دراسات سوسيولوجية

من الآيديولوجيا الاجتماعية إلى الآيديولوجيا التقنية

وليد عبد الحي

أزعم ان رحلة التكنولوجيا من المحراث والحجر المسنون وصولا إلى النانوتكنولوجي والانترنت هي المحرك المركزي وراء التغيرات التي تصيب المنظور الثقافي الفردي والجمعي وكل ما يدور حولهما، وهو ما يجعلني أخاطر بالافتراض ان النظم الثقافية الكبرى والصغرى ” مقدسة او غير مقدسة” مرت بمراحل استقرار طويلة في فترات بطء وتيرة التطور التكنولوجي، لكن أمد وعمر “استقرار” هذه النظم بدأ يتناقص وبشكل خطي وعكسي مع تسارع ايقاع التطور التقني، فكلما تسارع ايقاع التطور التقني تناقص عمر النظم الثقافية القائمة، وإذا كانت النظم الثقافية تعرف حدودا فاصلة بينها( وهو ما افرز مفهوم الدولة والسيادة والمواطنة والطابع القومي ..الخ) فإن التكنولوجيا تعبير عن جهد ” انساني” مشترك يتحرر بصمت وهدوء من عقدة تأصيل المنتج التقني ، ويكفي ان تتتبع أي علم تقني ( كالفيزياء او الكيمياء او الرياضيات او الهندسة..الخ) تجد ان بعض لبناته من اليونان وبعضها من الصين وبعض ثالث من المسلمين او العرب ورابع روسي وخامس امريكي او الماني..الخ، وهو ما افرز ثنائية في بنية المجتمع الدولي ، فهناك مجتمعات المنظور الثقافي التي ما تزال متشبثة بثوابتها الدينية والعرقية وغيرها من سمات اجتماعية، وبين مجتمعات تقنية تتحرر تدريجيا وعبر ” كرٍ وفرٍ” دام ٍ ِمن منظورها الثقافي لحساب منظور منشغل بسلسة التداعيات التقنية المترابطة والتي تظهر جليا في تزايد بحوث النظم العلمية التكاملية( Interdisciplinary )، ذلك يعني ان احشاء المجتمعات تضم مجتمع العلم التقني ومجتمع المنظور الثقافي،والشريحة الاولى تتلاقي عن قصد او دون قصد، بينما الشريحة الثانية متمترسة في منظورها الثقافي( ويكفي العودة لمناقشات المحاكم الامريكية و الجمعية العلمية الامريكية لتقدم العلم حول تدريس نظرية داروين) ، وثمة مساحة تبدو مشتركة بين الشريحتين لكني ازعم ان الشريحة التقنية أكثر لهفة للتحرر من هذه المساحة المشتركة، كما ان مساهمتها في صياغة منظور ثقافي تقني اكبر كثيرا مما يُعتقد، ويبدو انها تسير بخطى حثيثة في هذا الاتجاه، ولعل ذلك ما يفسر – في زعمي- العراك العضوي بين المجتمعات طبقا لمستوى تغلغل المنظورين في كل منها…إن التكنولوجيا تطوي أعناق الأيديولوجيا نحو منظور ثقافي تؤسسه الرياضيات والفيزياء وأخواتهما ولكنها في رحلتها هذه تنسل بهدوء احيانا وبخشونة آحايين كثيرة خيوط ما نسجه التاريخ الثقافي من أزياء ثقافية ، وعدم التنبه لهذه المسالة منتشر في أوساط المنظور الثقافي المتخندق في قلعة ” حدث ثقافي ما” ، بينما يلهث آخرون لاستشراف حركة ” اليد الخفية” لما وراء الحدث بلا قيد زمني او مكاني فيؤسسون لبناء “آيديولوجيا تقنية” ستعيد فهم التاريخ وتخط أدبا وفلسفة وتنظيما إداريا جديدا بلغة المختبر وتحمل في جعبتها منافع وأوزارا وألفَ ربما…

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى