دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

السعودية و إسرائيل … قراءات و سيناريوهات

frgl
بقلم سيف الدين
أعلن الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” عن إتفاق سلام بين إسرائيل و الإمارات في 13 أوت الماضي ، وقتها صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي ” بنيامين نتنياهو ” أن هناك دولا أخرى ستتبع نهج الإمارات و ستعقد معنا إتفاق سلام.
و بعد شهر من ذلك لحقت مملكة البحرين في 15 سبمتبر بالدول التي ستعقد إتفاق سلام و سترسّم علاقاتها الدبلوماسية و مختلف المجالات مع إسرائيل و لحقت بهما السودان صاحبة اللاءات الثلاث : لا للسلام لا للمفاوضات لا للإعتراف في 23 أكتوبر الفارط فقط .
حينها صرّح الرئيس الأمريكي من واشنطن أن هناك دولتين فقط من أدانتا هذا الأمر هي تركيا و إيران ، وتوجد 5 أو 6 دول أخرى ستعلن عن عقد إتفاق السلام و ترسيم علاقاتها لاحقا ، و ذلك من أجل زيادة حظوظه في الإنتخابات المقبلة من جهة و زيادة رصيده السياسي و تخليد إسمه كصانع للسلام في الشرق الأوسط الذي حقق ما عجز عنه الرؤساء الذين سبقوه ،
فهي كلها إعتبارات ترامبية { إن صحّت المفردة } بالدرجة الأولى و إسرائيلية من جهة ثانية والتي تتمثل أهميتها في إعطاء الشرعية لدولة إسرائيل في المنطقة من طرف جيرانها و فك العزلة الدولية عنها و الظهور بمظهر الدولة المسالمة و الصديقة و المحبة للسلام
في خضم هذا الأمر سرّبت بعض وسائل الإعلام و الصحف الإسرائيلية أن هناك عدة دول أخرى ستلتحق بالسابقين فكشفت عن سلطنة عمان و المملكة المغربية و دولة قطر و اليمن و دول إسلامية أخرى مثل ماليزيا و أندنوسيا و أن المملكة العربية السعودية قد تكون آخر من يلتحق بالركب ..
إذن موقف المملكة العربية اسعودية هي محور هذا المقال : فما موقف السعودية من هذا الإتفاق إذن ؟؟
في سبيل محاولة معرفة هذا الأمر نعود قليلا إلى عام 2015 و تولي الملك سلمان للحكم في المملكة و محاولة منه لحلحلة المشكل مع إسرائيل
و مازاد الأمر تأكيدا هو تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد عام 2017 ، وملخص الموقف العام في السعودية هي شعورهم أن واشنطن تريد رفع قواتها عن الشرق الأوسط و التوجه للتمركز نحو الشرق نحو الصين و روسيا ، وكذا عدم إرتياحهم من سلوكيات و سياسات إيران و من حلفائها في المنطقة ، إضافة إلى صراع المملكة العربية السعودية مع تركيا حول قيادة العالم الإسلامي … كلها أسباب التي دفعت بهم للتوجّه نحو تل أبيب و طلب حمايتها خاصة ضد إيران
فمن بين إشارات التقرّب من إسرائيل هي زيارة اللواء المتقاعد ” أنور عشقي ” إلى تل أبيب و لقائه بمسؤولين إسرائليين ، و أيضا وجود صحيفة ” إيلاف ” الالكترونية السعودية التي تقوم باستضافة عدد من المسؤولين الإسرائليين لأول مرة في الإعلام السعودي بداية من 2017
و الملفت للإنتباه هو موقف السعودية المرحب به من توقيع الإمارات و البحرين و السودان من اتفاق السلام و خاصة البحرين كونها الحديقة الخلفية للسعودية ، وهي لا يمكن أن تسمح لها إذا لم تكن موافقة أصلا و أنها تبارك هذه الخطوة ، { هنا يمكن أن نتذكر موقف السعودية الرافض و القوي عندما إندلعت ثورة الاحتجاجات في البحرين عام 2011 كيف تصرّفت }
و أيضا السماح مؤخرا بفتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية التي المتوجهة إلى أبوظبي ، وبعض تصريحات المسؤولين المقربين من ترامب مثل وزير الخارجية ” مايك بومبيو ” و مستشاره ” جاريد كوشنر ” باليقين أن السعودية ستلحق بركب التطبيع لا محالة
ومن جهة أخرى نجد أن وزير الخارجية السعودي أعلن يوم 19 أوت في برلين أن موقف بلاده لم يتغيّر و أنه يرفض التطبيع مع إسرائيل قبل التسوية الكاملة و قيام دولة فلسطينية و عاضمتها القدس الشرقية …
و تصريح آخر لرئيس المخابرات السعودية الأسبق و سفيرها السابق في واشنطن ” الأمير تركي الفيصل ” في صحيفة الشرق الأوسط قائلا : أن كل دولة عربية ترغب في التطبيع مع إسرائيل التي لم تحدد ثمنا ، وأن السعودية اختارت أن يكون هذا الثمن هو قيام دولة فلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية …
إذن بين الموقف الرسمي المعلن عنه و الإشارات المتتالية للتقرّب من إسرائيل أصبح الأمر أكثر ضبابية و عدم وضوح الموقف النهائي من التطبيع
في الواقع !!!
عند الإعتماد على تصريحات المسؤولين الأمريكيين على إمكانة قيام المملكة السعودية بالتطبيع و الموقف الرسمي للمسؤولين السعوديين نجد أن هناك تيارين داخل مراكز صنع القرار في السعودية
فحسب تسريب لصحيفة ” وول ستريت جورنال ” عن وجود جدال محتدم بين تيار يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان و الذي يرغب في التطبيع مع إسرائيل و تيار آخر يقوده الملك سلمان و يسمى بالحرس القديم و الذي يرفض التطبيع إلا وفق مخرجات المبادرة العربية لسنة 2002
و يعود عدم وضوح موقف المملكة السعودية من التطبيع إلى الصراع بين هاذين التيارين و الذي إستطاع الملك سلمان حسمه في عدة مناسبات سابقة :
نذكر منها مثلا : عند إعلان واشنطن عن صفقة القرن و نقل سفارتها إلى القدس و تسريبات لبعض الصحافة الغربية مفادها أن ولي العهد السعودي بارك هذه الخطوة و أنه يقوم بالضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بهذه الصفقة … بعدها خرج الملك سلمان في أفريل 2018 و أعلن عن لقاء القمة العربية رقم 29 و سمّاها ” قمّة القدس ” و أعلن في كلمته : على موقف السعودية من صفقة القرن و رفضه لتهويد القدس و مصرّ على دعم حقوق الفلسطينيين …
إذن يتّضح لنا أننا أمام تيارين يصعب التكهن من الطرف الذي سيقوم بتمرير مشروعه و تحقيق أجنداته مع الأخذ بعين الإعتبار الشعب السعودي و الظروف التي تمر بها المملكة مؤخرا خاصة من الجانب الإقتصادي نتيجة لإنخفاض أسعار البترول و مخلفات فيروس كورونا و الحرب المستمرة في اليمن …
إضافة على أنها تقدم نفسها زعيمة العالم السنّي وأيضا الصراع المتواصل مع تركيا حول قيادة العالم الإسلامي
نستنتج أن الوضع في الداخل أنه في حالة تغلّب التيار الموالي للتطبيع مع إسرائيل أنها ستفتح على نفسها عدة جبهات تشكيكية من دول أخرى مثل تركيا و قطر و حتى إيران التي أصلا تشكك في المكانة الدينية للمملكة العربية السعودية .. وستضرر مكانتها و قيمتها سنيّا و عربيا و إسلاميا و انها ستكون مجرد ألعوبة في يد الأمريكان و الصهيونية العالمية
أو إنتصار التيار الثاني { الحرس القديم } بقيادة الملك سلمان و رفضها لكل أشكال التطبيع و ترسيم لأي علاقات في ظل عدم قيام دولة فلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية
أما الوضع في الخارج فيشير إلى الضغوطات الأمريكية المستمرة و إمكانية إقناعهم بالتطبيع ….
كل هذا يقودني إلى طرح مزيد من التساؤلات :
هل ممكن أن تحقق هذه الجهود إلى تحقيق التطبيع في عهد الملك سلمان ؟؟ أم سيحدث هذا إذا إستقر الوضع لولي العهد الأمير محمد بن سلمان فيما بعد ؟؟
بعد كل هذه التطورات و التغيرات الحاصلة و السيناريوهات المحتملة يصعب التكهن بالموقف الأخير للمملكة في إمكانية التطبيع من عدمه …
و ذلك في إنتظار الأيام و الشهور لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى