دراسات أسيويةنظرية العلاقات الدولية

نظرية الصعود السلمي الصيني – China’s peaceful rise theory

شكل عام 1978 نقطة البداية في مسيرة الصين نحو النمو والتغيير، إذ بعد وفاة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ – Mao Zedong عام 1976 دخلت الصين في مرحلة صراع على السلطة استمرت نحو عامين، حتى استتب الحكم لــــ دينغ سياو بينغ – Deng Xiaoping الذي حمل معه حزمة من الإصلاحات في إطار سياسته الجديدة “الإصلاح والانفتاح”، والتي تضمنت التحديثات الأربعة (الزراعة، الصناعة، البحث العلمي، الدفاع)، أُدخِلت من خلالها بعض الآليات الرأسمالية لتحفيز عملة النمو والتطور؛ وقد حققت الصين نتائج إيجابية منذ الأعوام الأولى لتبنيها هذا النهج مكنتها من الدخول في مرحلة الصعود.

 وبالتزامن مع تسارع النمو الصيني الذي حقق قفزات لم يكن لأحد أن يتوقعها، فقد بدأت بوادر إنهيار الإتحاد السوفييتي تظهر للعلن، حتى أُعلن عن تفككه بشكل نهائي في عام 1991 لتنفرد على إثره الولايات المتحدة بالقيادة العالمية طيلة عقد التسعينات، في ظل وجود خلل في ميزان القوى وسع الفارق بينها وبين من هم خلفها من القوى الدولية؛ وهو ما دفع العديد من الدول لإخفاء توجهاتها التي تختلف بها مع الرؤى الأمريكية، خصوصا وأن تلك الفترة شهدت ظهور العديد من التنظيرات في الداخل الأمريكي، كان البعض منها يقترح التحضر لمواجهة الخطر الاخضر “الإسلام”، والبعض الآخر يقترح الاستعداد لمواجهة الخطر الاصفر “الصين”، ما دفع الصين لتبني سياسة تبتعد بها عن اعتبارها الخطر الأول.

وبعد سلسلة من التدخلات العسكرية الأمريكية في فترة التسعينات وبداية الألفية الجديدة تبلورت القناعة الصينية بالابتعاد عن وضع نفسها كعدو أول للولايات المتحدة، من خلال نظرية “الصعود السلمي” الذي صاغها الإستراتيجي الصيني والمستشار السياسي زينغ بيجان – Zheng Bijian الذي ورد إسمه في المرتبة 44 ضمن قائمة أفضل 100 مفكر عالمي التي أصدرتها مجلة فورين بوليسي -Foreign Policy  في ديسمبر 2010.

وتأتي هذه النظرية كإستراتيجية طمأنة للمجتمع الدولي بأن عودة الصين وصعودها للساحة الدولية كأحد اللاعبين الرئيسيين لن يهدد هيكلة أو أمن النظام الدولي كما يحصل عادتاً عند بروز قوى جديدة أو إعادة صعود قوى قديمة.

وفي عدة مناسبات كان من أبرزها دورة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في مارس 2004، إقترح الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني هو جينتاو – Hu Jintao ونائبه رئيس الوزراء وين جياباو – Wen Jiabao أن يكون مفهوم الصعود السلمي – Peaceful Rise مكوناً رسمياً من مكونات سياسة الصين الخارجية، بحيث يتضمن هذا المفهوم خمسة عناصر رئيسية، وهي:

1- الإستفادة المتبادلة بين كل من السلام العالمي والتنمية الصينية، بحيث تستفيد الصين من السلام العالمي لتعزيز تنميتها في مقابل أن تساعد في تحصين السلام العالمي من خلال ما تحققه من تنمية.

2- الإعتماد بشكل كامل على القدرات والإمكانات الذاتية الصينية.

3- الإستمرار على سياسة الانفتاح والقواعد الفاعلة للتجارة الدولية.

4- الأخذ بعين الإعتبار أن مفهوم “الصعود السلمي” سيتطلب سنوات عديدة.

5- لن يتم الوقوف بطريق أي دولة أو تعريض أي دولة للخطر أثناء السعي لتحقيق هذا الهدف، كما أنه لن ينجز على حساب أي أمة.

ومنذ طرح نظرية الصعود السلمي دار نقاش حولها داخل الصين، إذ عارضتها بعض الفئات، وتحفظت عليها أخرى كان من أبرزهم تيار الرئيس جيانغ زيمين – Jiang Zemin أو ما يعرف بالتيار القومي البراغماتي نتيجة احتواء المفهوم على مصطلح “الصعود” الذي قد يؤدي لإثارة مخاوف الآخرين سواء جاء هذا الطرح سلمياً أم لا، مقترحاً إستبداله بمفهوم “السلام والتنمية” الذي يعود أساسه ل دينغ سياو بينغ – Deng Xiaoping مهندس سياسة الاصلاح والانفتاح؛ وعلى الإتجاه الآخر رأى تيار هو جينتاو – Hu Jintao أو ما يسمى بالتيار القومي الواقعي أن الجميع يستطيع اليوم أن يرى صعود الصين، لكن الأهم هو إقناع القوى الرئيسية في النظام الدولي بأن هذا الصعود لن يهدد مصالحهم ومراكزهم على الساحة الدولية. وعلى إثر هذا النقاش تم إستبدال مفهوم الصعود السلمي ليحل محله مفهوم “السلام والتنمية” الذي تم إقتراحه من قبل البراغماتيين؛ إلا أنه ومع خروج جيانغ زيمين – Jiang Zemin من السلطة عام 2004، استتب الأمر لهو جينتاو – Hu Jintao وهو ما أعاد مفهوم “الصعود السلمي” للواجهة من جديد.

وقد تولى زينغ بيجان – Zheng Bijian تسويق المفهوم وشرح مضمونه على المستوى الدولي، وخصوصاً في مقال نشره في مجلة فورين بوليسي في سبتمبر 2015، حدد فيه ثلاث تحديات رئيسية تواجه الصين في المستقبل، متمثلة في نقص الموارد الأولية الوطنية التي تحتاجها البلاد في عملية الصعود، وكيفية الموازنة بين التنمية الإقتصادية و التنمية الإجتماعية بحيث لا يؤدي إلى حدوث فجوة تدفع بالصين نحو الإنهيار؛ إلى جانب التحدي البيئي الذي يمثل العقبة الأساسية في طريق تحقيق التنمية المستدامة للصين.

ورأى زينغ بيجان أن لمواجهة هذه التحديات لابد من تقديم نموذج صناعي حديث وبناء مجتمع متناغم، والابتعاد عن الطرق التقليدية لصعود القوى على المسرح العالمي، وإستبعاد عقلية الحرب الباردة التي أدت إلى تعريف العلاقات الدولية على أسس أيديولوجية.

وقد استخدمت القيادة الصينية مفهوم “الصعود السلمي” رسمياً لأول مرة في منتدى آسيا والمحيط الهادئ الذي عقد في نهاية العام 2005، حيث شدد المسؤولون على أهمية الصعود السلمي في سياسة الصين.

المصادر والمراجع:

التجربة الاقتصادية الصينية، مركز دراسات الصين وآسيا.

علي حسين باكير(باحث في العلاقات الدولية)، مفهوم الصعود السلمي في سياسة الصين الخارجة-الصين بعيون عربية-21 ابريل 2011.

عبدالكريم صالح المحسن، الصعود السلمي والتوازن السياسي في الصين-الحوار المتمدن-7/5/2012.

المصدر: الموسوعة السياسية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى