دراسات اقتصادية

تحديات الاقتصاد الليبي قبل سقوط نظام القذافي

1 .يعتمد الاقتصاد الليبى أساسا على النفط والقطاع العام حيث يمثل قطاع المحروقات نحو 72 % من الناتج المحلي الاجمالى (GDP) [بالقيمة الاسمية] و93 % من الايرادات العامة و95 % من عائدات الصادرات. تعتبر ليبيا أحد أقل الاقتصاديات النفطية تنوعاً في العالم. وقد شهدت تدخلا كبيرا للحكومة في الاقتصاد، منذ أن أصبحت دولة ااشتراكية في أوائل السبعينات ولكن تدهورأسعار النفط العالمية في أوائل الثمانينات وفرض العقوبات الاقتصادية التي انعكست سلبا على النشاط الاقتصادي، أديا في نهاية المطاف إلى تعطيل عملية إعادة تأهيل القطاع الخاص منذ عام 1988. ونتيجة لما خلفه الاقتصاد الموجَّه، ما يزال القطاع العام يحتل ثلاثة أرباع العمالة، في حين، يبقى قطاع الإستثمارات راكدا إذ لايتجاوز 2 % من الناتج المحلي الإجمالي.

2 .سمحت الثروة النفطية الهائلة بتأمين مستوى معيشي جيد للشعب الليبي، كما سمحت أيضا بتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية مقارنة بدول الشرق الأوسط وشمال افريقيا” / مينا(MENA) (*). ولقد أصبحت ليبيا التي كانت تعتبر أحد أفقر بلدان العالم إبان الخمسينات تحتل اليوم مرتبة متقدِّمة بين العديد من البلدان المنتجة للنفط من منظوردخل الفرد من الناتج المحلي الاجمالي (per capita GDP) مقاسا” بالقوة الشرائية  (purchasing power parity)، كما استطاعت تحقيق درجة البلوغ الشامل للتعليم الأساسي مما سمح بانخفاض معدل الأمية مقارنة بالمعدل الإقليمي؛ ومع ذلك يبقى التعليم ونوعيته مشكلة قائمة. ولقد تم تسجيل تحسن في مؤشِّرات تقديم الرعاية الصحية، إذ تسجل ليبيا انخفاضا في معدَّلات وفيات الأطفال (حديثي الولادة) مقارنة مع البلدان ذات الدخل المتوسط. كما أن القوانين والتشريعات الليبية لا تميز بين العنصر النساءي والرجالي حيث تفوق معرفة الإناث للقراءة والكتابة في ليبيا المعدل السائد في بلدان “مينا”، الا أن نسبتهن في القوة العاملة تبقى ضعيفة بسبب قلة الفرص الاقتصادية المتاحة.

3 . لقد تشكل الأداء الاقتصادي وفق تغيُّر العائدات النفطية فبالنظر لمعدل متوسط النمو السنوي الحقيقي للناتج المحلي الاجمالي خلال التسعينات، الذي كان يقدر بـ  2.6  %، يبقى هذا المعدل ضعيفا ومتقلبا مما يعكس عدم كفاءة الاقتصادات الموجَّهة حكوميا”، وركود إنتاج النفط وعائداته، وتأثير العقوبات الاقتصادية. ومنذ عام 2000 إرتفع معدل النمو الفعلي نظرا لزيادة عائدات النفط حيث بلغ 4.6 % عام 2004  و3.5 % عام 2005 .

لقد تم التحكم في ميزان المدفوعات الخارجي إذ تم التمكن من السيطرة على التضخُّم من خلال ضبط الأسعار وتثبيت الأجور منذ عام 1981، في حين، بدأ منذ عام 2000 بروز انكماش راجع إلى التكلفة،   (deflation cost) يعود بشكل أساسي إلى توحيد سعر صرف العملة (exchange rate).

 في حين، بقي حساب ليبيا الجاري الخارجي يسجل فائضاً بوجه عام، مما يعكس أيضاً تأثير العقوبات على الاستيراد، فضلاً عن أنَّ الاحتياطيات الإجمالية الرسمية فاقت 39 مليار دولار أميركي عام 2005، مما يعادل 31 شهراً من الواردات.

  1. II. النفط ودوره في تحقيق النمو وخلق فرص العمل

4 . تملك ليبيا القدرات لزيادة الإنتاج وعائدات النفط خلال السنوات المقبلة نظرا لتوفر كميات هائلة           من الاحتياطي النفطي.  لقد بلغت نسبة الإنتاج النفطي التراكمي حتى الأن 60 % من التقديرات الحالية للاحتياطيات القابلة للتحصيل(recoverable reserves)، بينما يبقى إنتاج الغاز الطبيعي ضعيفا مقارنة بإنتاج النفط، حيث لا يتجاوز انتاجه الإجمالي 12 % من الاحتياطات، في حين، يبقى متوسط تقدير الاحتياطات غير المكتشفة والقابلة للاستخراج هائلا حيث تبلغ حوالي 20 % من الاحتياطات المعروفة حالياً. وفي إطار برامج الاستثمار الرامية إلى تعزيز القدرات، يمكن أن يزداد إنتاج ليبيا على نحو كبير جدا”، أخذاً في الاعتبار نظام الحصص المعمول به بمنظمة “الأوبيك” (OPEC). وثمَّة على المدى البعيد، سيناريوهات للزيادة المتوقعة في القيمة الحالية الصافية (net present value) لعائدات الحكومة النفطية تتراوح بين 7,3 و 19,8 ضعف مستوى الناتج المحلي الإجمالي لعام 2005. ويمكن لليبيا أن تحقق من خلال ثروثها النفطية وبشكل مستمر دخلا معتبرا يتراوح بين 29 % من مستوى الناتج المحلي الإجمالي لعام 2004 (على أساس أسعار متحفِّظة)، وما يتجاوز 50 % من الناتج المحلي الإجمالي للعام نفسه ( بافتراض سيناريو أسعار متفائل).

  • ويتمثل التحدي الرئيسي أمام ليبيا في تعزيز نمو القطاع غير النفطي وتنويع مصادر اقتصادها، إذ هناك حاجة لتحقيق نمو في هذا القطاع بنسبة 6,5 %، مما سيسمح بتخفيض معدل البطالة –التي تُقدَّر حالياً بنحو 25 % الى النصف في غضون عشر سنوات. ومن المتوقع أن توفِّر عائدات النفط المرتفعة التمويل اللازم للنمو، في حين، أنَّها لن تحدثَّ بالضرورة نمواً مستداماً في القطاع غير النفطي. إنَّ تجربة ليبيا التي باءت بالفشل في اتباع نظام الإقتصاد الموجه من أجل التنمية الاقتصادية، التي كانت قائمة على فكرة تحقيق بديل للأستيراد, توحي بمحدودية نجاعة استخدام العائدات النفطية في تمويل الإستثمار الحكومي في صناعات منتقاة. ويمكن تحقيق التنويع في الاقتصاد اذا ما تم القيام بجميع الإصلاحات للسماح بتنمية القطاع الخاص في جميع القطاعات.
  1. 5. لقد بقي نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي ضعيفا كما انتقلت تقلبات العائدات النفطية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي عير النفطي. فمنذ عام 2000 ، ارتفع النمو الفعلي للإيرادات غير النفطية بسبب ارتفاع عائدات النفط مقارنة بدول أخرى في منطقة الشرق الآوسط وشمال افريقيا وعلى الرغم أيضا من رفع العقوبات. ولقد ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 4 إلى 4.5 % خلال عامي 2004 و2005 . كما كان التقلب في النمو الناتج المحلي غير النفطي مرتفعا نسبيا بسبب تلقلبات الاستثمار المحلي الذي يسيطر عليه القطاع العام مرفوقا بالتغيرات في الإيرادات النفطية. وعلى الرغم من إنشاء صندوق الاحتياط النفطي سنة 1995 بهذف تحقيق ضمنيا أهداف الادخار والاستقرار، بقي العجز في القطاع غير النفطي مستمرا في الارتفاع في الوقت التي ترتفع فيه الايرادات النفطية وينخفض أحيانا بانخفاض الإيرادات النفطية مؤترا بذلك لى السياسة المالية.

6.يعكس النمو الضعيف للناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي تدني الاستثمارات وضعف إنتاجية رأس المال. فبحاولي نسبة 16,7%  من الناتج المحلي الإجمالي كمعدل متوسط للاستثمار في القطاع غير النفطي خلال الفترة الممتدة من 1998 إلى2003، يبقى هذا القطاع ضعيغا مقارنة بالبلدان المجاورة في شمال افريقيا. وعلاوةً على ذلك، فإن إنتاجية الإستثمار الضعيفة تعوق النمو في هذا القطاع كما أن إنتاجية العمل فيه توحي بضعف مماثل في الأداء وفضلاً عن ذلك فإن متوسط معدل النمو السنوي في هذا القطاع يتأرجح عند نسبة 2 %. كما بقي قطاع التصنيع يسجل ضعفا منذ التسعينات، إضافة إلى ضعف قطاع الخدمات (الذي يعتبردافعا في النمو الرئيسي للناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي)، وكذلك في قطاع الزراعة. إن ضعف الإنتاجية لا يدل عن غياب الكفاءة في ظل نموذج الاقتصاد الموجَّه فحسب، بل يعكس أيضاً تأثير العقوبات الدولية والانعزال عن الاقتصاد العالمي.

7.تحسين الكفاءة ونمو الإنتاجية شرطان أساسيان لنمو أسرع ولبدل جهد استثماري أكبر: لتحقيق النمو على المدى المتوسط، ينبغي تسجيل زيادة معتبرة (significant) في معدل الاستثمار لتبلغ حوالي 25 % من الناتج المحلي الإجمالي, مما يقتضي أيضاً تحقيق تقدم جوهري في الإنتاجية. وفي ظل ركود الإنتاجية مصحوبة بأسعار محددة اداريا administered prices، وبحواجز مانعة للاستثمار [(entry barriers) ،  وبعناصر إنتاج ضعيفة (factor markets)، تبقى الربحية متدنِّيةً  كما لا يبقى هناك سوى مجال محدود أمام الاستثمار الخاص المطلوب بحجم كبير.

8.إنَّ تحقيق معدلات إنتاجية قوية يعتبر شرطا ضروريا لتحقيق تنوع تنافسي بعيدا عن مجال القطاع النفطي. وفي ظل وجود أسواق مفتوحة وذات أداء جيد على الصعيد المحلي، سيستفيد الاستثمار الخاص من الامكانيات غير المستغلة (unrealized potential) للنمو والتنوع. وتعتبرَ الخدمات في ليبيا مثالاً جيداً لقطاع لمَ تستغل امكانيته بالمقارنة مع اقتصاديات نفطية أخرى وسيسمح تطوير قطاع الخدمات بخلق فرص العمل؛ كما يمكنه أن يغطي جزءًا من التكيف (adjustment costs) للتحول (transition) نخواقتصاد السوق. ان وجود إمكانية خلق فرص مباشرة للعمل أمر مهم لأنَّ الخدمات في ليبيا ستسمح بخلق فرص العمل لشريحة أصغر نسبياً من إجمالي السكان العاملين، مقارنةً بالبلدان ذات المستوى المماثل في الناتج المحلي الإجمالي للفرد.

9 .سيسمح ارتفاع العائدات النفطية المتوقعة بتوفير التمويل للنمو في القطاع غير النفطي، ولكنها لن تحققَ بالضرورة الاستمرارية في النمو فيه. عند استبعاد نظام الاقتصاد الموجَّه ، الذي كان معتمداً في الماضي، يبدو أنَّ هناك ثلاثة خيارات استراتيجية واسعة لتوظيف موارد تمويل كبيرة من النفط كوسيلة للدفع بعجلة النمو في القطاعات غير النفطية وهي:

  • استغلال العائدات النفطية المتراكمة لتوسيع الاستثمار العام في البُنى التحتية كوسيلةً للدفع بعجلة النمو في القطاع غير النفطي؛
  • توزيع فائض من العائدات النفطية الإستتنائية (oil windfalls) على الأُسَر كوسيلةً لدعم دخلها (incomes) وبالتالي زيادة الطلب المحلي، مع احتمال تحقيق حالة استقرار أفضل في مواجهة تقلب العائدات النفطية؛
  • ادِّخار جزء من العائدات النفطية الإستتنائية للمستقبل؛ باستخدام الباقي بشكل استراتيجي لتحسين الموارد البشرية وبناء شبكات ضمان اجتماعي قوية، وفي الوقت نفسه تسريع الخُطى نحو تحقيق الإصلاحات الهيكلية اللازمة للتحول إلى اقتصاد سوق والاندماج مع بقية دول العالم.

10.يجب أن تتخذ القرارات المتعلقة بالاستثمار العام في البُنية التحتية (الاقتصادية والإجتماعية) في المعزل عن ارتفاع العائدات النفطية الإستتنائية (hydrocarbon windfalls). إن إستخدام هذه العائدات  لزيادة الإستثمارالعام لن يعزل السياسة المالية عن تقلب العائدات النفطية. وفضلاً عن ذلك،  تشكل حاليا ميزانية التنمية في ليبيا حصة معتبرة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالدول الشببيهة بها، الأمر الذي يوحي بوجود قدرة استيعابية محدودة للمزيد من الإستثمار العام وربما الي إنخفاض في كفاءة إنفاقه، حيث يستلزم عامل الكفاءة تحريك الإستثمار العام لتحسين الإنتاجية وتكلفة رأس المال العام.

11 .لتعزيز نمو القطاع غير النفطي وخلق فرص للعمل في ليبيا، ينبغي أن تستخدم العائدات النفطية الإستتنائية بشكل استراتيجي قصد تسهيل عملية التحول إلى اقتصاد سوق تنافسي. على عكس الاقتصاديات الأخرى التي انتقلت إلى اقتصاد السوق خلال التسعينات، استطاعت ليبيا توفير وضع مالي مريح كما يمكنها أن تتحمل تكلفة شبكات الضمان الاجتماعي التي من شأنها تخفيف وطأة الأعباء الناجمة عن مثل هذا التحول. إنَّ الإستخدام الأمثل للعائدات النفطية، يستوجب تعزيز إدارة المالية العامة على المدى المتوسط، وذلك عن طريق تبنِّي إطار شفاف لتحضير وتنفيذ الميزانية العامة، وضبط الإنفاق العام وتحقيق ممارسة موثوقة لإدارة تدفقات العائدات النفطية، مما سيسمح بتسهيل عملية التحول في إطاراستقرار الاقتصاد الكلي (macroeconomic stability) وفي الوقت الذي يتم فيه تأمين استمرارية شبكات الضمان الاجتماعي المطلوبة وزيادة الإنفاق على الموارد البشرية. وبحلول الوقت المناسب، يمكن تصور مزيج من الخيارات الاستراتيجية مع تخصيص قسط متزايد تدريجياً من العائدات النفطية الإستتنائية للأُسَر.

12.يمكن أن ينتج عن توسيط (intermediation) العائدات النفطية الإستتنائية بتوزيعها على الأُسَر          أو استخدامها عبر قطاعات الأعمال، نمو أسرع علي المدى الطويل، غير أن ذلك يجب أن يتزامن مع تعزيز المناخ الاستثماري بشكل ملموس. فعندما يتم توسّيَط  العائدات النفطية الإستتنائية من خلال توزيع جزء من هذه العائدات عن طريق القطاع الخاص، يرجح أن تتوجه هذه العائدات الموزعة ويتم انفاقها على مجالات أكثر انتاجية أو أخرى تحقق رفاهية أفضل مما لو تولى القطاع العام انفاقها. ويتحقق ذلك بوجه خاص عندما تحل المبالغ النقدية المدفوعة إلى الأسر محل الدعوم المسببة للاختلالات التي تدفع لعدم استهلاك الطاقة والسلع الاستهلاكية الأخرى. وفضلاً عن ذلك فإن تحويل هذه العائدات إلى الأسر قد يكون من شأنه أن يجنب الاقتصاد من تقلب العائدات النفطية، ذلك أنَّ التقلبات المؤقتة في هذه العائدات قد تكون حافزاً للتوفير بدلاً من الانفاق العام غير المستدام. وقد يسمح توفير نمودج مختلف لتوسيط عائدات النفط بتحقيق الزيادة في الإنتاجية على المدى الطويل شريطة أن يتم في الوقت نفسه اتخاذ كافة المبادرات الضرورية لتعزيز المناخ الاستثماري وتشجيع الإستخدام الكفء للموارد.

  1. تواجه ليبيا رفع تحدي تعزيز “اقتصاد جديد”، يقوده القطاع الخاص لتقوية نظامها الاقتصادي وهذا شرط لازم لتحقيق نمو غير نفطي ولخلق فرص العمل. ويشمل التحدي الرئيسي خلق مناخ استثماري سليم تديره مؤسسات قوية لدعم الأسواق المفتوحة؛ فضلاً عن ضرورة ترقية النظام المصرفي كي يضطلع بدوره في تمويل الاستثمارات وضمان رعاية اجتماعية فعالة ومستمرة لأكثر الشرائح المتضررة (vulnerable) بهدف تسهيل عملية التحول.
  1. وسيكون تعزيز مستوى الموارد البشرية بليبيا أمراً ضرورياً لتحسين الإنتاجية ولتحقيق التنوع خارج قطاع المحروقات، لاسيَّما في مجال الخدمات ومن أجل تحقيق المنافسة في ظل الاقتصاد العالمي. إنَ قدرة النظام التعليمي على إعداد أفراد يتمتعون بالمهارات التي تسمح لهم بالاستفادة من الفرص المتزايدة في ظل اقتصاد قوي، كما ستشكل هي أيضاً عاملا من العوامل الحاسمة لإحداث تحول ناجح إلى اقتصاد السوق. وعلى الرغم من أنَّ إنفاق ليبيا العام على التعليم مرتفع، فثمَّة تساؤلات حول جودة التعليم ومدى كفاءة استخدام الموارد.

15 . إن تحسين أسلوب الحكم ( الإدارة) (quality of governance) يتطلب اهتماماً خاصا بإعتباره يشكل جوهر برنامج الإصلاح التنموي. إنَّ إحراز النجاح على الجبهات الثلاثة ذات الأولوية يستوجب دعماً مشتركاً لمبادرات تهدف إلى تعزيز الشفافية وتحقيق استقرار القرارات التنظيمية، ومساندة المؤسسات الداعمة للوظيفة التنافسية في الأسواق الرئيسية،  فضلاً عن دعم الإصلاحات الهادفة إلى تحسين مستوى إدارة القطاع العام وتطبيق مبدأ المحاسبة والمُساءَلة.إن مختلف المعايير المستخدمة لقياس مدى جودة الإدارة تجعل ليبيا تحتل مرتبة متدنِّية جداً مقارنةً بالدول الأخرى.

III.تعزيز إدارة المالية العامة

  1. تم تقييد الإنفاق العام عامي 2004 و2005 على الرغم من ارتفاع الإيرادات النفطية. في حين، تعاني إدارة المالية العامة من انعدام الشفافية. لقد بلغت نسبة الإنفاق العام المجمع بما في ذلك صافي الإقراض 43% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 2001 إلى2005، حيث تعتبر هذه النسبة مرتفعة جدا مقارنة بالدول الأخرى. وتنفق ليبيا على الأجور والمرتبات أكثر نسبياً مما تنفقه الاقتصاديات الأخرى المتحولة كما تُعتبر أيضاً ميزانية التنمية كبيرة نسبياً. ويبقى الارتفاع في معدل العجز في القطاع غير النفطي الذي يفوق 33 % من الناتج المحلي الإجمالي،كبيرا في حين، وعلى الرغم من ارتفاع الإيرادات النفطية، لم ينخفض هذا المعدل خلال سنتي 2004 و2005 ونظرا لتطبيق سياسة تقشف نسبي عامي 2004 و2005 ولارتفاع سعر النفط، يبدو أن الأخطار المتوقعة على الميزانية لن تكون وخيمة. ولم يتم دمج مسبقا حصة كبيرة من النفقات العامة، المقدرة بنحو 52 % عام 2003، ضمن الميزانية العامة، مما يؤدي إلى ضعف النظام المالي وفاعلية الرقابة في تنفيذ الميزانية. في حين، تم دمج النفقات خارج الميزانية في ميزانية عامي2005 و2006 لاسيما النفقات المتعلقة بالدفاع والدعم، إضافة إلى حصة من النفقات خارج الميزانية التي انخفضت إلى 12% عام 2005 . ومن تبني الشفافية في وضع المزانية، السماح بتسهيل عملية صياغة السياسة المالية وتحسين فعالية الإنفاق العام.

17 .ينبغي تسيير العائدات النفطية وفق تحقيق أهداف الإستقرار والإدخار. وفقا لهذا الهدف، بادرت السلطات الليبية بإنشاء صندوق الاحتياطي النفطي، وحتى يؤدي هذا الصندوق دوره، لابد من وجود قواعد واضحة تحكم عمليات الإيداع فيه والسحب منه، ووضع قانوني شامل لتسييره بشفافية كما ينبغي أن يشكل  هذا الصندوق جزءً متكاملاً من الميزانية العامة. ومن أجل تحقيق الغاية المتوخاة منه المتمثلة في استقرار الإقتصاد غير النفطي عن طريق إبعاده عن تقلبات الإقتصاد النفطي، أصبح من الضروري أن تصاغ قواعد استراتيجية الصندوق تجاه عدم الإستثمار في السوق المحلي. كما يجب عزل أهداف الاستقرار والادخار عن الآهداف الإقتصادية الأخرى، بحيث  يمكن لهذه الأخيرة أن تحقق من خلال تخصيص أموال الاستثمار كجزء في الميزانية.

  1. ولضمان استقرار الإقتصاد الكلي، ينبغي أن الإطار المالي وفقا لمؤشرات لاتتأتر بالتغييرات التي تطرأ على العائدات النفطية على المدى القصير وكمثال على ذلك قياس العجز المالي الأولي في القطاع غير النفطي كمعدل للناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي. ولضمان الاستقرار الضريبي على المدى الطويل، تمة خيار يقتضي عدم تجاوز العجز المالي للقطاع غير النفطي التقييم المتحفظ (conservative estimate) “للدخل النفطي الدائم على المدى المتوسط”.

 

  1. ويتميز نطام ادارة المالية العامة بنوع من الفاعلية، غير أن هناك تحديات مخمة تجابهها ليبيا في هذا المجال. تعتبر إجراءات تحضير الميزانية بسيطة نسبيا، كما أنها تناقش انطلاقا من القاعدة إلى القمة، مع إتاحة الفرصة للمناقشة مع الوزارات المختصة. في حين، لا تعتمد الميزانية على أليات تسمح بالتنسيق بين النفقات الجارية ونفقات الاستثمار اثناء تحضير الميزانية وينبغي تحسين تصنيف الميزانية قصد السماح بتحضير للميزانية على أساس براغماتي وتتميز التقارير بالضعف لاسيما على مستوى نفقات لاأس المال والنفقات غير الممركزة ويضاف إلى ذلك الإفتقار إلى شبكة الإعلام المتكامللتبادل المعلومات. كما يعتمد في المحاسبة على مبدأ السيولة متأترا بالتغييرات الإدارية بالإضافة إلى عدم إصدار البيانات المالية بصورة منتظمة. بينما يعتمد نظام التدقيق المالي للحسابات على المراجعة الخارجية طبقا للمعايير الدولية. في حين، تبقى الرقابة الداخلية والخارجية ضعيفة.

 

  1. ينبغي وضع أليات مناسبة لتسيير النفقات لضمان اتباع سياسة مالية ملائمة على المدى المتوسط. تعد القاعدة التي تنص على تخصيص 70 % من العائدات النفطية لميزانية التنمية و30 % للنفقات الأخرى، غير صالحة لفعالية النفقات والتخطيط للميزانية. ولهذا الغرض، ينبغي استبدالها بنسب تخص كل منطقة وكل وزارة عند الشروع في تحضير الميزانية السنوية. ولإلغاء ميزانية النفقات الإضافية، ينبغي تطوير إطار النفقات على المدى المتوسط لفترة تتراوح بين ثلاثة إلى أربع سنوات قصد السماح بمنح الأولوية للبرامج التي يمكن القيام بها على الأمد المتوسط. وفي الوقت نفسه ينبغي الأخد بعين الاعتبار الإلتزامات الضمنية والعرضية مثل تلك المتعلقة بالمعاشات والقروض غير العاملة للمؤسسات العمومية.

 

21.لضمان ترقية فعالية الإنفاق العام، ينبغي وضع برنامج واسع خاص بالإصلاحات. إنَّ تعزيز الشفافية عند اتخاذ اجراءات شبه مالية، سيسمح بتحسين فعالية تحديد الأولويات للإنفاق ويعد حجم الإعانات الضمنية كبير، حيث بلغت عام 2003 نسبة الإعانات الضمنية لمنتجات الطاقة نحو 18,5 % من إجمالي النفقات الحكومية، أي ما يعادل 7 % من الناتج المحلي الاجمالي. ويقدر حجم كلفة الإعانات الضمنية بليبيا للطاقة بنحو 3,7 % من الناتج المحلي الاجمالي مما يثير تساؤلات بشأن تأثيره على توزيع الدخل في الوقت الذي يمكن تحويله إلى إعانات مباشرة تتَّسم بالشفافية. كما ينبغي إعادة تقييم اللامركزية، بما يحقق رفع مقدرة الادارات المحلية في تحصيل عائداتها وخلق حوافز للانضباط المالي والاستخدام  الكفء للموارد. و يمكن تصميم نظام يضمن إجراء تحويلات تحقق المساواة لوحدات الحكم المحلي ذات الوضع الأضعف. ومع الوقت، يمكن زيادة فعالية تكلفة الإنفاق العام من خلال تشجيع المنافسة في تقديم الخدمات العامة من قبل القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، وحتى من قبل بعض الهيئات الحكومية الأخرى.

  1. IV. بناء مناخ استثماري قوي
  2. بدأ انسحاب الدولة الليبية من النشاط الاقتصادي منذ أن شرعت في فتح المجال تدريجيا أمام الاستثمار الأجنبي في حين، لايزال القطاع الخاص يعاني من بعض العراقيل التي تعوق تنميته ولرفع هذه العراقيل، بات من الضروري القيام بإصلاحات جوهرية تتضمن مايلي:

 

  • العمل على تبسيط اجراءات الموافقة على فتح مجال الإستثمار في القطاعات التنافسية لاسيما أمام الإستثمار الآجنبي الذي يخضع لصلاحيات التصرف الإداراية وعدم اليقين فيما يخص انتقاء المشاريع والقطاعات،
  • رفع القيود أمام المساهمة الآجنبية في قطاع الخدمات مثل قطاعي التوزيع والمالية حيث يمكن خلق فرص العمل،
  • التخلص من الغموض الذي يكتنف القوانين التي تحكم العقارات وحق الملكية والقدرة على الإيجار،
  • إعادة النظر في قانون العمل للسماح بتسهيل عملية الإستثمار وتحسين ظروف العمل وترقية معايير التأمين المهني،
  • تعويض معدل الضريبة التصاعدية على الشركات بمعدل أساسي أدنى من ذلك المطبق في الدول التي تتمتع بمناخ استثماري ملائم وكذلك تجميع وتوحيد الضرائب المطبقة على الإستيراد،
  • متابعة الإصلاحات في إدارة الجمارك قصد محاربة التجارة غير الرسمية وتقليص مدة التخليص الجمركي،

 

  1. لقد تم دون شك إحراز تقدم كبير خلال السنوات الماضية حيث تم مؤخرا تبسيط إجراءات الإستثمار بالنسبة للشركات المحلية وفتح معظم القطاعات أمام الإستثمار الأجنبي بما في ذلك قطاع الخدمات والزراعة والإتصالات وكذلك تقليص عدد المساهمين في الشركات الكبرى (شركات المساهمة) وتبني نماذج أخرى خاصة بإنشاء الشركات التجارية، وتخفيض المعدل الضريبي على الشركات، وتحرير التجارة وتوحيد سعر الصرف، كما تم تقديم قانون المنافسة للموافقة من قبل السلطات، وكذلك توحيد قوانين الشركات التجارية.
  1. 24. وبتناقض مع هذه الإصلاحات القرار الذي صدر حديثا وتم بموجبه تحديد رأسمال الإستثمار الأجنبي بمبلغ قدره كحد أدنى 50 مليون دولار أمريكي، الأمر الذي يعني عمليا فرض عائق أمام معظم الإستثمارات الأجنبية التي قد يمكن لليبيا جلبها في القطاعات غير النفطية. وعلى الرغم من التقدم الذي تم تسجيله على مستوى الجبهات الآخرى، يبقى هذا القرار يشكل عائقا في تنفيذ برنامج الإصلاحات مما يؤثر سلبا على المسستثمرين المحليين والأجانب. فعملا بهذا القرار، تدهور تدفق الإستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات النفطية ولكن السلطات الليبية تعكف حاليا على الانفتاح بشكل أكبر من خلال تقليص الحد الأدنى في رأسمال الاستثمار الأجنبي.
  1. ويظل تعزيز المؤسسات الرئيسية لدعم انشاء اقتصاد يتوجه نحو السوق يشكل تحديا وعلى وجه الخصوص المؤسسات القضائية والإدارات العامة التي تتعامل مع الشركات. وكما سيسمح تعزيز نظام الرقابة وتحسين إجراءات الطعون بتنمية القطاع الخاص لتحاشي إساءة التصرف والعشوائية ومحاولات الحصول على فوائد خاصة وكما يجب تشجيع استقلالية القضاء مما سيسمح بتطبيق القانون على الجميع بما في ذلك الإدارات العامة والمستثمرين الكبار والصغار والقطاعات الإقتصادية الآخرى.
  1. لقد التزمت السلطات الليبية بخصخصة المؤسسات العمومية، لكن، قد يعرقل هذا الإتجاه نحو اتباع استراتيجية خصخصة مؤسسات القطاع العام عبر بيع الأسهم فعالية الإصلاحات المنتظرة على الأقل بالنسبة للشركات الكبرى والمتوسطة. إن تحديد نسبة 10 % لكل مستثمر من رأس المال، يعد إجراء مخالفا لقواعد اقتصاد السوق حيث لاينبغي عرقلة السقف المحدد للأسهم عن طريق القانون. كما تفيد التجربة الدولية على أنه لايمكن اتخاذ أي إجراء قانوني ينص بموجبه على إجبار استقلالية المؤسسات العمومية أو تغيير حوافز مسييريها حتى يتم امتلاكها من قبل شخص ما أو من قبل عدد من المساهمين المؤهلين بتسيير الرقابة. لقد تم تسجيل منذ عام 2004 بعض التحسينات حيث تم خصخصة أو إعادة هيكلة بعض المؤسسات العمومية بالإضافة إلى امتصاص ديونها من قبل الخزينة، كما أصبحت هذه المؤسسات خاضعة لقواعد القانون التجاري وقوانين الشركات التجارية، كما أصبحت أيضا فكرة المساهمة الأجنبية في عمليات الخصخصة مقبولة. ولكن الأمرالذي يبقى غير واضح يتعلق بما إذا سيتم الإذن بالمبيعات للمستثمرين الإستراتيجين الكبار والحد الذي سيفرض به قيود على باقي المؤسسات العمومية التي هي في طور الإنتقال، ومدى استقلاليتها من التدخل الحكومي.

27.وبالموزاة مع القيام بعمليات الخصخصة، من الضروري بشكل عاجل تحسين مناخ الإستثمار بغية تسريع تنمية القطاع الخاص، وإنشاء شبكة الضمان الاجتماعي للتخفيف من الأثار المترتبة من جراء عملية التحو على العمالة. يعد ارتفاع أسعار النفط بشكل اسستنائي في الوقت الحاضر، فرصة سانحة لليبيا لإنشاء شبكة ضمان الاجتماعي مما سيسهل تنفيذ هذه الإصلاحات من خلال المنظور الإجتماعي، وبالتالي الحفاظ  خلال مرحلة التحول، على تحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة للشعب الليبي.

28.لقد تم في إطار تحرير التجارة، إلغاء التعريفة الجمركية على جميع المنتجات، في حين، بقي تطبيق ضريبة الإستهلاك والإنتاج على بعض السلع، مما يمثل اجراء غير فعال لحماية الإنتاج المحلي.  قد يمكن السماح بمستوى معقول من الحماية خلال مرحلة التحول، غير أن تطبيق نظام ضريبة الإستهلاك والإنتاج الحالي سيعوق الإستثمار في نشاطات أخرى وعليه، يستحسن تعويض هذه الضريبة باتباع نظام موحد ومعقول خاص بتطبيق التعريفة الجمركية.

  1. إنَّ إلتزام ليبيا بأحكام التجارة متعددة الأطراف،لاسيما من خلال انضمامها إلى “منظمة التجارة العالمية”، سيشكل ترسيخاً مهماً لعملية الإصلاح. تعزز الالتزامات القوية المتعددة الأطراف مصداقية ليبيا في خوض عملية الإصلاحات، وبالتالي ستزداد تقة المستثمرين المحليين والأجانب. ويتوقع أعضاء “منظمة التجارة العالمية” قيام ليبيا بإصلاحات جوهرية خاصة بالتسيير الإقتصادي وإصدار قوانين تتضمن حرية التصرف الإدراي وضمان تطبيق سياسة المعاملة الوطنية في الضريبة، والتنفيذ اشامل للإتفاقيات الدولية المتعلقة بتقييم الرسوم. فانضمام ليبيا إلى “منظمة التجارة العالمية” سيسمح لها بإعادة النظر في إصلاح مؤسساتها التجارية.
  1. V. إصلاح القطاع المالي
  2. يمثل النشاط المصرفي العمود الفقري للنظام المالي الليبي حيث تعمل الحكومة على إعداد برنامج إصلاحات للنظام المالي. ويتمثل محور التركيز الخاص في هذا البرنامج على إعادة هيكلة (restructuring) المصارف العمومية، بل إنَّ بعضها سيحتاج إلى عملية تكييف (adjustment) من حيث بنية ملكيتها لتشمل مشاركة القطاع الخاص في رأسمال هذه المصارف أو زيادة هذة المشاركة. وهناك إقرار بأهمية تحديث بيئة القطاع المالي القانونية والتنظيمية والرقابية وتقويتها. ولذلك يجب أن تتوازى هذه المبادرات مع الجهود الرامية إلى إعادة بناء النظام المصرفي ومعالجة جملة المشاكل المحدقة بالمصارف العمومية. ففي غياب الإصلاح لن يكون النظام المصرفي قادراً على الاضطلاع بدوره كاملاً في أن يكون وسيطاً بين المدَّخرات الوطنية وبين تمويل النمو الاقتصادي في القطاع غير النفطي.
  1. تحتاج المصارف العمومية إلى استراتيجية واضحة وتسييرمحكم لأنشطتها و لهذا الغرض، تم مؤخرا صدور تشريعات قانونية تتضمن معايير تسيير محكمة للمؤسسات المالية مما يساعد على تحقيق تسيير أفضل واستقلالية للمصارف العمومية في أداء نشاطتها. بيد أن، تبقى المصارف اللبيبية العمومية تحتاج إلى هيئة تتمتع بمهارات فائقة في بعض المجالات الحساسة مثل الائتمان والإستثمار ومراقبة المخاطربما فيها أنظمة الرقابة والمعلومات. ولابد من النظر إلى خصخصة المصارف على أنها فرصة لجلب المستثمرين الإستراتجيين في إطار نظام مالي محكم يهدف إلى تحسين فعالية القطاع المصرفي. ولن يحقق الخيار الحالي المتمثل في الخصخصة عن طريق بيع الأسهم الفاعلية التي عادة ما يتم تحقيقها عند تحويل ملكية المصارف إلى مستثمر استراتيجي يتمتع بسمعة جيدة وخبرة واسعة في القطاع.
  1. لقد عمل القانون المصرفي الجديد على تعزيز استقلالية مصرف ليبيا المركزي كما سمح بوضع إطار قانوني محكم لإدارة النشاطات المصرفية ولو أن بعض الأحكام تحتاج إلى تحسين وعلى وجه الخصوص ينبغي العمل على تحقيق الاستقلالية الشاملة في تطبيق السياسة النقدية مع ضمان عدم تدخل ممثل عن الحكومة في مجلس الإدارة (أمانة المالية)  في القرارات المتخذة بشأن السياسة النقدية، كما ينبغي أيضا تقليص دور المصرف المركزي في إدارة الأحكام والشروط المتعلقة بتمديد أجال الإعتماد أو الإستثمار التي هي من مهام المصارف التجارية.
  1. رغم التحسن المسجل في إطار القانون المصرفي الجديد من حيث تحديد الواجبات والمسؤوليات، لايزال المصرف المركزي المالك للمصارف العمومية مما يوحي بتضارب المصالح بين الملكية والتنظيم. لذلك من الضروري أن تعمل السلطات الليبية على فصل ملكية المصارف عن تنظيمها من قبل المصرف المركزي. وفي هذا الإطار، ينبغي نقل الملكية إما إلى الأمانة العامة للمالية أو إلى مؤسسة إدارة الأصول، التابعة لها وحتى ما يتم هذا التحويل، لا ينبغي للمصرف المركزي تحت أي ظروف التدخل في القرارات المتخدة من قبل المصارف في إطار مهامها أو في القرارات الفردية المتخدة بشأن الإعتمادات.
  1. لقد ساعد التحرير الجزئي في أسعار الفائدة على إحراز تقدم في إصلاح القطاع المالي، إذ تم تحرير أسعار الفائدة على الودائع، بينما جاوز السقف المحدد للإقتراض سعر الخصم، وينبغي إلغاء هذا السقف تدريجيا لتفادي احتمال تدني مردودية المصارف في المناقصة العامة بين المتنافسين لجلب الوادئع، والسماح للمصارف بتقديم خدماتها للعملاء الذين يتحملون حجما أكبر من المخاطر، وعلاوة على ذلك، تم الشروع في اتخاذ التدابير اللازمة لإنشاء بورصة بليبيا.        

 

وللمزيد من النجاح في الوساطة المالية بليبيا، يستحسن خلق مناخ مشجع للعمليات المصرفية فلكي يتسنى للمصارف القيام بعمليات الإقراض بكفاءة، ينبغي عليها أن تعمل في إطار يسمح لها بتقييم وتسعير وإدارة المخاطر. ولكي تتمكن من القيام بذلك، تحتاج إلى الاعتماد على كشوف مالية موثوقة ودقيقة وموحدة(standardized statements) تعكس أوضاع المُقترِضين (borrowers) ونشاطاتهم المالية. كما سيسمح أيضا وضع ختم مراجعي الحسابات المؤهلين والمستقلين على هذه الكشوف ببعث التقة والطمأنينة. إنَّ الثقة في تنفيذ القانون في إطار نظام قضائي شفاف وكفء، سيسمح بتوفير ضمانات إضافية للدائنين (creditors) بأنه سيجري الالتزام بشروط عقودهم، وفي الوقت ذاته تتحقق الضمانات المقدمة للقروض الممنوحة.

  1. إن الرقابة المصرفية في حاجة إلى تعزيزها بغية تعزيز قطاع مالي سليم: إنَّ معايير تصنيف ومنح القروض المعمول بها حالياً في حاجة الي تعزيز كي تعكس بصورة ملائمة النوعية الحقيقية لحافظة قروض المصارف بما يوافق المعايير الدولية. كما يجب على المدى المتوسط، أن يكون التركيز منصباً على الفاعلية الكلية لممارسات إدارة المخاطر بالمصارف، حيث يمكنها (أي المصارف) أن تكون في كثير من الأحيان منسجمة كلياً مع القواعد والأنظمة، رغم كونها في الحقيقة تواجه خطر عدم القدرة على الوفاء بالدين بسبب ضعف ممارساتها لإدارة المخاطر.
  1. VI. تفعيل الرعاية الاجتماعية
  2. سيسمح خلق شبكة ضمان اجتماعي فعالة بتسهيل عملية التحول إلى اقتصاد السوق. ينبغي أن تحظى الفئات الإجتماعية الضعيفة باهتمام خاص لمواجهة التأثيرات التي قد تنعكس سلبا على الفئة المتضررة من جراء انخفاض مفاجئ للمداخيل خلال فترة التحول. وإن إقامة نظام مراقبة مستمرة لمستوى معيشة السكان سيساعد على تحديد الفئة المعرضة للمخاطر. كما يُعتبر مسح الميزانية الأُسَرِية الذي أُجرِيَ عام 2003 نقطة انطلاق ضرورية، وبالتالي ينبغي إجراؤه سنوياً واستخدامه من قبل السلطات الحكومية بصورة دورية خلال تخطيطها لسياساتها العامة.
  1. من الممكن وضع نظام اعانات لصالح الأُسَر المحتاجة، إذ يتوفر لدى الحكومة في الوقت الحاضر، المقومات اللازمة لصياغة مثل هذا النظام، حيث أنَه تم تخصيص نظام التوزيع المعمول به حالياً لدعم السلع الغذائية لكل أسرة في ليبيا. وفي هذه الحالة،، ينبغي مراجعة التعديلات الواجب ادخالها على هذه الشبكة قصد ضمان وصول الإعانات النقدية الى الفئة المستهدفة.
  1. تستدعي الضرورة وضع برامج تتعلق بتسريح وإعادة تدريب الموظفين العمومين ومستخدمي المؤسسات العامة حيث سيحتاج الموظفون الذين سيفصلون عن العمل نتيجة الإصلاح الوظيف العمومي    وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية إلى تلقي الدعم تسهيلاً لانتقالهم إلى وظائف أخرى في القطاع الخاص، مما سيستلزم إعادة تكوينهم لترقية قدرتهم على العمل في القطاع الخاص.
  1. ينبغي أن يؤخد بعين الإعتبار إصلاح نظام التقاعد ليتضمن تراكم المسؤوليات التصاعدية غير الممولة، وتحسين الكفاءة والإنصاف. يدفع “صندوق الضمان الاجتماعي” إعانات معتبرة نسبياً مقارنة بالمساهمات والاشتراكات وأعمار التقاعد المعمول بها في الوقت الحالي، الأمر الذي أدى إلى تراكم الديون على الصندوق التي بلغت 50 % من الناتج المحلي الإجمالي، كما أتر هذا النظام، بسبب عدم فعاليته، سلبا على اليد العاملة المعروضة في سوق العمل وعلى القرارات المتخدة بشأن الإدخارات.

VII. إدارة خيارات الإصلاح

  1. الإصلاحات الهيكلية متكاملة إلى حد بعيد: للقضاء على بعض العراقيل التي تواجه الإستثمار الخاص، ينبغي معالجة الأسباب الجوهرية لهذه العراقيل، كما توصي تجربة الدول السائرة في طريق التحول نحو اقتصاد السوق بضرورة متابعة إصلاحات سريعة على مختلف الجبهات مما يسمح بإعطاء مؤشرات إيجابية وذات مصداقية للمستثمرين.
  2. يجب الأخذ بعين الاعتبار التحديات التي تطرحها عملية الإصلاح لتحديد الأولويات ووضع استراتيجية محكمة لتنفيذها. من الصعب تحديد سلم الأولويات في برنامج الإصلاحات لأسباب عديدة فجميع النشاطات والأعمال تتَّسم بالأهمية، كما أن المتابعة الصحيحة لا تعتمد على المنافع المتوقَّع جنيها من كل عمل منها فحسب، بل تعتمد أيضاً على صعوبة التنفيذ، أضف إلى ذلك أن بعض الإصلاحات تعتبر من الناحية السياسية حساسة (كالخصخصة وخفض حجم العمالة العامة) مما يستلزم إرادة سياسية قوية. بينما تحتاج الإصلاحات الأخرى، لا سيَّما تلك المتعلقة بالمناخ الاستثماري والقطاع المالي والرعاية الاجتماعية إلى تعزيز قدرات الإدارة العامة، مع الأخد بعين الأعتبار جميع الأدوار التنظيمية الجديدة التي تقوم بها. وهكذا فإنَّ الإصلاحات ذات الأهمية المتوسطة قد تشكل أولوية قصوى إذا كانت سريعة وسهلة التنفيذ، في حين، قد تؤجلَ الإصلاحات الأخرى ذات الأهمية القصوى، إذا كانت ذات تكلفة عالية من حيث تعزيز القدرات الإدارية والرأسمال السياسي.
  1. لأجل تحقيق زخم لبرنامج الإصلاحات وترسيخ المصداقية، ينبغي على الحكومة الليبية انتهاج استراتيجية محكمة لتوفير مناخ اسنتثماري ملائم وتعزيز سياسات القطاع الاجتماعي وترقية إدارة المالية العامة. ثمة خيارات تتعلق بتنفيذ سلسلة من العمليات على المدى القصير (حتى 24 شهراً) بهدف إرسال إشارات إيجابية للمستثمرين وإحداث تغييرات جدرية وحاسمة في بيئة الأعمال. وفي هذا الإطار، يجب اُستكمال على المدى المتوسط (من سنتين إلى خمس سنوات)، خطة العمل التي تشكل جوهر برنامج الإصلاحات لرفع العراقيل الهيكلية والمؤسَّساتية. ومن الواضح أن الحكومة في وضع أفضل يسمح لها بتقييم برنامج الإصلاح المُقتَرَح، لا سيما في المجالات التي لاتتعارض مع الأهداف السياسية. ولكن تتابع تطبيق هذه الخيارات المرتبطة ببرنامج الإصلاح المقترح، قد يكون مفيدا في صياغة برنامج يؤخذ بعين الاعتبار. ويبرز الجدول التالي الخطوات الرئيسية في مثل هذا البرنامج وهو مستند على النتائج التحليلية التي خلص إليها هذا التقرير. وقد جرى استخلاص خيارات إصلاحية إضافية قد ترغب الحكومة فيها باعتبارها خيارات متمِّمة لبرنامج الإصلاح الأساسي، المعروض في نهاية كل فصل من فصول التقرير.

(*) سنعتمد، منذ الآن فصاعداً، اختصار [بلدان “مينا”] للدلالة على “بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” (MENA) –(المترجم).

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى