دراسات سوسيولوجية

التربية الإعلامية: مقاربة معرفية في المفاهيم والسياقات

عمر أوسامة ، العربي بوعمامة، التربية الإعلامية: مقاربة معرفية في المفاهيم والسياقات ، ورقة بحثية مقدمة للمنتدى العالمي الأول حول: التربية الإعلامية في ظل عالم متغير … رهانات الواقع … وتطلعات المستقبل جامعة العربي التبسي – تبسة، الجزائر : أيام 10/11 ابريل 2017.

يحمل مفهوم التربية الإعلامية العديد من الدلالات، ويرجع ذلك بالأساس إلى اختلاف وتعدد مستخدميه، ما بين دارسين ومربين، ونشطين على مستوى المجتمع المدني، وبين مختلف فئات المجتمع بشكل عام.1 حيث تحظي التربية الإعلامية اليوم باهتمام فئة عريضة من المتابعين، فبعد تراجع أداء  قطاع السمعي البصري و غياب للقيمة في برامجه المختلفة من خلال التركيز على أشكال من الخطاب و التي حسب الباحث ” عزي عبد الرحمان” قد أوجدت لنا عوزا واعتلالا قيميا وأخلاقيا كبيرا 2، كان من الضروري تفعيل دور التربية الإعلامية أكثر من أي وقت مضى لمجابهة هذا الواقع الإعلامي الذي نعيشه، لكي تساعد هذه الأخيرة في إكساب الأفراد القيم الاجتماعية الصحيحة ، و تعمل على ترسيخ مهارات النقد والتقويم والتحليل لمختلف المشكلات وتساعد على تكوين ملكة الربط بين المتغيرات، للرسائل الإعلامية. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نوافق على استبدال الفشل الإعلامي الواقع  بالرداءة الإعلامية.
إلا انه وجب أن نضع تصورا واضحا لمفهوم التربية الإعلامية أولا، ذلك أن أبحاث هذه الأخيرة تعتبر خليطا كبيرا ومركبا من الأفكار، حيث يظهر للعيان أن كل من يكتب عن التربية الإعلامية يؤطرها كمفهوم ذي بنية مختلفة من العناصر التعريفية.3
 فهذا اللاإتفاق هو الذي أضاف للكلمة أهمية وأعطاها قيمتها الفكرية،4 وفي نفس الوقت أصبح يؤدي إلى نوع من الالتباس الواضح، لذلك فإنّ كيفية تعريف والنظر إلى التربية الإعلاميّة له تبعات على تأطير النقاشات وجدول أعمال الأبحاث والمبادرات المرتبطة بالسياسات الرامية إلى تحسين صورة ووضعية الإعلام5 ، فالمشكلة اليوم في ثنائية التربية و الإعلام ليست في استخدام الثانية لتحقيق الأولى  بقدر ما ترتبط هذه المشكلة باستخدام الأولى للحماية من الثانية من خلال مساعدة الأفراد في التعامل الصحيح مع ما تبثه وسائل الإعلام.
 وهنا ينجلي دور التربية الإعلامية كمفهوم تربوي يعمل على إكساب أفراد المجتمع عامة والطلاب خاصة مهارة الفرز والانتقاء الحسن لنوع الرسالة الإعلامية التي يجب أن يتلقوها ، فالتقدم التكنولوجي الحديث لم يعمل على تغيير المجتمعات وحسب بل ساهم أيضا حتى في تغيير المفاهيم والمصطلحات
وبالتالي فإننا في هذه الورقة البحثية نحاول تحديد مفهوم التربية الإعلامية مثلما تم تناوله في البحوث العربية والأجنبية ومحاولة معرفة أبعاد و مراحل تطور استخدام هذا المفهوم وما هي أهم المسائل الرئيسية التي يواجهها الباحثون في دراستهم للتربية الإعلامية مع التطرق لإمكانية رؤية التربية الإعلامية كأحد أهم المقررات الدراسية الإعلامية في منطقتنا العربية.

1- التربية الإعلامية: تحليل لآراء الخبراء:

   مع انتشار التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام فان العديد من الدول انطلقت في البحث عن كيفية حماية الأطفال والشباب من هذه التأثيرات وفي نفس الوقت محاولة استثمار الأمور الايجابية لهذه الوسائل .فكانت التربية هي الحل الوحيد أمام هذه الدول ،الأمر الذي جعل من المدرسة تحمل العبء كاملا لمحاولة بناء آليات في التعامل مع الإعلام تحت ما يسمى بالتربية الإعلامية ،حيث ظهر هذا المفهوم في أواخر الستينيات من القرن الماضي وقد ركز الخبراء والباحثون على إمكانية استخدام أدوات الإتصال ووسائل الإعلام لتحقيق منافع تربوية ، وفي السبعينات من نفس القرن بدأ النظر إلى التربية الإعلامية على أنها تعليم بشأن الإعلام وأنها مشروع دفاع يتمثل هدفه في حماية الأطفال والشباب من المخاطر التي استحدثتها وسائل الإعلام حيث انصب التركيز في تلك الفترة على كشف الرسائل المزيفة، والقيم غير الملائمة وتشجيع الطلاب على رفضها وتجاوزها.6
   وقد أدلى العديد من الباحثين بدلائهم في هذا المجال فهاهما الباحثان Adams and Hamm آدمز وهام  2001 ، قد اعتبارا أن التربية الإعلامية هي القدرة على استحداث معنى شخصي من الرموز المرئية واللفظية التي نتلقاها كل يوم من التلفزيون والإعلانات ووسائل الإعلام الرقمية. والتربية الاعلامية تتعدى كونها دعوة للطلاب لفك رموز و معلومات معينة، بل يجب على هؤلاء الطلاب أن يتحلوا بالتفكير النقدي وأن يكونوا قادرين على الفهم والإنتاج وسط ثقافة وسائل الإعلام التي تحيط بهم”.
   في حين يرى آندرسون  1981  “التربية الإعلامية هي جمع المعلومات وتفسيرها واختبارها وتطبيقها بمهارة من أجل القيام بعمل هادف بغض النظر عن الوسيلة أو طريقة العرض”.
    أما بارتون وهاملتون  1998 فان التربية الإعلامية حسبه “هي نشاط يتواجد في المساحة الواقعة بين التفكير والنص. فالتربية لا تتواجد في أذهان الأشخاص فحسب، على اعتبار أنها مجموعة من المهارات الواجب تعلمها، ولا تتواجد على الورق، حيث يتم تلقيها كنصوص يتم تحليلها. إنما التربية، شأنها شأن كل نشاط بشري، هي في الأساس اجتماعية، وتتواجد في التفاعل بين الأشخاص.
   أما هوبز  2001 ، ” فينظر إلى التربية الإعلامية على أنها القدرة على النفاذ إلى الرسائل وتحليلها وتقييمها وإيصالها بأشكال مختلفة” و بحسب ما جاء في قاموس التربية الإعلامية للمؤلفيْن سيلفربليت واليسيري  1997 فان التربية الإعلامية “هي مهارة تفكير نقدي تمكن الجماهير من تفكيك رموز المعلومات التي نتلقاها عبر وسائل الاتصال الجماهيري ومن ثم تطوير أحكام مستقلة عن المحتوى الإعلامي.7
   وبالتالي فان ما نستشفه من التعريفات السابقة أن جل الباحثين يركزون في مفهوم التربية الإعلامية على تلك النظرة والروح النقدية التي يجب أن يتحلى بها المتابع للوسائل الإعلامية بصفة عامة والمتابع والدارس للوسائل الإعلامية بصفة خاصة. حيث ينظر للتربية الإعلامية اليوم بمنظور عملية التنمية الشخصية بحيث تهدف هذه التربية الإعلامية على تنمية ثقافة التعامل مع وسائل الإعلام، من خلال تطوير القدرات الإبداعية والقدرات التواصلية للأفراد، والحث على التفكير الناقد، والإدراك المنطقي للرسائل الإعلامية، مع تحسين القدرة على تفسير وتحليل وتقييم نصوص وسائل الإعلام، وتعليم مختلف أشكال التعبير عن الذات مع تكنولوجيا وسائل الإعلام.
   فالتربية الإعلامية تعمد على دفع الطلبة على تطوير قدراتهم في تحليل الرسائل الإعلامية وتحديد أهدافها ولمن هي موجهة هذه الرسائل ؟ ولماذا صيغت بهذا الشكل ؟ وما هي الحقائق الموجودة فيها أو المفقودة فيها؟ وما هي المصادر المحايدة التي يمكن التحقق منها و نحو ذلك. فتلعب التربية الإعلامية دورا مهما في تلقين في الطلاب للثقافة الاجتماعية ، وتساعدتهم على امتلاك مهارات النقد والتقويم والتحليل وإكسابهم لقدرة حل المشكلات حيث تصبح لديهم القدرة على الربط بين الأشياء وبين المتغيرات.8
    هذا و تعد منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم -اليونسكو – الداعم الأكبر عالميا للتربية الإعلامية. من خلال عبارة مهمة تتكرر باستمرار وهي» انه يجب أن نعد النشء للعيش في عالم سلطة الصورة والصوت والكلمة« 9،فقد جاء في تقرير لمنظمة اليونسكو نشر عام 1984 مايلي:
« يقصد بالتربية الإعلامية كل أشكال دراسة وتعلم وتعليم في مختلف المستويات و مختلف الظروف والوضعيات تاريخ وطرق استخدام وتقييم وسائل الإعلام، كأدوات فنية و تقنية والتعرف على المكانة التي تحتلها في المجتمع وتأثيراتها عليه ».10
   ونود أن نشير أيضا في هذا الصدد أن هناك مصطلحات أخرى تستخدم للتعبير عن مفهوم التربية الإعلامية   فمصطلح “محو الأمية لوسائل الإعلام” يستخدم مترادفا  لمفهوم “التربية الإعلامية” في معظم الدول الناطقة باللغة الإنجليزية وان كثيرا من الباحثين ينظرون إلى مفهوم محو الأمية لوسائل الإعلام كجزء من المفهوم الموسع لمحو الأمية بصفة عامة . ففي عام 1992، ومن خلال مؤتمر القيادة الوطني لمحو الأمية في الولايات المتحدة تم صياغة تعريف لمحو الأمية لوسائل الإعلام باعتبار هذه الأخيرة تمثل «القدرة على الوصول، وتحليل وتقييم وإنشاء رسائل في مجموعة واسعة من الأشكال.”11
   وفي استبيان قدمه الباحث Alexander Fedorov إلى مجموعة من الخبراء عرض فيه ثلاثة أنواع من التعاريف للتربية الإعلامية (التي نشرت خلال السنوات الماضية من قبل الطبعات الموثوقة والرسمية )، تبين أن غالبية الخبراء تؤيدون التعريف الأول الخاص بمنظمة “اليونسكو”. حيث اعتبر الخبراء بأنه الأكثر إقناعا والأكثر شمولية من بقية التعريفات التي عرضت .12
نسبة الخبراء
الذين لا يوافقون التعريف نسبة الخبراء
الذين يوافقون التعريف تعريف التربية الإعلامية :
(%3,85)
(%96,15)
  – هي تمكين الأفراد من التعامل مع جميع وسائل الاتصال، بما في ذلك الكلمة المطبوعة، والرسومات، والصوت والحركة و الصورة، المنشورة على أي وسيلة من وسائل التكنولوجيا
– وتسمح التربية الإعلامية للناس من فهم أفضل للاتصالات ووسائل الإعلام المستخدمة في مجتمعهم وطريقة عملها، مما يساهم في اكتسابهم مهارات في استخدام وسائل الإعلام هذه على التواصل مع الآخرين؛ * تسمح التربية الإعلامية، بتحليل وإنشاء نصوص وسائل الإعلام.
* التعرف على مصادر نصوص وسائل الإعلام و تأثيرها السياسي والاجتماعي، والاقتصادي والثقافي * تفسير الرسائل والقيم التي تقدمها وسائل الإعلام. التربية الإعلامية هي حق أساسي في جميع دول العالم، “(اليونسكو، 1999، ص .273-274) 01
(%26,92) (%65,38) – الأساتذة والباحثين في مجال الإعلام يستعملون مفهوم ” التربية الإعلامية” ومفهوم ” محو الأمية الإعلامية” بصفة متبادلة، و أنا أفضل استخدام مفهوم ” التربية الإعلامية” ومحو الأمية الإعلامية هي مهارات التجريب، والتفسير ، والتحليل وصنع منتجات الاعلام.
 (Worsnop, 1999). 02
(%42,31) (%46,15) – “التربية الإعلامية” هي تعليم حول وسائل الإعلام ، والتي تشتهر أيضا بالتربية بالإعلام عادة التربية الإعلامية تعبر عن اكتساب المعارف المتعلقة بطرق الوسائل الإعلامية في صنع وتوزيع الرسائل الإعلامية واهم المهارات الواجب توفرها   لتفسير وتقييم محتوى وسائل الإعلام. في المقابل، “دراسات وسائل الإعلام” تؤكد عادة على التدريب العملي على الخبرات للانتاج الإعلامي “(الموسوعة الدولية …، 2001، ص .9494) 03
الجدول 01. موقف الخبراء من مختلف تعريفات التربية الإعلامية.
   ومهما تعددت التعريفات فان ما يجب ان نستوعبه كدارسي للظاهرة الإعلامية إن الولوج إلى ظاهرة الانفتاح الإعلامي التي نراها اليوم يوجب علينا  التحلي بالكثير من المحاذير ويتطلب ذلك منا جهدا فكريا نقديا لتحاشي الوقوع والانغماس في فخ الرؤية التبسيطية ، فالخطر المنجر من وراء كل هذا أن من يعتقد انه له وعي ومعرفة بنقائص وسلبيات الوسائل الإعلامية فانه هو الأخر تجده يعتمد عليها فمكمن الخطورة هو تلك التبعية التي يصعب الفكاك منها ، فالمطلوب هو توفر جهد فكري وعدة معرفية تتيح للفرد التحكم في معاني الأشياء  وهذا يفرض تخصيص ” ميزانية وقت ” كافية لقراءة تأويلية فاحصة للمحتوى وهو ما نسميه بالقراءة النقدية.13

2- أبعاد مفهوم التربية الإعلامية :

   إن الكلمة اللغوية الحاملة للمفهوم، لا نستطيع أن نعتبرها كذلك إلا إذا حملت أبعادا تعطيها طابع المفهوم وتشخصها بعدة خصائص، تفرقها عن الكلمات التي تشابهها أو التي قد تحمل نفس المعنى.14وبالتالي في هذا الجزء من الدراسة سنتطرق إلى أبعاد مفهوم التربية الإعلامية ، ولكن قبل هذا نود أن نشير إلى أن هذه الأبعاد ليست ثابتة ومتعارف عليها بين الباحثين  بل يمكن أن تزيد أو أن تنقص.

2-1- البعد النظري:

 إن المفهوم وليد نظرية ما  ودائما ما نجد أن هناك  تبنى هذه الأخيرة لأحد المفاهيم، حيث إن معظم الدراسات التي تعتمد على المقاربات النظرية فان الهدف من هذه المقاربات حسب الباحث ” كيرلنجر” هو تزويد البحث بالنموذج ألمفاهيمي حيث تزودنا النظرية بإطار مفاهيمي حول الظاهرة المدروسة. 15
   لقد استطاع في هذا الإطار الباحث ستيوارت هول من أن يشرح عملية سير الرسالة الإعلامية و أن يحدد مكمن تواجد بصمة التربية الإعلامية فيها حيث وضح أن  التمييز يجب أن يتم بين ترميز النصوص وسائل الإعلام من قبل المنتجين وفك هذه الأخيرة من قبل المستهلكين ” 16حيث يكون دور  التربية الإعلامية هنا جليا وواضحا من خلال القراءات التي يتبناها الجمهور لهذه الرسائل الإعلامية فتكون قراءاته إما توافقية حيث يقبل كل ما جاء بالرسالة الإعلامية دون أن يبدي  أي اعتراض وفي هذه الحالة فان الأدبيات الإعلامية قد صنفت هذا النوع من الجمهور على انه جمهور سلبي سريع التأثر، أما القراءة الثانية فهي قراءة تفاوضية أي يقبل البعض ويرفض البعض الأخر  انطلاقا من خبراته الشخصية وعوامل مساعدة من تنشئة اجتماعية وسياق اجتماعي يتدخل في تكوين رؤية نقدية للمحتوى الإعلامي وفي هذه الحالة يصنف الجمهور حسب هذه الرؤية على انه جمهور نشط أي ايجابي في تعامله مع وسائل الإعلام  وفي ما يخص القراءة الثالثة والأخيرة  وهي القراءة القطعية حيث يرفض الجمهور جميع مضمون الرسالة خصوصا عندما لا تتوافق في الكثير من الأحيان مع معايير هذا  الأخير . إن هذه القراءات التي قدمها ستيوارت هول مصدرها الفكر الذي تشبع به الباحث وتبنيه لأفكار مدرسة برمنغهام للدراسات الثقافية  أو ما يطلق عليها بالنظرية الثقافية النقدية التي نرى أنها حاملة لمفهوم التربية الإعلامية.
   حيث تلقي هذه النظرية الضوء على الفكر الذي تقدمه وسائل الإعلام لخدمة مصالح محددة مسبقا وهذا التصور بالتأكيد يصنف على انه فكر سلبي له ارتداداته على الفرد وعلى البنية التركيبية للمجتمع  لانقول على المدى القريب ولكن نجزم انه على المدى البعيد سيكون هناك تأثير. كما أنه يحيل الفرد والمجتمع لخدمة مصالح أبعد ما تكون عن المصلحة العامة. ومن هنا كان دور النظرية مهما أولا في تعرية هذا الفكر وثانيا نقده نقدا موضوعيا يخدم الفرد والمجتمع على حد سواء ويساهم في بناء مخزون فكري ذاتي يسمح للفرد بتمحيص وفهم الأفكار التي يتلقاها من مثل هذه القنوات ثم يكون على وعي كامل بمصلحة الجماعة في نقد ومحاربة هذه الأفكار. 17
»…وإذا ما تعمقنا قليلا في صورة الجماهير وملامحها حسب مدلولات مفهوم الثقافة الجماهيرية، فإننا نعثر على خيط رفيع يذكرنا بتلك الصورة السلبية التي رسمها غوستاف لوبون Gustave leBon عن الجماهير: إن عجز الجماهير عن التفكير المتعقل يحرمها من كل روح نقدية أي من كل قدرة على التمييز بين الحقيقة والخطأ وبالتالي من تشكيل حكم دقيق على الأمور… ومن وجهة النظر هذه نلاحظ أن الأفراد الذين لا يرتفعون فوق مستوى الجماهير هم عديدون». 18 إن نقد المحتوى الإعلامي هو احد أهم أعمدة التربية الإعلامية وهذا ما تطرقت له النظريات النقدية خصوصا النظرية الثقافية النقدية  التي اهتمت بالتأثيرات السلبية لوسائل الإعلام ومنه يمكن اعتبار هذه الأخيرة هي الوعاء النظري الأقرب الحامل لمفهوم التربية الإعلامية. بكل مؤشراتها المتعارف عليها.

2-2- البعد الاجتماعي:

 إن التطورات الاجتماعية دائما ما تكون مصحوبة بمجموعة من الظواهر التي يساهم في تكوينها العاملين الزماني والمكاني ، فتتغير الظاهرة بتغيرهما ، فلم يأتِ موضوع التربية الإعلامية من فراغ ولم يكن بروز هذا المفهوم على مستوى الدراسات الإنسانية والاجتماعية اعتباطيا ، بل جاء متماشياً مع ضرورات الحياة وتلبيا لحاجات الناس في التعليم والإعلام،19 وجاء تماشيا مع الزمن الإعلامي الذي كان له الأثر البارز على الزمن الاجتماعي.
   إن مفهوم التربية الإعلامية لم يكن ليطرح بهذه القوة ما لم يساهم السياق الاجتماعي في بروز هذا الأخير من خلال الخصائص التي يحملها الزمن الاجتماعي خصوصا في منطقتنا العربية ، من بطئ  في التطور وحمله للصبغة المحلية التي يمتاز بها إذا ما قورن بالزمن الإعلامي،  الأمر الذي نتج عنه وجود علاقة غير متكافئة بنيويا بينهما فالزمن الإعلامي مستورد بنفس صورته الغربية ،والزمن الاجتماعي يرمز للتقاليد والعادات التي يريد أن يبتعد عنها ويخالفها الجمهور خصوصا الشباب منهم.20 إن هذه الجدلية كانت من أهم أسباب ظهور مفهوم التربية الإعلامية والدعوة إلى تفعيلها ، بعد تعويم المجتمعات خصوصا النامية منها بالخطاب العولمي.
   إن طبيعة السياق الاجتماعي للدول العربية بالتحديد، يعتبر من أهم المحفزات التي تعمل على إضفاء الشرعية حول مفهوم التربية الإعلامية ، ذلك أن الطبيعة التي صبغ بها هذا السياق من قبل وسائل الإعلام جعل منه نسخة مصغرة عن مجتمعات غربية بل ويحمل نفس خصائصها الاستهلاكية .
   ذلك أن وسائل الإعلام تحتل نسبة عالية من وقت فراغنا فالناس اليوم يقضون، في المتوسط، (25) ساعة في الأسبوع في مشاهدة التلفزيون، وتراهم أيضا يجدون الوقت للاستماع للإذاعة ومشاهدة السينما وتصفح المجلات والصحف، فالوقت الذي يقضونه في مشاهدة التلفزيون يعتبر أطول من الوقت الذي يمضونه في المدرسة أو مع العائلة والأصدقاء. وكل هذا له انعكاسات و تأثيرات على الطبيعة الاجتماعية للأفراد.21  ففي دراسة قدمها مستشار مدير جامعة الإمارات العربية المتحدة الدكتور سعيد عبد الله حارب عن الإعلام الفضائي وتأثيره على وقت النشء تبين أن الطفل قبل سن الثامنة يقضي (42) ألف ساعة أمام التلفزيون و(14) ألف ساعة في المدرسة كما تبين أن (99.9%) من الأطفال من سن( 8 ـ 15) يشاهدون التلفزيون وحين يبلغ الطفل سن (70) عاماً يكون قد قضى (27) سنة من عمره أمام التلفزيون. وتحدث حارب عن العلاقة بين الثقافة التربوية والثقافة الإعلامية وأورد الكثير من الإحصائيات والاستبيانات التي تؤكد مساهمة وسائل الإعلام ونوعية البرامج في تكوين شخصية الطلاب، من بينها استبيان توصل إلى أن البرامج المفضلة عند الطلاب هي البرامج الرياضية بنسبة (14 %) والأغاني (26 %) والأفلام العاطفية (8%) وأفلام العنف (11%) وأفلام الرعب (8%) والنشرات الإخبارية (4.5 %) والتعليمية (4%) والثقافية (4.5%) والمسرحية (9.5%) والدينية (10%)،22 إن هذا الالتصاق بالوسائل الإعلامية له تبعاته على الحياة الاجتماعية للأفراد بين تأثر بما يعرض ومحاكاة لما يشاهد ويصبح بذلك الفرد يعيش ثقافات هامشية مما يسهل تحويله الى اداة استهلاكية بامتياز ، فلقد عرضت إحدى الشركات والمسمات student monitor مجموعة من البيانات حيث أظهرت أن ما يقارب 15 مليون طالب من مختلف الكليات بالولايات المتحدة يشكلون قوة شرائية تبلغ حوالي 270 مليار دولار أمريكي وان متوسط ما ينفقه الفرد منه يتعدى 104 دولارات في الأسبوع لذلك ترى أن الكثير من البرامج التلفزيونية تخصص هامش كبير من وقتها للإعلانات موجهة لهؤلاء .23  وهذا ما يسمى بإعلام التسليع  وحوسلة الإنسان والمجتمع فالمتابع لوسائل الإعلام  سيفهم جيدا  التوجه العالمي لتعميم قيم الاستهلاك في المجتمعات ، بل الشراهة الاستهلاكية لكل شيء وذلك من خلال الإعلان والإشهار-إلى جانب البرامج الإعلامية الأخرى (أفلام، مسلسلات، برامج عرض الأزياء والموضة…)- وهذه هي النافذة الهامة لزرع النزعة الاستهلاكية ، فيبقى الإنسان يلهث وراء الطريف والمثير والجديد الذي لا نهاية له.24 لذلك كان من الواجب على الباحثين في حقل وسائل الإعلام الجماهيرية ضبط هذا الانفلات الإعلامي الموجه واقتراح طرق وسبل للحد منه ، فكان التوجه نحو التربية الإعلامية السبيل الأنجع والأصلح وبهذا كان ميلاد لمفهوم جديد في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية.

2-3- البعد الثقافي:

يتمثل هذا البعد في تحديد النوعية الثقافية التي ارتبط بها المفهوم والتي تطبعه بطابع لغوي دلالي حسب خصوصيتها ومميزاتها التي تفرقها عن الثقافات الأخرى 25 ، إن الثقافات المحافظة على العادات والتقاليد دائما ما تكون منبع لمفاهيم محافظة مفاهيم تربوية ، تعليمية ، مثلما هو الشأن لمفهوم التربية الإعلامية ، قد يرى الكثير أن  الدراسات الغربية شملت كل شيء ولم يعد لنا نحن كباحثين في الدول النامية ، أي مجال خصب يمكننا أن نضع بصمتنا فيه ، فمفهوم التربية الإعلامية وحسب عديد المراجع كانت انطلاقاته نتيجة  الثقافة الغربية وما وصلت إليه من مرض وعلة فحاولت هذه الأخيرة إيجاد الدواء والمصل الذي يساعدها على الوقوف ثانية ومواصلة سيطرتها على مختلف الأمم ، لذلك كان إطلاق برامج تربوية بمختلف أشكالها إحدى أهم الطرق المقترحة في هذا المجال بما في ذلك التربية الإعلامية، فكان تحليل الرسائل الإعلامية ونقدها وتمحيصها سبيلا يبتغى به خلاص ونجاة الفرد من فخ العولمة الذي وقعت فيه المجتمعات الغربية المتطورة  قبل تلك المجتمعات العربية النامية وأدى ذلك إلى الانحلال بكل أشكاله والاستهلاك بكل أنواعه .
   إن الدارس لمفهوميه مفهوم التربية الإعلامية يدرك مباشرة ارتباط مؤشراته (الجانب النقدي الذي يحمله) بتراثنا الإسلامي التربوي وبالنص الواضح في قوله تعالى: [ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِنَّ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ فَتَصَبَّحُوا عَلَى مَا فُعِلْتُم نَادِمِينَ ] 26 إن التبين للرسالة مهما كان نوعها  هو الوجه الثاني لعملية إخضاع هذه الأخيرة للمساءلة والنقد العلمي لمعرفة صدقيتها من عدمه ، والتراث الثقافي الإسلامي يحث على ذلك ، حيث يكون النقد الموجه للرسالة ذو اتجاهين رئيسيين أولهما يتعلق بمصدر الرسالة مثلما هو مبين في الآية أعلاه فمعرفة من يقف وراء الرسالة الإعلامية له دور في تصنيفها وقد جاء في صفة الفاسق التي ذكرت في الآية أنها اشتقاق من كلمة الفسق: وهو موضوع يدل على معنى الخروج، وسمي الفاسق فاسقًا؛ لانسلاخه عن الخير 27 فالتربية الإعلامية وحسب المنظور الإسلامي توجب معرفة عمن نأخذ منه أخبارنا، أما الاتجاه الثاني فيتعلق بمحتوى الرسالة ففي قوله عز وجل على لسان سيدنا سليمان عليه السلام لما خاطب الهدهد الذي جاء بنبأ القوم الذين وجدهم يسجدون للشمس من دون الله : [ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ.] 28  ولم يتسرع سليمان في تصديقه أو تكذيبه ولم يستخف بالخبر الذي جاءه به طائر الهدهد. إنما حاول، التأكد من صحته. شأن النبي العادل والملك الحازم،29 إن التأكد من صحة الأخبار وصدقيتها في وسائل الإعلام هي ذروة الفهم الحقيقي لمفهوم التربية الإعلامية التي هي مشروع تربوي فردي وجماعي يقوم على مبدأ وضع محتوى وسائل الإعلام على محك النقد العلمي الرصين للتمييز بين الغث والسمين وما يصلح وما لا يصلح ، ومنه نرى أن الثقافة الإسلامية والتراث الديني الإسلامي هو منطلق فعلي لمفهوم التربية الإعلامية حتى وان لم يشر إلى هذا المفهوم صريحا ولكننا نستشف مما سبق أن التربية الإعلامية كمفهوم ضارب بجذوره في التراث والثقافة الإسلامية بشكل جلي وواضح.

2-4- البعد الزمني:

إن أي مفهوم تتألف من عناصر محورية أساسية و عناصر أخرى تطرأ على المفهوم خلال سيرته الفكرية التاريخية فهو يبرز في مرحلة ما ثم يتطور عبر التاريخ، الأمر الذي يفرض على القائم بعملية تحليل المفاهيم أن يضع نُصب عينيه دائما بعض الدلالات التي تكتسبها المفاهيم في فترات تاريخية معينة، مما قد يحرك الدلالة الأساسية إلى الهامش ويدفع بالدلالة الإضافية إلى المركز،30 والمتتبع لكرونولوجيا تطور مفهوم التربية الإعلامية يدرك ذلك جيدا فكان ظهور مفهوم التربية الإعلامية في العالم في أواخر الستينات الميلادية، يرتكز أساسا حول فكرة أقرها الخبراء مفادها هو إمكانية استخدام أدوات الاتصال ووسائل الإعلام لتحقيق منافع تربوية داخل المجتمع ، أي استخدام وسائل الإعلام ومختلف مضامينها ، كوسيلة تعليمية.31 وذلك استنادا إلى فكرة كلية النسق واضطلاع الجزء بوظيفة داخل الكل، وبالتالي فإن وسائل الإعلام في هذه الحالة تعتبر نظم اجتماعية ونسق فرعي يؤدي وظائف اجتماعية تساهم في تحقيق التوازن والاستقرار الاجتماعي الكلي32.
   إن الاقتران الوظيفي لمفهوم التربية الإعلامية في هذه الفترة بوظائف اجتماعية هامة وواضحة، جعلت من القائم بالاتصال هو محور العملية التربوية، بدليل إخضاع الإعلاميين إلى دورات تكوينية،حول ديونتولوجيا الإعلام وأبجديات الممارسة الإعلامية وفي هذا الصدد يقول عضو مجلس الشورى الإعلامي السعودي ” بدر بن أحمد كريم” أن التربية الإعلامية تعني: »  إعداد الإعلاميين لأداء العملية التربوية، إذ لا يكفي أن يتقن الإعلاميون مهارات العمل الإعلامي، دون أن تتسق مع قيم وأهداف المجتمع 33 ولكن سرعان ما عرفت هذه الدلالة للمفهوم تراجعا خصوصا مع ظهور الوسائط الجديدة في زمن ميقاتي وجيز كان سببا في نقل وسائل الإعلام إلى أفق جديد وحديث، تم من خلاله إيقاف احتكار صناعة الرسالة الإعلامية من خلال الانتقال بها من المدى الضيق إلى مدى أوسع وأكثر شمولية وبقدرة تأثيرية وتفاعلية أكبر لم يكن يتصورها محللو وخبراء الإعلام والاتصال.34 حيث أصبح ينظر إلى التربية الإعلامية باعتبارها تعليم بشأن الإعلام، وأنها مشروع دفاع هدفه الأساسي هو حماية الأطفال والشباب من الأضرار التي استحدثتها وسائل الإعلام بعد أن أصيبت بخلل وظيفي  حيث انصبت الجهود في قضية التربية الإعلامية حول قدرة الأفراد في الكشف عن رسائل محتوى الذوق الهابط والقيم الغير الملائمة، وتشجيع الطلاب على رفضها وتجاوزها ، وتشجيع متابعة وتثمين رسائل محتوى الذوق الرفيع والحفاظ عليها.35 فلقد فرض الواقع الإعلامي المعاصر‏، ضرورة إقامة قواعد وآليات وطرق تمكن الشباب والمراهقين والأطفال من التعامل بحذر مع ما تطرحه وسائل الإعلام  وذلك حرصا علي سلامة البناء القيمي والأخلاقي لهم ولمجتمعاتهم 36 فلم تعد التربية الإعلامية اليوم مجرد مشروع للدفاع بل صارت مشروع تمكين للأفراد تعمل على وضعهم في حالة  استعداد ذهني داخلي ، لكي تتوافر لهم الثقة بالنفس والقناعة بما يمتلكونه من قدرات فكرية ومعرفية تساعدهم في اتخاذ القرارات الصحيحة.37  لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم، وحسن الانتقاء والتعامل معها، والمشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة.38

3- التربية الإعلامية (بين المفهوم والمنهج والمقرر):

   إن الاهتمام بموضوع التربية الإعلامية والدعوة إلى دراستها وتدريسها ليس أمرا حديثا وليس وليد الساعة وإنما هو ضمن التوجهات الإستراتيجية لمنظمة اليونسكو التي جاءت بها ودعت لها منذ سنة 1982.39 لذلك نجد اليوم عدة تصنيفات للدول منها تصنيف دول العالم وفق درجات مراعاة كل منها لمقومات التربية الإعلامية حيث وضع  تقرير توماس (1990) دول العالم ـ وفق  مجموعة من التصنيفات على  النحو التالي:

1- دول بها رسوخ وتقاليد في مسألة التربية الإعلامية.

وهى تلك الدول المبادرة والتي كان لها الفضل في وضع الأسس الأولى للتربية الإعلامية وساهمت في توجيهها ووضع مناهجها، حيث كونت المدرسين ودربتهم ومن أمثلة تلك الدول: بريطانيا، واسكتلندا، والدنمرك، وأغلب دول أوربا.

 2- دول بها التربية الإعلامية غير منتظمة.

وهى دول تتوفر بها أسس التربية الإعلامية وموجهاتها للمنهج ولكن هذه الدول مشكلتها أنها تفتقر إلى مواد التدريس ولم يتم توظيفها بعد لسبب أو لآخر ، أو أنها يتوفر بها معلمون لكن لا يتوفر بها الإطار المنهجي أو سياسة للتدريس. ومن أمثلة تلك الدول: إيطاليا، وايرلندا واستراليا، وبعض الدول النامية مثل الهند والفلبين.

3- دول ما تزال التربية الإعلامية بعيدة عن مرتبة الدراسة.

وفيها يتم  التعرض لأساسيات التربية الإعلامية عن طريق بعض الجهود من جمعيات ومكونين نتيجة جهد فردي وذلك لملا الفراغ في برامج الشباب والجماعات المختلفة ودور العبادة وغيرها . ومن أمثلة تلك الدول أمريكا اللاتينية، ودول العالم الثالث (الدول العربية)40
   فبالرغم من الدعوات المتكررة فان الملاحظ على المقررات التعليمية خصوصا في المنطقة العربية في مجال الإعلام أو مجال التربية أنها مازالت بعيدة كل البعد عن المناهج التربية المتعلقة بالمضامين الإعلامية وطرق حماية مختلف أطياف المجتمع من سلبياتها  يكاد المشهد اليوم يكون اقرب إلى الفوضى في الساحة الإعلامية العربية آلاف القنوات والبرامج المختلفة بايجابياتها وكثرة سلبياتها ولم نسجل رغم ذلك اهتماما مؤسساتي بهذا الأمر إلا بعض الاستثناءات التي تكاد تكون شبه منعدمة ومنعزلة في ساحة من الفوضى فلا يمكنها التغير من الواقع شيء.
   وفي هذا الصدد يقول الكاتب الصحفي محمد الأسمر انه » : بالرغم ملاحظاتنا على المناهج التعليمية جوهرا وشكلا، إلا أنه لا بد من طرح موضوع منهجه مادة إضافية تضاف للكم من المناهج التعليمية والتي يجب أن يتم اختزالها بمواد تفيد الطالب والقارئ … هذا يتطلب بالطبع إدخال التربية الإعلامية كجزء من المناهج التعليمية على أن يتم إعداد المعلمين وتدريبهم وتوفير المصادر التربوية في المكتبات المدرسية حيث بالإمكان اعتماد التربية الإعلامية كجزء من المنهاج وذلك بدمجها ضمن مقررات التربية المدنية والوطنية«،41 ومنه فإننا نعتقد أن التربية الإعلامية لو يتم تعاملنا معها كمنهج تربوي تعليمي قائم على الممارسة سيكون لها الأثر البارز أكثر من تعاملنا معها كمفهوم علمي تصوري مجرد.
   إن دمج التربية الإعلامية في عملية التعليم والتعلم، والمساهمة في تطوير المهارات المختلفة للأفراد: مثل كيفية استخدام وسائل الإعلام في التواصل مع الآخرين و كيفية التحليل والتفكير بطرق نقدية، والقدرة على تحديد مصادر نصوص وسائل الإعلام، و تحديد نظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية و تفسير الرسائل والقيم التي تقدمها وسائل الإعلام.42 لا يمكن أن يكون مجرد منهج تربوي بل اعتمادها كمقرر سيكون أصلح وأنجع
   إلا أن الواقع مغاير تماما ففي ورقة بحثية قدمها الباحث راشد بن حسين العبد الكريم  حول التربية الإعلامية في المناهج التربوية في المملكة العربية السعودية خلص إلى عدم وجود برامج مستقلة للتربية الإعلامية في المناهج التعليمية، كما أن تدريس مهارات التفكير لم يوجه بشكل مباشر إلى تطبيقات التربية الإعلامية مباشرة.43 ويقول في هذا الصدد : » أن هناك جوانب كثيرة تحتاج إلى التطوير. فمن الضروري تطعيم المناهج ولو بشكل غير مباشر بموضوعات للتعامل مع وسائل الإعلام، … فالمواد الإعلامية التي يتعرض لها الطلاب تمثل ميدانا خصبا وأنشطة فاعلة لتطبيق مهارات التفكير. « 44  وهنا نتأكد ربما بما لا يدع مجالا للشك أن التربية الإعلامية على الأقل في الوقت الحال ليست أولوية  لواضعي البرامج والمقررات التربوية في الوطن العربي ولكن لا يمكن أن لا نتكلم عن بعض الاستثناءات الموجودة اليوم في عالمنا العربي ونحن هنا نخص بالذكر كلية التربية الإعلامية والرقمية في بيروت: (MDLAB) والتي جاءت لتطوير مناهج تُحاكي الواقع الإعلامي في العالم العربي حيث تعتبر هذه الكلية الأولى والوحيدة على مستوى الوطن العربي التي استطاعت أن تتميز بمناهج خاصة لمساعدة الشباب الباحث على تكوين رؤية ونظرة نقدية لوسائل الإعلام من خلال برنامج تعليمي ثري.
   وفي هذا الصدد يرى الباحث جاد ملكي وهو أستاذ بالجامعة الأميركية في بيروت أن التربية الإعلامية ستساعد على تحسين الوضع في البلاد خصوصا أن لبنان معروفة بنزاعاتها السياسية المتكررة والطائفية الدينية والانقسامات السياسية والاجتماعية وتدني حس المواطنة حيث يرى أن التربية الإعلامية والرقمية يمكن أن تقدم الكثير للبنان والمنطقة العربية، بالرغم أنها لا تزال  في مراحلها الأولى.
   وقد انطلقت دورة التربية الإعلامية المتكاملة الأولى في جامعة لبنانية في خريف العام 2009 ، مرتكزة على منهاج قامت بإعداده أكاديمية سالزبورغ للتغيير الإعلامي والعالمي وهي أكاديمية دولية تضع مناهج التربية الإعلامية منذ 2007 ،  وحاولت جامعات أخرى اعتماد دورات مرتبطة بالتربية الإعلامية. فقد اعتمدت الجامعة اللبنانية الأميركية في ربيع 2010 دورة “الإعلام والثقافة والتكنولوجيا” التي تتضمن بعض الوحدات الأساسية للتربية الإعلامية ، وحاولت أيضا منظمات أخرى من المجتمع المدني تضمين التربية الإعلامية في ورش العمل الخاصة بالإعلام التي تجريها. واليوم تمضي ثمان سنوات بالتمام على أكاديمية التربية الإعلامية ببيروت تضمنت برامجها عديد الدورات التي كانت مزيجا من مهارات التدريس والتفكير النقدي والمهارات الرقمية والكتابة ، ساعدت الطلاب المشاركين من تكوين المفاهيم والمهارات التي يحتاجونها في حياتهم.45

خاتمة :

إن معظم الدارسين للتربية الإعلامية يؤكدون على الدور المحوري الذي تضطلع به هذه الأخيرة، واعتبارها كأحد أهم الأركان في العملية التعليمية ، فمن خلالها يتم تعزيز قيم الانتماء للمجتمع وللوطن وفي نفس الوقت تلعب دورا مهما في تكوين رأي عام وطبقة من المجتمع قائمة على أسس متينة في تقدير الغير وحرية التعبير و احترام الاختلاف والتعدد ، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فمفهوم التربة الإعلامية الحقيقي يحيلنا مباشرة إلى الصدق والمصداقية والموضوعية في تقييم الأنشطة الإعلامية من خلال نظرة نقدية قائمة على عدم التحيز وتغليب للمصلحة العام عن تلك المصالح الهامشية الخاصة ، ومن هنا يستقي مفهوم التربية الإعلامية أهميته ، كأحد أهم المحاور التعليمية التربوية على مستوى المؤسسات التعليمية أو مؤسسات  المجتمع المدني في مختلف الدول، فالتربية الإعلامية هي أسلوب حياة وطريقة عيش تساعدنا في التعامل مع الآخرين، والتفاهم مع الغير، وتمنحنا إدراكا وفهما للقضايا المحلية والإقليمية الدولية التي تدور حولنا .مما تفتح لنا المجال لفهم الأمور والعمل على حل المشكلات، ، بتزويدنا بالحلول لمواجهة هذه الاخيرة عوض الخوف منها والاستسلام لها .

الإحالات:

  – Potter, W. J, The state of media literacy. Journal of Broadcasting & Electronic Media, 2010, vol. 54, no 4, p. 675.
2 – الطاهر سعود ، الإعلام والقيم: من الانفصال عن القيمة إلى إعادة الوصل معها: أو نحو إعلام مسدد بالأخلاق، ورقة بحثية مقدمة للمؤتمر العلمي الدولي الثالث “الإعلام القيمي: بين التنظير والطرح الإمبريقي: المنعقد في جامعة عبد الحميد بن باديس (مستغانم) في الفترة 10-11 مارس 2015، ص 7
3 – ibid., p 675.
4 – بن غربية فلة ، تعليمية الدرس وأبعاد المفهوم في علوم الإعلام و الاتصال : مادة نظريات الاتصال نموذجا ، ورقة بحثية مقدمة للملتقى الدولي الثالث : مفاهيم علوم الاتصال والإعلام في ظل الإعلام الجديد جامعة مستغانم، أيام: 12/13/14مارس 2013 ، ص 07.
5 – LIVINGSTONE, Sonia. Media literacy and the challenge of new information and communication technologies. The Communication Review, 2004, vol. 7, no 1, p. 3.
6 – محمود أبو النور عبد الرسول ، دراسة مقارنة لبرامج التربية الإعلامية المدرسية في كل من المملكة المتحدة و كندا و الولايات المتحدة الأمريكية و إمكانية الإفادة منها في مصر، مجلة كلية التربية،  مج 26، ع 102، جامعة بنها ، 2015، ص 42.
7 – W. James Potter, op.cit, p 676.
8- الشديفات  أشجان حامد ، واقع التربية الإعلامية و العوامل المؤثرة بها في المدارس الخاصة في المملكة الأردنية الهاشمية من وجهة نظر طلابها ، المجلة التربوية الدولية المتخصصة  مج 01، ع 06، المجموعة الدولية للإستشارات و التدريب، 2012، ص 274.
9 – عصفور معاذ أحمد ،  التربية الإعلامية ، الأردن : دار امجد للنشر والتوزيع ، ط01، 2015، ص 06.
10- شطاح  محمد ، التربية على وسائل الإعلام في المؤسسة المدرسية : مقاربة نقدية لإستخدامات التليفزيون ، مجلة  الاتصال والتنمية ، ع 07، المركز العربي لبحوث الإتصال والتنمية دار النهضة العربية للطباعة و النشر و التوزيع ، 2013، ص 12.
11 – BUCKINGHAM, David. Media education: Literacy, learning and contemporary culture. John Wiley & Sons, 2013. P
12 – Fedorov, Alexander. “Media Literacy Education.” Browser Download This Paper  мoscow: ico “Information for all ,2015,p 11.
13- الصادق رابح ، الإعلام والتكنولوجيا الحديثة ، الإمارات العربية المتحدة ، دار الكتاب الجامعي ، ط01، 2014، ص ، ص 125، 126.
14- فلة بن غربية ، مرجع سابق ، ص 07.
15- منذر الضامن، أساسيات البحث العلمي ،دار المسيرة للنشر والتوزيع،ط2، الاردن،2009،ص،40.
16 – Martens, Hans  “Evaluating Media Literacy Education: Concepts, Theories and Future Directions,” Journal of Media Literacy Education, Vol. 02, Iss. 01, 2010, p 02.
Available at: http://digitalcommons.uri.edu/jmle/vol2/iss1/1
17- لولوة سعد العنزي ، النظرية الثقافية النقدية: (وجانب من بعدها الفلسفي)، انظر أكثر :
URL: http://dmediaacademy.blogspot.com/2016/01/blog-post.html  consulte le 17/02/2017. 15h21.
18- أمال موسى ، مقاربات علم الاجتماع الوظيفي والنقدي لوسائل الإعلام  ، مجلة أنفاس ، انظر أكثر :
URL : http://www.anfasse.org/2010-12-27-01-33-59/2010-12-05-18-31-21/5086-2013-10-14-21-01-57   consulte le 17/02/2017. 15h21
19- فاضل محمد البدراني ، التربية الإعلامية والرقمية وتحقيق المجتمع المعرفي ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 452 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 2016،ص 142.
20- نورة شاهين ، الزمن الاجتماعي والزمن الإعلامي قراءة معرفية في الرواسب الثقافية ، مجلة الرافد: انظر أكثر :
URL: http://www.arrafid.ae/arrafid/p11_6-2010.html  consulte le 23/02/2017  22h44
21 – MEHRAJ, Hakim Khalid, BHAT, Akhtar Neyaz, et MEHRAJ, Hakeem Rameez. Impacts of media on society: A sociological perspective. Inter J Humanit Soc Sci Invent, vol. 3, no 6,2014, p. 57.
22-  معيض الحارثي ، مطالبات في منتدى التربية الإعلامية بافتتاح قنوات تربوية ، جريدة الوطن ، العدد:2349 ، نشر يوم : 6مارس2007م انظر أكثر :
URL : http://www.alwatan.com.sa/daily/2007-03-06/first_page/first_page06.htm   consulte le 11/03/2017 13h50
23- آرثر اسا بيرغر ، وسائل الإعلام والمجتمع وجهة نظر نقدية ، تر:صالح خليل أبو اصبع، الكويت : سلسلة كتب عالم المعرفة ، 2012،ص 20.
24- الطاهر سعود ، الإعلام والقيم: من الانفصال عن القيمة إلى إعادة الوصل معها: أو نحو إعلام مسدد بالأخلاق، ورقة بحثية مقدمة للمؤتمر العلمي الدولي الثالث “الإعلام القيمي: بين التنظير والطرح الإمبريقي: المنعقد في جامعة عبد الحميد بن باديس (مستغانم) في الفترة 10-11 مارس 2015،ص ص 7-9
25- فلة بن غربية ، مرجع سابق ، ص  13.
26- سورة الحجرات، الآية 06.
27- محمد حسن نور الدين إسماعيل، تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) ، شبكة الألوكة  / مقالات شرعية  ، انظر أكثر:
URL : http://www.alukah.net/sharia/0/95338/   consulte le  01/03/2017. 19h28.
28- سورة النمل، الآية 27.
29- سيد قطب ، في ظلال القرآن، مصر : دار الشروق، ج 05، 1906 ، ص 2639.
30- عكوباش هشام ، قراءة في مفهوم الرأي العام – بين الذات والآخر، ورقة بحثية مقدمة للملتقى الدولي الثالث : مفاهيم علوم الاتصال والإعلام في ظل الإعلام الجديد جامعة مستغانم، أيام: 12/13/14مارس 2013 ، ص 03.
31- فهد بن عبد الرحمن الشميمري ، التربية الإعلامية:كيف نتعامل مع الإعلام، الرياض : مكتبة الملك فهد الوطنية، ط01، 2010، ص 19.
32 – أمال موسى ، مرجع سابق.
33- حسن بن أبو بكر العولقي ، دور المدرسة في التربية الإعلامية: الواقع والمأمول ، ورقة بحثية مقدمة المؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية، بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات الدولية المملكة العربية السعودية، أيام: 04/07 مارس 2007 ، ص 13.
34 – فايزة يخلف ، الثورة الرقمية ومسوغات الفكر الاتصالي الحديث ، ورقة بحثية مقدمة للملتقى الدولي الثالث : مفاهيم علوم الاتصال والإعلام في ظل الإعلام الجديد جامعة مستغانم، أيام: 12/13/14مارس 2013 ، ص 01.
35- فهد بن عبد الرحمن الشميمري ، مرجع سابق ، ص 19.
36- عدلي سيد رضا ، التربية الإعلامية ضرورة في عصر الفضائيات والإنترنت ، جريدة الأهرام ، العدد 44668 ، نشر يوم 24مارس 2009 انظر اكثر:
URL : http://www.ahram.org.eg/Archive/2009/3/24/WRIT3.HTM consulte le 09/03/2017. 16h15.
37- BOWEN, David E. et LAWLER, Edward E. Empowering service employees. Sloan management review, vol. 36, no 4, 1995, p. 73.
38-  فهد بن عبد الرحمن الشميمري ، مرجع سابق ، ص 19.
39 – فاضل محمد البدراني، التربية الإعلامية والرقمية وتحقيق المجتمع المعرفي ، مجلة المستقبل العربي ، ع 452، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2016،ص 135.
40 –  حسن بن عايل أحمد يحي ، رؤى حول التربية والإعلام وأدوار المناهج لتنمية التفكير فى مضامين الإعلام لتحقيق التربية الإعلامية ، ورقة بحثية مقدمة المؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية، بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات الدولية المملكة العربية السعودية، أيام: 04/07 مارس 2007 ، ص 09.
41 – الأسمر محمد، التربية الإعلامية، شبكة فلسطين الإخبارية، نشر يوم 26/01/2016 انظر أكثر:
URL : http://pnn.ps/news/88204   consulte le 10/03/2017  20h00
42 – MARCHIS, Iuliana, CIASCAI, Liliana, et COSTA, Vitor. Intercultural and Media Education in Teaching Practice. An Exemple of Good Practice. Acta Didactica Napocensia, vol. 1, no 2, 2008, p. 71.
43 –  راشد بن حسين العبد الكريم ، المناهج الدراسية وتنمية ملكات النقد لوسائل الإعلام ،  ورقة بحثية مقدمة المؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية، بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات الدولية المملكة العربية السعودية، أيام: 04/07 مارس 2007 ، ص  02.
44 –  المرجع نفسه ، ص 13.
45- Melki, Jad P. “Sowing the Seeds of Digital and Media Literacy in Lebanon and the Arab World.” Media Literacy Education in Action: Theoretical and pedagogical perspectives. BS De Abreu and P. Mihailidis (Eds.). Routledge, New York, USA ,2013 ,p 77-86

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى