القاموس القانونيدراسات قانونية

تعريف الجريمة الدولية وأنواع الجريمة الدولية

Definition and Classification of the International Crimes

الأستاذ الدكتور كمال محمد محمد الأسطل

أولا: مفهوم الجريمة الدولية وأركانها

الجريمة الدولية تعرف بأنها الجريمة التي تقع مخالفة للقانون الدولي حيث يرتكبها الشخص الدولي بسلوك إيجابي أو سلبي عالماً بحرمة السلوك وراغباً بارتكابه محدثاً ضرراً على المستوى الدولي.

أركان الجرائم ضد الإنسانية :

لقد عرفت المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية التي أقرت بروما عام 1998 الجرائم ضد الإنسانية بأنها الأفعال اللاانسانية الجسمية و الاضطهادات التي تقع حصرا على إنسان أو مجموعات إنسانية لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو دينية أو أثنية أو ثقافية أو متعلقة و بنوع الجنس ذكرا أو أنثى متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أي مجموعة من السكان المدنيين و عن علم بالهجوم و لكي تكون هذه الجريمة دولية ضد الإنسانية لا بد من توافر أركانها و هي : الركن المادي و الركن المعنوي و الركن القانوني  والركن الدولي .

لقد أشارت مقدمة كل من الفقرة (1) والفقرة (2/أ) من المادة (07) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى الركن الدولي الذي يتمثل في العناصر الأربعة التالية:

1- الهجوم الواسع النطاق أو المنهجي.

2- الهجوم الموجه ضد مجموعة من السمان المدنيين.

3- كون الهجوم قد تم تبعا لسياسة دولة أو منظمة.

4- العلم بالهجوم.

وكما للجريمة في التشريعات الوطنية الداخلية أركان ثلاثة “ركن شرعي– ركن مادي ـ ركن معنوي” فإن الجريمة الدولية تشمل هذه الأركان مع الركن الرابع وهو الركن الدولي ، والآتي بيانها بالتفصيل :

1- الركن الشرعي للجريمة : وجود نص يجرم الفعل  

يفترض هذا الركن وجود نص قانوني يجرم الفعل وأن يكون النص موجوداً في الجريمة الدولية ، ، لذا فإن الركن الشرعي يستمد وجوده من العرف وإلى جوار العرف الدولي توجد الاتفاقيات الدولية وتحتل الاتفاقيات الدولية المرتبة التالية للعرف الدولي في مصادر القانون الدولي بل أن العديد من الاتفاقيات الدولية تحيل إلى العرف الدولي.

2- الركن المادي: هو النشاط أو الفعل الخارجي الذي يرد فيه نص قانوني يجرمه.

والجريمة الدولية حالها من حال الجريمة الداخلية تفترض وجود نشاط إنساني خارجي محسوس لا يختلف إن كان سلوكاً إيجابياً أم سلبياً، وعادة ما يؤدي إلى نتيجة يجرمها القانون الجنائي الدولي.

3– الركن المعنوي: هو كافة الصور التي تعبر عنها الإرادة في الجريمة سواء كانت عمدية أو غير عمدية والواقع العملي يثبت لنا ندرة وقوع جرائم دولية غير عمدية.

4– الركن الدولي: يعتبر هذا الركن هو أساس التفرقة بين الجريمة الداخلية (التي تحصل داخل الدولة) والجريمة الدولية (موضوع الدراسة). فلو زالت صفة الدولية عن الجريمة نكون بصدد جريمة داخلية لا دولية.

على سبيل المثال قيام مجموعة إجرامية من دولة معينة بالتخطيط على إرتكاب جريمة مدبرة ضد دولة أخرى، أو قيام منظمة إرهابية بتوجيه ضربة ضد أشخاص يتمتعون بحماية دولية “وفد دبلوماسي” كعملية تفجير لموكبهم.

 سوف نتحدث في هذا المبحث عن أنواع الجريمة الدولية وتشمل: 1- جرائم الحرب. 2- جرائم ضد الإنسانية. 3- جرائم إبادة الجنس البشري.4- جرائم العدوان.5- الجرائم المنظمة. 6- الجرائم البيئية

النوع الأول:  جرائم الحرب

“تعرف جرائم الحرب بأنها تلك الأفعال التي تقع أثناء نشوب الحرب مخالفة للمواثيق والعهود المتعلقة بالحرب والمواثيق الدولية المرتبطة بالحرب عددية مثل اتفاقية جنيف لسنة 1864 وأعمال معاهدة إلفسفور 1888م ومعاهدة لاهاي لسنة 1899م” وقد وضحت اتفاقيات جنيف لعام 1949م بعضاً من الانتهاكات (جرائم الحرب) مثل: “المعاملة السيئة ـ إبعاد المدنيين عن مساكنهم ـ القتل المتعمد ـ تخريب المدن السكنية والأحياء السكنية” فهذه الأعمال تفترض وجود حرب قائمة مستمرة ويقوم أطراف الحرب أثنائها بهذه الأفعال.

والحرب القائمة ينبغي أن تنشب من نزاع مسلح يتبادله طرفان أو أكثر والأفعال المحظورة في مواثيق الحرب والأعراف الدولية كثيرة مثل استعمال الأسلحة الكيماوية “غاز الخردل ـ غاز الأعصاب” أو استعمال أسلحة جرثومية أو بيولوجية “قذف ميكروبات ضد العدو أو أسلحة ذات تركيبة تمنع التكاثر في الجسم أو تمنعه”، واستعمال أسلحة حارقة كالفسفور، واستعمال المفاعلات النووية، أو اسلحة البورانيوم المنضب أو المخصب ،وحتى اللجوء إلى وسائل الغش والخداع المحرمة كقتل الخصم عن طريق إيهامه بالاستسلام.

“ويعد من ضمن هذه الطائفة إخضاع الأسرى أو المدنيين للتجارب الطبية أو البيولوجية أو معاملة الأسرى معاملة لا إنسانية كالحط من كرامته وإهانته أو الاعتداءات الجسمية المفرطة على جسد الأسير أو إخضاع الأسير للتعذيب”:

يتفق جميع فقهاء القانون الدولي على أن جرائم الحرب هي جرائم عمدية يتطلب ركنها المعنوي ضرورة توافر القصد الجنائي [العلم مع الإرادة]” أي أن يعلم الفاعل بحرمة الفعل ويقوم به.  و أن تتم جريمة الحرب من قبل دول متحاربة “على سبيل المثال من أحد مواطنيها” باسم الدولة وبرضاه ضد دولة أخرى معادية لها، أي مفهوم المخالفة لو وقعت الجريمة من مواطن ضد مواطن آخر فلا دولية فيها.

ومن المعاهدات والمواثيق الدولية التي أولت اهتماماً واضحا على تجريم هذه الجريمة نذكر: حول موضوع تجريم استعمال بعض الأسلحة:

1- إعلان لاهاي 1899م. 2- معاهدة فرساي 1919م. 3- بروتوكول لندن 1936م.4- مؤتمر طهران الدولي لحقوق الإنسان 1968م.5– مؤتمر جنيف لنزع السلاح 1973م.

النوع الثاني: جرائم ضد الإنسانية

تهدف هذه الطائفة من الجرائم إلى حماية الصفة الإنسانية بالإنسان نفسه والعمل على المحافظة عليها.  فتعرف بأنها تلك التي تنطوي على اعتداء صارخ على إنسان معين أو جماعة معينة لأسباب معينة قد تكون دينية أو عرقية أو سياسية. ومن صور هذه الأفعال أو الاعتداءات ” الاسترقاق ـ الإبادة ـ إبعاد السكان الأصليين أو نقلهم قسراً من مناطقهم ـ القتل المتعمد ـ السجن الذي يشكل حرمانا شديدا للحرية البدنية ـ التعذيب ـ إضطهاد الجماعة ـ الاغتصاب ـ اختطاف الأشخاص”.  ويتوافر الركن الدولي كأن تخطط دولة معينة بوضع خطة مدروسة ضد جماعة معينة تشترك بالدين أو الفكر السياسي أو العرق والأمر سيان سواء بتمتع الجماعة بجنسية الدولة المعتدية أو غير متمتعة. “لا فرق بين المواطن والأجنبي”.

ومن المعاهدات والمواثيق الدولية التي اهتمت وأدانت مثل هذا النوع من الجرائم الدولية نذكر: 1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م. 2- مشروع تقنين الجرائم ضد السلم وأمن البشرية 1954م. 3- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966م. 4- النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ميثاق روما) 1998م.

النوع الثالث: جريمة إبادة الجنس البشري

تعرف الإبادة بأنها استئصال مادي أي إتيان أفعال مادية تؤدي إلى القضاء على الجماعة البشرية عن طريق إضطهادها أو تعرضيها للمذابح أو أن تتخذ شكل الاستئصال المعنوي المتمثل بالتأثير على النفس البشرية أو حملها على العيش تحت ظروف معينة كنقل صغارها إلى جماعات أخرى تختلف عنها في الدين أو العادات أو التقاليد أو الأعراف السائدة.

ولعل أهم الاتفاقيات والمعاهدات التي عالجت هذه الجريمة بذكر صورها وتقرير عقوبات إزاء إرتكابها هي اتفاقية مكافحة جريمة إبادة الجنس البشري لعام 1948م وبالتحديد في المادة الثانية الى المادة الثامنة فقد ورد في المادة الثانية تعريف جريمة إبادة الجنس البشري على أنها “أي فعل من الأفعال الآتية يرتكب بقصد القضاء كلاً أو بعضاَ على جماعة بشرية بالنظر إلى صفتها الوطنية أو العنصرية أو الجنسية أو الدينية”

1- قتل أعضاء هذه الجماعة.

2- الاعتداء الجسيم على أفراد هذه الجماعة جسمانياً أو نفسياً.

3- إخضاع الجماعة عمداً إلى ظروف معيشية من شأنها القضاء عليها مادياً كلاً أو بعضاً.

4- اتخاذ وسائل من شأنها إعاقة التناسل داخل الجماعة.

5- نقل الصغار قسراً من جماعة إلى جماعة أخرى”

كما بينت الاتفاقية الأفعال المعاقب عليها وهي:

1- “إبادة الجنس. 2- الاتفاق بقصد ارتكاب إبادة الجنس. 3- التحريض المباشر والعلني على ارتكاب إبادة الجنس. 4- الشروع في إبادة الجنس.  5- الاشتراك في إبادة الجنس.”

وحددت شروط الجاني هل يقتصر على فئة معينة أم مفتوحة بذكرها “سواء أكان الجاني من الحكام أو الموظفين أو من الأفراد” .

كما بينت الاتفاقية تسليم المجرمين، وبينت كذلك اختصاص المحاكم الوطنية بأنه متاح وكذلك للمحاكم الجنائية” .

بناءاً على ما سبق ذكره نستشف أركان الجريمة على الوجه الآتي:

1- قتل أعضاء جماعة معينة “أي وقوع عملية قتل جماعية سواء كانت كلية أو جزئية”.

2- الإعتداء الجسيم الجسماني أو النفسي على أفراد جماعة معينة “وهو كما أسلفنا الاستئصال المادي والاستئصال المعنوي بحيث يتمثل الأول بالاعتداء على الجسد كتعذيبه وتشويهه الثاني بالإرهاب النفسي المتمثل على حمل الشخص على العيش بشكل معين”

3- إرغام الجماعة على منعها من التناسل أو التكاثر: “كالفصل الإجباري بين الجنسين ومنع الجماعة من الزواج، القيام بعمليات إبادة بيولوجية”.

4- إخضاع الجماعة على العيش تحت ظروف معيشية معينة بهدف القضاء عليها “كمنعهم من إرتياد المستشفيات وإجبارهم على الاعمال الشاقة”

5- إجبار الصغار من الانتقال إلى جماعة أخرى غير جماعتهم “كنقل أطفال مسلمين إلى جماعة يهودية بهدف تهويدها وتكفيرها ومحو هويتها الإسلامية”.

أن الركن الدولي يتحقق سواء تمت الجريمة على مواطنين أو أجانب وسواء وقعت في زمن الحرب أو السلم.

النوع الرابع: جرائم العدوان

 جريمة العدوان ما هي الا فعل عدائي يتمثل باستخدام القوة المسلحة تنفيذا لأمر صادر من الحاكم في الدولة أو قياديين بارزين فيها ضد دولة أخرى.

1– فهو يتمثل بأمر صادر من شخص مسئول حاكم أو قيادي على القيام بفعل عدائي ضد دولة أخرى فالفعل العدائي أو العدواني لا يكون الا باستعمال القوة المسلحة على هيئة الهجوم لا الدفاع ، لأن الدفاع يعتبر أمر مشروع يمنع الدولة من المسائلة “الدفاع الشرعي” أما الهجوم فهو عدوان ونشاط مؤثم ضد دولة أخرى.

وأن يتوفر فيها القصد الجنائي مع “العلم ـ الإرادة” علم الفاعل بتجريم الفعل وتوجه إرادته لارتكابه مع العلم ، وعليه فإن علم الجاني بعدم مشروعية العدوان وقيامه به يعرضه للمساءلة القانونية.  ينبغي أن يتم العدوان باسم الدولة أو بناء على خطتها أو برضاها على وقوع فعل العدوان ضد دولة أخرى. مثال على ذلك

أن قيام طيار عسكري بشن غارة جوية ضد دولة مجاورة دون صدور أمر لذلك أي من وليد إرادته لا يشكل جريمة عدوان لأن الفعل قدتم دون أمر صادر من مسئول حاكم أو قيادي، أي بمعنى أدق الفعل لم يتم باسم الدولة أو بناء على خطتها.

ومن المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي سلطت الضوء على جريمة العدوان نذكر:   مؤتمر نزع السلاح في لندن 1933م.  2- النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998م.

 النوع الخامس: الجرائم المنظمة

تتسم الجرائم المنظمة عادة بأنها تهدف إلى التجارة (( لا التجارة العادية المشروعة بل التجارة الغير مشروعة )) التي باتت محل رفض واستياء المجتمع الدولي نذكر منها:

1- جريمة الإتجار بالرقيق.

2- جريمة الإتجار بالأشخاص لغرض أعمال الدعارة.

3- جريمة الاتجار بالمخدرات.

4- جريمة الاتجار بالمطبوعات الإباحية والجنسية.

5- جريمة غسيل الأموال.

6- جرائم الإرهاب.

هذه الطائفة من الجرائم تتفق على أنها جرائم منظمة ، ويجمع المجتمع الدولي على أنها باتت تهدد النظام العالمي أي أنها (( ظاهرة عالمية )) مما دفع المجتمع الدولي إلى عقد المؤتمرات الساعية للحد منها ومن ثم القضاء عليها، مثل مؤتمر نابولي لسنة    1994ووضعت خصائص مشتركة لطائفة من الجرائم المنظمة بحيث لو توافرت نكون أمام جريمة منظمة وهي:

شروط الجريمة المنظمة

1- أن الجريمة المنظمة ترتكب من عصابات أو جماعات إجرامية منظمة على الصعيد العالمي.

2- أن هذه الجماعات تتخذ من العنف والتهديد والترويع أسلوباً لتعاملها مع الآخرين حتى تضمن تسيير أعمالها.

3- أن الجريمة المنظمة لابد وأن تكون مدروسة و مخطط لها.

4- تهدف الجماعات الإجرامية إلى الربح والكسب من وراء عملياتها على الغالب.

5- تتحرى هذه الجماعات السرية والدقة في ارتكاب جرائمها.

6- لا تقوم هذه الجماعات على شخص واحد بل مستمرة على الدوام.

النوع السادس: الجرائم البيئية

تعرف الجرائم البيئية بأنها: جرائم تتم بسلوك إيجابي أو سلبي قبل شخص من أشخاص القانون الدولي مع علمه بحرمة السلوك المرتكب بأن يترتب على هذا السلوك ضرر بالبيئة الطبيعية على مستوى دولي.

ومن الجرائم البيئية التي لا تنسى جريمة النظام العراقي  على دولة الكويت بإحراق آبار النفط حتى أحدث تلوثاً واسعاً في المنطقة.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى