دراسات اقتصادية

الاقتصاد السياسي لاستراتيجية استبدال الدولار عالميا

وليد عبد الحي
يمكن اعتبار عام 2009 نقطة البداية الجادة لدعوات دولية لاستبدال الدولار كعملة عالمية، وقادت هذه الدعوات كل من الصين وروسيا بشكل رئيسي، لكن هذه الدعوة لم تجد لها صدى في اغلب الدوائر الدولية بل ان اصحاب الدعوة يفتقرون لآليات تحقيقها حتى هذه اللحظة.
قد تبدو الدعوة لاحلال عملة أخرى محل الدولار في الاسواق العالمية اقرب الى ” النزق السياسي” في الظرف الحالي، وكرد فعل على بعض السياسات الامريكية، فبنية الاسواق المالية ليست مؤهلة لهذا الحال حاليا ، نظرا لعدد من المعوقات أهمها ما يلي:
أولا: حجم ومكانة الدولار في الاقتصاد المعاصر، إذ أن 62 % من الاحتياطي النقدي( المرتبط بموازين المدفوعات) في العالم بالدولار يليه اليورو بحوالي 21% ، وهناك 39 دولة تعتمد الدولار( منها 7 دول صغيرة تعتمده عملة لها) و 32 دولة تربط قيمة عملتها بالدولار..وعليه فان استبدال الدولار سيؤثر بقدر كبير على قيمة هذه الاحتياطات النقدية.
ثانيا: إذا علمنا ان 90 % من التبادل التجاري يتم من خلال الدولار وأن 40% من سوق الاسهم العالمي مقيم بالدولار ندرك مدى تغلغل الدولار في البنيات الاقتصادية والتي تتأثر سلبا في حالة اهتزاز الثقة بالدولار، ويكفي ان نشير انه خلال الفترة الممتدة من 2008( اأزمة الرهن العقاري الامريكي وتداعياتها) وبين 2020 تعززت الثقة بالدولار الامريكي بحوالي 30% استنادا لمؤشرات الثقة.
ثالثا: لا بد من معرفة ان 40% من ديون العالم هي بالدولار، وعليه فان اهتزاز قيمة الدولار ستشكل امرا كارثيا للدول الدائنة التي لن تقبل بعملة جديدة تؤثر علي قمية الدولار.، ونتيجة لذلك ، تحتاج البنوك الأجنبية إلى الكثير من الدولارات لممارسة الأعمال التجارية. ودلالة ذلك كانت واضحة خلال الأزمة المالية لعام 2008، فالبنوك غير الأمريكية لديها 27 تريليون دولار من الالتزامات الدولية المقومة بالعملات الأجنبية. منها 18 تريليون بالدولار الأمريكي مما سيدفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى زيادة مقايضة الدولار لأن هذا هو السبيل الوحيد لمنع مصارف العالم من نفاد الدولارات.
رابعا: معوقات داخل الدول الداعية لاستبدال الدولار، فقد كانت الصين قلقة من أن التريليونات التي تحتفظ بها بالدولار ستكون اقل قيمة إذا بدأ تضخم الدولار نتيجة لزيادة الإنفاق بالعجز الأمريكي وطباعة سندات الخزانة الأمريكية لدعم ديون الولايات المتحدة. لذلك دعت الصين صندوق النقد الدولي إلى تطوير عملة لتحل محل الدولار. ولكن المقارنة بين اليوان مثلا والدولار تشير الى أنه في الربع الأخير من عام 2016 ، أصبح اليوان الصيني عملة أخرى من العملات الاحتياطية في العالم. ولكن في الربع الأول من عام 2020 ، كان ما تمتلكه البنوك المركزية في العالم من اليوان لا يتجاوز ما قيمته 221 مليار دولار ، وفقًا لصندوق النقد الدولي، وهي قيمة لا تشكل الا جزءا بسيطا من 6.8 تريليون دولار المحتفظ بها بالدولار الأمريكي .
خامسا: رغم ان الصين تريد أن يتم تداول عملتها بالكامل في أسواق الصرف الأجنبي العالمية ، وترغب في أن يحل اليوان محل الدولار كعملة عالمية. لكن القيام بذلك يستوجب ادخال اصلاحات على اقتصادها قد لا تتقبله آلة الحزب في الوقت الراهن وان كانت قد تقبله لاحقا في ظل تنامي التحلل التدريجي من القفص الماركسي وتنامي النزعة البراغماتية.
إجمالاً ، تمتلك الدول الأجنبية أكثر من 6 تريليونات دولار من الديون الأمريكية، وأكبر دولتين دائنتين لها هما الصين واليابان، فإذا تخلصوا من ما لديهم من سندات الخزانة ، فقد يتسببون في حالة من الذعر تؤدي إلى الانهيار، ويكفي ان نعلم ان الصين تمتلك ما يقرب من تريليون دولار من الخزينة الأمريكية ، وهي تربط اليوان بالدولار مما يجعل أسعار صادراتها إلى الولايات المتحدة رخيصة نسبيًا. أما اليابان فانها تمتلك أكثر من 1.2 تريليون دولار ، كما أنها تريد إبقاء الين منخفضًا لتحفيز الصادرات إلى الولايات المتحدة.
الخلاصة:
ان احتمالات التحول عن الدولار ليست امرا يسيرا ولا اراه متاحا في الظروف العادية، لكن الاحتمال يتعزز في الحالات التالية التي تحتاج لوقت ليس بالقصير او المباشر:
1- اذا وجدت اسواق جاذبة للاقتصاد الصيني غير امريكا فقد يساهم ذلك نسبيا في التحول عن الدولار.
2- إذا تواصلت تذبذبات الاقتصاد الامريكي وتفاقمت مشكلاتها الداخلية كما يتنبأ العديد من المنظرين الامريكيين فان الثقة في الدولار قد تذهب نحو مسار خطي يقود في النهاية للتخلي عنه.
3- قدرة العملة الجديدة التي ستحل محل الدولار على اكتساب ثقة الاقتصاديات الدولية المركزية.
4- قد تكون ظاهرة تزايد التكتلات الاقليمية والعابرة للاقاليم ( مثل بريكس) مؤشرا مساعدا على احتمال تحديد مكانة الدولار او على الاقل تدعيم اهتزاز الثقة فيه.
5- تزايد السلع الاستراتيجية التي تفك ارتباطها بالدولار ( مثل البترول..الخ).
وتبقى ربما…

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى