الدبلوماسية و المنظمات الدوليةدراسات سياسية

نقل السفارات إلى القدس ـ “الجريمة الدبلوماسية” الأخطر

مما لا شك فيه أن قيام الرئيس ترامب بنقل سفارة بلده منتصف الشهر الحالي من ” تل أبيب ” إلى القدس العاصمة الفلسطينية المحتلة يُشكل تحدٍ صارخ لقواعد القانون الدولي العام وللعديد من القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة في هذا الشأن، مما يجعل الولايات المتحدة في مصاف الدول المخالفة للقانون الدولي، وقد بين ذلك رأياً استشارياً لمحكمة العدل الدولية نُشر في المجلد السادس من مجلة الهدف: العدالة (objective: Justice) الصادر في 14 / 10 / 1971 عن مكتب الأمم المتحدة؛ حيث نص: ـ

 ” لقد تعرضت محكمة العدل الدولية في هذا الرأي الاستشاري للآثار القانونية التي تترتب على عاتق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بمقتضى قرارات مجلس الأمن.

والنتيجة التي توصلت إليها المحكمة في هذا الصدد تُعد ذات أهمية لأنها تكشف عن مدى اخلال الولايات المتحدة الأمريكية بأحكام قرار مجلس الأمن 242/1967 الخاص بمشكلة الشرق الأوسط، لسلوكها المساند “لإسرائيل”، والهادف إلى التحلل مما جاء في قرار مجلس الأمن، وأن القرار الذي يصدره مجلس الأمن طبقاً لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة، وبالتطبيق للمادتين 24، 25 من ميثاقها يكون ملزما لسائر الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حتى الدول التي لم توافق على القرار، وتصبح جميع الدول ملزمة بقبوله وتنفيذه “.

فها هي الولايات المتحدة تُعيد الكرة ثانية فيما يخص مخالفة قواعد القانون الدولي ومخالفة القرارات الدولية وخاصة الصادرة عن مجلس الأمن بشكل يعكس الإجماع الدولي ضد قرار الولايات المتحدة.

هذا الأمر يستوجب الرجوع ثانية إلى محكمة العدل الدولية لتجديد النص على الموقف القانوني الواضح بحيث يكون رادعاً أمام الدول الأخرى التي قبلت الخضوع للابتزاز أو الرشوة ومجاراة الولايات المتحدة في جريمتها.

المهم أن هذه الجريمة الأمريكية لا تقف عند كونها مخالفة للقانون الدولي العام وللعديد من قرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن، بل أنها أصبحت تُجسد “جريمة دبلوماسية”؛ بل هي “الجريمة الدبلوماسية” الأخطر.

فلقد قامت كلاً من باراغواي وغواتيمالا بحذو الولايات المتحدة في جريمتها ونقلا سفارتيهما إلى القدس في غضون الأيام القليلة الماضية، حيث مارست فيها الولايات المتحدة و” تل أبيب “ضغوط كبيرة على هذه الدول تجمع بين الترغيب والترهيب حتى نفذتا هذه الجريمة، وربما تلحق بهما دول أخرى كرومانيا وفقاً للعديد من المصادر الدبلوماسية والإعلامية.

إذا ما أردنا تقديم تعريف توضحي لما أسمينه “الجريمة الدبلوماسية “؛ فهي الجريمة التي يرتكبها الشخص الدبلوماسي ـ المتمع بالحصانة في دولة ما ـ في مخالفة لنصوص القانون الدولي أو الوطني في الدولة المضيفة أو خلافاً لما يجري عليه العمل في اتفاقيات فينا للحصانات الدبلوماسية والقنصلية.

ونجد أن مثل هذه الجرائم قليلة العدد نوعاً، مثل القتل والاعتداء والتجسس، قضايا الضرائب والنفقة العائلية ومخالفات السير والتهريب وما إلى ذلك، فكيف أصبحت نقل السفارة تُعتبر “الجريمة الدبلوماسية” الأخطر؟

نعم تعتبر الجريمة الأخطر لأنها:

أولاً: تدمر الأسس القانونية التي تقوم بناءً عليها اتفاقيات فينا للحصانات الدبلوماسية والقنصلية، فقد جاء في ديباجة هذه الاتفاقيات ما يلي: ـ “الدول الأطراف في هذه الاتفاقية:

إذ تذكر أنه منذ زمن بعيد وشعوب كل البلدان تعترف بنظام الممثلين الدبلوماسيين، وتعرف أهداف ومبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالمساواة في حق سيادة كل الدول وفي المحافظة على السلام والأمن الدوليين، وفي تنمية علاقات الصداقة بين الأمم، وهي مقتنعة بأن اتفاقية دولية عن العلاقات والامتيازات والحصانات الدبلوماسية ستساعد على تحسين علاقات الصداقة بين البلدان مهما تباينت نظمها الدستورية والاجتماعية.”.

 فأين هذه المبادئ مما قامت به الولايات المتحدة إذ هي أدخلت المنطقة في أخطار جمة تزعزع السلم والأمن الدولي وتخل بمبادئ حقوق السيادة للدول والشعوب على أقاليمها حتى ولو محتلة، وتضر بقواعد الصداقة بين الشعوب التي دفعت البشرية أثمان باهظة حتى توصلت إليها.

ثانياً: استخدام وسائل غير شرعية في تحريض دول أخرى في العالم على مخالفة قواعد القانون الدولي ومخالفة قواعد القانون العرفي الدولي التي تحكم منذ قرون قواعد التعامل بين الدول فيما يحفظ حالة السلم والاستقرار في المجتمع العالمي.

لا شك أننا نرفع القبعة عالياً لدولة أنجلوا على موقفها الشجاع بمعاقبة ممثلها لدى الاحتلال لمشاركته في احتفال نقل السفارة إلى القدس خلافاً للتعليمات، فالدول في العالم أجمع تدرك الصواب والخطأ، وهناك العديد من المواقف المشرفة قد ظهرت على الساحة الدولية، ولكن علينا أن نتخذ الخطوات الجريئة والقانونية في معاقبة المخالفين.

حيث أنه ليس من المقبول أن نسعى لمعاقبة الدول الصغرى ونغمض العين عن المجرم الرئيس كونه الولايات المتحدة، فذلك يُشكل جريمة أخرى على الساحة الدولية ألا وهي جريمة الكيل بمكيالين.

مقال بعنوان: نقل السفارات إلى القدس ـ “الجريمة الدبلوماسية” الأخطر.

بقلم: أحمد طه الغندور.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى