أخبار ومعلومات

معيار التعيين في المسؤولية ومنطق التبرير

بقلم ح. سليمان – جريدة الخبر

برر البعض انتخاب النائب الحر ابراهيم بوغالي على رأس المجلس الشعبي الوطني، بأنه يندرج ضمن تحقيق ما يسمى “التوازن الجهوي”، أي توزيع السلطة بين مناطق الوطن، ورجح البعض الآخر بأن انحداره من الجنوب وراء اختياره للمنصب المذكور، كرسالة من السلطة على أنها تولي أهمية لولايات الجنوب التي ما فتئ مواطنوها يشتكون من التهميش في عمليات التنمية، وذهب الآخرون إلى حد القول بأنه لإسكات الأصوات المغرضة التي تعزف على وتر إحياء المشروع الاستعماري لفصل الجنوب عن الشمال . وبالنسبة لآخرون، فانه طالما رئيس الجمهورية من الغرب ورئيس مجلس الأمة من الشرق، والوزير الأول ينحدر من الوسط ( العاصمة ) ،فانه حسبهم  من الطبيعي أن يكون رئيس المجلس الشعبي الوطني من الجنوب .

لم يتغير هذا المفهوم في تقسيم السلطة منذ الاستقلال إلى اليوم، فكان دوما يجري تحت مسميات عدة، تارة باسم الشرعية الثورية، ومرة بمسمى ” التوازن الجهوي” ، وظلت هذه القاعدة متحكمة في توزيع المسؤولية داخل المؤسسات الدستورية وحتى في غيرها على غرار المؤسسات الاقتصادية الكبرى والمديريات، حتى وان كان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة حاول تكسير تلك القاعدة بتشكيل حكومة ينحدر أهم حقائب وأكبر عدد من وزرائها من ولاية واحدة، وقد شرح ذلك في أحد خطاباته بقصر الأمم بأن ” عهد الشرعية الثورية قد انتهى” ، وكان ذلك ردا منه بالدرجة الأولى على الذين انتقدوه في تعيينه لنصف وزراء في الحكومة محسوبين على ولاية واحدة في الغرب . لكن ظل منطق التقسيم الجهوي سائدا داخل ” السيستام ” ، ويتم الحرس على مراعاة ذلك، حتى وان كان معيارا قد صلح في وقت معين، فانه يشكو من العلة والنقص اليوم، وقد يجعله شبيه بمقولة علماء الاقتصاد “العملة الرديئة التي تطرد العملة الجيدة ” .

لقد اقتصرت مبررات الذين يسعون لإقناع الرأي العام الوطني بجدوى تعيين بوغالي على رأس الغرفة السفلى للبرلمان، وهو الذي ترشح حرا، بالحديث على أنه سبق له شغل منصب رئيس المجلس الشعبي الولائي وساهم في التهدئة في أزمة غرداية، بينما كان ينتظر، خصوصا وأن الصاعد الجديد ليس معروفا لدى العامة، أن تقدم كفاءته واستحقاقه وتمرسه في العمل التشريعي عن بقية المبررات الأخرى . أبعد من ذلك ليس عيبا أن يقال أن رئيس الغرفة السفلى الجديد أفضل من الـ 406 نائب الآخرين، إن كان كذلك، ويتفوق عليهم في الشهادات في الخبرة والتجربة وفي جودة الخطاب وفصاحة اللسان وحسن الصورة والمظهر وما إلى ذلك من المميزات التي تعطي ثقل لحاملها وتزيده قربا وقبولا، وليس إعطاء مبررات أخرى كالجهة والمنطقة والتوازنات.

فهل لمكان المولد علاقة بالكفاءة العلمية أو بالاستحقاق، وبعبارة أخرى هل يعتبر محددا لمؤهلات تجعلك أحسن من بقية الآخرين؟ قد يبدو السؤال غريبا للوهلة الأولى، لكن  عندما يصبح مكان الميلاد معيارا، قبل الكفاءة والاستحقاق، ضمن قائمة الشروط التي تقرب صاحبها ( أيا كان هذا الشخص وآيا كان نوع المنصب)، من الترقية في سلم المسؤولية، فذلك أمر يستحق التوقف عنده، لأنه على مر الزمان لم يكن للمنطقة التي ينحدر منها الإنسان علاقة  بالكفاءة والاستحقاق، فقد تولد في منطقة “سيليكون فالي” ، حيث مخابر تكنولوجيا الانترنت، وتبلغ من العمر عتيا فيها، لكنك لا تفقه في الرقمنة ولا في الإعلام الآلي، وبالمقابل تولد في أفقر قرية في باكستان أو الهند، وستكون نابغة من النوابغ الذين حملوا على عاتقهم خلق خوارزمية غوغل وأبل وفيسبوك ، كما أن جهابذة الإعلام الآلي والمهندسون الذين تتهافت عليهم شركات ما يسمى بـ “غافا “، أي غوغل، أمازون ، فيسبوك وآبل ، ينحدرون من دول فقيرة ومتخلفة ، وتم اختيارهم من باب الكفاءة والذكاء ولم يتحجج بانتمائهم لبلد متخلف، ولذلك قيل في المثل “تجد في النهر ما لا تجده في البحر”.

أنا مقتنع بأن المنطق الذي تفكر به السلطة، ليس هو نفس المنطق الذي يستعمله من هم خارجها، ولذلك يصعب في كثير من الأحيان فهم  قراراتها، خصوصا من قبل الشارع، لسبب بسيط أنها مبنية على اعتبارات يستعصي فك شفرتها من قبل غير المنتسبين إليها، وهو أمر طبيعي، لكن عندما يتحول سوء الفهم إلى قاعدة وليس في حالات خاصة أو استثنائية، فهو أمر يزيد في تعقيد الأزمة عوض تسهيل تفكيكها، بدليل لست الوحيد الذي لم يفهم رحيل وزراء اعتقد أنهم سيعمرون طويلا، ومجىء بآخرين قيل أن أوراقهم “محروقة” و لن يعودوا أبدا. وعندما تثير أي من القرارات، ردة فعل تتراوح بين الصدمة تارة والمفاجئة الكبرى تارة أخرى، وقليل جدا من  ردود الفعل التي تقول بأنها “كانت أمرا منتظرا” أو “متوقعا” أو “احتمالا قائما”، فهو أمر لا علاقة له بالقدرة على “تشفير” كلمة السر أو المقدرة لجمع لعبة” أحجية الصور المقطعة”، بقدر ما هو مرتبط بطبيعة صنع القرار في حد ذاته . و تؤشر تلك الضبابية والغموض، على أن صناعة القرار يهيمن عليه الأشخاص أكثر من صنعه من قبل المؤسسات الدستورية، ولذلك يعاني من الولادة القيصرية ومن سوء صعوبة الفهم، لأنه ببساطة اتخذ ولم ينصع، ولذلك شدد علماء القانون بأنه من شروط القاعدة القانونية أن تكون عامة ومجردة، أي ليست على مقاس أحد، ودون أي اعتبارات …و..

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى