دراسات سوسيولوجيةقضايا فلسفية

كتاب نظرية القيم في الفكر المعاصر

تتصدر “القيمة” مكاناً رفيعاً في أحاديثنا المعتادة وجوانب سلوكنا اليومية، كما تشغل مساحة فسيحة من موضوعات البحث في العلوم الاجتماعية، وتحظى بأهمية خاصة في الدين، والفن، والفلسفة.
وربما كان أكثر ألوان الحديث عن القيم ذيوعاً وانتشاراً، هو ما ألفناه في الأسلوب الخطابي البليغ الذي ينطلق من الأوتار الصوتية والشفاه، ويتوجه بإيقاع كلماته وجرسها إلى صيوان الأذن، وينشد في النهاية إعجاباً فورياً ويعتمد هذا الأسلوب السائد على إشعال حرائق هائلة في غابات الألفاظ التي تنفجر في الجو كالألعاب النارية التي تزدان بها السماء في أيام الأعياد والمهرجانات، وتقتضي بطبيعة الحال حماساً مشبوباً كالذي يؤديه الممثل على خشبة المسرح، ثم ما يلبث أن يذوي ويخفت مع إسدال الستار.
وتظل القيمة على هذا النحو مفهوماً مراوغاً ومثيراً للخصومة الفكرية. ولعل السبب في هذا الاضطراب والتضارب هو الخلط بين مجالين. الأول هو مجال “الممارسة” اليومية حيث تشارك في صوغها شؤون الحياة المعتادة وروافدها من وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية، وقواعد العمل، والذوق الشائع.
أما المجال الثاني فهو مجال “الدراسة” حيث تتناولها الفلسفة والعلوم الاجتماعية على نحو مختلف يفصل البحث في طبيعة القيمة وأنماطها ومصادرها.
وقد يتبادر إلى الأذهان أن ثمة طريقتين أو اتجاهين للنظر في القيمة، ولا بد للباحث أن ينضم إلى واحد منهما. الاتجاه الأول هو الذي يحلق بعيداً في سماوات مثالية باذلاً أقصى الجهد في انتزاع استقلال القيم وعزلها عما قد يدنسها من أصول مادية واقعية لكي يخلص لها وجودها الروحي الخاص في عالم المثل الجليل.
على حين يقف الاتجاه الآخر على الطرف المقابل حيث يعتبر القيم انعكاسات آلية مباشرة للممارسة الواقعية. وتغدو العلاقة شفافة صريحة بين القيم والسلوك العملي المباشر.
غير أن هذا الكتاب محاولة لإثبات عجز هذا الاستقطاب عن استيعاب كافة المواقف المنهجية والنظرية من القيمة.
والكتاب لا يقنع بعرض مختلف وجهات النظر إلا ريثما يكشف عن الطابع الإشكالي للقيمة، ويوضح جوانبها وعناصرها، لكي يمضي بعدئذ إلى اقتراح وضع جديد لمشكلة القيمة يفتح الطريق لها أمام حل لمسائلها من منظور إنساني شامل، يستوعب كافة الجوانب ويرتفع بها ويتجاوزها إلى تصور مركب. ولا يجعل هذا التصور من القيمة مجرد جانب من جوانب النشاط الإنساني، أو خصيصة من بين خصائص أخرى، بل يجعل منها طابع وجود الإنسان، وأسلوب فاعليته معاً. ويسعى الكتاب في نهاية الأمر أن يؤكد هذا التصور عندما يطبقه على الدين والفن والفلسفة والعلم. وعلى أية حال، فهذا الكتاب، مثل كتب أخرى للمؤلف، يتقدم بدعوة للحوار حول قضية ليس في وسعنا أن نفلت من مواجهتها سواء في الفكر أو السلوك.

الاطلاع على الكتاب

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى