الدبلوماسية و المنظمات الدوليةنظرية العلاقات الدولية

الدبلوماسية في العصور الحديثة

ويمكن القول في البداية بان العصور الحديثة هي الفترة هي التي ظهرت فيها أهم مبادئ القانون الدولي العام وتمتد هذه الفترة من القرن السادس عشر وبعد معاهدة وستفالية لعام 1648 مسيحي و حتى الحرب العالمية الأولي .
شهدت العصور الحديثة تطورات مهمة في التاريخ الدبلوماسي مثل ظهور التمثيل الدبلوماسي الدائم وانعقاد المؤتمرات وقيام المنظمات الدولية وما نجم عنها من تطورات ايجابية في العمل الدبلوماسي . وعليه فان تناول الدبلوماسية في العصور الحديثة سيتم في هذا البحث من خلال تقسيمه إلي ثلاثة محاور رئيسية الأول منها يتناول تطور الدبلوماسية من بداية العصور الحديثة حتى مؤتمر فيينا عام 1815 م ، أما الثاني يختص بمرحلة تطور الدبلوماسية من مؤتمر فيينا عام 1815 م حتى الحرب العالمية الأولى ، والثالث يدرس تطور الدبلوماسية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى .
و لكن قبل التطرق إلي ذلك لابد من تحديد مفهوم مصطلح الدبلوماسية في العصور الحديثة.
مفهوم الدبلوماسية في العصور الحديثة:
تعددت الاجتهادات في تحديد تعريف الدبلوماسية الحديثة . واتفقت في مجملها علي عناصر رئيسية تشكل قوام الأسس التي ترتكز عليها كعلم متكامل تدخل في تشكيله قواعد القانون الدولي فيما يعرف بالنظام الدبلوماسي ، وأصول العلاقات الدولية ، والاقتصاد السياسي ، والاجتماع السياسي وكافة الأساليب الراقية في التعامل بين الدول من خلال المبعوثين الدبلوماسيين .
وقد تبلور في هذا الصدد مفهوم حديث للدبلوماسية يشمل كافة أساليب مباشرة العلاقات الخارجية في مختلف جوانبها علي اتساع المنظومة الدولية.
وهذا المفهوم الواسع هو الأقرب إلي واقع الحياة المعاصرة حيث تتخذ أساليب الاتصال والتفاعل اشكالاً متعددة تتعدي بكثير تلك التي كانت قاصرة في الماضي علي التعامل الثنائي من خلال المبعوثين الدبلوماسيين . وأصبحت هناك في ضل هذا المفهوم مسارات عدة للدبلوماسية أولها المسار الرسمي الذي يغطي سبل الاتصال والتفاوض والتفاعل بين الحكومات والدول علي مختلف الاصعدة ثنائية وإقليمية ودولية متعددة الإطراف .
وتمثل الدبلوماسية وسيلة للاتصال والتفاهم حول ما يعين من مسائل ذات اهتمام مشترك، أو لترتيب مصالح سياسية أو تجارية أو ثقافية. ويتسع هذا المفهوم ليسمح بدور ايجابي للرسول الدبلوماسي للقيام بمبادرات واقتراح السبل لتحسين العلاقات ، والتفاوض لتسوية المشاكل بتفويض صريح من حكومته وإبرام الاتفاقات نيابة عنها .
و يتمثل ثاني هذه المسارات في الإطار الأهلي غير الرسمي الذي تعاظم أهميته وتأثيره منذ مستهل التسعينيات ويغطي سبل الاتصال والتعاون بين المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني. ويتمثل ثالثها في مسار رجال الأعمال في القطاع الخاص والتعامل فيما بين الشركات الخاصة والمتعددة الجنسيات على اتساع العالم .
ويتمثل الرابع في مسار الاتصال والتفاعل بين الأفراد في المجالات الثقافية والتعليمية والفنية والرياضية والعلمية من خلال شبكة الانترنت وبرامج التبادل الطلابي وغيرها.
ويتمثل الخامس في مسار التعاون والتفاعل بين وسائل الإعلام من خلال برامج التعريف بالأخر في بؤر الصراعات الدولية والمحلية . وأصبحت هذه جميعاً تعرف حالياً بالدبلوماسية متعددة المسارات .
وقد تبلور في الولايات المتحدة مفهوم إضافي يجمع بين بعض هذه المسارات يعرف بالدبلوماسية العامة وتستهدف في الأساس تحسين صورة الولايات المتحدة في الدول الأجنبية، وكسب التأييد لسياساتها، ومواجهة الحملات المعارضة. ويتم ذلك من خلال تنمية الاتصال والتعاون وأحيانا التمويل لوسائل الأعلام المقروءة والمسموعة والمرئية و الأحزاب والجماعات العرقية والدينية والفكرية والنخب وعناصر الشباب المتميزة والواعدة.
وهذه الدبلوماسية رسمية في تخطيطها وتمويلها . ويتم مباشرتها اساساً من خلال وكالة الاستعلامات الأمريكية . وعلى الرغم من الطابع الرسمي لتوجيهها وتمويلها إلا أنها شاملة في نشاطها حيث تستهدف مؤسسات الإعلام والمراكز البحثية والجمعيات الأهلية والجامعات والنقابات المهنية والأحزاب بل والأفراد . ومن ثم فهي تتخطى قيود الممارسة الدبلوماسية الرسمية التقليدية.
ونري إن بعض الخلط قد شاب الفهم العام لمداولات الدبلوماسية بسبب الاستخدام الواسع للكلمة لعني جملة أمور قد تمت بصلة غير مباشرة لجوهر معناها أحيانا ، وقد تمثل هذا الجوهر في أحيان أخري . وهي تطلق احياناً كصفة للشخص الذي يتسم في علاقاته الاجتماعية بالكياسة واللباقة وحسن التصرف ، والذكاء ، والمرونة ، والتحفظ مع الكتمان والقدرة علي التوثيق والمواءمة . وهذه في مجملها تمثل صفات يفترض توفرها في المبعوث الدبلوماسي الناجح ،غير أنها لا تنهض في حد ذاتها تعريفاً للدبلوماسية ويطلق احياناً وصف الدبلوماسية علي التسوية السلمية للمنازعات وهي من جوانب العمل الدبلوماسي من خلال التفاوض . على إن أكثر الخلط يدور حول عدم التمييز مابين السياسة الخارجية والدبلوماسية. و ربما كان جانب منه يعود إلى اعتبار الجهاز الدبلوماسي لدولة ما والذي يقف على رأسه وزير الخارجية هو حسب التصور العام المحدد لتوجه الخارجي للدولة.
وواقع الأمر إن مفهوم السياسة الخارجية اشمل بكثير حيث يستند إلي تقرير الدولة لمصالحها ومقتضيات أمنها القومي تكتيكياً واستراتيجياً في حركتها الخارجية . وتتداخل في ذلك عوامل كثيرة أبرزها تقدير الدولة لعوامل قوتها الفعلية والمفترضة، ومدي استعدادها لاستثمار هذه العوامل، وتأثير تراثها الثقافي والديني والحضاري وموقعها الجغرافي، وطبيعة علاقات القوة بينها وبين مختلف القوى الأخرى الفاعلة إقليميا ودولياً. ويتم رسماً لهذا التصور على أعلى مستوى لصنع القرار في الدولة. و تشارك فيه كافة أجهزتها من عسكرية وأمنية واقتصادية فضلاً عن مراكز البحوث ودعم القرار.
ويكون للدبلوماسية دورها في توفير المعلومات والتحليلات في مرحلة إعداد هذا التصور أو تعديله من قبل المرجع العليا ، وفي تنفيذ ما يتم الاستقرار عليه من توجهات سياسية خارجية . فهي بذلك تساهم بدور مسعد في عملية الإعداد, وبدور فاعل في عملية التنفيذ. و تتأثر عملية رسم السياسة الخارجة بخصوصية وضع الدولة ومصالحها وتراثها الديني والحضاري, بينما تتقيد الدبلوماسية بما استقر من أنماط من العرف الدولي على صعيد الممارسة.
المبحث ألأول : تطور الدبلوماسية من القرن الخامس عشر إلى مؤتمر فيينا لسنة 1815 م .
المبحث الثاني : تطور الدبلوماسية من مؤتمر فيينا لسنة 1815م إلى الحرب العالمية الأولى .
المبحث الثالث: تطور الدبلوماسية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى.
المبحث ألأول : تطور الدبلوماسية من القرن الخامس عشر إلى مؤتمر فيينا لسنة 1815 م .
يتفق الباحثون في المجال الدبلوماسي علي إن الدبلوماسية في العصور الحديثة امتازت عما سبقها من عصور، بصفة التمثيل الدائم الذي ظهر بصورة تدرجية ومتنامية، نتيجة للتطور الذي حصل لمعطيات المجتمع الدولي علي كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية.
ولكن إلي اى تاريخ تعود بداية التمثيل الدبلوماسي الدائم ؟
يتفق الباحثون علي أن بدياية ممارسة التمثيل الدبلوماسي الدائم كانت قد ظهرت في الجمهوريات الايطالية في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي . بيد أنهم يختلفون في التحديد الدقيق لهذه البداية من حيث الزمن والمكان.
ويلخص احد الباحثين هذا الاختلاف بقوله – (… رغم أن الفقهاء والكتاب متفقون علي إن السفارات الدائمة ظهرت أول ما ظهرت في دويلات وجمهوريات سبه الجزيرة الايطالية ، إلا أنهم قد اختلفوا في تحديد أي من هذه الدويلات بالذات قد حازت أولوية السبق في إرسال أول سفارة دائمة . فذهب ( هارولد نكل سون ) إلى أن أول سفارة دائمة بمفهوم العصر الحديث هي تلك التي أوفدها دوق ميلانو عام 1450 م إلي ( كوزيمو دي مدتشي ) ويشاطر نيكلسون الرأي بان ميلانو هي أول من إنشاء سفارة دائمة غير انه يرجع تاريخ بداية البعثات التي أنشأتها هذه الجمهورية إلى سنة 1446 م . ومن الفقهاء من يري إن أول بعثة دبلوماسية مقيمة هي سفارة البندقية في جنوا …. سنة 1455 ) ( )
ولم تقتصر الدويلات الايطالية علي التمثيل الدبلوماسي فيما بينها فحسب ، بل أوفدت بعثاتها الدبلوماسية إلى خارج شبه الجزيرة الايطالية ، فكان لأغلب تلك الدويلات سفارات دائمة في انجلترا وفرنسا واسبانيا .
وبدا نظام التمثيل الدبلوماسي الدائم ، الذي أخذت به الدويلات الايطالية ، ينتشر بصورة تدريجية إلى بقية دول اروبا . فقد أوفدت اسبانيا أول سفير لها إلى انجلترا في عام 1487 . وفي عام 1500 أقيمت أول سفارة بين البندقية وتركيا. وفي عام 1519 بعثت انجلترا سفيرين لها إلى باريس . ( )
وفي عام 1520 أبرمت معاهدة بين انجلترا وألمانيا بخصوص تبادل التمثيل الدبلوماسي الدائم ، ثم أخذت دول أوروبية أخري بتبادل السفارات الدائمة فيما بينها كاسبانيا والبرتغال وفرنسا وغيرها .
ولقد كان لمؤتمر وستفاليا عام 1648 م الذي أنها الحرب الثلاثينية بين دول اروبا ، اثر واضح في تاريخ تطور الممارسة الدبلوماسية ، وذلك بالنظر إلى النتائج التي أسفرت عنه والتي من بينها ما يلي :1
1 – إن مؤتمر وستفاليا لسنة 1648 يعتبر فاتحة لما سمي فيما بعد ( بالدبلوماسية الجماعية ) أو دبلوماسية المؤتمرات فهو أول اجتماع عقد بين الملوك و الآمراء في هيئة مؤتمر.
2 – اقر هذا المؤتمر نظام إحلال البعثات الدبلوماسية الدائمة محل البعثات الدبلوماسية المؤقتة . وعلى الرغم من وجود بعثات دبلوماسية دائمة قبل هذا المؤتمر – كما تمت الإشارة سلفاً – فان هذا النظام – نظام التمثيل الدبلوماسي الدائم – لم يستقر بصورة واسعة في اروبا إلا بعد مؤتمر وستفاليا .
3 – كذلك فان فكرة أو سياسة التوازن الاروبي التي جاء بها هذا المؤتمر ، كأساس للمحافظة علي السلم وظمآن الاستقرار ، شجعت الدول علي الأخذ بنظام البعثات الدبلوماسية الدائمة .
وقد تميزت الدبلوماسية في هذه المرحلة بمجموعة من الخصائص أهمها ما يلي :
1 – التأثر ببعض الأفكار التي ظهرت في تلك الفترة. ومن ذلك تأثرها بأفكار ( ميكيافللي ) الذي يرى أن مصلحة الدولة فوق كل الاعتبارات ، وبالتالي يجب العمل على تحقيق أهدافها بكل الوسائل والأساليب بما فيها الأساليب اللا أخلاقية كالخداع والمكر وبث الدسائس والفتن . فهو يري ان الغاية تبرر الوسيلة ، والدبلوماسية عنده ليست سوى كلمة رقيقة تخفي وراءها شريعة الغاب .
ولذلك كان المبعوث الدبلوماسي لا يتردد عن القيام بأعمال التجسس والتغلغل في الأوساط السياسية وحبك المؤامرات.
2 – كان ينظر إلى المبعوثين الدبلوماسيين في تلك الفترة علي أنهم ممثلون شخصيون لمرسليهم من الملوك والأمراء وليسوا ممثلين عن دولهم . ويرجع ذلك إلى الأهمية التي كان يحضى بها الملوك والحكام . ( )
ويستدل بعض الباحثين على ذلك بالعبارة الشهيرة التي جاءت على لسان إمبراطور فرنسا لويس الرابع عشر بقوله ( الدولة هي انا ) .
3 – كان المبعوثون الدبلوماسيون ، في الفترة التي سبقت مؤتمر فيينا ، يصنفون في درجة واحدة ، الأمر الذي كان يثير الكثير من النزاعات بسبب إشكالية الصدارة أو أسبقية الممثلين الدبلوماسيين . ومن الأمثلة علي ذلك يمكن ذكر ما وقع بين سفير فرنسا وسفير اسبانيا في لندن عام 1661 من مشادة عندما حاولت عربة السفير الاسباني اجتياز عربة السفير الفرنسي ، مما أدي إلي توتر العلاقات بين البلدين ( اسبانيا وفرنسا ) ، إلى جانب إعلان لويس الرابع عشر تهديده بشن الحرب على اسبانيا ما لم يعترف فيليب ملك اسبانيا – آنذاك – بأسبقية سفير فرنسا . وفعلاً لم تهدا الأمور إلا بعد أن استدعى ملك اسبانيا سفيرهم من لندن و أرسل سفير فوق العادة إلى فرنسا للاعتراف العلني بأسبقية السفير الفرنسي .( )
إن مثل هذه النزاعات التي تنشب من حين إلى أخر ، في ذلك الوقت ، كانت تعنى في واقع الأمر ، أن حصانات المبعوثين الدبلوماسيين كانت متعرضة للانتهاك وغير مصونة بشكل رسمي .
– المبحث الثاني :تطور الدبلوماسية من مؤتمر فيينا لسنة 1815م إلى الحرب العالمية الأولى:
لقد شكل مؤتمر فيينا لسنة 1815 نقطة تحول ايجابي في تاريخ تطور الممارسة الدبلوماسية . فهذا المؤتمر انبثقت عنه معاهدة فيينا لنفس العام ، والتي بلورة التعامل القائم ونظمت قضايا الأسبقية وترتيب درجات المبعوثين الدبلوماسيين التي كانت مصدر للنزاعات التي نشبت في السابق .
ولقد رتبت لائحة فيينا رؤساء البعثات الدبلوماسية في فئات ثلاث تبعاً لدرجتهم وبصرف النظر عن مركز الدولة الموفدة لهم ، ونصت على أن تتقدم كل فئة الفئة التي تليها ، وعلى أن يكون الترتيب بين مبعوثي الفئة الواحدة على أساس الاقدامية وتشمل هذه الفئات الثلاث التالي( ) :
1 – السفراء ومبعوثي البابا .
2 – الوزراء المفوضين ومن في حكمهم .
3 – القائمون بالإعمال.
وفي بروتوكول ( اكس لاشابل ) أضيفت فئة رابعة للفئات الثلاث السابقة وهي فئة الوزراء المقيمين علي أن يكون مكانها في الترتيب تالياً للوزراء المفوضين وسابقاً على القائمين بالأعمال .
وهكذا فأن مؤتمر فيينا لسنة 1815 كان له تأثير ايجابي في تاريخ تطور الدبلوماسية ، حيث أضحت الدبلوماسية تتسم بنوع من التنظيم والتقنين أضفى عليها طابع الاستقرار والوضوح في جوانب عديدة من المسائل المهمة كمسالة ترتيب الأسبقية بين المبعوثين الدبلوماسيين وغيرها.
ويمكن تلخيص الخصائص التي اتصفت بها الدبلوماسية في هذه المرحلة فيما يلي :
1 – إن المبعوثين الدبلوماسيين أصبحوا يمثلون دولهم بعد أن كانوا في السابق يمثلون ملوك ورؤساء هذه الدول بصورة شخصية .
2 – أصبحت البعثات الدبلوماسية أجهزة رسمية تتبع الجهاز الإداري للدولة ، واضحي الدبلوماسيون موظفين رسميين في الدولة ينتمون ادارياً إلى المؤسسة المختصة بإدارة الشؤون الخارجية.
3 – اتسمت الدبلوماسية في هذه المرحلة بالسرية وانحصارها في فئة ضيقة من مسؤولي الدولة تتمثل في صناع القرار السياسي بالدرجة الأولى .
4 – كان النشاط الدبلوماسي ضيق النطاق ، إلي حد كبير ، حيث كان شبه مقتصر على القارة الاروبية التي كانت تمثل مركز الثقل الدولي في ذلك الوقت .
5 – تمتع المبعوث الدبلوماسي بقدر كبير من حرية التصرف فيما يتعلق بمهامه في الدولة الموفد إليها ، وذلك نظراً لقلة وسائل الاتصال والمواصلات التي حالت دون مراقبة الدولة الموفدة لمبعوثيها والاتصال بهم من حين إلي أخر مثلما هو الحال عليه ألان .
6 – تهميش دور الرأي العام ، حيث كانت الحكومات لم تول الرأي العام أي اهتمام آو اعتبار ، ولم تكن على درجة من التأثر بضغوطاته .
– المبحث الثالث: تطور الدبلوماسية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى:
شهدت الدبلوماسية في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولي جملة من التطورات الايجابية التي ميزتها عما كانت عليه في المراحل السابقة ، ولذلك أصبحت تعرف بعد هذه المرحلة بالدبلوماسية المعاصرة تمييزاً لها عما كانت عليه في السابق .
ولاشك في إن النمط التقليدي للدبلوماسية ، الذي كان سائد قبل الحرب العالمية الأولي ، يختلف اختلافا كبيراً عن النمط المعاصر. فالدبلوماسية التقليدية كانت تتسم بالسرية في معظم جوانبها ، كما أنها كانت محدودة النطاق . وقد استمرت هذه الدبلوماسية حتي نهاية الحرب العالمية الأولي حيث بدأت تتحول وتتغير تحت تأثير جملة من العوامل أهمها مايلي :
1 – ازدياد قوة الرأي العام العالمي والإحساس الشعبي الواسع الانتشار بان الدبلوماسية السرية قد سببت في قيام العديد من الحروب.
2 – التغيرات السياسية والاجتماعية الواسعة المدى التي أخذت تظهر في العالم نتيجة للتغيرات والتطورات التي حدثت في المجتمع الدولي، سواء علي صعيد أنظمة الحكم أو على صعيد العلاقات الدولية ، وذلك بسبب التقدم العلمي وانتشار وسائل الإعلام ووسائل الاتصال والمواصلات .
3 – تدهورالنفوذ النسبي للدول الأوروبية في العلاقات الدولية، وظهور قوي سياسية جديدة لها اتجاهات مغايرة للاتجاهات التي كانت سائدة في الدبلوماسية الأوروبية.
4 – نمو روح المصالح المشتركة بين الأمم .
5 – قيام الثورة الروسية في أكتوبر عام 1917 م ، وكشف قادتها للالتزامات السرية للحكومة القيصرية ، وإعلانهم رفض هذه الالتزامات .( )
6 – إعلان الرئيس الأمريكي الأسبق ( وودرو ويلسون ) لمبادئه الأربعة عشر في 8 يناير 1918 والتي تضمنت ، في جملة ما تضمنته الدعوة إلي انتهاج الدبلوماسية العلنية ، فقد جاء في إحدى تلك النقاط قوله ( تعقد اتفاقات الصلح بصورة مكشوفة ، ولن تقوم بعدها اتفاقات دولية خاصة مهما كان نوعها . كما إن الدبلوماسية ستجري دائماً بصراحة وعلانية ). ( )
وقد تأكد هذا المبدأ في المادة 18 من ميثاق عصبة الأمم المتحدة والمادة 102 من ميثاق هيئة الأمم ، حيث نصت هذه المادة علي إن ( كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة ، بعد العمل بهذا الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وان تقوم بنشره في أسرع ما يمكن ) .( )
بانتهاء الحرب العالمية قيام منظمة الأمم المتحدة سنة 1945 شهدت الدبلوماسية بعض التطورات على الصعيد التنظيمي بفضل جهود الأمم المتحدة ، ففي 5 ديسمبر 1952 أصدرت الجمعية العامة قرار دعت فيه لجنة القانون الدولي إلي العمل على تقنين موضوع العلاقات والحصانات الدبلوماسية وإعطائه أولوية على سائر الموضوعات الأخرى .
وعلى اثر ذلك باشرت لجنة القانون الدولي أعمالها في عام 1954 م. وبعد أن قدمت هذه اللجنة مشروعها وتم إبداء الملاحظات والتعليق عليه من طرف الدول الأعضاء ، قامت هذه اللجنة أيضا بتعديل المشروع بما يتلاءم وتلك الملاحظات وقدمته كمشروع نهائي إلي الجمعية العامة التي أصدرت بدورها قرار في ديسمبر 1958 م يدعو الدول الأعضاء لإبداء ملاحظاتهم في ذلك المشروع

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى