دراسات سياسية

الأيديولوجيات وعلم الحركة السياسية والديناميكا السياسية

Ideologies and the Science of Behavioral & Political  Dynamic

الأستاذ الدكتور كمال محمد محمد الأسطل

الأيديولوجية  تتقاطع مع علم الحركة السياسية؟ حيث أن الأيديولوجية تقدم تصور عن أدوات التغيير الحركية للأنتقال من الواقع “الراهن” السيء” إلى الواقع “اللأفضل المنشود” . والأيديولوجيات كما سبق وأن ذكرنا في غير هذا الموضع في تصورنا نستطيع أن نعرفها بأنها تلك المجموعة من الأفكار والمبادئ والقيم المرتبطة بتصور العالم السياسي عندما تصل إلى درجة معينة من الترابط والتماسك مع تقديم أدوات الحركة الصالحة للانتقال بالمجتمع السياسي من الوضع الحاضر إلى ذلك النموذج المثالي التي تدور حوله عملية البناء الأيديولوجي.

السلوك الإنساني هو الوحدة النهائية الميكروكوزمية Microcosm  ولكن خلف السلوك وكإطار للسلوك تبرز وحدة أخرى ديناميكية  حركية Dynamicاكثر اتساعا وهي الموقف. الفارق الحقيقي بين العلوم الإجتماعية في تقاليدها السابقة على القرن العشرين والعلوم السلوكية في تقاليدها المعاصرة ينبع أساسا من ديناميكية التحليل. والديناميكية  Dynamicsتعني الموقف أ ي تعني المشكلة وقد تحددت مكانا وزمانا وموضوعا وأضحى على الفرد أو الجماعة أن يواجهها بقصد التخلص مما تفرضه من تأزم او تخطي ما تقود إليه من نتائج بشكل أو بآخر.

مواقف تقود إلى سلوك حركي أو فعلي أو قولي أو غير ذلك بحيث يصير السلوك  الحركي في حقيقة الأمر رد فعل للموقف ومقدمة لموقف جديد. تتابع بين موقف وسلوك كل منهما يقود إلى الآخر ويقدم للآخر هذه العلاقة الثابتة تفرضها طبيعة التعامل بين الفرد وبيئته، الفرد، الحقيقة البشرية الحية، البيئة: الإطار الإجتماعي الطبيعي الذي لابد وأن تصطدم به إرادة الفرد في انطلاقاتها الحركية، فتسعى إلى أن تتعامل معها بأسلوب او بأخر، هذا التعامل لا يعدو أن يكون تفاعلا بالتأثير والتأثر بشكل أو بآخر هو جوهر العملية السلوكية الحركية الديناميكية. نكرر أن الثابت في السياسة هو المتغير

بهذا تصير العلوم السلوكية مرادفا لكلمة العلوم الإجتماعية وقد اضحت وحدات التحليل تتمركز حول عناصر ثلاث كل منهما يكمل الآخر: موقف ، سلوك، تفاعل. العلوم السلوكية  الحركية بعبارة أخرى هي العلوم الإجتماعية من منظور مختلف عن النظرة التقليدية وابتداء من منهاجية متميزة بحيث يمكن القول بان العلوم السلوكية تجمع وتجزيء في آن واحد: تجمع الثقافات الإجتماعية في بوتقة واحدة ولكنها تأخذ من كل فرع من فروع العلوم الإجتماعية بذلك القسط الذي يدور حول وحدة التحليل.

عناصر المفهوم الأيديويولوجي وعلم الحركة السياسية وعلم الديناميكا السياسية  Political  Dynamic والهندسة السياسية Political Engineering  والفيزياء السياسية Political Physics

 المفهوم الأيديولوجي يفترض العناصر الأربع التالية :

  1.    صورة معينة للمثالية السياسية ، نموذج واضح المعالم للخصائص التي تعبر عن خير النظم السياسية والإقتصادية والأجتماعية التي تستطيع أن تحقق للفرد سعادته في الحياة المدنية .
  2.    الأيديولوجية تفترض تفسيراً للتطور السياسي في مختلف مراحلة الماضية والحاضرة ووالمستقبلية وتصوراً للعلاقة بين المواطن والسلطة وكل ما ارتفعت إلي حد الكمال بمعنى الترابط والتماسك أي بمعنى تقديم إجابة على جميع الاستفهامات أو أغلبها التي يصادفها ويرتطم بها الواقع السياسي على مستوى الفرد ومستوى الجماعة ، فإن الأيديولوجية تكون أكثر تعبيراً عن مستوى الكمال . وتصور عن العلاقة بين الفرد والمجتمع والكون والوجود.
  3.    الأيديولوجية رغم وضعها أنها حقيقة سياسية إلا أنها في الواقع تعني فلسفة للوجود والحركة . هي تفسير للتطورات السياسية وإعلان عن إيجابية معينة إزاء الوظيفة الحضارية  Civilizing Mission بجميع معانيها .وهي لذلك في حقيقتها مجموعة من القيم تفترض وتنبع من مفهوم التنظيم التصاعدي لتلك القيم . وهي ليست فقط قيم فردية أو قيم جماعية . إنها أداة من أدوات الربط بين القيم الفردية والقيم الجماعية .
  4.    أهم ما يميز الأيديولوجية هو الطابع العملي  أي الطابع الحركي  الديناميكي بمعنى تقديم أدوات الصراع والكفاح السياسية في سبيل الانتقال من الفكر المجرد إلي المتابعة العملية ، ومن التصور والنظرية إلي التطبيق ، من المثالية والخيال إلي المواجهة مع ما تعنيه من التزام والحركية مع ما تفرضه من مغامرة .

 مقدمة: التعريف بالحركة

يطرح العلامة حامد ربيع التساؤل التالي: ما المقصود بالحركة وما الذي يجب أن يفهم من كلمة علم الحركة؟ ونحن نعتبر أن أستاذنا المرحوم العلامة حامد ربيع مؤسسا لعلم الحركة في علم السياسة. (الأسطل، كمال، علم الحركة السياسية، 2012، www.k-astal.com)

إن الحركة Movement, Dynamics في أوسع معانيها  لا تعدو أن تكون مرادفا لكلمة السلوك Behavior. بهذا المعنى تعرف الحركة بأنها قوةة Force  تحدث أثرا Effect . حركة الريح في أشرعة القوارب هي تعبير عن هذا المفهوم. إنها قوة تؤدي إلى انتفاخ الشراع ثم تدفع القارب للحركة. بهذا المعنى أيضا يقال أن الإنسان يتصرف ويتحرك أي يضع موضع التنفيذ من خلال النشاط الإيجابي خطة معينة بقصد الوصول إلى هدف معين. وهكذا نجد ان الحركة في أوسع معانيها تتناقض مع فكرة التأملMeditation وتفرض مفهوم البرنامج Program  بما يعنيه من التحرك والسعي نحو اهداف Goals  معينة.

  هذا هو المعنى العام لكلمة الحركة.

خصائص الحركة Characteristics of Dynamics/Movement

الحركة بهذا المعنى، قد تكون فردية وقد تكون جماعية، وقد تكون محددة من حيث الزمان ومن حيث المكان، وقد تكون اكثر إتساعا من حيث الزمان والمكان ولكنها دائما تعني خصائص معينة:

أولا:   الحركة تعبير عن فيضان : الحركة تعني فيضان لمصدر الحركة في الإطار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يتفاعل معه ويتفاعل به. إن الإنطوائية-سواء على مستوى الدولة او مستوى الفرد او على أي مستوى- لا يمكن ان تعبر عن الحركة، وكلك التقوقع الاجتماعي والسياسي في الذات الوطنية أو القومية لا يمكن أن يعبر إلا عن الجمود على عكس المفهوم العلمي لكلمة الحركة.

ثانيا:  وجود أهداف للحركة: إن الحركة تعني اهداف. وسواء كانت هذه الهداف تعبير عن مخطط او مجرد غايات، وساء كانت هذه الهداف تعبير عن مخطط أو مجرد غايات، وساء كانت هذه الأهداف مؤقتة أو دائمة، مباشرة او غير مباشرة، فهي تمثل نقطة الانطلاق من جانب وخاتمة الحركة من جانب آخر. إن الشخص الذي يشعر بالجوع( نفسي، غذائي، جنسي) فيسعى لأن يشبع هذه الغريزة إنما ينبعث في حركته من هذا المتغير وهذا الهدف الذي يمثل في نفس الوقت الغاية من الحركة التي عندما تتحقق تسمح باسترخاء. أهداف وغايات تمثل إطارا عاما يستتر خلف الحركة كمقدمة وخاتمة في آن واحد. بطبيعة الحال هذه الأهداف لها تنوعها ولها تدرجها. ولكنها دائما لابد وان تتشكل خلال الحركة ذاتها. بمعنى انها تتأثر اتساعا وضيقا. تبديلا أو تغييرا، تبع لمسارات الحركة.

ثالثا:  وجود أدوات للحركة: إن الحركة تعني أيضا أدوات أي عناصر معينة مستقلة أو غير مستقلة عن مصدر الحركة، ولكن الوجود البشري فردي أم جماعي يستغلها من خلال تطويعها نحو اهدافه التي يسعى إلى تحقيقها عقب أقلمته مع افطار الاجتماعي السياسي والاقتصادي المحلي والإقليمي والدولي.. الذي يتفاعل به ومنة خلاله لتحقيق أهداف الحركة.  هذه الأدوات قد تكون مساندة من جانب الآخرين ، وقد تكون مناهج ذاتية، وقد تكون قدرات شخصية، وقد تكون ظروف مختلفة لا إرادة لمصدر الحركة في خلقها، ولكن ذلك المصدر كان او يكون على قدرة على استغلالها وقد تحددت الحركة مكانا وزمانا وموضوعا.

رابعا: الحركة ترتبط بآثار ونتائج:  كذلك كل حركة لها أثارها ولها نتائجها. إن الحركة تعني التدخل بالإرادة الواعية أو اللاشعورية لخق نوع من التغيير الذي ينتمي إليه مصدر الحركة. هذه الحقيقة أيضا واضحة حتى في أكثر انواع السلوك الغرائزي شيوعا وتداولا. وهنا يقدم العلامة حامد ربيع مثالا بطرح تساؤلات: ما الذي يعنيه السلوك الجنسي على سبيل المثال؟ إنه التقاء بين جسدين في تعامل أساسه السيطرة والتحكم من جانب أحد الجسدين في الآخر. أليس هذا يعني تغيير في إطار الوضع السابق على ذلك التعامل الجسدي؟

إذن هناك آثار للسلوك أي للحركة وهذه الآثار أو النتائج تنقسم إلى نوعين، بعضها مقصود وبعضها غير مقصود وغير مباشر. وإذا كانت الولى وحدها هي التي تتحكم في انطلاق الحقيقة البشرية فإن هذا لا يعني أن الأخرى لا يجوز ان ندخلها موضع الاعتبار. بل أن التقدم الحقيقي للإرادة الواقعية يفرض أن تجعل إطارها في الحركة من حيث التقييم وتحديد الأهداف اكثر أتساعا بحيث تدخل في تقديرها سواء الآثار المباشرة أو تلك غير المباشرة.

خامسا: وجود علاقة منطقية بين الطاقة التي تحترق نتيجة للحركة والهدف الذي يسعى لتحقيقه مصدر الحركة.  كذلك هناك علاقة خفية ثابتة تعبر عن منطقية الحركة لنستطيع أن نفهم حقيقة هذه المنطقية علينا ان نتذكر أن هناتك علاقة ثابتة  في أي سلوك ببشري (فردي-جماعي – دولي..) بين الطاقة التي تحترق نتيجة للحركة والهدف الذي يسعى لتحقيقه مصدر الحركة. إن الرجل المنطقي (او الدولة،او الحلف..الخ) لا يتحرك دون تقييم واضح أساسه خلق توازن ولو لا شعوري بين ما ينفقه وما يحصل عليه. بين تكلفة الحركة Cost وبين مردود أو فائدة أو منفعة الحركة Benefit. الانفاق أو التكلفة يعني لا فقط ما يقدمه من ثمن وإنما هو كل طاقة تستهلك. هذه العملية أي التوازن بين الطاقة التي يفرضها السلوك والحركة وما يقدمه ذلك السلوك او تلك الحركة من إشباع لو تحقق يعني نوعا من التقييم والتفضيل للبدائل. هذه العملية في الواقع تفترض إرادة واضحة قادرة على عملية التفضيل والاختيار.

وعلماء السلوك –كما يذكر العلامة حامد ربيع- يقدمون لنا تلك الواقعة المتداولة عن قصة الحمار الذي وجد نفسه بين ينبوع ماء وحقل برسيم. وراح يتساءل: أيهما أجدى ان يبدأ بأن يشبع جوعه او أن يروي عطشه أولا؟ وظل في هذا التساؤل حتى مات جوعا وعطشا. إقتصاديات الحركة بعبارة أخرى تفرض نوعا من المنطقية من جانب والقدرة على الاختيار من جانب آخر.

هذه هي الحركة في أوسع معانيها. بقى ؟ان نتساءل ما الذي يجب أن نقصده بكلمة علم الحركة؟

تعريف علم الحركة

علم الحركة يمثل أقصى مراحل التقدم في التحليل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والسلوكي. ويمكن ان يرتبط علم الحركة بالواقع العربي في أبعاده المعاصره، وهو يشهد عمليات تغيير قد تعبر عما يسميه البعض “الربيع العربي في عام 2011 وما بعده. كيف يمكن ان نستخدم هذا العلم بهذا المعنى في عمليات التغيير الكلية الشاملة التي تفرض نفسها على المنقطة بل وعلى العالم؟  الإجابة على هذا السؤال لا تكفيها عدة صفحات. ولكن فلنجعل منطلقنا تقييم الخبرة الماضية وإطلاق التوقعات بالنسبة للمستقبل جاعلين من منطق الخبرة الماضية بما تعنيه من فشل او نجاح أساسا  للإقناع بأهمية علم الحركة لجميع المجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء.

المقصود بعلم الحركة

 رغم ان علم الحركة قد يفهم على انه مرادف للعلوم السلوكية إلا أن التقاليد المعاصرة تحخدد لهذة الكلمة معنى خاصا مميزا. حيث يعرف العلامة حامد  ربيع علم الحركة بأنه يقصد به “القواعد المختلفة التي يستطيع المنطق العلمي أن يتوصل من خلال بنائها الفكري للتحكم في أبعاد التعامل الاجتماعي او السياسي مع المستقبل. بهذا المعنى علم الحركة يتميز بخصائص عدة:

أولا:  علم الحركة يعبر عن سلوك مخطط: رغم أن علم الحركة هو سلوك إلا أنه ليس السلوك المعتاد الفردي او الجماعي وغنما هو السلوك المخطط المنتظم الذي ينبع من تصور معين ويسعى لتحقيق أهداف معينة.

ثانيا: علم الحركة يدور وينبع من مفهوم الفاعلية. الحركة بمعنى العلم هي تخطيط وهي توقعات وهي بناء للمواجهة بخصوص تلك التوقعات من خلال الخطة المحددة. ولكن لا يكفي ذلك لأن يتحقق مفهوم الفاعلية بأقصى معانية. الفاعلية تعني في الواقع حقيقة مزدوجة.

(1)   القضاء أو التقييد من مخاطر المجهول.

(2)   التطويع للموقف بما يسمح لرجل الحركة بأن يضمن اكبر قسط من احتمالات النجاح.

ثالثا: علم الحركة يتجه إلى رجل الحركة أو القائد. رغم ان علم الحركة في اوسع معانيه هو علم المواجهة إلا أن الحركة في حقيقتها تنبع أساسا من القيادة وترتبط بها ولو في أوسع معانيها. والقيادة تدور حول مفاهيم ثلاث:

(أ‌)    فرد معين متميز بمعنى او بآخر.

(ب‌)مرحلة معينة من مراحل حياة الفرد، تعني ارتفاع أو ارتقاء بصورة أو بأخرى. قد يعبر عن ذلك بالإرادة القاهرة أو بالجمع بين الفكر والحركة، أو بالقدرة على التحكم في الأحداث او ترتفع بقدرة الفرد او الدولة على الحركة إلى أقصى مساراتها.

(ت‌)كذلك فإن كل فرد وحركة وكل قدرة على القيادة لها صلاحياتها في نوع معين من الحركة. ليس كل قائد صالح لكل حركة أو بعبارة أخرى ليست القيادة مفهوم مطلق مجرد عن الموقف. فرد، مرحلة، نوع معين من الحركة. هذه هي المتغيرات الثلاث الأساسية التي يدور حلوها مفهوم رجل الحركة.

رابعا: الحركة تعني العلم المسبق: الحركة دون علم ليست مما يدخل في نطاق علم الحركة. ولكن ما هو مدى ذلك العلم؟

هذه هي حقيقة جوهر لم الحركة. مجموعة المفاهيم والقواعد لبناء إطارا للمواجهة بالنسبة للمستقبل والتحكم في أبعاده. علم الحركة بهذا المعنى يفترض مايلي:

(1)    المعلومات او ما تواضع عليه باسم الإعلام أو الإخبار.

(2)    القدرة على التنبؤ.

(3)    إمكانيات التحكم في عناصر متغيرات الموقف.

(4)    التخطيط للتدخل.

خامسا: قيم تستتر خلف الحركة. على أن المفهوم الحقيقي الذي يستتر ويحكم جميع هذه العناصر المختلفة لعلم الحركة هو نظرية القيم. على إننا قبل أن ننطلق في مفهوم القيم والتعريف به وإبراز أهميته في علم الحركة كما نتصوره علينا أن نقدم الملاحظات الآتية:

1)     الملاحظة الأولى: علينا ان نلاحظ ان هناك فارق واضح بين التصرف، النشاط، الحركة.

(أ‌)    التصرف: يقصد بالتصرف كل واقعة تنبع من الفرد في مواجهة الموقف. قد يكون التصرف سلوك، وقد لا تعبر القوة البشرية عن المواجهة للموقف من خلال السلوك. التصرف بعبارة أخرى أكثر اتساعا من السلوك ولكنه يعني دائما درجة معينة من درجات الإيجابية او الرغبة في التعامل مع الموقف دون ان نترك الموقف يتحكم في القوة البشرية.

(ب‌)                       النشاط:  النشاط هو مجموعة التصرفات سلوكية ؟ام غير سلوكية التي تعبر عن التجاوب والتفاعل مع الموقف. بهذا المعنى النشاط يتضمن مختلف التصرفات الإرادية وغير الإرادية، المخططة وغير المخططة، المحددة بناء على علم مسبق او دون علم مسبق.

(ت‌)الحركة:  الحركة على العكس من ذلك هي مجموعة القرارات والتصرفات التي تربط بينها وحدة ثابتة وهي الغاية المحددة مسبقا واليت تسعى من خلال النشاط والتصرفات لتحقيقها لتوقع معين. ومن ثم فالحركة يجب أن تتميز بخصائص ثلاث:

أولا: الحركة تعبر عن عملية إدراك واعية:  الحركة هي واعية حيث لا يكفي الإدراك والتصور ولكن يجب أن تتحقق إلى جوار الإدراك والتصور مرتبة اكثر تقدما وأكثر تعبيرا عن العمق في مواجهة الموقف.

ثانيا: الحركة لها موضوع متميز:  بهذا المعنى يقال هذه الحركة سياسية وتلك اجتماعية  وأن تلك حركة اقتصادية، وأن رابعة حركة ثقافية. كل منها تتفاعل مع الأخرى ولكن مفهوم الحركة يفرض تغليبا لموضوع على آخر بغض النظر عن النتائج الجانبية في علاقتها بالتأثير والتأثر

ثالثا: الحركة لها هدف: الحركة مستقلة عن موضوعها ولها هدف واضح. إن الهدف هو الجوهر الحقيقي الذي  منه وبه تتحدد  خصائص الهيكل الحركي. الحركة هي صورة للوجود وهي بلورة للعناق بين الحقيقة البشرية والإطار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، هذه البلورة تنبع من هدف. والهدف هو القيمة التي ولو فهمت هذه الكلمة بأوسع معانيها.

(2) الملاحظة الثانية: أن متغيرات الحركة بمعنى جوهر النشاط تنبع إجمالا من متغيرات ستة. أبعاد نفسية نستطيع أن نطلق عليها نفسية الحركة، أبعاد اجتماعية نستطيع أن نسميها اجتماعية الحركة، ثم أبعاد عضوية نستطيع ان نعرفها بأنها عضوية الحركة. ثم أبعاد سياسية نطلق عليها سياسية الحركة، وأبعادا اقتصادية للحركة، وأبعادا ثقافية للحركة.

وتشير المدرسة السلوكية إلى المتغيرات الثلاثة الأولى هي التي تعبر عن ان الحركة عبارة عن التقاء بين الخصائص النفسية للقائد، فكل قائد له نفسيته وله خصائصه الشخصية كمجموعة من الانفعالات والتطورات الذهنية المتعلقة بالالتحام ومع الموقف. ثم هناك العناصر العضوية للقائد أو رجل الحركة مستقلة عن خصائصه النفسية. ثم الناحية الاجتماعية يكفي أن نشير بخصوصها إلى نظرية المجال الحيوي كما صاغها “لوين” على أننا لا يجب أن نتصور ان هذه المفاهيم قاصرة على السلوك الفردي بل على السلوك الدولي والسلوك الجماعي التي تنبع من الالتقاء بين المتغيرات النفسية ثم العضوية وأخيرا الاجتماعية وبعبارة أخرى أكثر دقة المرتبطة بالموقف.

(3)   الملاحظة الثالثة: أن هناك علاقة ما بين أهداف الحركة والقيم التي تقف وراء الحركة.

فإذا كانت العناصر العضوية تتحكم في الاستعداد للحركة، وإذا كانت العناصر النفسية تخلق مسارات تلك الحركة، فإن النواحي الاجتماعية  لابد وأن تصهر  جميع تلك العناصر في أطار أكثر اتساعا ورغم أنه  ينبع ويرتبط بالموقف. إن الموقف هو جزئي ولكن هذه الجزئية لينطلق عليها مدلول الحركة لابد وان تندرج في إطار أكثر اتساعا يمثل المتغيرات الدفينة التي تتحكم في الموقف كخاتمة وبداية في آن واحد. الموقف خاتمة لتطور سابق وبداية لتطور لا حق. أليست الحركة مواجهة للموقف من خلال قرار ينبع منه تصرف يتحول إلى سلوك؟ وهكذا الحركة في تعاملها مع الموقف تحدد انتقالا من موقف إلى موقف . موقف سابق على الحركة وموقف لاحق لها. هذه المواقف هي في حقيقتها لا تعدو ان تكون الهداف المجردة او القيم Values  بأوسع معانيها. ديناميات الجماعة، نظرية القرارات، ظاهرة القيادة، حقائق ثلاث لابد وان تتكامل وتترابط من خلال المفهوم العام لنظرية القيم في أوسع معانيها.

نظرية علم الحركة ونظرية القيم والتحليل الحركي السلوكي للظاهرة السياسية

ما المقصود بكلمة القيم؟

يعرف حامد ربيع القيم بأنها مجموعة من المثاليات المرتبطة بواقع اجتماعي معين واليت تصطبغ بنوع من الأخلاقيات وتعبر عن درجة من درجات الأمل في السلوك الفردي والجماعي.

بهذا المعني القيم في أوسع معانيها تتميز بخصائص.

ما هي خصائص القيم؟

القيم بالمعنى المشار إليه وفي أوسع معانيها تتمز بثلاثة خصائص:

أولا: هي تمثل نوعان من الأخلاقيات. وكلمة الأخلاقيات هنا يجب أن تفهم بأوسع معانيها. الأخلاقيات تعني الارتقاء والتميز. تعني الخروج عن المعتاد، بهذا المعنى القيم أكثر اتساعا من مفهوم الأخلاقيات في المعنى التقليدي.

ثانيا: تعبر عن هدف في الحياة والوجود والحركة. إنه هدف يسعى إلى تحقيقه الفرد في نطاق القيم وكلما اقتربت منه كلما ابتعد عنها.

ثالثا: وهي نوع من الأمل. إن القيم ليسن تلك الأهداف القابلة للتحقيق بسهولة. أن لم تفترض نوعا من الصعاب والعقاب التي يجب التغلب عليها لا يمكن ان توصف بأنها قيم.

القيم بهذا المعنى متعددة، فهناك القيم السياسية والقيم الاقتصادية، والقيم النظامية. وانه في جميع هذه النماذج نستطيع ان نميز بين القيم الفردية والقيم الجماعية. القيم بهذا المهنى نعبر عن حقيقة ذات أبعاد متعددة.

البعد الأول: القيم هي محور للحركة او موضوع للحركة. عندما توصف الحركة بانها سياسية فإن ذلك يعني ان خلف هذه الحركة أي خلف مختلف العناصر السلوكية المعبرة عن النشاط الذي هو حقيقة الحركة هناك مسعى نحو هدف سياسي.  لايعنينا أن يكون هذا الهدف جزئي أو كلي، مؤقت أو مستمر، ولكنه دائما يصطبغ بالصبغة السياسية.

البعد الثاني: تقييم الحركة بمعنى نجاحها من عدمه. بمعنى التوازن بين النشاط المستهلك والأهداف التي تحقق إنما يتم من ذلك الإطار العام وهو القيم والذي تحدد بان سياسي ، اقتصادي، إجمناعي..الخ.

البعد الثالث: العلاقة بين مصدر الحركة والهدف من الحركة. بمعنى وجود ارتباط بين الباعث على الحركة والهدف. كل اتساع لدائرى اللارتباط بين الباعث والهدف يحقق نتيجة مزدوجة. إدخال لمتغيرات جديدة مستقلة عن الموقف وقد تحدد مكانا وزمانا وموضوعا وتجردا للحركة في إطار أكثر اتساعا وأكثر اقترابا من القيم و المثاليات.

ولكن أين هذه القيم من علم الحركة؟ وكيف تتبلور هذه القيم في مظاهر محددة لتعبر عن علم الحركة في المجتمع المعاصر؟

الإجابة على هذه التساؤلات تقودنا إلى أصعب انواع التحليل الاجتماعي والسياسي وإلى أدق الدراسات السلوكية. ولذلك سنقتصر على تحليل مبسط لقواعد علم الحركة.

قواعد علم الحركة

يرى العلامة حامد ربيع انه يمكن ان نلخص قواعد علم الحركة نقلا عن أحد الآباء الذين وضعوا أصول تلك الدراسة وهو العالم الفرنسي “كيسينل” في سبعة قواعد ومقدمات:

لمقدمة الأولى لعلم الحركة: الحركة بصفة عامة والحركة الاجتماعية بصفة خاصة مفضلة على عدم الحركة.  نعلم أن الحركة تكون قسط من نظام القيم الذي تعبر عنه الحضارة المعاصرة ذات التقاليد الغربية او الإسلامية. في المجتمعات التقليدية  التي كانت تخضع للتصورات الشرقية او حضارة العصور الوسطى فإن وظيفة التأمل Meditation كان ينظر إليها على انها اعلى من وظيفة الحركة. الحركة في الواقع المعاصر تسيطر عليها أيضا أبعاد للتأمل الفلسفي من خلال مفهوم الرفض للمجتمع القائم.

 المقدمة الثانية لعلم الحركة: المعرفة مفضلة على عدم المعرفة. وهكذا فإن أي صورة من صور عدم المعرفة يجب استبعادها لحساب أي صورة من صور المعرفة. كذلك أي درجة متقدمة من المعرفة يجب تفضيلها على درجة اقل تقدما للمعرفة. ومن ثم فإن المعرفة استنادا إلى الإيحاء أو إلى التقاليد يجب استبعادها لحساب المعرفة القائمة على التحليل الوضعي والعناق المباشر للظاهرة. والمعرفة بالظاهرة القاصر على الماضي والحاضر يمثل درجة اقل تقدما من تلك التي تسمح بالتنبؤ بالمستقبل.

المقدمة الثالثة لعلم الحركة: الافتراض العام الذي أساسه حتمية التطور ينطبق على الإنسان كما ينطبق على الطبيعة.  العلاقة بين السبب والنتيجة هي علاقة ثابتة. وهذا هو المقصود بكلمة حتمية التطور التي لا تعني سوى أنه حيث يوجد (أ) فلا بد وان يوجد (ب). هذه العلاقة الثابتة ليست قاصرة عل الظواهر الطبيعية بل وغنما أيضا تسيطر على الظواهر الاجتماعية. ويعني هذا اكتشاف المتغير الأصيل في الظاهرة الذي ينبع منه المتغير التابع لابد وأن يسمح باكتشاف العلاقة ين ومتغيرات الظواهر، لا فقط بمعنى المعرفة بل وبمعنى تحديد النتائج كظواهر حتمية. تطبيق مبدأ الاحتمال بمعنى اكتشاف ثبات النتيجة على ضوء العلاقة التكرارية يسمح بدوره بتوقع النتائج ولو بقسط معين من الثقة. والخلاصة ان علم الحركة  لا يعدو ان يكون جمعا بين منهاجية أساسها المسلك التحليلي وإطلاق للنتائج أساسه الاحتمالية الرياضية.

المقدمة الرابعة لعلم الحركة: علم الحركة هو علم التنبؤ. علم التنبؤ هو الذي يسمح بأن نتقدم التصور العام للتطور الاجتماعي والسياسي وبالتالي يسمح بالتأثير من خلال التخطيط الاجتماعي والسياسي في مواصفات ذلك التطور.

المقدمة الخامسة لعلم الحركة: علم الحركة هو علم وضعي مستقل عن الأيديولوجيات. عن علم الحركة بصفته علم وضع مستقل عن الايديولوجيات والعقائد والمواقف المذهبية. المتغيرة كغيره من انواع العلوم. إن علم الحركة يقود إلى وضع سياسات محددة لرجل الحركة ووظيفته الأساسية هي ان يحيل المنطلق الإيحائي إلى قواعد ثابتة ومحدودة من ناحية المواجهة تسمح بتقليل مخاطر الفشل وتأكيد احتمالات النجاح.

المقدمة السادسة لعلم الحركة: علم الحركة ليس مجرد ثقافة تجريدية  بل هو يجب ان يكون واقعيا. بمعنى أن يستند إلى مجموعة من الأدوات والمنظومات التي يتحكم فيها الخبراء المتخصصون في علم الحركة. وهم أؤلئك الذي نسميهم “خبراء السلطة”. هذا المفهوم (خبراء السلطة) يجب أن يتقبل بأوسع معانيه، ليس قاصر على خبير السلطة بمعنى مخطط او صانع السياسة في معناها الضيق ولكن في كل ما تعنيه كلمة التدبر السياسي والحكومة.

المقدمة السابعة لعلم الحركة: المشاكل التي يصادفها رجل الحركة يمكن تحويلها إلى تساؤلات.

وذلك من خلال دراسة تلك المشاكل دراسة منهاجية نستطيع ان نقدم بخصوص كل منها مجموعة من الحلول او الإجابات الواضحة والمفهومة والقابلة للتطبيق. وإذا كان هذا المنطلق الفكري بخصوص الحركة موضع للمناقشة، حيث أن المواقف معقدة، والمتغيرات الذاتية عميقة، والعناصر اللامنطقية للسلوك متداولة، إلا أن علم الحركة يفترض التضييق إلى أقصى حد لك ماله طابع اللامنطقية كما يحدث في جميع العلوم التطبيقية. وهذا يتطلب ابعاد نواحي الشك ونواحي التشكيك في صياغة المشكلة. اكتشاف المنهاجية الصالحة والقابلة لقيادة سفينة البحث عن المعرفة، التحويل المنطقي لعناصر الحركة، نقل منطق تفسير الحركة إلى منطق بناء الحركة.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى