دراسات تاريخية

فيصل بن عبدالعزيز آل سعود.. بين ولاية العهد والملكية إلى الإغتيال 1975

 هو فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (14 صفر 1324هـ / 14 أبريل 1906 – 12 ربيع الأول 1395هـ / 25 مارس 1975)، ملكُ المملكة العربية السعودية الثالث، والحاكمُ السادس عشر من أسرةِ آل سعود، والابن الثالث من أبناء الملك عبد العزيز الذكور من زوجته الأميرة طُرفة بنت عبد الله بن عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ حسن آل الشيخ حفيد إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

    برز فيصل كسياسيٍ مؤثرٍ في عهد والده الملك عبد العزيز وشقيقه الملك سعود، حيث أدخله والده في مُعترك السياسة في سن مبكرة، وبَعَثه في مهامٍ دبلوماسية لأوروبا، وكلَّفه بقيادة القوات السعودية لتهدئة الوضع في عسير عام 1922، ثم عُيِّن نائباً لوالده على الحجاز عام 1926، وكان يومئذٍ في العشرين من عمره. كما عُيِّن في عام 1927 رئيسًا لمجلس الشورى السعودي، وبعدها في 19 ديسمبر 1930 صدر أمر ملكي بإنشاء وزارة الخارجية، وعُيِّنَ وزيراً للخارجية، وظل في هذا المنصب طوال مدة حكم والده، واستمر كذلك في المنصب تحت حكم أخيه الملك سعود، حيث بقيَ وزيراً للخارجية لسنوات طويلة. وفي 9 أكتوبر من عام 1953 أصدر والده الملك عبد العزيز أمرًا بتعيينه نائبًا لرئيس مجلس الوزراء، إضافةً لاستمراره في عمله وزيرًا للخارجية. وبعد وفاة والده تسلم أخوه الملك سعود الحكم، وعيَّنه وليًا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للخارجية.

     تولى فيصل بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 27 جمادى الآخرة 1384هـ الموافق 2 نوفمبر 1964، بعد عزْل أخيه غير الشقيق الملك سعود عن الحكم بسبب أمراضه المتعددة. وبعد توليه الحكم، حقق الملك فيصل طفرة تنموية على أكثر من صعيد، ودافع عن القضية الفلسطينية، ورفض الاعتراف بإسرائيل، كما قرر مع عدة دول عربية حظر تصدير النفط للدول الداعمة لإسرائيل أثناء حرب أكتوبر. استمر حكمه حتى اغتياله في 12 ربيع الأول 1395هـ الموافق 25 مارس 1975.

مولده ونشأته

    وُلد فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود في 14 صفر 1324هـ / 14 أبريل 1906، في مدينة الرياض، وتوفيت والدته بعد خمسة شهور من ولادته. وسمّاه الملك عبد العزيز بفيصل لأنه كان معجباً بجده الإمام فيصل بن تركي (توفي سنة 1865) الذي كان شجاعاً وداهية، وصاحب عزيمة قوية، واستعاد المُلْك السعودي مرتين بعد ضياعه. تربى فيصل في بيت جديه لأمه الشيخ «عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ» و«هيا بنت عبد الرحمن آل مقبل»، حيث لقِي منهما اهتماماً كثيراً وغمروه بعطفهم وحنانهم، كما تلقّى على يديهما العلم الشرعي، فكان لذلك أثر ديني على شخصيته، وقد تعلم القراءة والكتابة وختم القرآن على يد الشيخ محمد بن مصيبيح قبل أن يبلغ العاشرة من عمره. كما أثر فيه والده عسكرياً وسياسيًا، واختاره والده ليمثله في المحافل الدولية في سن مبكرة.

    وَصف طفولته المؤرخ والمستشرق الروسي ألكسي فاسيليف في كتابه “الملك فيصل: شخصيّته وعصره وإيمانه” بقوله:  فيصل بن عبد العزيز آل سعود  «توفيت والدة الملك فيصل بعد ولادته بخمسة أو ستة أشهر، وذكر البعض أن جدته كانت قد ابتهلت إلى الله أن يهب الطفل اليتيم مستقبلاً كريماً، وترعرع الصبي في بيت جده لأمه، واغترف من جده الإيمان العميق والصوم والصلاة وحسن السلوك وضبط النفس وعدم الانسياق وراء العواطف، والتحق بالكتاب وختم القرآن الكريم وأجلسوه على ظهر الحصان في احتفالية بهذه المناسبة، وبعدها كان يحضر مجالس العلماء في بيت جده ويصغي للمناقشات الفقهية. وقد كتب منير العجلاني عنه أنه سأله عما يحب قراءته فأجاب: بعد القرآن والسنة كتب التاريخ والأدب، وكان والده عبد العزيز قد جعل له أخاً يرافقه وكان اسمه مرزوق والذي قد اندهش منه نزلاء فندق «ولدورف آستوريا» في نيويورك حين وجدوه يتناول الطعام معه على طاولة واحدة.

     بدنياً كان «فيصل» ضعيف البنية عن أترابه ولكنه كان يتميز عنهم بالدهاء والفطنة والبسالة، وكانت له علاقة خاصة مع أخيه الأكبر تركي تتسم بالإعجاب، وقد كان له فرساً معجباً بها بشدة، وكان ممن شاركوا في الفتوحات والحملات العسكرية، وعندما سمح لأخيه فيصل بركوبها أنطلق بها في جولة بمدينة الرياض حينذاك دون سرج أو ركاب على مرأى من الجميع».

     كان لفيصل بن عبد العزيز مهام سياسية وزيارات لعدة بلدان، فقد أدخله والده الملك عبد العزيز في السياسة في سن مبكرة، حيث أرسله في زياراتٍ للمملكة المتحدة وفرنسا مع نهاية الحرب العالمية الأولى وكان حينها في الثالثة عشرة من عمره. أما في العام 1924 (1342هـ) فقد كَتَب أول بيانٍ رسمي عن المملكة من الرياض ونشرته الأهرام المصرية فكان بذلك أول ناطق رسمي باسم المملكة. كما عيَّنه الملك عبد العزيز في عام 1926 نائباً عاماً لجلالة الملك في الحجاز. تَلَى ذلك في عام 1927 تعيينُه رئيساً لمجلس الشورى. في عام 1930 عُيِّن وزيراً للخارجية بالإضافة إلى كونه رئيساً لمجلس الشورى. في عام 1932، كلفة والده الملك عبد العزيز بزيارة أوروبا للمرة الثالثة، وشملت الزيارة كل من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وهولندا وألمانيا وسويسرا وبولندا والاتحاد السوفيتي وتركيا وإيران والعراق والكويت. عند إعلان توحيد الحجاز ونجد وملحقاتها في دولة واحدة باسم المملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر 1932، وقع مرسومِ ذلك الإعلان بأمر من والده الملك عبد العزيز. في عام 1935 الموافق لعام 1354هـ تولى عمارة المسجد الحرام بتكليف من الملك عبد العزيز، وكانت تلك أول عمارة للمسجد الحرام في عصر الدولة السعودية الحديثة. كما رَأَس وفد المملكة إلى «مؤتمر لندن» في عام 1939 حول القضية الفلسطينية والمعروف بمؤتمر المائدة المستديرة، وكان حينها وزيراً للخارجية، وممثلاً للمملكة، وبعد انتهاء المؤتمر زار باريس. أثناء توليه وزارة الخارجية طلب من الملك عبد العزيز قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وذلك بعد قرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، ولكن طلبه هذا لم يُجاب. في 9 أكتوبر سنة 1953 أصدر والده الملك عبد العزيز أمراً بتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء بالإضافة إلى كونه وزيراً للخارجية، وذلك بعد تعيين الأمير سعود رئيسًا لمجلس الوزراء. كما عُين رئيساً للهيئة العليا المشرفة على توسعة الحرم المكي وكان ذلك في عام 1955 (1375هـ). في عام 1962، عينه الملك سعود رئيساً لمجلس الوزراء.

المهام العسكرية

     أُسندت له العديد من المهام العسكرية حيث شارك في عدة معارك أثناء توحيد المملكة. فقد رافق والده وهو في سن الثانية عشر في معركة “ياطب” ضد ابن رشيد في حائل عام 1917. كما شارك مع أخيه سعود بغزو الشعيبة بالقرب من حائل، ثم رجعا إلى الرياض وكان ذلك عام 1919م. ولما أصدر الملك عبد العزيز أمره للأمير سعود بالعودة إلى حائل لضرب نطاق الحصار عليها كان فيصل معه، وشاهد استسلام عبد الله بن متعب آل رشيد. لم يكن دور الأمير فيصل في غزوات ياطب والشعيبة وحائل دوراً قيادياً مستقلاً، وإنما كان دور تدريب على خوض المعارك. في عام 1922 قاد أول حملة عسكرية وهو في سن السادسة عشر من عمره، لإخضاع منطقة عسير والقضاء على فتنة وعصيان حسن بن علي آل عائض. حيث عَقد له والده الملك عبد العزيز راية القيادة على رأس جيش من ستة آلاف مقاتل، ثم انضم إليهم لاحقاً أربعة آلاف من قبائل قحطان وزهران. وبعد الانتصار على ابن عائض، أنشأ فيصل في أبها جهازاً للإدارة جعل على رأسه سعد بن عفيصان وأبقى لديه حامية من الجنود، ثم عاد إلى الرياض بعد أن أقام النظام هناك. وكان وصول فيصل إلى الرياض في 8 يناير 1923، وخرج أهل الرياض وعلى رأسهم والده وجده الإمام عبدالرحمن بن فيصل لاستقباله. كما شارك مع والده الملك عبد العزيز في حصار جدة عام 1925، حيث استطاع الملك عبد العزيز تحقيق النصر والسيطرة على الحجاز. في عام 1934، تولى قيادة الجيش في تهامة أثناء الحرب السعودية اليمنية، وانطلق الأمير فيصل بقواته من مكة في أبريل 1934 ووصل إلى جيزان فدخلها، ثم زحف إلى عمق الأراضي اليمنية حتى وصل إلى مشارف بلدة ميدي الحصينة، وهي أول مدينة يمنية على الحدود، واحتلها. ثم تقدم إلى الحديدة واحتلها في مايو 1934، وكانت هذه المدن تحت حكم الإمارة الإدريسية. وشرع يواصل الزحف إلى صنعاء ليحاصرها، ثم يُفاوض على حصارها. وبالفعل جاءته وفود من صنعاء تفاوض، لكن برقية عاجلة جاءت من الملك عبد العزيز يأمره فيها بالعودة. وكان الأمير الشاب بفعل حماسه قد تردد في تنفيذ أمر والده، فأعاد الملك عبد العزيز التأكيد عليه بالانسحاب وعنَّفه لعدم امتثاله الفوري لأمرِه، فانسحب فيصل. وكان ذلك درساً عملياً من الملك عبد العزيز.

زيارته إلى بريطانيا وأوروبا

    في يوليو من عام 1919، تلقى الملك عبد العزيز، دعوة من ملك بريطانيا جورج الخامس ليزور لندن مع آخرين من ملوك ورؤساء دعتهم بريطانيا للاحتفال معها بمرور أول عام على انتصارها بالحرب العالمية الأولى، لكن الملك عبد العزيز وَجَد أن الرحلة ستطول، حيث كانت تشمل فرنسا وبلجيكا، وكذلك مسيرة إكمال توحيد البلاد السعودية وبناء كيانها السياسي يحتاج إلى حضوره اليومي، ولم يكن ممكنًا ترك نجد لعدة أشهر في هذه الظروف، وكذلك لا يمكنه الاستغناء عن ابنه سعود في وقت ما زالت فيه الأحوال السياسية والعسكرية في نجد غير مستقرة، فأوفد فيصل نيابة عنه. وكان حينها صبيا في الثالثة عشرة من عمره.

     غادر فيصل بن عبد العزيز ميناء المملكة الأول على ساحل الخليج العربي وهو “العقير” فوصل إلى البحرين، وفي مينائها كانت تنتظره بارجة اسمها “لورانس” وهي للبحرية الملكية البريطانية، وبرفقته كان الأمير أحمد بن عبد الله بن ثنيان آل سعود، المستشار السياسي للملك، والذي وُصف بأنه أول وزير خارجيةٍ لإمارة نجد ذلك الوقت. كما تضمَّن الوفد عبد الله القصيبي، من تجار الأحساء، إضافة إلى حرسٍ ومرافقين. وكان معه أيضاً مرافق شرف بريطاني، هو الرائد همفري لومان الذي انتدبوه ليكون على البارجة، فغادروا إلى الهند، وأمضى فيصل والوفد أياما عدة بفندق “تاج محل” في بومباي، ثم عبروا قناة السويس إلى بريطانيا، فوصلها في 13 أكتوبر 1919 مرتدياً ملابسه العربية وبجنبه سيف وفي خصره خنجر.

    عندما وصل إلى بريطانيا استقبله الملك جورج الخامس في قصر بكنغهام، فبدأ بدخوله بثيابه العربية وعلى خصْره سيفه المُذهَّب، وتسلم منه رسالة من الملك عبد العزيز، مرفقة بهدية من سيفين مذهبين ومطعّمين بحبيبات اللؤلؤ. وتُرجمت في لندن رسالة الملك السعودي إلى نظيره البريطاني، وفي بعضها يقول: «أوفدنا ابننا فيصل بن عبد العزيز، وصحبته حاشية من أهل بيتنا، بيت آل سعود، وعلى وجه التحديد أحمد بن ثنيان، مندوبنا الخاص والمؤتمن ورفاقه، آملين أن تتوج زيارتهم بالنجاح في كل ما يتعلق بترسيخ العلاقات الوطيدة وتقوية أواصر الصداقة التي تربط ما بين إمبراطورية جلالتكم ودولة نجد.» وأسفلها الختم مع تاريخ الأول من أغسطس سنة 1919 الموافق 3 ذي القعدة 1337ه.

    وردَّ جورج الخامس برسالة سلمها للوفد الذي استقبله، وكان من فيصل بن عبد العزيز وأحمد بن ثنيان وعبد الله القصيبي وحاشية من ثلاثة أفراد، وقال في بعضها: «يطيب لي أن أشكر عظمتكم على رسالتكم الودية، لقد سرني كثيراً أن ألتقي بابنكم الشيخ فيصل بن عبد العزيز ومندوبكم الشيخ أحمد بن ثنيان وأن أسمع منهم أنكم بخير. إنني أطمح إلى تقوية أواصر الصداقة التي تربط بين إمبراطوريتي ودولتكم وأتطلع إلى أن تشمل كافة الدول العربية».

    بعد مقابلته الملك جورج الخامس، انطلق فيصل في جولة لمدن ومعالم أخرى في بريطانيا وأيرلندا، من جامعة كامبريدج إلى مناجم الفحم في جنوب ويلز، ثم إلى بعض المصانع في مدينة برمنغهام. ثم زار فيصل كذلك فرنسا وبلجيكا وتجول في البلدين لمدة أربعة أشهر، وعاد بعدها إلى الرياض، وكانت هذه الزيارة هي الأولى له بالخارج، وأول زيارة تعتبر “رسمية” يقوم بها فرد من الأسرة السعودية المالكة إلى أوروبا.

زيارته إلى الاتحاد السوفيتي

    أرسل الملك عبد العزيز ابنه فيصل في 18 مايو عام 1932 إلى الاتحاد السوفيتي بهدف توثيق العلاقات، وكان حينها رئيساً لدائرة الشؤون الخارجية (وزيراً للخارجية)، وبدأت رحلته من أمستردام إلى برلين ثم بولندا حتى وصل إلى موسكو في 29 مايو، وكانت الزيارة تشمل الاطلاع على مختلف نواحي حياة الدولة السوفيتية، وأبدى فيصل اهتماماً بحالة القوات المسلحة السوفيتية، وزار المقر المركزي للجيش الأحمر. كما زار الوفد الأكاديمية الجوية الحربية وتعرَّف الضيوف السعوديون على مختبرات الأكاديمية، ثم ذهبوا إلى المطار؛ حيث شاهدوا تحليقات استعراضية، واطَّلع فيصل بن عبد العزيز؛ على الصناعة السوفيتية التي كانت تشهد تطوراً متسارعاً للغاية حينها، وفي اليوم نفسه، زار والوفد المرافق مصنع السيارات المسمّى باسم “ستالين”. كما شملت الزيارة أيضاً مدينتَي “لينينغراد” و”أوديسا” ثم غادر الوفد السعودي أراضي الاتحاد السوفيتي، وتعتبر هذه الزيارة أول زيارةٍ رسميّةٍ لمسؤولٍ عربيٍّ. وتعد السعودية أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع موسكو، ففي جدة كانت تقوم بمهامها الوكالة السوفيتية والقنصلية العامة التي تغيّرت تسميتها في الأول من يناير عام 1930 فأصبحت مُفوضية؛ حيث لم تكن في موسكو بعثة دبلوماسية دائمة للمملكة، فقد جرت مباحثات بين موسكو والرياض في العشرينيات بشأن إيفاد بعثة مؤقتة إلى الاتحاد السوفيتي، وجرى الحديث عن إرسال وفد دبلوماسي برئاسة فيصل بن عبد العزيز آنذاك، غير أن الزيارة تأجلت في سنة 1927.

ولاية العهد

    بعد وفاة والده عبد العزيز، تسلم أخيه سعود الحكم، والذي بدوره عين فيصل ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للخارجية. في عام 1954 أرسله الملك سعود لزيارة بعض الدول نيابةً عنه. في عام 1957 وقعت الأزمة المالية السعودية، وكان الملك سعود قد سلّمه قبلها بعض مهامه؛ فأصبح مسؤولًا عن المال وخزينة الدولة، وأصبح مسؤولًا أيضاً عن السياسات الخارجية للبلاد، ولكن بعد مرور سنة من ذلك، وتحديدا في عام 1958، لم يستطع حل الأزمة بسبب ضعف عائدات البترول، وأوامر الصرف المالي الكبيرة؛ فأصبحت الدولة تستلف المال من دول الغرب وشركة أرامكو. في عام 1959، عينه الملك سعود وزيراً للداخلية إضافة إلى مهامه الأخرى، وهي رئاسة مجلس الوزراء ووزيراً للمالية. في عام 1960 ظهرت توترات شديدة بينه وبين الملك سعود، واستمرت هذه التوترات حتى نهاية حكم الملك سعود الذي قرر بأن يسحب من فيصل الوزارات التي يتولى مسؤوليتها وأن يكون نائباً لرئيس مجلس الوزراء فقط، حيث سلَّم وزارة الخارجية إلى اللواء إبراهيم بن عبد الله السويل ووزارة الداخلية إلى الأمير مساعد بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود ووزارة المالية إلى الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود.

     في عام 1962، أَعاد الملك سعود تعيينه رئيساً لمجلس الوزراء ووزيرًا للخارجية. وكان من الأعمال التي قام بها في الحكومة، التي ألفها في نفس العام، إصداره بيانه الوزاري التاريخي في 6 نوفمبر 1962، والذي اشتمل على برنامجه الإصلاحي. ورسم فيه سياسة حكومته الإصلاحية. وكان من أبرز ما جاء فيه:

-إصدار نظام أساسي للحكم مُستمَدّ من الشريعة الإسلامية وتطوير نظام الحكم ومجلس الوزراء.

-وضع نظام للمقاطعات، يوضح طريقة الحكم المحلي، بمختلف مناطق المملكة.

-وضع نظام لاستقلال القضاء، يمسك بزمامه مجلس أعلى للقضاء، وإنشاء وزارة العدل.

-تأسيس مجلس أعلى للإفتاء، يضم عشرين عضواً من الفقهاء.

-تحسين المستوى الاجتماعي للشعب السعودي، في العلاج المجاني، والتعليم المجاني، وإعفاء كثير من المواد الغذائية من الرسوم الجمركية. ووضع نظام الضمان الاجتماعي، ونظام حماية العامل من البطالة.

-وضع برنامج للانتعاش الاقتصادي، وتقوية المركز المالي للمملكة، ووضع برنامج لرفع مستوى معيشة المواطن، وإنشاء شبكة طرق تربط بين أجزاء المملكة ومدنها، وتوفير مصادر المياه للشرب والزراعة، وتأمين حماية الصناعات الوطنية الخفيفة والثقيلة. ويدخل في ذلك رصد جميع المبالغ الإضافية، التي ستتسلمها الحكومة من شركة أرامكو عن حقوقها التي تطالب بها الشركات عن السنوات الماضية، وتسخيرها لخدمة المشروعات الإنمائية.

-الاستمرار في تطوير تعليم البنات وكذلك النهوض بالمرأة.

وكان من أبرز إنجازاته كذلك، هو تحرير الأرقاء، وإلغاء الرق، نهائياً في السعودية.

توليه الحكم لفيصل بن عبد العزيز في عام 1971.

    عانى الملك سعود في سنوات حكمه الأخيرة من أمراض متعددة منها آلام بالمفاصل وارتفاع ضغط الدم وكان ذلك يستدعيه الذهاب إلى الخارج للعلاج، وبسبب الأمراض واشتدادها عليه فإن ذلك جعله لا يقوى على القيام بأعمال الحكم، واتسعت الخلافات بينهما أكثر بتلك الفترة، وبسبب ذلك دعا الأمير محمد، وهو من أكبر أبناء الملك عبد العزيز، إلى اجتماع للعلماء والأمراء عقد في 29 مارس 1964، أصدر فيه العلماء فتوى تنص على أن يبقى الملك سعود ملكًا على أن يقوم الأمير فيصل بتصريف جميع أمور المملكة الداخلية والخارجية بوجود الملك في البلاد أو غيابه عنها، وبعد صدور الفتوى أصدر أبناء الملك عبد العزيز وكبار أمراء آل سعود قرارًا موقعًا يؤيدون فيه فتوى العلماء وطالبوه فيه بكونه وليًا للعهد ورئيسًا للوزراء إلى الإسراع بتنفيذ الفتوى، وفي اليوم التالي اجتمع مجلس الوزراء برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير خالد بن عبد العزيز واتخذوا قرارًا بنقل سلطاته الملكية إليه وذلك استنادًا إلى الفتوى وقرار الأمراء، وبذلك أصبح نائبًا عن الملك في حاله غيابه أو حضوره، وبعد صدور هذا القرار توسع الخلاف بينه وبين أخيه الملك سعود، الذي إزداد عليه المرض، ولكل تلك الأسباب إتفق أهل الحل والعقد من أبناء الأسرة المالكة إن الحل الوحيد لهذه المسائل هو خلع الملك سعود من الحكم وتنصيب فيصل ملكًا، وأرسلوا قرارهم إلى علماء الدين لأخذ وجهه نظرهم من الناحية الشرعية، فاجتمع العلماء لبحث هذا الأمر، وقرروا تشكيل وفد لمقابله الملك سعود لإقناعه بالتنازل عن الحكم، وكان الوفد مكون من ثلاثة من كبار العلماء هم: الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، والشيخ عمر بن حسن آل الشيخ. وأبلغوه إن قرارهم قد اتخذ وإنهم سيوقعون على قرار خلعه من الحكم وإن من الأصلح له أن يتنازل، إلا أنه رفض ذلك.

    في 1 نوفمبر 1964 اجتمع علماء الدين والقضاة، وأعلن مفتى المملكة محمد بن إبراهيم آل الشيخ بأن الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود خُلِعَ من الحكم، وإنه سيتم مبايعة الأمير فيصل ملكًا، وفي يوم 2 نوفمبر 1964 بويع ملكًا.

اهتمامه بالأماكن المقدسة

   كُلّف محمد بن لادن بتوسعة المسجد الحرام في مكة المكرمة لتكون أول توسعة يشهدها منذ ألف عام. وبُدئ بهذا المشروع العملاق في عام 1955، واستُمر في تنفيذه خلال عهد فيصل الذي خلف الملك سعود وانتهى في عهد الملك خالد الذي استغرق عشرين عاماً من العمل. وفي عام 1387هـ، عُقد مؤتمر في مكة المكرمة ضم عددًا كبيرًا من المهندسين المعمارين المسلمين لطرح البدائل الممكنة لتطوير التصاميم، وقد أوصى المؤتمر بإزالة جزءٍ كبيرٍ من المبنى العثماني، ولكن فيصل عارض ذلك ورأى الإبقاء والاحتفاظ بالبناء العثماني القديم، وأن يتم عمل تصاميم العمارة الجديدة بأفضل أساليب الدمج التي تحقق أعلى مستوى من الانسجام بين القديم والجديد، وكان ما أراد. وفي الخامس من صفر عام 1389هـ بدأت مرحلة أخرى نتج عنها إضافة جناحين إضافيين، وتجديد المبنى القديم للحرم، وشقت لهذه المرحلة الطرق المحيطة به، وأُنشئت الميادين وبلغت تكلفة المشروع حولي 800 مليون ريال سعودي في ذلك الوقت. كما أمر بإعادة فتح مصنع كسوة الكعبة بمكة المكرمة عام 1382هــ.

   قبة الصخرة كما ظهرت سنة 1972م، وكان فيصل قد أمر بالعمل عليها سنة 1964م بعد الاحتراق الذي حصل في نفس العام.

    في 25 من ذي الحجة 1384هـ، قرَّرت هيئة رابطة العالم الإسلامي إزالة جميع الزوائد الموجودة حول مقام إبراهيم، وإبقاء المقام في مكانه على أن يُجعل عليه صندوق بلوري سميك قوي على قدر الحاجة وبارتفاع مناسب يمنع تعثر الطائفين ويتسنى معه رؤية المقام، وافق الملك فيصل وأصدر أمره بتنفيذ ذلك، فعُمل له غطاء من البلور الممتاز، وأُحيط هذا الغطاء بحاجز حديدي، وعُملت له قاعدة من الرخام نُصبت حول المقام لا تزيد مساحتها عن 180 في 130 سنتيمتر بارتفاع 75 سنتيمتر، واكتَمَلَ ذلك في رجب 1387هـ؛ حيث جرى رفع الستار عن الغطاء البلوري في حفل إسلامي، واتسعت رقعة المطاف وتسنى للطائفين أن يؤدوا مناسك الطواف في راحة ويسر، وخفت وطأة الزحام كثيرًا.

     أما بالنسبة للمسجد النبوي، فإنه بعد الانتهاء من التوسعة السعودية الأولى التي افتُتحت في أوائل سنة 1375هـ الموافق 1955، وبسبب تكاثر أعداد الحجاج، أصدر فيصل أمرًا بتهيئة أماكن للصلاة غربي المسجد، فهُدمت المباني الموجودة في تلك الجهة وأُقيم مصلى مظلل، بلغت مساحته حوالي 35,000 متراً مربعاً. وكان العمل به سنة 1973، وبقيت إلى أن أزيلت في التوسعة السعودية الثانية. في عام 1964، كُلِّف محمد بن لادن كذلك بالعمل في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وذلك لإعادة تغطية قبة الصخرة في القدس الشريف بعد احتراقها في نفس العام.

التنمية الداخلية

التنمية الاقتصادية

    عمل فيصل بن عبد العزيز على الاستفادة من دخل النفط، وأمر بمراجعة اتفاقية مناصفة الأرباح مع شركة أرامكو التي وجدها غير عادلة فطلب تعديل الاتفاقية، كما انتقلت الحكومة إلى دور المشاركة في اتفاقيات استغلال مكامن البترول إلى عدم منح امتيازات استثمارات البترول إلا لمؤسسة وطنية. وكرَّس انتباهه للشركات الصناعية والزراعية والمالية والاقتصادية، حيث كان له الفضل في انتشال المملكة اقتصاديًّا وإداريًّا بعد إعلان إفلاس الخزينة الحكومية.

    وضع فيصل الخطط الخمسية للبلاد، ونظام المناطق الإدارية، وجلب الشركات الاستشارية الخارجية لدعم مؤسسات الدولة الخدمية، كما أهتمَ بالصناعة والزراعة وإقامة المشروعات، واستثمار الأراضي، وأطلق مشاريع للبحث عن الثروات المعدنية ومصادر مياه الشرب الآمنة. أنشأ المؤسسة العامة للبترول والمعادن بترومين، ووضع أُسس شبكة محطات التوليد لطاقة اللازمة لهذا الغرض، وأسس الصناعات البتروكيماوية، والحديد، والصلب، والأسمنت، والتعدين، ودعم ابتعاث الطلبة إلى الغرب للتدريب، تمهيدًا لدعم المشاريع الصناعية. بحلول عام 1969 بدأت المملكة في خطة التنمية الأولى. وفي 1966 التقى فيصل بن عبد العزيز الرئيس الأمريكي ليندون جونسون لتأسيس شراكة سعودية أمريكية لعمل مشروعات التنمية في المملكة. ثم التقى فيصل لاحقاً بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في واشنطن عام 1971، وبعدها بثلاثة أعوام، في عام 1973 اِتُّفِقَ على تأسيس اللجنة الاقتصادية السعودية الأمريكية المشتركة. حيث كان ريتشارد نيكسون أول رئيس أمريكي يزور المملكة في عام 1974.

التنمية الزراعية

سد أبها، اكتَمَلَ إنشاؤه في عام 1974.

    وضعت وزارة الزراعة برنامجاً شاملاً للبحث عن المياه وذلك بالاستعانة بشركات استشارية عالمية، وبدأت بتنفيذ هذا البرنامج عام 1965، كما عملت الوزارة على تحسين أساليب الزراعة وتطوير الثروة الحيوانية ومصائد الأسماك والمحافظة على الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، ووجهت المزارعين إلى تحسين إنتاجهم الزراعي من التمور، وحثت القطاع الخاص على الاستثمار في تغليف التمور وحفظها. أنشئت مشاريع عديدة منها بناء سد وادي جازان الذي أنجزته شركات أجنبية عام 1971، وأيضًا أقيم مشروع الري والصرف في الأحساء الذي كان الهدف منه حفظ مياه العيون والآبار من الهدر، وحسن الاستفادة من المياه الزائدة، وأنشئت أيضًا سدود لحجز مياه الأمطار في أبها والمجمعة وعلى وادي حنيفة قرب الرياض، كما كما أسست لمشاريع زراعية في تبوك والجوف ووادي السرحان والقصيم والأفلاج ووادي بيشة ونجران. كما أوعزت الوزارة للبنك الزراعي بتقديم قروض للمزارعين والصيادين لشراء المعدات اللازمة لهم على أن تسدد على أقساط طويلة الأجل وبدون فوائد.

تنمية النقل والمواصلات

    امتدت في عهده شبكات الطرق الحديثة التي استعانت الحكومة بشركات عالمية لتنفيذها، ورُبِطَتْ المملكة بجيرانها مثل الأردن وسوريا والعراق والكويت، كما اُهْتُمَّ بالطرق الزراعية التي تخدم القرى والمزارعين لتسويق منتجاتهم، كما جرَى التوسع في إنشاء المطارات وتحسين القائم منها، واُقْتُنِيَتْ طائرات نفاثة للخطوط السعودية، وأُنْشِئَ معهد للتدريب على الطيران المدني في جدة، كما توسعت حركة الموانئ، حيث وُسِّعَ ميناء جدة، وأقيمت موانئ جديدة في ينبع وجازان.

تنمية التعليم

    نال التعليم اهتماماً كبيراً وحظاً جيداً في عهد فيصل بن عبد العزيز، حيث أُدْخِلَتْ التعديلات على المناهج الدراسية، وزيادة البعثات الخارجية، وتوفير الأموال للأسر التي لم تتمكن من تعليم أبنائها بسبب قلة الموارد المالية لديها، وكذلك الاهتمام بتعليم الإناث والمساواة بين الذكور والإناث في حقِّ التعليم، ووُزِّعَتْ الكتب الدراسية مجانًا دون أيّة رسوم، وأمر كذلك بإنشاء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض في عام 1974. وتحويل جامعة الملك عبد العزيز في جدة من جامعة أهلية إلى جامعة حكومية، وجعلها مجانية للطلاب السعوديين وكان ذلك في عام 1967. وتحويل كلية البترول والمعادن في الظهران في عام 1975 إلى جامعة بمسمى جامعة البترول والمعادن. وكذلك تأسيس جامعة الملك فيصل في الأحساء في عام 1975، واُفْتُتِحَتْ في عهد أخيه الملك خالد في عام 1977.

     يحسب لفيصل بن عبد العزيز دعمه لتعليم المرأة في السعودية، منذ كان ولياً للعهد، حيث أُنشِئت أول مدرسة حكومية نظامية للبنات في السعودية في عام 1956 وسميت بدار الحنان، والتي أنشأها فيصل برعاية زوجته الأميرة عفت، عندما كان ولياً للعهد. حتى صدر الأمر الملكي في عهد الملك سعود بن عبد العزيز بافتتاح الرئاسة العامة لتعليم البنات عام 1960، وكان هذا العام هو البدء الفعلي لتعليم المرأة في السعودية.

التنمية الصحية

     اُسْتُقْدِمَ أطباء وأعضاء الهيئة التمريضية من بلدان العالم، وأمر بتأسيس مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض، الذي افتتح في عام 1975، وجرَى التعاون مع منظمة الصحة العالمية في إعداد برامج الحكومة الصحية. وتطورت الاعتمادات المخصصة للقطاع الصحي تطورًا ملحوظًا وكبيرًا حيث بلغت ما نسبته (3 : 4%) من حجم الميزانية وذلك للنهوض بالفئات الأساسية في القطاع الصحي ففي العام 1973 فقط، بلغت الاعتمادات المخصصة للصحة العامة والشؤون الاجتماعية 591 مليون ريال. واخذت المملكة بنظام التخطيط الاستراتيجي ضمن الخطة الخمسية للدولة 1970-1975 حيث ارتفع عدد الأطباء إلى 1020 طبيباً وارتفع عدد المساعدين الصحيين إلى 3750 مساعداً صحياً وزاد عدد الأسِرَّة في المستشفيات بنسبة 30% كما زاد عدد المستوصفات بنسبة 60% وارتفع عدد المراكز الصحية إلى 200%.

التنمية العسكرية

    عند توليه الحكم، رسم خطة لسلاح الطيران الجوي الملكي السعودي تتواءم مع روح العصر ومقتضياته، فبدأ بالتخطيط لإيجاد كلية تتسع لأعداد كبيرة من الطلبة السعوديين وبمستويات عالية من التدريب، فكان إعلان إنشاء كلية الملك فيصل الجوية عام 1387هـ والتي افتتحت بعد ثلاث سنوات وتحديدا في 1390هـ.

    في ديسمبر 1965، طلبت أسلحة وأجهزة متطورة، شملت أربعين مقاتلة لايتنينغ، منها 34 طائرة بمقعد واحد و6 طائرات بمقعدين، وبدأت عمليات التسليم في 1 يوليو 1968، عندما أقلعت طائرتان من طراز (F.Mk 53) من وارتون إلى جدة، واكتملت عمليات التسليم في سبتمبر 1969، واستلمت أخر طائرة جرَى صنعها وكانت تحمل الرقم المسلسل (53-700) في 29 يونيو 1972. واستمرت مقاتلة اللايتنينغ في الخدمة حتى يناير 1986.

     في عام 1972، أمر بطلب 39 طائرة ميراج 5 من فرنسا، ولكن عند وصولها للمملكة في عام 1974، وقبل أن تستخدمها القوات الجوية الملكية السعودية، أمر بإهدائها لمصر، لتدعيم قواتها الجوية.

المدن العسكرية

    بنيت إبان عهده أول المدن العسكرية المتطورة، وهي مدن حديثة تضم في جنباتها قواعد عسكرية وميادين تدريب ورماية ومستودعات لتخزين الذخيرة والمركبات المعدات القتالية، وتشتمل على أحياء سكانية تحوي المرافق التعليمية والصحية والترفيهية والتسويقية بالإضافة للحدائق والمسطحات الخضراء والنوادي الرياضية. فكانت الباكورة مدينة الملك فيصل العسكرية، التي أنشأت في عام 1391هـ بالقرب من مدينة خميس مشيط في المنطقة الجنوبية. وتلتها مدينة الملك عبد العزيز العسكرية، التي أنشأت في المنطقة الشمالية الغربية، وافتتحها الفيصل في عام 1393هـ.

في السياسة الخارجية

القضية الفلسطينية

    عرف عن فيصل بن عبد العزيز اهتمامه بالقضية الفلسطينية منذ أن كان يتولى مسؤولية وزارة الخارجية وكان عمره آنذاك 25 سنة، وبدأت علاقته بالقضية الفلسطينية عام 1938 عندما مثل والده في مؤتمر لندن لبحث قضية فلسطين وخطب خطابا مهمًا عارض فيه مشروع تقسيم فلسطين. وفي عام 1948 (1367هـ)، وجه خطابًا إلى الشعب السعودي، تحدث فيه عن القضية الفلسطينية، والمأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.

فيصل بن عبد العزيز مع أمين الحسيني عام 1965.

    ترأس الوفد السعودي في مؤتمر سانت جيمس الثاني (أيضًا: مؤتمر المائدة المستديرة أو مؤتمر لندن) والذي دعت له بريطانيا ووجهت الدعوة إلى ممثلي عرب فلسطين والدول العربية المجاورة والوكالة اليهودية للتشاور مع الحكومة البريطانية في لندن حول تقسيم فلسطين. المؤتمر بدأ في 7 فبراير 1939 واستمر حتى 17 مارس 1939 في قصر سانت جيمس في لندن. رفض العرب وبريطانيا خطة التقسيم باعتبارها غير عملية في ضوء تقرير لجنة وودهيد. كذلك كان المؤتمر غير قادر على حل مسألة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والتي أصبحت متزايدة مع ضم ألمانيا النازية لكامل تشيكوسلوفاكيا في نفس الشهر من عام 1939.

    شارك في الدفاع عن حقوق فلسطين عالميًا، وظهر ذلك واضحًا عندما خطب في عام 1963 على منبر الأمم المتحدة حيث ذكر إن الشيء الوحيد الذي بدد السلام في المنطقة العربية هو القضية الفلسطينية، ومنذ قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، ومن سياسته التي اتبعها حول هذه القضية عدم الاعتراف بإسرائيل، وتوحيد الجهود العربية وترك الخلافات بدلًا من فتح جبهات جانبية تستنفذ الجهود والأموال والدماء، وإنشاء هيئة تمثل الفلسطينيين، وإشراك المسلمين في الدفاع عن القضية.

    في القمة العربية الثانية التي عقدت في الإسكندرية عام 1964 نادَى فيصل خلال ترؤسه لهذه القمة بحتمية وإظهار الوجود الفلسطيني ومَدَّهُ بكل وسائل الاستمرار وقدم 5 ملايين جنيه إسترليني هَبّة منه لتكوين خمس كتائب فدائية تعمل لتحرير فلسطين. تركت محاولة حريق المسجد الأقصى عام 1969 أثرًا بالغاً في نفس فيصل بن عبد العزيز وبادَرَ بالدعوة لعقد مؤتمر قمة إسلامي وهو المؤتمر الذي أسفر عن تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي.

من أقوال فيصل بن عبد العزيز للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عندما زار المملكة: فيصل بن عبد العزيز آل سعود إن ما يحل بالشعب العربي الفلسطيني من ظلم وعدوان، لا مثيل له في التاريخ حتى في العهود المظلمة فلقد شُرِّد شعب كامل من أرضه ووطنه لإحلال شعب آخر مكانه، وقد ناشدت الدول العربية الضمير العالمي زهاء ربع قرن لإحقاق الحق ورفع الظلم عنها، ولكن لم يستجب لتوسلاتنا مما اضطرها لحمل السلاح دفاعًا عن حقها وأراضيها ومقدساتها.

ثورة 26 سبتمبر اليمنية

     قامت ثورة 26 سبتمبر اليمنية في شمال اليمن عام 1962 وحدثت خلالها حرب أهلية بين الموالين للمملكة المتوكلية وبين المواليين للجمهوريّة العربية اليمنية واستمرت الحرب ثمان سنوات (1962 – 1970). حيث بدأت الحرب عقب انقلاب المشير عبد الله السلال على الإمام محمد البدر حميد الدين وإعلانه قيام الجمهورية في اليمن. هرب الإمام محمد البدر إلى السعودية وبدأ بالثورة المضادة من هناك. حيث تلقى الإمام وأنصاره الدعم من السعودية، بينما تلقى الجمهوريين الدعم من جمال عبد الناصر. إلى أن كانت رحلة جمال عبد الناصر إلى جدة في 22 أغسطس عام 1965 على متن مركبه الحرية، وهي أول رحلة له للمملكة العربية السعودية منذ عام 1954 عندما قدم لزيارتها لاداء الحج. عند وصول جمال عبد الناصر إلى جدة، رحَّب فيصل به ترحيباً كبيراً. وفي خلال 48 ساعة توصل الاثنان إلى اتفاق كامل على انسحاب القوات المصرية من اليمن تدريجياً خلال عشرة أشهر ووقف كل المساعدات السعودية للملكيين. وتكوين مجلس يمني من 50 عضواً يمثلون جميع الفصائل اليمنية ويكون مكلفاً بتكوين حكومة انتقالية تمهيداً لاستفتاء عام لتحديد مستقبل اليمن.

    ثم عُقد مؤتمر حرض تطبيقا للبيان السعودي المصري في 23 نوفمبر 1965 بين جانبي الصراع في اليمن تحت رعاية مصر والسعودية. وكان الوفد الجمهوري برئاسة القاضي عبد الرحمن الأرياني، والوفد الملكي برئاسة أحمد محمد الشامي الذي كان وزير الخارجية للملكيين. لكن لم تصل الأطراف المتنازعة إلى نتيجة. فتجدد القتال بين الجمهوريين والملكيين.

    إلى أن جاء مؤتمر القمة العربية بالخرطوم الذي عُقد بعد الحرب، وأعلنت مصر بأنها مستعدة لسحب قواتها من اليمن. واقترح وزير الخارجية المصري محمود رياض إعادة إحياء اتفاق جدة لعام 1965. وقَبِل فيصل بن عبد العزيز الاقتراح، ووعد البدر بإرسال قواته للقتال مع مصر ضد إسرائيل. ووقع جمال عبد الناصر وفيصل بن عبد العزيز اتفاقية تنص على سحب القوات المصرية من اليمن ووقف المساعدات السعودية للملكيين وإرسال مراقبين من ثلاث دول عربية محايدة هي العراق والسودان والمغرب.

علاقته مع جمال عبد الناصر

    على الرغم من الخلافات بين فيصل بن عبد العزيز والرئيس المصري جمال عبد الناصر إلا أن العلاقات الودية عادت بين الاثنين عندما زار الرئيس جمال عبد الناصر جدة في 22 أغسطس 1965، وكان هدف الزيارة حل الخلاف بين السعودية ومصر حول القضية اليمنية، حيث وُقِّعَ في اليوم التالي اتفاق جدة لحل الأزمة اليمنية. بعد ذلك وفي حرب 1967 وعقد مؤتمر القمة العربية في الخرطوم تعهد فيصل بن عبد العزيز بتقديم معونات مالية سنوية لمصر حتى تزول آثار الحرب عنها.

      توطدت العلاقات السعودية المصرية أكثر عندما زار فيصل مصر سبع مرات، ثلاث منها في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، كانت بدايتها في 8 سبتمبر 1965، وكانت هذه أول زيارة لفيصل بن عبد العزيز لمصر بعد توليه مقاليد الحكم، والتقى الرئيس جمال عبد الناصر بالإسكندرية. كانت الزيارة الثانية في 18 ديسمبر 1969، حيث استقبله الرئيس جمال عبد الناصر وبرفقته أنور السادات، وعقب الاستقبال الرسمي، رافق الرئيس جمال عبد الناصر الملك فيصل لزيارة الأزهر الشريف، وكانت الزيارة في إطار الإعداد للقمة العربية الخامسة، وكانت الزيارة الثالثة في سبتمبر 1970، حيث زار الملك فيصل القاهرة لحضور مؤتمر القمة العربية الطارئ لبحث أحداث أيلول الأسود بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.

حرب 1967

    في يونيو من عام 1967، أَمَرَ جميع القوات السعودية للتأهب والاستنفار وتم قطع جميع الإجازات واحتشدت القوات في شمال المملكة، وبعدها جرَى إصدار الأوامر لقوة مقدارها 20 ألف جندي سعودي للتوجه للأردن للمشاركة بجانب القوات العربية. بعد انتهاء الحرب، أَمَرَ قوة سعودية بالبقاء والمرابطة داخل الأراضي الأردنية لتقديم الدعم والمساندة إذا لزم الأمر واستمرت في ذلك لمدة عشرة سنوات قبل أن تعود إلى السعودية.

حرب أكتوبر

    مع تولي أنور السادات الحكم، ازدادت العلاقات السعودية المصرية متانة، واتخذ فيصل بن عبد العزيز قراره التاريخي أثناء حرب أكتوبر بقطع إمدادات البترول عن الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل دعمًا لمصر في هذه الحرب. فسارعت الولايات المتحدة الأمريكية عقب أمر فيصل بإرسال وزير خارجيتها هنري كسنجر في زيارة عاجلة إلى الرياض في 8 نوفمبر 1973، في محاولة لإثناء السعودية عن موقفها الداعم لمصر وسوريا. لكن لم تجد مفاوضات كسنجر مسلكا بين يدي فيصل بن عبد العزيز الذي أعلن عن أن «استئناف تصدير النفط للولايات المتحدة الأمريكية مرهون بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة».

    بعد تحقق النصر لمصر في حرب أكتوبر، زار الملك فيصل مصر وطاف بموكبه في عدد من المدن المصرية في استقبال شعبي بهيج، وقد رفعت رايات ترحيبية كان من ضمنها لافتة تقول: «مرحبا ببطل معركة العبور “السادات” وبطل معركة البترول “فيصل”».

     في حرب أكتوبر لم يقتصر الدور السعودي على قطع النفط فقط، حيث أن القوات السعودية أيضاً شاركت ضمن الجبهة السورية بفوج من المدرعات وبطارية مدفعية وفوج المظلات الرابع ومدرعات لواء الملك عبد العزيز الميكانيكي، وكان عددهم ثلاثة أفواج وبطاريات مدفعية ذاتية، كما قامت بإنشاء جسر جوي لإرسال حوالي 20000 جندي إلى الجبهة السورية. كما أرسلت لواء مشاة لدعم “الجبهة الأردنية”.

     وتكريمًا لفيصل بن عبد العزيز بسبب موقفه في حرب أكتوبر، أطلقت مصر اسمه على واحد من أكبر شوارع محافظة الجيزة، وهو “شارع فيصل” والذي يمتد لمسافة طولها أكثر من 7 كيلومترات، وهو أحد أشهر الشوارع العمومية بمصر.

دوره في حظر النفط 1973

    منذ تولي فيصل بن عبد العزيز الحكم كان يعلن، عن استعداد بلاده لاستعمال النفط كسلاح في معركة العرب مع إسرائيل، فقد أذاع راديو المملكة العربية السعودية في 28 مارس 1965 تصريحًا لفيصل بن عبد العزيز جاء فيه: «إننا نعتبر قضية فلسطين قضيتنا وقضية العرب الأولى، وإن فلسطين بالنسبة لنا أغلى من البترول كسلاح في المعركة إذا دعت الضرورة لذلك، وإن الشعب الفلسطيني لا بد وأن يعود إلى وطنه حتى ولو كلفنا ذلك أرواحنا جميعا».

    عندما نشبت حرب 1967 واحتلت إسرائيل الأرض الفلسطينية كلها، وسيناء والجولان، وجزءً من لبنان، كانت هناك دعوات لقطع النفط وأخرى لاستمرار تدفقه مع استخدام جزء من عائداته لدعم الصمود العربي وتقوية الجيوش العربية لتحرير الأراضي العربية المحتلة. وقد حسم فيصل بن عبد العزيز هذا الأمر في مؤتمر قمة الخرطوم الذي عقد في أغسطس 1967 وتقرر فيه دفع مبلغ 135 مليون جنيه إسترليني سنويًا، التزمت المملكة العربية السعودية بدفع مبلغ 50 مليون جنيه إسترليني منها. وظلت سياسة فيصل بن عبد العزيز ثابتة منذ حرب 1967 حتى حرب أكتوبر 1973 تجاه مسألة الاستخدام الإيجابي للنفط في تنفيذ التزاماته بدعم دول الصمود من عائدات النفط.

    عندما نشبت حرب أكتوبر 1973 تطور موقف السعودية باتجاه استخدام النفط في المعركة بصورة أكثر تأثيرا في الدول المستهلكة للنفط، حيث بدأت المملكة بتقليص إنتاج النفط إلى 10%، بالإضافة إلى هذه الخطوة صرح وزير النفط السعودي للولايات المتحدة أن السعودية لن تزيد إنتاجها الحالي من النفط، ما لَمْ تبدَّلَ واشنطن موقفها المؤيد لإسرائيل وأشارت صحيفة واشنطن بوست التي نشرت الخبر إلى أن هذه هي أول مرة تربط فيها السعودية علنًا بين تصدير نفطها إلى الولايات المتحدة وبين سياسة واشنطن في الشرق الأوسط.

    بدأت أزمة حظر النفط بشكل فعلي في 15 أكتوبر 1973، عندما قرر أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول أوبك بالإضافة إلى مصر وسوريا، بإعلان حظر نفطي «لدفع الدول الغربية لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967». أعلنت أوبك أنها ستوقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة والبلدان التي تؤيد إسرائيل في صراعها مع سوريا ومصر، وأنها ستستخدم نفوذها على آلية ضبط أسعار النفط في أنحاء العالم من أجل رفع أسعار النفط، بعد فشل المفاوضات مع شركات النفط العظمى التي أطلق عليها “الأخوات السبع”. قررت أوبك خفض الإنتاج من النفط، وفرضت حظرًا على شحنات من النفط إلى الغرب، الولايات المتحدة وهولندا تحديدًا، حيث قامت هولندا بتزويد إسرائيل بالأسلحة وسمحت للأميركيين باستخدام المطارات الهولندية لإمداد ودعم إسرائيل. ونتيجة لذلك فإن سعر النفط ارتفع بشكل كبير على الفور، ومع وقوع النظام المالي العالمي بالفعل تحت ضغط من انهيار اتفاق بريتون وودز، أدى ذلك إلى سلسلة طويلة من الركود وارتفاع معدلات التضخم، وفي إطار التحضير لحرب أكتوبر، اجتمع فيصل بن عبد العزيز وأنور السادات في الرياض سراً، في مباحثات للتوصل إلى اتفاق بموجبه يستخدم العرب «سلاح النفط» كجزء من الصراع العسكري القادم.

   في 15 سبتمبر أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بدء التفاوض، لزيادة الأسعار ووضع حد لدعم إسرائيل، على أساس اتفاق طهران عام 1971. وفي 6 أكتوبر قامت مصر وسوريا بمهاجمة إسرائيل في حرب أكتوبر، وبدأت الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة. ثم في 16 أكتوبر، أعلنت كل من المملكة العربية السعودية وإيران والجزائر والعراق والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر عن رفع الأسعار من جانب واحد بنسبة 17 ٪ إلى 3.65 دولار للبرميل الواحد، وإعلان خفض الإنتاج. ثم في 17 أكتوبر، وافق وزراء أوبك على استخدام النفط كسلاح لمعاقبة الغرب على دعم إسرائيل في الحرب العربية الإسرائيلية، وبالتوصية بالحظر ضد الدول الموالية لإسرائيل وخفض الصادرات.

     أثر الحظر بشكل فوري على مدفوعات الشركات في أوبك، وتضاعفت أسعار النفط أربع مرات بحلول عام 1974 إلى نحو 12 دولارا للبرميل الواحد (75 دولار أمريكي/ متر مكعب). وهذه الزيادة في أسعار النفط كان لها آثار كبيرة على الدول المصدرة للنفط، بلدان الشرق الأوسط التي طالما هيمنت عليها القوى الصناعية، وأصبحت تسيطر على سلعة حيوية هامة جدًا، وشكل تدفق رأس المال لها مصدرا هاما لتكوين ثروات واسعة.

     قامت الدول الأعضاء في أوبك ضمن العالم النامي بتأميم شركات البترول في بلدانهم، وأبرزها، وسيطرت المملكة العربية السعودية على تشغيل شركة أرامكو، وحذت حذوها غيرها من الدول الأعضاء في أوبك. في الوقت نفسه، أنتج الحظر صدمة في الغرب، ففي الولايات المتحدة، أصبح سعر التجزئة للجالون من البنزين ارتفع من متوسط 38.5 سنتًا في مايو 1973 إلى 55.1 سنتًا في يونيو 1974، وفي الوقت نفسه فقدت بورصة نيويورك للأوراق المالية 97 مليار دولار في قيمة أسهمها في ستة أسابيع. وتعرضت هولندا وتسع دول أخرى لحظر كامل بسبب دعمها لإسرائيل، بينما استمر إمداد المملكة المتحدة وفرنسا تقريبا دون انقطاع، بعد أن رفضوا السماح لأمريكا باستخدام المطارات وحظر الأسلحة والإمدادات إلى كل من العرب والإسرائيليين، بينما تعرضت ستة دول أخرى لتخفيضات جزئية فقط.

التضامن الإسلامي

تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي

   تأسست منظمة المؤتمر الإسلامي في مدينة الرباط في 25 سبتمبر 1969، إذ عقد أول اجتماع بين زعماء دول العالم الإسلامي، بعد حريق الأقصى في 21 أغسطس 1969، وشاركت فيه 26 دولةً عربيةً وإسلاميةً. كانت فكرة تأسيس المنظمة تعود لمبادرة من الملك فيصل والملك الحسن الثاني ملك المغرب.

    طرح وقتها مبادئ الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين المتمثلة في القدس وقبة الصخرة، وذلك كمحاولة لإيجاد قاسم مشترك بين جميع فئات المسلمين، وبعد ستة أشهر من الاجتماع الأول، تبنى المؤتمر الإسلامي الأول لوزراء الخارجية المنعقد في مدينة جدة السعودية في عام 1970، إنشاء أمانة عامة للمنظمة، كي يضمن الاتصال بين الدول الأعضاء وتنسيق العمل. عين وقتها أمين عام واختيرت جدة مقرا مؤقتا للمنظمة، بانتظار تحرير القدس، حيث سيكون المقر الدائم. ثم عقد المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية جلسته الثالثة، في فبراير من عام 1972، وتُبُنِّيَ وقتها دستور المنظمة، الذي يفترض به تقوية التضامن والتعاون بين الدول الإسلامية في الحقول الاجتماعية والعلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

تأسيس البنك الإسلامي للتنمية

    البنك الإسلامي للتنمية، مؤسسة مالية دوليـة لدعم وتنمية التقدم الاقتصادي والاجتماعي للدول الأعضاء، أنشئ تطبيقا للبيان الصادر عن مؤتمر وزراء مالية دول منظمة المؤتمر الإسلامي (تسمى الآن منظمة التعاون الإسلامي)، الـذي عقد في مدينة جدة، في شهر ذي القعدة 1393هـ (ديسمبر 1973). رحب فيصل بفكرة البنك وقام بدعمه، وأعلن عن تأسيسه في عام 1973. وانعقـد الاجتماع الافتتاحي لمجلس المحافظين في مدينة الرياض، في شهر رجب 1395هـ (يوليو 1975). وافتتح البنك رسميا في الخامس عشر من شوال 1395هـ (العشرين من أكتوبر 1975).

العلاقات الدولية

    على مستوى الدول الأجنبية عمل فيصل على تنمية علاقات السعودية مع فرنسا خصوصًا بعد اتجاه الحكومة هناك إلى الوقوف بصف العرب ضد إسرائيل، وتوسَّعت السعودية بعلاقاتها مع فرنسا. وأعطيت شركة “أوكسيراب” وغيرها من الشركات الفرنسية مشاريع مهمة، في السعودية، وأُسِّسَ معمل سلاح في مدينة الخرج، يعمل فيه خبراء فرنسيون. كما أعيد بعهده علاقات السعودية مع بريطانيا بعد زيارته لها في يونيو من عام 1967، وكانت تلك الزيارة تتويجًا لإعادة العلاقة والتي قطعت بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وبدأت بالعودة تدريجيًا من عام 1963، وأخذت الحكومة السعودية بعد إعادة العلاقات مع بريطانيا، تستخدم بعض الفنيين والخبراء البريطانيين في المملكة، وتعاقدت مع بعض الشركات البريطانية الكبرى، وعمل عقود شراء طائرات وأسلحة. كما زار فيصل في مايو من عام 1966 الولايات المتحدة بدعوة رسمية من الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، وقد تظاهر اليهود ضد زيارته، كما أنه كان يرفض وجود أي علاقة أو تمثيل سياسي مع الدول الشيوعية وذلك لأنه لم يكن يريد السماح بظهور أي مبدأ يعارض الشريعة الإسلامية في السعودية.

الزيارات والرحلات الخارجية

زيارة فيصل لمخيم عسكري في فرنسا عام 1932.

     قام الفيصل بأكثر من 50 زيارة خارجية، وكان أبرزها رحلاته للدعوة إلى التضامن الإسلامي، ورحلته التاريخية إلى الشرق الأقصى وأمريكا وفرنسا، وزيارته لتايبيه عاصمة الصين الوطنية، وزيارته لدول المواجهة مع إسرائيل (سوريا، الأردن، ومصر)، ثم ماليزيا، وإندونيسيا، واليابان.

     شارك الملك فيصل في كثير من المؤتمرات والقمم والاجتماعات، وكان من أبرزها: مؤتمر الحكومات العربية المستقلة بالقاهرة الذي دعت إليه الحكومة المصرية لبحث قضية فلسطين وكان ذلك في 27 ذي القعدة 1357هـ الموافق 17 يناير 1939. في 18 ذي الحجة 1357هـ الموافق 7 فبراير 1939 ترأس الوفد السعودي لمؤتمر المائدة المستديرة المنعقد في لندن الخاص بالقضية الفلسطينية. كما ترأس وفد بلاده لتوقيع ميثاق إعلان قيام الأمم المتحدة وكان ذلك في مؤتمر سان فرانسيسكو المنعقد في 26 يونيو 1945.

   فيصل ضمن أعضاء الوفود المشاركة في الإجتماع التحضيري لإعداد بروتوكول الإسكندرية الذي أدى إلى إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945 – الإسكندرية في سبتمبر 1944.

فيصل يجلس على طاولته في اجتماع في الأمم المتحدة إبان توليه منصب وزير الخارجية.

    حضر الدورة الأولى للأمم المتحدة في لندن بتاريخ 7 صفر 1365هـ الموافق 10 يناير 1946، بصفته وزيراً للخارجية، ورئيس الوفد السعودي إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة. في 7 شوال 1365هـ الموافق 2 سبتمبر 1946 ترأس الوفد السعودي في مؤتمر الإسكندرية الذي دعت إليه الجامعة العربية، لمعالجة قضية فلسطين. تَلَى ذلك مؤتمر لندن الذي استمر في الفترة ما بين 15 شوال إلى 7 ذي القعدة 1365هـ الموافق 10 سبتمبر إلى 2 أكتوبر 1946، حيث ترأس وفد بلاده في ذلك المؤتمر الخاص بمناقشة القضية الفلسطينية. كما حضر الدورة الثانية للأمم المتحدة لبحث قضية فلسطين في 22 شوال 1366هـ الموافق 10 سبتمبر 1947، وعارض مشروع التقسيم بشدة. كما شارك في الاجتماعات بالهيئة الدولية بعد قرارها تقسيم فلسطين رقم (181)، الصادر في 17 محرم 1367هـ الموافق 29 نوفمبر 1947. كما ترأس وفد بلاده إلى اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك في 19 محرم 1367هـ الموافق 29 نوفمبر 1947، وكان ذلك بعد إقرار تقسيم فلسطين وأعلن شجبه للقرار. بالإضافة إلى تواجده في الدورة الخاصة للأمم المتحدة في ليك ساكسيس حول القضية الفلسطينية وكان ذلك بتاريخ 13 رجب 1367هـ الموافق 21 مايو 1948. في 20 شوال 1367هـ الموافق 25 سبتمبر 1948 ترأس المجموعة العربية في دورة الأمم المتحدة التي عقدت في باريس لبحث قضية فلسطين. أما في 26 ربيع الآخر 1370هـ الموافق 2 فبراير 1951 فقد وقع باسم بلاده معاهدة الدفاع العربي المشترك التي عقدت بين دول الجامعة العربية. كما ترأس الوفد السعودي في مؤتمر لندن الذي عقد في 6 ذي القعدة 1370هـ الموافق 8 أغسطس 1951، وذلك لبحث مسألة الحدود البحرية بين المملكة وكل من البحرين والكويت، ولبحث مسألة البريمي مع بريطانيا. ترأس أيضاً الوفد السعودي للاجتماع الطارئ لرؤساء الحكومات العربية بالقاهرة 28 جمادى الأولى 1374هـ الموافق 22 يناير 1955، الذي دعت إليه الجامعة العربية لبحث موضوع حلف بغداد. كما حضر اجتماعات مجلس الجامعة العربية بالقاهرة 7 شعبان 1374هـ الموافق 31 مارس 1955، وذلك لبحث عرض قضية فلسطين على مؤتمر باندونغ بإندونيسيا، وقام لاحقاً بترؤس الوفد السعودي إلى مؤتمر باندونغ (الأفروآسيوي) الذي عُقد في باندونغ بإندونيسيا وكان ذلك في 25 شعبان 1374هـ الموافق 18 أبريل 1955.

الملك فيصل على هضبة الجولان السورية، خلال زيارة إلى سوريا عام 1975.

    شارك في مؤتمر الملوك والرؤساء العرب، المنعقد في بيروت، للتباحث في شأن العدوان الثلاثي على مصر، وكان ذلك في 10 ربيع الآخر 1376هـ الموافق 13 نوفمبر 1956. كما شارك في مؤتمر وزراء الخارجية العرب في 29 رمضان 1378هـ الموفق 7 أبريل 1959، المنعقد في بيروت لبحث موقف الحكومة العراقية المعادي للجمهورية العربية المتحدة. في 28 صفر 1379هـ الموافق 1 سبتمبر 1959 حضر مؤتمر وزراء الخارجية العرب في الدار البيضاء الذي خصص للبحث في قضيتي الجزائر وفلسطين. أما في 16 ربيع الآخر 1382هـ الموافق 15 سبتمبر 1962 حضر اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، وشارك في اجتماع وزار الخارجية العرب الذي عقد هناك. ترأس الوفد السعودي في الدورة العادية للأمم المتحدة، وذلك في شهر ربيع الآخر 1383هـ الموافق لشهر سبتمبر 1963. في 28 شعبان 1383هـ الموافق 13 يناير 1964 حضر مع أخيه الملك سعود، مؤتمر القمة العربي الأول في القاهرة المنعقد في الفترة ما بين (13 – 17 يناير 1964). وقد خصصت قمة القاهرة لبحث تحويل إسرائيل لمجرى نهر الأردن. شارك في مؤتمر القمة العربي الثاني المنعقد في الإسكندرية في (5 – 11 سبتمبر 1964)، حيث رأس الوفد السعودي بصفته نائباً للملك، وقد ترأس جلسات المؤتمر وأدارها. كما شارك في مؤتمر الدول غير المنحازة، نيابة عن أخيه الملك سعود، المؤتمر الذي عقد في القاهرة، وذلك في 29 جمادى الأولى 1384هـ الموافق 6 أكتوبر 1964. ترأس وفد بلاده إلى مؤتمر القمة العربي الثالث في الدار البيضاء، وذلك في الفترة ما بين (13 – 17 سبتمبر 1965) كما ترأس الوفد السعودي إلى مؤتمر القمة العربي الرابع في الخرطوم، وذلك في الفترة ما بين (29 أغسطس – 2 سبتمبر 1967). تلى ذلك مؤتمر القمة الرابع لدول عدم الانحياز، حيث ترأس وفد بلاده في 8 شعبان 1393هـ الموافق 5 سبتمبر 1973 نجح في عقد قمة مصغرة بالقاهرة، بين كل من الرئيس المصري أنور السادات، والرئيس السوري حافظ الأسد، والملك حسين ملك الأردن لإزالة الخلافات القائمة استعداداً للمعركة، وذلك في 12 شعبان 1393هـ الموافق 10 سبتمبر 1973. ترأس وفد بلاده إلى مؤتمر القمة العربي السادس في الجزائر، وذلك في الفترة ما بين (26 – 28 نوفمبر 1973). تلاها ترؤسه وفد بلاده إلى مؤتمر القمة العربي السابع في الرباط، وذلك في الفترة ما بين (26 – 29 أكتوبر 1974).

صفاته وهواياته

    عرف عنه تواضعه الشديد ولطافته ولباقته مع الجميع من دون استثناء، وكان زاهداً خلال حكمه فابتعد عن مظاهر البذخ والفخامة. عرف عنه احترامه للمواعيد وتقديره للوقت، يخصص أغلب ساعاته للعمل، ويجعل وقتاً آخر لأسرته، هوايته المفضلة كانت الصيد بالصقور والقنص التي كان يرى أنها تعيده إلى الجذور. كان يمضي قبل توليه الحكم أوقات فراغه في المقناص، إلا أنه لاحقاً بعد توليه الحكم وانشغاله بشؤون الدولة لم يعد الملك فيصل يجد الوقت لممارسة هذه الهواية. كما اتسم بحبه الكبير للقراءة وتحديدًا قراءة كتب التاريخ، وكذلك اللغة العربية والأدب. كما أنه كان يقرض الشعر الشعبي في شبابه، وقد رجّح عدد من المؤرخين استمراره بالقيام بذلك خلال مراحل حياته اللاحقة ولكنهم لا يملكون ما يثبت ذلك إذ أنه لم يكن ينشر ما يكتبه، فكل ما يعتمدون عليه هو الروايات المتداولة حول قيام الملك بإسماع شعره للأصدقاء المقربين إليه. إضافةً إلى أنه كان يحب العرضة النجدية.

اغتيال فيصل آل سعود

فيصل بن عبد العزيز في آخر سنوات حكمه.

     في صباح يوم الثلاثاء 25 مارس 1975، كان فيصل بن عبد العزيز يستقبل زواره بمقر رئاسة الوزراء بالرياض، وكان في غرفة الانتظار وزير النفط الكويتي عبد المطلب الكاظمي، ومعه وزير البترول السعودي أحمد زكي يماني. ووصل في هذه الأثناء الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز، ابن أخ الملك فيصل، طالباً الدخول للسلام على عمه. وعندما هم الوزيران بالدخول على فيصل، دخل معهما ابن أخيه فيصل بن مساعد بن عبد العزيز. وعندما هم فيصل بن عبد العزيز بالوقوف له لاستقباله، كعادته مع الداخلين عليه للسلام، أخرج فيصل بن مساعد مسدساً كان يخفيه في ثيابه، وأطلق منه ثلاث طَلَقَات، أصابت فيصل بن عبد العزيز في مقتل في رأسه. ونقل على وجه السرعة إلى المستشفى المركزي بالرياض، ولكنه توفي من ساعته، عن عمر ناهز 69 عاما.

     لم يتأكد حتى الآن الدافع الحقيقي وراء حادثة الاغتيال، لكن هنالك من يزعم بأن ذلك تم بتحريض من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بسبب سياسة حظر تصدير البترول التي انتهجها في بداية السبعينات من القرن العشرين بعد حرب أكتوبر، وهناك من يزعم أيضًا أن القتل كان بدافع الانتقام لأخيه الأمير خالد بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود الذي قتل في منزله على يد قوات الأمن السعودية في فترة تولي فيصل بن عبد العزيز للحكم.

     بينما ذكر الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، في تصريح له في برنامج تلفزيوني “إنه كُلف من قبل الملك خالد بن عبد العزيز، بالمشاركة في تحقيق مقتل والده فيصل بن عبد العزيز، وأجرى اتصالات بكافة المصادر المتاحة داخلياً وخارجياً في ذلك الوقت”. وأضاف رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق؛ “أن الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية، وعمر شمس، مدير المخابرات في ذلك الوقت، شاركا في التحقيق، وجرى الاتصال بالأجهزة الأجنبية، التي كان لها علاقة بالسعودية، وبعد البحث والتحقيق لمدة شهرين من التحريات داخلياً وخارجياً، تم التوصل إلى أن اغتيال فيصل بن عبد العزيز كان عملاً فردياً، وليس لأي جهة أجنبية صلة بهذا الاغتيال”.

    أما القاتل فقد قبض عليه، وأودع السجن. وبعد التحقيق معه نفذ فيه حكم القصاص قتلاً بالسيف في مدينة الرياض، بعد اثنين وثمانين يوماً، يوم الأربعاء 18 يونيو 1975.

الأمير تركي الفيصل.. شهادة لتفاصيل اغتيال والده

    متأثراً خلال سرد تفاصيل اغتيال والده بعد 45 عاماً مضت على اغتيال الملك فيصل بن عبدالعزيز، غير أن ذكراه عصية على النسيان، وليس أدل على ذلك من تداول أجزاء من خطاباته التاريخية بين حين وآخر، واستعادة مواقفه المشرفة، لا سيما من القضية الفلسطينية وغيرها من قضايا الحقوق العربية. وفي الحلقتين الخامسة والسادسة من سلسلة مقابلات الأمير تركي الفيصل في برنامج «الصندوق الأسود» الذي يقدمه الإعلامي النجم عمار تقي ويبث على مختلف منصات القبس، روى الفيصل تفاصيل اغتيال والده واضعاً القراء والمشاهدين في  قلب المشهد وكأنهم يعيشون تلك اللحظات المؤلمة.

     يقول الأمير تركي الفيصل «كان والدي، رحمه الله، يأخذ قيلولة بعد الغداء، لمدة نصف ساعة ثم يتجه إلى العمل، وكان في مصيف بالطائف عندما ذهبت إليه، وكانت نيتي أن أخبره بأنني أريد منه الإرشاد لمجال العمل الذي يمكنني الالتحاق به بعد سنوات الدراسة التي قضيتها.. وقلت له: «طال عمرك أنا أبحث عن وظيفة»، وقبل أن أكمل جملتي نظر إلي باستغراب وقال لي إنه لم يوظف إخوتي حتى يوظفني وطالبني بالبحث عن عمل بنفسي، ولم أتمكن من التفسير له، رحمه الله، بأنني لم أقصد ذلك، وذكر لي مثلاً عربياً وهو «طالب الولاية لا يولى»، ثم توظفت في الديوان الملكي، وبعدها بأسبوعين أو ثلاثة نشبت حرب عام 1973 وكنت أعمل في مكتب الاتصالات الخارجية الذي كان دوره ينقسم إلى شقين: الأول هو التعامل مع الوضع في اليمن، والشق الثاني التنسيق مع كل أجهزة الاستخبارات العربية والأجنبية».

    إطالة أمد حرب 1973 ويضيف الفيصل «لم أكن مطلعاً على ما قبل حرب عام 1973، لكن استنتاجي بأن الرئيس أنور السادات والملك فيصل، كان بينهما نوع من التفاهم، ومما بلغني أن والدي طلب من السادات في حال نشوب حرب، عدم إنهائها بسرعة، حتى يتسنى للمملكة شحذ همم الأصدقاء والدول الأخرى للحرب، وهو أمر سيأخذ وقتا، وعدم إنهائها كما حدث في حرب الأيام الستة عام 1967، ولم أكن على اطلاع بتوقيت وكيفية حدوث الحرب». وعن الأجواء التي أعقبت حرب عام 1973 يقول الفيصل «الأمر الذي تغير بعد الحرب هو أن وضع القضية الفلسطينية تحرك، خصوصاً بعد وقف ضخ البترول عن الولايات المتحدة وبعض الدول التي تبعتها مثل هولاندا والبرتغال، وأصبحت دول العالم في مختلف القارات مهتمة بما تريده المملكة بصفة خاصة والعالم العربي بصفة عامة، ودول مثل بريطانيا وفرنسا وبعض دول أوروبا، ذهبت أبعد ما يكون لتطلب ود المملكة العربية السعودية، وكان وقتها رئيس وزراء بريطانيا إدوارد هيث، وزار المملكة، وقال وفق ما علمت إن المملكة المتحدة ستسعى بسبب تبعات الحرب إلى إطلاق برنامج سلام في المنطقة، وإن لندن تتمنى عدم وقف البترول عن المملكة المتحدة، والشيء ذاته كان مع فرنسا التي ترأسها في ذلك الوقت جورج بومبيدو الذي خلف ديغول، واليابان أيضاً بدأت الاهتمام بأوضاع المنطقة وتمنت عدم وقف ضخ البترول لها، وبعض المواقف التي كانت غريبة، مثل إعلان العراق أنه سيعمل على تأميم مصادر النفط ولكنه لم يقل إن كان سيوقف ضخه أم لا، وليبيا أيضاً أعنلت التأميم لكن معمر القذافي لم يعلن الالتزام بحظر النفط».

    إطلاق نار في القصر وعن يوم اغتيال والده الملك فيصل، يقول الأمير تركي «كان عملي في مكتب الاتصالات الخارجية ومركزه في جدة، وفي ذلك اليوم كنت قد خططت أن أذهب إلى جدة الساعة السابعة صباحاً، ثم قررت تأجيل السفر وأبلغتهم أن يحجزوا لي طائرة في موعد لاحق، طُرق الباب علي نحو الساعة العاشرة والنصف صباحاً، وكنت أسكن في قصر الملك فيصل يرحمه الله، ودخل عليّ الطارق وأبلغني بأن الحرس عند بوابة القصر وهناك حالة ربكة، ارتديت ملابسي وذهبت إلى البوابة، وفعلاً وجدت الحرس وقد اتخذوا إجراءات مختلفة، أقفلوا البوابة ووضعوا سيارة تمنع الدخول وكانوا يحملون أسلحتهم، فسألت الضابط المناوب ما الخبر؟ قال إنه لا يعلم، لكن بلغهم تكليف بالاستعداد، ثم وصلت سيارة تقل الأميرين بندر بن خالد بن عبدالعزيز وعبدالله بن خالد بن عبدالعزيز، فتساءلنا جميعاً ما الذي حصل، لم يكونا على علم ما الذي جرى، لكن قالا إنهما سمعا أنه حدث إطلاق نار، وقررنا أن نذهب إلى مستشفى الشميسي الذي كان المستشفى الرئيسي في الرياض في ذلك الحين». وفاة الملك ويتابع الأمير تركي «في الطريق شاهدنا تجمعات للمواطنين بدأت تتجه إلى المستشفى، وكان هناك طابور سيارات أمام مدخل المستشفى، وحتى لحظة دخولي المستشفى لم أكن أعلم ما الذي حصل، كل ما أعلمه أن هناك إطلاق نار، داخل المستشفى رأيت وجوداً كثيفاً للجنود بأسلحتهم كانوا مصطفين على جدار المدخل والسلالم، لا شعورياً ركضت وصعدت السلالم، وكانت هناك بوابة زجاجية، دخلت منها فإذا بالملك فهد أمامي، قال لي: هود هود تعال معي، لأنه رآني وقد صرخت وأنا أقول ما الذي حدث، أخذني من يدي ورأيت كنبة كان يجلس عليها الملك خالد والأمير مساعد بن عبدالرحمن والأمير سلطان بن عبدالعزيز يرحمهم الله، دخلنا إلى غرفة عمليات في المستشفى، وكان الملك فيصل على طاولة العمليات محاطاً بالأطباء، فرآني طبيبه الخاص وأقبل علي وقال لي إن الملك توفي، فأقبلت على والدي وقبلت جبهته وخرجت مع الملك فهد، ومررت بجانب الملك خالد وقلت له أبايعك على كتاب الله وسنة الرسول، وقلت له يجب أن أذهب وأبلغ والدتي».

     يضيف الفيصل «أخذت سيارة من الحرس الملكي وذهبت إلى القصر، وجدت والدتي جالسة على السرير تقرأ، بمجرد أن رأتني سألتني هل حدث لأبيك شيء؟ قلت لها أُصيب بإطلاق نار. قالت: مات؟ فهززت رأسي. قالت: اعطني ردائي. أعطيتها الرداء وغطاء الرأس ونزلنا معاً وركبنا في سيارة الحرس ورجعنا إلى المستشفى وصعدت إلى مكان وجوده، ومكثت والدتي عدة دقائق ثم عادت ونزلت وأخذتها بيدها وعدنا إلى القصر». سعود الفيصل يوضح الأمير تركي أنه لم يقل شيئاً ولم يتحدث «كل ما فعلته أنني قبّلت جبهته وخرجت من الغرفة، ولم يكن أحد من إخواني في الرياض غير المرحوم الأمير سعود الفيصل، وكان يعمل في وزارة البترول، وكان هناك مندوب من الكويت هو وزير النفط عبدالمطلب الكاظمي، كان حاضراً في الديوان وكان الملك يستقبله عندما أطلقت النار عليه».

     تنفيذ الحكم الشرعي ويشرح الفيصل «التحقيق استمر أكثر من شهر وحاولنا أن نعرف ليس فقط الدوافع، ولكن ما إذا كان هناك آخرون مشتركون في الجريمة، لم نجد أي دليل، طرقنا كل الأبواب، وتحريّنا عن كل الخيوط التي كان يمكن أن توصلنا إلى أي استنتاج آخر غير ما توصلنا إليه، ورفعنا التقرير للملك خالد، الله يرحمه، وبعدها صدر البيان، وتم تنفيذ الحكم الشرعي في القاتل». عبدالمطلب الكاظمي وعما إذا كان تم التحقيق مع الوزير الكويتي عبدالمطلب الكاظمي بما أنه كان موجوداً وقت إطلاق النار، يجيب الفيصل «أنا لم أحضر، لم أكلف بالمشاركة في التحقيق إلا بعد يومين من الوفاة». حرب ظفار يقول الفيصل إن «حرب ظفار بدأت قبل تولي السلطان قابوس بن سعيد حكم سلطنة عُمان، ولم يكن من تبادل سياسي بين المملكة والسلطنة، قبل مجيء السلطان قابوس، ومن أولى الأشياء التي قام بها السلطان هو الاتصال مع الملك لإنشاء علاقات دبلوماسية بين البلدين، وكانت المملكة لها موقف في تأييد السلطان غالب الثائر على والد السلطان قابوس، وأنهي الخلاف بين الرياض ومسقط، واُستقبل السلطان قابوس في المملكة التي قدمت للسلطنة مساعدات اقتصادية، وتم إنشاء علاقة استخبارية بين البلدين».

«جبهة تحرير الخليج»

     يتحدث الفيصل عن «جبهة تحرير الخليج والجزيرة العربية»، قائلاً: «كان العداء للمملكة العربية السعودية ودول الخليج بصفة عامة مركّزاً لدى التنظيمات اليسارية في المنطقة، قومية أو اشتراكية أو شيوعية، وهذه الفئات جميعها تشكل هاجساً مهماً للأجهزة الاستخباراتة والأمنية في مختلف دول المنطقة، والمملكة كانت تتعاطى مع الملف من هذا المنطلق بأن هنالك عداء معلناً من قبل هذه الجهات ضد المملكة، ورصدنا تحركات معادية، وكان يتم التعاطي مع ذلك والمتابعة مع السلطات الكويتية، وتبادل المعلومات كان متواصلاً». احتلال منابع الطاقة.. ورسالة تهديد من مندوب «السي آي إيه» في جدة يتحدث الفيصل عن ردود الفعل على قطع النفط عن الولايات المتحدة قائلاً: «كانت هنالك محاولة تهديد جدية من قبل الولايات المتحدة للمملكة، وسبق ذلك أنه أثناء حظر النفط بدأت تخرج مقالات في الصحافة الأميركية عن إمكانية احتلال منابع النفط في الجزيرة العربية، وخاصة في المملكة العربية السعودية، ومن بين تلك الأصوات معلق أميركي – يهودي مناصر لإسرائيل، يدعى ادوارد لوتواك، ونشر مقالاً جاء فيه أن الولايات المتحدة تفكر في احتلال منابع النفط في السعودية، وأرفقه بخرائط وتصورات، واعتبرت إشارة أو تنبيهاً بأن هنالك تفكيراً بمثل هذا الأمر، وبعدها تلقينا رسالة من وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت هنري كيسنجر للملك فيصل عن طريق السي آي إيه، وليس عن طريق وزارة الخارجية، وكانت على ورق أبيض ولا تحمل توقيعاً، وألقيت من قبل مندوب سي آي إيه في جدة، وقمت بنقلها للملك فيصل رحمه الله، ونظر إلي وقال خيراً إن شاء الله، وفي اليوم التالي كان لدى الملك فيصل برنامج عبارة عن غداء عام يستقبل خلاله جميع من يرغبون بالحضور، وصادف أن أحد الأقرباء حضره وكان قادماً من الرياض، وفي مساء ذلك اليوم اجتمعت به، والتفت إلي وقال إنه تناول طعام الغداء مع والدي، وأنه لم يشاهده منذ سنوات مبتهجاً بهذه الطريقة، وخطر لي بأن الملك أراد إظهار عدم ريبة أو خشية مما ورده من رسالة كيسنجر من تهديد، لأنه كان واثقاً، كما أخبرني ذلك القريب، بأن الأخبار ستصل إلى السفير الأميركي، وهي رسالة غير مباشرة بأنه لا يخشى شيئاً من التهديد الأميركي».

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى