دراسات أمنيةدراسات شرق أوسطية

طوفان الأقصى: الهزيمة المرة

بقلم_التجاني صلاح عبدالله المبارك

نفذت حركة حماس يوم السبت 7 اكتوبر/تشرين الأول 2023 أكبر عملية هجومية غير مسبوقة ضد العدو الإسرائيلي المحتل، ردا على الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في باحات المسجد الأقصى وإعتداء المُستوطنين، واسفرت العملية عن مقتل ما يزيد على الألف جندي إسرائيلي ما أدى إلى هزة واضطراب كبير في الدولة العبرية، ولأن فصائل المقاومة الفلسطينية تتبع لأول مرة العمليات الهجومية الاستباقية في إستراتيجيات الحرب ضد إسرائيل وعلى غير العادة لذا كان مردودها العسكري والسياسي والمعنوي قويا شديدا أصاب دولة الاحتلال بحالات الذهول وفقدان الإتزان.

دلالة فقدان إسرائيل للإتزان هو العمليات واسعة النطاق التي باشرتها حكومة الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، الذي مثل لها ولا يزال، مصدر قلق وازعاج مستديمين، واستهدفت تلك العمليات التي تعتبر رد فعل للهجوم الفلسطيني المباغت والمفاجئ، محاولة مسح الهزيمة المرة التي تجرعتها في الضربة الاستباقية الأولى أو التقليل منها، في وقت حرج وتوقيت سيء للداخل الإسرائيلي المهتز  والمضطرب في الآونة الأخيرة، ومحاولة لإعادة الاتزان والثقة في المقدرة والقوة العسكرية الإسرائيلية التي تعتبر رابع أكبر قوة عسكرية على مستوى العالم.

وكونه توقيتا سيئا لها وتوقيتا جيدا وموفقا ل-حماس هذا يرجع إلى نجاح كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس وبقية فصائل المقاومة في اختيار هذا التوقيت الدقيق، باعتباره توقيتا إستراتيجيا من الدرجة الأولى، في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة والغرب من نقص حاد في الذخائر وخزانات البارود نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية الطويلة، ومن ناحية ثانية تمثل الصين  القطب الصاعد خطرا محدقا ومزعجا من ناحية الشرق للولايات المتحدة، خاصة بعد تنامي نبرات العداء والتهديد والتنافس الاقتصادي والعسكري من خلال المجاميع الاقتصادية التي يطرحها ويسوق لها كلا الدولتين العظميين، وهذا من شأنه أن يجعل القوة الأمريكية والغربية على السواء في أضعف الحالات والمنحنيات.

وفي الوقت الذي ارسلت فيه الولايات المتحدة حاملة الطائرات الضاربة “جيرالد فورد” ولاحقا “يو إس إس آيزنهاور” إلى المتوسط محملتين بالطائرات المقاتلة لصد وردع الهجوم الفلسطيني، أو لردع الأعمال العدائية ضد إسرائيل أو أي جهود لتوسيع الحرب بحسب تعبير وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن”، [1]فإن هذا أيضا له دلالة على التفوق العسكري النوعي والتخطيط الإستراتيجي الذي وصلت إليه فصائل المقاومة، والتي أحدثت فارقا ملحوظا على الأرض في اللحظات الأولى من إندلاع الحرب، وأفشلت حوائط الصد التي قامت إسرائيل ببنائها كما فشلت القبة الحديدية في التصدي التام والكامل لرشقات الفصائل الصاروخية المباركة، وهذا بدوره يجعل من معادلة الحرب وتوازن القوى في المنطقة مختلا لأول مرة منذ حرب اكتوبر/تشرين الأول1973 بفضل الله ثم بالعمل على تعظيم وتطوير القوة الصلبة، والانتقال من طور الدولة الضعيفة إلى الدولة القوية التي تستطيع فرض التوازن الصلب في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يعتبر من اطول الصراعات والنزاعات في العالم.

ولأن حركة المقاومة (حماس) بادرت بالضربة الأولى الناجحة، فإن رد الفعل الإبتدائي المتوقع هو قيام إسرائيل بعمليات هجومية انتقامية تتمثل في الهجوم الواسع على القطاع (وهذا ما حدث بالفعل) تمهيدا لمعركة برية وشيكة؛ من أهدافها ربما احتلال القطاع  احتلالا كاملا والقضاء على حركة(حماس) وإبادتها ابادة تامة، لذا فقد عمدت سلطات الاحتلال لاستدعاء قوات الاحتياط من الخارج (نحو 300 ألف جندي) في أكبر عملية استدعاء في تاريخ إسرائيل على مدى سبعة عقود خلال فترة زمنية قصيرة، كما وصفها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، [2]في إطار الرد على هجوم حركة المقاومة الإسلامية من قطاع غزة على جبهات متعددة والاستعداد لغزو محتمل، إلا أنه بوسع أي مراقب منصف أن يقرأ هذه العملية محكوم عليها بالفشل من عدة نواحي يمكن تفصيل جزء منها على النحو التالي:

أولا: من المحتمل أن يؤدي اجتياح دولة الاحتلال لقطاع غزة إلى نشوب حرب إقليمية في المنطقة، لوجود درجة عالية من الاستقطاب في المنطقة تتوزع بين ثلاث دول عظمى وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهذا الاحتمال لا يتوافق مع الإستراتيجية الأمريكية والغربية التي لم تتمكن إلى الآن من تحقيق سيطرة كاملة على الأرض في الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يعني(إذا حدث بالفعل) عدم مقدرة الولايات المتحدة للدخول في تبعات الحرب على جبهتين، الحرب الأوكرانية من جهة والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي من جهة أخرى، وما يعني أيضا هزيمة شنيعة للولايات المتحدة في إحدى الجبهتين، إما التخلي عن أوكرانيا لتلاقي مصيرها المحتوم أمام روسيا وصعود روسيا والصين للهيمنة القطبية العالمية، وإما أن تتخلى عن حليفتها الاستراتيجية إسرائيل. لذا فإن احتلال إسرائيل للقطاع يضع الولايات المتحدة في مفترق طرق وعرضة للإنهزام والسقوط المدوي.

ثانيا: من غير المستبعد إذا تم اجتياح القطاع ودخول دولة الاحتلال إلى غزة في حرب مدن، أن تصوب إيران صواريخها البالستية نحو تل ابيب، إذ أن القضاء على حماس وقطع دابرها يعني تلقائيا تفرغ إسرائيل ل-حزب الله الموالي ل-إيران، وهذا ما لن يفوته آيات ايران النووية، لأن هذا أيضا بدوره يتقاطع مع الشغف والرغبة الإيرانية الفارسية في التمدد والتوسع والنفوذ في المنطقة.

ثالثا: من المرجح استخدام الصين لحق النقض إذا تمت موافقة مجلس الأمن على اجتياح دولة إسرائيل للقطاع بذريعة حق الدفاع عن النفس وإعادة السلم والأمن الدوليين، (بات استخدام هذا التبرير (حق الدفاع عن النفس) معروفا ومكررا ومستهلكا على مدى سبعة عقود، لوجود جماعات الضغط الممثلة في اللوبيات الصهيونية والايباك داخل الادارة الأمريكية، مهما بلغ حجم الاعتداء الإسرائيلي البربري والوحشي على أبرياء فلسطين، وهنا تتعامل الولايات المتحدة ومجلس الأمن بازدواجية واضحة للعيان، تراعي في ذلك رغباتها ومصالحها كما تراعي بقية الدول الخمس دائمة العضوية مصالحها مع الولايات المتحدة).

إضافة لما سبق فإن سيناريوهات احتلال القطاع احتلالا كاملا أو محاولة تفريغه من السكان أمر لا يتجاوز الحرب الدعائية والنفسية، وهو خطاب موجه للداخل الإسرائيلي المنهار معنويا بعد ارتعابه من الصواريخ المباركة ودخولهم الملاجئ، وبنفس القدر تخدم هذه الدعاية والخطاب داخل غزة، محاولة التأثير النفسي على سكان القطاع في محاولة لتشريدهم وتهجيرهم وافراغ القطاع من السكان، لذا فإن محاولة احتلال القطاع محكوم عليها بالفشل الذريع وذلك في تقديري لسببين رئيسيين:

أولا: اجتياح المشاة للقطاع يعني دخول إسرائيل في حرب مدن أو حرب عصابات، وهذه تعتبر مخاطرة غير مضمونة العواقب وتزيد من كلفة الخسائر المادية والبشرية والمعنوية، وربما تكون في اغلب الأحوال حربا طويلة لا يستطيع جيش الدفاع الإسرائيلي الصمود إلى نهايتها، وذلك للشواهد التاريخية مثل حرب أكتوبر 1973ويالها من شواهد.

 في حرب اكتوبر 1973  وضع رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية وقتذاك الفريق “سعد الشاذلي” خطة المآذن العالية للهجوم على القوات الإسرائيلية واقتحام قناة السويس، بسبب من ضعف القوات الجوية المصرية وقتها وضعف امكانيات الدفاع الجوي المصري ذاتي الحركة، [3] (تقريبا نفس الظروف مماثلة ومتطابقة مع اكتوبر 2023) لتلك الأسباب فقد امتنعت القوات النظامية المصرية المبادرة بعملية هجومية كبيرة على القوات الإسرائيلية، واستعاض الفريق “الشاذلي” بخطة المآذن العالية التي تقوم على الاستفادة من نقاط الضعف لدى القوات الإسرائيلية المتمثلة في عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية نظرا لقلة عدد أفرادها ( ولا تزال نقطة الضعف هذه موجودة لدى إسرائيل إلى اليوم فقد بادرت باستدعاء 300ألف من قوات الاحتياط من الخارج) ونقطة الضعف الثانية التي اعتمد عليها في ذلك الوقت هي إطالة مدة الحرب، لأنه في كل الحروب السابقة كانت تعتمد القوات الإسرائيلية على الحروب السريعة والخاطفة التي تنتهي خلال أربعة أسابيع أو ستة أسابيع على الأكثر، وفي يوم 6 أكتوبر 1973 شن الجيشان المصري والسوري هجوما كاسحا على القوات الإسرائيلية بطول الجبهتين، ونفذ الجيش المصري خطة المآذن العالية التي وضعها الفريق”الشاذلي” بنجاح غير متوقع وتهاوت اسطورة خط بارليف، ومنيت إسرائيل بهزيمة موجعة.

ثانيا: رغم توجيه مراكز البحث الإسرائيلية بضرورة اجتثاث حركة المقاومة (حماس) اجتثاثا كاملا وابادتها، إلا أن ترجمة ذلك بحرب المدن يعني انتحارا جماعيا للقوات الإسرائيلية في هذا التوقيت، خاصة في هذا الجيل الجديد مضافا إليهم قوات الاحتياط التي تم استدعائها من الخارج اذ أن عقيدتهم القتالية يشوبها التراخي وعدم الانتماء واليقين، ولا يملكون إرادة الحرب مثل اسلافهم المتشددين من الجيل الأول والثاني المؤسسين.

مع هذا فإن الأقرب للتصور في تقديري هو قيام دولة الاحتلال بواحد من إثنين:

أولا: القيام بعمليات هجومية قصيرة الأمد تستهدف:

1_ تدمير  كامل لمنصات الصواريخ وتدمير مخازن الأسلحة والبنية التحتية.

2_ تصفية القيادات العسكرية الميدانية والسياسية وعلماء تطوير التقنية العسكرية في مراحل زمنية متقاربة.

ثانيا: توجيه عدة ضربات استباقية في العمق الاستراتيجي الإيراني، من دون الرجوع للحليف الأمريكي أو استشارته.

في كل الأحوال والاحتمالات والافتراضات فإنه يحسب لحركة المقاومة (حماس) أنها نجحت في إختراق وتحطيم الهالة الإسرائيلية الزائفة واسطورة الجيش الذي لا يقهر، وفتحت الطريق إلى المسجد الأقصى بعد تحول ضعف المؤسسات العسكرية التي يناط بها حماية البلاد والدفاع عنها إلى مؤسسات قوية قادرة على فرض التوازن الصلب، وليست مثل الدول الأخرى التي تتجه إلى مسايرة الركب والتطبيع والوقوف بجانب الأقوياء.

المصادر:

[1]_لردع توسيع الحرب.. واشنطن ترسل حاملة طائرات ثانية لدعم إسرائيل، موقع الجزيرة نت، 15 اكتوبر /تشرين الأول 2023،(تاريخ الدخول: 16 اكتوبر /تشرين الأول 2023):

https://tinyurl.com/3r6emxus

 [2]_الأكبر في تاريخها.. إسرائيل تستدعي 300 ألف من جنود الاحتياط، موقع الجزيرة نت،9اكتوبر /تشرين الأول 2023،(تاريخ الدخول:16 اكتوبر /تشرين الأول 2023):

https://tinyurl.com/4cf6w3fb

 [3]_سعد الشاذلي، مذكرات حرب اكتوبر،(دار بحوث الشرق الاوسط الأمريكية: ط. 4،2003)، ص6

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى