دراسات استراتيجيةدراسات عسكرية

سياسات الدول النامية في تعزيز قدراتها العسکرية غير التقليدية: کوريا الشمالية کدراسة حالة

مجلة السياسة والاقتصاد، جامعة بني سويف، کلية السياسة والاقتصاد،المقالة 5، المجلد 12، العدد (11) یولیو 2021، الصيف 2021، الصفحة 1-36

من اعداد: رضا محمد هلال العجوز

تتناول هذه الدراسة السياسات الداخلية والخارجية الکورية لتحسين قدراتها العسکرية؛ والتى شملت : إدراك وتصور القيادات الکورية الشمالية للأمن الکورى؛ والسرية ومرکزية القرارات الاستراتيجية والصرامة فى تنفيذها؛ وتدبير موارد التمويل الوطنية اللازمة لتحسين القدرات العسکرية. وکذلک تغيير سلوک الدول فى البيئتين الإقليمية والعالمية ومنظمات المجتمع الدولى، وکذلک استيعاب أو امتصاص ضغوط الدول الرافضة أو المعارضة لتحسين قدراتها العسکرية فى مجال حيازة وتطوير الأسلحة التقليدية وغير التقليدية؛ ومواجهة العقوبات الدولية والتحايل عليها؛ و الحفاظ على أواصر التعاون الحذر مع الصين؛ والحرص على” لم الشمل الکورى” مع کوريا الجنوبية ؛ والاستفادة من قصور الرؤية الأمريکية فى التعامل مع معضلة الأمن فى شبه الجزيرة الکورية. وخلصت الدراسة إلى نجاح کوريا الشمالية فى تنفيذ السياسات الداخلية والخارجية السالف بيانها بکفاءة مما أدى إلى انضمامها إلى مصاف الدول النامية مثل الهند وباکستان فى حيازة الأسلحة النووية والکيماوية والبيولوجية وامتلاک وسائل نقلها لأهدافها.

المقدمة

عقب نهاية الحرب الباردة وتفکک الإتحاد السوفيتى السابق لعدة جمهوريات مستقلة ؛ ورواج السوق السوداء لتجارة السلاح عالميا؛ وفشل سياسات الولايات المتحدة وضعف فعالية منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية المتخصصة فى الحد من انتشار الأسلحة التقليدية والأسلحة غير التقليدية؛ واندلاع کثير من أوجه التنافس والسباق بين الدول لحيازة وتوطين هذه الأسلحة – نجحت مجموعة من الدول النامية فى زيادة قدراتها وإمکاناتها العسکرية والتحول من مستورد کامل لکافة أنواع عتاد التسليح إلى استيراد الأسلحة والمعدات العسکرية التى يستعصى عليها تصنيعها محليا؛ وبالتالى تخفيض مخصصات الإنفاق على شراء الأسلحة من الخارج.

وعلى الرغم من أن الحالة الکورية الشمالية تعد من أبرز الدول النامية التى تمکنت من دخول من نادى الدول المصنعة للأسلحة التقليدية والأسلحة غير التقليدية ؛ إلا أنها لم تحظ بالقدر الکافى واللازم من اهتمام وعناية الباحثين المصريين والعرب لدراستها وتقديم بعض الدروس المفيدة لصانعى القرار فيما يتعلق بزيادة القدرات والإمکانات العسکرية لدولهم بما يحمى أمنها القومى ويسهم فى تخفيف الأعباء على الموازنة العامة للدولة وربما تحقيق بعض الإيرادات والموارد المالية فى حال الاتجاه لتصدير فائض عملية التصنيع العسکرى للسوق الإقليمى والعالمى. لذا تتجلى أهمية الدراسة فى الترکيز على السياسة العسکرية لکوريا الشمالية خاصة فيما يتعلق بخططها المتعلقة بتطوير الصواريخ الباليستية باعتبارها تشکل تحديا للدول المحيطة مثل کوريا الجنوبية واليابان أو للدول الکبرى وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريکية رغم الضغوط التي تتعرض لها؛ علاوة على نجاحها فى الانضمام لنادى الدول النووية وحيازة الأسلحة النووية الکافية واللازمة لردع التهديدات الإقليمية والدولية الموجهة لها.

المشکلة البحثية للدراسة والأسئلة المرتبطة بها:

تعتبر کوريا الشمالية من الدول التي تسعى إلى تطوير قدراتها العسکرية للحفاظ على أمنها القومي والدفاع عن نفسها وحماية مصالحها من التهديدات الخارجية وبالتالي فهي تصر على استمرار سياستها فى تطوير وتحديث منظومتها العسکرية لتحقيق أهدافها .

 وبناءً على ماسبق تطرح الدراسة المشکلة البحثية التالية:

نجاح بعض الدول النامية ومنها کوريا الشمالية فى ‏امتلاک – بغض النظر عن معطيات الموقع والمساحة والسکان والموارد ‏والمکانة الدولية- القدرة على تطوير إمکانات وقدرات عسکرية خاصة بها، ومقاومة العقوبات ‏الاقتصادية والضغوط الدولية والإقليمية، علاوة على التصدي للاختراق الخارجي الموجه لها لمنعها من المضى قدما فى تعزيز قدراتها العسکرية .‏

ويرتبط بالمشکلة البحثية السابقة عدة أسئلة بحثية تسعى الدراسة للإجابة عليها منها: ماهو إدراک وتصور القيادة الکورية الشمالية لتهديدات الأمن الکورى وسبل مواجهتها؟ وماهى آليات وبرامج وخطط کوريا الشمالية لتعزيز قوتها العسکرية ؟ علاوة على مدى نجاح الضغوط والسياسات والمواقف الإقليمية التى تمارسها کوريا الجنوبية واليابان والصين والولايات المتحدة –على کوريا الشمالية للتخلى عن الشق ” العدوانى ” فى سياستها الخاصة بتعزيز قدراتها وإمکاناتها العسکرية والتى تتضمن: تطوير الصواريخ الباليستية والاستخدام العسکرى للقدرات النووية، وماهى المسارات والأشکال التى تم تنفيذها لوقف الطموحات العسکرية الکورية الشمالية( فى ضوء تجارب الهند وباکستان واسرائيل)؛علاوة على ماهية العقوبات والضغوط السياسية والتمويلية والفنية لوقف عملية تطوير القدرات والإمکانات العسکرية الکورية ، ومدى التوافق الدولى والإقليمى على سياسات وخطط وقف السياسات والخطط الکورية الشمالية الخاصة بزيادة قدراتها العسکرية؛ وبالتالى تحقيق الأمن والاستقرار فى شبه الجزيرة الکورية بصفة خاصة وفى شرق آسيا عموما؛ وماهية وسائل وأدوات السياسة الکورية لمواجهة الضغوط الدولية والإقليمية الهادفة لتقييد قدراتها العسکرية؟ بالإضافة إلى استشراف مدى نجاح کوريا الشمالية فى استکمال تنفيذ سياستها الخاصة بتعزيز قدراتها وامکاناتها العسکرية فى الأجلين القصير والمتوسط ؟.

المناهج البحثية والنظريات السياسية المستخدمة فى الدراسة:

تتطلب طبيعة الدراسة استخدام مجموعة من المناهج التى تتمثل فيما يلي:

1-المنهج التاريخي: الذي يفيد الموضوع من خلال تتبع مراحل تطور السياسة العسکرية الکورية الشمالية في محاولة لتحليل مختلف السياقات التي تتشکل من خلالها.

2-المنهج الوصفي: من خلال تحليل طبيعة ومکونات السياسة العسکرية لکوريا الشمالية بدقة، ومن أجل الکشف عن الحقائق المختلفة لموضوع الدراسة وصولا إلى نتائج حول مدى إمکانية و قدرة الولايات المتحدة الأمريکية وحلفاءها فى کوريا الجنوبية واليابان على تفکيک الشق ” العدوانى ” فى السياسة العسکرية والذى يشمل إلى جانب تطوير الصواريخ الباليستية البرنامج النووي الکوري الشمالي باستخدام القوة العسکرية أو اللجوء إلى وسائل التسوية السلمية.

3- منهج صنع القرار: تستفيد الدراسة من هذا المنهج فى قدرته على تفسير نتائج القرارات، وفهم العمليات والعوامل التي تؤدي إلى اتخاذ القرار، وديناميات صنع القرار، وأنماط القرارات وصياغتها، والمؤثرات المحلية والثقافية والدولية في صنع القرار الکورى الشمالى المتعلق بالسياسة العسکرية.

4- منهج تحليل النظم :ويتم الاستفادة من هذا المنهج فى النظر للسياسة العسکرية لکوريا الشمالية على أنها مجموعة من التفاعلات التي تتم في إطار النظام السياسي من ناحية، وبينه وبين بيئته الإقليمية والدولية من ناحية أُخرى.علاوة على توظيف المفاهيم الواردة به من قبيل : النظام، البيئة، الحدود، المخرجات، التحويل، التغذية الاسترجاعية، والتکيف– فى أقسام ومحتوى الدراسة .

5- المدرسة الواقعية الکلاسيکية الجديدة: ‎تعد النظرية الواقعية من النظريات السياسية الأکثر تفسيرا لسلوک وسياسات الدول فيما يتعلق بتحقيق الأمن القومى؛ ‎حيث حاولت على اختلاف مسمياتها ومدارسها: الواقعية التقليدية، والواقعية الجديدة، والواقعية التقليدية الجديدة تقديم تفسيرات مقبولة لما يحدث في العلاقات الدولية عموما وفى مجال السياسات والخطط اللازمة لتحقيق الأمن القومى بصفة خاصة(1). ويذهب ‏أنصار الواقعية التقليدية الجديدة إلى تخفيف حدة الفصل بين المحددات الداخلية والمحددات الخارجية ، والقول بتأثير ‏المحددات الداخلية للدولة وأهميتها في فهم السلوک الخارجي إلى جانب ‏المحددات الخارجية؛ والإقرار بتأثير عوامل البنية الداخلية و‏إدراکات صانع القرار على توجهات وأهداف سياسات الدول فى تحقيق أمنها القومى، ومع ذلک شهدت هذه المدرسة بزوغ تياران بها هما(2):

أ- الواقعية الدفاعية‎The Defensive Theory التى ترى أن تعزيز وتحسين القدرات العسکرية الدفاعية للدول أکثر تيسرا من القدرات الهجومية مما يؤدى إلى استتاب ‏الأمن وزوال حوافز النزعة التوسعية نظرا لتمکن الدول من التمييز بين الأسلحة الدفاعية والأسلحة ‏‎الهجومية وبالتالى سعيها لامتلاک الوسائل الکفيلة بالدفاع عن ‏نفسها دون تهديد الآخرين، فالقادة السياسيون وفقا لهذا التيار لايحاولون تبنى سياسة ‏عنيفة وإستراتيجية هجومية إلا في حالة الإحساس بالخطر الخارجي الذى يفرض على الدول تجنيد وتوظيف کافة ومجموع القدرات السياسية، والاقتصادية و‏البشرية، والاجتماعية للدفاع عن مصالحها الحيوية فقط وفى مقدمتها الأمن القومى وردع التهديدات الفعلية والمحتملة ضدها‎. وتبنت الواقعية الدفاعية مصطلح” الواقعية التعاونية‎ Cooperative ‎Realism “‎والذى يفترض قيام الدول- من أجل تفادي الحرب أو التهديد بها فيما بينها – بوضع سياسات مشترکة لمنع التوتر والحرب من قبيل توقيع اتفاقات للحد من انتشار الأسلحة غير التقليدية وخفض الأسلحة التقليدية بدلا من سياسات تعظيم القدرات والإمکانات العسکرية الخاصة بکل منها.

‎ ب- تيار الواقعية الهجومية‎The Offensive Theory ‎: ظهرت الواقعية الهجومية کرد فعل للواقعية الدفاعية، حيث أن الفوضى الدولية تفرض باستمرار على ‏الدول تعظيم و زيادة القوة، لذا يعتقد أنصار هذا التيار بتزايد احتمالات الحرب بين ‏الدول کلما کانت لدى بعضها القدرة على غزو دولة أخرى بسهولة، ‏کما يؤکد مؤيدو هذا التيار على ضرورة العناية والاهتمام بدراسة العوامل والمتغيرات الداخلــية والنسقية الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدراکية المتعلقة بصانع القرار بالإضافة إلى الجانب السيکولوجي للقيادات السياسية والنخب المحيطة بها وکذلک الضغوطات السياسية الإقليمية- عند تحليل وتفسير السياسات المتعلقة بتحقيق الأمن القومى عموما والسياسات المرتبطة بزيادة وتحسين القدرات والإمکانات العسکرية للدول بوجه خاص . ‏

مصطلحات الدراسة :

على الرغم من أن الدراسة تعتمد على مصطلح القدرات العسکرية؛ غير أن هذا المفهوم يرتبط بصلة وثيقة بمفاهيم أخرى من أهمها: العقيدة العسکرية؛ وسياسة التسليح؛ والسياسة العسکرية …. وغيرها من المصطلحات. وبصرف النظر عن انتماء هذه المصطلحات لحقل الدراسات العسکرية والاستراتيجية؛ علاوة على الالتقاء فى رافد واحد ومصطلح عام يضمها جميعا وهو مفهوم ” الأمن القومى”؛ وسعيا لفض الاشتباک وتخفيف الإلتباس والخلط بين هذه المفاهيم والمصطلحات سنقوم بعرض تعريف مختصر لکل منها وبيان أوجه الاختلاف والتشابه فيما بينها على النحو التالى:

1- مصطلح العقيدة العسکرية: تعرف العقيدة العسکرية بأنها “مجموعة من القيم والمبادئ الفکرية التي تهدف إلى إرساء نظريات العلم العسکري وعلوم فن الحرب، لتحدد بناء واستخدامات القوات المسلحة في زمن السلم والحرب بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية”(3). يرکز هذا المفهوم على المستوى الاستراتيجي ويعطيه اهتمامًا خاصًا باعتباره أساسًا لبقية مستويات العقيدة التى تتأثر إلى درجة کبيرة بمؤثرات خارجية مثل: التطورات التکنولوجية والتغيرات السياسية والإستراتيجية، ومن أمثلتها: العقيدة القتالية للعمليات المشترکة، إضافة إلى العقائد القتالية للقوات البرية والجوية والبحرية. أما العقيدة التنظيمية فهي المبادئ الأساسية التي تتبعها التشکيلات المختلفة في أية قوة عسکرية لغرض القيام بواجباتها وإنجاز المهام المنوطة بها کجزء من القوات المسلحة؛ حيث تتضمن المهام والأدوار ومبادئ الاستخدام لکل نشاط عسکري، وتتدرج في تفاصيلها إلى الطرق والأساليب والإجراءات الخاصة باستخدام أي تشکيل معين(4). لذا يعد هذا النوع الأکثر تطورا وتغيرًا نظرًا لتأثره الکبير والمباشر بالتطورات التکنولوجية والخبرات والتجارب الفعلية والتدريبية المستمرة.

2- الأمن القومي: يشير مفهوم الأمن في أحد تعريفاته إلى “القدرة التي تتمکن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسکرية، في شتى المجالات في مواجهة المصادر التي تتهددها في الداخل والخارج، في السلم والحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمن لتلک القوى في الحاضر والمستقبل تحقيقا للأهداف المخططةح و مواجهة التهديدات التي تواجهها، والأمن الدولي أو العالمي وتعنى به المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة أو مجلس الأمن للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين(5).

  لذا فإن مفهوم الأمن القومى– وهو الأکثر ارتباطا بموضوع الدراسة– نعنى به مجموعة السياسات المتخذة لضمان سلامة إقليم الدولة والدفاع عن مکتسباتها في مواجهة التهديدات سواء في الداخل أو الخارج، والتى ليست بالضرورة ذات طابع عسکري أو أمني، وتشتمل هذه السياسات على مجموعة من الاجراءات السياسية والعسکرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وهو مايعنى شمولية الأمن واعتماده على عدة أبعاد لها خصائصها التي تثبت ترابطها وتکاملها، وهي: السياسى والاقتصادى والعسکرى والاجتماعى والثقافى … وغيرها.

3- السياسة العسکرية أو الدفاعية: يعد مصطلح أو مفهوم السياسة العسکرية أو الدفاعية من المفاهيم المعاصرة کثيرة الاستخدام؛ ومع ذلک فهو ينتمى لفئة المفاهيم الغامضة فى العلوم السياسية حيث لم يستدل عليه فى هذا الحقل على الرغم من ارتباطه أساساً بقرارات وأهداف النظم السياسية الموجودة في المجتمع الدولي. لذا جاءت مساهمات بعض الباحثين فى تعريف هذه السياسة اعتمادا على الجمع مابين السياسى والعسکرى فى تعريف هذا المفهوم الذى يقصد به کما ذهبت فى ذلک الدکتورة دلال السيد إلى أنها هي السياسة التي تنظم وتنسق العلاقة بين مختلف السياسات التخصصية بالدولة وبين القوة العسکرية ودورها، واستخدامها، وحجمها، وصولا لتحقيق الهدف السياسي العسکري للدولة(6). ويتبين من التعريف السابق اعتماده على مساهمات علم تحليل السياسات العامة ؛ وبالتالى اعتبار السياسة العسکرية أو الدفاعية للدولة أحد مکونات السياسات العامة للدول سواء المتقدمة منها أو النامية .

ومع کل ماسبق؛ فإنه يمکننا تعريف السياسة العسکرية أو الدفاعية Defense/ Military Policy، بأنها السياسة التي تهدف إلى رسم وتطوير کافة الوسائل والأدوات العسکرية الکفيلة بتأمين الحفاظ على سيادة الدولة ومصالحها الوطنية ومواجهة التهديدات والمخاطر التى تتعرض أو قد تتعرض لها، ويتم تخطيط هذه السياسة وفقا لإدراک وتصور القيادة السياسية والنخبة السياسية والعسکرية المحيطة بها .

4- القدرات العسکرية Military capabilities : يعنى بمفهوم القدرات العسکرية العملية التى يتم بموجبها إعداد حجم مناسب من القوات المسلحة، وبتسليح عصري مناسب لمواجهة التهديدات المحتملة وقادرة على الحرکة والدفاع عن حدود الدولة السياسية وحماية الأهداف الحيوية والقومية: الداخلية والخارجية لها، وتنفيذ الالتزامات الإقليمية والدولية(7).

ويتعين لتحقيق هذه القدرات توفر عدة متطلبات من أهمها: الإرادة السياسية ومصداقية اتخاذ القرارات الخاصة بتطوير وتحديث القدرات والإمکانات العسکرية للقوات المسلحة، وتدبير مصادر وموارد تمويل تحديث وتطوير هذه القدرات والإمکانات بمايعنيه ذلک من زيادة الإنفاق على تطوير وتحديث وتصنيع الأسلحة والتدريب عليها وصيانتها؛ وفى مرحلة تالية توطين الصناعة الحربية في الدولة وتوفير التکنولوجيا المحلية اللازمة لصيانتها وتطويرها بشکل مستمر من حيث التجهيزات والمعدات وإعداد العلماء والفنيين المطلوبين لهذا الغرض.

وتتم عملية التسليح وفق سياسة متکاملة ترتبط بثلاثة تدابير وهى: “الهدف”، “الخطة”، “الإمکانيات”؛ ويشارک خبراء من العسکريين والسياسيين والاقتصاديين وکل من يستعان بخبراته في شأن تحقيق التدابير السابقة؛ مع حصر کافة الإمکانات المتاحة والتي يمکن الحصول عليها لتحقيق أهداف تلک السياسة(8). وبالتالي فان أدوار الخبراء السياسيين والاقتصاديين تشمل مناقشة أهداف سياسة التسليح أي مناقشة حاجة الدولة لامتلاک قوة مسلحة من حجم معين؛ کما تشمل دراسة إمکانيات تأمين الموارد المالية والتکنولوجية والصناعية والبشرية اللازمة لبناء تلک القوة والانعکاسات السلبية أو الإيجابية الناجمة عن جهود التسليح وتأثيرها على أوضاع الدولة الاقتصادية والمالية والسياسية، وتحديد مدى کفاءة الصناعة الوطنية في الإنتاج الحربي مع الوضع في الاعتبار الظروف السياسية أو المالية التي تمنع الحصول على أفضل الأسلحة من دولة صناعية متقدمة أو عدم قدرة الدولة على استيعاب الأسلحة المتطورة وصيانتها.

وستقتصر الدراسة على تناول أحد مکونات سياسة التسليح وهو المتعلق بالسياسات الوطنية والداخلية والخارجية الکورية الشمالية لتطوير منظومات الأسلحة التقليدية وفى مقدمتها الصواريخ الباليستية ومنظومات الأسلحة غير التقليدية عموما وبصفة خاصة الأسلحة النووية فيها .

أولا : السياسات الداخلية الکورية لتحسين قدراتها العسکرية

يقصد بالسياسات الداخلية مجموعة الخطط والبرامج التى قامت کوريا الشمالية بتنفيذها فى الساحة الداخلية أو الوطنية المحلية لتحقيق أهدافها فيما يتعلق بتطوير وتحديث إمکاناتها العسکرية سواء من الأسلحة التقليدية وکذلک الأسلحة غير التقليدية ؛ وتختلط هذه السياسات بعضها البعض لإحداث تأثيراتها المطلوبة لذا فإن الفصل بينها يتم لغرض الدراسة والوقوف على تأثير کل منها لتحقيق الأهداف المرجوة فيما يتعلق بتعظيم القدرات التسليحية لکوريا الشمالية؛ وذلک على النحو التالى:

1- إدراک وتصور القيادات الکورية الشمالية للأمن الکورى :

تثير توجهات ومواقف کيم جونج أون القيادة السياسية لکوريا الشمالية منذ توليه مقاليد الحکم خلفا لوالده فى 2011 ؛ فيما يتعلق بأهدافه فى تحقيق الأمن والاستقرار فى شبه الجزيرة الکورية عموما ولکوريا الشمالية على وجه الخصوص– تساؤلات کثيرة حول تأثير الإدراک والعقيدة الفکرية لصانع القرار على السياسة الخارجية فى الدول النامية ومن أبرزها الحالة الکورية الشمالية؛ فقد تبنت القيادات الکورية الشمالية منذ نهاية الحرب الکورية فى عام 1953 وحتى بداية عام 2018 استراتيجية واضحة وطويلة المدى لتحقيق وضمان الاستقرار والأمن للجمهورية الکورية الشمالية فى المقام الأول ولشبه الجزيرة الکورية عموما(9). واعتمدت هذه الاستراتيجية أو السياسة الشاملة طويلة الأمد على الرؤية الشاملة لأبعاد ومکونات تحقيق الأمن .

فقد آمنت القيادات الکورية الشمالية طوال الفترة الممتدة بين عامى 1953 و2018 بأن إدراکها ووعيها بمفهوم الأمن والذى يعنى وفقا لها هو قدرتها وفقا لعدد من الآليات والوسائل الفکرية والمادية على التمکن من حماية وتأمين وتعزيز مصادر قوتها الداخلية والخارجية فى مواجهة التهديدات والأخطار المحيطة بها على الساحتين المحلية والخارجية؛ وتوفير مقومات استمرار بقاء وقوة النموذج السياسى والاقتصادى فى کوريا الشمالية في الحاضر والمستقبل تحقيقا للأهداف المخططة. ووفقا للإدراک والتصور الکورى الشمالى السابق تجاوزت القيادات الکورية النظرة الضيقة لمفهوم الأمن المقتصرة أو المنحصرة فى صد هجوم عسکري معادٍ وحماية الحدود الکورية الشمالية من الغزو الخارجى والمحافظة على الاستقلال الوطني؛ إلى تأمين النظام السياسى کاملا– حکاما ومحکومين– عسکريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ضد الأخطار والتهديدات المتعددة القادمة من البيئتين الإقليمية المحيطة أو العالمية(10).

کما تم استخدام اصطلاح الأمن القومي فى الخطاب الرسمى الکورى الشمالى للتعبير عن مجموعة سياسات تتخذ لضمان سلامة إقليم الدولة الکورية الشمالية والدفاع عن مکتسباتها في مواجهة الأعداء سواء في الداخل أو الخارج، واتسع مفهوم الأمن في العقود الأخيرة ليشمل قضايا ليست بالضرورة ذات طابع عسکري أو أمني، ليشمل مجموعة من الاجراءات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بعد أن ثبت أن هناک مهددات للأمن القومي الکورى الشمالى بخلاف العدوان والمهددات الخارجية؛ مثل نزايد حدة الفقر وضعف البنية الأساسية من إسکان واتصالات وتعليم وصحة ونقل ونوطين التکنولوجيا وسوء توزيع الدخل وغياب العدالة الاجتماعية، ومن هنا فإن شمولية الأمن تعني أن له أبعادا متعددة لها خصائصها التي تثبت ترابطها وتکاملها، وهي :

 أ) البعد السياسي: والذى يتمثل في الحفاظ على الکيان السياسي للدولة وهو ذو شقين داخلي بتماسک مکونات النظام السياسى وشرعيته والحفاظ على متانة الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية. أما البعد الخارجي فيتصل بمواجهة أطماع الدول العظمى والکبرى ممثلة فى الولايات المتحدة والقوى الاقليمية التى تشمل اليابان وکوريا الجنوبية في أراضي الدولة ومواردها، ومدى تطابق أو تعارض مصالح هذه الدول مع کوريا الشمالية سياسيا واقتصاديا(11). ويحکم البعد السياسى مجموعة من المبادئ الاستراتيجية التي تحدد أولويات المصالح الأمنية الکورية الشمالية وأسبقياتها. ابتدع النظام الحاکم في کوريا الشمالية أيديولوجية شمولية أطلق عليها “زوتشيه” أو” روح الاعتماد على الذات” والتي تتضمن ثلاثة رکائز أساسية هى: “الشاجو” ويعني الاستقلال السياسي، و”الشارب” ويشير إلى الاکتفاء الذاتي في الاقتصاد، و”الشاوي” أي الدفاع عن الوطن. ويعتقد قادة کوريا الشمالية بدءا من کيم آل سونج ونهاية بالرئيس الحالى کيم جونج أون أن التميز العسکري الکورى الشمالى وامتلاک الأسلحة القوية هو ما يتيح تحقيق هذا المبدأ، وقد تم دمج هذه العقيدة بسياسة سونغون “الجيش أولًا” في عام 1996.

وتأکد الإصرار الکورى الشمالى فى الالتزام بـ ” روح الاعتماد على الذات ” عندما لم تلب السياستان الروسية والصينية مساعى وتوجهات کوريا الشمالية فى جولات المحادثات السداسية التى ضمت إلى جانب کوريا الشمالية والصين وروسيا وکوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة خلال الفترة بين عامى 2005 و2007 ، حيث قامت الدولتان بممارسة الضغوط على المفاوض الکورى الشمالى للقبول بوجهات نظر وتوجهات الدولتين التى اعتمدت على التوسط بين کوريا الشمالية ودول اليابان وکوريا الجنوبية والولايات المتحدة وليس المساندة والدعم لمطالب المفاوض الکورى الشمالى وکثيرا ما تجاهلت المطالب الکورية الشمالية الخاصة برفع العقوبات الاقتصادية وضخ المعونات والمساعدات الاقتصادية والاستثمارات لکوريا الشمالية وطرحت إقامة ترتيبات تخص الأمن والاستقرار فى هذه المنطقة دون التطرق للأمن القومى الکورى الشمالى، علاوة على رفضهما إجراء حوار” منفرد ” بين الولايات المتحدة وکوريا الشمالية دون مشارکتهما فيه وموافقتهما على أية اتفاقات أو ترتيبات أمنية ثنائية(12).

لذا لم يکن من المستغرب توجه کوريا الشمالية بعد تولى کيم جونج أون مقاليد الحکم خلفا لوالده فى عام 2011 إلى استئناف البرامج العسکرية الخاصة بتخصيب اليورانيوم وإجراء التجارب النووية ؛ وکذلک تطوير منظومة الصواريخ البالسيتية الکورية الشمالية؛ ولم يکن من المستغرب معارضة ورفض روسيا والصين لتمادى واستمرار کوريا الشمالية فى برامجها لتطوير وإجراء التجارب النووية وحيازة صواريخ متوسطة وطويلة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية وتهديد کوريا الجنوبية اليابان والولايات المتحدة. وإزاء نجاح کوريا الشمالية فى استکمال برامج تطوير الصواريخ الباليستية وإجراء تجارب التفجيرات النووية قررت القيادة الکورية الشمالية أنه يمکنها التفاوض” الآن” بشکل منفرد مع کوريا الجنوبية والولايات المتحدة باعتبارها ” دولة نووية وتمتلک منظومة متکاملة من الصواريخ قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى” لتحقيق الأمن والاستقرار لکوريا الشمالية أولا ثم الأمن والاستقرار والسلام فى شبه الجزيرة الکورية فى مرحلة ثانية(13) .

ب) البعد الاقتصادي؛ ويرمي صانع القرار فى کوريا الشمالية إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب من المرافق الأساسية والسلع الغذائية الرئيسية وتوفير سبل التقدم والرفاهية له. وتدرک القيادة الکورية الشمالية أن النمو الاقتصادي والتقدم التکنولوجي هما الوسيلتان الرئيسيتان والحاسمتان لتحقيق المصالح الأمنية للدولة وبناء قوة الردع الاستراتيجية الکورية الشمالية وتنمية التبادل التجاري وتصدير العمالة والنقل الأفقي للتکنولوجيا وتوطينها وبخاصة التکنولوجيا العالية والحيوية عموما والتکنولوجيا العسکرية والنووية بصفة خاصة.

وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية الدولية التي يعاني من آثارها اقتصاد کوريا الشمالية، إلا أن الناتج المحلي الحقيقي لکوريا الشمالية قد ارتفع في عام 2016 بنسبة قدرها 3.9% مقارنةً بالعام الذي سبقه، وهو أعلى معدل نمو شهده منذ عام 1999، وذلک بسبب ارتفاع إجمالي الصادرات بنسبة 4.6٪ لا سيما صادرات المعادن، وارتفاع إنتاج قطاع المناجم بما يعادل 8.4%، والصناعات الکيمائية والثقيلة بما يعادل 6.7٪، بالإضافة إلى التبادل التجاري مع الصين، وفقًا لتقرير صادر عن البنک المرکزي لکوريا الجنوبية في مارس 2018(14). ويُرجع بعض الاقتصاديين هذا النمو الذي شهده الاقتصاد الکوري إلى الإصلاحات الاقتصادية التي حدثت في عام 2011، حيث تم السماح لمديري المصانع بتحديد رواتب الموظفين، وإعطائهم صلاحيات التعيين والفصل، کما جرى تعديل نظام الجمعيات الزراعية مما قاد إلى نمو القطاع الزراعي(15).

جـ) البعد العسکري؛ تذهب القيادات الکورية إلى أن خططها للدفاع والأمن والهيبة الإقليمية الکورية الشمالية سيتحقق ببناء قوة عسکرية قادرة على تلبية احتياجات التوازن الاستراتيجي العسکري والردع الدفاعي على المستوى الإقليمي وحماية الدولة من العدوان الخارجي، علاوة على الحفاظ على هذه القوة في حالة استعداد قتالي دائم وکفاءة قتالية عالية للدفاع عن حدود الدولة الکورية الشمالية وعمقها الإقليمى والدولى الخارجى. ويمتد البعد العسکري وفقا لهذه القيادات إلى إعداد الدولة والشعب للدفاع ودعم المجهود الحربي في زمن الصراع المسلح ولتحقيق مطالب الردع في فترات السلم. فرئيس الدولة يقود الجيش ويعتمد عليه في حماية النظام السياسي، وکما في معظم دول العالم-إن لم يکن جميعها- يؤدى الجيش الکورى الشمالى دائمًا دورًا حيويًا في السياسة الدفاعية والأمنية، إضافة إلى کونه لاعبًا سياسيًا مهمًا، إلى جانب قيامه بدور اقتصادى مؤثر؛ لذا يؤدي الجيش في کوريا الشمالية ثلاثة أدوار رئيسية هى: ضمان الأمن الوطني، والتصدي للأخطار الداخلية والخارجية، کما أنه يمثل الضلع الثالث في السياسة الکورية (الدولة والحزب والجيش)، ويؤدي أيضًا دورًا اقتصاديًا مهمًا حيث تملک الشرکات التابعة له حصة کبيرة في قطاع الأعمال الکوري(16).

2- السرية ومرکزية القرارات الاستراتيجية والصرامة فى تنفيذها:

يعتمد النظام السياسى الکورى الشمالى – على الرغم من تواجد عدة أحزاب فى الساحة السياسية يطلق عليها مصطلح ” الأحزاب الشقيقة” – على عدة مبادىء هى : حکم الحزب الواحد ، وحکم الفرد الواحد وخلافة السلطة؛ حيث تترکز سلطات الدولة في حزب العمال الحاکم الذى يتبنى ” فکر النظام الأحادي المتجانس” المهيمن عليه الرئيس الذى يعد ” تجسيد لإرادة الحزب المنظمة ککل” و ” المنسق الوحيد للکيان الاجتماعي السياسي في کوريا الشمالية”. وعليه فدور سلطة الرئيس لا تعادلها أو تتحداها أية سلطة أخرى(17). کما تطبق کوريا نظام خلافة الأسرة في الحکم، وهو تعبير منطقي لامتداد حکم الفرد الواحد الذى يسمح لولي العهد بخلافة الحکم باعتبار أنه الوريث لفکر أبيه وقدراته ومهاراته. وبدأ تطبيق وراثة أو خلافة الحکم فى أوائل السبعينيات من القرن العشرين ، وتولى الرئيس الحالى کيم جونج أون مقاليد الحکم خلفا لوالده کيم جونج إيل فى عام 2011. ويعمل النظام السياسى عندما يصدر الحزب أوامره لمؤسسات الدولة دولة، أما الرئيس فهو “يترأس” الحزب(18).

وبالرغم من أن مجلس الشعب الأعلى ( البرلمان) يعتبر أعلى هيئة سياسية في کوريا الشمالية، إلا أن الحزب يصدر أوامره للمجلس وهي نفس الأوامر التي يصدرها الرئيس. وعليه وبغض النظر عن مهام الرئيس التي يجب القيام بها، فهو الرئيس الفعلي والتنفيذي لکل الشئون السياسية والدفاعية والدبلوماسية والأمن القومي والاقتصاد والتجارة والصناعة والشئون الاجتماعية والثقافية والفنية.

أدرکت القيادة الکورية الشمالية ممثلة فى الرئيس کيم جونج إيل أسباب سقوط نظام صدام حسين فى العراق فى عام 2003 وکذلک سقوط نظام معمر القذافى فى ليبيا فى نهاية عام 2011 بعد استمرارهما فى الحکم لأکثر من ثلاثة عقود، خاصة بعد کشف إدارة الرئيس الأمريکى جورج بوش الإبن عن اعتمادها لخطط الاختراق واسقاط النظامين من الداخل إما من خلال تجنيد بعض القيادات العسکرية المقربة من الرئيسين للعمل لحسابها نظير منحها بعض المبالغ المالية التى تراوحت بين 20 و35 مليون دولار – وهى مبالغ زهيدة للغاية مقارنة بتکاليف استخدام الصواريخ فى الهجوم العسکرى ناهيک عن الخسائر البشرية – لخلق حالة من الفوضى والفساد وشل قدرات النظام فى التواصل مع قياداته الميدانية – قبل اللجوء لاستخدام القوة العسکرية . لذا اعتمد الرئيس کيم ضوابطاً صارمة وشديدة فى تعيين القيادات السياسية والعسکرية ومراقبتهم ومحاسبتهم بشکل دورى ومفاجىء مستعينا فى ذلک بأجهزة الأمن الداخلى والقومى علاوة على أجهزة الحزب وتقارير الکوادر التابعة لهذه القيادات.

ومن وقت لآخر فى الفترة بين عامى 2011 و2018 تظهر تقارير بعض أجهزة الأمن الکورية الجنوبية والأمريکية أو المؤسسات الأمنية المتخصصة قيام الرئيس کيم جونج أون بإقالة عدد من المسئولين السياسيين أو العسکريين من مناصبهم وتصعيد آخرين بدلا منهم ، وفى بعض الآحيان تمت عملية التصفية الجسدية للبعض منهم بعد ثبوت فساده أو عدم قدرته على تنفيذ التکليفات الصادرة له . ومن هذه الأمثلة فى عام 2017: إعدام عشرة أعضاء في حزب العمال الحاکم، أُعدموا رميًا بالرصاص لتقاضيهم رشاوى واقامة علاقات جنسية أو ارتکابهم جرائم ضد الدولة، بالإضافة إلى معاقبة 200 ضابط في سلاح المدفعية بتنزيل رتبهم لعدم دقة الوحدات التي يقودونها في اصابة الهدف خلال تمارين وتدريبات عسکرية(19). وبعد طرح الرئيس جونج لمبادرته بإعلان استعداده التفاوض على التخلى عن تجارب تطوير الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية فى أبريل 2018 قام الرئيس بعزل ثلاثة مسئولين عسکريين من مناصبهم واستبدالهم بآخرين أکثر التزاما بتوجهات ومواقف وتصورات القيادة السياسية الکورية الشمالية حيث تم استبدال وزير الدفاع بارک يونج-سيک ورئيس هيئة أرکان الجيش الشعبى رى ميونج-سو بالنائب الأول لوزير الدفاع نو کوانج-تشول والنائب الأول لرئيس هيئة أرکان الجيش الشعبى رى يونج-کيل على التوالي؛ بالإضافة إلى استبدال مدير المکتب السياسى العام للجيش الشعبى کيم جونج-جاک بـ کيم سو-کيل فى 26 مايو 2018(20).

إلى جانب ما سبق؛ وربما يعد من مزايا النظم السياسية غير الديمقراطية أو الشمولية ؛ لوحظ حفاظ النظام السياسى الکورى خلال الفترة بين عام1990 وعام 2018على طابع السرية الشديدة والتکتم على مصادر البيانات والمعلومات الخاصة بالشئون السياسية والاقتصادية والعسکرية الکورية الشمالية. وهو الأمر الذى دفع عددا من معاهد ومراکز الدراسات المتخصصة فى مجالات الاقتصاد والسياسة والسياسات العسکرية علاوة على المؤسسات المتخصصة فى جلب البيانات والمعلومات مثل أجهزة الاستخبارات والأمن القومى والوطنى بمختلف مسمياتها– إلى الإعلان عن أن کوريا الشمالية تمثل تحديًا للأکاديميين والدبلوماسيين الغربيين باعتبارها دولة مغلقة نأت بنفسها عن محيطها الجغرافي، وما تقدمه الجهات الکورية الرسمية للمنظمات الدولية لايتجاوز معلومات سطحية غامضة غير مفصلة(21). وتمثل هذه المعلومات على ضحالتها مصدر الباحثين في دراسة وفهم کوريا الشمالية؛ يتم بناء عليها فى مرحلة تالية تقديمهم تکهنات أو استنتاجات أو تقديرات قابلة للدحض أو النقد لاحقا بظهور معلومات جديدة متعارضة معها. وتعد هذه السياسة الکورية الشمالية فى التعتيم وستر وإخفاء البيانات والمعلومات– على الرغم من استهجان ورفض بعض المدافعين عن حرية تداول المعلومات والبيانات لها- أمراً جوهريا وضرورياً للحفاظ على استمرارية جهودها وسياساتها لتعظيم قدراتها وإمکاناتها العسکرية فى مجالى الأسلحة التقليدية وغير التقليدية؛ وهو ما حال دون تدخل الولايات المتحدة وکوريا الجنوبية واليابان لوقف وإنهاء السياسات الکورية فى وقت مبکر باتخاذ کافة الوسائل والأدوات السياسية والاقتصادية والفنية اللازمة لهذا الغرض. لذا لم يکن من المستغرب اکتشاف أجهزة الاستخبارات الأمريکية والکورية الجنوبية قيام کوريا الشمالية باستخدام مراکز وقواعد سرية لتجربة إمکانات أسلحتها الجديدة؛ ومنها على سبيل المثال: کشف أجهزة الاستخبارات الأمريکية والکورية الجنوبية عن ورود معلومات وصفتها ” بالخطيرة “عن” نية ” کوريا الشمالية فى “إخفاء” الصواريخ النووية وصواريخها الباليستية “تحت الماء”؛ وذلک من خلال قيامها بتنفيذ” خطة سرية لبناء غواصات يمکن من خلالها إخفاء الصواريخ الباليستية والصواريخ النووية تحت الماء”. وتشير متابعة قراءة هذه التقارير أنها اعتمدت على استنتاجات وتقديرات لبعض العاملين فى أجهزة الاستخبارات اعتمادا على معلومات تفيد بدء کوريا الشمالية في: بناء ثاني غواصاتها النووية الصاروخية العملاقة التي تمکنها من حمل الصواريخ الباليستية والرؤوس النووية؛ وبناء حوض عملاق للسفن والغواصات شرقي کوريا الشمالية والذى يمکن – من وجهة نظر أجهزة الاستخبارات – استخدامه کمخبأ سرى لإخفاء الأسلحة النووية لکوريا الشمالية؛ علاوة على تطويرها غواصات تحت اسم “سينبو — سي” يمکن أن تصل حمولتها لأکثر من ألفي طن ويتم تحميلها بصواريخ يصل طولها لنحو 11 متر وتعد النموذج المطور من الغواصة “سينوبي — بي” (22).

وقد مکنت سياسة التعتم وتنفيذ السرية الکاملة والشاملة کوريا الشمالية من التشدد الکامل والتمسک بمواقفها وسياساتها التسليحية أثناء اللقاءات والقمم التى جمعت الزعيم الکورى الشمالى کيم جونج أون مع نظيره الکورى الجنوبى جيه مون وکذلک الرئيس الأمريکى ترامب فى أبريل ويونيه 2018؛ وبالتالى مطالبة کوريا الجنوبية والولايات المتحدة للرئيس الکورى الشمالى بالکشف عن المعلومات والبيانات الخاصة بسياساته العسکرية عموما وبأسلحته التقليدية وغير التقليدية ووقف جميع برامجه عن تطوير هذه الأسلحة ثم التخلى عنها ونزعها بالکامل والسماح بفرق التفتيش بزيارة کافة المواقع والإشراف على تدمير هذه الأسلحة وفقا لبرامج وخطط زمنية محددة(23). وربط الرئيس الکورى الشمالى موافقته على هذه المطالب بالموافقة على إنهاء حالة الحرب مع کوريا الجنوبية وإبرام معاهدات سلام معها ومع اليابان ومع الولايات المتحدة؛ على أن يتم فى مرحلة لاحقة نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الکورية(24)؛ مما يعنى ضمنا تمسک الرئيس الکورى الشمالى بما حققته کوريا الشمالية من إنجازات فى مجال حيازة وامتلاک الأسلحة التقليدية وغير التقليدية خلال الفترة بين عامى 2012 و2018 .

ونرى أن توحيد الرأى والرؤية بين القيادة السياسية الکورية الشمالية والشخصيات السياسية والعسکرية التابعة لها فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية والأمنية القومية له ما يبرره فى ضوء النظر لهذه القضايا باعتبارها قرارات” أزمة “والتى تتسم بطبيعتها وسماتها بالسرعة ومحدودية المشارکين فيها من أفراد ومؤسسات سياسية ومتخصصة بعدم الديمقراطية والرشادة المتعارف عليها علميا(25).

3- تدبير موارد التمويل الوطنية اللازمة لتحسين القدرات العسکرية :

اعتمدت کوريا الشمالية فى خططها لتدبير الموارد المالية اللازمة والتمويل الکافى لتنفيذ السياسات الخاصة بتعظيم وتحسين برامجها التسليحية– على الاستفادة من الخطط والبرامج التى نفذتها کل من کوبا وباکستان وايران وفنزويلا وبنما وجميعها تعرض لفرض عقوبات مالية واقتصادية أمريکية ودولية عليها بسبب رغبتها فى حيازة وتطوير برامجها للأسلحة التقليدية وغير التقليدية خلال الفترة بين عامى 1960 و2018.

 لذا تمکنت کوريا الشمالية من الحفاظ على مستويات مرتفعة من الإنفاق العسکري لدعم سياساتها للتسلح التقليدي وغير التقليدى؛ وعلى الرغم من صعوبة إيجاد مصادر دقيقة تشير إلى معدلات الإنفاق العسکري الکوري الشمالى، لذا تم الاعتماد على عدة مصادر منها تقارير وزارة الخارجية الأمريکية وتقارير وزارة الدفاع الأمريکية خاصة تلک المقدمة للکونجرس الأمريکى بمجلسيه النواب والشيوخ وکذلک تقارير وزارة الدفاع الکورية الجنوبية خلال الفترة بين عامى 2000 و2016(26)حيث اتفقت هذه التقارير على أن حوالي ربع مخصصات الإنفاق فى الميزانية العامة تتوجه إلى الإنفاق العسکري المتنامي سنويًّا، کما تراوح المتوسط السنوي للإنفاق العسکري الکوري بين أربعة إلى خمسة مليارات دولار في الفترة ما بين عام 2004 إلى عام 2017. وتم تخصيص نحو ثلث المبلغ السابق– وفقا لتقارير وزارة الدفاع الأمريکية ووزارة الدفاع الکورية– لتغطية تکاليف تطوير وإطلاق الصواريخ الباليستية الکورية بين عام 2011 وعام 2017 بما يتراوح بين مليار دولار ومليار ونصف المليار دولار، وقد مکنت المخصصات المالية السابقة کوريا الشمالية- وفقا لتقرير للاستخبارات الدفاعية الأمريکية صدر في نوفمبر 2017- کوريا الشمالية من امتلاک نحو 60 رأسًا نوويًّا(27)، فيما يشير تقرير معهد استوکهولم لدراسات السلام الدولي الصادر في يوليو 2018 إلى تقديرات أقل، إذ يشير إلى ما يتراوح بين 20 إلى 30 رأسًا نوويًّا(28). علاوة على امتلاکها – وفقا لتقرير وزارة الدفاع الکورية الجنوبية الصادر في مايو 2017- ترسانة من الأسلحة الکيميائية تشتمل على: غاز الخردل والکبريت والکلور والفوسجين والسارين؛ ويقدر مخزون الأسلحة الکيميائية لديها بما بين2500 إلى5000 طن؛ إلى جانب نجاحها فى امتلاک بعض الأسلحة البيولوجية التي تجعل لديها القدرة على إنتاج مسببات الأمراض کالجمرة الخبيثة والجدري والکوليرا… وغيرها(29). ويمکننا تفسير نجاح کوريا الشمالية فى تدبير تمويل أنشطتها العسکرية– إلى جانب ما تم عرضه فى موضع سابق من اعتبارها الإنفاق على برامجها وخططها التسليحية ضمن أولويات البقاء لها – بعدة آليات ووسائل من أهمها :

أ- الحفاظ على تحقيق معدل ايجابى للنمو الاقتصادي وزيادة الصادرات: أدرکت القيادة الکورية أنه يتعين عليها فى سبيل استدامة توفر التمويل اللازم والکافى لسياساتها التسليحية الحفاظ على نمو الناتج المحلى الحقيقى حيث ارتفع هذا الناتج في عام 2016 بنسبة قدرها 3,9% مقارنةً بعام 2015، وهو أعلى معدل نمو شهده منذ عام 1999. إلى جانب ماسبق؛ حافظت کوريا على الرغم من فرض العقوبات المالية والاقتصادية عليها من زيادة إجمالى الصادرات بنسبة 4,6٪ لاسيما صادرات المعادن، علاوة على زيادة إنتاج قطاع المناجم بما يعادل 8,4% والصناعات الکيمائية والثقيلة بما يعادل 6,7٪، مما ساهم فى زيادة العائد من هذه الصادرات والتى تراوح معدلها بين 800 إلى 1200 مليون دولار بين عامى 2014 و2017(30). ومن أبرز الدول التى تتوجه إليها صادرات کوريا الشمالية: روسيا ودول الاتحاد الأوروبي والصين والسلفادور والهند وأندونيسيا وباکستان والفلبين وسلوفاکيا؛ علاوة على قيام کوريا الشمالية بتصدير الفحم والحديد إلى مجموعة من الشرکات الصينية الوسيطة في الفترة من 2015 إلى نوفمبر2017حيث قدرت قيمة صفقات الفحم التى تم تصديرها بنحو 4791 مليون دولار تقريبًا، بينما بلغت تکلفة صادرات رکائز الحديد ما يقدر بنحو ثلاثة مليارات دولار فى ذات الفترة وفقًا لتقارير لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن(31).

ب- إجراء إصلاحات جذرية على نظام الخدمة المدنية فى کوريا الشمالية بدءا من عام 2012 بمايسمح لمديري المؤسسات الحکومية الخدمية الکبرى والمتوسطة وکذلک مديرى المصانع بتحديد رواتب الموظفين والعاملين وبما يتناسب مع احتياجات الدولة للإنفاق الحکومى عموما وللإنفاق العسکرى على وجه الخصوص، وتفويضهم کذلک فى صلاحيات التعيين والفصل للعمالة، کما استبدل نظام الجمعيات الزراعية التعاونية والمساهمة بدلا من نظام الجمعيات الحکومية مما قاد إلى تحقيق نمو في القطاع الزراعي ونجاحه فى تلبية احتياجات الدولة من المحاصيل الغذائية الأساسية وبالتالى الإفلات من الخضوع” لابتزاز” الدول الکبرى والمحيطة ومنها الولايات المتحدة وکوريا الجنوبية واليابان التى کانت تشترط تخلى کوريا الشمالية عن خططها وبرامجها التسليحية غير التقليدية عموما والنووية بصفة خاصة لإمدادها باحتياجاتها الضرورية من الحاصلات الزراعية الغذائية خلال الفترة بين عامى 2005 و2008(32).

جـ- تأسيس مشارکات تجارية وتکنولوجية دولية؛ استطاعت کوريا الشمالية خلق شراکات مع بعض الدول الآسيوية مثل الصين التي تعتبر أکبر الدول التجارية الشريکة لها، حيث ارتفع حجم الصادرات الکورية إلى الصين ما يعادل 2,57 مليار دولار في عام 2015 إلى ما يصل لحوالي 5,51 مليار دولار وذلک وفقًا لتقرير احصاءات التجارة العالمية الصادر في عام 2017 عن صندوق النقد الدولى(33). ولا يقتصر الدور الصيني على التبادل التجاري الضخم فقط، بل يتعداه إلى تقديم الدعم الفني والتکنولوجى لبرامج تطوير الأسلحة التقليدية والأسلحة غير التقليدية الکورية الشمالية، وکذلک قيام مؤسسات مالية وشرکات ضخمة وبنوک صينية بتسهيل التحويلات النقدية إلى کوريا الشمالية. وتضم قائمة الدول التي تحتل نسبًا متنامية في تجارتها مع کوريا الشمالية کلاً من: الهند، وباکستان، وروسيا، وبورکينافاسو؛ وفنزويلا، وکوبا، وايران…. وغيرها من الدول(34).

د- توظيف تحويلات العمالة الکورية الشمالية من الخارج: تمکنت کوريا الشمالية – وفقا لتقارير مجلس الأمن– باستخدام علاقات حزب العمال الکوري مع شرکة (Rungrado) التي يعمل لديها أکثر من 10 آلاف موظف وتمتلک فروعًا في أکثر من 6٠ دولة فى العالم، فى تسهيل وإلحاق الألاف من العمال والفنيين الکوريين الشماليين بفرص عمل فى عدة دول خارجية أبرزها: بولندا وروسيا والصين وعدد من الدول العربية الخليجية والدول الأوروبية؛ بهدف تدبير مبالغ ضخمة من العملات الأجنبية لحکومة کوريا الشمالية واستغلالها في تمويل تطوير ترسانتها من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية(35). وعلى الرغم من قيام مجلس الأمن فى ديسمبر2017 بإصدار قرار يطالب بموجبه الدول الأعضاء بإعادة هذه العمالة لکوريا الشمالية غير أن الشرکات الخاصة التى تعمل بها غالبية هذه العمالة رفضت تنفيذ القرار متذرعة بالاعتبارات والتداعيات الاقتصادية والانسانية(36)؛ مما يسمح باستمرار تدفق تحويلات هذه العمالة من العملات الأجنبية للحکومة الکورية ويمکنها من الاستمرار فى تدبير الموارد المالية الکافية واللازمة لتنفيذ سياساتها الخاصة بتحسين قدراتها العسکرية.

ه- زيادة مبيعات السلاح: غنى عن البيان أن کوريا الشمالية من أوائل الدول النامية الناشطة فى سوق تجارة الأسلحة على المستوى العالمى لاسيما فى مجال الأسلحة الصغيرة وتوفير قطع الغيار وتقديم برامج الصيانة للأسلحة الروسية الشهيرة؛ لذا تجني کوريا الشمالية أموالًا ضخمة کحصيلة لمبيعاتها من السلاح إلى دول فى منطقة الشرق الأوسط وشمال ووسط أفريقيا والتى اعتمدت لفترة طويلة فى ترسانتها العسکرية على الأسلحة الشرقية المقدمة لها من روسيا ودول شرق أوروبا، ورصد المراقبون عددًا من صفقات السلاح الموجهة إلى دول إفريقية في الفترة بين عامى 2011و2017، وفقا لتقارير لجنة العقوبات بالأمم المتحدة من أبرزها: تصدير منظومات الدفاع الجوي المحمولة وقذائف سطح إلى موزمبيق، وأيضًا تجديد سفن خفر السواحل في أنجولا، وبناء سفن في سريلانکا، بالإضافة إلى تصدير أسلحة وتدريب الحرس الرئاسي بالکونجو، وصيانة الدبابات الروسية الشهيرة ت72؛ وتصدير مکونات وأجزاء الصواريخ البالسيتية لکل من ايران وحزب الله فى لبنان وجماعة الحوثى فى اليمن(37).

وـ- الانخراط فى أنشطة الاقتصاد السرى العالمى: وجهت تقارير لجنة العقوبات بالأمم المتحدة اتهامات لکوريا الشمالية بممارسة أنشطة اقتصادية غير مشروعة عالميا من قبيل ارتکاب جرائم أمن المعلومات أو مايعرف” بالجرائم السيبرانية”؛ وتجارة المخدرات بهدف توفير الموارد المالية اللازمة للإنفاق على سياساتها العسکرية. ففى مجال جرائم أمن المعلومات تم اتهام کوريا الشمالية بأنها تمکنت بين عامى 2012 و2017 من تطوير شبکة تحويلات مالية مشبوهة باستخدام البنية التحتية الذکية للصين وماليزيا بهدف سرقة أموال بعملات مختلفة تقليدية وإلکترونية وتحويلها إلى حسابها؛ کما اتُّهمت کوريا الشمالية، في فبراير 2016، بسرقة 81 مليون دولار من حساب البنک المرکزي ببنجلاديش لدى البنک الاحتياطي الفيدرالي الأمريکى بنيويورک، ناهيک عن الهجمات الإلکترونية المتکررة على بنوک ومؤسسات تابعة لکوريا الجنوبية(38)، فوفقًا لتقرير صادر عن شرکة الأمن السيبراني الروسية “کاسبيرسکي” في أبريل 2017، فإن النظام الکوري الشمالي يرتبط بالهجمات الإلکترونية على 18 دولة وذلک بغرض تعظيم مکاسبها المالية مستخدمة فى ذلک العملات الافتراضية الإلکترونية ومنها البيتکوين في تحويلاتها، کما تحتفظ باحتياطيات نقدية ضخمة لدى الصين من العملات الأجنبية والافتراضية لتمويل حرکة تجارتها الخارجية مع الصين علاوة على تمويل أنشطة التعاون التکنولوجى المشترک فى مجال تطوير الأسلحة التقليدية وغير التقليدية(39). إلى جانب ماسبق؛ ثمة اتهامات أمريکية متکررة لکوريا الشمالية بالضلوع المکثف فى تصنيع وتصدير الأنواع المختلفة من المواد المخدرة والتي تصل إلى مناطق مختلفة من العالم، والتي تتصاعد بصورة غير مسبوقة مع تشديد العقوبات على کوريا الشمالية(40). وتذهب هذه الاتهامات إلى حد اعتبار کوريا الشمالية مع ايران- أحد قنوات تصدير المواد المخدرة الأفغانية للسوق العالمى وبصفة خاصة للدول الأوروبية ودول شرق آسيا خاصة کوريا الجنوبية واليابان وماليزيا وتايلاند(41)؛ وهى المزاعم التى لم تؤيدها أى من الدول المشار إليها.

مماسبق؛ يتبين نجاح کوريا الشمالية فى تدبير مصادر تمويل داخلية لتطوير منظومتها التسليحية من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية؛ إلى جانب توظيف علاقتها الاستراتيجية ببعض الدول” الصديقة والحليفة” لها–ومن أبرزها الصين وروسيا- فى خرق العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة عليها فى إمدادها ببعض مصادر التمويل المرتبطة بالتجارة الخارجية علاوة على التعاون الجاد والحيوى فى الجوانب الفنية والتکنولوجية المرتبطة بتطوير صناعة الأسلحة، لذا سعت إدارة الرئيس الأمريکى دونالد ترامب للضغط على الصين من أجل الحد من دعمها لکوريا الشمالية وهو ما تحقق جزئيا بإعلان الصين في أغسطس ٢٠١٧ عن توقف عملياتها لاستيراد الفحم من کوريا الشمالية حتى نهاية عام ٢٠١٧، وهو الأمر الذى تحسبت له کوريا الشمالية جيدا وفى وقت مبکر حيث نجحت فى خلق شبکة من المصالح بين شرکاتها والشرکات الخاصة فى کل من کوريا الجنوبية والصين وروسيا لخرق العقوبات المالية والاقتصادية الدولية وبالتالى تدبير الموارد المالية المطلوبة للإنفاق العسکرى ومنع أية أزمات اقتصادية ضخمة لديها من شأنها أن تؤدي إلى وقف أو تجميد أو تخفيض الإنفاق على برامج تطوير الأسلحة بنوعيها التقليدى وغير التقليدي، علاوة على نجاحها فى استغلال وتوظيف الثغرات المتعددة في نظام التحويلات النقدية العالمية للإفلات من تطبيق العقوبات الدولية عليها ولتسهيل تحويلاتها المالية المشبوهة. ووفقا لبعض المتخصصين(42)؛ فإن کوريا الشمالية تسعى في الوقت الراهن لتطوير أسلحة نووية أقل کلفة مما سيقلل من الحاجة إلى التسليح التقليدي الذى سيحقق بدوره وفورات مالية للميزانية من شأنها أن تواجه العقوبات الموقعة عليها لأکثر من خمس سنوات قادمة؛ وهو الأمر الذى دفع مجلس الأمن فى ديسمبر 2017 للإعراب عن بالغ قلقه من أن مبيعات جمهورية کوريا الشمالية من الأسلحة المشمولة بالحظر قد حقّقت إيرادات يجري تحويل وجهتها نحو امتلاک الأسلحة النووية والقذائف التسيارية(43).

ثانيا : السياسات الخارجية الکورية الشمالية المساندة/ الداعمة

 يقصد بالسياسة الخارجية للدولة جميع الأنشطة الخارجية لهذه الدولة والتى تهدف إلى تغيير سلوکيات الدول الأخرى وجميع الفواعل فى النسق الدولى أو أقلمة أنشطتها بما يکفل الحفاظ على الوضع القائم وتحقيق أهداف الدولة صاحبة السياسات الخارجية المخططة والمحددة سلفا(44). لذا سعت کوريا الشمالية إلى القيام بعدد من الأنشطة والتحرکات السياسية لتغيير سلوک الدول فى البيئتين الإقليمية والعالمية ومنظمات المجتمع الدولى، وکذلک استيعاب أو امتصاص ضغوط الدول الرافضة أو المعارضة لتحسين قدراتها العسکرية فى مجال حيازة وتطوير الأسلحة التقليدية وغير التقليدية؛ ومن أهم الأنشطة التى قامت بها تحقيقا للأهداف السابقة ما يلى:

1- مواجهة العقوبات الدولية والتحايل عليها:

تشمل العقوبات الدولية کل التدابير والإجراءات التي تختص الدول- بشکل فردي- أو المنظمات الدولية التي تمثل المجتمع الدولي بفرضها بشکل رئيسي ضد الدولة التي انتهکت أحکام القانون الدولي؛ وتتنوع أشکال العقوبات بتنوع الهدف من فرضها؛ إذ قد تتخذ شکلاً إقتصادياً وتجارياً وعسکرياً، دبلوماسياً أو مالياً(45).

وقد اعتمدت الولايات المتحدة على استخدام مجلس الأمن فى استصدار نحو 11 قراراً بفرض العقوبات المالية والاقتصادية وبالإضافة إلى العقوبات على نحو 48 مسئولاً فى کوريا الشمالية سواء کانوا أعضاء فى الحزب الحاکم أو مسئولين عسکريين أو مديرى شرکات وأجهزة على صلة وثيقة بصناعة الأسلحة التقليدية أو الأسلحة غير التقليدية؛ وتمکنت من إقناع کل من روسيا والصين إلى جانب فرنسا وبريطانيا بالموافقة على هذه القرارات على الرغم من العلاقات الوثيقة التى تربط کوريا الشمالية بکلتا الدولتين–روسيا والصين– وذلک اعتماد على مواد الفصل السابق من ميثاق الأمم المتحدة والتى اعتبرت بموجبها السياسات الکورية التسليحية تشکل تهديدا للسلم والأمن الدولى. ولوحظ أن جل هذه القرارات– والأشد والأقسى من حيث فرض العقوبات ومجالاتها– صدرت فى عام 2017 وهو العام الأول فى فترة حکم الرئيس الأمريکى دونالد ترامب والذى أکد على سلاح العقوبات باعتباره الوسيلة والأداة الأکثر فعالية وتأثيرا لوقف سياسات کوريا الشمالية لتعزيز ترسانتها العسکرية. وتشمل قائمة هذه القرارات مايلى(46) : القرار 825 (1993)، والقرار 1540 (2004)، والقرار 1695 (2006)، والقرار 1718 (2006)، والقرار 1874 (2009)، والقرار 1887 (2009)، والقرار 2087 (2013)، والقرار 2094 (2013)، والقرار 2270 (2016)، والقرار2321(2016)، والقرار 2356 (2017)، والقرار رقم 2371(2017) ، والقرار 2375(2017) والقرار 2397( 2017). وقد طالبت الأمم المتحدة فى هذه القرارات جميعا کوريا الشمالية بالتخلى عن جميع الأسلحة النووية والبرامج النووية الحالية بشکل کامل ويمکن التحقق منه ولا رجعة فيه، وأن توقف فورا جميع الأنشطة ذات الصلة؛ وبأن لا تقوم بأي عملية أخرى من عمليات الإطلاق التي تستخدم تکنولوجيا القذائف التسيارية أو بتجارب نووية أو أي شکل آخر من أشکال الاستفزاز؛ وبأن توقف جميع أنشطتها المتصلة ببرنامج القذائف التسيارية، وأن تعيدَ، في هذا السياق، إقرار التزاماتها السابقة بوقف عمليات إطلاق القذائف؛ وبأن تتخلى عن أية برامج أخرى قائمة في مجال أسلحة الدمار الشامل والقذائف التسيارية بشکل کامل ويمکن التحقق منه ولا رجعة فيه. علاوة على إدراج عدة کيانات عسکرية وتجارية کورية شمالية وحظر التعامل معها دوليا ومصادرة أموالها وممتلکاتها ومن أبرزها:1- شرکة کانغبونغ التجارية (KANGBONG TRADING CORPORATION) : وهى التى تقوم ببيع أو توريد أو ونقل أو شراء المعادن أو الغرافيت أو الفحم أو البرامجيات، بشکل مباشر أو غير مباشر، إلى جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية أو منها، حيث يمکن أن تستفيد حکومة جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية أو حزب العمال الکوري من الإيرادات أو السلع التي تلقتها المؤسسة؛ والتى تشرف عليها وزارة القوات المسلحة الشعبية. ٢ – مؤسسة کومسان التجارية الکورية (KOREA KUMSAN TRADING CORPORATION) : والتى يملکها أو يسيطر عليها المکتب العام للطاقة الذرية، الذي يشرف على البرنامج النووي لجمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية، أو تعمل أو تزعم العمل لصالح المکتب أو نيابة عنه، بشکل مباشر أو غير مباشر. و3 -مصرف کوريو (KORYO BANK) : الذى يعمل في قطاع الخدمات المالية ضمن اقتصاد جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية وهو مرتبط بالمکتب 38 والمکتب 39 لحزب العمال الکوري. و٤ -القوة الصاروخية الاستراتيجية للجيش الشعبي الکوري: مکلفة بتطوير جميع برامج القذائف التسيارية لجمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية وهي المسئولة عن عمليات إطلاق قذائف سکود (SCUD) ونودونغ (NODONG).

کما حظرت قرارات مجلس الأمن على کوريا الشمالية توريد أو بيع أو نقل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، انطلاقا من أراضيها أو بواسطة رعاياها أو باستخدام السفن أو الطائرات التي ترفع علمها الفحم والحديد ورکاز الحديد، وأن تحظر جميعُ الدول شراء هذه المواد من کوريا من قبل رعاياها أو باستخدام السفن أو الطائرات التي ترفع أعلامها، سواء کان منشأ تلک المواد أو لم يکن في أراضي کوريا. وکذلک منع کوريا الشمالية من توريد أو بيع أو نقل الأغذية البحرية (ما فيها الأسماک، والقشريات، والرخويات، وغيرها من اللافقاريات المائية بجميع أنواعها بشکل مباشر أو غير مباشر، من أراضيها أو عن طريق رعاياها أو باستخدام السفن أو الطائرات التي ترفع علمها، وأن تحظر جميع الدول شراء هذه الأصناف من جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية من قِبل رعاياها أو باستخدام السفن أو الطائرات التي ترفع أعلامها، سواء کان منشأ تلک الأصناف أم لم يکن في أراضي کوريا الشعبية الديمقراطية،علاوة على منعها من توريد أو بيع أو نقل الرصاص ورکاز الرصاص، بشکل مباشر أو غير مباشر، من أراضيها أو عن طريق رعاياها أو باستخدام السفن أو الطائرات التي ترفع علمها، وأن تحظر جميع الدول شراء هذه الأصناف من کوريا من قِبل رعاياها أو باستخدام السفن أو الطائرات التي ترفع أعلامها، سواء کان منشأ تلک الأصناف أم لم يکن في أراضي کوريا وامتدت قائمة الحظر التى تضمنتها قرارات مجلس الأمن حرمان رعايا کوريا العاملين فى دول أخرى من تحويل مدخراتهم لأسرهم داخل کوريا خوفا من استخدام الحکومة الکورية الشمالية لهذه المدخرات فى تمويل ودعم برامجها المحظورة للأسلحة النووية والقذائف الصاروخية ، بل ومطالبة الدول المضيفة فى مرحلة تالية بإلغاء التراخيص والموافقات الخاصة بعمل هؤلاء الأفراد فى أراضيها وإعادتهم لوطنهم الأم فى کوريا. بالإضافة لماسبق؛ حظرت القرارات على الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة افتتاح مشاريع مشترکة جديدة أو کيانات تعاونية جديدة مع کيانات أو أفراد تابعين لکوريا الشعبية أو التوسع في مشاريع مشترکة قائمة بالفعل من خلال توظيف استثمارات إضافية فيها، وذلک من قِبل رعاياها أو في أراضيها، وسواء کانت هذه الکيانات أو هؤلاء الأفراد يعملون لحساب حکومة جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية أو بالنيابة عنها أم لا؛ وفى مرحلة تالية تم مد الحظر للبنوک والمصارف وشرکات الخدمات المالية .

  ومع استمرار الحکومة الکورية فى المضى فى سياساتها لتعزيز قدراتها وإمکاناتها العسکرية؛ طالب مجلس الأمن فى قرارته الدول الأعضاء بالقيام بتفتيش السفن في أعالي البحار، بموافقة دولة العلم، إذا توافرت لديها معلومات تفيد بوجود أسباب وجيهة للاعتقاد بأن حمولة هذه السفن تشتمل على أصناف يحظر توريدها أو بيعها أو نقلها أو تصديرها لکوريا الشمالية؛ علاوة على مطالبته الدول الأعضاء بحظر قيام رعاياها والأشخاص الخاضعين لولايتها والکيانات المسجلة في إقليمها أو الخاضعة لولايتها والسفن التي ترفع علمها بتيسير نقل أي بضائع أو أصناف يجري توريدها أو بيعها أو نقلها إلى کوريا الشعبية أو منها من سفينة أو إلى سفينة تحمل علم تلک الجمهورية، وأن تحظر عليهم المشارکة في تلک العمليات؛ کذلک إلزام الدول الأعضاء بتقديم تقارير دورية لمجلس الأمن بشأن التدابير الملموسة التي تتخذها من أجل التنفيذ الفعال لأحکام هذه القرارات.

ونظرا لتکثيف الحکومة الکورية عمليات الاختبار للصواريخ الباليستية الجديدة و تجارب التفجير النووى خلال النصف الثانى من 2017 ؛ تضمن قرارا مجلس الأمن اللذان صدرا فى سبتمبر وديسمبر 2017 تشديدا أکثر للعقوبات الاقتصادية وتوسيعا لمجالات وقطاعات عملها لتشمل : قيام الدول الأعضاء بمنع توريد جميع المواد المکثفة وسوائل الغاز الطبيعي وجميع أنواع المنتجات النفطية المکررة أو بيعها أو نقلها إلى جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عبر أراضيها أو على يد رعاياها، أو باستخدام سفن أو طائرات ترفع علمها، وسواء کان منشأ تلک المنتجات في أراضيها أو لم يکن، ويقرر ألا تشتري جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية تلک المنتجات؛ بالإضافة إلى منع جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية عن توريد المنسوجات- بما في ذلک على سبيل المثال لا الحصر الأنسجة ومنتجات الألبسة المصنعة جزئيا أو کليا- أو بيعها أو نقلها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من أراضيها أو على يد رعاياها أو باستخدام سفن أو طائرات ترفع عَلَمَها، وأن تحظر جميع الدول شراء هذه الأصناف من جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية من قبل رعاياها أو باستخدام سفن أو طائرات ترفع عَلَمَها، سواء کان منشأ تلک الأصناف في أراضي جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية أو لم يکن، إلى جانب منع جميع الدول الأعضاء من إصدار تراخيص عمل لرعايا جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية في ولاياتها القضائية ومنعها من الدخول إلى أراضيها؛ علاوة على مطالبة الدول الأعضاء بحظر افتتاح وتعهد وتشغيل جميع المشاريع المشترکة أو الکيانات التعاونية، الجديدة منها والقائمة، مع کيانات أو أفراد تابعين لجمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية، وذلک من قِبل رعاياها أو في أراضيها، وسواء کانت هذه الکيانات أو هؤلاء الأفراد يعملون لحساب حکومة جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية أو بالنيابة عنها أم لا.

ومنحت قرارات مجلس الأمن کافة السلطات والصلاحيات اللازمة فيما يتعلق بمصادرة الأصناف والسلع المحظور توريدها أو بيعها أو نقلها أو تصديرها بموجب القرارات أو هذا القرار، والتي يتم ضبطها في عمليات التفتيش، وبالتخلص من تلک الأصناف کأن يکون ذلک بتدميرها، أو بإبطال مفعولها أو صلاحيتها للاستعمال، أو بتخزينها أو نقلها إلى دولة غير دولة المنشأ أو دولة المقصد لغرض التخلص منها.

  ومع بداية ديسمبر 2017 ؛ وإزاء تسارع معدلات الإنجاز الکورية الشمالية فى إطلاق نسخا مطورة ومحدث من الصواريخ الباليستية بالإضافة إلى إجراء ثلاث تفجيرات نووية فى غضون شهرين أحدهما لتفجير قنبلة هيدروجينية قام مجلس الأمن بإصدار قراره رقم 2397 لسنة 2017 والذى تم بموجبه فرض حظر اقتصادى کامل على کوريا الشمالية شمل مايلى(47): منع کوريا الشعبية الديمقراطية من توريد المنتجات الغذائية والزراعية والآلات والمعدات الکهربائية والمنتجات الأرضية والحجرية بما في ذلک المغنسيت والمغنيسيا والخشب والسفن أو بيعها أو نقلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من أراضيها أو على يد رعاياها، أو باستخدام سفن أو طائرات ترفع علمها، وأن تحظر جميع الدول على رعاياها شراء السلع والمنتجات المذکورة أعلاه من کوريا؛ کما حظر عليها بيع حقوق الصيد أو نقلها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وکذلک حظر توريد جميع الآلات ذات الاستخدام الصناعي والحديد والصلب وغير ذلک من المعادن أو بيعها أو نقلها إليها بشکل مباشر أو غير مباشر، عبر أراضي تلک الدول أو على يد رعاياها أو باستخدام السفن أو الطائرات التي تحمل علمها أو خطوط أنابيب أو سکک حديدية أو مرکبات تابعة لها، سواء أکان ذلک انطلاقا من أراضيها أم لا. وطالب المجلس فى قراره الدول الأعضاء بإعادة جميع الرعايا والمواطنين الکوريين الشماليين الذين يکسبون دخلا في إطار الولاية القضائية لتلک الدول وجميع الملحقين التابعين لحکومة کوريا المکلفين بمراقبة السلامة الذين يشرفون على العاملين الکوريين في الخارج ية فورا وفي غضون مهلة لا تتجاوز 24 شهرا من تاريخ اتخاذ هذا القرار, إلى جانب إلزام جميع الدول الأعضاء بتقديم تقرير معلومات عن جميع رعايا جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية الذين يکسبون دخلا وأعيدوا إلى الوطن من تاريخ اتخاذ هذا القرار.

وألزم القرار الدول الأعضاء بوقف الممارسات غير المشروعة لکوريا الشمالية لخرق الحظر والعقوبات المفروضة عليها ومن بينها تصدير الفحم وغيره من الأصناف المحظورة من خلال ممارسات بحرية احتيالية والحصول على البترول بصورة غير قانونية من خلال نقله من سفينة لأخرى؛ ورخص لها فى هذا الشأن القيام بحجز وتفتيش وتجميد أية سفينة في موانئها و أية سفينة خاضعة لولايتها القضائية في مياهها الإقليمية؛ وکذلک الطلب من غيرها من الدول الأعضاء المعنية بالأمر معلومات إضافية تتعلق بالمسائل البحرية ومسائل الشحن لأغراض منها تحديد ما إذا کان منشأ الصنف أو السلعة أو المنتج جمهوريةَ کوريا الشعبية الديمقراطية.

واستکمل مجلس الأمن فى قراره حظر الأنشطة المرتبطة بالنقل والتجارة حيث طالب الدول الأعضاء بحظر تقديم الرعايا والأشخاص الخاضعين لولايتها القضائية والکيانات المنشأة في أراضيها أو الخاضعة لولايتها القضائية لخدمات التأمين أو إعادة التأمين للسفن المخالفة للحظر؛ وإلغاء کل دولة من الدول الأعضاء تسجيل أي سفينة تتوافر لدى هذه الدول أسباب معقولة تدعو للاعتقاد بأنها کانت ضالعة في تنفيذ أنشطة أو نقل أصناف بما يخالف الحظر المفروض بموجب قرارات مجلس الأمن؛ علاوة على منع توريد أي سفن جديدة أو مستعملة إلى جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية أو بيعها أو نقلها إليها بشکل مباشر أو غير مباشر، عبر أراضيها أو على يد رعاياها، أو باستخدام السفن أو الطائرات التي تحمل أعلامها، سواء أکان انطلاقا من أراضيها أم لا.

  تعد العقوبات المالية والاقتصادية السابق عرضها تفصيلا وفقا لآراء کثير من قادة دول العالم وفى مقدمتهم الرئيس الأمريکى دونالد ترامب والروسى فلاديمير بوتين والصينى هيوه شى جينج – من أقسى وأشد العقوبات التى تم فرضها على دولة عضو بالأمم المتحدة بموجب قرارات دولية وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة خاصة فى ظل إلزام الدول الأعضاء بتقديم تقارير دورية للجنة المعنية بهذه العقوبات فى الأمم المتحدة ؛ علاوة على توجيه اللجنة للدول الأعضاء بتحمل المسئولية الکاملة فى حال وقوع بعض أوجه القصور من أجهزتها ورعاياها فيما يتعلق بالتنفيذ الکامل والشامل لهذه العقوبات(48).

لذا استعشر مجلس الأمن الحرج البالغ من فرضه للعقوبات السلف بيانها فى قراراته المتتالية نظرا ليقينه التام– من واقع التقارير الدورية لمکتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدة الإنسانية– من معاناة غالبية سکان کوريا الشمالية من التأثيرات السلبية للعقوبات التى تم فرضها بموجب قراراته والتى تسببت فى القصور الکبير والنقص الحاد لخدمات الأمن الغذائي والرعاية الطبية، بمن فيهم عدد هائل من النساء الحوامل والمرضعات والأطفال دون سن الخامسة المعرضين لخطر الإصابة بسوء التغذية؛ علاوة على معاناة ما يقرب من ربع مجموع السکان من سوء التغذية المزمن؛ ومع ذلک اکتفى المجلس فقط فى قراراته بالإعراب عن انزعاجه الشديد إزاء المشاق الجسيمة التي يتعرض لها السکان في جمهورية کوريا الشعبية الديمقراطية(49).

  على الرغم من شدة وقسوة العقوبات المالية والاقتصادية الدولية التى تم فرضها من المجتمع الدولى بموجب قرارات مجلس الأمن بالأمم المتحدة؛ إلا أنها لم توقف أو تعرقل أو تقيد السياسات الکورية الخاصة بتحسين قدراتها العسکرية؛ ويمکننا تفسير ذلک بعدة أسباب منها :

1- موازنة النظام السياسى فى کوريا الشمالية بين تکاليف وأعباء وتداعيات العقوبات المالية والاقتصادية عليها وبين التصورات والإدراکات الخاصة بالفوائد والمکاسب المادية والمعنوية الخاصة بتنفيذ سياسات تحسين قدراتها العسکرية من العتاد الحربى والأسلحة التقليدية وغير التقليدية اللازمة لها لتحقيق الردع من التوجهات والنوايا الأمريکية والکورية الجنوبية واليابانية وهو هدف سياسى طويل واستراتيجى يهون فى سبيل تحقيقه ماتتعرض له من عقوبات. يرتبط بماسبق تصور وإدراک القيادة الکورية الشمالية ممثلة فى الرئيس کيم جونج أون من هدف الولايات المتحدة وأعضاء مجلس الأمن هو تقليل قدرة کوريا الشمالية على متابعة برامجها النووية وإلحاق الألم بالنظام دون زيادة خطر نشوب صراع عسکري مباشر معها؛ وهو إدراک إلى حد ما أثبتت تطورات العقوبات صوابه حيث لم تتوقف السياسات التسليحية لکوريا الشمالية بل استمرت فى تنفيذ البرامج والخطط المعدة سلفا لتطوير قدراتها العسکرية من الأسلحة التقليدية والأسلحة غير التقليدية؛ لذلک کانت کوريا الشمالية تتوقع أنماط وأشکال العقوبات الدولية الجديدة المزمع استصدار قرارات بشأنها من مجلس الأمن ومن ثم أتيح لصانع القرار فيها الموازنة بين المنافع المتحققة من تنفيذ سياساتها التسليحية وبين التکاليف المتوقعة من تبعات تنفيذ القرارات الجديدة من مجلس الأمن.

2- علاوة على ذلک، فإن العقوبات لا تطبق إلا بعد استصدار القرارات الخاصة بها من مجلس الأمن إضافة إلى اتخاذ الإجراءات التنفيذية من لجنة العقوبات ومن الدول الأعضاء وهى الإجراءات التى تستلزم فترة تتراوح بين شهر إلى ثلاثة شهور لتطبيقها بشکل واضح وصارم ؛ وهو ما يعنى أن النظام الکورى الشمالى لديه الوقت المتاح والمطلوب للتکيف مع الظروف الاقتصادية الجديدة التي سيواجهها بعد فرض حزمة العقوبات وتطبيقها بشکل صارم. وبعبارة أخرى، فإن ما يعتبره الفاعلون الدوليون– ممثلا فى الولايات المتحدة ومجلس الأمن –من تأثيرات حازمة وهائلة للعقوبات الدولية معاقبة کانت هامشية للغاية في التأثير على تفضيلات وتصورات صانع القرار فى کوريا الشمالية؛ وبالتالى فشلت الرسائل التى حاولت الولايات المتحدة ومجلس الأمن إجبار کوريا الشمالية بموجبها على الاختيار بين نمو اقتصادها وتطوير أسلحتها غير التقليدية والتقليدية، مما شجع کوريا الشمالية على الإسراع في إکمال برنامجها النووي وخططها لتطوير الصواريخ الباليستية؛ والبدء في التفاوض على تخفيف ورفع العقوبات المفروضة عليها فى مرحلة تالية. ويقدم ماسبق؛ مثالاً آخر على معضلة التکنولوجيا الزمنية: فکوريا الشمالية لا يمنعها من استکمال سياساتها سوى القليل من العقبات التقنية التي يجب عبورها ، لکن العقوبات الدولية الجديدة تستغرق وقتًا طويلاً لتنفيذها وهو ما استطاعت کوريا الشمالية توظيفه بکفاءة تامة. لذا من الصعب استخلاص استنتاجات حول کيفية تأثير العقوبات المتعددة الأطراف ضد بيونغ يانغ على السلوک السياسي لکوريا الشمالية؛ فهل سعى الرئيس الکورى کيم إلى عقد قمة مع الرئيس الأمريکى ترامب فى سنغافورة فى يونيه 2018 لأنه يائس من أجل تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على کوريا وبالتالى إعلان الاستعداد عن تقديم تنازلات بشأن سياساته التسليحية لهذه الغرض؟؛ أم أنه سعى بذهابه للقمة لضمان الاعتراف الفعلى بکوريا الشمالية کقوة نووية؟ ، مما أدي إلى فجوة کبيرة في التوقعات الدبلوماسية.

ويتوافق ماقررته الحکومة الکورية الشمالية مع ما أکد عليه المتخصصون فى الشأن الکورى الشمالى من أن صانعي القرار أکثر استعدادًا لدفع التکاليف وإدارة المخاطر لتجنب فقدان أي شيء يمتلکونه بالفعل من الحصول على شيء لم يکن لديهم حتى الآن(50)؛ وهو ماينطبق على حاجة کوريا الشمالية لتطوير أسلحتها التقليدية وغير التقليدية لردع التهديدات الموجهة له من الولايات المتحدة وحلفاء فى منطقة شرق آسيا .

3- توظيف الحکومة الکورية لبعض الثغرات فى نصوص القرارات وإجراءات لجنة العقوبات الدولية؛ ومن بين هذه الثغرات تجاهل السفن التي ترفع علم کوريا الشمالية أو التي يسيطر عليها ذلک البلد أو يستأجرها أو يشغلها عمداً الشروط القاضية بتشغيل نظم التعرف الآلي التي جُهزت بها وذلک بغية التهرب من رصد تنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث إنها تمتنع عن تشغيل هذه النظم لحجب تاريخ حرکتها الکامل(51). علاوة على نجاح کوريا فى التوسع فى استخدام الاستثناءات المحدودة فى قرارات مجلس الأمن والخاصة بعدم انطباق أحکام العقوبات على الموانى والسکک الحديدية بمنطقتى راجين وخاسان فى کل من روسيا و کوريا.علاوة على إعفاء قرارات مجلس الأمن للسلع والمعدات التى يتم استخدامها لمشروعات واستثمارات روسية وصينية متعلقة بالطرق والسکک الحديدية والموانى والمطارات فى داخل کوريا من العقوبات المالية والاقتصادية مما سمح لکوريا الشمالية باستيراد الالآت والمعدات اللازمة لصناعتها العسکرية تحت ستار المعدات المدنية بالإضافة إلى تصديرها للفحم والمواد الطبيعية والخامات الأخرى(52)؛ وبالتالى فإن التأثير السلبية للعقوبات الدولية على کوريا الشمالية ظلت محدودة للغاية مقارنة بما کان متوقعا منها .

4- التوظيف الکورى الإيجابى للسوق السوداء العالمية فى الحصول على احتياجاتها التکنولوجية ومن مصادر الطاقة ؛ فغنى عن البيان أن تکلفة الحصول على السلع والخدمات من السوق السوداء العالمية أعلى من مثيلاتها من السوق المفتوحة والمتاحة ؛ وهذا ما نجحت الحکومة الکورية فى تحمله خلال عام 2017 من خلال استخدام سفن وشرکات کورية شمالية متخصصة فى الخارج لخرق هذه العقوبات والتحايل عليها وبالتالى توريد وتصدير السلع والخدمات من وإلى کوريا بشکل يصعب رصده خاصة فى ظل عدم مسئولية الدول ناهيک عن عجزها على التحکم الکامل والشامل فى ممارسات وأنشطة القطاع الخاص والشرکات التابعة له(53). وقد نجحت الحکومة الکورية الشمالية فى تأسيس علاقات متعددة ومتشابکة بين شرکات کورية شمالية وشرکات نظيرة لها فى کل من کوريا الجنوبية واليابان والصين وروسيا وسوريا وايران وباکستان؛ مما سمح فى خرق العقوبات الدولية التى تم فرضها بموجب قرارات مجلس الأمن على کوريا الشمالية وهو ما رصدته تقارير لجنة العقوبات الدولية وکشفت عنه تقارير بعض أجهزة ووکالات الاستخبارات الکورية والأمريکية ومنها ماجاء فى أحد تقارير إدارة الجمارک الکورية الجنوبية من قيام ثلاث شرکات کورية جنوبية باستيراد أکثر من 35 ألف طن من الفحم والحديد الکوري الشمالي علاوة على بضائع أخرى کورية شمالية عبر روسيا بين أبريل وأکتوبر 2017؛ مما ساهم فى حصول کوريا الشمالية على نحو 309 ملايين من الدولارات؛ علاوة على حصولها على ملايين أخرى من صادراتها غير المشروعة وخصوصا الحديد والصلب الى الصين والهند ودول أخرى ما در عليها نحو 1400 مليون دولار من أکتوبر 2017 حتى مارس 2018. وکشفت تقارير الجمارک الکورية الجنوبية أيضا عن نجاح کوريا الشمالية فى تصدير شحنات الفحم الخاصة بها بعد إتمام نقلها أولا إلى روسيا حيث تم تعديل شهادة منشأها ومصدرها إلى شحنات روسية بواسطة وثائق مزورة قبل أن يتم تحميلها على سفن متوجهة الى کوريا الجنوبية(54).

2- الحفاظ على أواصر التعاون الحذر مع الصين:

حافظت الصين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن فى سياستها تجاه قضية الأمن فى منطقة شرق آسيا عموما وشبه الجزيرة الکورية خصوصا من وجهه النظر الجيوسياسية على أن تکون کوريا الشمالية (منطقة عازلة) ضد أى تدخل أو عدوان خارجي خاصة فى ظل محاصرة الولايات المتحدة للصين بمجموعة من الدول الحليفة لها مثل کوريا الجنوبية واليابان وتايوان والفلبين(55). لذا تعتبر الصين أى تهديد محتمل لکوريا الشمالية بمثابة تهديد لها على الرغم من توکيد الإدارة الأمريکية المستمر على ” تسلط واستبداد النظام السياسى في کوريا الشمالية”. ونظرا لتنامى الطموحات الصينية فى السياسات العالمية المتعلقة بالأمن والاستقرار ونزع التسلح النووى وبصفة خاصة فى منطقة شرق آسيا تجدد الصين التزامها– کقوة في شرق أسيا- بمساندة کوريا الشمالية، بغض النظر عن کونها ” نظاماً قمعياً”. لذا تمکنت الصين على مدى عقود طويلة من أن تظل الدولة الوحيدة والحليف الأوثق التي تقف فى صف کوريا الشمالية، وفي وجه أي تدخل عسکري يهددها من أية دولة في العالم وتحديداً الولايات المتحدة ، وهو الموقف والتوجه الذى يتسق مع المادة الثانية من معاهدة الصداقة بين الصين وکوريا الديمقراطية الموقعة بين الدولتين فى عام 1961 وتم تمديدها لعام 2021- التى أکدت على أن ” تتخذ الأطراف المتعاقدة جميع التدابير اللازمة لضمان العمل المشترک لمنع أي اعتداء على أية الدولة من الأطراف المتعاقدة، وإن تعرض طرف من الأطراف المتعاقدة إلى أى هجوم مسلح من بلد واحد أو عدة بلدان يعتبر في حالة حرب، يلتزم معه الطرف المتعاقد ببذل قصارى جهده لتقديم المساعدات العسکرية وغيرها”(56) .

وقد عززت الروابط الاقتصادية التحالف الاستراتيجى الکورى الشمالى والصين حيث تعد الصين الحليف الاقتصادي الرئيسي لکوريا الشمالية، وتشير بعض التقديرات إلى أن الصين تمثل أکثر من 90 % من إجمالي تجارة کوريا الشمالية مع العالم الخارجي؛ بينما تجىء الهند فى المرتبة الثانية بنسبة لاتزيد على 4 % فقط من إجمالى تجارة کوريا الشمالية الخارجية . وقد ارتفعت معدلات التجارة بين البلدين من 490 مليون دولار فى عام 2000 إلى نحو مليار دولار فى عام 2003 ثم إلى مليارى دولار فى عام 2007 ؛ وقفزت إلى نحو ستة مليارات دولار فى عام 2012 ومنذ ذلک حين وحتى نهاية عام 2017 يترواح حجم التجارة بين الدولتين بين ستة مليارات دولار وستة ونصف مليار دولار أمريکى(57). بالإضافة إلى أن الصين من أکبر مزودي کوريا الشمالية بالمواد الغذائية والوقود والآلات الصناعية؛ وحتى وقت قريب جدا کانت بکين هي من تقف إلى جانب کوريا الشمالية کلما صعّدت الولايات المتحدة والمجتمع العالمي الضغوطات والعقوبات الاقتصادية عليها(58).

وقد تبنت الصين منذ إجراء الإصلاح الاقتصادى فى بداية عام 1982 سياسة الانفتاح الاقتصادى وتوسيع التجارة الخارجية مع کافة دول العالم لاسيما الإقليمية والمحيطة بها ومن أهمها اليابان وکوريا الجنوبية ، وتعزز هذا التوجه عقب تفکک الاتحاد السوفيتى السابق فى بداية عام 1992 وانفراد الولايات المتحدة بإدارة النظام العالمى وتزايد الرغبة الصينية فى خلق نظام عالمى متعدد الأقطاب يسمح بتواجد الصين سياسيا واقتصاديا فيه إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا والهند.

وتطبيقا لهذا التوجه أقامت الصين علاقات ‏دبلوماسية مع کوريا الجنوبية عام 1992، کما شهدت العلاقات الاقتصادية للصين مع کل من اليابان وکوريا الجنوبية إلى جانب دول أخرى قفزات هائلة بحيث أصبحت الدولتان تحتلان مراتب متقدمة فى التجارة الخارجية الصينية تراوحت بين المرتبة الرابعة والمرتبة السابعة بعد کل من الولايات المتحدة وألمانيا والهند خلال الفترة بين عامى 2010 و2017 وبحجم تجارة يفوق 280 مليار دولار مع کوريا الجنوبية ونحو 325 مليار دولار مع اليابان فى عام 2016 – أى ما يقارب 600 مليار دولار معا (59). وسعت الصين انطلاقا من حرصها على العلاقات الاقتصادية معهما ومع الولايات المتحدة إلى تحقيق تقارب وتعاون سياسى معها يضمن تحقيق الأمن والاستقرار فى شرق آسيا عموما وفى شبه الجزيرة الکورية، وتبنت الصين تطبيقا لهذا التوجه السياسى التوسط بين کوريا الشمالية ودول اليابان وکوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وقدمت نفسها طرفا أصيلا فى الاتفاق على أية ترتيبات تخص الأمن والاستقرار لهذه المنطقة؛ وهو ما أکدته تصريحات مسئولى الصين بأن “القوة العسکرية لا يمکنها حل المشکلة، ووسط کل هذا التحدي يوجد فرصة للحوار المتبادل بين الطرفين”(60).

وعلى مسار العلاقات الصينية مع کوريا الشمالية انتقلت العلاقة من التحالف الاستراتيجى بمفهومها ” الأبوى الرعوى الشامل” إلى التعاون العقلانى الرشيد القائم على منطق أو مفهوم الأخ الأکبر الوصي على أخيه الأصغر، ومن واجبه المساعدة ‏ومد يد العون له، لکن في نفس الوقت لديه الحق في فرض العقوبات عليه، ومن ‏بينها ” شد الأذن” من حين إلى آخر لتحقيق التوازن بين الکوريتين والحفاظ على المصالح الاستراتيجية الصينية(61). وهو ما بدا واضحا من السياسة الصينية الرافضة لتمادى واستمرار کوريا الشمالية فى برامجها لتطوير وإجراء التجارب النووية وحيازة صواريخ متوسطة وطويلة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية وتهديد کوريا الجنوبية اليابان والولايات المتحدة .

لذا بدأت العلاقات الصينية الکورية الشمالية منذ نهاية عام 2016 تشهد فتورا وتوترا ملحوظا وتحولت اللهجة ولغة الخطاب السائد بينهما بدءا من سبتمبر 2017 من ‏الدبلوماسية إلى العقاب؛ حيث ‏أيدت الصين ودعمت القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومنها القرار رقم 2397 الصادر عن مجلس الأمن في ديسمبر 2017 والذى نص على ” حظر توريد جميع أنواع النفط الخام أو بيعه أو نقله إلى جمهورية کوريا الشعبية ‏الديمقراطية….”؛ إلى جانب العقوبات الأخرى المفروضة عليها ، وعلقت شرکة الصين الوطنية للبترول مبيعات الوقود إلى کوريا الشمالية إضافة إلى قيام البنوک الصينية بتقييد الأنشطة المالية للأفراد والشرکات الکورية الشمالية؛ کما توقفت الصين عن استيراد الفحم وبعض المعادن الثمينة من کوريا الشمالية، وحظرت بيعها للوقود والمواد الأخرى المرتبطة ببرنامج الأسلحة(62).

وإزاء التصعيد الأمريکى باستخدام القوة العسکرية ضد کوريا الشمالية خلال شهر يناير 2018 أعلنت الصين وروسيا عن رفضهما استخدام القوة في”حل الخلاف الکورى الشمالى الأمريکى”؛ فالصين- الجار الکبير والقوي- والذي تربطه بکوريا الشمالية اتفاقات سياسية وعسکرية واقتصادية تخاف من استخدام الولايات المتحدة للنزاع مع کوريا الشمالية کذريعة لها لتکثيف تواجدها العسکرى على حدودها ونشر أسلحة متطورة -مثل شبکة صواريخ “ثاد” المضادة للصورايخ التي نصبتها في کوريا الجنوبية واليابان- وتحقيق تفوق کاسح في الإقليم ينعکس سلباً على خططها في بحري الصين الشرقي والجنوبي. کما تتخوف الصين من احتمالات انهيار کوريا الشمالية وتدفق ملايين اللاجئين الکوريين منها إلى أرضها؛ علاوة على وصول القوات الأميرکية إلى نهر يالو الذي يفصل بين کوريا الشمالية والصين(63).

 لذا آثرت الصين تبنى سياسة مرنة تلبى بعض المطالب الأمريکية الخاصة بتحقيق الاستقرار فى شبه الجزيرة الکورية بمنع اندلاع السباق النووى بين کوريا الشمالية وکوريا الجنوبية واليابان ؛ وفى ذات الوقت تحافظ على استقرار الدولة الکورية الشمالية ومنع انهيارها بالتغاضى عن عمليات الشرکات الخاصة الصينية لخرق العقوبات الدولية على کوريا الشمالية وإبلاغها الولايات المتحدة أنها تريد حلاً سياسياً للملف الکوري الشمالى(64).

وتسعى الصين وروسيا فى الوقت الراهن- فى ظل اشتعال الحرب التجارية بينهما وبين الولايات المتحدة- إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية على کوريا الشمالية، ومحاولة استثمار الملف الکوري الشمالى في تحقيق مکاسب سياسية واقتصادية من الولايات المتحدة مقابل مساهمتها في الحل، والى توظيف الملف الکوري في إقناع واشنطن بحدود القوة والسيطرة الأمريکية على شئون هذ المنطقة خصوصا والقضايا والشئون العالمية عموما.

وسعى الجانب الکورى الشمالى من خلال اتصالاته ورسائله المتعددة وتشاوره المستمر مع الصين إلى التأکيد على أن هدف کوريا الشمالية من المباحثات واللقاءات الثنائية مع الإدارة الأمريکية والکورية الجنوبية هو ” التفاوض ” وأنه ليس بالسذاجة التى تدفعه للتخلى عن السلاح النووى قبل الجلوس على مائدة التفاوض مع الولايات المتحدة وکوريا الجنوبية واليابان وتوقيع اتفاقات إنهاء حالة الحرب وتبادل العلاقات الدبلوماسية وتحقيق السلام الکامل والشامل معها(65).

مما سبق يتبين القدرة الفائقة لکوريا الشمالية فى خلق علاقة تعاون استراتيجى دائم ومثمر انعکست فى تحسين الموقف التفاوضى لکوريا الشمالية مع الولايات المتحدة وضعف تأثير العقوبات الاقتصادية على کوريا الشمالية؛ وبالتالى منع ” إذعان کوريا الشمالية الکامل والشامل” للمطالب الأمريکية الخاصة بنزع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية لديها . ومن المتوقع خلال الفترة القادمة قيام الصين بالتعاون مع روسيا وبعض الدول ذات العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن بمطالبة مجلس الأمن بتخفيف العقوبات الدولية على کوريا بعد قيامها بعدة مبادرات للتهدئة والحوار مع الولايات المتحدة وکوريا والجنوبية واليابان وقيامها بوقف تجارب اطلاق الصواريخ؛ ويدعم من التوقع السابق قيام الصين فى نهاية أغسطس 2018 – وإزاء تعثر الضغوط الأمريکية على کوريا الشمالية واتهامها للصين بمساندة ودعم کوريا الشمالية – بإعلان رفضها للاتهامات الأمريکية واعتبرتها “تصريحات غير مسئولة، ودائما ما تستخدم الولايات المتحدة مثل هذا المنطق لتشويه الحقائق..؛ ونصحت الصين مسئولى الولايات المتحدة بـ” النظر لأنفسهم وتصحيح الأخطاء لديهم، والقيام بدور إيجابى وبناء فى تسوية ملف کوريا الشمالية النووي” (66).

3- الحرص على” لم الشمل الکورى” مع کوريا الجنوبية :

حرصت القيادة الکورية الشمالية على التوکيد على استهدافها الوجود العسکرى الأمريکى فى شبه الجزيرة الکورية، والذى اعتبرته من أهم مصادر التهديد للأمن والاستقرار لها بصفة خاصة ولشبه الجزيرة الکورية عموما؛ ورغبتها الدائمة فى إنهاء حالة الحرب والعداء بين الکوريتين بتحويل اتفاق الهدنة القائم بينهما إلى معاهدة سلام دائم؛ علاوة على التطلع لتحقيق آمال وأحلام ملايين الکوريين فى الوحدة (67). وتابعت کوريا الشمالية عن کثب تصريحات قادة کوريا الجنوبية ومبادراتهم لتحقيق التقارب مع کوريا الشمالية؛ وتحولت هذه المتابعة إلى الرصد الدقيق بعد نجاحها فى إجراء تجارب الصواريخ الجديدة والتفجير النووى خلال عام 2017 .

 واعتبرت کوريا الشمالية أنه قد الآوان للتهدئة وابداء المرونة والتفاوض مع کوريا الجنوبية التى شهدت تولى الرئيس الکورى الجنوبى مون إن جيه مقاليد الحکم فى مايو 2017 – والذى يتسم تاريخه النضالى بالدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لوحدة شطرى کوريا باعتباره ينحدر من أب کورى شمالى؛ وطرحه عدة مبادرات للتقارب مع کوريا الشمالية من أهمها: إعلانه فى يوليو2017 عن “مبادرة تحقيق السلام” في خطاب ألقاه في مؤسسة کوربر في العاصمة الألمانية برلين والتى تضمنت(68): السعي لنزع الأسلحة النووية لضمان أمن النظام الکوري الشمالي وإقامة نظام للسلام الدائم في شبه الجزيرة الکورية وووضع خريطة اقتصادية جديدة في شبه الجزيرة الکورية ودعم التبادلات غير السياسية بين الکوريتين في القطاع الخاص. وفى 21 سبتمبر 2017 أعلن في خطابه أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورک أنه سيعمل على مشارکة کوريا الشمالية في أولمبياد بيونغ تشانغ الشتوية، وأنه سيجعل من أولمبياد بيونغ تشانغ “أولمبياد للسلام”، وطرح “رؤية بيونغ تشانغ للسلام” باعتبارها تطورًا کبيرًا في المسألة الکورية الشمالية. کما عرض فى 1 نوفمبر 2017 المبادىء الخمسة الخاصة بمشاکل شبه الجزيرة الکورية في خطابه أمام البرلمان الکوري والتى شملت(69): عدم السماح باشتعال نزاع مسلح داخل شبه الجزيرة الکورية ونزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الکورية وإيجاد حل ريادي لقضية الکوريتين وحل القضية النووية الشمالية بشکل سلمي. والملاحظ أن الرئيس الکورى الشمالى خلال الفترة بين مايو وديسمبر 2017 رفض الاستجابة أو التعليق على مبادرات کوريا الجنوبية لحين النجاح فى إنجاز خططه لتطوير منظومة الأسلحة الکورية الشمالية. لذا جاءت الاستجابة الکورية الشمالية فى 1يناير 2018 حيث أعلن عن إرسال وفد يمثل بلاده للمشارکة في أولمبياد بيونغ تشانغ الشتوية، علاوة على ايفاده لي صُن جوان رئيس اللجنة الکورية الشمالية للتوحيد السلمي لأرض الوطن للمشارکة فى محادثات رفيعة المستوى بين الکوريتين؛ بالإضافة إلى قراره فى 9 فبراير2018 بمشارکة “کيم يو جونغ” شقيقة الزعيم الشمالي “کيم جونغ أون”، والتي تشغل منصب نائبة رئيس اللجنة المرکزية في حزب العمال الحاکم في کوريا الشمالية، وبصحبتها “کيم يونغ نام” رئيس مجلس الشعب الأعلى والرئيس الفخري لکوريا الشمالية، في الحفل الافتتاحي لأولمبياد بيونغ تشانغ الشتوية و تسليمها رسالة خطية من الزعيم الشمالي کيم جونج أون إلى الرئيس مون جيه إن(70).

غير أن الخطوة الکبرى فى استراتيجية کيم جونج أون هو استقباله فى 5 مارس 2018 وفدا رفيع المستوى من کوريا الجنوبية يضم خمسة أفراد من بينهم مستشار الأمن الوطني الرئاسي “جونغ أوي يونغ”، ورئيس وکالة المخابرات “سوه هون”، وتکليف الوفد بنقل رسالة للرئيس الکورى الجنوبى والرئيس الأمريکى دونالد ترامب باستعداد کوريا الشمالية عقد محادثات ثنائية مع الولايات المتحدة لبحث سبل وقف التجارب النووية وتطوير الأسلحة النووية. واستتبعت کوريا الشمالية الخطوة السابقة بإعلانها فى 20 أبريل2018 تعليق تجاربها النووية والترکيز على التنمية الاقتصادية، في أثناء الجلسة العامة للجنة المرکزية لحزب العمال الحاکم برئاسة کيم جونغ أون الذى صرح أکثر من مرة لوسائل الإعلام بتعهد کوريا الشمالية وقف التجارب النووية وتجارب إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وإغلاق موقع “بونغ کيه ري” النووي في منطقة “کيل جو” بمقاطعة شمال ” هام کيونغ(71).

کما اجتمع کيم جونج أون رئيس کوريا الشمالية مع نظيره الرئيس الکورى الجنوبى مون جيه-إن فى منطقة بانمونجوم منزوعة السلاح فى شبه الجزيرة الکورية فى 28 أبريل 2018 فى أول قمة رفيعة المستوى بين الکوريتين الشمالية والجنوبية منذ أکثر من عشر سنوات؛ وصدر عن هذه القمة بيان ختامى تضمن عدة نقاط هى(72): تحسين العلاقات بين الکوريتين والسعى سويا نحو تحقيق الهدف الأسمى وهو إعادة توحيدهما، وتقليل التوترات وتقويض خطر الحرب بينهما، وتأسيس نظام سلام قوى فى شبه الجزيرة الکورية.

وتطبيقا للبند الأول والخاص بتحسين العلاقات بين الکوريتين أعلنت وزارة الدفاع الکورية الجنوبية فى 30 أبريل–وبعد يوم واحد من القمة- قيام الجيش بإزالة مکبرات الصوت المستخدمة فى بث الحرب النفسية ضد کوريا الشمالية على امتداد الخط العسکرى الفاصل بين الدولتين. کما قررت اللجنة الدائمة لمجلس الشعب الأعلى فى کوريا الشمالية تقديم توقيت بيونج يانج الزمنى القياسى الحإلى بنصف ساعة اعتمادا على خط الطول الشرقى 135 درجة؛ وقد أرجعت اللجنة القرار إلى أن الزعيم کيم جونج أون شعر بأسى عميق عندما رأى ساعتين معلقتين بتوقيتين مختلفين لبيونج يانج وسول فى موقع لقاء القمة بين الکوريتين، لذا بادر بتوحيد التوقيت الزمنى بين الکوريتين أولا – کأول خطوة للتصالح والوحدة للأمة الکورية”(73).

وعلى الرغم من هامشية وبساطة الخطوتين السبابقتين، إلا أنه قد صاحبهما تغير ايجابى فى الرأى العام الکورى الجنوبى والذى کشفت إحدى الاستطلاعات لقياسه عن أن أکثر من 65% من الشعب الکورى الجنوبى يثقون فى نية ومصداقية کوريا الشمالية لنزع السلاح النووى فى شبه الجزيرة الکورية وإحلال السلام مع کوريا الجنوبية، فى حين ذکر 26,2% أنهم لا يثقون فيها حاليا(74).

وکانت الخطوات الکورية الشمالية الناجحة فى اجتياز أزمة التوتر مع الأشقاء فى کوريا الجنوبية محل إعجاب ومساندة من جانب روسيا والصين اللتين رفضتا الجهود الأمريکية برئاسة ترامب فى تنمية وتأجيج مشاعر التوتر وعدم الاستقرار فى شبه الجزيرة الکورية لضمان تواجدها العسکرى الدائم فى هذه المنطقة الحيوية من العالم(75)؛ علاوة على تشجيع اليابان فى الدخول فى مفاوضات سرية مع کوريا الشمالية بشأن قضية الإفراج عن المواطنين اليابانيين” المختطفين” فى کوريا الشمالية منذ عقدى السبعينيات والثمانينات من القرن العشرين خاصة بعد فشل اليابان فى الاعتماد على الإدارة الأمريکيية لإثارة القضية فى قمة سنغافورة بين الرئيسين الأمريکى والکورى الشمالى فى يونيو 2018 (76).

4- الاستفادة من قصور الرؤية الأمريکية فى التعامل مع معضلة الأمن فى شبه الجزيرة الکورية:

رکزت معظم مواقف وتوجهات رؤساء الولايات المتحدة منذ عام 1953 وحتى بداية عام 2008 على التحالف بين الولايات المتحدة وکوريا الجنوبية واليابان لمواجهة کل من کوريا الشمالية والصين باعتبارهما الطرفان المعاديان للولايات المتحدة وکوريا الجنوبية واليابان فى منطقة شرق آسيا وشبه الجزيرة الکورية.

ولم يکن تأسيس کوريا الشمالية – الذي تم استجابة لتشکيل کوريا الجنوبية وبتوجيه من الاتحاد السوفييتي السابق – مقبولاً لدى الولايات المتحدة؛ فعندما يذکر المسئولون الأمريکيون کلمة “کوريا”، أو يکتبونها فهم عادة يعنون کوريا الجنوبية. ويسلم المسئولون الأمريکيون بوضوح بوجود کوريا الأخرى المعادية، ولکن دائما کتهديد، أو کنظام ديکتاتوري، دون أن يتضمن ذلک التسليم اعترافاً ضمنياً بالکوريتين(77).

وعانت الإدارات الأمريکية على مدار عدة عقود من القلة الواضحة فى أعداد المتخصصين فى الشئون الکورية الشمالية، حيث کان المکلفون بصنع السياسة الأمريکية إما متخصصين فى العلاقات الدولية العامة، أو فى الشئون الکورية الجنوبية واليابانية، باعتبار أن کوريا تحررت من الإمبراطورية اليابانية. وعلى الرغم من وجود کادر کبير من المتخصصين فى الشؤون العسکرية والأمنية الذين حاولوا تشکيل السياسة الأمنية الأمريکية نحو کوريا الشمالية فى بداية فترة حکم ترامب، غير أنه من المشکوک فيه أنهم استطاعوا دفع کبار المسئولين في واشنطن نحو سياسات بناءة أکثر تجاه کوريا الشمالية، علاوة على قصورهم الشديد فى تقديم تصورات أو سيناريوهات أو أجندة تفاوضية يمکن الاعتماد عليها فى المحادثات معها(78).

علاوة على ماسبق تفتقد إدارة ترامب وجود بعض الشخصيات المتخصصة والقادرة على التنسيق بين مجموعة الباحثين والمستشارين السياسيين ونظراءهم العسکريين، خاصة ‏بعد تقاعد الممثل الأمريکي الخاص لسياسة کوريا الشمالية في وزارة الخارجية “جوزيف ‏يون” في فبراير 2018، وهو الأمر الذي أثار العديد من المخاوف، حيث يُعد “يون” ‏من أکبر الدبلوماسيين المعنيين بالشأن الکوري الشمالي ولديه خبرة تزيد على ثلاثين عامًا ‏في هذا الصدد؛ وهو ما دفع “هيذر ناورت” المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريکية إلى ‏التصريح بأن: “وزارة الخارجية لديها 75 ألف فرد يعملون من أجلنا في أنحاء العالم. ‏التلميح بأن السفير يون هو الوحيد القادر على التعامل مع کوريا الشمالية أمر خاطئ ‏تمامًا”(79).‏

أما من حيث التعامل السياسى فقد اعتبرت إدارة أوباما الرئيس السابق للولايات المتحدة أن أفضل السبل للتعامل مع کوريا الشمالية هو تبنى مبدأ ” الصبر الاستراتيجى ” ومفاده تجاهل السياسات والتوجهات العسکرية الکورية الشمالية وعدم استفزازها بفرض عقوبات صارمة عليها، والتغاضى عن المساعدات التکنولوجية والاقتصادية الصينية المتزايدة مع کوريا الشمالية، وفى مرحلة تالية اتجهت سياسة أوباما إلى محاولة جذب کوريا الشمالية دبلوماسياً بحيث يمکن تقليل ميلها لمتابعة سياستها العسکرية عموما والنووية على وجه الخصوص، ومن أبرز الأنشطة التى تم تنفيذها فى هذا الشأن الدخول فى علاقة أمنية ثنائية مع کوريا الشمالية من نوع “الاحتواء المزدوج” مما أنتج نوعاً من الضمان الأمني السلبي لکوريا الشمالية. وعلى الرغم من استفادة قادة کوريا الشمالية من هذه السياسة إلا أنهم کانوا واثقين أن الإدارة الأمريکية اتبعت هذه السياسات لخدمة المصالح القومية الأمريکية، وليس لمساعدة کوريا الشمالية؛ والمتمثلة في إبقاء شبه الجزيرة مستقرة استراتيجياً(80).

وعلى النقيض اتجهت إدارة دونالد ترامب بدءا من حملة الترشح للانتخابات الرئاسية الأمريکية إلى مهاجمة سياسات الإدارة الأمريکية السابقة واعتبارها أنها استرضت کوريا الشمالية على حساب المصالح الأمريکية وأمن حلفاءها– کوريا الجنوبية واليابان، وأنه ليس من الحکمة والتعقل بالنسبة للولايات المتحدة أن تصر على سياسة الکوريتين. ووعد ترامب بالتخلى عن هذه السياسة واجبار کوريا الشمالية على التنازل عن منظومتها العسکرية بالکامل بفرض العقوبات المالية والاقتصادية الشاملة عليها، ونجحت هذه الإدارة فى اقناع روسيا والصين بالانضمام إليها فى استصدار القرارات الخاصة بفرض هذه العقوبات من مجلس الأمن الدولى(81)؛ والذى تمکن خلال عامى 2016 و2017 فى إصدار ستة قرارات تمتعت جميعها بالتنفيذ نظرا لتشکيل لجنة دولية متخصصة تشرف على تنفيذها، علاوة على مطالبة مجلس الأمن الدول المعنية والمجاورة ومنها روسيا والصين بتقديم تقارير دورية للمجلس حول التدابير والإجراءات التى اتخذتها لتنفيذ هذه القرارات بشکل دقيق وصارم. لذا فى ظل هذه الضغوط المتزايدة اقليميا وعالميا قامت القيادة الکورية الشمالية بتسريع تنفيذ الخطط والبرامج الخاصة بالتجارب النووية وتطوير الصواريخ الباليستية والوصول للمعدلات المستهدفة فى يناير 2018.

وإزاء تصاعد وازدياد الجهود الکورية الشمالية فى مجال تحسين قدراتها العسکرية وضعف فعالية العقوبات الاقتصادية الدولية عليها ؛ قامت إدارة ترامب بالإعلان عن نيتها التفکير الجدى فى استخدام الأداة العسکرية الأمريکية لوقف السياسات الکورية الشمالية من خلال استخدام امکانات وتجهيزات القواعد العسکرية الدائمة لها فى کل من اليابان وکوريا الجنوبية حيث يتم الاحتفاظ فيها بقوات عسکرية تناهز السبعين ألف جندى مقاتل وعتاد عسکرى هائل لايتناسب مع حجم التهديدات الکورية الشمالية المحيطة، علاوة على الحرص على ترتيب العشرات من المناورات العسکرية المشترکة مع الجيشين اليابانى والکورى للتدريب على صد عمليات الهجوم المضاد الکورى الشمالى المحتملة، إلى جانب الحرص على تزويد وتحديث المنظومة العسکرية فى کوريا الجنوبية واليابان بکافة الأسلحة والمعدات الأمريکية عالية التکنولوجيا والقادرة على ضرب واستهداف کافة المواقع العسکرية والاستراتيجية الکورية الشمالية(82). وقامت کوريا الشمالية باستخدام عدة أدوات وآليات للتعامل مع توجهات ترامب تجاهها من أهمها(83): التشکيک فى الدوافع والنوايا الأمريکية حيث أشارت الحکومة الکورية الشمالية إلى أنها سبق لها الموافقة على الاتفاق مع الولايات المتحدة فى منتصف التسعينيات من القرن العشرين آنذاک يقضى بحل الخلاف حول مفاعلها النووى الذى ينتج مواد نووية تصلح لإنتاج الأسلحة النووية فى مقابل قيام الولايات المتحدة واليابان وکوريا الجنوبية بموجب الاتفاق بتقديم مواد غذائية ومعونات أخرى لکوريا الشمالية علاوة على إمداد کوريا الشمالية بمفاعلات نووية غربية الصنع تحل محل المفاعلات السوفيتية التصميم والتى تنتج مواد نووية يمکن استخدامها فى إنتاج الأسلحة النووية؛ غير أن الولايات المتحدة واليابان وکوريا الجنوبية لم تقم بتنفيذ بنود الاتفاق، واستغلت موجات الجفاف التى مرت بها کوريا الشمالية فى نهاية التسعينيات فى ممارسة المزيد من الضغوط عليها لإنهاء وإلغاء برامجها وخططها النووية المدنية والعسکرية وهو ما رفضته الحکومة الکورية وقررت تجميد الاتفاق والمضى فى برامجها لاستخدام التکنولوجيا النووية(84). واعتبرت کوريا الشمالية أن الوجود العسکرى الأمريکى الکثيف” والمستفز”على الأراضى الکورية واليابانية هو العامل الأساسى والرئيس لاستمرار الصراع وعدم الاستقرار وغياب الأمن فى شبه الجزيرة الکورية ومنطقة شرق آسيا(85). إلى جانب توکيد القيادة الکورية الشمالية ممثلة فى الرئيس کيم جونج أون المستمر والدائم على حرصه على التهدئة والحوار مع کوريا الجنوبية وإيمانه الثابت بوحدة الأراضى الکورية، وإحساسه المرهف بمشاعر مئات الأسر الکورية على جانبى الحدود الکورية المشترکة فى الإلتقاء والتواصل خاصة بين الشباب والأطفال(86).

وإزاء تزايد تهديدات الرئيس الأمريکى دونالد ترامب أعلن کيم جونج أون رئيس کوريا الشمالية رفضه للتهديدات الأمريکية محذرا الولايات المتحدة من مخاطر الهجوم على کوريا الشمالية التى تمتلک الوسائل والمعدات والأسلحة التى تمکنها من استهداف وتدمير کافة الأراضى الأمريکية بفعالية وکفاءة تامة؛ وفى ذات الوقت أعلنت کوريا الشمالية عن مساعيها لتحويل السياسة الأمريکية فى التعامل معها من التجاهل والاستفزاز وفرض العقوبات الصارمة عليها إلى التطبيع وإقامة العلاقات الدبلوماسية والتعاون معها والدخول فى مرحلة لاحقة فى علاقة أمنية ثنائية معها من نوع “الاحتواء المزدوج” بما ينتج نوعاً من الضمان الأمني لکوريا الشمالية؛ وهى السياسة التى ستخدم-من وجهة نظر کوريا الشمالية- المصالح القومية الأمريکية وإبقاء شبه الجزيرة الکورية مستقرة استراتيجياً(87).

ودفعت التوجهات الکورية الشمالية بالحوار والتفاوض مع الولايات المتحدة کلا من کوريا الجنوبية والصين وروسيا واليابان إضافة إلى مسئولى أجهزة الاستخبارات الأمريکية للضغط على الرئيس ترامب– خاصة فى ظل التعتيم والسرية الکاملة والتامة على القدرات العسکرية لکوريا الشمالية حيث نجحت الاستخبارات وأجهزة الأمن الکورية الشمالية فى فرض ستار من السرية الشديدة والمتميزة على برامجها وخططها الخاصة بتطوير التکنولوجيا النووية والصواريخ متوسطة وطويلة المدى وهو الأمر الذى أشادت به تقارير أجهزة الاستخبارات الأمنية الأمريکية ودراسات الخبراء المتخصصين التى اعترفت بأنها أخطأت فى تقدير قدرات کوريا الشمالية فى تطوير برامجها الصاروخية والنووية خلال الأشهر الأخيرة(88)– برفض الخيار العسکرى وقبول دعوة کوريا الشمالية للحوار والتفاوض فى سنغافورة فى يونيو 2018 بشأن سبل تحقيق الأمن والاستقرار فى شبه الجزيرة الکورية(89)؛ وهو مايعد– من وجهة نظرنا– نجاحا لکوريا الشمالية فى إدارتها لملف العلاقات والسياسات المتوترة مع الإدارة الأمريکية؛ علاوة على إقناعها لإدارة ترامب بتعذر النزع الفورى لأسلحتها التقليدية وغير التقليدية وضرورة التفاوض لفترة زمنية طويلة للوصول لهذا الهدف الذى يسبقه– وفقا لبيان قمة سنغافورة بين الطرفين(90): إبرام اتفاقات إنهاء حالة الحرب والعداء فى شبه الجزيرة الکورية، وتطبيع العلاقات الکورية الشمالية مع الولايات المتحدة، وإجراء جولات من التفاوض طويل المدى بشأن وقف انتشار الأسلحة غير التقليدية فى شبه الجزيرة الکورية.

الخاتمة :

مماسبق؛ تخلص الدراسة في السياسة العسکرية الکورية الشمالية لعدة نتائج تتمثل في:

1- وجود أهداف دائمة للسياسة العسکرية الکورية الشمالية، أهمها: الحفاظ على التفوق العسکري النوعي على المستوى الإقليمي، والتفوق الکمي في بعض النظم التسليحية، مع الاعتماد على التطورات التکنولوجية في الشئون العسکرية کوسيلة لاستمرار هذا التفوق. هناک هدف آخر، هو تحقيق فاعلية قوة الردع الکورية الشمالية، بالاعتماد الأساسي على القوة العسکرية التقليدية وغير التقليدية. ويرتبط بذلک حرص کوريا الشمالية على احتکار القوة النووية – کأهم نوع من الأسلحة غير التقليدية – على المستوى الإقليمي.

2- الاعتماد على قوة بشرية نظامية کبيرة نسبيا في تشکيل القوات البرية، مع الاعتماد على نظام فعال إلى حد کبير لتعبئة قوات الاحتياط. أما في القوات الجوية والقوات البحرية، فالاعتماد الأکبر يکون على القوات النظامية، وذلک لضمان ارتفاع المستوى المهاري والقتالي في کل منهما.

3- المکانة المحورية لمنظومة الصواريخ داخل الجيش الکورى الشمالى، والاعتماد المتزايد عليها. وقد ازدادت أهمية هذه الصواريخ بعد کثرة صدور تصريحات الرئيس الأمريکى دونالد ترامب بشن هجمات عسکرية خاطفة ومدمرة للقوات والتجهيزات العسکرية الکورية الشمالية ؛ علاوة على قيام الولايات المتحدة بنشر منظمة صواريخ ” ثاد” فى کل من اليابان وکوريا الجنوبية مما مکن هذه الأطراف الإقليمية من امتلاک وحيازة قدرات صاروخية تمکنها من کشف العمق الاستراتيجي لکوريا الشمالية المحدود بداية.

4- الحرص الکورى الشمالى على تخصيص معدل مرتفع للإنفاق العسکري على تطوير وتصنيع الأسلحة التقليدية وفى مقدمتها الصواريخ الباليستية والأسلحة غير التقليدية عموما لاسيما الأسلحة النووية والکيماوية والبيولوجية منها؛ وضعف تأثير العقوبات الاقتصادية الدولية فى وقف أو تجميد أو حتى تخفيض الإنفاق العسکرية على تحديث وتطوير هذه القدرات والإمکانات العسکرية .

5- نجاح کوريا الشمالية فى التصدى لضغوط البيئة الدولية ممثلة فى العقوبات الأمريکية والعقوبات الاقتصادية التى فرضتها الأمم المتحدة؛ وکذلک تجاهل تهديدات واعتراضات وعقوبات البيئة الإقليمية التى فرضتها اليابان وکوريا الجنوبية خلال الفترة بين عامى 2012 و2018؛ علاوة على استثمارها الجيد لعلاقتها مع الصين خلال ذات الفترة فى تطوير وتوطين الصناعة العسکرية التقليدية وغير التقليدية فيها؛ مما أسهم فى تأمين القوة العسکرية لها خاصة فيما يتعلق بمستوى ونوعية التسليح الذي تمتلکه، والذي يضمن لها التفوق العسکري ومواجهة التهديدات الموجهة لها من البيئتين الدولية والإقليمية.

6- تعاظم تأثير العوامل الداخلية الکورية الشمالية المتعلقة بزيادة قدراتها العسکرية، مثل: استمرارية تميز وحسن إدراک وتصور الزعيم الکورى کيم جونج أون لتحسين القدرات والإمکانات العسکرية الکورية الشمالية؛ وصلابة ورسوخ توجهات الحزب الحاکم والنخبة السياسية والعسکرية المرتبطة به، واستمرارية وديمومة السياسات الداخلية الداعمة وبصفة خاصة الاقتصادية والثقافية، علاوة على الحفاظ على تبنى سياسات خارجية مرنة فيما يتعلق بتقديم بعض المرونة فى تهدئة المخاوف الإقليمية وتجنب الإنزلاق لمخاطر المواجهة العسکرية المحدودة أو غير المحسوبة مع کوريا الجنوبية أو اليابان أو الولايات المتحدة طوال فترة الدراسة. ويمکن تفسير ذلک بهيمنة الزعيم الکورى الشمالى کيم جونج أون على عملية صنع القرار السياسى والقرار العسکرى وحفاظه على وحدة السياسات والأهداف کما يتصورها لتحقيق الأهداف المنشودة من تعظيم القدرات والإمکانات العسکرية الکورية الشمالية؛ علاوة على وحدة الفکر العسکري الکورى الشمالى، الذي يمثل الإطار الحاکم للسياسة الدفاعية على النحو المفصل فى الدراسة.

7- تغير طبيعة التوازن العسکري الإقليمي للوضع الأمثل الذي تريده کوريا الشمالية، والذي يقوم على الردع و الردع المتبادل. فرغم أن الولايات المتحدة لا تزال هي صاحبة التفوق العسکري النوعي في الميزان العسکري الإقليمي فى شبه الجزيرة الکورية، فإنه قد حدثت بعض المتغيرات التي قلصت من مدي هذا التفوق النوعي الأمريکى أهمها: انتشار التهديد الصاروخي الذي تشکله کوريا الشمالية بعد تطويرها للصواريخ الباليستية متوسطة وطويلة المدى والقادرة على تهديد القوات الأمريکية فى کوريا الجنوبية واليابان والوصول لکافة الأراضى الأمريکية، علاوة على امتلاکها لرؤوس وقنابل نووية قادرة على تهديد الولايات المتحدة وکوريا الجنوبية واليابان حتى إذا کانت تعمل لتحقيق الردع الدفاعي. أي أن الاستمرارية هي السمة الغالبة على السياسة العسکرية الکورية الشمالية، خلال فترة الدراسة، وما شهدته من ضغوط دولية وإقليمية لم يؤدِ إلى إحداث تغير استراتيجي فيها، واقتصر التغير على إجراء تعديلات تکتيکية في توظيف عناصر السياسة العسکرية المختلفة لتحقيق الأهداف نفسها.

مماسبق نخلص إلى أن إن المسئولين الکوريين الشماليين کانوا يخططوا للأمر طوال الوقت، ويعملون وفق خطة زمنية معينة، فهي في البداية رغبت في تقوية ترسانتها العسکرية بما يفضى إلى الاعتراف بها دولة نووية، ثم تتفاوض حاليا على التخلص من العقوبات الاقتصادية. کما تکشف التجربة الکورية الشمالية فى مجال تطوير الأسلحة النووية عن نجاح الدول النامية ومنها کوريا الشمالية فى ‏امتلاک – بغض النظر عن معطيات الموقع والمساحة والسکان والموارد ‏والمکانة الدولية- القدرة على تطوير امکانات نووية عسکرية، ومقاومة العقوبات ‏الاقتصادية والضغوط الدولية والإقليمية، وتوظيفها تراجع ‏فاعلية النظام الدولي لمنع انتشار الأسلحة النووية، بالإضافة إلى هيمنة دوافع الأمن ‏والمکانة الدولية وشرعية الحکم والتصدي للاختراق الخارجي على سياسات الدول ‏الساعية لامتلاک السلاح النووي.‏

ويبدو من مجريات وتطورات المباحثات الکورية الشمالية مع کل من الولايات المتحدة وکوريا الجنوبية سعى کوريا الشمالية للتسويف والمماطله فيما يتعلق بسياساتها العسکرية لاستکمال تطوير وتحديث منظومتها من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية حتى موعد الانتخابات الأمريکية فى عام 2020 ؛ علاوة على ازدياد مؤشرات الصمود السياسى والاقتصادى لکوريا الشمالية فى مواجهة العقوبات الدولية المفروضة عليها التى فشلت فى وقف تطوير السياسات الکورية لتطوير قدراتها العسکرية؛ علاوة على التشکک فى النوايا الأمريکية والتى ترمى – من وجهة نظرنا- لترويض النظام الکورى الشمالى واستخدامه کمبرر و” فزاعة” لاستمرار تواجدها العسکرى فى شرق آسيا وشبه الجزيرة الکورية؛ بالإضافة إلى – فى ظل ما تم عرضه من قصور فى إدارة ترامب للملف الکورى الشمالى – عدم وجود استراتيجية أو خطة شاملة للتعامل مع الملف الکورى الشمالى واکتفاءه فقط باستخدام تکتيکات أو أدوات تفاوضية محدودة بهدف التهديد والمقايضة بتنازلات قصيرة الأمد. وهو ما يفضى إلى انضمام کوريا الشمالية إلى مصاف الدول النامية مثل الهند وباکستان فى حيازة الأسلحة النووية والکيماوية والبيولوجية وامتلاک وسائل نقلها لأهدافها.

الهوامش والمراجع:

1)للمزيد راجع فى ذلک: د. اسماعيل صبرى مقلد؛ العلاقات السياسية الدولية: دراسة فى الأصول والنظريات- الطبعة الرابعة ؛ الناشر: المکتبة الأکاديمية ؛ القاهرة ؛ 2010. ص ص. 187-188.

2)تم الرجوع فى ذلک إلى : د. علي حسين القحطاني؛ “النظرية الواقعية وتطورها في العلاقات الدولية: دراسة تحليلية نقدية للتجربة التنظيرية”؛ مجلة کلية التجارة للبحوث العلمية بجامعة الملک سعود؛ العدد:2؛ المجلد الثامن والأربعون؛ 2011؛ ص ص. 341 – 349. وأيضا: بهولى عبير؛ النظرية الواقعية البنيوية فى الدراسات الأمنية : دراسة لحالة الغزو الأمريکى للعراق فى 2003؛ رسالة ماجستير غير منشورة بکلية العلوم السياسية والإعلام ؛ جامعة الجزائر ؛ الجزائر ؛ 2014. ص ص. 85-95 :

http://biblio.univ-alger.dz/jspui/bitstream/123456789/13188/1/BAHOULI_ABIR.pdf

3)بيرت تشايمان؛ العقيدة العسکرية: دليل مرجعى؛ ترجمة: طلعت الشامى؛ الناشر: المشروع القومى للترجمة؛ المجلس الأعلى للثقافة؛ العدد 2503؛ القاهرة ؛ 2015. ص ص . 11-12.

4)المرجع السابق؛ ص ص.47-53.

5)تم الاستناد فى هذا التقسيم إلى: بهولى عبير؛ النظرية الواقعية البنيوية فى الدراسات الأمنية: دراسة لحالة الغزو الأمريکى للعراق فى 2003……مرجع سابق؛ ص ص.14-27.

6)دلال محمود السيد؛ الاستمرارية والتغير في السياسة الدفاعية الإسرائيلية: دراسة مقارنة لما بعد حربي أکتوبر 1973 ويونيو 2006، رسالة دکتوراه منشورة ؛ کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، القاهرة . 2013. ص .17.

7)للمزيد راجع فى ذلک :

– Jörg Hillmann &Constantinos Ch. Hadjisavvas (Editors), Military Capability Development in the framework of the Common Security and Defence Policy, Cyprus Presidency of the Council of the EU 2012 – Ministry of Defence of the Republic of Cyprus, Nicosia, 2012.

8) للمزيد حول الجوانب السياسية والعسکرية للمفهوم يمکن الرجوع إلى د. دینا محمد جبر و د. ابتسام حاتم علوان؛ ” الإستراتیجیة بین الأصل العسکري والضرورة السیاسیة وتأثیرها على توازن القوى الدولي”؛ مجلة العلوم السياسية ( جامعة بغداد: کلية العلوم السياسية)، عدد 4، السنة التاسعة؛ 2012.

https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=27060

9)تم استخلاص ذلک من عدة مصادر أبرزها :

– Axel Berkofsky,“ North Korea’s Military-What Do They Have: What Do They Want?” , ISPI Analysis, No.161 , MARCH 2013. Pp. 67-68.

– Bruce E. Bechtol Jr.,“ The North Korean Military Under Kim Jong-un Evolved or Still Following a Kim Jong-il Script?”, International Journal of Korean Studies , Vol. XVII, No. 2, Fall 2013. PP.95-98.

10)حول التهديدات الإقليمية والدولية للنظام الکورى الشمالى يمکن الرجوع إلى :

– the Republic of Korea Ministery of National Defense, 2016 Defense White Paper , Seoul, Republic of Korea, www.mnd.go.kr .

وکذلک : رضا محمد هلال؛” السياسات الدفاعية الکورية: دراسة فى المحددات والأهداف والتوجهات”؛ فى د. کمال المنوفى ( محرر) ؛ الاتجاهات المعاصرة فى السياسات العامة الکورية، الناشر: مرکز الدراسات الآسيوية، جامعة القاهرة، القاهرة، 2006. ص ص .171-208 ( 184-187 والجدول ص 179) .

11)Scott Snyder & Kyung-Ae Park (edit.),The North Korea in Transition: Politics, Economy and Society, Rowman & Littlefield Publishers, New York, 2013. Pp. 5-7.

12)للمزيد حول تفکير ورؤى القيادة الکورية الشمالية للتفوض مع الولايات المتحدة يمکن الرجوع إلى :

– Atsuhito Isozaki, Understanding the North Korean Regime, Asia Program Woodrow Wilson International Center for Scholars, Washington, DC . April, 2017.pp.6-8.

13)من أبرز الدراسات التى رصدت التوجهات المبکرة لکيم جونج أون حول الأمن الکورى :

– Ken E. Gause, North Korean Leadership Dynamics and Decision-making under Kim Jong-un: A Second Year Assessment, CNA Strategic Studies, March 2014.pp.11-13.

– Michael Fuchs, The North Korea Deal :Why Diplomacy Is Still the Best Option, Foreign Affairs :https://www.foreignaffairs.com/articles/north-korea/2017-12-21/north-korea-deal

14)تم الوصول لهذه المؤشرات من موقع البنک المرکزى الکورى:

-Bank of Korea , Regional Economic Report (March 2018) : http://www.bok.or.kr/eng/bbs/E0000729/view.do?nttId=10017708&menuNo=400207

15)للمزيد حول أداء القطاعات المتعددة عموما والقطاع الزراعى بصفة خاصة فى کوريا الشمالية يمکن الرجوع إلى :

– Jiyoung Choi, Estimation of Formal and Informal Sectors in Social Accounting Matrix for the North Korean Economy, Economic Research Institute , Vol.23 No.2, 2018. http://www.bok.or.kr/eng/bbs/E0002726/view.do?nttId=229481&menuNo=400218

16)Terence Roehrig, “the roles and influence of the military” in: Scott Snyder & Kyung-Ae Park (edit.),The North Korea in Transition: Politics, Economy and Society…opcit., Pp. 47-63.

17)James Dobbins, What Will Kim Jong Un Want and What He Might Give, RAND Corporation:

https://www.rand.org/blog/2018/03/what-will-kim-jong-un-want-and-what-he-might-give.html

18)Alexandre Mansourov, “Kim Jong Un’s Nuclear Doctrine and Strategy: What Everyone Needs to Know,” NAPSNet Special Reports. 2014

http://nautilus.org/napsnet/napsnet-specialreports/kim-jong-uns-nuclear-doctrine-and- strategy-what-everyone-needs-toknow

19)رضا محمد هلال ؛ ” مآلات الانفراجة بين واشنطن وبيونج يانج ” ، مجلة السياسة الدولية ، عدد 213 يوليو 2018 . ص ص. 187-189.

20)رضا محمد هلال ؛ ” قمة سنغافورة.. مجرد بداية !” الملحق السياسى بجريدة الخليج ؛ 21 يونيه 2018 :

http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/051bb5df-d463-4401-bede-d51bda0be5a5

21)Scott Snyder & Kyung-Ae Park (edit.),The North Korea in Transition: Politics, Economy and Society, Rowman & Littlefield Publishers, New York, 2013. p.6.

22)Khang Vu, Behind North Korea’s Charm Offensive, The National Interest, 27/7/2018. https://nationalinterest.org/blog/skeptics/behind-north-korea%E2%80%99s-charm-offensive-26696

23)James Amedeo, Nuclear Nuances: How to Negotiate with North Korea, The National Interest,19/7/2018. https://nationalinterest.org/feature/nuclear-nuances-how-negotiate-north-korea-26246

24)Doug Bandow, North Korea Denuclearization Isn’t Free, the National Interest, 4/9/2018. https://nationalinterest.org/feature/north-korea-denuclearization-isnt-free-30497

25)للمزيد حول تعريف الأزمات وإدارتها يمکن الاستعانة بـ : محمد صدام فائق بن طريف؛ الأزمة الدولية وطرائق ادارتها دراسة تحليلية لأزمة العلاقات العراقية- الأمريکية 1990-2003؛ رسالة ماجستير غير منشورة بجامعة الشرق الأوسط ؛ عمان ؛ 2017. ص ص. 11-32.

https://meu.edu.jo/libraryTheses/58fef7dd9e24b_1.pdf

26)2016DEFENSE WHITE PAPER, Ministry of National Defense Republic of Korea, Seoul,2017. http://www.mnd.go.kr/user/mndEN/upload/pblictn/PBLICTNEBOOK_201705180357180050.pdf

27)Kathleen J. McInnis (Coordinator),The North Korean Nuclear Challenge: Military Options and Issues for Congress, Congressional Research Service , November 6, 2017, www.crs.gov.

28)SIPRI Yearbook 2018, Stockholm International Peace Research Institute,pp.285-287: https://www.sipri.org/sites/default/files/SIPRIYB18c06.pdf

29)2016DEFENSE WHITE PAPER……opcit., pp.23-24. http://www.mnd.go.kr/user/mndEN/upload/pblictn/PBLICTNEBOOK_201705180357180050.pdf

30)ريم سليم ؛ “سياسات البقاء: کيف تمول کوريا الشمالية الإنفاق العسکري في ظل العقوبات؟” ؛ مرکز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ؛ أبوظبى ؛ 17 ديسمبر 2017:

https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/3519/

31)وردت هذه المعلومات فى محضر جلسة مجلس الأمن التى عقدت فى 22 ديسمبر 2017 :

https://undocs.org/ar/S/RES/2397%20(2017)

32)Jiyoung Choi, Estimation of Formal and Informal Sectors in Social Accounting Matrix for the North Korean Economy…….opcit.,pp.22-23. http://www.bok.or.kr/eng/bbs/E0002726/view.do?nttId=229481&menuNo=400218

33)IMF, Direction of Trade Statistics Yearbook, 2017.New york , pp.287-288.

34)تم الرجوع فى ذلک إلى : ريم سليم ؛ “سياسات البقاء: کيف تمول کوريا الشمالية الإنفاق العسکري …..مرجع سابق ؛ https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/3519/

35)وردت هذ المعلومات فى : محضر جلسة مجلس الأمن التى عقدت فى 22 ديسمبر 2017 :

https://undocs.org/ar/S/RES/2397%20(2017)

وکذلک أيضا فى : جريدة اليوم السابع ؛ 26 يوليو 2017:

https://www.youm7.com/story/2017/7/26/3341003

36)من أبرز هذه الدول: قطر؛ بينما أعلنت الکويت والإمارات والسعودية والبحرين عزمها تنفيذ القرار فى الفترة الزمنية المحددة لتنفيذه؛ راجع فى ذلک: جريدة اليوم السابع ؛ 26 يوليو 2017…. مرجع سابق؛ وکذلک : جريدة التحرير؛ 26يونيه 2018 : https://www.tahrirnews.com/posts/897392/

37)تم الحصول على هذه المعلومات من عدة مصادر أبرزها :

-Walsh, J. and J. Park,“To Stop the Missiles, Stop North Korea,2016, Inc.”:http://www.nytimes.com/2016/03/10/opinion/to-stop-the-missiles-stop-northkorea-inc.html?_r=0 .

– Andrea Berger ,Disrupting North Korea’s Military Markets, Survival , vol. 58 no. 3 , June–July 2016 .pp. 112–114.

38)Jenny Jun, Scott LaFoy, and Ethan Sohn, North Korea’s Cyber Operations Strategy and Responses, center for strategic & international studies (CSIS) , Washington, D.C,December 30, 2017:https://csis-prod.s3.amazonaws.com/s3fs- public/legacy_files/files/publication/151216_Cha_NorthKoreasCyberOperations_Web.pdf

39)للمزيد يمکن الرجوع إلى: رضا محمد هلال؛ الصين تفکک اللغم الکورى؛ الملحق السياسى لجريدة الخليج ؛ 5 أبريل 2018:

http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/bc94d481-a4d6-43cd-9d69-59aef911044c 5/04/2018

– Sebastian Harnisch, The life and near-death of an alliance: China, North Korea and autocratic military cooperation, Paper prepared for the WISC Conference in Taipeh, April 1-4. 2017.Pp.7-8.

40)ريم سليم ؛ “سياسات البقاء: کيف تمول کوريا الشمالية الإنفاق العسکري …..مرجع سابق .

41)Vipin Narang , “Nuclear Strategies of Emerging Nuclear Powers: North Korea and Iran,” The Washington Quarterly,vol.38 ,no.1,spring ,2015, 78:79. https://twq.elliott.gwu.edu/sites/twq.elliott.gwu.edu/files/downloads/TWQ_Sprin g2015_Narang.pdf>.

42)Anthony H. Cordesman, The Other Side of the North Korean Threat: Looking Beyond Its Nuclear Weapons and ICBMs, center for strategic & international studies (CSIS) , Washington, D.C,2018.

https://csis-prod.s3.amazonaws.com/s3fs- public/publication/180319_North_Korean_Threat.pdf?1VsEASqI1yuaGdWdKkFHiW6PPQIfgN7P

43)وردت هذ المعلومات فى : محضر جلسة مجلس الأمن التى عقدت فى 22 ديسمبر 2017 …..مرجع سابق .

44)للمزيد حول تعريفات السياسة الخارجية والنظريات الخاصة بتفسيرها وتحليلها يمکن الرجوع إلى : د. محمد السيد سليم ؛ تحليل السياسة الخارجية؛ الطبعة الثانية ؛الناشر: مکتبة النهضة المصرية ؛ القاهرة ؛ 1998. ص ص.7-12.

http://www.ao-academy.org/docs/tahleel_alsiyasah_alkharijiyah_0304009.pdf

45)للمزيد حول تعريف العقوبات الدولية وأنماطها وصورها يمکن الرجوع إلى: عبير محمد أحمد الفقي؛ العقوبات الدولية و أثرها على نظام الحکم فى زيمبابوى منذ عام 2002؛ أطروحة ماجستير بمعهد البحوث والدراسات الافريقية؛ جامعة القاهرة؛ القاهرة ؛ 2014 . ص ص. 7-8.

46)تم رصد القرارات والحصول عليها من موقع مجلس الأمن بالأمم المتحدة على الإنترنت :

http://www.un.org/ar/sc/documents/resolutions/2017.shtml

47)وردت هذ المعلومات فى : محضر جلسة مجلس الأمن التى عقدت فى 22 ديسمبر 2017 …..مرجع سابق .

48)المصدر السابق؛ ص .7.

49)المصدر السابق ؛ ص ص. 8-9.

50)Jonathan D. Pollack Tuesday, The Korean nuclear roller coaster: Has time run out for a summit?, Brookings Institution, May 29, 2018. https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2018/05/29/the-korean-nuclear-roller-coaster-has-time-run-out-for-a-summit/

51)وردت هذ المعلومات فى : محضر جلسة مجلس الأمن التى عقدت فى 22 ديسمبر 2017 …..مرجع سابق. ص.6

52)وردت هذ المعلومات فى : محضر جلسة مجلس الأمن التى عقدت فى 22 ديسمبر 2017 …..مرجع سابق. ص.7

53)Jiyoung Choi, Estimation of Formal and Informal Sectors in Social Accounting Matrix for the North Korean Economy….opcit.,pp.14-15.

54)وردت هذه المعلومات فى عدة مصادر من أبرزها : موقع قناة الحرة على الانترنت؛ ” سيول تتهم ثلاث شرکات بانتهاک العقوبات على کوريا الشمالية” ؛ 10 أغسطس 2018 : https://www.alhurra.com/a /454310.html

وکذلک تم الإشارة إلى أنشطة التهريب لکوريا الشمالية عموما فى : محضر جلسة مجلس الأمن التى عقدت فى 22 ديسمبر 2017 …..مرجع سابق. ص.7

55)Weston S. Konishi, Denuclearizing North Korea Exploring Multilateral Approaches to Risk Reduction and Peace Regime Building, the Institute for Foreign Policy Analysis , Washington, D.C.,September 2011. Pp.11-12.

56)Frank Aum, “North Korea and the Need for a US-ROK-PRC Dialogue”, Special Report 412, August 2017, UNITED STATES INSTITUTE OF PEACE, Washington DC, March 2017. www.usip.org.

57)تم رصد معدلات وحجم التجارة بين الصين وکوريا الشمالية من الصفحات الخاصة بالصين وکوريا الشمالية فى: تقرير الاحصاء السنوى للتجارة الصادر عن صندوق النقد الدولى فى أعوام : 2014إلى 2017 :

– IMF, Direction of Trade Statistics Yearbook, 2017 ,

58)Andrew Scobell, China and North Korea: Bolstering a Buffer or Hunkering Down in Northeast Asia?, Testimony presented before the U.S.-China Economic and Security Review Commission on June 8, 2017. Published by the RAND Corporation, Santa Monica, Calif.2017. https://www.rand.org/pubs/testimonies/CT477.html

59)Oriana Skylar Mastro, China’s Evolving North Korea Strategy, PEACE BRIEF 231, September 2017.www.usip.org .

60)fei su and lora saalman, CHINA’S ENGAGEMENT OF NORTH KOREA:Challenges and Opportunities for Europe, STOCKHOLM INTERNATIONAL PEACE RESEARCH INSTITUTE ( SIPRI ), Solna, Sweden, FEB.2017.https://www.sipri.org/sites/default/files/Chinas-engagement-North-Korea.pdf.

61)رضا محمد هلال؛ الصين تفکک اللغم الکورى؛ الملحق السياسى لجريدة الخليج …..مرجع سابق.

http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/bc94d481-a4d6-43cd-9d69-59aef911044c 5/04/2018

62)تم الاستناد فى ذلک على: – رضا محمد هلال؛ الصين تفکک اللغم الکورى…..مرجع سابق.

– رؤوف جلال؛الاحتواء الاستباقي: کيف تتعامل بکين مع “السيناريو الکارثي” لأزمة کوريا وواشنطن؟؛ مرکز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة؛ أبوظبى ؛ أغسطس 2017: https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/3165/

63)Andrew Scobell, China and North Korea: Bolstering a Buffer or Hunkering Down in Northeast Asia…opcit.,pp.3-4.

64)تم الاستناد فى ذلک على: – رضا محمد هلال؛ الصين تفکک اللغم الکورى…..مرجع سابق.

65)وردت هذه التصورات فى :

-Jonathan D. Pollack Tuesday, The Korean nuclear roller coaster: Has time run out for a summit?, Brookings Institution, May 29, 2018. https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2018/05/29/the-korean-nuclear-roller-coaster-has-time-run-out-for-a-summit/

– Michael Fuchs, The North Korea Deal :Why Diplomacy Is Still the Best Option, Foreign Affairs :https://www.foreignaffairs.com/articles/north-korea/2017-12-21/north-korea-deal-

66)MICHAEL D. SWAINE, “ Chinese Views of the Singapore Summit Between Donald J. Trump and Kim Jong-un” , China Leadership Monitor, no. 57, sep.2018, https://carnegieendowment.org/files/Swaine_CLM57_Final.pdf

67) رضا محمد هلال؛”السياسة الدفاعية الکورية: دراسة فى المحددات والأهداف والتوجهات……مرجع سابق؛ ص. 185.

68)تم الرجوع لنص المبادرة من موقع الرئيس الکورى على الإنترنت:

http://english1.president.go.kr/BriefingSpeeches/Speeches/65

69) تم الرجوع لنص الخطاب من موقع الرئيس الکورى على الإنترنت:

http://english1.president.go.kr/BriefingSpeeches/Speeches/19

70)تم الرجوع فى ذلک إلى :

-Victor Cha and Katrin Fraser Katz, A Better North Korea Strategy: How to Coerce Pyongyang without Starting a War, Foreign Affairs:

https://www.foreignaffairs.com/articles/north-korea/2018-06-01/better-north-korea-strategy?cid=int-rec&pgtype=art

-James Dobbins, What Will Kim Jong Un Want and What He Might Give, RAND Corporation:https://www.rand.org/blog/2018/03/what-will-kim-jong-un-want-and-what-he-might-give.html

71)رضا محمد هلال؛ ” سيناريوهات مابعد قمة الکوريتين..عودة الصراع أم إحلال السلام؟”؛ موقع مجلة السياسة الدولية على الانترنت : http://www.siyassa.org.eg/News/15642.aspx 8-5-2018

72)رضا محمد هلال؛ مآلات الانفراجة بين واشنطن وبيونج يانج ……مرجع سابق؛ ص. 191. وکذلک :

– http://english1.president.go.kr/PhotoVideo/Resources

73)Ministry of korea National Defense, Minister Song Announces Push for Section-by-Section Withdrawal of Guard Posts in South-North DMZ, 6/9/2018:

http://www.mnd.go.kr/user/boardList.action?command=view&page=1&boardId=O_47261&boardSeq=O_196616&titleId=null&siteId=mndEN&id=mndEN_020100000000

74)رضا محمد هلال؛ سيناريوهات مابعد قمة الکوريتين..عودة الصراع أم إحلال السلام …..مرجع سابق.

75)James Dobbins, What Will Kim Jong Un Want and What He Might Give, RAND Corporation:https://www.rand.org/blog/2018/03/what-will-kim-jong-un-want-and-what-he-might-give.html (

76)تم الرجوع فى ذلک لعدة مصادر منها: – موقع جريدة اليوم السابع على الإنترنت :

https://www.youm7.com/story/2018/6/8/ 3825620

– موقع رئيس وزراء اليابان شينزو آبى على الانترنت:

https://japan.kantei.go.jp/98_abe/statement/201806/_00002.html

77)Edward A.Olsen,”U.S. Security Policy and the Two Koreas”, World Affairs, Vol. 172, No.4, spring 2010, pp. 17-20.

78)Michael Paul/Elisabeth Suh, “North Korea’s Nuclear-Armed Missiles: Options for the US and its Allies in the Asia-Pacific”, German Institute for International and Security Affairs,SWP Comments 32,August 2017.pp.3-4.

79)رضا محمد هلال؛ رضا محمد هلال؛ مآلات الانفراجة بين واشنطن وبيونج يانج ……مرجع سابق؛ ص. 191. وکذلک:

80)KIM Hyun, “Comparing North Korea Policies of The Obama and Trump Administrations”, NANZAN REVIEW OF AMERICAN STUDIES, Volume 39 , no.4, 2017,pp. 48-51. https://www.ic.nanzan-u.ac.jp/…/kanko/…/nras39_05_kim_hyun.pdf .

81)Sebastian Harnisch, The life and near-death of an alliance: China, North Korea and autocratic military cooperation, Paper prepared for the WISC Conference in Taipeh, April 1.-4. 2017. https://www.uniheidelberg.de/md/politik/harnisch/person/publikationen/harnisch_-_the_death_of_an_alliance_wisc_taipeh_2017.pdf

82)Kathleen J. McInnis (Coordinator),”The North Korean Nuclear Challenge: Military Options and Issues for Congress”, Congressional Research Service , November 6, 2017, www.crs.gov

83)من أبرز الدراسات التى رصدت توجهات وردود کوريا الشمالية على نوايا وسياسات الرئيس ترامب:

-Jonathan D. Pollack Tuesday, The Korean nuclear roller coaster: Has time run out for a summit?, BrookingsInstitution, May 29, 2018.pp.4-06: https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2018/05/29/the-korean-nuclear-roller-coaster-has-time-run-out-for-a-summit/

– Michael Fuchs, The North Korea Deal :Why Diplomacy Is Still the Best Option, Foreign Affairs,pp.7-08: https://www.foreignaffairs.com/articles/north-korea/2017-12-21/north-korea-deal

84)وردت هذه المعلومات فى عدة مصادر من أبرزها :

– د. يسري أبو شادي؛” “شهادة للتاريخ”: کيف تمکنت کوريا الشمالية من امتلاک سلاح نووي؟”؛ موقع مجلة السياسة الدولية على الانترنت: http://www.siyassa.org.eg/News/15213/aspx

– Anthony H. Cordesman, The Other Side of the North Korean Threat: Looking Beyond Its Nuclear Weapons and ICBMs, center for strategic & international studies (CSIS) , Washington, D.C,2018,pp.11-12. https://csis-prod.s3.amazonaws.com/s3fs- public/publication/180319_North_Korean_Threat.pdf?1VsEASqI1yuaGdWdKkFHiW6PPQIfgN7P

85)Atsuhito Isozaki, Understanding the North Korean Regime, Asia Program Woodrow Wilson International Center for Scholars , Washington, DC . April, 2017.pp.43-47.: https://www.wilsoncenter.org/sites/default/files/ap_understandingthenorthkoreanregime.pdf

86)Robert L. Gallucci & Victor Cha,Toward a New policy and strategy for North Korea, The George W. Bush Center, New York , 2018.pp. 5-6: https://gwbcenter.imgix.net/Resources/gwbi-toward-a-new-policy-for-north-korea.pdf

87)Jonathan D. Pollack Tuesday, The Korean nuclear roller coaster: Has time run out for a summit….opcit,. & Michael Fuchs, The North Korea Deal :Why Diplomacy Is Still the Best Option…. Opcit.,

88)Anthony H. Cordesman, More Than A Nuclear Threat: North Korea’s Chemical, Biological, and Conventional Weapons, center for strategic & international studies (CSIS) , Washington,D.C,2018.pp.3-4:https://csis-prod.s3.amazonaws.com/s3fs- public/publication/180315_Cordesman_NKWeapons.pdf?Ou2gTbI7e8r4RQLdOaJvBDD8KsVOYez9

89)هناک عدد من الباحثين والمتخصصين الذين تبنوا الترويج لفکرة التفاوض الدبلوماسى مع کوريا الشمالية؛ ومن أهمها:

– Robert L. Gallucci & Victor Cha,Toward a New policy and strategy for North Korea….opcit.,pp. 8-11

– Jonathan D. Pollack Tuesday, The Korean nuclear roller coaster: Has time run out for a summit….opcit,.

– Michael Fuchs, The North Korea Deal :Why Diplomacy Is Still the Best Option…. Opcit.,

90)وردت مواد البيان الختامى لقمة سنغافورة بين دونالد ترامب وکيم جونج أون فى عدة مصادر منها :

– رضا محمد هلال؛ مآلات الانفراجة بين واشنطن وبيونج يانج ……مرجع سابق؛ ص. 191.

-رضا محمد هلال؛” قمة سنغافورة.. مجرد بداية!” ؛ الملحق السياسى لجريدة الخليج؛ 21 يونيه 2018: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/051bb5df-d463-4401-bede-d51bda0be5a5

**************

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى