اصدارات الكتبدراسات سياسية

كتاب الله والبنادق والفتنة: إرهاب اليمين المتطرف في أمريكا (كتاب مجلس العلاقات الخارجية)

صدر في بداية شهر جانفي 2024 ، كتاب مهم عن منشورات جامعة كولومبيا Columbia University Press، للخبيران بريس هوفمان Bruce Hoffman وجاكوب وير Jacob Ware بعنوان: الله والبنادق والفتنة: إرهاب اليمين المتطرف في أمريكا (كتاب مجلس العلاقات الخارجية)

God, Guns, and Sedition: Far-Right Terrorism in America (A Council on Foreign Relations Book).

من خلال تسعة فصول التي تضمنها هذا الكتاب القيم ، يتتبع الباحثان المسار التاريخي لصعود الإرهاب اليميني المتطرف في الولايات المتحدة، ويقيمان المخاطر الحالية لهذه الحركة المتطرفة العنيفة، ويكشفان الضرر الذي تشكله على الأمن القومي الأمريكي.

وحسب تحليل المؤلفان فإن اندلاع الأعمال الإرهابية المروعة من قبل متطرفين يمينيين أمريكيين عنيفين في السنوات الأخيرة، بما في ذلك القتل الجماعي عام 2015 في كنيسة تاريخية للسود في تشارلستون والهجوم في 6 يناير 2021 على مبنى الكابيتول الأمريكي،هو علامة بارزة في تاريخ الولايات المتحدة،وانعطاف خطير في مسار المجتمع الأمريكي،لان هذه الأحداث ليست جديدة أو غير مسبوقة،إنها أحدث بؤر التوتر في عملية تتكشف منذ عقود، حيث تتلاقى فيها نظريات المؤامرة الواسعة والأيديولوجيات المتطرفة مثل العنصرية البيضاء، ومعاداة السامية وكراهية الأجانب، والعداء للحكومة لتشكل في نهاية المطاف تهديدًا مميتًا للديمقراطية في الولايات المتحدة الامريكية.

الكتاب يجمع بين التحليل الموثوق والدقيق، مع رواية القصص وصور القادة الذين يقفون وراء هذا العنف وأتباعهم،وتسليط الضوء على التكتيكات الإرهابية الرئيسية، مثل استخدام تكنولوجيا الاتصالات المتطورة؛ واحتضان المقاومة بلا قيادة أو استراتيجيات الذئب المنفرد؛و التسلل والتجنيد في الجيش وإنفاذ القانون؛ والعلاقة الملتبسة مع توجهات السياسة الامريكية السائدة.

لقد نشرت وسائل التواصل الاجتماعي أيديولوجيات سامة لهذه الحركة المتطرفة ونشرتها على نطاق أوسع وأسرع مما كان يمكن أن نتخيله ،هذه المعتقدات المتطرفة والراديكالية أصبحت اليوم أكثر انتشارًا ونشرا للكراهية.

إن اتباع هذه الحركة المتطرفة قد عبروا إلى السياسة السائدة وإلى الخطاب العام، وأصبحوا جزءا لا يتجزأ منها، ويشاركهم ويؤيدهم عدد أكبر من الأميركيين أكثر من أي وقت مضى ،و يتفق عدد كبير ومثير للقلق من الأميركيين ،على أن العنف ضد حكومتهم يمكن تبريره في ظروف معينة، أكثر من أي وقت مضى حيث أن تسعة من كل عشرة أمريكيين،يعتقدون أيضًا أن اشتداد الانقسام السياسي والاستقطاب ،قد أدى إلى زيادة احتمالات وقوع أعمال عنف ذات دوافع سياسية في امريكا.

ومما يزيد في خطورة الوضع ،زيادة تسلح افراد هذه الحركة المتطرفة،في بلد يعج بالأسلحة النارية المملوكة للقطاع الخاص، حيث هناك ما لا يقل عن 75000 إلى 100000 فرد منخرطون بنشاط في الجماعات المتطرفة العنصرية البيضاء، بالإضافة إلى 15000 إلى 20000 شخص الذين ينشطون في الجماعات المتطرفة و ينتمون إلى منظمات ميليشيا مسلحة تضم حوالي ثلاثمائة مجموعة مختلفة،والتهديد بوقوع أعمال إرهابية داخلية واسعة النطاق ،قد تؤدي حسب تحليل المؤلفين إلى حملة تمرد مستمرة وحتى الى حرب أهلية حقيقة و ليس مبالغة.

ومن ثم فإن الولايات المتحدة تواجه اليوم تهديداً إرهابياً محلياً خطيراً، بالإضافة إلى التهديدات الأجنبية، التي استحوذت على اهتمام الساسة على مدى العقدين الماضيين. وسواء كان ذلك بسبب التشتيت أو اللامبالاة، أو الرضا عن النفس، فقد نسج التطرف العنيف نفسه في نسيج السياسات الوطنية، وعلى مستوى الولايات وعلى المستوى المحلي. وتاريخياً ازدهر الإرهاب في بيئات مزقتها الانقسام والخلافات، والتي بدورها استهلكها الاستقطاب والعداوة.

إن مزيجاً من اللامبالاة والتقاعس عن العمل، لن يؤدي إلا إلى تشجيع المزيد من الاستقطاب، والمزيد من التطرف، والمزيد من العنف. ليس من المؤكد على الإطلاق ما إذا كان هذا سيؤدي إلى الحرب الأهلية التي حذر منها الباحثون ومحللو السياسات والصحفيون والنقاد، ولكن حتى لو تم تجنب هذا السيناريو الأسوأ الذي لا يمكن فهمه، فإن المسار الحالي للاضطرابات الداخلية ،والاضطرابات المحتملة يمثل تهديدًا خطيرًا لبلدنا.

وحسب مؤلفي الكتاب فمن المرجح أن تكون مكافحة الإرهاب المحلي ،أكثر صعوبة بكثير من مكافحة التهديدات الجهادية السلفية في الخارج، والتي استمرت منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 التاريخية، إن أدوات القوة العسكرية الهائلة التي تم استخدامها ب ضد تنظيمي القاعدة وداعش وفروعهما المختلفة – وأبرزها عمليات القتل المستهدف التي حققتها ضربات الطائرات بدون طيار والغارات الفعالة المميتة التي نفذتها قوات العمليات الخاصة ، لا تبدو حسب مؤلفي الكتاب انها ذات فاعلية لمكافحة الإرهاب الداخلي بالنسبة للولايات المتحدة.

و الأسباب الواضحة وهي أنه لا يمكن ولا ينبغي أبدًا استخدامها ضد مواطنين أمريكيين، وبدون القدرة على الاعتماد على هذه الإجراءات العسكرية التي أثبتت فعاليتها في مكافحة الإرهاب، سيتعين على الولايات المتحدة أن تبني من الصفر تقريبًا تدابير غير فتاكة ومرنة ومبتكرة، لمواجهة المتطرفين العنيفين ومعالجة التهديدات الإرهابية الجديدة والناشئة بالكامل ، وهي قدرات من الصعب تخيلها ووضعها بل وتنفيذها.

ولكن بقدر ما يحث الاستراتيجيون العسكريون، على استهداف “مركز ثقل” الخصم لتحقيق نتائج دائمة وحاسمة، فإن نقاط الضغط الأكثر ضعفاً في نقاط ضعف الحركة السياسية العنيفة، يجب بالمثل أن تكون محور جهود الحكومة الامريكية، لمواجهة التهديدات المحلية التخريبية والمثيرة للفتنة. تتجلى مراكز ثقل اليمين المتطرف العنيف في الولايات المتحدة اليوم في المواضيع التي يستكشفها هذا الكتاب: انتشارعقلية تآمرية مهووسة؛ واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي للتطرف والتجنيد والتشجيع على العنف؛ والحقن الخبيث للأيديولوجيات التي تروج للكراهية والتعصب والتآمر في السياسة الأمريكية السائدة وجيشنا ومجتمعات إنفاذ القانون.

وحسب مؤلفي الكتاب هذه هي مراكز الثقل، التي يجب أن تركز عليها استراتيجية مكافحة التطرف ومكافحة الإرهاب المحلية.

وبالتالي، تحتاج الولايات المتحدة اليوم ،إلى استراتيجية مؤسسية شاملة وواسعة النطاق لمواجهة هذه التهديدات بشكل فعال – بما في ذلك التدابير الرامية إلى تعزيز المجتمع المدني الأمريكي، وكذلك تلك التي تستهدف على وجه التحديد الجماعات المتطرفة العنيفة، ونشطائها ومؤيديها والدعاة والمتعاطفين معها و المجندين والممولين لهم.

تندرج التوصيات السياسية التي تنبثق من هذا الفحص والتفسير للتهديد الإرهابي اليميني المتطرف في الولايات المتحدة ضمن ثلاث فئات:

تدابير قصيرة الأجل لإنشاء إطار تنظيمي أقوى، مع آثار فورية نسبيا؛

تدابير متوسطة الأجل لتعزيز المجتمع المدني، مع تأثيرات على مدى السنوات الخمس إلى العشر القادمة؛

وتدابير طويلة المدى لبناء الوحدة الوطنية، والتي ستكسر دائرة التجنيد والتجديد التي حافظت على هذه الحركة عبر عقود عديدة، وبالتالي بناء القدرة على الصمود التي ستفيد الأجيال القادمة وتحصينها ضد إغراء الأيديولوجيات المتطرفة.

بقلم Mohamed Khodja

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى