دراسات جيوسياسية

شرح شامل لمعنى علم الجيوبوليتيك(المفهوم، تطوره التاريخي، أسسه و أهدافه)

إن علم الجيوبوليتيك له أهميه كبيرة اهتمت به الدول الأوربية في القرن التاسع عشر ..وكان ذالك سبب في الحروب التي حصلت بينهم إما على المستعمرات أو على الاراضي الأوروبية نفسها، بحيث تذبذب علم الجيوبولوتيك بين القبول والإهمال ..

و كل هذا يبين الاهميه التي حضي بها علم الجيوبوليتيك

معنى علم الجيوبولوتيك:

هـو علم دراسة تأثير الأرض (برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها) على السـياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي اضاف الى الجيـوبوليتيك فرع الجيـو استراتيجيا.

في معناه البسيط يعني الجيوبوليتيك: “علم سياسة الأرض”، أي دراسة تأثير السلوك السياسي في تغيير الأبعاد الجغرافية للدولة.

و یتداخل هذا المفهوم مع مضمون علم الجغرافيا السياسية الذي يعنى بدراسة تأثير الجغرافيا (الخصائص الطبيعية والبشرية) في السياسة.

ولدى البعض فإن الجغرافيا السياسية تدرس الإمكانات الجغرافية المتاحة للدولة، بينما الجيوبوليتيك تعنى بالبحث عن الاحتياجات التي تتطلبها هذه الدولة لتنمو حتى ولو كان وراء الحدود.

و بينما تشغل الجغرافيا السياسية نفسها بالواقع فإن الجيوبوليتيك تكرس أهدافها للمستقبل.

من زحزحة الحدود إلى تزييف الخرائط

تنتسب الجذور الأولى لدراسة الجغرافيا السياسية لأرسطو (383-322 ق.م) الذي كان أول من تحدث عن قوة الدولة المستمدة من توازن ثرواتها مع عدد ساكنيها. وترك أرسطو أفكاراً بالغة الأهمية عن وظائف الدولة ومشكلات الحدود السياسية.

و ظلت أفكار ربط الممارسات السياسية بالخصائص الجغرافية تتطور بإسهامات فلسفية متعاقبة. واكتسبت هذه الأفكار دفعة قوية بما كتبه عبد الرحمن بن خلدون (1342-1405م) التي ظهرت في مقدمته الشهيرة.

و فضل ابن خلدون يتمثل في تشبيهه الدولة بالإنسان الذي يمر بخمس مراحل حياتية هي الميلاد والصبا والنضج والشيخوخة والموت.

و هذه الدورة الحياتية للدول وارتباطها بمقدرات الدولة أرضاً وسكاناً وموارد.. كانت أبرز ما نقله المفكرون الغربيون فيما بعد حينما تمت بلورة الصياغة العلمية لقيام وسقوط الحضارات.

و مع العقود الأولى للقرن 18 شهدت فرنسا ظهور أفكار جغرافية سياسية رصينة صاغها مونتسكيو (1689-1755) جنباً إلى جنب مع ما قدمه من أفكار اجتماعية وفلسفية وقانونية.

بيد أن اعتقاد مونتسكيو الشديد في الحتمية البيئية نحا به لأن يربط مجمل السلوك السياسي للدولة بالعوامل الطبيعية وعلى رأسها تحكم المناخ والطبوغرافيا مع التقليل من مكانة العوامل السكانية والاقتصادية.

و ظل تقييم دور العوامل المكانية (الجغرافية) في تاريخ ومستقبل الدولة السياسي بدون صياغة متكاملة حتى ظهرت في المجتمع الألماني أفكار فردريك راتزل (1844-1904) والذي يرجع إليه الفضل في كتابة أول مؤلف يحمل عنوان “الجغرافيا السياسية” في عام 1897م.

آمن راتزل بأفكار داروين في التطور البيولوجي التي كانت سائدة في نهاية القرن التاسع عشر، وصبغ راتزل صياغته لتحليل قوة الدولة بالأفكار الداروينية التي طبقها الفيلسوف الإنجليزي سبنسر في العلوم الاجتماعية تحت اسم “الداروينية الاجتماعية”.

و أكد راتزل على أن الدولة لا تثبت حدودها السياسية. وكانت الدولة لديه أشبه بإنسان ينمو فتضيق عليه ملابسه عاما بعد عام فيضطر إلى توسيعها، وكذلك ستضطر الدولة إلى زحزحة حدودها السياسية كلما زاد عدد سكانها وتعاظمت مطامحها.

و على الجانب الآخر من القارة الأوروبية نجد في هذه الحقبة الجغرافيين اليوغسلاف يطوعون الجغرافيا السياسية لتحقيق أهداف قومية، فلم يتورعوا معها أن يعبثوا بالخرائط السياسية لتحقيق مآربهم.

و كان المثال الأبرز هو الجغرافي اليوغسلافي الشهير يفيجييتش الذي “زيّف” في خرائط الحدود الإثنية للقومية المقدونية -مستغلا شهرته الدولية والثقة الممنوحة له في مؤتمر الصلح في باريس 1919- ليخدم أغراضاً مفادها “سحب” أراض مقدونية وضمها إلى الصرب، وكانت المحصلة إذكاء الروح القومية للصرب وطموحهم للتوسع.

من الجغرافيا السياسية إلى الجيوبوليتيك
ي الوقت الذي كان فيه راتزل وسبنسر يتحدثان عن الجغرافيا السياسية كان بعض الجغرافيين الألمان يتحدثون عن علم السياسات الأرضية أو ما اصطلح على تسميته بالجيوبوليتيك.

و قد بدا أنه إذا كانت الجغرافيا السياسية تنظر إلى الدولة كوحدة إستاتيكية فإن الجيوبوليتيك تعدها كائناً عضويا في حركة متطورة.

في هذه الأثناء كانت ألمانيا تعيش بعد الهزيمة التي منيت بها في الحرب العالمية الأولى، في انتكاسة قومية بسبب ما اقتطع منها من أراض كإجراءات عقابية لها من قبل المنتصرين، وتقسيم مستعمراتها بين إنجلترا وفرنسا، كما فرض عليها حصار عسكري ومالي.

و فيما بين الحربين كرَّس الجغرافيون والسياسيون الألمان جهودهم للخروج بوطنهم من محنته، وخرجت لأول مرة دورية علمية تحمل عنوان “المجلة الجيوبوليتيكية” وضمت هجيناً من الفكر الجغرافي والتاريخي والسياسي والقومي والاستعماري.

و قد صيغ هذا الفكر في قوالب علمية رفعت شعار: “لا بد أن يفكر رجل الشارع جغرافياً وأن يفكر الساسة جيوبوليتيكياً”.

و قد جاء هذا الشعار ليبرر الكم الهائل من المعلومات الجغرافية “المغلوطة” التي قدمت للشعب الألماني عن دول شرق أوربا والاتحاد السوفيتي.

كما تم توظيف نتائج بحث الجغرافيا التاريخية والآثار لتقديم معلومات عن أحقية ألمانيا في أراض وبلدان تبعد عنها مئات الأميال شرق أوربا.

و بالرغم مما قد نظنه من مهام علمية بريئة للجمعيات الجغرافية فإن دورها في خدمة التوسع الألماني كان جلياً واضحاً.

و تحت رعاية الجمعية الجغرافية الألمانية أنشئت في ميونخ عام 1924 المدرسة الجيوبوليتيكية التي رأسها الجغرافي السياسي كارل هوسهوفر.

و بجهود هذه المدرسة وبالأعداد المتواترة للدورية الجيوبوليتيكية جهّـز الجغرافيون والسياسيون الفكر الألماني بعضوية الدولة وضرورة زحزحة حدودها لتشمل أراضي تتناسب مع متطلباتها الجغرافية وتحقق ضم الأراضي التي يقطنها الجنس الآري.

و قد جاء ذلك في ظل تنامي أفكار القومية الشيفونية الممزوجة بأغراض التوسع العسكري للحزب النازي.

و قد تلقف هتلر أفكار هوسهوفر وزملائه، كما استعان بأفكار الجغرافي الإنجليزي الشهير ماكندر (الذي كانت مقالاته تترجم إلى الدورية الجيوبوليتيكية)، خاصة تلك الأفكار التي صاغ من خلالها نظريته عن “قلب الأرض”، والتي تقول فحواها: إن من يسيطر على شرق أوربا يسيطر على العالم. وتنبأ فيها بانتقال السيطرة على العالم من القوى البحرية (إنجلترا وفرنسا) إلى القوى البرية (ألمانيا والاتحاد السوفيتي).

و جاءت أفكار هتلر بدءاً من كتاب “حياتي”، ومرورا بخطبه الحماسية، لتكرس مفهوم المجال الحيوي لألمانيا Lebensraum، أي مساحتها الجغرافية اللائقة بها وبالجنس الآري، ولتمثل أبرز مقومات القومية الاشتراكية (النازية) التي تبناها.

و هكذا زاد التداخل في المفاهيم وصار الفصل صعباً بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك والإمبريالية.

و صعِدت الجيوبوليتيك إلى مصاف العلوم الكبرى خلال الحرب العالمية الثانية، حتى كتبت هزيمة ألمانيا نهاية لهذه المكانة.

و صار مفهوم الجيوبوليتيك بعد الحرب العالمية الثانية قرين التوظيف السيئ للجغرافيا السياسية، وهو ما أضر بتطوير الجيوبوليتيك والجغرافيا السياسية معاً.

و وصل الأمر في بعض الدول إلى منع تدريس الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك في جامعاتها؛ باعتبارهما علمين مشبوهين يسعيان إلى بذر العداء ويكرسان الأطماع القومية.

من الجيوبوليتيك إلى جغرافية الإمبريالية

دون حاجة لتنظير أكاديمي ومصطلحات ضخمة كانت إمبراطورية روسيا القيصرية ومنذ منتصف القرن السادس عشر تطبق فكرة الدولة العضوية Organic Stateحتى قبل أن تصاغ في قوالب نظرية.

و أرست روسيا المنهج الذي قامت عليه الأطماع الاستعمارية فيما بعد باعتمادها على الدور المحوري لجمع المعلومات الجغرافية عن الشعوب المجاورة وتدعيم رحلات علمية “بريئة” تقدم أبحاثاً في ميادين شتى لخدمة التوسع فيما بعد، وكان ذلك يجري على قدم وساق حتى أفول شمس الإمبراطورية القيصرية في 1917.

و بعد الحرب العالمية الثانية كان الاتحاد السوفيتي واحداً من تلك الدول التي منعت تدريس الجيوبوليتيك في جامعاتها؛ استناداً إلى أن الجيوبوليتيك والجغرافيا السياسية في ألمانيا جلبَا الكوارث على القارة الأوربية والعالم بأسره.

و لم تظهر كتب في هذين العلمين ذات قيمة إلا في منتصف التسعينيات، هذا بالرغم من أن الاتحاد السوفيتي نفسه كان أكثر النماذج وضوحاً في التطبيق الحرفي لمبادئ الطمع الجغرافي “السمعة السيئة للجيوبوليتيك” لدرجة أن من أكثر النكات شيوعاً في أوروبا في الستينيات كانت تلك التي يسأل فيها مدرس تلميذه سؤالا جغرافياً مباشراً: “من هم جيران الاتحاد السوفيتي؟” وبدلاً من أن يعدد الطالب أسماء الدول المجاورة تأتي إجابته: “جيران الاتحاد السوفيتي هم مَن يرغب هذا الاتحاد في أن يصبحوا جيراناً له”؛ في دلالة تهكمية على أن هذه الحدود متغيرة، وتعتمد على مستوى التوسع والضم الذي تمليه الأطماع الجغرافية السوفيتية.

و بتفكك الاتحاد السوفيتي مع نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وبتغير القدرات العسكرية النسبية له انكمشت الحدود، وصارت تطال الحدود الأصلية لروسيا ما قبل السوفيتية.

و قد دعا هذا أحد المفكرين السياسيين صبيحة تفكك الاتحاد السوفيتي إلى أن يعبر درامياً عن هذا بقوله: “يبدو أنه لا مفر من أن نتجرع الكأس حتى الثمالة؛ بالأمس انهدم البيت السوفيتي، واليوم تتهدم روسيا. وما الشيشان إلا مشهد في فصول تهدم البيت. أما بقية المشاهد فستتوالى بخروج مناطق الحكم الذاتي، تعقبها الأقاليم، ثم تتعاقب المشاهد والفصول عبر انفصال وحدات أصغر فأصغر”.

و على الجانب الآخر كان قد ظهر على المسرح الجغرافي -مع خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة عالمية- مفهوم جديد للجيوبوليتيك وهو “الحدود الشفافة”، التي يقصد بها الهيمنة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية دون حدود خرائطية للدولة. أو ما يسميه تايلور -أشهر باحثي الجغرافيا السياسية في العقدين الأخيرين- بـ”جغرافية السيطرة من دون إمبراطورية”.

و السيطرة من دون إمبراطورية هي أفضل تجسيد لتطوير الأفكار الجيوبوليتيكية، بعيداً عن الأطر التقليدية للنمو العضوي للدولة.

و هذا التطوير يسمح بأن يصبح العالم كله “المجال الحيوي” للولايات المتحدة، بعدما عاشت الأخيرة حتى الحرب العالمية الثانية في عزلة جغرافية ممتعة اختارتها لنفسها.

و أهم سمة في هذا المجال الحيوي هو “اللامواجهة”؛ استناداً إلى مزايا الحرب الإلكترونية، وتوظيف الخصوم المتناحرين في إدارة الحرب بالإنابة، أو التدخل في لحظة محددة باعتباره تدخلاً إنسانيا لصالح العدل والحرية.

و في نفس الوقت تدفع الولايات المتحدة في هذا المجال الحيوي -دون حاجة لتوسيع الحدود- بمبيعات أسلحتها وتحصل شركاتها على أفضل فرص “إعادة الإعمار” وحقوق التنقيب عن الثروات، ناهيك عن الانفراد بغسل الأدمغة بأفكار جديدة أعد لها سلفاً.

عوامل قوة الدولة الطبيعية والبشرية

العوامل الطبيعية

تتضمن دراسة خصائص بيئات الدولة الطبيعية من حيث الموقع، ومظاهر السطح، والمساحة، والشكل، والمناخ من وجهة نظر الجغرافيا السياسية.

(1) الموقع

يعتبر الموقع الجغرافي أحد العوامل المهمة التي تؤثر في الجغرافيا السياسية للدولة لتأثيره على اتجاهات سكانها والسلوك السياسي لحكومتها. وتحلل الجغرافيا السياسية الموقع وأثره في الدولة من ثلاث اتجاهات هي:

(أ) الموقع الفلكي

ويعني موقع مكانها الدولة بالنسبة لدوائر العرض وخطوط الطول. وهو يعكس مدى ملاءمة الدولة للحياة البشرية والتقدم الحضاري، إذ تتركز الدول المتقدمة في العروض المعتدلة. ولا يعنى هذا أن الحضارات نشأت أول ما نشأت في تلك العروض، ولكنها نشأت في الأقاليم المدارية وشبه المدارية حيث تتوافر السهول الفيضية والمياه، وكانت الصحراء حول هذه السهول الفيضية تعتبر بمثابة الدرع الواقي للحضارة في المناطق السهلية، ثم انتقلت بعد ذلك إلى المناطق المعتدلة في الشمال عن طريق الاستعمار الوافد من الشمال وهيمنته على تلك الأقاليم الحضارية.

وترتب على ذلك أن رأى هنتنجتون Huntington، أن البيئة الاستوائية محكوم عليها بالتأخر نتيجة لارتفاع درجة الحرارة والرطوبة طول العام، مما لا يشجع الإنسان على بذل مجهود للتقدم، أمّا المناطق المعتدلة فيشجع مناخها على بذل المجهود للتقدم، وبالتالي فالعناصر السوداء، التي تتفق في توزيعها مع النطاق الاستوائي تعيش في الماضي، والأجناس الصفراء تعيش الحاضر، والأجناس البيضاء صاحبة المدنية تعيش في المستقبل.

(ب) الموقع بالنسبة لليابس والماء

ويُقصد به موقع الدولة بالنسبة للقارات، والبحار، والمحيطات، وهو يحدد شخصية الدولة، ويسهم في رسم سياستها وإستراتيجيتها، وتطل معظم دول العالم على بحار أو محيطات، ومنها مالا يطل على أي بحار أو محيطات، وتعرف بالدول الداخلية أو الحبيسة.

ويؤدي الموقع الساحلي للدولة إلى غناها الاقتصادي، واحتكاكها الحضاري، وبالتالي قوتها، وتقدمها، وينعكس هذا على سكانها، الذين يتميزون بما يعرف بالنظرة العالمية ويظهر هذا في سعة أفقهم، وتفتح أذهانهم، وانطلاقهم الحضاري. ويرجع ذلك إلى أن البيئات الساحلية ترتبط دائماً بالعالم الخارجي، وتيارات الحضارة، ومحاور التقدم، إضافة إلى أنها تتطلع دائماً إلى كل جديد ولا تعرف العزلة، في حين أن سكان الدول الداخلية كثيراً ما ينعزلون عن مثل هذه المؤثرات والتيارات. وكل هذه الظروف تؤثر بدورها في الجغرافيا السياسية للدولة، فمثلاً، أدى الموقع البحري دوراً كبيراً في بناء إمبراطورية سياسية واقتصادية كبيرة في بريطانيا. حقاً، قامت الثورة الصناعية في إنجلترا على المواد الخام المحلية ورأس المال الإنجليزي، لكن لا شك أن موقعها البحري ساعدها على السيطرة على مستعمرات تستورد منها المواد الغذائية والمواد الخام، كما أصبحت هذه المستعمرات سوقاً لتصريف المنتجات البريطانية، وأنشأت بريطانيا أسطولاً تجارياً يساعد في ذلك، وأسطولاً حربياً يؤمن الطريق للأسطول التجاري.

ولتوضيح أثر الموقع البحري نُقارن بين السويد والنرويج، إذ أن كليهما متجاوران في شبه جزيرة اسكنديناوه. لكن النرويج تتسم بطبيعتها الجبلية وفقرها في الموارد الزراعية، لكنها ذات ساحل بحري طويل كثير المرافئ والموانئ الطبيعية الصالحة للملاحة، لذلك فهي دولة بحرية من الطراز الأول، ولها أسطول تجاري ضخم، وتزدهر بها حرفة صيد الأسماك. في حين أن السويد المجاورة لها تمتلك أراضي زراعية خصبة مستوية، وساحلها على بحر البلطيق متجمد فترة طويلة من السنة. لذلك فهي لم تتجه صوب البحر.

ويؤثر الموقع البحري والبري كذلك في نوع الدفاع الذي تعتمد عليه الدولة. وبغض النظر عن سلاح الطيران، الذي يوجد بكل من الدول البحرية والقارية، فيُلاحظ أن الدول البحرية تركز اهتمامها بصورة أكبر على بناء الأسطول التجاري والحربي والغواصات، في حين أن الدول القارية تركز على إعداد الجيش البري، ومثال ذلك: دفاع بريطانيا والدفاع الروسي.

(ج) الموقع بالنسبة للدول المجاورة

كلما كانت حدود الدول بعيدة عن بعضها البعض وخاصة في الدول الجزرية، كلما أدى هذا إلى تقليل المنازعات والحروب بينها، حيث تعرقل البحار عمليات الغزو وتعوقها، وأفضل مثال على ذلك بريطانيا التي لم تغزها أي قوة منذ عهد وليم الفاتح. أمّا طول الحدود البرية فيعتبر عامل خطر يُهدد الدولة. ونتيجة لهذا أُنشئت الدول الحاجزة بين القوات المتنازعة، مثال ذلك أفغانستان، التي كانت تفصل بين المصالح الروسية في الشمال والمصالح البريطانية في المحيط الهندي. وإذا كانت الحدود البرية الطويلة تفصل بين دول صديقة، فيعتبر هذا ميزة، كما هو الحال بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية. إذ تنساب المواد الخام الآتية من كندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تسافر السلع المصنوعة، ورأس المال، والخبرة من الثانية إلى الأولى عبر هذه الحدود، ويؤدي هذا التعاون بدوره إلى القوة والتقدم الاقتصادي، ولكن قد يحدث العكس فالدول الكبيرة التي تجاور دولاً صغيرة تحاول أن تستولي عليها، مثال ذلك: ما حدث بين روسيا (الشاسعة المساحة، والكثيرة السكان، والقوية عسكرياً) ودول شرق أوروبا، إذ استولت عليها وأدخلتها في فلكها لأنها صغيرة المساحة، ومتوسطة السكان، وضعيفة عسكرياً إذا ما قورنت باتحاد السوفيت (سابقاً).

(2) المساحة

تتباين دول العالم من حيث المساحة، فمنها ما يشغل مساحة شاسعة مثل الولايات المتحدة، وكندا، والبرازيل، والصين، والهند. ومنها ما يشغل مساحة صغيرة مثل سويسرا، والدانمارك، لبنان. ومنها ما يمثل وحدات سياسية قزمية تشغل مساحة ضئيلة مثل دولة الفاتيكان.

وتتمثل أهمية المساحة في إعطاء الفرصة لتنوع الموارد الاقتصادية وتباينها، كما تتمثل أهميتها من الناحية الحربية في إمكان الدفاع في العمق Defense in Depth، فالدولة ذات المساحة الصغيرة لا تلبث أن تُسلم أمام جحافل الجيوش الغازية، كما حدث في بعض دول أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، فقد سلمت كل من بلجيكا، وهولندا، والنمسا، وتشيكوسلوفاكيا خلال فترة قصيرة عندما اجتاحتها الجيوش الألمانية، بينما استطاع الاتحاد السوفيتي (سابقاً) أن يصمد أمام الغزو الألماني ومن قبله غزو نابليون بفضل اتساع مساحته إذ طبق مبدأ الدفاع في العمق، الذي يقوم على تسليم الأرض لكسب الوقت Selling Space to GainTime، فقد اتبع الاتحاد السوفيتي هذا الموقف الاخلائى عندما غزاه نابليون حتى أطال بينه وبين خطوط تموينه، وأدخله في بيئة طبيعية قاسية يجهلها مما أضطره إلى التقهقر ثانية. وقد سار الاتحاد السوفيتي على نفس السياسة مع الألمان سنة 1941، وقد فطن الألمان لهذه السياسة، ولذلك حاولوا تدمير الجيش الأحمر برجاله ومعداته عن طريق الالتفاف حوله لكنهم لم ينجحوا في ذلك. إلاّ أن التقدم التقني في معدات الحرب أفقد المساحة الكبيرة أهميتها العسكرية، إذ يمكن نشر الميكروبات والغازات السامة فيها قبل انسحاب الجيوش إليها.

وتكفل المساحة الكبيرة امتيازاً عسكرياً آخر، ذلك أنه إذا هُزمت دولة كبيرة فإنه من الصعب احتلال إقليمها الواسع والسيطرة عليه لا سيما إذ كانت كثيفة السكان. مثال ذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية يستحيل عليها أن تحتل الصين الشعبية لو أنها انتصرت عليها لأن ذلك سوف يتطلب إيجاد قوات أكثر مما تمتلك أمريكا. وتُحقق وسائل الإنذار المبكر الآن الغرض منها بفاعلية عالية، في حالة كبر مساحة الدولة، لأنها تُتيح الوقت الكافي لاتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة.

ولمساحة الدولة أيضاً تأثير كبير ومباشر على قدرتها في أن تستخدم القوة في الدفاع عن نفسها. فالمساحة الكبيرة تساعد على أن تكفل للدولة وسائل الإقناع التي تأتي من القدرة على الدفاع عن النفس. أمّا الدول ذات المساحة الصغيرة فهي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أمام الأعداء. مثال ذلك، هولندا التي استسلمت للألمان في مدة أربعة أيام، علماً بأن الجيش الهولندي لم يكن أقل بسالة من الجيش الألماني. وتعمد الدولة الصغيرة إلى الأخذ بزمام المبادرة في الهجوم وذلك كي تبعد المعركة عن أراضيها. ومن أفضل الأمثلة على ذلك الصراع العربي الإسرائيلي الذي تبادر فيه إسرائيل باستمرار بشن الهجوم على الدول العربية المجاورة لتنقل المعركة إلى أراضي الدول المجاورة حتى لا تتأثر طاقاتها الإنتاجية، والخدمية، وسكانها المدنيون، ولتكسب مجالاً أرضياً أوسع يُمكنها من المناورة العسكرية. وقد حدث هذا في عدوان 1956، وعدوان 1967.

(3) الشكل

كلما كانت الدولة مندمجة من حيث الشكل Shape، كلما كان ذلك أفضل من الناحية السياسية لها. ويعتبر الشكل الدائري أو القريب منه الشكل المثالي للدولة، فتكون كل أطراف الدولة على أبعاد متساوية تقريباً، لذا يترتب على الشكل الدائري للدولة أن يكون طول حدودها قصيراً بالنسبة لمساحتها، ومن ثم يقل عدد المواضع التي يحتمل أن تُغزى منها الدولة. كما يصبح في إمكان الدولة الدفاع عن هذه الحدود وحمايتها. ويساعد الشكل الدائري على سرعة نقل الجيوش والمعدات إلى أي مكان في الدولة يتعرض لغزو خارجي، كما أنه يوفر لجيوش الدولة المساحة الكافية، التي يمكن أن تتقهقر فيها إذا استدعت الظروف ذلك، وذلك لأنه يعمل على تيسير إنشاء شبكة نقل ومواصلات جيدة في الدولة. ويساعد الشكل المثالي على انصهار سكان الدولة في بوتقة واحدة مما يؤدي إلى زيادة نمو الشعور القومي لديهم، وهو عامل حاسم في رسم سياسة الدولة، ومن أفضل الأمثلة على الشكل المثالي أو القريب منه دول أورجواي، وبولندا، والمجر، وبلجيكا.

ويرتبط بشكل الدولة موقع العاصمة بالنسبة للدولة. ويعد الموقع المتوسط في جسم الدولة أفضل موقع للعاصمة، ويُعرف بالموقع المركزي Central، حيث تحتل العاصمة الوسط الهندسي للدولة، وذلك حتى يسهل الدفاع عنها من جهة، ويسهل اتصالها بمختلف أنحاء الدولة من ناحية أخرى. ومن أمثلة المواقع المثالية للعواصم الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، والقاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية، والخرطوم عاصمة السودان، وبغداد عاصمة العراق، وبرن عاصمة سويسرا، ومدريد عاصمة أسبانيا، ووارسو عاصمة بولندا.

وقد نقلت بعض الدول عواصمها من مواقع ساحلية غير متوسطة داخل الدولة، وذلك لكسب مزايا تتعلق بالشكل الجغرافي الصحيح للدولة، وهذا ما حدث في البرازيل عندما نقلت عاصمتها من ريو دي جانيرو إلى برازيليا، وفي تركيا عندما نُقلت عاصمتها من استنبول إلى أنقرة.

(4) الحدود

الحدود السياسية PoliticalBoundaries، وهي بمثابة الهيكل الخارجي لرقعة الدولة. ولكل دولة في الوقت الحاضر حدودها السياسية، وهي عبارة عن خطوط محددة على الخرائط السياسية، وواضحة المعالم في الطبيعة. وهذه الحدود تكفلها المعاهدات والمواثيق الدولية.

وتمثل البحار والمحيطات أكثر الحدود الطبيعية، وهي حدود فاصلة يمكن أن تحمي الدولة من الغزو، خاصة إذ كانت لديها السيادة البحرية على حدودها. وتأتي الصحاري بعد البحار والمحيطات في الأهمية، ذلك لأنها تؤدي وظيفة الحماية كالبحار إلى حد ما. أمّا الجبال فتمثل حدوداً طبيعية منيعة. وهي تؤدي دورها بوصفها حدوداً سياسية في بعض المناطق، فجبال اسكنديناوه تُشكل الحدود بين السويد والنرويج، وجبال الألب تفصل بين النمسا وإيطاليا، وجبال البرانس تمثل الحدود بين فرنسا وأسبانيا. وكذلك تقوم الأنهار في بعض الحالات بوظيفة الحدود السياسية، كما هو الحال في شط العرب الذي يفصل بين العراق وإيران، ونهر السانت لورنس الذي يمثل الحدود بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية في بعض المواضع، ونهر الدانوب الذي يفصل بين رومانيا وبلغاريا، ونهر الراين الذي يفصل بين فرنسا وألمانيا.

أما الحدود الاصطناعية فمنها الحدود الفلكية، التي تتفق مع دوائر العرض وخطوط الطول، مثل الحدود بين مصر وكل من ليبيا والسودان. ومنها الحدود الهندسية التي تُرسم على شكل خطوط مستقيمة ولا يراعى في تخطيطها أي ظاهرة طبيعية، مثل الحدود بين المملكة العربية السعودية وجيرانها.

(5) المناخ

يعتبر المناخ من أهم العوامل التي تؤثر في قوة الدولة وظروفها السياسية، لأنه يؤثر في مجهود الإنسان وبالتالي فيما يبلغه من رقي وتقدم.

وقد أثر المناخ على الأوضاع السياسية للكثير من الدول بدرجة كبيرة، إذ أن ملاءمة المناخ في جنوب أفريقيا، حيث يسود مناخ البحر المتوسط، شجع الاستعمار على أن يتخذ في هذه المنطقة شكل الاستعمار الاستيطاني، وأغرى الأوروبيين بالهجرة إلى هذا الإقليم. إما المناخ الاستوائي فلم يشجع الاستعمار الأوروبي على الاستيطان في الدول الأفريقية، التي يسود فيها مثل غانا، والكنغو، ونيجيريا، وتوجو، وداهومي، لذا كان الاستعمار في هذه الجهات استعماراً استغلالياً.

ويمكن الاستدلال من التاريخ على أن المناخ كان له أثر كبير على سير العمليات الحربية. ويؤكد ذلك أن القيادة الألمانية كانت على بينة من أن غزو بولندا يجب أن يتم في الأيام الأولى من شهر سبتمبر، حتى تتجنب الأوحال، التي يمكن أن تتعرض لها الدبابات الألمانية بسبب سقوط الأمطار بعد هذا التاريخ. كذلك اختار الألمان شهر أبريل لغزو النرويج، حيث يشتد هبوب العواصف، وبالتالي يمكن اتخاذها ستاراً لتغطية الوحدات الصغيرة. وعبر الجيش المصري إلى شبه جزيرة سيناء في حرب 1973 عصراً، لتكون الشمس خلف ظهره ولا تكون في مواجهته، إضافة إلى إجراء بعض الدراسات الدقيقة لحركة الأمواج، والتيارات، والمد والجزر في قناة السويس، ودراسة حركة الرياح.

(6) التضاريس

تؤثر التضاريس على القوة النسبية للدول المختلفة وعلى النواحي الإنتاجية والعسكرية فيها، وكلها عوامل تؤثر على النواحي السياسية للدولة. وتعمل التضاريس والمناخ على تحديد الإمكانات الاقتصادية المتاحة، التي يتوقف عليها رقي الدولة وتقدمها. إذ أنه كلما ازدادت مساحة السهول، وتوافرت المياه، كلما عظم الإنتاج الزراعي، ويؤدي هذا بدوره إلى تركز السكان وتكاثرهم، وقد تمتلك الدولة سهولاً واسعة مثل براري كندا، وسهول سيبريا، لكن عدم مناسبة الظروف المناخية في هذه المناطق يعرقل التقدم الاقتصادي فيها، مما يؤدي إلى تضاؤل أهمية هذه السهول.

وتعمل السهول على تيسير عملية غزو الدول التي تمتلكها، ذلك لكونها مناطق مفتوحة يسهل عبورها، في حين تمثل الجبال عامل حماية طبيعياً يقي الدولة من الاعتداءات الخارجية. وتفضل الدولة أن تولد في المناطق الجبلية، لتكون في عزلة عن غيرها، حتى تقضي فترة نموها الأولى، وعندما يشتد ساعدها وتنتقل إلى طور الشباب، ويمكنها الدفاع عن نفسها، يصبح من المناسب لها أن تنزل إلى المناطق السهلية لتتوسع فيها وتسيطر عليها. ومن أفضل الأمثلة على ذلك تركيا التي ولدت في هضبة آسيا الصغرى، وبعد أن بلغت مرحلة الشباب واشتد ساعدها، نزلت إلى السهول المجاورة وكونت الإمبراطورية العثمانية، التي امتدت من ساحل البحر الأسود إلى ساحل بحر إيجه فسواحل البحر المتوسط.

وتمثل الجبال ملجأً للدول في وقت الأزمات فتحتمي بها، ومن أمثلة ذلك ما حدث للعرب في أسبانيا، إذ تمكنوا من هزيمة الأسبان في القرن الثامن، مما أدى إلى هروب بعض المسيحيين من المناطق السهلية الجنوبية ولجأوا إلى الجزاء الشمالية الجبلية. وكذلك تركت العناصر الصربية سهول نهر الدانوب في الحرب العالمية الأولى ولجأت إلى الجبال حيث ولدت دولتهم.

ويوجد في الوقت الحاضر عدد قليل من الدول الجبلية بما تحمله الكلمة من معنى، ومن أمثلتها نيبال، وسويسرا، وأندروا، التي توجد في موقع منعزل بجبال البرانس الواقعة بين أسبانيا وفرنسا، وسيكم، وبواتان، الواقعتان في أودية تنحصر بين سلاسل جبال الهيملايا وتلال سواليك.

العوامل البشـرية

1ـ العامل السكاني :

إن أهمية السكان في قوة الدولة تحظى بقبول عام من علماء العلاقات الدولية و نقصد بالسكان هنا العنصر البشري ووزنه كعامل من عوامل قوة الدولة و هنا يجب أن نراعي العوامل الكمية و الكيفية في العامل الديمغرافي .

أ ـ العوامل الكمية :تتجلى أهمية العامل السكاني في تشكيل القوة العسكرية اللازمة للحرب ، كما أن بعض الدول الاستعمارية حاولت الاعتماد على مستعمراتها في توفير القدرات البشرية اللازمة لآلتها العسكرية ، كذلك تؤثر الكثافة السكانية على الأهمية العسكرية من حيث أن الدول ذات الكثافة الضئيلة هي موضوع مطامع خارجية أما الدول ذات الكثافة العالية هي مؤمنة لحد ما من هذه الأطماع ، تتجلى أيضا أهمية التعداد السكاني في المستوى الاقتصادي حيث أن العامل البشري عنصر أساسي في عملية الإنتاج كما أن السوق الاستهلاكية هي الضمان الأكيد لازدهار الإنتاج الوطني ، و من جهة أخرى يشكل الضغط السكاني عاملا فعالا من عوامل النزاع الدولي بل كثيرا ما يحاول المحللون رد أسباب التوتر الاجتماعي بشتى صوره إلى الضغط الكمي للسكان .

ب ـ العوامل الكيفية : قد يؤثر في قيمة الكم السكاني كارتفاع نسبة الإناث بالنسبة للذكور وكذلك الحال بالنسبة لسلم الأعمار فقد يتوافق تباين نسبة الشباب الذكور من العدد الكلي للسكان مع درجات القوة الاقتصادية للدولة و كذا مع درجات القوة الإستراتيجية كذلك .

درجة التجانس الاجتماعي لعناصر الكم البشري: أي تحقيق الوحدة الداخلية ترتبط بدرجات التجانس الاجتماعي .

التقدم الثقافي و الاجتماعي : السكان المثقفون و المتقدمون تكنولوجيا قادرون على تحمل مسؤوليات الدولة.

2ـ العامل الاقتصادي:

رفض التجاريون التمييز بين التفوق التجاري و التفوق السياسي حيث يكون ميزان القوى مرهون بالميزان التجاري فللأوضاع الاقتصادية المقام الأول اتجاهات السياسة الخارجية للدول و يؤكد الباحثون على أن هناك ارتباط بين الحرب كظاهرة بين الدول و بين الظاهرة الاقتصادية ، فالحرب هي آثار حتمي للظاهرة الاقتصادية من حيث :

أ ـ حروب القحط:ففي الجماعات البدائية تبدو حالة القحط الناجم عن تخلف الموارد الطبيعية عن تمكين الجماعة من الاستمرار في الحياة و هكذا تبدو هذه الحالة و كأنها الوضع المحتم للحرب من أجل الاستعلاء على موارد الآخرين.

ب ـ حروب الوفرة: أما في الجماعات الصناعية فالدافع للصراع كان السعي في الحصول على المزيد من الموارد الأولية من أجل المزيد من الإنتاج.

ج ـ حروب الأسواق و التسويق : هي تلك الحروب التي تلجأ إليها الدول من أجل الحصول على الحق في أن تتاجر بحرية في منطقة معينة .

3ـ العوامل العسكرية،التكنولوجية و التنظيمية:

3ـ 1 ـ العامل العسكري :
ينظر الكثيرون إلى درجة الاستعداد العسكري على أنه المظهر الرئيسي لقوة الدولة و يرتبط مستوى الاستعداد العسكري بعدة عوامل:

1ـ التقدم التكنولوجي في إنتاج الأسلحة و في وسائل جمع المعلومات .

2ـ القدرة على التخطيط الاستراتيجي و الذي يتفق و طبيعة مشكلة الأمن القومي التي تواجهها الدولة .

3ـ مدى كفاءة القيادات المسؤولة عن عمليات التخطيط الاستراتيجي .

4ـ مدى كفاءة التدريب و كذا مستوى القدرة القتالية للقوات المسلحة في الدولة .

5ـ مدى القدرة على حشد طاقات الدولة و إمكانياتها بالسرعة الواجبة و في الظروف التي تضطرها لإجراء تعبئة شاملة لقواتها .

3 ـ 2 ـ العامل التكنولوجي:

أدخل العامل التكنولوجي ثورة كلية على العلاقات الدولية حيث أضحى أهم ميزان في العلاقات الدولية بين عالم متقدم و آخر متخلف ، كما أدخلت الثورة التكنولوجية أساليب جديدة في الإنتاج و ساهمت في زيادة القدرة الاقتصادية للدول و طورت أساليب الزراعة و ضاعفت من مردوديتها و بصفة عامة تهيأ التكنولوجيا أكفا الوسائل لاستغلال الإمكانيات الطبيعية ، المادية و البشرية المتاحة للدولة كما أن التقدم التكنولوجي يزيد من القوة العسكرية حيث أصبحت تقاس بمدى قدرة الدول في إنتاج الأسلحة و في جمع المعلومات .كما تنعكس على العامل السكاني من حيث ترقية كيفه و كذا من حيث أنها تضبط أكثر فأكثر القياسات الكمية للسكان و تساعد في عملية الإحصاء ، ومن ناحية أخرى أثر العامل التكنولوجي على الدبلوماسية و أضحت ميكانيزمات اتخاذ القرارات على مستوى الدول و المنظمات أكثر وضوحا .

3 ـ 3 ـ العامل التنظيمي:

إذا كان العامل التنظيمي يعني مباشرة المؤسسات الدستورية للدولة فإنه في الوقت نفسه يتوزع على مجموعة من المتغيرات مرتبط بالجوانب المعنوية للدولة .

أ ـ العامل الإيديولوجي : هي منظومة من التصورات و الأفكار و الأوهام و المفاهيم التي تميز مجتمع ما . و لا يجوز للمحلل إغفال العنصر الإيديولوجي كعنصر تفسيري للظواهر الدولية فالإيديولوجية هي المحرك الرئيسي للسياسات الخارجية للدول لأنها تمثل اختلاف البيئات و الأفكار و المعتقدات المؤثرة على صناعة و اتخاذ القرار .

ب ـ الروح الوطنية للدولة : الوحدة الوطنية هي تكامل الجماعة المشكلة للدولة تكاملا يسقط عنها أسباب التصادم المؤدي إلى الضعف ، و الوحدة الوطنية تتجسد أساسا في الدولة و هي الطريق المؤدي لرفع الروح المعنوية للدولة التي بدورها تشكل أحد الركائز التي ترتكز عليها قوة الدولة .

ج ـ الاعتبارات المتعلقة بكفاءة الأجهزة السياسية و الدعائية و الدبلوماسية للدولة : تتوقف كفاءة الأجهزة السياسية للدولة على الاستقرار السياسي و على شكل النظام السياسي كدبلوماسية الدولة التي يقع عليها عبء تجميع هذه العوامل الطبيعية و الاجتماعية في كل واحد متكامل لكي تتحرك به في الطريق إلى تحقيق أهدافها الخارجية و ذلك بالأسلوب الدبلوماسي في زمني السلم و الحرب .

د ـ شخصية و سلوك رجل الدولة : هو عامل يقوم أحيانا بدور بارز في تقرير الأهداف القومية للدولة و شخصية القادة السياسيين ، و المسؤولين ، كما يؤثر أيضا في قوة الدولة حيث نجد أن التغير في أنماط القيادات السياسية الحاكمة ينتج في أغلب الأحيان تغيرات هامة في الاتجاهات الخارجية للدولة و في بعض الحالات يكون نفوذ القائد السياسي و تأثيره على السياسة الخارجية مطلقًا .

تتعدد منهاج البحث المستخدمة في الجغرافية السياسية ، ويتوقف ذلك على موضوع الدراسة هل هي دراسة للدولة أم مشكلة سياسية دولية أو محلية ، أم دراسة للحدود السياسية ،أم دراسة أصولية للأقليات في العالم وغيرها من الموضوعات التي تعد ميادين لباحث الجغرافية السياسية.
ونذكر من مناهج الجغرافية السياسية المنهج التاريخي ، والمنهج الإقليمي ، ومنهج العالمية ، والمنهج الوظيفي ، والمنهج المورفولوجي ، ومنهج جونز ، ومنهج تحليل القوة.

1- المنهج التاريخي :- The Historical Approach

الذي يدرس نمو الدولة وتطورها حتى بلغت مرحلة النضج السياسي الحالي لها ، وتطور رسم حدودها السياسية ، والجذور التاريخية لإحدى المشكلات التي تواجهها مثل مشكلة دارفور في السودان ، ومشكلة كشمير ، وأثر الاستعمار في كثير من دول العالم الثالث في قوة وضعف الدولة ، فالتحليل التفصيلي لدولة مثل إسرائيل لابد له من تفسير لتطور هذه الدولة ، وأثر هذا النمو على شكلها ووضعها السياسي الحالي ، ولكن هذا المنهج يجب أن يتناوله باحث الجغرافية السياسية بشكل يخدم موضوع دراسته ، ولا ينزلق وراء حجم ضخم من الأحداث التاريخية تبعده عن موضوعه ويصبح في هذه الحالة كباحث في
التاريخ السياسي ـ، هذا فضلا على أن الجغرافي يجب ألا يخرج بإحكام عامة أو مبادئ نتيجة دراسة حالات خاصة.

2- المنهج الإقليمي :- The Regional Approach

يقوم هذا المنهج بتحليل الوحدة السياسية من حيث العناصر التي تتكون منها أو التي تكونها مثل الظاهرات الطبيعية والاقتصادية والبشرية ، وشكل وحجم ومناخ الدولة ، والسكان وغيرها ، وتحليل التاريخ السياسي للدولة ، وحدودها ، وعلاقاتها السياسية بالعالم الخارجي ويعيب هذا المنهج كم المعلومات الكبير الذي يخشى معه على الباحث أن ينتهي به الأمر إلى وصف مجموعة من الدول وصفا إقليميا ، والجغرافيا السياسية بهذا الشكل لن تكون لها شخصيتها المميزة . فعلى الباحث الجغرافي في هذا المجال أن يستفيد من هذا المنهج في إبراز المشكلة موضوع دراسته بتحليل المعلومات والبيانات المختلفة بطريقة ” الجغرافي الإقليمي” الذي يختار ما يريده من الدراسة الإقليمية التي تفيد في فهم طبيعة المشكلة وأسبابها الجغرافية.

3 – منهج النظم العالمية في التحليل
The world systems Analysis Approach

يتعلق هذا التحليل بالكيفية التي نتصور بها التحولات الاجتماعية على المستوى العالمي لقد درج الباحثون على الخلط بين مصطلح ” المجتمع” ومصطلح ” البلدان” وبذلك خرجوا نتائج عن بعض المجتمعات ثم طبقوها على بعض البلدان ، ومن ثم نتحدث عن بعض المجتمعات مثل المجتمع الفرنسي ، والمجتمع الأمريكي ، والمجتمع الصيني ، والمجتمع المصري .. الخ ولما كان هناك أكثر من مائتي دولة في عالم اليوم ، فإن هذا يعني أن يتوجب على دارسي التغير الاجتماعي أن يتعاملوا مع ما يقارب على الأقل مائتي مجتمع . وهذا أثر مقبول في العلوم الاجتماعية التقليدية ، ويمكن أن نسميه فرضية ” تعددية المجتمعات إلا أن “منهج النظم العالمية” والتحليلي يرفض تماما هذه النظرة بوصفها نقطة انطلاق تقودنا إلى تفهم حقيقي لعلمنا المعاصر.

ويقوم هذا المنهج بتحليل أبعاد المنظومة التاريخية ، ودينمايات الاقتصاد العالمي ، والموجات اللوجسقية ، والبنية المكانية للاقتصاد العالمي ، والنطاق الجغرافي للنظام ، والقوة السياسية في الاقتصاد العالمي ، وطبيعة القوة ( الأفراد – المؤسسات – الطبقيات – الشعوب ).

4- المنهج الوظيفي :- The Functiona Approach

يهدف إلى دراسة الدولة من حيث علاقاتها الخارجية والداخلية ، وكيف يمكن للدولة أن تحافظ على كيانها الداخلي في ظل منظومة مجتمع دولي متكامل، وأثر العوامل الجغرافية كالمناخ ، والتضاريس ، والقوميات المتعددة ، أو جماعات الشعوب على الأنشطة السياسية للدولة ، وكذلك أثر المظاهر السياسية بدورها على العوامل غير السياسية كأنماط الاستقرار واستخدام الموارد وتطور شبكات النقل والاتصال ، ونمو الخدمات والمرافق وغيرها ، كما يدرس قدرة الدولة على التكيف والبقاء والنمو في ظل الظروف الأوضاع الخارجية حولها ، ومشكلاته الإقليمية مع الدولة المجاورة.
من هنا يهدف هذا المنهج إلى التحليل السياسي للوحدة السياسية من خلال الوظائف الداخلية والخارجية التي تؤديها.

5- منهج جونز ونظرية المجال الوحيد “The unified Theory

تتألف من خمسة حلقات هي الفكرة السياسية ( إنشاء الدولة) والقرار السياسي ، والحركة السياسية والمنطقة السياسية ، وهي حركات متصلة ، وضرب لنا مثلا بالصهيونية ( الفكرة السياسية) وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ( القرار السياسي) والهجرة الشرعية وغير الشرعية لليهود من الخارج ” الحركة” ، وإنشاء المستعمرات العسكرية الإسرائيلية وفرق الهاجا في الإرهابيين ( المجال) ، وقيام إسرائيل في 1948 ( المنطقة السياسية).

6- المنهج المورفولوجي The Morphological Approach

يقوم هذا المنهج على تحليل أنماط الظاهرات السياسية للدولة وتراكيبها ، حيث يوجد نمط التنظيم السياسي الإداري داخل الدولة أو نمط التنظيم الإقليمي (
كتل إقليمية) أو تنظيمات عالمية ( اتحادات دولية) ، أما تركيب الظاهرات السياسية فتمثيل عواصم الدول وشعوبها ، ومواردها الاقتصادية ، وشكل الحدود السياسية ، والمشكلات التي تواجه المناطق المختلفة.

7- المنهج الوصفي :The landscape Approach

يهتم هذا المنهج بدراسة المسرح السياسي للدولة ، من حيث الموقع الجغرافي ، والمساحة ، الشكل ، ونواة الدولة وقلبها ، والأقسام السياسية بها ، والشكل الداخلي وصف السلالات واللغة ، والدين ، الأجناس ، والأحزاب السياسية وميولها والتمثيل النيابي ، والحقوق المدنية ، كما تدريس العناصر الخارجية (وصف الحدود السياسية وتطورها وتركيبها ومشكلاتها وشكلها العام وكذلك شكل الدولة ووصف علاقاتها الدولية الأخرى وكذلك وصف للمجتمع البشري بتركيباته المتعددة ، والأسلوب الاقتصادي الذي تتبعه الدولة وأثره في قوتها وضعفها.

8- منهج تحليل القوة: The analysis Approach

ينظر هذا المنهج في تحليل العوامل الجغرافية المؤثرة في قوة الدولة وضعفها وتكتلاتها مثل جوانب الطبيعية ، وموارد الثروة الاقتصادية ، والثروة البشرية ، ووسائل النقل والمواصلات من حيث حجم الشبكة وكفاءتها وربطها جميع أجزاء الدولة” وكذلك عدد السكان وخصائصهم ، والنظام السياسي ، والموقع الجغرافي النسبي والفلكي وأثره على تنوع الموارد الاقتصادية ، وشكل الدولة وحدودها ، وأثر البيئة الجغرافية على علاقاتها السياسية الداخلية والخارجية.

حوصلة لأهمّ مراحل الجغرافيا السّياسيّة وأفكارها:

أوّلا: الجغرافيا السـّـياسيّة الإمبرياليّة منظـّـروها:
ـ ألفراد ماهان، فكرته: القوّة البحريّة. ـ فريدريش راتزل، فكرته: Lebensraum ـ هالفورد ماكـّـيندر، أفكاره ومصطلحاته: القوّة الأرضيّة ـ “قلب الأرض”
ـ كارل هاوسهوفر، أفكاره ومصطلحاته: القوّة الأرضيّة ـ “قلب الأرض”
ـ نيكولا سبيكمان Nicolas Spykman، أفكاره ومصطلحاته: “حوافي الأرض”

ثانيا: جيوبوليتيقا الحرب الباردة منظـّـروها:
ـ جورج كينـّـن George Kennan ، فكرته: الإحتوائيّة ـ
منظـّـرو الجغرافيا السـّـياسيّة الأمريكان والرّوس، أفكارهم ومصطلحاتهم: بلدان العالم الأوّل والثـّـاني والثـّالث كأقمار صناعيّة وحجارة دومينو
ـ الشـّـرق ضدّ الغرب والرّأسماليّة ضدّ الإشتراكيّة والحرّية ضدّ الاستبداد.

ثالثا: جيوبوليتيقا النـّـظام العالميّ الجديد منظـّـروها:
ـ ميخاييل غورباتشوف، فكرته: تفكير سياسيّ جديد
ـ فرنسيس فوكوياما، فكرته: نهاية التـّـاريخ
ـ إدوارد لوتواك Edward Luttwak، فكرته: نجوميّة الجيوإقتصاد.
ـ المحافظون الجدد، فكرتهم: الولايات المتـّـحدة زعيمة النـّـظام العالميّ الجديد، الحرب الدّائمة، تسخير المنظـّـمات العالميّة لخدمة أمريكا.
ـ قادة صندوق النـّـقد الدّوليّ ومنظـّـمة التـّـجارة العالميّة وزعماء مجموعة السـّـبعة G7 ، أفكارهم: اللـّـيبراليّة العالميّة واللـّـيبراليّة الجديدة المابين أمميّة ـ
مخطـّـطو الإستراتيجيا في النبتاغون والنـّـاطو، أفكارهم: دول مارقة، دول تسعى إلى التـّـسلـّـح النـّـوويّ بطريقة غير قانونيّة ـ إرهاب.
ـ صامويل هانتنتون، فكرته: تصادم الحضارات رابعا: جيوبوليتيقا البيئة منظـّـروها:
ـ آل غور Al Gore ، فكرته: مبادرة استراتيجيّة لحماية البيئة
ـ روبرت كابلان Robert Kaplan ، فكرته: الفوضويّة القادمة
ـ طوماس هومر ديكسن Tomas Homer-Dixon ، فكرته: فقر المحيط أو النـّدرة في المحيط

وينطلق منظـّـرو الجغرافيا السـّـياسيّة الإمبرياليّة من إيمانهم بتفوّق البيض على كلّ الأعراق وبتفوّق الرّجال على النـّـساء وبتفوّق الحضارة الغربيّة على غيرها من الحضارات فأفكارهم بالتـّـالي تعبّر عن الجنسانيّة والعدوانيّة والعنصريّة والشـّـوفينيّة، وهذه كلّها ميزات الإيديولوجيا النـّـازية التي تغنـّـت بتفوّق العرق الآري على غيره. وبهذه الطـّـريقة يصبح الخطاب الجيوساسيّ منظـّـرا للقتل والتـّـدمير واستعباد الشـّـعوب. ثمّ جاءت الحرب الباردة فوفـّـرت سياقا لإنتاج الخطابات التي تندرج ضمن ثنائيّة السـّـلطة ـ المعرفة وفي ذلك السـّـياق ذاته بلغت الجغرافيا السّياسيّة مرحلة النـّـضج، وفي حين شدّدت الجيوسياسة على أهمّية التـّـأثير الذي تمارسه الجغرافيا الطـّـبيعيّة في السّياسة الخارجيّة التـّـوسّعيّة فإنّ جيوسياسة الحرب الباردة تمحورت حول العداء الأمريكيّ السـّـوفييتي ودور التـّـوسـّـع الجغرافيّ وكذلك الإيديولوجيا فيه.

هالفورد ماكـّـيندر مثلا وصف أجزاء من كتلة الأراضي السـّـوفياتيّة بأنـّـها “قلب الأرض” وأمـّـا جورج كينـّـن، مهندس السـّـياسة الإحتوائيّة الأمريكيّة، فقد رأى أنّ الأراضي السـّـوفياتيّة لم تكن أرضا بل كائنا توسّعيا يمثـّـل تهديدا لا نهائيا.وترتبط المصطلحات المستعملة في ربط الصـّـراع بمسائل إيديولوجيّة متعلـّـقة بالهويّة والاختلاف. ظلـّـت الجغرافيا السـّـياسيّة تصف الغرب بأنـّـه ليس مجرّد منطقة جغرافيّة بل هو مجموعة متميّزة لها هويّة خاصّة يعمل على نشر الدّيمقراطيّة ويثمّن مقاييس التـّـحضـّـر والمدنيّة، وبما أنّ بلدانا حليفة للغرب لا توجد داخل المنطفة الجغرافيّة الغربيّة مثل اليابان وكوريا الجنوبيّة فقد تمّ توسيع الهويّة الرّمزيّة لكي تشملهما. في خضمّ الحرب الباردة صارت الجيوبوليتيقا لعبة تمارسها القوى العظمى فوق الخارطة العالميّة فاصبحت القوى الغربيّة هويّة رمزيّة تسمّي الاتـّـحاد السـّـوفييتي “الكتلة الشـّـرقيّة” ثمّ أسماه رونالد ريغن “امبراطوريّة الشـّـرّ”.وفي الكتابات الجيوسياسيّة سمّيت بلدان الكتلة الشـّـرقيّة “العالم الثـّـاني” للتـّـأكيد على مناقضته للعالم الأوّل وهو العالم الغربيّ.

أمّا العالم الثـّـالث فهو العالم الفقير المتخلـّـف الذي يمثـّـل مناطق يدور حولها صراع العالمين الأوّل والثـّـاني. وقد رافق ذلك الصـّـراع من أجل مناطق العالم الثـّـالث تصنيف ووصف وتحليلات ستراتيجيّة تقيّم المناطق الغنيّة بالموارد كمنطقة الشـّـرق الأوسط مثلا. الحرب الباردة انتجت نظريّة حجارة الدّومينو التي ذكرتها آنفا وهي شكل من التـّـحليل الجيوسياسيّ يعتبر دول البلدان غير الاتــحاد السـّـوفييتي والولايات المتـّـحدة الأمريكيّة مجرّد كائنات لا حول لها ولا قوّة يمكن إسقاطها بسهولة والإبقاء عليها بسهولة أي التـّـلاعب بها كما تشاء القوى العظمى. ويمكن وصف الجغرافيا السّياسيّة كنماذج من ثنائيّة القوّة ـ المعرفة التي تجاهلت كلـّـية الخصائص الجغرافيّة للأمكنة والشـّـعوب والمناطق. وقد عدّ البعض من علماء الجغرافيا السـّـياسيّة انتصار التـّـحليل الخطابيّ الأمريكيّ انتصارا للثـّـقافة الأمريكيّة تحقـّـق بفضل الماكارثية التي أدّت بالولايات المتـّـحدة الأمريكيّة إلى احتلال فيتنام وخوض المزيد من الحروب، لكنّ تلك الجيوسياسة أثبتت فشلها لأنـّـها لم تأخذ بعين الاعتبار خصائص الشعب الفيتناميّ. وقد طردت منه أمريكا شرّ طرد ثمّ ارتكب الاتـّـحاد السـّـوفييتي نفس الأخطاء عندما أقدم على احتلال افغانستان.

ومع سقوط الاتـّـحاد السـّـوفييتي وقعت الجغرافيا السـّـياسيّة وكذلك العلوم السـّـياسية في أزمة سمّيت “أزمة المعاني” فبما أنّ الجيوسياسة تدرس الصـّـراعات كان لابدّ من إيجاد صراعات جديدة؛ هذه المرّة تمّ التـّـركيز على الصـّـراعات الثـّـقافيّة وتمّ تصوير العالم الاسلاميّ على أنـّـه العدوّ الجديد للغرب وللثـّـقافة الغربيّة. ومنذ سقوط الاتـّـحاد السـّـوفييتي تحوّل التـّـنظير نحو مفاهيم “النـّـظام العالميّ الجديد” وفي هذا الإطار أعيد تعريف الجغرافيا السـّـياسيّة وتحديد مقارباتها وممارساتها. برز منظـّـرون جدد يتغنـّـون بتفوّق العالم الغربيّ منهم فوكوياما التي قال بنهاية التـّـاريخ وإيدوارد لوتووك الذي تغنـّـى بتفوّق الجيوإقتصاد الغربيّ. رأى إيدوارد لوتووك أنّ الدّول ككائنات أرضيّة أو جغرافيّة سوف تواصل صراعها لكنّه لن يكون صراعا سياسيّا بل جيوإقتصاديّا، صراع يديره الاقتصاد في نطاق الجغرافيا. وسيتـّـخذ هذا الصّراع في رأيه شكل خلافات تجاريّة واقتصاديّة.

كانت نظريّة إيدوارد لوتووك مرتبطة بالدّولة، لكن منظـّـرين آخرين في ميدان الجغرافيا الاقتصاديّة شدّدوا على التـّـقهقر النـّـسبيّ للدّول لصالح لصالح التـّـدفـّـق الصـّـاعد للمؤسّسات المابين قوميّة. هذه الرّؤية يعبـّـر عنها بمصطلح “اللـّـيبراليّة” المابين قوميّة أو اللـّـيبراليّة الجديدة وهي مذهب تؤكـّـد أنّ العولمة التي تقولها التـّـجارة والانتاج والأسواق سوف تحدّ من سلطة الدّول وتسرّع في إندماج العالم. هذه النـّـظريّة تتبنـّـاها مجموعة السـّـبعة وصندوق النـّـقد الدّوليّ ومنظـّـمة التـّـجارة العالميّة التي ترى أنّ العولمة تسرّع في نماء البلدان النـّـامية. إلاّ أنّ هذه المؤسـّـسات لها مختلفة تماما عن نواياها المعلنة. أمّا عالم السـّـياسة ومنظـّـر المحافطين الجدد سامويل هانتنتن فيشدّد على قوّة الكتل الجيوثقافيّة في النـّـطام العالميّ الجديد. يؤكـّـد هانتنتن أنّ الكتل الثـّـقافيّة تحدّد الشـّـؤون العالميّة لكنّ هذه الخاصّية قد حجبتها الحرب الباردة فلم يعتني بها علماء الجغرافيا السـّـياسيّة؛ أمّا الآن فهي موجودة إلى جانب الخطابات المختلفة وهي التي ستحدّد طبيعة النـّـظام العالميّ الجديد. الخاتمة: الجغرافيا السّياسيّة تعني بالعلاقات السّياسيّة بين الدّول، وتضع الإستراتيجيّات للدّول وتبحث في موازين القوى العالميّة. وقد حاولتُ أن أبيّن كيف أنّ خطابها المهيمن حاليا قد نشأ من التّجربة الأروبيّة الأمريكيّة لكنّ النـّـظريّات التي تمّ تطويرها تمّ إسقاطها على بقيّة العالم.

في الوقت الحاضر، لم تعد القوّة العسكريّة والاستراتيجيّات العسكريّة مهينمة في الجغرافيا السـّّـياسيّة بل هي أقلّ أهمية ممّا كانت عليه. القوّة الاقتصاديّة أصبحت غاية في حدّ ذاتها وصارت توصف بأنـّـها الوسيلة لتعزيز القدرة العسكرية وأنـّـها التي تحدّد النـّـجاج النـّـسبيّ للدّولة. نظرا لصعود قوى إقليميّة جديدة مثل الهند والصّين، أولت الجغرافيا السـّـياسيّة المزيد من الاهتمام بالعولمة وكيفيّة عبور الحدود وكيفيّة انتقال الظـّواهر والمشاكل البيئيّة والثـّقافيّة، مثلا، من منطقة جغرافيّة إلى أخرى. وقد أشرت إلى عدم الموضوعيّة فيها ولذلك أقول إنّ مفاهيمها تحتاج إلى إعادة النـّـظر فيها؛ ولما لا نطمح إلى إنشاء جغرافيا سياسيّة عربيّة تعبــّـر عن وجهات نظرنا؟

https://www.youtube.com/watch?v=H2uRtjLzibo

منتدى الخليل الثقافي

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى