دراسات اقتصادية

صفقة القرن وأهدافها الاقتصادية والاستراتيجية

إن الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط اليوم تعد تحولا جذريا في العلاقات الدولية خاصة منها التوجه نحو ما يسمي بالتطبيع مع دولة إسرائيل. إذ شهدت تلك المنطقة العربية العديد من التحركات الدبلوماسية خاصة منها جولات صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جارد كوشنير المكلف بلمف صفقة القرن العربية – الإسرائيلية و أيضا تحركات ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان آل سعود و الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي و الملك الأردني عبد الله الثاني. كما أن كل هذا النشاط الدبلوماسي المكثف لم يأتي من فراغ بل وراءه مخطط بعيد الأمد قصد تطبيق ما يسمي بالمنظور الأمريكي “عملية السلام” أو صفقة القرن أو إتفاق القرن. فهل ستمر هذه الصفقة المسمومة بالعديد من الكمائن للدول العربية؟.

إن الشعب الفلسطيني يعاني منذ سنة 1948 من نكبة “إحتلال و إستيطان” و قتل و تدمير و تشريد الأطفال و تهجير السكان الأصليين عن مدنهم و قوراهم. كذلك تعاني دولة فلسطين من أزمات إجتماعية و إقتصادية خانقة منها الكثافة السكانية في قطاع غزة و مشكلة التلوث البيئي و أزمة المياه و الكهرباء. إذ في ظل هذه الظروف الصعبة و الإضطهاد الممنهج صمد الشعب الفلسطيني بمفرده في وجه الإحتلال و ضحي بالعديد من الأرواح من الأجل الإستقلال و وقف الإستيطان. لكن في الجهة المقابلة سارعت بعض الدول العربية بإقامة علاقات طبيعية مع دولة إسرائيل منها الإقتصادية و التجارية و حتي السياسية. إذ مثلت العلاقات الإسرائيلية العلنية الحدث البارز علي الساحة السياسية اليوم بحيث إنتقلت هذه العلاقات الدبلوماسية من السرية إلي العلنية. بالتالي أصبحت أغلب دول مجلس التعاون الخليجي ترغب في تمثيل دبلوماسي كامل علي مستوي سفارة بين الدولتين خاصة منها البحرين و الإمارات العربية المتحدة و قطر و أخيرا و الأهم المملكة العربية السعودية التي تحضر بدورها بفتح أول سفارة إسرائيلية بمدينة الرياض السعودية.

هذه الأحداث تشير علي وفاة الصمود العربي في وجه الإحتلال الإسرائيلي بحيث بدأت أغلب الدول العربية تعلن عن نواياها في توطيد العلاقات الإقتصادية و السياسية مع دولة إسرائيل خاصة في ظل صفقة تديرها الولايات المتحدة الأمريكية لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط و مع الدول المجاورة لدولة إسرائيل. إذ تعد هذه الصفقة بمثابة مبادرة أمريكية عربية إسرائيلية لإيجاد تسوية عادلة و شاملة للقضية الفلسطينية خاصة بعد نكسة 1967. أما في الجهة المقابلة تعد هذه الصفقة غير عادلة لأنها لا تمثل الحد الأدني من الشروط العربية مثل إعتبار القدس الشرقية مع المسجد الأقصي هي عاصمة فلسطين المستقبلية مع حق عودة اللاجئين و المهجرين و إقامة دولة مستقلة مع إصدار عملة نقدية خاصة بدولة فلسطين و نظام نقدي و مالي و مصرفي مستقل. بالإضافة لذلك تمثل الضفة الغربية إستثناء من هذه الصفقة التي ستكون تحت إدارة المملكة الأردنية تحت مسمي “الأردن الكبير”. أما هذه الدويلة سيتم اختزالها في قطاع غزة و شريط ساحلي من الأراضي المصرية تضم رفح و الشيخ الزويد و العريش مقابل إغراءات مالية و إقامة مشاريع ضخمة في مصر مع بناء ميناء و مطار دولي بقطاع غزة.

 عموما تعد هذه الصفقة غير مقبولة من الطرفين و لن تمر مهما كانت الإغراءات لأن المقاومة الفلسطينية متمسكة بخيار إسترداد جميع الحقوق الفلسطينية بالدماء و الإستشهاد. كما أن الشيخ حسن نصر الله يعتبر أن الكيان الإسرائيلي غدار و لا يمكن الثقة فيه و الحل الوحيد تجاهه هو الصمود و سلاح المقاومة. إن دولة إيران الإسلامية و حزب الله و حركة حماس و الجهاد الإسلامي و جميع الفصائل الثورية القومية ستجهض هذه الصفقة الإسرائيلية المسمومة و سترفع سلاح المقاومة في وجه العدو الدائم في المنطقة العربية. أما في المقابل دول حمائم السلام و حلفاء أمريكا فهي دائما في بيت الطاعة لقرارات أمريكا في المنطقة العربية خاصة منها الهرولة نحو ما يسمي بالتطبيع و تبني صفقة القرن التي تحمل في جعبتها العديد من الصفقات التجارية و الإقتصادية منها الإمدادات النفطية نحو إسرائيل و التعاون في شتي القطاعات الخدماتية خاصة منها في البني التحتية. بالتالي في ظل هذا الإنقسام و التشرذم في المواقف يستحيل تطبيق هذه الصفقة خاصة و أن مصر حاليا متحفظة علي تسليم قطعة من أراضي سيناء لقطاع غزة تضم الشريط الساحلي و تمسك المقاومة الفلسطينية بمطلبها و هو لا سلام مع العدو مهما كانت الإغراءات المالية.

 إن قطاع غزة يعاني اليوم من عديد المشاكل و الأزمات خاصة منها أزمة المياه و التلوث و أيضا الكثافة السكانية و اللجوء في المخيمات و الفقر و البطالة. إذ تعد هذه المنطقة قنبلة موقوتة في وجه دولة إسرائيل خاصة مع تصاعد الإحتجاجات و الإنتفاضة من أجل العودة و تصاعد البلونات المطاطية و الصواريخ الورقية التي أصبحت تزعج الحكومة الإسرائيلية. أما البديل المرجح لهذه الصفقة حسب المخططات الإسرائيلية الأولية فهي تتمثل حسب التقديرات الأولية في إنجاز جزيرة إصطناعية كبري قبالة سواحل قطاع غزة لتخفيف الضغط السكاني علي هذا القطاع . إذ وفقا لخطة الوزير الإسرائيلي “كاتز” ستكون هذه الجزيرة هي البديل في حالة إصرار بعض الدول العربية علي رفض تنفيذ صفقة القرن بجميع بنودها.

كما أنه من الأرجح أن تكون هذه الجزيرة الإصطناعية الأكبر في العالم إذا وقع تبني إنجازها من قبل الدول الخليجية. إن الجزر الإصطناعية تعد ثورة القرن خاصة منها بعض الجزر العملاقة نذكر من بينها جزر النخلة و جزر دول العالم بدولة الإمارات العربية المتحدة, جزر قطر خاصة منها جزيرة اللؤلؤة و جزر الرمال المتحركة بدولة البحرين. إن هذا المشروع العملاق ممكن أن يتحقق علي أرض الواقع قبالة سواحل قطاع غزة و رفح و الشيخ الزويد و العريش. كما أنه ممكن إنجاز جزيرة إصطناعية في حجم جزيرة قبرص قادرة علي ضم 4 ملايين لاجئ فلسطيني. أيضا من المعروف أن بعض الشركات العالمية منها اليابانية و الصينية و الروسية و الأمريكية قادرة علي تحويل بعض الجبال السعودية و المصرية و جلب رمال الصحراء المصرية و التربة من النقب و تحويل هذه الجزيرة إلي جنة خضراء. أما التمويل الخليجي فهو قادر علي إنشاء الالاف من العمارات السكنية و المصانع الضخمة و إنشاء مناطق صناعية عالمية كبري لتشغيل جميع العاطلين الفلسطينيين.

كما أن هذه الجزيرة ستحتوي علي أكبر ميناء تجاري و مدني و مطار تجاري و مدني قصد تسهيل الحركية التجارية و المدنية و ربط هذه الجزيرة بجسر عملاق مع قطاع غزة. أيضا ربط قطاع غزة بمصر و الضفة الغربية و المملكة العربية السعودية عبر نفق عملاق يحتوي علي طريق سيارة سريع و خطوط للسكك الحديدية. في النهاية تعد صفقة القرن مشروع ضعيف غير قابل للإنجاز ببنوده الحالية و كل الوعود المالية و الإغراءات بإنشاء المشاريع العملاقة لمصر يمكن تحويلها للإستثمار في مشروع جزيرة القرن العملاقة مع توفير الحاجيات الأساسية و الهامة بها خاصة منها منطقة لتحلية مياه البحر في ظل أزمة المياه الفلسطينية و إنشاء ميناء و مطار دولي و إنشاء منطقة سكنية كبري لتقليص الضغط السكاني علي قطاع غزة و منطقة صناعية عملاقة لتشغيل العاطلين الفلسطينيين. إن صفقة القرن يمكن تعديلها من مخطط إقامة دولة فلسطينية علي الأراضي المصرية إلي مخطط إنجاز مشروع القرن المتمثل في جزيرة إصطناعية عملاقة علي مساحة تعادل مساحة جزيرة قبرص و بالتالي تعد هذه الخطوة الأولي نحو التطبيع و السلام.

بقلم فؤاد الصباغ باحث اقتصادي دولي

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى