دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

لمئة عام وثلاث.. القدس بين “مارك سايكس وجوج بيكو” وصولًا لبلفور وترامب

د.محمد عبدالرحمن عريف

البداية مع سايكس بيكو عام 1916، كانت اتفاقًا وتفاهمًا سريًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة (الهلال الخصيب) بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى. وتم الوصول إلى هذه الاتفاقية بين تشرين ثان/ نوفمبر من عام 1915 وأيار/ مايو من عام 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس.

 لقد كانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية (فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية) آنذاك. ولقد تم الكشف عن الاتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917، مما أثار الشعوب التي تمسها الاتفاقية وأحرج فرنسا وبريطانيا وكانت ردة الفعل الشعبية- الرسمية العربية المباشرة قد ظهرت في مراسلات حسين مكماهون. ولقد تم تقسيم منطقة بلاد الشام والعراق بشكل أساسي بموجب الاتفاق، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق. أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعًا بالاتجاه شرقًا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا.

هنا تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها. لاحقاً، وتخفيفاً للإحراج الذي أصيب به الفرنسيون والبريطانيون بعد كشف هذه الاتفاقية ووعد بلفور، صدر كتاب تشرشل الأبيض سنة 1922 ليوضح بلهجة مخففة أغراض السيطرة البريطانية على فلسطين.

إلا أن محتوى اتفاقية (سايكس- بيكو) تم التأكيد عليه مجدداً في مؤتمر سان ريمو عام 1920. بعدها، أقر مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية في 24 حزيران/ يونيو 1922. لإرضاء أتاتورك واستكمالاً لمخطط تقسيم وإضعاف سوريا، وعقدت في 1923 اتفاقية جديدة عرفت باسم معاهدة لوزان لتعديل الحدود التي أقرت في معاهدة سيفر.

بمرور السنوات لم يكن بلفور عندما أصدر في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني1917م تصريحاً مكتوباً باسم الحكومة البريطانية إلى اللورد “روتشيلد” يتعهد فيه بإنشاء وطن قومي لليهود، لم يكن يتوقع ما سيدور بعد مئة عام، على يد ترامب. بلفور الذي ارتبط اسمه عند العرب بذلك التصريح الذي سمي بوعد بلفور، لم يخلد بخياله من يحدث في ذكرى تصريحه المئوية.  

  كذلك عندما تقدم ليفي أشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في إحدى جلسات الكنيست سنة 1965 بمشروع نص على توجيه جزء من الموارد الكبيرة للمنطقة في اتجاه إعادة توطين اللاجئين ودمجهم في بيئتهم الوطنية الطبيعية التي اعتبرها الدول العربية. واستعداد إسرائيل للمساهمة المالية إلى جانب الدول الكبرى في عملية إعادة توطين اللاجئين كحل مناسب لهم ولإسرائيل. وحدث في نكسة 1967، أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية، وأعلنتها عاصمتها الأبدية والموحدة في 1980 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي وضمنه الولايات المتحدة. لم يكن أشكول يعلم أنه سيأتي رئيس أمريكي يحقق له أكثر من ذلك. بل ويتجاهل تحذيرات شرق أوسط وعالم وَّدع عمليات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل ويبلغ قادة المنطقة بنيته نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. في حين يُفترض أن يقرر ترامب قبل نهاية هذا العام ما إذا كان سيوقع على أمر إبقاء السفارة في تل أبيب أو الوفاء بوعد قطعه خلال حملته الانتخابية بنقلها إلى القدس.

سبق وأقرّ الكونغرس الأمريكي عام 1995 قانوناً ينص على “وجوب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل”، ويطالب بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس. ورغم أن قرار الكونغرس ملزم، لكنه يتضمن بنداً يسمح للرؤساء بتأجيل نقل السفارة ستة أشهر لحماية “مصالح الأمن القومي”. وقد قام الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون من الحزبين الديموقراطي والجمهوري بصورة منتظمة بتوقيع أمر تأجيل نقل السفارة مرتين سنوياً، معتبرين أن الظروف لم تنضج لذلك بعد. وهذا ما فعله ترامب في يونيو/ حزيران الماضي.

 ترامب سبق وتعهد في حملته الانتخابية بنقل السفارة، ولكنه قام بالتأجيل من أجل “إعطاء فرصة” أمام السلام. في حين يعتبر المجتمع الدولي القدس الشرقية مدينة محتلة. ويرغب الفلسطينيون في جعلها عاصمة لدولتهم المنشودة. البيت الأبيض يذكر أن مثل هذه الخطوات لا تهدد محادثات الوضع النهائي للقدس. لكنها في المقابل قد تقضي على جهود ترامب للتوصل إلى تسوية سلمية في الشرق الأوسط وتشعل منطقة تشهد أساساً عدة أزمات من لبنان إلى سوريا وصولا إلى العراق واليمن والخليج.

الأحداث في القدس، سبق وبلغت من الحذر على لسان مستشار عباس للشؤون الدولية، نبيل شعث، من أن الاعتراف الأمريكي يعني إنهاء جهود السلام الأمريكية التي أعلن عنها ترامب. وأن هذا الإعلان لن يؤدي إلى التوصل إلى “صفقة القرن”، في إشارة إلى العبارة التي استخدمها ترامب عندما تعهد العمل للتوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. على الجانب الأخر اعتبر وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان اعتبر أن هذه “فرصة تاريخية لتصحيح الظلم”. ومتحدث باسم البيت الأبيض أن “الرئيس كان واضحاً حيال هذه المسألة منذ البداية: السؤال ليس هل (ستنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس) بل السؤال هو متى سيتم نقلها؟. في حين يرى مراقبين أن ترامب قد ينجح في تأجيل نقل السفارة عبر الاكتفاء في الوقت الحالي بالاعتراف بطريقة أو بأخرى بالقدس رسمياً عاصمة لإسرائيل. وقد يعلن عن قراره، بحسب ما أوردت وسائل الإعلام ومسؤولون أمريكيون قريباً.  

في وسط كل ما سبق تتّبع إسرائيل سياسية دمج المستوطنات لاستيعاب أكبر عدد ممكن من اليهود داخل القدس، فعلى سبيل المثال دمجت الحكومة الإسرائيلية مستوطنة كفعات زئيف ومعاليه أدوميم ومناطق الخط الأخضر لاحتواء حوالي 30 ألف مستوطن جديد داخل المدينة. كما بنت 142 ألف شقة في القطاع اليهودي لزيادة حجم السكان فيها.

كذلك تفيد إحدى تقارير البنك الدولي أن عدد مخالفات البناء في الفترة الممتدة بين عاميّ 1996 و2000، كان أكبر بأربع مرّات ونصف في الأحياء اليهودية، وأن عمليات الهدم في القدس الغربية كانت أقل بأربع مرّات من تلك الحاصلة في القدس الشرقية؛ كذلك أفاد التقرير أن السلطات الإسرائيلية كانت تمنح الفلسطينيين أذونًا بالبناء أقل بكثير من الأذون التي تمنحها لليهود، وأن المخالفين الفلسطينيين تُزال مخالفاتهم بنسبة أكبر من مخالفات اليهود. حصلت بعض المؤسسات اليهودية على إذن من الحكومة الإسرائيلية خلال السنوات القليلة الماضية، يسمح لها بتشييد المباني والمعالم على الأراضي المتنازع عليها، من شاكلة “حديقة الملك سليمان” المخطط إنشاؤها في قرية سلوان بمدينة داود، والتي يُشكل العرب حوالي 60% من سكانها، وفي مقبرة “مأمن الله”. أطلق معارضوا هذه الخطوات المُتخذة من قبل الحكومة الإسرائيلية مصطلح “تهويد القدس” على هذه الإجراءات، كونها تصب في مصلحة اليهود دون الفلسطينيين. حقًا لمئة عام وثلاث.. القدس بين “مارك سايكس وجوج بيكو” وصولًا لبلفور وترامب

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى