دراسات سياسية

المرحلة الانتقالية: شل للحراك الشعبي، نصف هزيمة ونصف انتصار

بقلم الدكتور علي لكحل، استاذ بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية–جامعة الجزائر 3 

المرحلة الانتقالية هي مرحلة صراع بين القوى الدافعة نحو التغيير والقوى المحافظة على النظام السابق.

هي مرحلة اللاحل،هي مرحلة يحاول فيها النظام السابق حلحلة ازماته وتجميع قدراته وترميم بنائه، ومحاولة شل الحراك، وخلق الثورة المضادة وخنق االثورة الجادة، وهي مرحلة أخذ النفس لساقط في حلبة الصراع، يرفض الهزيمة بالضربة القاضية، وقد يقبل الهزيمة بالنقاط ليعيد االمنازلة حالما تتوفر الشروط الموضوعية لذلك، هي أخطر مراحل التغيير التي تمنح الفرصة لعودة الماضي في غفلة من قوى التغيير أو في خلل من أهل التدبير، وربما في تأثير خارجي من الغير.

لاليل فيها ولا نهار، لاظلمة ولانور، لاظل ولاحرور، تتسم بالضبابية والغموض واقتسام المغانم وفقدان المعالم، والنهاية فيهاغالبا َماتكون لأهل القوة والمكر، وليس لأهل الحق و الفكر. فتنتصر القوة بديلا للحق، واهل الفساد على أهل الحق، في غياب القوة التي تحمي وتربص الأعداء الذي يدمي.

في هذه المرحلة تبدو معالم سقوط النظام، ولكن تظل رموزه متمسكة بالعودة، لتعيد آليات التموقع والتموضع، والحركة والانتشار. لتغدو جماعات المصالح السابقة جزءا من صناعة القرار.

إنها مرحلة تحاول فيها قوى الماضي تخفيف الضربات وتحجيم الخسائر، فيما يشبه نظرية المساومة على فكرة نصف لنا ونصف لكم، نصف هزيمة لنا ونصف انتصار لكم. وحينما تدور الدوائر تكون الثورة المضادة قد أكلت الأخضر واليابس.

وأخطر مافي هذه المرحلة هي نهاية هيبة الدولة،وزوال مفهوم المؤسسات لتعوضها توازنات القوة النتي لاتستمد شرعيته من الشعب وانما من عنصر المساومة على التأزيم والتقسيم، فتكون الدولة بيد جماعات المصالح ولوبيهات الضغط وليس بيد المؤسسات الشعبية المنتخبة. فيتحول النقاش السياسي من كيفية الوصول للمرحلة الأخيرة من التحول الديموقراطي وهي مرحلة الترسيخ الديموقراطي أي دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون، إلى النقاش حول القضايا الخلافية، وإلى لغة المكاسب والمناصب، فيغيب الوطن وتحضر الأنا.

وهنا يفتر التوجه الثوري ويفقد الناس الأمل في التغيير، ويتحول حراك الأمة إلى مجرد صراعات حول مطالب فئوية، يغذيها سوء اختيار القيادة الانتقالية التي لايخضع اختيارها للكفاءة وانما لرداءة تختفي وراء تنظيمات من النظام الفاسد البائد.

وأصحاب الدعوة للمرحلة الانتقالية يستندون في خطابهم السياسي إلى كلمات ومصطلحات عاطفية وحقوقية تجذب البلهاء، والسوقة والدهماء، كالقول بأن المرحلة الانتقالية هي مرحلة شراكة وتعاون وحكم جماعي، وتجمع للخبرات الوطنية. وهي في الحقيقة تخفي سندها الحقيقي الذي يعتمد على اللعب على الوقت، وترك عاملين أساسيين يتفاعلان للضغط باتجاه تغيير قواعد اللعبة السياسية.

العامل الأول وهو عامل داخلي تتحرك بموجبه كل القوى الرافضة للتغيير للاحتفاظ بالوضع الراهن، تحالف بيروقراطي لايسند فكرة التحول إلى جانبه آلية الفساد المالي ومايسميه كارل ماركس. بالبروليتاريا الرثة.

اما العامل الخارجي فيكمن في التدخلات الخارجية التي تتيحها المراحل الانتقالية، حيث يتغذى الندخل الخارجي من غياب سلطة شرعية شعبية فلا أحد يمكنه الحديث باسم الشعب.

كما ان التدخل الخارجي سيمتد من خلال المطالب الداخلية بحماية حقوق فئوية او أقلية. خاصة ونحن نسمع عن خطاب غريب عن مجتمعنا يتحدث عن الأقليات ووضعها في البلاد.

لقد ثبت علميا ان تجارب التدخلات الخارجية أثبتت أنها كانت بطلب من طلب داخلي خاصة أثناء الصراعات الداخلية، التدخل في العراق استند لمطالب كردية ثن توسع لغيرهم، التدخل في الحرب الاهلية اللبنانية كانت بطلب اطراف داخلية استقوت بالخارج للاخلال بتوازن القوة الداخلي. التدخل السوفياتي في افغانستان كان بطلب داخلي من قوى النظام البائد، والتجارب عديدة في هذا المجال.

وعليه فالمرحلة الانتقالية هي عملية لتأخير الشرعية، وفترة لإعادة بناء منظومة الفساد و نظامه السابق، وإتاحة الفرصة لتشكيل قوى غير دستورية، تؤدي لانتاج نفس ممارسات الماضي، وقد تتيح للتدخل الخارجي أن يمتد. في فراغ مؤسساتي شرعي وشعبي.

أمام هذه االحقيقة لو كان بيدي أي تأثير في صناعة القرار لمنعت ظهور أي مراحل انتقالية والعودة الفورية إلى الشعب وهذا هو التطبيق الفعلي للمادة 7 من الدستور، مع الأخذ بعين الاعتبار مطالب الحراك فيما يتعلق بنزاهة وشفافية الانتخابات.

المرحلة الانتقاليه شل لحركة الشعب والتغيير، وضخ الدماء في شرايين النظام السابق. وهي المساومة على المباديء للحفاظ على المصالح والمناصب والمكاسب، في النهاية هي التفاوض باسم الشعب لقوى لم يفوضها الشعب لتحقيق مكاسب لاعلاقة لها بمطالب الشعب وانما بانقاذ ما يمكن انقاذه من الننظام السابق.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى