دراسات اقتصاديةدراسات سياسية

البترول : سلاح سياسي ذو حدين

إذا كان البترول يخدم وبشكل قوي في إبقاء القدرة العملية للجيوش، فإنه أيضا يستطيع أن يتحول إلى سلاح و إلى وسيلة ضغط من أجل تفادي الصراعات. تاريخيا،الولايات المتحدة كانت الأولى في استخدام البترول كسلاح في خدمة دبلوماسيتها. فمنذ عام 1931 ، و بعد الاحتلال الياباني لمدغشقر و بعد الهجوم  الياباني أيضا على الصين في حزيران 1937 ، الولايات المتحدة ، و التي أمدت اليابان في ذلك الوقت بحوالي 80 % من استهلاكها للبترول ، تقرر تخفيض صادراتها النفطية لليابان. و لكن في مواجهة استمرار عقيدة التوسع اليابانية في آسيا ، هذا الإجراء تم تدعيمه في حزيران من عام 1940 ، وبعد ذلك في أيار من عام 1941 ، حيث حصل الحظر التام لتصدير البترول إلى اليابان من قبل الولايات المتحدة.
هذا القرار، سيتبعه فشل المفاوضات في شراء البترول من الاتحاد السوفييتي في حزيران 1941 و الذي سيقود اليابان في بداية سبتمبر إلى التحضير وفي ثلاثة أشهر للدخول في حرب ضد الولايات المتحدة،تحضير سيصبح حقيقيا مع الهجوم الجوي الياباني على ” بيرل هاربور “، في 7 ديسمبر 1941 . و لكن الاستراتيجيين اليابانيين ، نسوا تدمير الخزانات الضخمة للوقود التي كانت تحتوي على 4،5 مليون برميل من الوقود في هاواي ، و هذا سيسمح للولايات المتحدة في القيام بهجوم معاكس أكثر سرعة و الذي لم يتوقعه الجيش الياباني.
البترول كان حاضرا أيضا في قلب الاتفاق الألماني / السوفييتي في عام 1938 . فبواسطة هذه الاتفاقية ، حقق هتلر السلام في شرقي الحدود الألمانية أثناء اجتياحه لأوربا الغربية، و لكنه أيضا حصل على أكثر من ذلك ،إنه البترول الروسي اللازم لهذا الاجتياح. ومن عام 1939 حتى عام 1941 ، ستزود موسكو برلين بأكثر من 65 مليون برميل من البترول، لأن واحدة من أكبر نقاط الضعف في ألمانية الهتلرية كانت التبعية البترولية و التي ستحدث بشكل مباشر هزيمة ” روميل ” في أفريقيا الشمالية من خلال الحاجة إلى الوقود. و من أجل البترول أيضا ، جيوش هتلر و بعد إلغاء الاتفاق مع السوفييت ، ستتجه نحو القوقاز و نحو الاحتياطي الكبير في آبار ” باكو” ، قبل أن يتم توقيفه في معركة ستالين غراد، و التي ستحول مجرى الحرب العالمية الثانية على المسرح الأوربي.
سيمارس الحصار البترولي أيضا بعد الحرب العالمية الثانية ضمن نطاق وقوانين الأمم المتحدة، لا سيما ضد الأنظمة في أفريقيا الجنوبية و روديسيا و ضد العراق بعد اجتياحه الكويت في عام 1990،أو خارج هذا النطاق، كما استخدم الحصار على ” الدول المارقة ” كما تعتبرها و تسميها واشنطن ، مثل كوبا و ليبيا و إيران ثم السودان . وإذا كانت النتائج السياسية لهذه الحصارات البترولية في عملية الاستيراد أو التصدير هي قابلة للنقاش من حيث تأثيرها كفعل سياسي ، فإن النتائج الاجتماعية و الاقتصادية كانت واضحة على الدول المحاصَرة. إنها نفس الحالة للحصار البترولي العربي الذي أعلن في عام 1973 أثناء حرب أكتوبر مع إسرائيل، و التي بقيت الحالة الوحيدة من قبل دول منتجة ضد دول مستهلكة.
حتى سنوات الستينات وخلال عشرات السنين، ستقوم سبع شركات بترولية كلها أنكلوـ سكسونية وتدعى “الأخوات السبعة” بالسيطرة على معظم الإنتاج العالمي و على التوزيع أيضا لهذا الذهب الأسود. ففي عام 1928 و من خلال اتفاقيات ” أشناكاري ” فإن ثلاث شركات هي [ إسسو، شيل ،بي بي، ] و التي ستلتحق بها بعد فترة وجيزة شركات [ موبيل ، شيفرون، تيكساكو، غولف ] ستمتد و تتسع لتأسيس كارتيل ” اتحاد شركات ” و لتنتهي من خلال تنافسها إلى تقسيم الإنتاج العالمي إلى حصص فيما بينها “غوتا ” ، وقد وصلت سيطرتها على 85 % من الإنتاج العالمي في الثلاثينات من القرن الماضي. لقد جعلت هذه الشركات من سعر النفط مستقرا و لكن بشكل منخفض و زادت من الاستهلاك البترولي ، ثم قوت من نفوذها وسلطانها على الإنتاج العالمي موافقة على التخلي عن بعض التعويضات المالية للدولة المنتجة ضمن إطار من الاتفاقات ذات الامتياز لهذه الشركات. وقد كانت هذه الشركات تسيطر على 60 % من الإنتاج العالمي في اللحظة التي بدأ فيها العرب بمحاولات تأميم النفط في الخمسينات.
ومن أجل الصراع ضد الهيمنة التي تمارسها الشركات الخمس الكبرى [ إكسون موبيل، شيل ، بي بي، شيفرون تيكساكو ، توتال ]، عمدت الدول المنتجة و المصدرة إلى إنشاء منظمة خاصة بها تضمن بشكل مبدئي ، العراق ، الكويت ،العربية السعودية ، و فنزويلا. ففي مواجهة ” كارتيل ” الشركات التي تهيمن على المسرح البترولي منذ بداية تاريخ صناعة البترول ، سينشأ ” كارتيلا ” خاصا بالدول المنتجة للبترول.

 البلاد المنتجة تأخذ السيطرة على بترولها

خلال الأعوام التالية ، بدأت البلاد المنتجة تأخذ و بشكل تدريجي السيطرة على ثرواتها وتفرض على الشركات العالمية علاقات قوة جديدة ، حيث بينت الحروب العربية / الإسرائيلية في أعوام 1956 ، 1967 ، 1973 ، الأهمية الكبرى للبترول كوسيلة ضغط يملكها العرب تجاه الدول المصنعة ، و بشكل خاص أوربا و اليابان و باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، ففي هذا الوقت كانت ما تزال منتجا كبيرا للبترول على الصعيد العالمي، رغم إنتاجها الذي كان قد بدأ يقترب من الانحدار و الهبوط.
البلدان العربية تبرر حصارها و مقاطعتها النفطية في عام 1973 ، برفض جلاء القوات الإسرائيلية عن الأراضي العربية المحتلة بعد حرب الأيام الستة في حزيران من عام 1967 ، بالرغم من وجود القرار الدولي الذي ينص على هذا الانسحاب والصادر في نوفمبر 1967 تحت رقم 242 عن مجلس الأمن الدولي والذي يطالب بهذا الانسحاب. هذا القرار كما يعرف الجميع بقي من غير تأثير منذ أربعين عاما.
هذه المقاطعة أو الحصار العربي تضمن جانبين رئيسين : تقليص الإنتاج على المستوى العالمي تقريبا 25% ، ولقد كان حصارا كاملا ضد خمسة دول ” الولايات المتحدة ، هولندا، أفريقيا الجنوبية ، روديسيا، البرتغال” ،فهو ضد الأمريكان بسبب مساندتهم لإسرائيل ، و الدول الباقية بسبب الاعتراض على سياساتها الاستعمارية. أما البلدان العربية التي بدأت بالمقاطعة كانت ثلاثة وهي ليبيا و الجزائر و العراق، ثم لتأتي العربية السعودية في النهاية. نذكر هنا أن إيران الشاه الحليف المفضل لدى الأمريكان آنذاك ، كانت مع عملية تخفيض إنتاج النفط ولكن ليس مع المقاطعة أو الحصار ضد الولايات المتحدة.
إذن قررت البلدان العربية المصدرة تخفيض إنتاجها ، ثم رفع الأسعار والضريبة على البترول المصدر، و هذا ما رفع وبسرعة سعر البترول إلى أربعة أضعاف ، ارتفاع تم تأكيده في سبتمبر 1974 في فيينا حيث أُلحق الارتفاع في الأسعار بالتضخم المالي الذي أصاب النقد في الدول الصناعية. مع هذه الصدمة البترولية الأولى كما مع الصدمة الثانية التي حصلت أثناء قيام الثورة الإيرانية في عام 1979 ، و تبعها الحرب العراقية / الإيرانية 1980 ، نحن تماما في حضور أزمة جيوبوليتيكية كبرى، هذا يعني أن صراعا محليا كان له عواقب و تأثيرات على المستوى العالمي على الأقل فيما يتعلق بسعر برميل البترول.
المملكة العربية السعودية و الكويت سيرفضان توسيع المقاطعة المعلنة من قبل العراق في خطوة أشبه بالحرب الاقتصادية الشاملة ضد العديد من البلدان المستهلكة. مهما يكن من أمر، هذه الجبهة العربية من الدول المنتجة للبترول ساهمت و باستمرار في رفع أسعار برميل البترول. إنها بينت للدول المستهلكة أهمية الوعي بالدور المتنامي للبترول و دعتها إلى إصلاح ، قدر الإمكان ، سياساتها المتعلقة بالطاقة لكي تخفض من اعتمادها على الطاقة البترولية.
اليوم ، و رغم التطور الكبير في وسائل النقل ضمن الاقتصاديات المتقدمة وزيادة الطلب العالمي ، التبعية تبقى و التبعيات المتبادلة هي بالعكس في حالة صعود وتنامي.بالإضافة لذلك ، وباستثناء وضعنا قيد المساءلة للنموذج الغربي في المعيشة ، فإنه سيكون من العبث عند الأمم الغربية أن تبحث عن تخفيض تبعيتها البترولية أو في الغاز أيضا ، لأن هذه التبعية هي طبيعية عند معظم هذه الأمم ذات الاقتصاديات المتطورة، وحيث الغياب شبه الكامل للثروات المتعلقة بالطاقة و إنتاج الوقود على أرض هذه الأمم ، أيضا هذه الأمم مضطرة للذهاب و البحث في أماكن أخرى عما لا تملكه أو عن أشياء لا تملك كفايتها منها.
هذه التبعية ستزداد عمقا مع الأزمة الحالية في العرض الإجمالي و العالمي للبترول ، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الحالية داخل الدول المنتجة، و زيادة المطالبة بالاستفادة و بقوة من عائدات البترول من قبل السكان المحليين للحكومات و الأنظمة. وكما هو معروف فإن نيجيريا تعرف هذه الظاهرة منذ زمن بعيد وذلك يعود لأسباب ” تاريخية “، أما الدول الأخرى مثل بوليفيا كما شهدنا في ربيع 2005 أو الإكوادور في أب من عام 2005 أيضا، فهي تؤكد هذه النزعة الجديدة و القابلة للتطور و الانتشار ، مستغلين بذلك الضعف الحالي للسوق الدولية.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى