دراسات سياسيةدراسات قانونيةدراسات مغاربية

أزمة التعديلات الدستورية في افريقيا

بقلم د.السيد علي أبو فرحة

«الدّستور» هو تلك الوثيقة الرفيعة التي تمثّل النظام الرئيسي لمختلف النُّظم السياسية المعاصرة، ديمقراطية وغير ديمقراطية، ويتطلب إعادة النظر فيها، بأي صورةٍ، أو مراجعاتها، إجراءات خاصّة (1) .

ويُفهم عمليّاً أهمية تلك الوثيقة في النُّظم الديمقراطية؛ باعتبارها القانون الأسمى الذي ينظّم ما دونه داخل البنية التنظيمية للدولة، أما الدول غير الديمقراطية؛ فقد يرى البعض عدم أهمية الدستور فيها؛ باعتبارها دولاً تفقد محدّداً رئيساً من محدّدات التعريف الإجرائي للديمقراطية، وهو حكم القانون، إلا أنه مع غياب تلك السّمة عمليّاً بأرض الواقع؛ فإنّ الدولة غير الديمقراطية لا تندفع بحالٍ لإعلان ذلك صراحة.

وعليه؛ تنهض أهمية الدستور، خاصّة في تلك الأخيرة، والتي يتسع نطاقها لتشمل كثيراً من الدول الإفريقية- وهي محلّ هذه الدراسة- بوصفه وثيقةً موسمية، تخضع لمساحاتٍ واسعةٍ من التسييس وعمليات التجميل وفقاً لاعتبارات عدّة، داخلية وخارجية متفاوتة، وعليه؛ تسعى هذه الدراسة للإجابة عن عدة تساؤلات رئيسة، كما يأتي:

أولاً: لماذا تُكتب الدساتير؟

تُكتب الدساتير عادةً لسببٍ تاريخيٍّ رئيسي، وهو تقييد السلطة الحاكمة وصلاحياتها، ومراجعتها في سبيل كبح انتهاكاتها، كمحصّلةٍ لخبرة الثورات الأوروبية في مواجهة الملكيات وانحسارها لصالح الدولة القومية، وتتفرع عنه أسبابٌ فرعيةٌ تُوصف بالاستمرارية والثبات النسبي، وتتمثل تلك الأسباب في تحديد شكل الدولة، بسيطةً أو مركبة، وتحديد طبيعة نظام الحكم، ملكيّاً أو جمهوريّاً، وشكل الحكومة التي تتراوح في الغالب بين الرئاسية والبرلمانية.

وأيضاً يهدف الدستور إلى تنظيم السلطات العامّة في الدولة؛ وبيان الحقوق والواجبات الأساسية للأفراد والجماعات فيها.

ومن هنا؛ يتضح لماذا تُولي النُّظم غير الديمقراطية أهمية خاصّة للدساتير– وهو المفهوم في حالة الدول الديمقراطية-؛ باعتبارها الأداة التي تُكسب تصرفاتها غير الشرعية صبغة المشروعية القانونية.

ثانياً: لماذا تُعدّل الدساتير؟

بصرف النظر عن الآليات القانونية المختلفة، والتي غالباً ما تكون معقدة، لتعديل الدساتير بصفةٍ عامّة، فإنّ الأصل أنّ الدساتير تُكتب لتستمر في المدى المتوسط، ما دام غرضها المنشود قد تحقّق، وهو ضمان استقرار العلاقات المؤسّسية والقانونية داخل الدولة، وعليه؛ لا تُعدّل الدساتير إلا لحدوث طارئٍ جوهريٍّ يؤثّر في البنية التنظيمية للدولة والسياقات التي أنتجت الدستور، كالثورة أو الانقلاب العسكري أو الحرب الأهلية على سبيل المثال، أو لنشوء ضرورةٍ مجتمعيةٍ أو سياسيةٍ ملحّةٍ تدفع نحو تعديله، فعلى سبيل المثال هدفت إحدى تعديلات الدستور الأمريكيّ لتجريم العبودية (2).

ولكن هل تختلف الخبرة الإفريقية بشأن تعديل الدساتير وسياقاتها، من حيث آلياتها وأسبابها وتداعياتها، عن الخبرة الغربية؟ هذا ما تحاول الأسئلة الآتية الإجابة عنه.

ثالثاً: لماذا تُعدّل الدساتير في إفريقيا؟

شهدت القارة الإفريقية جنوب الصحراء 21 عملية إصدار دستور جديد، أو تعديل الدستور القائم، وذلك منذ نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (عام 2010م)، يوضحها الجدول الآتي:

جدول رقم 1: يوضح أسماء الدول الإفريقية جنوب الصحراء التي شهدت تعديلاً دستوريّاً/دستور جديد، منذ عام 2010م

اسم الدولة

تاريخ صدور الدستور الجديد

تاريخ

آخر تعديل دستوري

جيبوتي

1992

2010

غينيا

2010

كينيا

2010

مدغشقر

2010

ناميبيا

1990

2010

النيجر

2010

الكونغو الديمقراطية

2005

2011

موريشيوس

1991

2011

سيشل

1993

2011

بوركينافاسو

1991

2012

غينيا الاستوائية

1991

2012

موريتانيا

1991

2012

جنوب إفريقيا

1996

2012

الصومال

2012

إفريقيا الوسطى

2013

جنوب السودان

2011

2013

زيمبابوي

2013

زامبيا

1991

2015

أوغندا

1995

2015

السودان

1998

2015

رواندا

2003

2015

المصدر: من تصميم الباحث استناداً إلى البيانات المتاحة على الموقع الإلكتروني لقاعدة بيانات دساتير العالم، عبر الرابط الإلكتروني الآتي: https://www.constituteproject.org/?lang=en

جيبوتي:

شهدت جيبوتي في أبريل 2010م تعديلاً دستوريّاً على دستورها الصادر عام 1992م، حيث تمّ التصديق على مقترح القانون رقم (10/92) المعدِّل للدستور، في 15 فقرة، في الأساس تتصل بدين الدولة (الإسلام) واللامركزية وحقوق الإنسان والتعدّدية (3) ، إلا أنّ الهدف الحقيقيّ لهذه التعديلات هو تعديل المواد الخاصّة بترشّح رئيس الجمهورية (4) ؛ حتى يتمكن الرئيس عمر جيلة، الذي تولّى الحكم عام 1999م، من البقاء في منصبه لفترة ولايةٍ ثالثةٍ حينها (5).

غينيا كوناكري:

شهدت غينيا عام 2010م إصدار دستورٍ جديدٍ لها، وإجراء انتخابات رئاسية في العام نفسه، أسفرت عن فوز «ألفا كوندي» السياسيّ والمعارض المخضرم، في أعقاب حالةٍ من التوتر شهدتها البلاد لعامَيْن تقريباً؛ بعد الانقلاب الذي قام به النقيب «موسى داديس كامارا» الذي استولى على السلطة إثر وفاة «لانسانا كونتي» الذي حكم البلاد لفترة طويلة منذ 1984م  (6)، إلا أنه لم يمكث أكثر من عامَيْن، حيث تعرّض لمحاولة اغتيالٍ في 3 ديسمبر 2009م على يد مساعده الميداني، سافر بعدها للعلاج في المغرب، ثم استقر في بوركينافاسو، وابتعد بعدها عن المشهد السياسي.

وقد فاز «ألفا كوندي» بولايةٍ ثانيةٍ في ظلّ دستور 2010م، في الانتخابات التي أُجريت في 11 أكتوبر 2015م، بنسبة 57.8% من أصوات الناخبين (7) .

كينيا:

صدر الدستور الأول لكينيا عام 1963م، أعقبه تعديلٌ جذريٌّ عام 1964م، يصفه البعض بدستور 1964م، واستمر العمل به مع إجراء بعض التعديلات الدستورية في أعوام 1982م، 1991م، وصولاً لإقرار الدستور الجديد في 2010م، وهو الدستور الذي جاء بعد مراجعات دستورية تمّت على مرحلتَيْن: الأولى من 2000م إلى 2004م، وانتهت برفض الكينيّين لمشروع الدستور في استفتاء 2005م، ليستمر العمل بدستور 1963م، حتى وصلت كينيا لمحطة الانتخابات المتنازع عليها في 2007م، وما صاحبها من موجات عنفٍ سياسيٍّ غير مسبوقة، وانتهت باتفاقٍ لاقتسام السلطة؛ ضمن بنوده إجراء إصلاحات دستورية واسعة، وهي التي تمّت في 2009م بواسطة لجنة شُكّلت لهذا الغرض تحديداً في 2008م، ليعتبر عام 2009م هو المرحلة الثانية في المراجعة الدستورية بكينيا، والتي انتهت بتصويت الشعب بأغلبيةٍ ساحقةٍ على مسودة دستور 2010م في 4 أغسطس.

وقد أدخل هذا الدستور تغييرات جذرية، كانت في جوهرها إفرازاً للنزاع والعنف السياسي في عام 2007م، حيث تحوّل نظام الحكم في كينيا إلى اللامركزية، وأُنشئت حكومة وطنية وحكومات للمقاطعات، كما يكفل الدستور الجديد نظاماً للتوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، كما تضمّن إضافات معتبرة في شأن الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية، ومبادئ النزاهة والشفافية، وقد أعقب صدور الدستور تشكيل لجنة لتنفيذه، وأخرى للرقابة الدستورية على التنفيذ، وذلك لفترة زمنية مدتها خمس سنوات، أو حتى تنفيذ الدستور بالكامل (8) .

مدغشقر:

شهدت مدغشقر في 2010م إصدار دستورٍ جديدٍ لها؛ عبر الاستفتاء الدستوريّ الذي عُقد بالعاصمة «انتاناناريفو» في 17 نوفمبر 2010م، وهو الدستور الذي دعا له «اندري راجولينا» الرئيس الحالي لها منذ 2009م، بعد إقصاء الرئيس المنتخب «مارك رفالومانانا» على إثر الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، وانتهت بتدخّل الجيش وتولي «راجولينا» السلطة الانتقالية، ثم قيامه بحلّ المؤسسات الدستورية واستحداث هياكل دستورية جديدة بموجب دستور 2010م (9) ، وذلك بالتزامن مع معارضةٍ داخليةٍ ودوليةٍ لمحاولة انفراده بالسلطة؛ انتهت بإجراء انتخابات رئاسية في 2014م، فاز فيها المرشّح الرئاسيّ «هيري راجاوناريمامبيانينا»- البالغ من العمر 55 عاماً حينها- ووزير المالية في حكومة «راجولينا» والمحسوب عليه، وعليه؛ لم يجر أيّ تعديلٍ دستوريٍّ للهيئة الدستورية التي استحدثها «راجولينا» بدستور 2010م (10) .

ناميبيا:

شهدت ناميبيا في مايو 2010م تعديلاً دستوريّاً لدستور عام 1990م، شملت مواد خاصّة بحق الزواج في المادة 4 من الدستور، وحق العمل في المادة 9، والقوات المسلحة في المادة 23، وأعمال الشرطة في المادة 47، ومدة ولاية البرلمان في المادة 70، والقضاء في المادة 82، ومكافحة الفساد في المادتَيْن 90، 94، والحكم المحليّ في المادة 107 (11).

النيجر:

شهدت النيجر إجراء استفتاءٍ شعبيٍّ بشأن التصويت على مشروع دستورٍ جديدٍ للبلاد في نوفمبر 2010م، وهو الدستور الذي تمّ إقراره، وهدف إلى تعزيز الديمقراطية في أعقاب الانقلاب الذي شهدته البلاد في فبراير 2010م، حتى تتمكن البلاد من عقد انتخابات عامّة تشريعية ورئاسية بدءاً من يناير 2011م، لم يشارك فيها الانقلابيون، وانتهت بفوز محمد يوسفو في أبريل 2010م (12).

الكونغو الديمقراطية:

شهدت الكونغو الديمقراطية في 2011م تعديلاً دستوريّاً لدستور عام 2005م؛ بهدف تدعيم بقاء «جوزيف كابيلا» في مقعد الرئاسة لولايةٍ جديدةٍ في الانتخابات التي تمّت في 2011م، في انتخابات شهدت تزويراً واسعاً حسب وسائل الإعلام الدولية حينها، وقد تفاقم الوضع السياسيّ بعد انتخاب كابيلا الذي انتهت ولايته في ديسمبر 2016م دون عقد انتخاباتٍ جديدةٍ تحت وطأة رفض المعارضة استمرار كابيلا، حيث انتهى المشاركون فيما سُمّي بـ«الحوار الوطني»، في أكتوبر 2016م، إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى 29 أبريل 2018م، مما يسمح لكابيلا- عمليّاً- بالبقاء في منصبه حتى ذلك التاريخ، ويُشير الوضع جليّاً إلى تصاعد تلك الأزمة في المستقبل القريب (13) .

موريشيوس:

شهدت موريشيوس في ديسمبر 2011م تعديلاً دستوريّاً لدستور عام 1991م، وهو الدستور الذي حوّل النظام السياسيّ في البلاد من البرلمانيّ إلى الرئاسيّ عام 1992م، وقد تناولت التعديلات التي أُجريت في 2011م المواد 16، و 111، حيث نصّت المادة 16 المعدّلة على تحديد حدٍّ أدنى للمرشحين في انتخابات السلطات المحلية، لا يقلّ عن 6 في كلّ سلطة محلية، أما المادة 11 فنصّ تعديلها على تعريف المقصود بـ«السلطة المحلية» (14).

سيشل:

شهدت سيشل تعديلاً دستوريّاً في عام 2011م لدستورها الصادر في عام 1993م، وينصّ دستور عام 1993م على عددٍ من المبادئ المهمّة، فهو يحدّد فترات الرئاسة بثلاث دورات رئاسية؛ مدة كلٍّ منها خمس سنوات، وقد شملت التعديلات المادة 91 التي تتصل بعمل السلطة التشريعية.

 بوركينافاسو:

 شهدت بوركينافاسو في 2012م تعديلاً دستوريّاً شكليّاً لدستور 1991م، على المواد الخاصّة بالنظام الإداريّ والهياكل التنظيمية في البلاد، وهو التعديل الذي تعرضت له المادة 160 من الدستور (15) ، إلا أنّ هذا التعديل لم يكن إلا بالون اختبار لمحاولة التعديل الأهمّ للمادة 37 من الدستور، المعنية بمدد ترشّح الرئيس للمنصب، وهو مشروع التعديل الذي تمّ تقديمه من قِبَل حكومة الرئيس «بليز كومباوري» في 2014م على أمل ترشّحه لولايةٍ ثالثةٍ بعد انتهاء فترة حكمه عام 2015م، وهو الذي يحكم البلاد منذ 27 عاماً، إلا أنه سرعان ما تمّ سحبه على إثر اندلاع احتجاجاتٍ واسعةٍ بشأنه في أكتوبر 2014م، حيث اضطر للاستقالة في يوم 31 من الشهر نفسه، وأعقبه إجراء انتخابات عامّة في 2015م، انتهت بفوز «روش مارك كريستيان كابوري» (16)

غينيا الاستوائية:

شهدت غينيا الاستوائية في 2012م تعديلاً دستوريّاً لدستور عام 1991م، تمّ الاستفتاء عليها بتاريخ 13 نوفمبر 2011م، والمصادقة عليها بنسبة 97% من أصوات الناخبين، حيث شملت التعديلات الدستورية تحديد مدة حكم رئيس الجمهورية بفترتَيْن فقط، واستحداث منصبٍ جديدٍ في النظام السياسيّ لغينيا الاستوائية، وهو منصب نائب الرئيس، كما تناولت التعديلات إعادة هيكلة للمؤسسات الدستورية، حيث شُكّلت خمس مؤسسات، هي: مجلس الشيوخ، ومجلس الدولة، ومجلس التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والدفاع عن الشعب، ومحكمة الحسابات، وقد أبدت المعارضة رفضها لهذا التعديل بادعاء أنه يعزّز سلطة الرئيس الحالي «تيودورو أوبيانغ»، الذي يحكم البلاد منذ أكثر من ثلاثة عقود خلفاً لعمّه عام 1979م (17).

موريتانيا:

شهدت موريتانيا في 2012م تعديلاً دستوريّاً لدستور عام 1991م، يهدف في الأساس إلى تدعيم قبضة الرئيس ولد عبدالعزيز قائد انقلاب 2008م، والمشارك في انقلاب 2005م الذي أسّس لنزهة ديمقراطية قصيرة جدّاً لم تتجاوز عاماً واحداً، حيث عمل، منذ وصوله للسلطة جرّاء انقلاب 2008م، على تعزيز قبضته عليه عمليّاً، فعدّل في طريقة مراجعة الدستور وتعديله، وعليه؛ لم تمسّ التعديلات مدة الترشّح للرئاسة، إلا أنّ الباحث يرى أنّ ذلك لن يكون حائلاً دون تعديل الدستور وترشّح ولد عبدالعزيز مرات أخرى؛ ما لم يحدث انقلاب- كما هو معروف عن الحالة الموريتانية- (18).

جنوب إفريقيا:

شهدت جنوب إفريقيا في 2012م تعديلاً دستوريّاً لدستور عام 1996م، كان معظمه حول تعديل الفصل الرابع، وهو الفصل المعنيّ بتنظيم السلطة التشريعية وتشكيلها وطريقة عملها (19) .

الصومال:

شهدت الصومال في عام 2012م إصدار دستورٍ جديد لها، حيث صادقت الجمعية التأسيسية على مسودة الدستور المؤقت للبلاد بأغلبيةٍ ساحقةٍ في أغسطس 2012م، وقد تبنّى الدستور مبادئ مهمّة تتصل بشكل النظام السياسي، حيث يهدف لتأسيس سلطة مركزية، إلا أنّ هذا الدستور لم يمكّن بعدُ الدولة في الصومال من عقد الانتخابات العامّة التشريعية والرئاسية حتى تاريخه (20).

إفريقيا الوسطى:

شهدت جمهورية إفريقيا الوسطى في 2013م إصدار دستورٍ جديدٍ لها؛ بعد بضع سنوات من دوامة العنف السياسي، الذي سرعان ما تحوّل إلى عنفٍ طائفيٍّ في أعقاب الإطاحة بنظام «فرانسوا بوزيزي» في 2012م، ومع انسحاب حركة «سيليكا» المتمردة من السلطة بعد استقالة رئيسها «جوتوديا» من الحكم بعد 10 شهور، في يناير 2014م، أُجري استفتاءٌ دستوريٌّ جديدٌ تحت رقابة الأمم المتحدة، تضمّن ضوابط ديمقراطية عدة، كوضع قيدٍ على فترة الرئاسة بفترتَيْن فقط، وحظر ترشّح أعضاء الحكومة المؤقتة- التي يجري الاستفتاء تحت كنفها- للانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع عقدها في أعقاب الدستور، وقد عُقدت الانتخابات التي فاز فيها «فوستان أركنج توادورا» بمنصب الرئاسة في مارس 2016م، لتظلّ إفريقيا الوسطى تحت الاختبار في السنوات القليلة القادمة (21) .

جنوب السودان:

شهدت جنوب السودان في 2013م تعديلاً دستوريّاً لدستورها الانتقالي الصادر في عام 2011م، حيث أُدخلت على الدستور تعديلاتٌ تمنح الرئيس صلاحيات بتأجيل الانتخابات، واختصاصات الرئيس الأخرى، وفقاً للمادة 101 من الدستور(22) ، وتمديد فترة الرئاسة تحت دعوى السعي لتحقيق السلام، وأيضاً تناولت التعديلات تعديل إجراءات مراجعة الدستور (23)، وقد شملت التعديلات أيضاً المادة 55، والمادة 199 من الدستور (24).

زيمبابوي:

شهدت زيمبابوي في 2013م إصدار دستورٍ جديدٍ لها، يُتيح للرئيس الحالي «روبرت موجابي»، الذي يتولّى السلطة منذ 1980م في منصب رئيس الوزراء، ومنذ 1987م في منصب رئيس الدولة، أن يترشّح لولايةٍ رئاسيةٍ جديدة، وقد جاء الدستور الجديد كأحد نتائج الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه عام 2009م في أعقاب صراعٍ دمويٍّ دخلت فيه البلاد لبضع سنوات، وتطلّب جهود وساطةٍ إقليميةٍ كبيرةٍ من ناحية، وتمهيداً لاستمرار موجابي حتى وفاته من ناحية أخرى.

ومن مفارقات هذا الدستور الجديد الذي تمّ التصويت عليه في 16 مارس 2013م: أنه ينصّ على تحديد فترة الولاية الرئاسية بخمس سنوات فقط، ويسمح للرئيس بولايتَيْن فقط، إلا أنّ هذا الدستور لن يسري بطبيعة الحال على موجابي الذي وُلد عام 1924م، ويحكم البلاد منذ عام 1987م، وأعيد انتخابه أعوام 1990، 1996، 2004، 2008م، وأخيراً في أغسطس 2013م بعد إقرار الدستور الجديد، حيث تجاوز عامه التسعين.

وعلى الرغم من المضامين الديمقراطية الواسعة التي نصّ عليها دستور 2013م، والتي كان منها– بالإضافة لتحديد مدة الرئاسة- منح سلطات أكبر للبرلمان، وتدعيم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، إلا أنّ مراقبين يرون أنه تمهيدٌ لبقاء موجابي حتى وفاته من ناحية، وتمكينٌ لأحد المحسوبين عليه من خلافته، وعليه؛ من المرشّح أن ترى زيمبابوي اختباراً قريباً للمضامين الديمقراطية في دستورها الجديد (25) .

زامبيا:

شهدت زامبيا في 2015م تعديلاً دستوريّاً جوهريّاً لدستورها الصادر عام 1991م (26)، حيث وقّع الرئيس «إدغار ونجو» في 17 نوفمبر 2015م، وهو مشروع الإصلاح الدستوريّ الذي يهدف لوضع حدٍّ لعملية مراجعة الدستور التي طالت في زامبيا، ويهدف هذا الإصلاح الدستوريّ إلى الحدّ من صلاحيات رئيس الدولة، وقد فاز «إدغار» في أول انتخابات عُقدت بعد الإصلاح الدستوريّ في أغسطس 2016م (27).

أوغندا:

شهدت أوغندا تعديلاً دستوريّاً عام 2015م لدستورها الصادر في 1995م (28)، بيد أنّ التعديل الأهمّ هو الذي شهدته البلاد عام 2005م، والذي نصّ على أنّ فترات رئاسة الدولة غير محددة، كما أنه أقرّ نظام التعددية الحزبية (29)، وقد تمّ التعديل الدستوريّ في عام 2015م وفقاً للمواد 259، و 262، وتمّ التصديق عليه في 19 أغسطس 2015م، وتناول التعديل مواد عدة، منها المواد الخاصّة بتمثيل الشعب، وهي 60، 72، والمواد الخاصّة بالسلطة التشريعية، وهي 81، 83، والمواد الخاصّة بالسلطة القضائية، وهي 131، 147، 148أ، وفي مجملها تهدف تلك المواد لتدعيم قبضة الرئيس «موسيفني» على السلطة (30)

رواندا:

شهدت رواندا في 2015م تعديلاً دستوريّاً لدستورها الصادر في عام 2003م، يسمح بتمديد ولاية الرئيس «بول كاجامي» في السلطة، حيث صوّت الناخبون بنسبة 98% بنعم، وبالرغم من الدَوْر المشهود للرئيس كاجامي في إعادة بناء رواندا بعد إرث الحرب الأهلية، والذي يتولّى السلطة منذ عام 2000م رسميّاً، ويسيطر فعليّاً على البلاد منذ 1994م؛ من خلال قوات مسلحة دخلت البلاد لوقف الإبادة الجماعية حينها، فإنّ الإجراءات الدستورية الأخيرة، والتي اتُخذت بهدف تمديد بقائه تشير إلى الابتعاد عن المسار الديمقراطي في رواندا، وهو ما ستكشف عنه انتخابات الرئاسة في أغسطس 2017م (31).

رابعاً: ما اتجاهات المراجعة الدستورية في إفريقيا جنوب الصحراء؟:

من العرض السابق؛ يمكن رصد عددٍ من الاتجاهات والملاحظات الرئيسة بشأن عمليات مراجعة الدساتير الإفريقية وإعادة النظر فيها، سواء استهدفت تلك المراجعات تعديل الدستور القائم أو إصدار آخر جديد؛ كما يأتي:

                            المصدر: من تصميم الباحث وفقاً للبيانات الأولية في الجدول رقم (1)

1 – أنّ عدد الدول الإفريقية- باستثناء دول الشمال الإفريقي- التي شهدت تلك العمليات منذ عام 2010م بلغ 21 دولة، وهو رقمٌ ضخمٌ إذ ما تمّت قراءته في ضوء أنّ كلّ دول الشمال الإفريقيّ شهدت أيضاً مثل تلك العمليات، هي: مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، في الفترة نفسها، أي أنّ 26 دولة إفريقية من إجمالي 54 دولة شهدت تعديلات دستورية، أو إصدار دساتير جديدة، أي نصف عدد دول القارة تقريباً.

2 – تتضح ضخامة الرقم في ضوء الفترة الزمنية القصيرة نسبيّاً التي شهدت تلك العمليات، حيث أنها حوالي نصف عقدٍ زمنيٍّ تقريباً.

3 – أنه إذ ما عُقدت مقارنة بين الدول الغربية التي شهدت تعديلات دستورية، كسويسرا والنمسا وبلجيكا وكندا وغيرها، وبين الدول الإفريقية المذكورة، من حيث الفترة الزمنية، بين صدور الدستور السابق أو تعديله السابق، وإصدار دستورٍ جديدٍ أو إجراء آخر تعديلاته، سيتضح حجم الهوّة الزمنية، حيث إنّ معظم الدساتير الغربية قديمة نسبيّاً، فبعضها يتجاوز وجوده مائة عام، كدستور بلجيكا الصادر عام 1831م، وآخر تعديلاته كانت عام 2014م، ودستور كندا الذي صدر في 1867م، وآخر تعديل له في عام 2011م.

      

 المصدر: من تصميم الباحث وفقاً للبيانات الأولية في الجدول رقم (1)

4 – يتضح أنّ الدول الإفريقية تتقارب زمنيّاً مع دول الموجة الثالثة للديمقراطية في قارة أمريكا اللاتينية أو شرق أوروبا، كالبرازيل التي صدر دستورها عام 1988م، وتعديله كان 2015م، وأيضاً شيلي الصادر دستورها عام 1982م، وتعديله في 2004م، وكولومبيا في عام 1991م، وتعديله في 2013م، وكرواتيا في عام 1991م، وتعديله في 2010م، وجمهورية التشيك في 1993م، وتعديله في 2013م.

5 – أنّ الاتجاه الغالب بين الدول الإفريقية المذكورة في الجدول رقم (1) هو إجراء تعديلات دستورية على الدساتير القديمة، حيث بلغ عددها 14 دولة بنسبة 70%، في مقابل 7 دول فقط أصدرت دساتير جديدة بنسبة 30% في الفترة نفسها.

6 – يتضح من الشكل رقم (2) أنّ عام 2012م كان أكثر الأعوام التي شهدت إعادة نظر في الدساتير الإفريقية؛ بنسبة 24% لكلٍّ منها تقريباً.

7 – كما يلاحظ أنّ العام 2014م لم يشهد أية عملية لمراجعة الدساتير الإفريقية.

8 – بتحليل تلك المراجعات الدستورية السالفة، سواء اتصلت بدستورٍ جديدٍ أو تعديل ما هو قائم، يمكن الوقوف على عدة اتجاهات رئيسة:

الاتجاه الأول: أنّ معظم تلك المراجعات الدستورية تمّت بهدفٍ رئيس، هو تمديد بقاء النظام الحاكم، كمعظم الحالات المذكورة، ومنها: غينيا الاستوائية، وغينيا كوناكري، وزامبيا، وموريتانيا، وأوغندا.

الاتجاه الثاني: أنّ بعضها يُعنى بتهيئة المشهد السياسيّ لحقبة ما بعد الرئيس الراهن كسببٍ رئيس، واستمرار الرئيس الراهن حتى وفاته؛ كحالة زيمبابوي مثلاً.

الاتجاه الثالث: يدور حول أنّ معظم التعديلات الدستورية، أو بمعنى أدق المراجعات الدستورية، تتمّ قُبيل انتهاء فترة ولاية الرئيس الراهن.

الاتجاه الرابع: أنّ وجود المراجعات الدستورية في الدول المستقرة التي تحقّق خطى متسارعة على مسار التنمية، لا يعني بحال اتجاهها نحو الديمقراطية، أو أنّ تلك المراجعات لإضافة مضامين ديمقراطية على دساتيرها، كحالة رواندا، حيث إنها تهدف أيضاً لتدعيم استمرار النظام الراهن، فعلى الرّغم من الإصلاحات الواسعة التي تُنسب لبوك كاجامي؛ فإنّ مراجعته الأخيرة للدستور تهدف إلى تمديد بقائه في الحكم.

9 – أنّ إقرار دساتير جديدة، في الدول التي شهدت حالة من العنف السياسي واسع النطاق، لا يعني بحال أنّ هذه الدساتير قادرة على خلق بنية تنظيمية وسياسية جديدة، ومعالجة أسباب العنف الذي جاءت لإنهائه، أو كانت أحد نتائجه بمعنى أدقّ، كحالة إفريقيا الوسطى، حيث من المرشّح تصاعد العنف مرات أخرى لعدم معالجة الدستور للأوضاع السياسية المشوّهة للطوائف الأخرى، أو بالأحرى المسلمين.

10 – أنّ الدول التي تحقّق تقدّماً ملموساً على المسار الديمقراطيّ والاستقرار السياسيّ تُدخل تعديلات دستورية غير جوهرية، أو لاعتبارات موضوعية، أي لا تتصل بشخص الحاكم، كحالات سيشل وناميبيا وجنوب إفريقيا.

هل يستفيد الحاكم الإفريقي دوماً من المراجعات الدستورية؟

يكشف هذا التحليل عن أنه عادةً ما يكون الحاكم الإفريقيّ الراهن هو المحرّض الأول، والمستفيد الوحيد، في عملية المراجعات الدستورية، بيد أنه يغيب عنه أحياناً أنّ الدستور، وهو نصٌّ مجرّد مكتوب، تنتجه وتحافظ على استمراره سياقات سياسية واقتصادية معينة، ليس بضامن لاستمرار هذا الرئيس في الحكم، ومن الأمثلة الجديرة بالذكر في هذا المقام حالة بوركينافاسو، حيث إنّ الرئيس السابق «بليز كومباوري» اتجه إلى إجراء تعديلات دستورية قبيل انتهاء فترة ولايته في 2015م، إلا أنّ المعارضة الواسعة لتلك التعديلات التي تمّ تمريرها، والتي تحوّلت لاحتجاجاتٍ واسعة النطاق، جعلت منه ضحية، أو بمعنى أدقّ الخاسر الأول من تلك التعديلات، حيث اضطر للاستقالة تحت ضغط الاحتجاجات؛ بالرغم من تمرير التعديلات التي قد يستفيد منها لاحقاً الرئيس الجديد الذي تولّى الحكم بانتخاباتٍ عُقدت بعد رحيله، وهو «روش مارك كريستيان كابوري»، وقد تكررت تلك الحالة بدرجةٍ أقلّ في مدغشقر.

الخاتمة:

هل من آليات تحفظ استقرار الدساتير الإفريقية؟:

تكشف الخبرات المقارنة في صياغة الدساتير ومراجعتها عن آليات عدّة لصيانة تلك الدساتير من تغوّل السلطة التنفيذية، أو الانفراد بتعديلها، ومن تلك الآليات:

1 – أن يُقرّ بالدساتير مواد غير قابلة للتعديل، كتلك التي تمسّ جوهر بنية الدولة، كالنظام الديمقراطي، أو هوية الدولة، أو لغتها، أو نظام الحكم فيها، أو مدد الرئاسة، ومفهوم عمليّاً أنّ مثل هذا النصّ القاضي بعدم جواز التعديل إنما هو تعسفٌ غير مقبول عمليّاً، لكون أيّ نصٍّ قابلاً للتعديل حال تغيّر سياقاته، ولكن مثل هذا القول له دلالة معنوية واضحة تشير لخطورة الاقتراب من تلك المواد بسهولة لتعديلها.

2 – إقرار ضوابط وإجراءات عسيرة لمراجعة الدساتير، سواء من حيث كيفية التقدّم باقتراح التعديل، ومَن يتقدّم به، وكيفية النظر فيه، وخطوات إقراره، والتي قد تأخذ فترة زمنية طويلة نسبيّاً، حتى لا يتم التعديل في حين غفلة، أو في لحظة انفرادٍ مؤقتة للنظام الحاكم.

3 – وضع ضوابط لنفاذ التعديل، كما هو متّبع في بعض الدساتير والقوانين التي تنظّم السلطة القضائية في النُّظم الديمقراطية، حيث تنصّ صراحة على عدم نفاذ التعديل على مَن أجروه، وإنما يستفيد منه مَن يأتي بعدهم، أي أنه إذا أقرّ– مثلاً- أحد الرؤساء تعديلاً دستوريّاً خاصّاً بمدة ولاية الرئيس فلا يستفيد منه هو، وإنما يستفيد الرئيس التالي له.

ولكن يمكن القول في النهاية: بأنّ الآلية الرئيسة لحماية وصيانة استقرار الدستور هي الإرادة الشعبية الواعية بخطورة العبث في الدستور والانفراد بتعديله، كحالة بليز كومباوري في بوركينافاسو، حيث أنه قد يُمرّر تعديلٌ في حين غفلةٍ من الفاعلين السياسيين الآخرين، إلا أنّ نفاذ هذا التعديل رهنٌ بالإرادة الشعبية للمواطن الإفريقيّ العاديّ، القادرة على رفضه أو الموافقة عليه، فدالّة معادلة السلطة الغائبة في إفريقيا هي الإرادة الإفريقية.

الإحالات والهوامش:

(1) الدستور: كلمة فارسية معرّبة، وتُشير في كتب التراث العربية إلى «النسخة المعمولة للجماعات، كالدفاتر التي منها تحريرها، ويُجمع فيها قوانين الملك وضوابطه»؛ كما جاء عند الصغاني، وتُشير في «مفاتيح العلوم» لابن كمال باشا إلى «نسخة الجماعة، ثم لقّب به الوزير الكبير الذي يُرجع إليه فيما يُرسم في أحوال الناس؛ لكونه صاحب هذا الدفتر»، وأصل الكلمة بفتح الدال، وإنما ضُمت لمّا عُربت لتلحق بأوزان العرب، فليس الفتح خطأً محضاً كما زعمه الحريري، وقد ولعت العامّة بإطلاقه على معنى «الإذن».

 (2) التاريخ الدستوري للولايات المتحدة الأمريكية، برنامج بناء الدساتير، المؤسسة الدولية للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، الرابط: 

http://www.constitutionnet.org/ar/country/constitutional-history-united-states-america

(3) يتكون مقترح القانون رقم (92/10) المعدل للدستور من 15 فقرة، تتعلق بقضايا أساسية، من قبيل:

– الإسلام: فيؤكد في ديباجته أنّ الإسلام دين الدولة، وأنّ القيم الإسلامية السمحة جزء لا يتجزأ من هوية الشعب الجيبوتي.

– التعددية والتكتلات الحزبية: إذ يؤكد أنّ هذه المسألة تعتبر من المسلّمات الدستورية.

– حقوق الإنسان: يضيف مقترح القانون الجديد أموراً أساسية تهدف إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

– شروط الترشح لرئاسة الجمهورية: ومن المستجدات التي تضمنها القانون رقم (92/10): «أن يكون المترشح جيبوتي الجنسية ولا يحمل جنسية أخرى»، و «أن يكون عمره ما بين 40 و 75 عاماً»، كما يخفض عدد سنوات الولاية الرئاسية؛ فيحددها بـ5 سنوات بدلاً من 6، وتتم إعادة انتخابه وفقاً للشروط المذكورة آنفاً.

– عدم إمكانية الجمع بين المنصب الحكومي والبرلماني: بغية تعزيز الديمقراطية وفصل السلطات.

– اللامركزية: ينصّ القانون على تفعيل المجالس الإقليمية، وتهيئتها لأن تتحول لاحقاً إلى مجلس شيوخ.

(4)  خالد محمود: «رئيس جيبوتي يتجه لترشيح نفسه لولاية ثالثة بعد موافقة البرلمان على تعديلات الدستور»، جريدة الشرق الأوسط، العدد 11463 – 17 أبريل 2010م، الرابط:

http://archive.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11463&article=565624#.WI2yrlMrIdU  (29/01/2017).

(5)  شبكة الانتخابات في العالم العربي بتاريخ 15 أبريل 2010م، الرابط:

http://www.arabew.org/index.php?option=com_content&view=article&id=532:2010-04-15-11-13-59&catid=58:2009-01-01-12-54-40&Itemid=1139  (29/01/2017).

 (6) قائد انقلاب غينيا يعلن نفسه رئيساً ويعد بانتخابات نزيهة، شبكة الجزيرة الإخبارية، 25/12/2008م، الرابط:

http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2010/01/100114_am_guinea_coup_return_tc2.shtml  (29/01/2017). 

 (7) السيرة الذاتية لـ ألفا كوندي، موسوعة شبكة الجزيرة بتاريخ 26/10/2015م، الرابط:

http://www.aljazeera.net/encyclopedia/icons/2015/10/24  (29/01/2017).

 (8) الملف الدستوري لكينيا، شبكة بناء الدساتير، المؤسسة الدولية للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، الرابط:

 http://www.constitutionnet.org/ar/country/kenya-country-constitutional-profile (29/1/2017).

 (9) مدغشقر: بدء التصويت على استفتاء على مسودة دستور جديد، بي بي سي عربية، 17/11/2010م، الرابط:

http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2010/11/101117_madagascarvote.shtml (29/1/2017).

 (10) وزير مالية سابق رئيساً لمدغشقر، وكالة سكاي نيوز عربية، 3 يناير 2014م، الرابط:

http://www.skynewsarabia.com/web/article/519658/ (29/1/2017).

  (11) نص دستور ناميبيا وتعديلاته، الرابط:

http://www.icla.up.ac.za/images/constitutions/namibia_constitution.pdf (29/1/2017).

  (12) استفتاء دستوري في النيجر، جريدة الرأي الكويتية، 1 نوفمبر 2010م، الرابط:

http://www.alraimedia.com/ar/article/foreigns/2010/11/01/223325/nr/nc (29/1/2017).

 (13) الكونغو الديمقراطية: تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى أبريل 2018م، وكالة فرانس 24، الرابط:

http://www.france24.com/ar/20161017 (29/1/2017).

  (14) نصّ التعديل الدستوري الذي تم إدخاله على دستور موريشيوس في 12 ديسمبر 2011م، الرابط:

 http://www.wipo.int/wipolex/en/text.jsp?file_id=326919 (29/1/2017).

  (15) نص دستور بوركينافاسو وتعديلاته، الرابط:

https://www.constituteproject.org/constitution/Burkina_Faso_2012.pdf?lang=en

 (16) بوركينافاسو: الحكومة تتخلى عن تعديل دستوري يسمح للرئيس بالبقاء في السلطة، وكالة أنباء فرانس 24، الرابط:

http://www.france24.com/ar/20141030 (29/1/2017).

  (17)غينيا الاستوائية تشهد أول انتخابات برلمانية بعد إصلاحات عام 2011م، جريدة الدستور المصرية، 17 فبراير 2014م، الرابط:

http://www.dostor.org/206283 (29/1/2017).

  (18) السيرة الذاتية لبليز كومباوري، شبكة الجزيرة الإخبارية، 1/11/2014م، الرابط:

http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2014/11/1/ (29/1/2017).

  (19) نص تعديلات الفصل الرابع من دستور جنوب إفريقيا الصادر في 1996م، والمعدل في 2012م، الرابط:

https://www.constituteproject.org/search?lang=en (29/1/2017).

 (20) دستور جديد للصومال بعد أكثر من عشرين سنة من الحرب والفوضى، وكالة الأنباء الألمانية دويتشه فيله، 1 أغسطس 2012م، الرابط:

http://www.dw.com/ar/ (29/1/2017).

  (21) رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى الجديد يؤدي اليمين الدستورية، إذاعة الأمم المتحدة، 30/3/2016م، الرابط:

http://www.unmultimedia.org/arabic/radio/archives/195880/#.WI37blMrIdU (29/1/2017).

  (22) نصّ المادة 101 من الدستور والمعنية باختصاصات الرئيس، الرابط:

https://www.constituteproject.org/constitution/South_Sudan_2013#s977 (29/1/2017).

  (23) جنوب السودان: ترقيع متواصل للدستور، شبكة الجزيرة الإخبارية، 23/10/2015م، الرابط:

http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2015/10/23/ (29/1/2017).

 (24) التعديلات الدستورية على دستور جنوب السودان الانتقالي لعام 2011م، تم إجراؤها عام 2013م، شبكة بناء الدساتير، المؤسسة الدولية للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، الرابط:

https://www.constituteproject.org/search?lang=en  (29/1/2017).

 (25) استفتاء على دستور جديد في زيمبابوي.. وموجابي يبقى رئيساً، موقع وكالة أنباء دويتشه فيله الألمانية، 16 مارس 2013م، الرابط:

http://www.dw.com/ar/ (29/1/2017).

 (26) صفحة زامبيا من كتاب الحقائق الأمريكي التابع لوكالة الاستخبارات الأمريكية، الرابط:

https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/za.html (29/1/2017).

 (27) President Lungu signs new Constitution in Zambia, constitutionnet.org, 6/01/2016, via:

 http://www.constitutionnet.org/ar/news/president-lungu-signs-new-constitution-zambia  (29/1/2017).

  (28) صفحة أوغندا من كتاب الحقائق الأمريكي، الرابط:

https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/ug.html (29/1/2017).

 (29) النظام السياسي في أوغندا، مؤسسة أفران، الرابط:

http://www.afran.ir/ar/modules/publisher/item.php?itemid=236 (29/1/2017).

(30)  The Constitutional Amendment Act.,2015., 2015, via Link:                                            

http://www.ulii.org/ug/legislation/act/2015/12-4  (29/1/2017).

 (31) تعديل دستوري يسمح لرئيس رواندا بتمديد ولايته، شبكة الجزيرة الإخبارية، 19/12/2015م، الرابط:

http://www.aljazeera.net/news/international/2015/12/19/ (29/1/2017

رشا السيد عشري (*)

لم يختلف النظام التوغولى عن غيره من باقي أنظمة بعض دول القارة الأفريقية، التي مرت بأزمة التعديلات الدستورية، والتي استخدمت كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتولية نفسها لفترات رئاسية أخرى بعد انتهاء مدتها الرئاسية في البلاد.

وقد تميزت تلك الأزمة باتجاهين، اتجاه سقطت فيه التعديلات الدستورية كما حدث في بوركينا فاسو وبنين، وأخرى مرت فيها التعديلات الدستورية في تحدي لإرادة شعوبها مثل الكونغو برازافيل وبوروندي، ورواندا، وثالثة تتأرجح ما بين التعديل والسقوط مثل الكونغو الديمقراطية وتوغو الأن.

هنا يتشابه الوضع التوغولي على الصعيد السياسي والاقتصادي، وكذلك الاجتماعي مع العديد من دول القارة الأفريقية لاسيما التي مرت بأزمة التعديلات الدستورية، لتضع الدولة على صفيح ساخن نتيجة الصراع السياسي والأوضاع الأمنية المتردية، التي عقبت تلك الاحتجاجات في الدولة، لتثير تلك الحالة العديد من التساؤلات حول مستقبل تلك الدولة في ظل هذه الأوضاع السياسية المتأزمة، وهل سيؤول الوضع إلى مثيله مما حدث في بوروندي والكونغو، أي هل سيستطيع الرئيس فور جانسينجبي تمرير التعديلات الدستورية والبقاء في السلطة لفترات أخرى متحدياً إرادة الشعب والمعارضة؟ أم ستنجح تلك التظاهرات وتُسقط النظام وعائلته التي تولت السلطة منذ عام 1976؟.

وسواء نجح الرئيس في تمرير التعديلات الدستورية أم تمكنت المعارضة من عرقلتها ، فهناك العديد من التداعيات والسيناريوهات المتوقعة التي قد تؤول إليها الأوضاع في البلاد.

دوافع رفض التعديلات الدستورية

تعددت دوافع الشعب التوجولي والمعارضة في رفض التعديلات الدستورية، والتي كان لها الدور في تزايد الاحتجاجات والتظاهرات في الدولة بعد الإعلان عن تعديل الدستور ومد فترات الرئاسة، تمثلت في دوافع سياسية واقتصادية، وأمنية، لاسيما بعد دور القوات الأمنية في قمع التظاهرات، ناهيك عن دور المعارضة في الدولة.

 دوافع سياسية

تشهد الدولة التوغولية احتجاجات واسعة النطاق منذ أغسطس الماضي شارك فيها عشرات الآلاف من المتظاهرين في العاصمة لومي على إثر شروع الرئيس فور جاسينجي لتعديل الدستور للسماح له بالبقاء في السلطة إلى عام 2030 أو إلى الأبد، والذي واجه رفض شديد من قبل أنصار المعارضة والعديد من أفراد الشعب التوغولي، ما أدي إلى تصاعد التظاهرات أعقبها عمليات قمع من قبل قوات الأمن أدت إلى مقتل العشرات منذ بداية تلك الاحتجاجات. وكغيرها من العديد من الدول الافريقية التي تتشابه إلى حد كبير في نظامها السلطوي والديكتاتوري، تتميز توغو بنظام ديكتاوري يحكم البلاد منذ عام 1967 حتى الأن ممثلاً في عائلة جناسينجبي، فنظام الديمقراطية التمثيلية التي تمارسه النظم الانتخابية الاستبدادية، فضلاً عن انتهاكها لمعايير الليبرالية الديمقراطية بطرق منهجيه وعميقة كان دافعاً وراء إعلاء الأصوات المعارضة ضد نظم الحكم الغير ديمقراطي في الدولة.

جدير بالذكر أنه منذ استقلال الدولة وتحديدا منذ عام 1967 تولت عائلة غناسينجبي السلطة في البلاد، وذلك بعد الاطاحة بالرئيس سيلفانوس أوليمبيو أول رئيس للدولة منذ الاستقلال عام 1961، والذي قام بحل أحزاب المعارضة واعتقال قادتها، حيث أطيح به في انقلاب عسكري بقيادة إتيان إيديما غناسينغبي عام 1963، وتم انتخاب غرونيتسكي رئيسا للجمهورية، وإصدار دستور جديد (1963) وإدخال نظام متعدد الأحزاب. ليتم الإطاحة به أيضاً في انقلاب غير دموي في 13 يناير 1967، قام به إيديما غناسينغبي، الذي تول السلطة في البلاد منذ ذلك الحين، وأنشأ حزب “التجمع من أجل الشعب التوغولي”، وحظر أنشطة الأحزاب السياسية الأخرى، وأدخل نظام الحزب الواحد في نوفمبر 1969. وأعيد انتخابه في عامي 1979 و 1986.

وبالرغم من أن دستور 1992 ينص على فرض حدود على مدة الرئاسة، ناهيك عن إبرام الاتفاق الإطاري للومي في يوليو 1999، والذي سمح باعتماد قانون جديد للانتخابات وإنشاء لجنة انتخابات وطنية مستقلة، وتعزيز الحوار بين الأحزاب السياسية، إلا أنه ظل في الحكم حتى وفاته في فبراير عام 2005، حيث قام إيديما بتعديل الدستور عام 2002 من جانب واحد لإلغاء الفترات المحددة للرئاسة وخفض الحد الأدنى لسن الرؤساء من 45 إلى 35، تمهيداً لتولي ابنه الرئاسة الذي كان في أواخر الثلاثينيات في ذلك الوقت، ليتولى ابنه فور غناسينجي بالفعل الحكم في البلاد (بدعم من الجيش) بعد شهرين من وفاة والده، حيث فاز على منافسه الرئيسى في السباق ايمانويل بوب اكيتانى من اتحاد قوى التغيير، في انتخابات اتهمتها المعارضة بالتزوير، في ظل أعمال عنف تبعت تلك الانتخابات، وأدت إلى مقتل 400 شخص، وفرار حوالي 40 ألف توغولي إلى البلدان المجاورة، وتشريد 10.000 شخص داخلياً، وفقاً لما ذكرته الأمم المتحدة. مع حصول حزب التجمع الشعبى الذى يدعمه الرئيس على أغلبية مطلقة في الانتخابات التشريعية لعام 2007. وقد أدت العقوبات الاقتصادية وانخفاض مساعدات التنمية إلى تدني تقديم الخدمات الصحية والتعليمية بشكل تدريجي.

 ليظل فور، الذي عين زعيم المعارضة إديم كودجو رئيسا للوزراء قابضاً على السلطة حتى يومنا هذا، حيث تم إعادة انتخابه في عامي 2010 وحصل على 61٪ من الأصوات ضد جان بيير فابر رئيس التحالف الوطني من أجل التغيير، الذي حصل على 34% من الأصوات، والذي كان مدعوماً من قبل ائتلاف معارض يسمى “الجبهة الوطنية للتغيير”، حيث أعلن الأخير بدوره عن فوزه بفارق كبير عن الرئيس أي بنسبة 75 و80 % من الأصوات “في مقاطعة الخليج ولومي اللتين تشكل ثلث الناخبين”، وهو ما نفاه المتحدث باسم الحكومة باسكال بودجونا ، الذي أعلن فوز الرئيس وهزيمة المعارضة “هزيمة تامة”.

وبالرغم من الاحتجاجات الشعبية لعدم مد فترات الرئاسة، خاصة وأن دستور عام 1992، نص على ذلك، ناهيك عن الحراك الأمني ضد قوات المعارضة، تولى الرئيس حقبة ثالثة لعام 2015. في ظل سيطرة النخبة والنظام والحزب الحاكم على الدولة مع انعدام المشاركة السياسية وغياب الديمقراطية التي يعاني الشعب في خضامها، وذلك في ظل محدودية وقلة فاعلية المؤسسات السياسية، فعلى الرغم من وجود كثير من المنظمات غير الحكومية المعنية بالتنمية ورابطات تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون ولكن لا تزال آثارها محدودة بسبب عدم كفاية الموارد المتاحة لها.

دوافع اقتصادية

منذ التسعينيات تدهورت الأوضاع في البلاد على كل الأصعدة، وتضاعف عزلة توغو على المسرح الدولي، نتيجة تدهور الأوضاع السياسية في البلاد على إثر الانقلابات العسكرية، والعنف والتوتر الأمني الذي تبع العمليات الانتخابية ناهيك عن حراك المعارضة. من ثم أثّرت تلك الحالة على الوضع الاقتصادي، خاصة في ظل التراجع التنموي، الذي عاشته توغو كأحد أفقر بلدان العالم. وعلى الرغم من التحسن النسبي في السنوات الراهنة، إلا أنها لم تجابه التطورات العالمية واحتياجات الدولة. وهو ما انعكس على مطالبات الشعب بعدم مد الفترة الرئاسية لعائلة جناسينجبي، التي عاشت الدولة في ظلها فترات عنف، واقتتال، وتدهور اقتصادي.

حيث يقدر الناتج المحلي الإجمالي لتوغو بـ 1267  مليون دولار أمريكي عام 1994، وصل إلى 3,55 بليون دولار أمريكي عام 2011، ثم 4,40 مليار دولار 2016، وتسهم الزراعة بنحو 38% منه، والتي بلغت عام 2010 حوالي 39,5 أي بفارق ضئيل، مع اشتغال أكثر من 69% من القوة البشرية بها، كما تندرج توغو، من الناحية الاقتصادية، في صفوف البلدان ذات مؤشرات التنمية البشرية المنخفضة بلغت86 0.4 في عام 1999، و0.495 في عام 2006، حيث تندرج في المرتبة 143 من بين مجموع أفقر البلدان البالغ عددها 175 بلداً. وبلغ إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد فيها 375 دولاراً في عام 1999، وصل إلى 540 دولار عام 2016 كما يوضحها الجدول التالي، وبالرغم من تلك النسب إلا أنها لا تعبر عن المستوى الحقيقي لمعيشة السكان الذين يقع أكثر من 75% منهم دون خط الفقر المدقع، وهذا ما يُلحظ في المناطق الريفية، التي تدفع سكانها للهجرة نحو المدن.

                                                                   المصدر: البنك الدولي

أما الصناعـة فتسهم بنحو 21% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 1994، قلت تلك النسبة عام 2010 إلى 20,4%، ويشتغل فيها أقل من ربع القوة العاملة، ويغلب عليها صفة الصناعة الناشئة والتقليدية القديمة.

 وطبقاً لبيانات البنك الدولي أيضاً، نجد أن نسبة النمو السنوي لإجمالي الناتج المحلي لتوغو عام 2016 بلغ 40.5 مليون دولار في حين بلغ عام 2017  حوالي 60,5 مليون دولار، وهي نسب تعتبر أقل من تقديرات شريحة البلدان الأخرى الأقل نمواً، لتمثل توغو أكثر البلدان فقراً، والتي يقل دخلها عن البلدان منخفضة الدخل، كما يوضحه الجدول التالي. وهو مؤشر على وضع الدولة المتردي على كافة الأصعدة، ودليلاً على قلة بل انعدام مؤسسات الدولة وصانع القرار على كيفية إدارتها ودليلاً كافياً للاحتجاجات المتصاعدة على مد فترات الرئاسة للرئيس فور غناسينجبي، الذي شهدت الدولة في عهده تراجعاً اقتصاديا، وأمنياً، وتوتراً سياسياً.  

                                                    المصدر: البنك الدولي

حراك المعارضة

كان شروع الرئيس في التعديلات الدستورية له أثراً سلبياً على الحراك السياسي والمجتمعي في الدولة ظهرت بوادره مع احتجاجات الشعب المناوئة لهذا القرار، مع حراك المعارضة التي أعلنت رفضها التام لهذه التعديلات، في ظل سعيها إلى تحقيق إصلاحات سياسية تفتح الطريق أمام التناوب الديمقراطي بالدولة، والتداول السلمي للسلطة، لتصبح مشاهد العنف والاعتقالات، وعمليات المواجهة بين القوات الأمنية والمتظاهرين وأنصار المعارضة هي سيدة الموقف في البلاد. وذلك في ظل مقاطعة نواب المعارضة وأحزابها جلسة البرلمان 19 سبتمبر 2017 حول تعديل مسودة الدستور (المواد 52 و59 و60)، والتي صادقت عليها اللجنة البرلمانية المختصة عبر الأغلبية الحاكمة، إلا أن عدم اكتمال النصاب القانوني استوجب اللجوء إلى الاستفتاء. حيث أعلنت رئيسة الجمعية الوطنية داما دارماني إجراء الاستفتاء في جلسة برلمانية قاطعها الكثير من أعضاء المعارضة وقالت دارمينى إن “التصويت سيكون بأغلبية الثلثين”، وفقا لما ذكره الموقع الرسمي للحكومة.

يذكر أن السلطات التوجولية كانت قد قتلت شخصين وجرحت آخرين منذ شهر أغسطس الماضي، وقد وصفت الداخلية التوجولية – آنذاك – المشاركين فيها بأنهم متطرفين. حيث كان الحزب الوطني الأفريقي قد خرج في مظاهرة يوم 19 أغسطس بالعاصمة لومي، للمطالبة بـ”تحديد مأموريات الرئيس”، وتعرض للقمع من طرف شرطة حفظ النظام ما تسبب في “مقتل 2 وإصابة 77 آخرين بجروح أصيبوا في بلدة بافيلو القريبة من العاصمة، إضافة إلى اعتقال 250 شخصا” وفق الحصيلة الرسمية المعلن عنها. ومن بين المعتقلين أيضاً قيادات في الحزب المعارض الذي تأسس عام 2014 ويرأسه المحامي والأنثربولوجي ” تيكبي ساليفو آتشادام”، زعيم الحزب الوطني لعموم افريقيا (بي.ان.بي)، حيث احتشد آلاف المتظاهرين في العاصمة لومي، وكذلك مدن مثل سوديريه في الوسط الشمالي ودابولونغ ومانجو في الشمال أيضاً. وهم يرتدون الملابس الحمراء المميزة لحزب (بي.ان.بي) المعارض، مرددين هتافات “50 عاما مدة طويلة للغاية”.

يحاول النظام أخذ الوضع في بلاده لاسيما موقف المعارضين إلى اتجاه أخر بعيداً عن ممارساته الطامحة للسلطة، وللتغاضي عن الإصلاحات الديمقراطية المتأخره ، هذا الاتجاه قائماً على فتح جبهات إرهابية يهدف منها النظام لتشويه المعارضة الرافضة لمد حكمه في البلاد، خاصة في ظل الشواغل المهيمنة علي الاستقرار في غرب أفريقيا بسبب تزايد التهديدات الإرهابية في البلدان المجاورة، بما يشرعن الممارسات الأمنية القمعية ضد أي تحركات تواجه النظام الحاكم في الدولة، وهو ما اتضح عندما وصفت الحكومة التوغولية المعارضين بالمتطرفين.

إلا أن هذا الأمر لم يثني تلك الاحتجاجات عن استمرارها أو دعم زعيم المعارضة جان بيير فابر، حيث  نظم احتجاج آخر في مدينة سوكود الواقعة على بعد نحو 338 كيلومترا شمالي العاصمة، ونشبت اشتباكات واستخدمت فيها قوات الأمن الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، ووفقا لوزارة الداخلية في توغو فإنه أصيب 12 من أفراد الشرطة إلى جانب إصابات بين المحتجين. وهو ما يدل على تصاعد التوترات الأمنية والعنف في معظم أنحاء الدولة.

لم يكم الدور النسائي غائباً عن هذا الحراك الشعبي، حيث استخدمت نساء المعارضة أسلوباً جديداً يدعو الى التمرد على الحياة الزوجية وهدم الاستقرار، وذلك لدعم حراك المعارضة، حيث دعت زعيمة المعارضة إيزابيل أميغانفي نساء بلادها إلى الإضراب عن “الحياة الزوجية” لمدة أسبوع احتجاجاً على اعتقال متظاهرين قبيل الانتخابات البرلمانية، وقالت أميغانفي، زعيمة حركة “إنقاذ توغو” المعارضة”، وفق شبكة “سي إن إن الأمريكية”: “أدعو جميع النساء للإضراب لمدة أسبوع، والتزام الصوم والصلاة للإفراج عن إخواننا وأزواجنا المعتقلين”. حيث بدأت بالفعل النساء في توغو إضراباً سياسياً شاملاً استجابة لتلك الدعوة لدفع الرجال إلى الخروج في مظاهرات، ما يوضح استخدام المعارضة كافة الطرق بما فيها المدخل المجتمعي للتصعيد من الاحتجاجات المناوئة لحكم الرئيس، ويعطي دفعة لتزايد العنف في الدولة، وذلك للتأثير على صانع القرار السياسي.

تداعيات الأزمة على الأوضاع في توغو

التصميم الواضح للرئيس علي البقاء في السلطة لفترات جديدة مهما كانت التكلفة، في ظل عمليات القمع والمواجهات العنيفة، والديمقراطية الشكلية بالرغم من عدم تحسين الإطار والمظهر الخارجي للمؤسسات الرئيسية للنظام، قد ترك تداعيات سلبية قد تؤول لمستقبل أكثر عنفا إذا تزايد حراك المعارضة وشحن الشعب، أو قد تؤول في نهاية المطاف إلى القبول بالأمر الواقع والرضوخ للتعديلات الدستورية في ظل القبضة الأمنية على المتظاهرين وانتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يترك أثراً سلبيا على الدولة في نهاية المطاف. من ثم تركت الأزمة والتي مازالت تعيش الدولة في خضامها تداعيات مختلفة يمكن إيضاحها في الأتي:

1.         على الصعيد السياسي أثارت استمرار الاحتجاجات في الدولة توتراً سياسياً زاد معه تصعيد المعارضة لمطالبها بإقالة الرئيس من منصبه، دلّ على ذلك إعلان المعارضة التوغولية المنضوية تحت لواء ائتلاف يضم 14 حزبا من خلال بيان تلقته وكالة بانا للصحافة في لومي أنها ستنظم خلال أكتوبر الجاري مظاهرات عبر كامل الأراضي الوطنية للمطالبة بالعودة إلى دستور 1992 ووضع حد لقمع مناضلي التشكيلات السياسية المشاركين في مظاهرات أغسطس وسبتمبر الماضيين والإفراج عن الأشخاص المعتقلين والمحكومين. ناهيك عن استمرار حراك المعارضة وتحديها للنظام، ظهر ذلك في تحركات جان بيير فابر، رئيس التحالف الوطني من أجل التغيير، لدعم المتظاهرين شمال البلاد لاسيما ضحايا القمع.

2.         استخدمت قوات الأمن طرقها في قمع المعارضة كما تعتاد باقي أنظمة الدول الأفريقية حيث تم اعتقال المئات من أنصار المعارضة، وقتل بعض المتظاهرين، بما يعطي نمطاً أكثر عنفاً في الاحتجاجات، ويصعّد من التوتر الأمني، على غرار فترات الانتخابات الرئاسية الماضية. وقد كانت الهجمات المتعمدة علي أسواق لومي وكارا في يناير 2013 بمثابه ذريعة لمضايقة زعماء المعارضة.

3.         أثرت الأزمة على الوضع الاقتصادي في الدولة لاسيما شركات الانترنت التي يديرها المستثمرين الصغار من الشباب، نتيجة إغلاقها من قبل الحكومة عقب التظاهرات لمنع أى وسائل للتواصل، كما أدت الاحتجاجات إلى خسائر بلغت نحو 2، 5 مليار فرنك أفريقي (27 مليون دولار أمريكي)، فضلاً عن انخفاض في حركة الشاحنات في الموانئ، وفي تصريح لمستشار الرئيس فور، قال دجوسو سيميندجي “أن توغو التي تضم 8 مليون نسمة هي موطن لعدة شركات كبيره بما فيها شركة إيكوبنك وشركة الطيران الإقليمية، وقد أثرت الأزمة عليها بما له تبعات سلبية علي الاقتصاد بشكل عام”. وذلك في ظل الفقر الذي تعيشه الدولة بالرغم من أنها واحده من أكبر خمسة منتجين للفوسفات في العالم.

4.         ظلت سجلات الحكومة الخاصة بحقوق الإنسان مشوهة في ظل سحق المعارضين السياسيين من جانب وتردي الأوضاع الاجتماعية من جانب أخر. كما انعكس الوضع الاقتصادي والسياسي بدوره على الوضع الاجتماعي أيضاً في الدولة، خاصة في أوضاع الصحة، حيث تفاقم مرض الإيدز، وذلك في ظل  تهميش الأطفال المصابين بالفيروس، وزيادة تعرض الشباب للمرض أيضاً. أما التعليم، فقد توقفت معدلات الالتحاق بالمدارس، ولا تزال معدلات الرسوب مرتفعة، ولا تزال الفتيات متخلفات عن الفتيان في الالتحاق بالمدارس الابتدائية، نتج عن ذلك تعرض الأطفال لمجموعة من التهديدات التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، بما فيها الاتجار بالبشر والعنف والاستغلال الجنسي. وهو ما يعطي مؤشراً سلبياً على مدى تطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان في ظل تصاعد الأزمة الأخيرة، واستمرار لهذه الإشكاليات الاجتماعية الخطيرة في ظل تعزيز نفوذ النظام الحاكم على حساب التداول السلمي للسلطة، والتوجه نحو بناء الدولة وحمايتها من المخاطر.

5.         بالرغم من تهديد القوى الدولية بمنع المساعدات للدولة على إثر أزمة الاحتجاجات فإن المجتمع المحلي، ولا سيما النظراء الأفارقه والاتحاد الافريقي والجماعة الاوروبية، وكذلك مؤسسات بريتون وودز والصين والاتحاد الأوربي، قد اتبع نهج “التدخل المتساهل” لصالح الاستقرار ومصلحتهم الوطنية السليمة في التعامل مع الدولة. وهو ما فسر عدم تعامل القوى الدولية أو تخاذ موقف تصعيدي ضد النظام الحاكم نتيجة أعمال العنف.

خلاصة القول:

بالرغم من نجاح عدد من الدول الأفريقية في تحقيق التداول السلمي للسلطة منذ عام 1990 وحتي الآن، حيث وصل عدد هذه الدول إلي أكثر من ثلاثين دولة من إجمالي دول القارة الأفريقية البالغ عددها 55 دولة، وظهرت تطورات إيجابية في القارة لم تكن معتادة مثل قبول زعماء سياسيين التخلي عن السلطة بناء علي نتائج الانتخابات العامة مثل كينيث كاوندا في زامبيا (1991)، وهستنجز باندا في مالاوي (1994)، وآراب موي في كينيا (2002)، وحل صندوق الاقتراع محل الانقلاب العسكري بوصفه الأداه الرئيسية لتغيير الحكومات وانتخاب القادة السياسيين. وقد أصبح اجراء انتخابات منتظمة وتنافسيه بصوره متزايدة هو القاعدة في معظم أفريقيا. أيضاً كانت بداية الإصلاح الحقيقي حينما وافق القادة السياسيون على تعديلات دستورية مبنية على مصالح اجتماعية لطبقات متعددة. وذلك في دول عديدة مثل بنين، الكونغو، وتوجو في التسعينيات، إلا أن تلك الديمقراطيات كانت بمثابة نظاماً تمثيلياً، لم يستطع مجابهة الأنظمة السلطوية الديكتاتورية، التي استخدمت كافة الوسائل الشرعية وغير الشرعية لاستمرارها في السلطة إلى الوفاة، ومن ثم أصبحت معظم البلدان الافريقيه تحكمها الآن دساتير- علي الورق-أكثر أو اقل ديمقراطية. ولا يتم تطبيقها في الواقع إلا بما يحقق مصالح النخبة الحاكمة.

من ثم كان الوضع التوغولي هو تعبيراً عن ذلك النمط من الديمقراطيات التمثيلية التي لا تحقق في النهاية إلا مصالح الأنظمة، في ظل تأثيرات سلبية على الشعب جراء العنف والتوتر الأمني، وهو ما يضع احتمالاً لاستمرار أعمال العنف وتصاعد الاحتجاجات في الدولة في ظل عدم التوصل إلى قرار سياسي يرضى الأطراف والعدول عن إقرار التعديل الدستوري، حيث يرى حزب “عموم أفريقيا الوطني” المعارض في توجو أن الرئيس الحالي فوريه جناسينجبي لن يتخلى عن السلطة مالم يرغم على الاستقالة. إلا أن هناك احتمالاً أخر قد يفضي إلى رضوخ المعارضة والشعب إلى التعديلات الدستورية وتولي الرئيس لحقبة رئاسية أخرى في ظل قدرة النظام على إحكام القبضة الأمنية والدعم الدولي له لاسيما من دول ذات المصالح في الدولة، ليسدل ستار الحراك الديمقراطي في توغو على السير في اتجاه دول الجوار التي قبلت بالتعديلات الدستورية طوعاً أو وكرهاً، كما حدث في رواندا وبورندي والكونغو.

مراجع:

(*) كاتبة وباحثة مصرية ، متخصصة في الشأن الافريقي.

1. الأمم المتحدة، الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، وثيقة أساسية تشكل الجزء الأول من تقارير الدول الأطراف .. توغو، يناير ٢٠٠٣. http://hrlibrary.umn.edu/arabic/TogoCoreREV1.pdf

2. البنك الدولي

https://data.albankaldawli.org/country/togo

3. البنك الدولي، ممارسة أنشطة الأعمال في توغو           

http://arabic.doingbusiness.org/data/exploreeconomies/togo

4. يونيسيف، لمحة عن توغو.

https://www.unicef.org/arabic/infobycountry/togo.html

5. رشا السيد عشري، “تطورات المشهد الافريقي 3 أكتوبر 2016″، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، أكتوبر ٢٠١٦.      http://bit.ly/2hCdaSN   

  6.   Dirk Kohnert, “Togo: recent political and economic development”,   Munich Personal RePEc Archive (MPRA) Paper, No. 6341,,  April 2015.

7.   Andreas Schedle, Electoral Authoritarianism, wiley online library, 15 MAY 2015

http://bit.ly/2gaSvZ8

8.  E. Gyimah-Boadi, Africa’s Waning Democratic Commitment, Journal of Democracy, Volume 26, Number 1, January 2015.

https://muse.jhu.edu/article/565642/summary

9.   Dibie Ike Michael, Togo protests continues as business owners worry about economic impact, Africa News, 21/09/2017.

http://www.africanews.com/2017/09/21/togo-protests-continues-as-business-owners-worry-about-economic-impact/

10.   Farida Nabourema, 50 years of hurt: Togo protesters vow to continue, African Arguments, AUGUST 25, 2017.

http://africanarguments.org/2017/08/25/50-years-of-hurt-togo-protesters-vow-to-continue/

11.   Togo country profile, BBC NEWS, 4 October 2017.

http://www.bbc.com/news/world-africa-14106781

 12.  Alex Duval Smith, Togo protests: Why are people marching against Faure Gnassingbé? , BBC NEWS , 21 Sep 2017.

http://www.bbc.com/news/world-africa-41332072

13.   Max Bearak, One family has ruled Togo for 50 years, Washington Post, Sept 2017.  http://wapo.st/2z1wE

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى