أخبار ومعلومات

هكذا استبقت الجزائر فضيحة الجوسسة الخارجية

بقلم محمد بن أحمد – الخبر

دخلت الجزائر رسميا مرحلة الحرب الإلكترونية في 25 جويلية 2019، قبل 25 شهرا من فضيحة بيغاسوس، فما هي طبيعة هذه الحرب، وكيف تتعامل معها الجزائر، وهل تهدد الأمن الوطني؟ في 25 جوان 2019 صدر مرسوم رئاسي نص على تغيير تسمية دائرة الإشارة وأنظمة المعلومات، إلى دائرة الإشارة وأنظمة المعلومات والحرب الإلكترونية، القرار الذي فسر في حينه بأنه جاء بسبب الاستغلال غير القانوني لشبكات التواصل الاجتماعي فرضته في الحقيقة عوامل أخرى مختلفة.

 وتعرف دائرة الإشارة وأنظمة المعلومات والحرب الإلكترونية، في الجيش، بأنها الجهة التي تشرف على تسيير كل منظومة الاتصالات العسكرية السلكية واللاسلكية، وفوق هذا تشرف على أنظمة تشفير الاتصالات السلكية واللاسلكية وتأمينها، وتشرف على تأمين “سر أسرار الدولة”، وهو الشيفرة الخاصة بالاتصالات، التطور الكبير في أنظمة الاتصالات المدنية والعسكرية والتطورات الكبيرة لأنظمة التجسس والاختراق فرضت على القيادة في الجزائر تعديل مهام الدائرة التي تلعب في الوقت الحالي دورا محوريا مع شركاء مدنيين في تأمين الاتصالات وتأمين شبكتي الأنترنت الداخلية المغلقة في الجزائر والمواقع الجزائرية المتصلة بالشبكة العالمية في الجزائر. حيث تهتم باقتناء وتطوير أنظمة وبرامج الحماية من الاختراق، وعلى الأغلب فإن هذه الهيئة باتت اليوم إحدى أهم هيئات المؤسسة العسكرية الجزائرية.

مفاجأة بيغاسوس!

 كل الأجهزة الأمنية والمخابرات في العالم، لديها علم تفصيلي بوجود برامج وأنظمة تجسس على الهواتف تستعملها أكثر من دولة، وبالتالي فإن فضيحة بيغاسوس كانت في الحقيقة إعادة نشر لمعلومات قديمة.
وعند القول إن الأجهزة الأمنية الجزائرية كانت لديها معلومات بمحاولات اختراق أجهزة هاتف شخصيات عامة بأنظمة تجسس منها برنامج بيغاسوس أو برامج أخرى، فإن تأكيد هذا الاحتمال بأدلة متوفر على اعتبار أن إسرائيل ذاتها يمكنها استغلال هذا البرنامج للتجسس على الجزائر، فبرنامج بيغاسوس كان معروفا لدى المتخصصين في أمن الاتصالات والأمن السبيراني، قبل ما لا يقل عن 3 سنوات، بل إن تقارير إعلامية أشارت إلى أن الحكومة الإسرائيلية منحت ترخيصا لبيعه لدول أجنبية، كما أن تقارير إعلامية أخرى أشارت إلى أن دولا عربية اقتنت بالفعل هذا النظام التجسسي، وبالتالي فإن الأجهزة الأمنية الجزائرية كانت مبدئيا على علم بوجود هذا التهديد، قبل وقت طويل والأكيد أنها تضع في الاعتبار أن دولا تصنف في خانة العدوة تمتلك وتستغل هذا النظام، وعلى الأغلب فإن إجراءات أمنية اتخذت في مواجهة هذا التهديد الأمني، تتعدى فكرة حصر الاتصالات الرسمية في الشبكة التقليدية التي تعمل بـ”الكابلات” المؤمّنة.

الجميع يتجسس

لم تحمل فضيحة بيغاسوس أي جديد بالنسبة للمتخصصين في الأمن والاستخبارات، فالأجهزة الأمنية في العالم كله تعمل وفقا لمبدأ “الجميع يتجسس على الجميع”، لكنها نبهت الأجهزة الأمنية في الجزائر إلى حقيقة وخطورة المرحلة وحجم التحديات الأمنية التي يفرضها النمط الجديد من الحرب الإلكترونية، بشكل خاص مع قدرة بعض الجماعات والمنظمات على اختراق هواتف مسؤولين.

وحتى صغار ضباط المخابرات وغير المتخصصين في مسائل الحرب الإلكترونية، لديهم معرفة تفصيلية بأن الاتصالات الهاتفية عبر الهاتف النقال غير آمنة ولا يمكن من خلالها تبادل معلومات مصنفة، بل حتى العصابات الإجرامية تعرف تماما أن الهواتف النقالة هي في الحقيقة جواسيس يحملها الإنسان معه.

وما يثير قلق أجهزة الأمن في الجزائر وفي دول كثيرة لا علاقة له بأخبار فضيحة برنامج بيغاسوس للتجسس، بل بما هو أبعد، فالمخابرات التي ترغب في التجسس على الجزائر تعرف تماما أن اختراق هواتف شخصيات سياسية ومسؤولين بلا قيمة تقريبا، لكن اختراق مدير مؤسسة عمومية أو شخصية سياسية أو حتى فنية، هو التحدي الكبير، فمن يرغب في التجسس على وزير، سيكتفي باختراق هاتف أحد كبار مساعدي الوزير ويمكنه بسهولة التعرف على القائمة الكاملة لطاقم الوزارة، بشكل خاص مع الانتشار الواسع لاستعمال تطبيقات واتساب فايبر وتلغرام، بل واعتماد بعض الإدارات الرسمية على واتساب تحديدا في ترتيب الاجتماعات بل وإنشاء مجموعات مغلقة لتداول الأخبار والوثائق وإصدار الأوامر، والجميع يعرف أن اختراق واتساب ممكن وبسائل تقنية أقل تعقيدا.

أبعد من تغيير قواعد اللعبة

أدخلت فضيحة برنامج التجسس الإسرائيلي على الهواتف النقالة بيغاسوس الجزائر رسميا في دائرة الضوء في ملف الحرب الإلكترونية، كما تدخل أجهزة الأمن الجزائرية وحتى المنظومة القانونية في الجزائر في مرحلة جديدة، تفرض ما هو أبعد من مجرد تغيير قواعد اللعبة، فالأمر يتعدى مجرد وجود حقيقة مفادها أن كل هواتف كبار المسؤولين يمكن اختراقها، ببرامج تجسس إلى اعتبارات أخرى تتعلق بالأمن الوطني الاقتصادي والسياسي، فبينما يمكن للدولة فرض قيود على استعمالات الهواتف الذكية، بالنسبة لكبار مسؤولي الدولة أو إخضاع هذه الهواتف لإجراءات تسمح بتأمينها لا يمكن فعل هذا مع كل إطارات الدولة من إداريين ومسؤولي شركات عمومية، وحتى مع سياسيين ومنتخبين من الذين تتوفر لديهم معلومات توصف بالمصنفة، لهذا السبب فإن الجزائر تحتاج لإقرار مجموعة كبيرة من التدابير الأمنية والقانونية الوقائية.

المزيد من فضائح التجسس ستكشف

 فضائح تجسس أخرى ستكشف في المستقبل، قد تصبح معها فضيحة بيغاسوس مجرد تسلية، العالم كله يعج ببرامج التجسس، ويقول المختص رحايل توفيق لـ”الخبر”: “يمكنني القول إن كل ما هو موجود في الهاتف الذكي والكمبيوتر من برمجيات وتطبيقات، هو عبارة عن برامج تقوم بجمع معلومات تفصيلية عن مستخدم الكمبيوتر والهاتف الذكي، وبالتالي فإن كل تفاصيل حياة مستخدمي الأنترنت وأصحاب الهواتف النقالة موجودة لدى شركات تكنولوجيا البرمجيات صاحبة هذه البرامج، وهذا ما يفسر السعر الزهيد والمجاني في الكثير من الأحيان للبرامج التي تتاح لكل من يرغب في تحميلها”.

تعاملات معرضة للاختراق

 يقول رشوم حسن، مهندس برمجيات الكمبيوتر: “كل شيء متصل بالأنترنت معرض للاختراق سواء كان جهاز كمبيوتر أو جهاز لوحي أو هاتف نقال.. ببساطة 99 بالمائة من الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والكمبيوترات مخترقة، بطرق مختلفة، فمن جهة كل الذين يستعملون تطبيقات واتساب إيمو وفايبر وتيلغرام، يكونون قد قبلوا ضمنيا أن كل اتصالاتهم خاضعة للمراقبة من قبل الشركات صاحبة هذه البرامج، الأمر ذاته بالنسبة لـفيسبوك، لكن الموضوع يتجاوز هذا إلى ما هو أخطر، إلى البرامج والتطبيقات الجديدة في الإيميل الذي بات يتيح ذاكرة تخزين وقدرة على معالجة ملفات وورد وإيكسل مباشرة عبر تطبيقات الإيميل الجديدة، وهذا يحمل بعض الخطورة، لأن الكثير من محاسبي الشركات الجزائرية الحكومية قد يلجأون لتخزين ملفات مهمة في بريدهم الإلكتروني أو إرسالها إلى زملائهم، وهذه في الحقيقة تصنف ضمن أسرار الشركات الاقتصادية الكبيرة، وكل المتخصصين في مجال الأمن السيبراني يعرفون أن الشركات المالكة للبريد الإلكتروني تخزن كل هذه المعطيات يمكن أن تعرضها للبيع لعملاء وزبائن لا أحد يعرف هويتهم، ولا يتعلق الأمر فقط بالبريد الإلكتروني بل بكل شيء متاح في الأنترنت”.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى