النظم السياسية المقارنةدراسات سياسية

تحليل النظم عند ديفيد ايستون ( نموذج المدخلات والمخرجات)

تقديم / طه محمد

يعتمد نموذج تحليل النظم على اعتبار ان النظام هو وحدة التحليل, فالنظام هنا هو مجموعة من العناصر او الاجزاء التى ترتبط فيما بينها وظيفيا بشكل منظم بما يتضمنه ذلك من تفاعل واعتماد متبادل ( التغيير في عنصر او جزء ما يؤثر على بقية العناصر او الاجزاء الاخرى), بهذا المعنى يمكن دراسة الحياة السياسية كنظام, على اعتبار ان التفاعلات السياسية في مجتمع ما تشكل نظام للسلوك, عليه فان هذه النظرة لمفهوم النظام السياسي تستتبع اثارة ومعرفة النقاط الاتية:

1- حدود النظام السياسي: اى انه يبدا من نقطة وينتهى عند نقطة اخرى فهو يوجد في بيئة وهناك حدود مع هذه البيئة.
2- بقاء النظام: اى كيف يحافظ النظام على وجوده عبر الزمن, بالتالي يكون التركيز على الاستقرار من عدمه وعلى الاستمرار.
3- بقاء النظام مرهون بقدرته على اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتوزيع موارد المجتمع بشكل يرضى المحكومين دون حدوث فوضى.
4- التكيف اى اعادة قدرة النظام على الاقلمه والاستجابة للتغيرات الفعلية والمتوقعة في البيئة.
5- تحقيق الاهداف اى كيف يحدد النظام اهدافه وكيف يسعى لتحقيقها.

الاشكالية

ان تحليل ايستون يفسر كيف يحافظ النظام على استمراره كنظام من السلوك في عالم من الاستقرار والتغيير , اى كيف يحافظ على وجودة عبر الزمن.
الفرضية / يكون التركيز هنا على اسباب استقرار او عدم استقرار النظام السياسي, كون النظام يواجه مطالب وتهديدات وبالتالي عليه ان يستجيب لها بشكل يضمن استمراره ووجوده, فالنظام بقاؤه وقوته وشعبيته مرهونة بقدرته على اتخاذ الاجراءات والقرارات الكفيلة بتوزيع موارد المجتمع بشكل يرضى المحكومين, ومن ثم طاعتهم والاعتراف به كسلطه عليا, الامر الذى يحول دون حدوث فوضى واضطراب.

يعرف ايستون النظام السياسي بانه التفاعلات التى تحدث في المجتمع والتى من خلالها يتم توزيع الموارد النادرة (القيم) سلطويا, بينما الوظيفة الرئيسية للنظام السياسي هى التوزيع السلطوي للقيم في المجتمع, اى عملية صنع القرارات الملزمة , في حين يشير التخصص الى القرارات التى تعطى هذا وتحرم ذلك, ويكون التخصيص سلطويا اذا انصاع الافراد للقرارات أيا كان السبب او الدافع ( الخوف من السلطة, المصلحة الذاتية, الاعتقاد بشرعية النظام ) .

قدم ايستون اطار لتحليل النظام السياسي يرى فيه دائرة متكاملة ذات طابع ديناميكي تبدا بالمدخلات وتنتهى بالمخرجات مع قيام عملية التغذية الاسترجاعية بالربط بين المدخلات والمخرجات.

يتكون النظام السياسي عند ايستون من العناصر الاتية:
اولا- المدخلات: وهى الضغوط والتأثيرات التى يتعرض لها النظام السياسي وتدفعه الى النشاط والحركة, وهذه المدخلات تنبع من البيئة ومن داخل النظام نفسه, فكل نظام سياسي مفتوح لتلقى تأثيرات البيئة التى يوجد فيها, فحدوث ازمة اقتصادية او تحول في البناء الطبقي او تغيير في القيم الثقافية يؤثر على النظام السياسي, كذلك هناك مؤثرات البيئة الخارجية (مقاطعة اقتصادية غزو عسكري ,مساعدة تقدم للدولة) التى تؤثر في عمل النظام السياسي.

وقسم ايستون المدخلات الى مجموعتين:
ا- المطالب: قد تكون عامة او خاصة, ويتم التعبير عنها وبلورتها في برامج مبسطة عن طريق جماعات المصالح والاحزاب وقادة الرأي ووسائل الاعلام, ومن ثم يستطيع النظام السياسي ان يستجيب لها بصورة اكثر فعالة, كذلك يتأثر حجم ونوعية المطالب باعتبارات معينه كتفاوت قدرات المواطنين في الوصول الى جهاز صنع القرار, الامر الذى يرتبط باعتبارات الثروة والنفود والمكانة, فالنظام لا يستطيع الاستجابة لكل المطالب نظرا لندرة الموارد المتاحة, مما يجعله يلبى مطالب اصحاب النفوذ والاغنياء المشكلين المصدر الهام للتأييد .
ب- المساندة: يعتمد استمرار النظام على ضمان حد ادنى من الولاء والمساندة لأنه اذا نقص التأييد بات النظام فى خطر وتهديد من البيئة المحيطة به.

-يتحدث ايستون عن نوعين من التأييد:
– التأييد العام : فالنظام يسعى لفرض مستوى عالي من التأييد العام لدى اعضاءه, بحيث يستمرون على ولائهم دون اعتبار للمزايا المادية والمعنوية التى تعود عليهم, هذا الولاء هو نتاج عملية التنشئة السياسية التى تؤكد على معانى الوطنية والولاء للقيادة والدستور والدولة, فالتأييد العام هو بمثابة اصول يعتمد عليها النظام في مباشرة عملية التخصيص السلطوي للقيم.
– التأييد الخاص: هو التأييد والمساندة الذى يحصل عليه النظام مقابل ما يقدمه من منافع خاصة لأعضائه, انه بمثابة الرضا الذى يشعر به الفرد حينما يتصور ان مطالبه قد تحققت.

ثانيا- عملية التحويل : وهى تشير الى استيعاب المطالب في ابنية النظام التشريعية والتنفيذية, فالمطالب تمر بعملية تحول طويلة داخل ابنية النظام قبل ان تظهر في شكل مخرجات. ان التحويل هو بمثابة عملية غربلة, اذ بينما يتم التعبير عادة عن مطالب كثير فانه لا يتحول منها الى قرارات سوى عدد قليل نسبيا.

ثالثا- المخرجات:- هى تمثل استجابة النظام للمطالب الفعلية او المتوقعة, بعبارة اخرى السياسات والقرارات التى تتعلق بالتوزيع السلطوي للموارد, وهذه المخرجات قد تكون:
1- ايجابية :حينما تحاول السلطة تعديل البيئة او النظام السياسي من خلال الوفاء بالمطالب.
2- رمزية : مثل الوعود والعروض العسكرية واثارة مشاعر الخوف من وجود تهديد خارجي او انقسام داخلي.
3- سلبية : وذلك حينما تلجا السلطة الى الارهاب والقسر كي تضمن الحفاظ على النظام السياسي.

رابعا- التغذية الاسترجاعية:- وتشير الى تدفق المعلومات من البيئة الى النظام السياسى الناتجة عن افعاله (اى عن الاثار التى احدثتها قرارات وسياساته ), بهذا المعنى تربط المدخلات بالمخرجات في عملية مستمرة, فالمخرجات فيها بمثابة ردود فعل للمدخلات وهذه بدورها تتأثر بالمخرجات.

وتكمن اهمية هذه العملية في انها ضرورية لبقاء النظام فعلى اساس الوعى بما حدث ويحدث بالنسبة للمدخلات تصبح السلطة قادرة على الاستجابة, اما بالمضي في سلوكها السابق او تعديله او بالتخلي عنه, فالتغذية العكسية الفعالة التي تتميز بأقصى ما يمكن من دقه واقل ما يمكن من تأخير تضمن الاستجابة الفعالة, وفى حالة غيابها يتعرض وجود النظام للخطر.

ما يميز طرح ايستون ينبع من ادخاله لمفاهيم جديدة للتحليل وابراز الطابع الحركي للنظام السياسي من خلال التأكيد على التفاعل بين النظام والبيئة وفيما بين مختلف اجزاء النظام, ودوره في مساعدة الباحث في جمع وتصنيف المعلومات وعرض نتائج البحوث, الى جانب لفت الانتباه الى مشكلات هامه للبحث من قبيل ما هى اغراض النظام, وما هى الوحدات المكونة للنظام, وكيف يتفاعل النظام مع البيئة, او ما هى المحددات البيئية للنظام, وكيف تتفاعل وحدات النظام مع بعضها البعض, وكيف يحافظ النظام على ذاته.

-الانتقادات:-
1- الاهتمام المبالغ فيه باستمرار النظام, فالاستقرار هو القيمة العليا لسلوك النظام ولكنه لا يعنى الجمود بل يفترض التغيير المنظم الذى يطرا على البيئة او النظام ذاته استجابة للمطالب, ولكن التغيير الثوري الذى ينطوي على تحول شامل للنظام السياسي لا موضع له في نظرية النظم , فالنظرية هنا محافظة بطبيعتها ومتحيزة للوضع القائم .
2- يعكس اطاره مستوى عالي من التجريد وتفتقر عناصره الى التحديد الإجرائي الواضح, مما يقلل من فرص استخدامه في البحث السياسي التجريبي المقارن, ويرتبط بذلك صعوبة وضع افتراضات تقبل الاختبار, ففرضية ان المدخلات تؤثر في المخرجات تعوزها الغموض بحيث يستحيل التحقق من صدقه.
3- تناوله السريع والغامض للتحول, فقد اكتفى بان هذه العملية تحدث داخل ابنية النظام دون ان يوضح ماهية هذه الأبنية والوزن النسبي لكل منها والتفاعلات التي تحدث بداخلها.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى