القاموس السياسيدراسات سياسية

عملية العولمة: ميزاتها وبدايتها

اعداد : محمد نجاد – باحث في الإعلام والدراسات الثقافية

  • المركز الديمقراطي العربي

بالرغم من أن العولمة تعتبر أحدث التطورات، إلا أننا لا نسمع عنها كثيراً . وذلك، لأن العلماء غالباً ما يتحدثون- بدلاً من ذلك- عن “الليبرالية الجديدة”. من جهة أخرى، فقد تم استبدال مصطلح “ما بعد الحداثة” بالعولمة. وفي حين أن هذه المصطلحات غالباً ما تعتبر مختلفة، إلا أنه هناك استمرارية – بين الحين والآخر- إلى نقل الخطاب النظري من مصطلح لآخر. لكن خلال فترة السبعينات، وخاصة الثمانينات والتسعينات، أصبحت العولمة مفهوماً رئيسياً يتعامل معه أي نوع من الباحثين. كان هذا المفهوم نظرياً، وقد تم استخدامه ليصف نوعًا من الشروط المحددة أو عملية معقدة للغاية وبعيدة المدى من التحول الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، الذي يوحد العالم بأسره.

لذلك، فقد رأى الباحثين أن البحث النظري المستقبلي للعولمة، من شأنه أن يفيد في إجراء تغييرات أكثر منهجية في طبيعة العمل الاجتماعي، وعلاقات القوة في عصر العولمة، وكيف يمكن للعولمة أن تمدد “حدود الإمكانية”. وقد تعيد دراسة العولمة أيضاً تشكيل الطريقة التقليدية في دراسة العالم الاجتماعي والثقافة الإنسانية، كما أن هناك مجالات جديدة من دراسات العولمة تظهر الآن عبر التخصصات.

لكن هناك مواقف مختلفة للغاية حول تعريف العولمة، لأنه يوجد الكثير من التصورات، وليست واحدة. فكل باحث يتحدث عن العولمة من وجهة نظر محددة أو من مقاربات مختلفة، مثل دراسات الهجرة، أو كيف تغير العولمة وسائل الإعلام، أو الجغرافيا السياسية، أو العلوم السياسية، أو العلاقات الدولية، أو الأنثروبولوجيا، أو حتى كيف تغير العولمة العلاقات بين الجنسين وتأثر هذه العلاقة بالعولمة، وغيرها من الجوانب الأخرى وبدلاً من ذلك، يتحدث هذا المقال عن أبرز ميزات العولمة المتفق عليها غالباً. وتطرح هذه المقالة أيضاً نقاشات الباحثين حول بداية عملية العولمة، وعلاقتها بالإمبريالية الثقافية. وكل ذلك بشكل مختصر.

أهم ميزات العولمة

من وجهات نظر متنوعة، ومن مقاربات تخصصية مختلفة، فالافتراض المتفق عليه من قبل الباحثين هو، أن العولمة ليست عملية يصبح من خلالها العالم مكانًا أصغر، بل مكانًا موحدًا. والميزة الاساسية للعولمة هو أنها تتميز بالانتشار المتزايد للسلع، والأفكار، والناس لأماكن مختلفة. وذلك بسبب ازدياد أنماط الهجرة من خلال العمل في مختلف البلدان والمناطق في العالم، وبفضل أيضا تطوير النقل والشبكات. مما زاد من تعقيد السوق العالمي وارتباطه بانفصال الاقتصاد والثقافة والسياسة. وقد ينظر لهذه الحالة من خمسة أبعاد مفاهيمية للثقافة العالمية: أولاً، البعد العرقي، والإعلامي، والتقني، والتمويلي، وأخيراً، البعد الأيديولوجي. وهذه الأبعاد هي اللبنات الأساسية لما أسماه بنيدكت أندرسون “المجتمعات المتخيلة” ، لأنها مبنية اجتماعيا، ويتخيلها الناس الذين يعتبرون أنفسهم جزءًا من تلك المجموعة.

وبطبيعة الحال، عندما يتعلق الأمر بتداول الأفكار، نرى أن وسائل الإعلام تؤثر بشكل أساسي على جميع الجوانب المختلفة للعولمة. إما كبنية تحتية تكنولوجية تظهر من خلالها العولمة، أو من خلال مساهمة مؤسسات الإعلام في خلق سيناريوهات مشتركة وعالمية من الأفكار، والرموز، والصور، وذلك للمرة الأولى في تاريخ البشرية. وهذا بدوره أدى الى تشابه الثقافات المختلفة بشكل متزايد مع بعضها البعض. وذلك لأن “الثقافة تذكرنا أنها متحركة وليست ثابتة، وتسعى دائمًا إلى التأثير على كل ما هو جديد أو مختلف، أو أجنبي، أو غريب […] وهذه هي الطريقة التي تستمر بها الثقافة في النمو والتكيف”. ميزة أخرى تميز العولمة، وهي أنها تجعلنا نميل بشكل متزايد إلى التفكير بأنفسنا أننا لم نعد محكومين بوقت محدد أو مكان محدد، وهذا بدورة سرع التطور التاريخي والجغرافي للتطورات الرأسمالية وتحول الإنتاج الثقافي والأيديولوجي. وبالطبع فإن القاعدة ونوع الكلام الذي توحّده العولمة في العالم هو ميزة بسبب ظهور الإنترنت والتقنيات، وهي احدى العوامل التي مكّنت العولمة من الخروج إلى العالم. لذلك، لدينا عدد متزايد من الاتصالات وإمكانيات الاتصال، مما يجعل الحدث أو الفعل قادر على التأثير ليس فقط على المكان والوقت الذي حدث فيه ذلك الحدث، بل يصل صداه الى أماكن مختلفة من العالم. فأصبح لدينا أيضًا هذا النوع من الوعي بأننا نعيش في عالم حيث يكاد يكون كل شيء وكل شخص مرتبط مع أي شخص آخر في هذا العالم.

والميزة الأخيرة للعولمة، ولو أن الباحثين لم يصلوا إلى نتيجة متفق عليها بعد، هي أنها عملية تهدف إلى إعادة تشكيل دور الدولة القومية. لأن في فترة ما قبل العولمة، كانت الدولة القومية هي اللاعب الوحيد في أي بلد. لكن مع ظهور هذه العملية، أصبحت تحركات مؤسسات الدولة أكثر تعقيدًا، وذلك بسبب أنه في بعض الأحيان تتعرض الدول القومية لأنواع أعلى من السلطات، أو المؤسسات، أو الترتيبات المؤسسية العالمية مثل منظمة الأمم المتحدة وغيرها. وبذلك، فقد اعادت العولمة إنتاج التسلسلات الهرمية بطريقة مختلفة سواء داخل الدولة القومية وخارج حدودها. وهذا بدوره سيؤدي الى “إن السياسة العالمية تدخل مرحلة جديدة تعود فيها الخصومات التقليدية بين الدول القومية، وانحدار الدولة القومية من التسويات المتضاربة بين القبلية والعولمة، وأمور أخرى.

نقاشات الباحثين حول بداية عملية العولمة

هناك أيضا نقاشات حول بداية عملية العولمة، حيث أن كثير من الباحثين يجادلون بأن العولمة ليست جديدة على الإطلاق، لأننا نستطيع رؤية تاريخ كامل للجنس البشري لعملية العولمة منذ البداية، ومن السنوات الأولى للحضارة الإنسانية، أي ضمن إطار زمني يتراوح بين 5000 و10،000 عام.

وهناك بعض العلماء، لا سيما أولئك الذين يركزون على نهج الاقتصاد السياسي، يجادلون بأن العولمة بدأت فعلياً مع الانتشار العالمي للرأسمالية خلال القرن الخامس عشر، عندما استعمر كولومبوس أمريكا الجنوبية أو أمريكا اللاتينية. وقد بدأ النوع الأول من القوى الاستعمارية على شكل البحث عن أسواق وموارد خارج الحدود الوطنية. وقد انتشرت وتطورت مع الرأسمالية والحداثة، وذلك ضمن إطار زمني مدته 500 عام.

وهناك آخرون، بدلاً من ذلك، يجادلون بأن العولمة ظاهرة حديثة جداً، وهذا أكثر النقاشات المعتبرة. فهي ظاهرة حديثة مرتبطة بعمليات مثل ما بعد التصنيع، أو ما بعد الحداثة أو إعادة هيكلة الرأسمالية، حيث أن العولمة بدأت في السبعينات، وتطورت خلال الثمانينيات والتسعينات، فهي ظاهرة حديثة جداً. وربما كان لها علاقة بالرأسمالية وربما لا، وذلك تبعاً للمنظور الذي يتحدث فيه كل عالم عن نوع من العولمة.

علاقة الإمبريالية الثقافية بالعولمة

مصطلح “الإمبريالية الثقافية” ليس له تاريخ طويل ويبدو أنه قد ظهر، جنبا إلى جنب مع العديد من الشروط الأخرى للنقد الراديكالي، في 1960م. وقد انتهى الأمر ليصبح جزءًا من العملية الفكرية العامة في النصف الثاني من القرن العشرين. ولا توجد محاولات لتعريف هذا المصطلح حتى الآن. لكن، الباحثين شاركوا في نوع من الحوار مع الإطار النظري السابق للعولمة، وكان معظم تلك المشاركات ثقافية. وقد اتفق الكثير من الباحثين الذين درسوا العولمة مع النقاش الرئيسي لنقد الإمبريالية، حيث جادل بعضهم بأن العولمة يمكن فهمها على أنها عكس الإمبريالية الثقافية.

وذلك لأن الإمبريالية الثقافية كانت في السابق تدفق ثقافي أحادي الاتجاه من الولايات المتحدة الأمريكية، وتجاهل لأهمية البلدان الأخرى. وعلى العكس، فإن العولمة هي تجانس للعالم وفقا لمجموع الأفكار والقيم المشتركة. وبالمناسبة، فإن الهيمنة الثقافية الغربية، خاصة لفترة “ما بعد الحداثة”، قد ضعفت. ولهذا فإنه من الضروري في سياق فهم العولمة أن نفهم أيضاً ما بعد الحداثة. لكن ليس كنمط، ولكن باعتباره مفهوم يسمح بوجود وتعايش مجموعة من السمات المختلفة جداً، من السمات الثانوية. وهذه هي علاقة الإمبريالية الثقافية بالعولمة.

الخاتمة:

تحدثت، بشكل مختصر، عن أبرز ميزات العولمة التي يصبح من خلالها العالم مكانًا موحداً، يتزايد فيه انتشار للسلع، والأفكار، والناس. ويلعب فيه الإعلام دوراً في خلق أفكار، ورموز، وصور مشتركة وعالمية. وكيف أننا لم نعد محكومين بوقت أو مكان محدد، بل نعيش في عالم كل شيء وكل شخص مرتبط بالآخر. وأخيراً، كيف أن العولمة تهدف إلى إعادة تشكيل دور الدولة القومية. وطرحت أيضاً نقاشات حول بداية عملية العولمة في أنها من السنوات الأولى للحضارة الإنسانية، وربما بدأت فعليا مع الانتشار العالمي للرأسمالية، أو أنها ظاهرة حديثة جداً مرتبطة بما بعد الحداثة. وتحدثت أخيراً عن انتقاد العولمة للإمبريالية الثقافية. وكيف كانت في السابق تدفق أحادي الاتجاه للهيمنة الثقافية الغربية. لكن، في فترة ما بعد الحداثة، قد ضعفت لصالح عملية العولمة.

References:

Anderson, B. (1991). Imagined Communities: Reflections on the Origin and Spread of Nationalism, revised edition (revised ed.), London and New York: VERSO.

Appadurai, A. (1996). Modernity At Large: Cultural Dimensions of Globalization, London: University of Minnesota Press.

Appelbaum, R. P., & Robinson, W. I. (Eds.). (2005). Critical globalization studies, Psychology Press.

Berry, E. (1996). From Columbus to ConAgra: The Globalization of Agriculture and Food, Lawrence, KS: University Press of Kansas.

Curran, J. and Morley, D. (2006) Globalisation and Cultural Imperialism Reconsidered: Old Questions in New Guises. In Media and Cultural Theory (pp. 30-41). London: Routledge.

Harvey, D. (1989). The condition of postmodernity, An Enquiry into the Origins of Cultural Change. Cambridge and Oxford: Blackwell.

Huntington, S. (1993). The Clash of Civilizations? Foreign Affairs,72(3), 22-49. doi:10.2307/20045621

Jameson, F. (1991). Postmodernism, or, the cultural logic of late capitalism. Durham: Duke University Press.

Lizardo, O., & Strand, M. (2009). Postmodernism and Globalization. ProtoSociology, 26, 36-70. https://www3.nd.edu/~olizardo/papers/ps-pomo-glob.pdf

Robinson, W. (2007) Theories of Globalization. In George, R. (Ed.), The Blackwell Companion to Globalization (pp. 125–43). Malden, MA: Blackwell.

Tomlinson, J. (1991). The Discourse of the Cultural Imperialism. In Cultural Imperialism: A Critical Introduction (pp. 1–30). Baltimore, MD: Johns Hopkins University Press.

Tomlinson, J. (1999). Globalization and culture. Chicago, IL: University of Chicago Press.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى