دراسات سياسية

ما وراء الأكمة السعودية؟

تسمح لي خبرتي المتواضعة مع وكالات الأنباء أن اتعامل بقدر من الجدية مع ما روته وكالة ” رويترز” عن “عودة السياسة السعودية للموقف العربي التقليدي الخاص بالتمسك بالقدس كارض محتلة عام 1967 والتمسك بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة .

وبمراجعة التعليقات التي رافقت هذا الموقف أجد أغلبها يتمحور حول ” تضييق” مجال الحركة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ” الموضوع الفلسطيني”، وهو ما يدفع لطرح عدد من التساؤلات :

أولا: قضاء الله وقدره:
يبلغ عمر الملك السعودي- سلمان – 83 سنة، فإذا وضعنا في الاعتبار أن معدل فترة الحكم من عبدالعزيز عام 1932 الى عبدالله (2015) هو 14 سنة تقريبا، كان اطولها فترة الملك فهد( 23 سنة) وعبد العزيز (21 سنة) وأقصرها الملك خالد (7 سنوات) وأن معدل عمر ملوك السعودية هو 76 سنة( 3 منهم ماتوا في العقد السادس من العمر، وواحد في العقد السابع ، وآخر في العقد الثامن، والأخير وهو عبدالله في مطلع العقد التاسع)….ذلك يعني ان احتمالات الوفاة للملك الحالي عالية ، وهو ما يعني ان ولي العهد سيتولى السلطة الكاملة وقد يعود لتبني صفقة القرن من جديد لا سيما ان أقواله توحي بقناعته التامة في هذا المجال والمجالات الأخرى الداخلية والخارجية، ذلك يعني أنه يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة ” في حالة بقاء ترامب ” والضواحي العربية الأخرى ذات التوجه المماثل ان تنتظر فترة قصيرة الى حين تولي ولي العهد مقاليد الأمور فتعود الدبلوماسية لصفقة القرن ثانية.
لكن هذا المشهد قد يرتبك في ضوء عدد من الاحتمالات أهمها:
أ‌- حدوث توتر داخل العائلة الحاكمة يجبر الاب أو ” مجلس عائلة ” أن يطيح بمحمد بن سلمان من ولاية العهد كما تمت الإطاحة سابقا بمقرن (كولي عهد) ومحمد بن نايف( كولي عهد) ايضا.
ب‌- أن يقفز محمد بن سلمان لكرسي السلطة ويضغط على الدائرة المعارضة لها ليعود مشهد الصراع بين سعود وفيصل والذي انتهى بخلع الاول.
ت‌- تكرار نموذج فيصل عندما تم اغتياله عام 1975 بدوافع غير متفق عليها سواء ان الولايات المتحدة وبريطانيا وقفتا خلف الاغتيال بذريعة الموقف السعودي من المقاطعة البترولية او بدافع الثأر الشخصي لمقتل شقيق القاتل.

ثانيا: حرب اليمن:
بعيدا عن الملابسات الاقليمية والدولية لهذه الحرب، فإن الاتجاه الاوسع بين الخبراء العسكريين العرب وغير العرب ان هذه الحرب امتدت لفترة اطول كثيرا مما توقعته القيادة السعودية( وهو ما اكده الرئيس اليمني هادي) وأن الخسائر السعودية بدأت تتزايد ( بشريا وماليا)، ناهيك عن ان تحقيق الانتصار النهائي يبدو مستبعدا في المدى الزمني المنظور لا سيما ما تبين بعد معركة الساحل الغربي والوعود غير المدروسة بالسيطرة على الحديدة، ناهيك عن عودة التناحر الداخلي في الجزء الجنوبي من اليمن يسانده تنافس سعودي امارتي يطل من نوافذ الصراع بين الحين والآخر.

ثالثا: المماحكة السعودية الإيرانية: بعد تهشيم البنية العراقية ، والخنق المتواصل لليمن، لم يبق منافسا للسعودية في النظام الإقليمي الفرعي الخليجي سوى إيران، ويبدو ان السعودية راهنت على ضربات عسكرية اسرائيلية او أمريكية لإيران وبقدر يخلخل البنية الإيرانية ويكبح توجهاتها او يغير النظام الإيراني بكامله على غرار ما جرى في العراق، لكن يبدو ان اسرائيل والولايات المتحدة تريد من العرب القيام بهذه المهمة والتي تلوح في أعلام الناتو العربي المقترح، وهو امر قد يجر الخليج نحو محرقة لا تبقي ولا تذر.

رابعا: تعثر الاصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بعد تحطيم الركائز الأساسية للنظام السياسي السعودي ، فقد تم أولا التخلي التدريجي عن المرجعية الوهابية واحتجاز رموزها وتوجيه المجتمع نحو ثقافة لا تتسق والخبرة الثقافية المحافظة للغاية في المجتمع السعودي ، ثم جرى ثانيا تلويث الهالة التي أحاطت بالأسرة الحاكمة وتم الحجز والتحقيق لشخصيات من صلب الهيكل العظمي للعائلة وبتهمة الفساد المالي، وكانت ثالثة الأثافي تراجع الدفق المالي البترولي بسبب تراجع الاسعار بنسبة عالية واستمرار العجز السعودي عن احلال العمالة الوافدة بعمالة محلية ، ناهيك عن احتلال السعودية المركز الثالث عالميا في نسبة الانفاق الدفاعي من اجمالي الناتج المحلي، وهو امر مرهق للغاية.

خامسا: وجود رئيس أمريكي جعل من الميركانتيلية أداته السياسية الخارجية والداخلية، وهو أمر يجعل من حلفاء امريكا التقليديين أقرب ” للودائع” البنكية التي يجري الاتكاء عليها في لحظات الازمات الاقتصادية او لتوظيفها ضد الخصوم التجاريين كما هو الحال حاليا مع الصين وروسيا وبعض قطاعات الاقتصاد الأوروبي..
كل ما سبق يشي بأن السنوات الخمس القادمة تحمل في ثناياها إما عودة السعودية للانضباط المفرط الذي جرت عليه العادة ، او الانفراط غير المنضبط بشكل يغير المشهد الخليجي بشكل كامل…ربما.

بقلم وليد عبد الحي

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى