الصدام مع الإسلام، وهذا الاختلاف في الإدراك متولد عن مظاهر العنف والقتل التي شهدتها عدد من العواصم الأوروبية خلال الأعوام الأخيرة، بفعل التفجيرات الإرهابية إلى حد أن البعض بات يتحدث عن صحوة الضمير المسيحي في الغرب([11])، وعلى هذا الأساس وجدت خطابات اليمين المتطرف المحرضة على الكراهية مداها داخل المجتمعات الغربية نتيجة ضعف الخطاب السياسي في مواجهة هذه الموجة من التطرف وعدم إيجاد البدائل للتحديات الداخلية على المستوى الاقتصادي والسياسي التي توجهها الدول الغربية .

              ومن هنا أظهرت تصاعدا في الشعور بالهوية الدينية المسيحية لدى الشباب الأوروبي بوجه خاص، حيث أن الهوية الدينية أصبحت تحل تدريجيا محل الهوية الوطنية في السنوات الأخيرة بسبب التحولات في الساحة الدينية العالمية وبروز مظاهر العنف والتطرُّف (Extremism) باسم الدين([12])، بيد أننا لا ينبغي أن نأخذ الأمور على سبيل المماثلة فقط ، وإن كان للمماثلة دلالة في هذه الأمور بل الأمر يتعدى إقامة التناظر نحو تحديد ماهية الفعل الاجتماعي . وليس أدل على ذلك من قول (دوركهايم- Durkheim)  “حين يعاني المجتمع يشعر بالحاجة لأن يجد أحداً يمكنه أن يعزو إليه ألمه ، ويستطيع أن ينتقم لخيبات أمله”. ومن جهة أخرى يضع (دومينيك مويسي – Dominique Moïsi) خارطة لما يسمه “جغرافية سياسية للانفعال”، حيث تجري ملاحظة ثقافة الخوف التي تجتاح الغرب ويزدهر عليها سوق القلق، هل يجب أن نرى في إرث الخوف من النزاع النووي الحساسية المفرطة للمجتمعات المعاصرة  حيال القلق الجماعي إنها المجتمعات الأكثر أماناً في تاريخ البشرية، وهي تخترع مع ذلك “مبدأ الحيطة” الذي يؤدي إلى إضفاء طابع المأساة والمبالغة في ما يتعلق بالخطر([13]).

          إن الصرّاع  للسيطرة على الأرض أو على الثروة، أو على المياه ، كلها مطايا للصّراع على السيادة وكلها صرِاعات بادية للعيان، لكن الصراع الأدق والأعمق وربما الأعنف إنما هو صراع الهويات ([14])، وبذلك فإن الجدل الجديد حول شكل وبنية النظام العالمي الجديد والذي بدا قائما على شعار “حضارتي أولا ” (first civilization)، بمعنى أن الحروب المقبلة ستكون حاملة لمسوغات هويات دينية وعرقية، غير اقتصادية بحتة مثلما دأب العالم على ذلك طيلة عقود، خصوصا مع تصاعد خطابات الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا والعالم ([15]).

وفي ظل صعوبة التنبؤ بمستقبل التفاعلات العالمية كشف تقرير للاستخبارات البلجيكية أن اليمين المتطرف في أوروبا الغربية بدأ بتغيير نمط أنشطته، وأن قيادات بعض مجموعاته المتطرفة بدأت تأمر عناصرها بالتدرّب على الرماية وحيازة أسلحة بطرق قانونية أو غير قانونية، يأتي هذا المعطى الخطير تزامنا مع ما فرضته عدة متغيرات سادت العالم منها تصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، من قبيل نهاية تنظيم( داعش) في سوريا وما رافقها من كارثة المسجدين في نيوزيلندا من وجوب التطرق إلى الخطوات المحفوفة بالمخاطر التي يسير بها العالم، خاصة أن ذلك يتزامن مع ثبوت حقيقة أن النظام العالمي الحالي بات مُنهكا([16])، وعليه سوف تؤدي حالة الاحتقان الهوياتي داخل أوروبا في ظل صعود هذه الجماعات اليمينية المتطرفة المسيحية إلى تزايد حدة العنف لدى التنظيمات الإرهابية وإيجاد بيئة مناسبة لانضواء المزيد من الشباب إليها.

بالإضافة إلى منطقية هذه الفرضية هناك أيضا تأثيرات القادة “الشعبويين”(*) على مناصري اليمين المتطرف، وهكذا إذ ربطت الشكل الجديد لليمين المتطرف بــ” اليمين المتطرف ذي الياقة البيضاء”، فعلى سبيل المثال تعد حركة “جيل الهوية” في فرنسا وحركة “جيل الهوية”في ألمانية من أبرز نماذج اليمين المتطرف ذي الياقة البيضاء، وتحاول هاتين الحركتين لفت الأنظار إليهما عبر الإعلام، باعتبارهما المدافعين عن الهوية المسيحية لأوروبا ([17])، وفي هذه الحالة نجح اليمين المتطرف في الولايات المتحدة أيضاً في تأسيس واحدةٍ من أبرز جماعات الكراهية المعروفة باسم “براود بويز”(ProudBoys)، التي شاركت في أعمال الشغب والاضطرابات التي عُرفت بمظاهرات “حرية التعبير” بمدينة (شارلوتسفيل) بولاية فيرجينيا في عام (٢٠١٧)([18])،وإلى ذلك يدعي اليمين المتطرف أن سبب تسلحه هو أن الصراع الاجتماعي بين الإسلام وأوروبا المسيحية أصبح أمرًا لا مفر منه وعليهم الاستعداد لذلك([19]).

إلى جانب ذلك تلجأ جماعات الكراهية إلى وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها وهكذا تجند أتباعها([20])، وبدراسة حالة (سيزار سايوك -Cesar Sajuk)على سبيل المثال الذي قام بإرسال طرودٍ مفخخة لمعارضي الرئيس الأمريكي(دونالد ترامب-Donald Trump) على الإنترنت لبث خطابات الكراهية ضد الأقليات المسلمة، والمهاجرين غير الشرعيين، بل كان يهدد الديمقراطيين أيضا ، واتخذت حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي الأداء التعبيري الذي يمثل  تكريس نظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة التي تهاجم الليبراليين البارزين، أمثال كل من ( جورج سورس-George Soros)، و(هيلاري كلينتون-Hillary Clinton) ووصفهم أحد أسباب انحطاط الثقافة الأمريكية ([21])، ومن الملاحظ أن هذا الخطاب المعادي للآخر اكتسب زخمًا متزايدًا بسبب الصعود السياسي لليمين المتطرف في الغرب، بما في ذلك نيوزيلندا، حيث ظهر عددٌ من الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل حزب “نيوزيلندا أولًا”،وتتبنى هذه الأحزاب خطابًا معاديًا للهجرة ومعاديًا للمسلمين كجماعات تهدد التجانس الثقافي والمجتمعي، ويجب أن نذكر هنا أنّ هذا الخطاب استُدعي بكثافة في السنوات الأخيرة، خصوصا في ضوء الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الدول الغربية من قبل تنظيمي “القاعدة” و”داعش”،  تفيد إجمالا بأن خطاب الكراهية اليميني بات يَلقى جاذبية لدى الكثير من الناخبين ([22]).

           ومن ناحية أخرى يبدو أنّ أوروبا تواجه اليوم نوعين من التهديدات العنيفة وهذا ما رسخه صعود اليمين المتطرف  وما يتبعه  هذا الوضع المزعزع من غياب أي إحساس بالأمن والاستقرار، يتمثل النوع الأول في: الهجمات العفوية: التي تقوم بتنفيذها جهات فاعلة غير منظمة لها دوافع اليمين المتطرف، وغالبًا ما يكون أفرادها تحت تأثير مواد مخدرة . باستخدام أسلحة مثل (السكاكين والقبضات والعصي وقضبان الحديد ) والتي تعد الأكثر شيوعًا في تلك الهجمات. أما النوع الثاني: فينصرف إلى الهجمات واسعة النطاق التي تتسبب في خسائر متعددة، ويرتكبها فاعلون منفردون أو خلايا صغيرة مستقلة ذاتيًّا، وتستخدم فيها الأسلحة النارية والمتفجرات([23]).

          وفي مقابل هذا أدت العولمة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إلى اتجاه بعض الأفراد لنقل ولائهم من الدولة إلى الولاء لقضايا معينة، وفي الوقت نفسه صار العديد منهم أكثر ارتباطاً بما تتم إثارته على شبكة الإنترنت، على حساب الاهتمام بالمشكلات الحقيقية لمجتمعاتهم، ويتمثل مصدر التهديد هنا، وبدلًا من هذا أصبح  بعضهم مستعداً للتطرف واستخدام العنف كوسيلة للتعبير عن الرأي، حتى دون التقدير المنطقي لعواقب أفعاله، على  ذلك النحو طرأ تحول في مضمون وطريقة إرسال المعلومات، كما استطاعت الجماعات الإرهابية الاستفادة منها، من خلال تنفيذ حملات إعلامية مدروسة تستخدم أنماطاً جديدة من أدوات الاتصال مثل وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف النقالة والإنترنت، بغرض التجنيد والتدريب والاتصال والتعليم واستقطاب أعضاء جدد ([24])، وهذا ما أشار إليه أيضاً (جيكوب آسلاند رافندال-Jacob Aasland Ravndal) في مقاله المعنون “الشبكات المظلمة مكَّنت قاتل كرايستشيرش”(The Dark Web Enabled the Christchurch Killer)  المنشور على موقع دورية (فورين بوليسي)قائلا ” أن هناك دلائل تشير إلى وجود بعض الشبكات ذات التوجهات اليمينية المتطرفة العابرة للحدود الوطنية التي يعمل ناشطوها عبر تطبيقات مشفرة على الإنترنت لإعداد هجمات إرهابية مستقبلية. ففي المستوى الوطني، يبدو أن العديد من البلدان تستضيف عن غير قصد شبكات سرية متطرفة تقوم بتسهيل الحملات الإرهابية ضد الأقليات والأعداء السياسيين أو الحكومة. والعديد من هذه الشبكات لها أيضًا روابط دولية”([25])،وقد عملت هذه الحركات على توظيف الفضاء الإلكتروني كأداة للاتصال على حد تعبير (إرنست ج برومان-Ernest G. Bormann ) في نظريته(التقارب الرمزي Symbolic Convergence theory) على نقل الأفكار والروايات، سواء أكانت خاصة بها أم تلك المتعلقة بالأغيار، وبالتبعية تشكيل وعي الجماعة، وتدعيم الهوية المشتركة لأعضائها([26]).

وفي إطار هذا الترابط بين وسائل الاتصال والأفكار المتطرفة([27])،صعدت من خطابات اليمين المتطرف، وباتت وسائط مهمة في الدعاية وكسب المؤيدين الجدد لصالحها ومع تفشي هذه الظاهر المتطرفة في أوروبا، تطرح العديد من الأسئلة حول الوسائل التي تعتمدها هذه الجماعات لاستقطاب الشباب وجعله يتبنى أيديولوجيا قائمة بالأساس على معاداة الإسلام والاستعداد للقتال ضده في أي مكان في العالم. من هنا وبخلاف الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فهناك اليوم قلق حقيقي يساور السياسيين الأوروبيين عند النظر في مؤشرات إعادة الحيوية إلى هذه الحركات([28])، وهكذا نجد النائبة المستقلة في البرلمان البلجيكي (ماهينور أوزدمير-Mahinur Ozdemir)، تقول “إن أصحاب الياقات البيضاء الذين يتم الحديث عنهم في اليمين المتطرف يشبهون في ملبسهم النازيين الجدد. مشيرة إلى” أن هؤلاء تبرز لديهم خطابات الهوية”، مضيفة ” أن العنصرية وصلت إلى درجة مختلفة عن العنصرية التقليدية. وهناك مؤيدون لها، يستعملون في خطاباتهم ألفاظا هي تعبير عن المسيحية ولجهات الفلمنكية الأصلية” ([29])،من هنا يبدو أن موضوع الإرهاب احتل زخما كبيرا لدى الدول والمجتمعات، والبحث عن السبل التي تقوض من هذه الظاهرة وفي ضوء ذلك وجدت حركات اليمين المتطرفة في هذه الظاهرة مسوغا  لإيجاد صورة نمطية تمثل وجود المسلمين في المجتمعات الغربية  يشكل مصدر تهديد لقيم ومثل الهوية المسيحية.

المحور الثالث

استدعاء المخيال التاريخي كدالة لإعادة أحياء مصعُدات الثأر

أدت التطورات التكنولوجية، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو، إلى زيادة قدرة الفواعل المسلحة من غير الدول والأفراد العادين على امتلاك الأدوات اللازمة لشن الحروب، وعى الرغم من أن هذه التقنيات التكنولوجية تكون مكلفة في بدايتها، فإنها مع مرور الوقت تصبح رخيصة، وتكون متاحة إتاحتها للاستخدامات التجارية على نطاق واسع، وهو ما يجعلها متوفرة في أيدي عدد كبر من الأشخاص، ويتم توظيفها في شن الحروب وإحداث قدر كبر من الدمار([30])،ومن هنا اصبح التعامل مع الأساس المعرفي الذي تركن إليه حسابات(أندرس بيهرينغ بريفيك-Anders Behring Breivik) ([31]) في تفجيره قنبلة مصنوعة من الأسمدة في العاصمة النرويجية (أوسلو)، في 22 تموز /يوليو  عام (2011) مع تقديم الواقع أو تمثيلi وأن يقوم بدور رائد في  الهجوم الإرهابي، ذلك لأن هجومه كان الوحيد في العقود الثلاثة الماضية، والذي يجمع بين المتفجرات والأسلحة النارية، لذا تكشف لنا مدى تغلغل هذا العنف بصورة يتحول معها مطلق النار في (كرايستشيرش) إلى تقاسمه هذه الصفات مع (بريفيك)، حيث حمل(تارانت) منفذ الهجوم متفجرات في إحدى سياراته ([32]).

            وهذا ما أتاح للمحلل السياسي الأميركي( جيمس دورسي- James M. Dorsey)  أن يقدم صورة بديلة بشأن هذه التبدّلات التي يشهدها أي مجتمع عادة، قائلا ” إن الهجوم على مسجدين في نيوزيلندا سرعان ما يؤدي إلى تآكل القيم الليبرالية وصعود قيم دولة الحضارة على حساب الدولة القومية”. ويضيف “أن العالم يشهد زيادة في الظواهر الناتجة عن رهاب الإسلام أو ما يسمى “بالإسلاموفوبيا” (Islamophobia)(*)، مشددا “على أن عوامل أخرى مثل معاداة السامية تغذي هذه الظاهرة، عبر زيادة التعصب والعنصرية التي يمكّنها زعماء اليمين المتطرف في العالم وكذلك المحافظون المتشددون والجهاديون، ويبني هؤلاء القادة الأيديولوجيون المتطرفون سياساتهم ووجهات نظرهم على حجج الدفاع عن دولة الحضارة بدلا من وضعها على أسس دولة قومية”([33]).

ولذلك تبدو عملية الهجوم الإرهابي الذي نفذه (برينتون تارانت-(Brenton Tarrantعلى مسجدين بمدينة (كرايستتشيرش) بنيوزيلندا في 15 آذار/ مارس (2019) ([34])،هي نتيجة من تنكر للآخر في ثياب محفز للكراهية في الغرب، وهكذا نشأ خطابٌ في الدول الغربية قائم على ردود فعل معادية للآخر، ويحمله مسؤولية المشكلات المجتمعية التي تُعاني منها الدول الغربية، وخلقَ متخيلا قوميا بنزعة نحو تصوير المسلمين كتهديد للتجانس المجتمعي والقيم الثقافية السائدة في الغرب، واتّسم هذا السياق بدرجةٍ ملحوظةٍ من العنصرية، وظهور العديد من جماعات الكراهية( Hate Groups ) التي تدعو إلى العنف والعداء غير المبرر اتجاه أشخاص أو مجموعات لها سمات عرقية، أو دينية، أو جهوية، أو حتى جنسية، وتستخدم لتحقيق أهدافها أدوات متعددة بما فيها الفضاء الإلكتروني الذي قدم لهذه الجماعات إطارًا يُمكن من خلاله الوصول إلى الجماهير بشكل غير مسبوق، وإعادة تدوير خطابها، وتجديد صياغته ([35]).

          واليقظة التي يفصح عنها(تارانت)، تتجلى عبر تلك الوصفية التي تستل “الاستبدال الكبير” الذي يتحدث عنه تؤسس بعناية لاستبدال العرق الأبيض بباقي أعراق الأرض، في الوقت نفسه يحاجج ويدافع ويبرر بأن العرق الأبيض لن يستطيع الصمود حتى ولو قدر للسياسيين الأوروبيين أن يرحلوا جميع الغرباء من القارة الأوروبية، فإن العرق الأبيض يتجه نحو الانقراض بسبب معدلات الولادة المتدنية التي تسجل في أوروبا([36])، وفي السياق ذاته نقلت صحيفة “ذي إيكونوميست” حديث زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية(مارين لوبن-Marine Le Pen)، عن نظرية “مؤامرة الاستبدال الكبير”، والتي ترتكز فكرته على كتابات نازية نشرت في ثلاثينات القرن العشرين ضمن الحركات المعادية للسامية، وطورت فكرة تهديد وجود المسيحيين مع الإسلام، وهكذا زعمت أن المهاجرين المسلمين سوف يغمرون الفرنسيين البيض ديموغرافيا، وذكرت قائله “لا أريد أن تصبح فرنسا أرضا للإسلام”([37])، وعليه تحاول حركات اليمين المتطرف (الشعبوية) إلى استثمار الوضع الدولي في محاربة الإرهاب لاسيما بعد حصول العديد من الهجمات في عواصم الدول الغربية من قبل تنظيمات متطرفة بإذكاء  شعور معادي للمسلمين والتحريض عبر وسائل الاتصال الالكتروني بخطابات متطرفة .

                ويكشف هذا العنف([38]) الذي نشره (تارانت) عبر بث مباشر كافة تفاصيله، لم يكن سوى عملية ترسيم حدود جديدة للعنف الفعلي أو الرمزي، وهذا ما أحاله إلى تأثره بالرئيس الأمريكي (دونالد ترامب-Donald Trump)، باعتباره رمزا لإعادة الاعتبار لهوية البيض رغم أنه لا يعتبره صانع سياسة أو زعيما، فإن هذا لم يمنع من العودة إلى وقائع الماضي وهي حالة تجسد لنا أنه استوحى هجومه من (بريفيك) ، ويكشف أن جريمته تأتي أيضاً انتقاما لهجوم في السويد في أبريل/نيسان عام ( 2017) ، ولهذا فهو مولع أيضًا ( بكانديس أوينز-Candace Owens)، وهي ناشطة مؤيدة بشدة للرئيس الأمريكي (ترامب)([39])، مما لا شك فيه كانت تصريحات الرئيس الأمريكي (ترامب) ضد المسلمين محفزا على تعزيز الكراهية والتعصب(Fanaticism) ضد المسلمين وتجلت نتائج هذا الخطاب في زيادة الهجمات التي يتعرض إليها المسلمون في الولايات المتحدة على وجه الخصوص والدول الغربية عامة.

          وبصفة عامة أتت هذه التجربة فأسبغت تأثر( تارانت) بالعناصر الإرهابية اليمينية، مثل (لوكا ترايني-Luca Traini) الذي أطلق النار في شباط / فبراير عام( 2018) على المهاجرين الذين يقابلهم في شوارع مدينة (ماتشيراتا) الإيطالية و(ألكسندر بيسونيت- Alexander  Bessonet)، نفذ الهجوم على مسجد المركز الثقافي الإسلامي في مدينة (كيبيك ) الكندية في كانون الثاني /يناير عام (2017) على( تارانت)، وكشف عن ذلك التأثير كنقطة دينامية متحولة ، وأوجه التشابه بين الثلاثة تتمثل في كراهية الأجانب والمسلمين واستهداف دور العبادة([40])، ويحاول أن ينسج لنا رواية من العلاقة  بين بدايات حياته وتعقيداتها وتنطلق من  ولادته في عائلة من الطبقة العاملة، ولم يكن مهتما بالدراسة منذ بداية حياته، وبعد التخرج من المدرسة لم يلتحق بالجامعة، وعمل لبعض الوقت، وأهم من هذا كله أنه يعود في الفترة الأخيرة للانخراط في أعمال “إزالة الكباب”(*) كما برهن على ذلك (تارانت)([41])، عند النظر في أبعاد تلك المنطلقات الحضارية يرى المحللون ووفقا لظاهرة” الجينوسايد”(Genoside) أن كل حدث وقع فيها إبادة الجماعات الاجتماعية والعرقية والدينية سبقتها حملات معرفية ودعاية منظمة وسياسة مخططة مرسومة تستند على أسس أخلاقية ودينية وتاريخية وترسيخ الأحقاد وتجريد المقابل المستهدف من إنسانيته وتصويره كخطر على البشرية وعلى الجماعة([42]).

بهذه الطريقة تطرح المحاولات للتجذير ولتأصيل الجريمة وجعلها ضمن سياق تاريخي والذي يكرسه لخدم تعصبه. ولهذا لا بد من أن يحمله الجيل الجديد الداعي إلى العنف، لمواجهة “آفة الديمقراطية” التي سمحت للغزاة الجدد أن يقتحموا بلاد العرق الأبيض، ولكن نظرة الاستعلاء هذه هي شكل جديد من أشكال الإمبريالية كما تقول لنا والتي تفترض سيادة العرق الأبيض في مواجهة باقي الأعراق في العالم، وتفترض نقاء العرق الأبيض وذكاءه وأصالة قيمه الأخلاقية في مواجهة باقي الشعوب([43])، بالنظر إلى مجمل العلميات الإرهابية فإن منفذي الهجمات الإرهابية معظمهم يستحضرون سردية “الثأر من الآخر” في إطار تصوري لتبرير الهجمات، ومحاولة إضفاء شرعية “متوهمة” عليها على النحو الذي يجعل(تارانت) يتبنى خطابًا يمزج بين التاريخ والحاضر للتأكيد على أن ما قام به بمثابة ثأر للمجتمعات الغربية. وأوضح أن ما قام به كان للتخلص من الغزاة الموجودين في الأراضي الغربية، ومن ثمّ وصف الهجوم بأنه عمل “انتقامي من الغزاة من أجل مئات آلاف الوفيات التي تسبب فيها الغزاة الأجانب بالأراضي الأوروبية على مر التاريخ، وآلاف الأرواح الأوروبية التي أزهقت نتيجة للإرهاب المنتشر في الأراضي الأوروبية” ([44]).

            وفي نفس السياق سعى(تارانت) إلى الكتابة على الأسلحة باللون الأبيض، بكتابات اكتسبت صيغا لا تقل دموية عن تلك التي أجادتها شخصيات في مرحلة تاريخية حيث استشهد بقادة عسكريين، وأشار إلى المعارك القديمة مثلا  وحصار الصليبيين لمدينة عكا عام (1189م) في عهد (صلاح الدين الأيوبي) ومن ضمن الرموز التي وضعها كان عام (732م) تاريخ معركة بلاط الشهداء، والتي تعتبر الهزيمة التي أنهت التقدم الإسلامي في بلاد الأندلس بأوروبا، بالإضافة إلى رموز تخص الإمبراطورية العثمانية آنذاك بما في ذلك معركة فيينا عام (١٦٨٣م)، التي خسرت فيها الدولة العثمانية ومثلت نهاية توسعها في أوروبا ومعركة شيبكا عام ( 1877م) التي حصلت بلغاريا بعدها على استقلالها من الحكم العثماني([45])،والشيء ذاته فعله عندما تحدث عن سبب اختياره نيوزيلندا مكانًا لتنفيذ هجومه أنه أراد من ذلك توجيه رسالة للغزاة أنهم ليسوا بمأمن حتى في أبعد بقاع الأرض على حد زعمه وقد أردف في سياق الحديث لغتي الأصلية هي أوروبية، وثقافتي أوروبية ومعتقداتي السياسية أوروبية ومعتقداتي الفلسفية هي أوروبية وهويتي أوروبية والأهم من كل هذا فدمي هو أوروبي([46])،ولا بد من الإشارة هنا حركت هذه الظاهرة الفردية المجتمعات الغربي في التعاطي مع هذه المسألة باعتبارها لا تقترب من جوهر القيم والمثل الغربية وهكذا دفعت هذه المعطيات إلى ترسيخ خطاب تسامحي لموجهة خطر التطرف.

الخاتمة :

            مما تقدم يمكننا القول مثلت حادثة الهوم في نيوزيلندا نقطة تحول في العمليات الإرهابية ضد الأقليات الأخرى في الدول الغربية واستلهام منفذ الهجوم عمليته من شخصيات إرهابية فضلاً عن استدعائه لحوادث التاريخ من قادة ومعارك تعيد رسم شكل العلاقة ما بين الأقليات في المجتمعات الغربية وترسم صورة نمطية للأفكار المتطرفة التي أخذت اتجاهات أكثر دموية وساهمت في بناء إرهاب فردي بالإضافة إلى ذلك في الوقت الذي تشهد فيه الدول الغربية حالة من التخبط السياسي وجدت أحزاب اليمين المتطرف بيئة مناسبة في تبني شعارات وخطابات عنصرية عبر فضاءات وسائل الاتصال الاجتماعي المختلفة والتي تتيح لها كسب الرأي العام والتأسيس لحملات على رفض الآخر، مستفيدة من ارتفاع معدلات المهاجرين من ناحية، ومن جهة أخرى استثمار العمليات الإرهابية التي شهدتها العواصم الغربية من قبل بعض التنظيمات الإسلامية المتطرفة (كداعش) وبالتالي التأكيد على العمليات المتطرفة في الدول الغربية ستكون مسوغة لهجمات على أساس الهوية الدينية .

قائمة المراجع:

باللغة العربية:

بيار كونيسا، صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح، ترجمة : نبيل عجان، ( بيروت : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015 ).

حسن عزوزي، وآخرون،أعمال الندوة الدولية ظاهرة الإسلاموفوبيا وسبل التعامل معها، ( الرباط : الإيسكو، 2015 ).

داليا رشدي، آليات صناعة الكراهية طبيعة الأنظمة السياسية، ملحق اتجاهات نظرية، مجلة السياسة الدولية، العدد (199)، ( يناير، 2015 ).

محمد بسيوني عبد الحليم، مقاربات تقليص خطاب الكراهية في وسائل الإعلام، ملحق اتجاهات نظرية، مجلة السياسة الدولية، العدد (199)، ( يناير، 2015 ).

عبد السلام المسدي، الهوية واللغة في الوطن العربي بين أزمة الفكر ومأزق السياسة، مجلة تبين، العدد (1) ،( أغسطس، 2012 ).

شادي عبد الوهاب، حروب الجيل الخامس:التحولات الرئيسية في المواجهات العنيفة غير التقليدية في العالم، دراسات المستقبل، العدد (1)،( نوفمبر ، 2017 ).

وحيد عبد المجيد، “ترامبية” و”بوتينيه ” نزعات شعبوية تجتاح العالم وتهدده، مجلة السياسة الدولية،العدد(207) ،(يناير، 2017 ).

فارس الذهبي، برنتون تارانت فيلسوف العرق الأبيض الجديد،العرب اللندنية، العدد 11299،،26/3/2019.

رشميروشانلال،القومية البيضاء مشكلة عالمية، العرب اللندنية، العدد 11300، 27/3/2019.

مسارات عنصرية: أسباب تزايد جماعات الكراهية الأمريكية في عهد “ترامب””، موقع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 16/3/2019 ،شوهد في 24/3/2019 ،في :https://futureuae.com/…/Mainpage

محمد بسيوني، “عقيدة الكراهية: دوافع وسمات منفذ الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا” ، موقع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 15/3/2019 ، شوهد في 24/3/2019، في :https://futureuae.com

باللغة الأجنبية:

Kianna Gardner , Social media: Where voices of hate find a place to preach, August 30, 2018,https://publicintegrity.org/…/social-media-where-voices-of-hate-find-…

Cristina Archetti, Terrorism, Communication and the New Media: Explaining Extremism in the Digital Age, www.terrorismanalysts.com › Home › Vol 9, No 1 (2015).

AsneSeierstad, The Anatomy of White Terror, The New York Times, March 18, 2019,https://www.nytimes.com/topic/person/anders-behring-breivik.

Max Walden, New Zealand mosque attacks: Who is Brenton Tarrant?, 18 Mar 2019https://www.aljazeera.com/…/zealand-mosque-attacks-brenton-tarrant…

([1])إدريس الكنبوري، الهوية الدينية تعود إلى أوروبا من أوسع الأبواب، العرب اللندنية ، العدد 11018، 12/6/2018 ، ص 13.

([2])داليا رشدي، آليات صناعة الكراهية طبيعة الأنظمة السياسية، ملحق اتجاهات نظرية، مجلة السياسة الدولية، العدد (199)، ( يناير، 2015)، ص 5.

([3])المرجع نفسه ، ص 6.

([4])المرجع نفسه، ص 5 .

([5])رشدي، مرجع سبق ذكره، ص 10.

([6])نهى الصراف، الكراهية مفهوم معقد يعرضنا إلى خسائر نفسية واجتماعية، العرب اللندنية، العدد 10340، 20/7/2016، ص21.

([7]) محمد بسيوني عبد الحليم ، مقاربات تقليص خطاب الكراهية في وسائل الإعلام ، ملحق اتجاهات نظرية ، مجلة السياسة الدولية ، العدد (199)، ( يناير ، 2015 )، ص 21.

(*) أستاذ علم النفس الاجتماعي في كلية نوكس وعضو جمعية علم النفس الأميركية.

([8])الصراف، مرجع سبق ذكره، ص21.

([9])المرجع نفسه ، ص 21.

([10])الكنبوري، مرجع سبق ذكره ، ص 13.

([11])المرجع نفسه، ص13 .

 ([12])المرجع نفسه، ص 13.

([13])بيار كونيسا، صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح ، ترجمة : نبيل عجان ، ( بيروت : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، 2015 )، ص 33.

([14])عبد السلام المسدي، الهوية واللغة في الوطن العربي بين أزمة الفكر ومأزق السياسة، مجلة تبين، العدد (1)، ( أغسطس، 2012 )، ص 90.

([15]) تسليح المقاتلين.. خطوة اليمين المتطرف المسيحي لخلق إرهاب جدي، العرب اللندنية، العدد 1296، 23/3/2019، ص7.

([16]) المرجع نفسه، ص7 .

(*) للمزيد من المعلومات حول مفهوم الشعبوية، ينظر: وحيد  عبد المجيد ، “ترامبية” و”بوتينيه ” نزعات شعبوية تجتاح العالم وتهدده، مجلة السياسة الدولية ،العدد 207) ،(يناير 2017 )، ص 8.

([17]) تسليح المقاتلين.. خطوة اليمين المتطرف المسيحي لخلق إرهاب جدي ، مرجع سبق ذكره، ص7.

([18])”مسارات عنصرية: أسباب تزايد جماعات الكراهية الأمريكية في عهد “ترامب””، موقع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ، 16/3/2019 ، شوهد في 24/3/2019 ، في : https://futureuae.com/…/Mainpage

([19])تسليح المقاتلين.. خطوة اليمين المتطرف المسيحي لخلق إرهاب جدي، مرجع سبق ذكره ، ص7 .

)[20](Kianna Gardner, Social media: Where voices of hate find a place to preach, August 30, 2018,https://publicintegrity.org/…/social-media-where-voices-of-hate-find-…

([21])مسارات عنصرية: أسباب تزايد جماعات الكراهية الأمريكية في عهد “ترامب، مرجع سبق ذكره،ص7 .

([22])محمد بسيوني ،”عقيدة الكراهية: دوافع وسمات منفذ الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا” ، موقع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ، 15/3/2019 ، شوهد في 24/3/2019 ، في : https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/4604

([23])”ملاذات المتعصبين: دور شبكات “الانترنت المظلم” في الهجوم الإرهابي بنيوزيلندا “، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ، 24/3/2019 ، شوهد في 25/3/2019 ، في : https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/4625

([24]) شادي عبد الوهاب، حروب الجيل الخامس:التحولات الرئيسية في المواجهات العنيفة غير التقليدية في العالم ، دراسات المستقبل ، العدد (1) ،(نوفمبر، 2017 )، ص 14.

([25])ملاذات المتعصبين: دور شبكات “الانترنت المظلم” في الهجوم الإرهابي بنيوزيلندا ، مرجع سبق ذكره .

([26])بسيوني ، مرجع سبق ذكره .

)[27](Cristina Archetti,Terrorism, Communication and the New Media: Explaining Extremism in the Digital Age,www.terrorismanalysts.com › Home › Vol 9, No 1 (2015)

([28])تسليح المقاتلين.. خطوة اليمين المتطرف المسيحي لخلق إرهاب جدي ، مرجع سبق ذكره، ص 7 .

([29])المرجع نفسه ، ص 7 .

([30])عبد الوهاب ، مرجع سبق ذكره ، ص14.

)[31](AsneSeierstad, The Anatomy of White Terror, The New York Times, March 18, 2019,https://www.nytimes.com/topic/person/anders-behring-breivik

([32])ملاذات المتعصبين: دور شبكات “الانترنت المظلم” في الهجوم الإرهابي بنيوزيلندا ، مرجع سبق ذكره .

(*)لا يعد مصطلح (الإسلاموفبيا) حديثاً إلا في كونه مصطلحا وهو مشتق من الكلمة العربية إسلام والكلمة الاغريقية فوبيا (Phopia) وتعني الخوف والكلمة بشقيها  تعني “الخوف من الإسلام”  .للمزيد حول المفهوم انظر : حسن عزوزي ،وآخرون ، أعمال الندوة الدولية ظاهرة الإسلاموفوبيا وسبل التعامل معها ، ( الرباط : الإيسكو ، 2015 )، ص 14.

([33]) تسليح المقاتلين.. خطوة اليمين المتطرف المسيحي لخلق إرهاب جدي ، مرجع سبق ذكره، ص7 .

)[34](Max Walden,New Zealand mosque attacks: Who is Brenton Tarrant?, 18 Mar 2019

https://www.aljazeera.com/…/zealand-mosque-attacks-brenton-tarrant…

([35])بسيوني ، مرجع سبق ذكره .

([36])فارس الذهبي ، برنتونتارانت فيلسوف العرق الأبيض الجديد، العرب اللندنية، العدد 11299،26/3/2019 ،ص 13. يبدو أن عنوان هذه النظرية مستوحى من نظرية للكاتب الفرنسي (رونو كامو-Renaud Camus) بشأن اندثار (الشعوب الأوربية)، التي (تستَبدَل) بشعوب غير أوربية مهاجرة وباتت هذه النظرية منتشرة بشدة في أوساط اليمين المتطرف .عثمان علي ، الإسلاموفوبيا والكراهية للإسلام: ما بعد مذبحة نيوزلندا ، تحليلات سياسية ،( القاهرة : المعهد المصري للدراسات، 2019)، ص 5 .

([37])رشمي روشان لال ، القومية البيضاء مشكلة عالمية ، العرب اللندنية ، العدد 11300، 27/3/2019، ص6.

)[38](Fatma Lotfi, New Zealand mosque attacks: terrorism or act of violence? March 17, 2019, https://www.dailynewsegypt.com/…/new-zealand-mosque-attacks-terr…

([39])مجزرة المسجدين تصدم العالم… يميني متطرف متأثر بترامب يقتل 50 مسلما في نيوزيلندا  ، القدس العربي ، العدد 9485 ، 16/3/2019  ، ص 1.

([40]) بسيوني، مرجع سبق ذكره .

(*)ظهر هذا المصطلح في أغنية متطرفة صورها صرب البوسنة أثناء الحرب البوسنية، وهى أغنية قومية صربية تمدح القائد الصربى، (رادوفان كاراديتش-Radovan Karadzic) وهو مصطلح يستخدم في الإنترنت ويرمز لنشاط “التطهير العِرقى ” ضد المسلمين بشكل عام.”أرهابي نيوزيلندا: أنتقم لملايين الأوروبيين ضحايا الغزاة المسلمين عبر التاريخ “،موقع صحيفة المصرب الجديد ، 15/3/ 2019 ، شوهد في 25/3/2019 ، في : https://www.almasryalyoum.com/news/details/1378640

([41])المرجع نفسه .

([42])علي، مرجع سبق ذكره، ص1.

([43])الذهبي، مرجع سبق ذكره ص13.

([44])بسيوني، مرجع سبق ذكره .

([45]) إرهابي نيوزيلندا: أنتقم لملايين الأوروبيين ضحايا الغزاة المسلمين عبر التاريخ، مرجع سبق ذكره.

([46])مجزرة المسجدين تصدم العالم… يميني متطرف متأثر بترامب يقتل 50 مسلما في نيوزيلندا  ، مرجع سبق ذكره ، ص 1 .

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button