نظرية العلاقات الدولية

مفهوم مركز الثقل

تُبذَل الكثير من الجهود أثناء الحروب والصراعات في اتجاهات متعددة وبأساليب متنوعة، والملاحظ في صراعات أمتنا الإسلامية أن كثيراً من الجهود المبذولة فيها تُوَجه إلى أمور ثانوية وغير مؤثرة، بل وأحيانا تكون في اتجاهات خاطئة

بقلم: خالد موسى

تُبذَل الكثير من الجهود أثناء الحروب والصراعات في اتجاهات متعددة وبأساليب متنوعة، والملاحظ في صراعات أمتنا الإسلامية أن كثيراً من الجهود المبذولة فيها تُوَجه إلى أمور ثانوية وغير مؤثرة، بل وأحيانا تكون في اتجاهات خاطئة. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها: التشتت والتفرق بين الجماعات الساعية للتغيير حتى في داخل القطر الواحد، وضعف القادة وقدراتهم التنظيمية، وعدم وجود تنظيم حقيقي، وهيكلية مناسبة ومترابطة، وترتيب لمهام ومسئوليات الأفراد حتى داخل الكيان الواحد، وإهمال عملية التخطيط، خصوصا الاستراتيجي، من قبل القادة.

ومن أجل تحقيق النجاح وتلافي هذه الأخطاء لابد من تحقيق عدة أمور:

  • الوحدة والترابط على قدر المستطاع سواء داخل القطر الواحد أو بين عدة أقطار، والحرص المستمر على التقارب والتنسيق من أجل تسهيل هذه الوحدة بمرور الوقت.
  • إعداد كوادر قيادية لديها العلم والقدرة الشخصية والخبرة المناسبة لتولي القيادة وفق المستوى المناسب لحجم الصراع الحالي.
  • دعم الترابط والتنظيم والهيكلية المتماسكة في الكيانات المقاومة، إذ أن كونها كيانات تطوعية أو مدنية لا يعني ألا يتم العمل بداخلها بطريقة مؤسسية شديدة التنظيم والدقة لأن ذلك هو الطريق الوحيد للنجاح، أما من يتسمون بالفوضى وسوء التنظيم فمصيرهم الفشل الحتمي مهما توافر لديهم من امكانيات.

تمر عملية التخطيط لأي صراع بعدة مراحل:

  • أولا: جمع المعلومات اللازمة والكاملة.
  • ثانيا: تحليل المعلومات ودراستها.
  • ثالثا: وضع تصور عن الوضع الحالي يسمى تقدير الموقف.
  • رابعا: وضع الاستراتيجية المناسبة للموقف المقدر تبعا لموقفنا وموقف العدو وامكانياتنا وقدراتنا والهدف الاستراتيجي أو السياسي المرجو.
  • خامسا: وضع الخطط اللازمة للوصول لهذا الهدف عبر سلسلة من الأهداف في كل مرحلة مع مراعاة الاحتمالات المختلفة المتوقع حدوثها.

وعند وضع الخطط للحرب أو المعركة أو الصراع تبرز لدينا العديد من الأهداف المتنوعة والمختلفة حجما وكيفا، وتكون مهمة القيادة اختيار الأهداف المناسبة التي يمكن عبرها الوصول للهدف الاستراتيجي مع الوضع في الاعتبار امكانياتنا الحالية. فحتى على مستوى الدول العظمى التي تمتلك موارد هائلة دائما ما توجد فجوة بين الموارد المتاحة والأهداف المرصودة. وهنا يأتي دور القائد والتخطيط وعلم الاستراتيجية في صياغة الاستراتيجية ثم الخطة المتضمنة للأهداف المناسبة، والتي يمكن عبر تبنيها تحقيق الأهداف المنشودة عبر الموارد المتاحة.

وهنا سيبرز مفهوم يُسمي بمركز الثقل، والمقصود به هو الهدف أو الأهداف التي يمكن تحقيق النصر عبر تدميرها أو الاستيلاء عليها. ولذا فإن عملية التخطيط لأي حرب تعتمد على تحديد مركز ثقل العدو ثم اختيار الاسلوب الأمثل لمهاجمته وتدميره وتنفيذ الهجوم ضده بأقصى سرعة ممكنة.

ويرتبط مفهوم مركز الثقل بمستويات الصراع، فهناك مراكز ثقل استراتيجية هي التي يقصدها القائد الأعلى عندما يخطط لهزيمة عدوه، وهناك مراكز ثقل في كل معركة أو اشتباك أو جبهة من الحرب يهتم بها القائد الميداني، ولا تكون هي المقصودة في عملية التخطيط الاستراتيجي.

وتختلف مراكز الثقل الاستراتيجية للدول باختلاف الدولة ونظام الحكم وطبيعة الشعب والعديد من العوامل السياسية والجغرافية والاقتصادية التي تحكم الحرب أو الصراع. وعلى المرء دوماً أن يتذكر السمات الهامة والحاكمة لدى الطرفين المتحاربين، فمن هذه السمات طبيعة مركز الثقل، إذ سيمثل محوراً لكل القوى والتحركات التي يعتمد كل شيء آخر عليها كما أنه الشيء الذي يجب أن توجه وتتركز كل طاقاتنا نحوه. وقد يكون مركز الثقل:

  • جيش العدو العسكري.
  • العاصمة: في البلدان المعرضة للنزاعات الداخلية.
  • الحليف الحامي: فالبلاد الصغيرة تعتمد على حلفائها.
  • مصالح المجموعة: الدول المتحالفة.
  • شخصيات القادة والرأي العام: البلدان الثورية.

ومتى فقد العدو توازنه باستهداف مراكز ثقله، ينبغي توجيه الضربات له بسرعة وبأقصى قوة ممكنة، بحيث لا يُسمح له باستعادة توازنه. فكمبدأ إن استطعت قهر كل أعداءك بدحر واحد منهم، يجب أن يكون هذا الدحر هو الهدف الكبير للحرب، وبهذا توجه ضربتك للعدو الذي يمثل مركز ثقل الصراع كله.
ملاحظة: لابد أن تكون قوتك كافية وأيضاً هدفك السياسي واضح حتى لا يجلب دحر هذا العدو تكالب آخرين عليك.

تحديد مركز الثقل واستهدافه:

المهمة الأولى: في التخطيط للحرب، تتمثل في السعي لتحديد مراكز ثقل العدو، وحصرها في مركز واحد إن أمكن.
المهمة الثانية: هي ضمان تحشيد القوة من أجل شن هجوم رئيسي على مركز الثقل المحدد مع توافر عنصري السرعة والمبادأة.
ويعتمد تقليص موارد العدو إلى مركز ثقل واحد على: توزيع قوى العدو الأساسية، والموقف في مسرح الحرب حيث تعمل الجيوش.

,ذكر فيما سبق أمثلة لمراكز الثقل على المستوى الاستراتيجي، فبعض الدول يتمحور نظامها الحاكم حول شخص الرئيس أو القائد، فإذا قُتل تنكسر إرادة العدو، ويفقد الرغبة في القتال وينهزم. وهذا المثال متكرر عبر التاريخ، فكثيرا ما هُزمت جيوش جرارة بمجرد مقتل قائدها، حتى وإن احتفظت بمعظم قوتها الحربية سليمة دون تدمير.

وأيضا هناك بعض الدول يتمثل مركز ثقلها في عاصمتها، لذا حرصت خطة الحرب الألمانية ضد فرنسا في الحرب العالمية الثانية على الوصول لباريس بأسرع طريقة والاستيلاء عليها بغض النظر عن تدمير الجيش الفرنسي عبر مناورات متعددة لا يتسع المكان لذكرها.

وهناك بعض الدول تعتمد كليا على الحليف الحامي، ولذا هزيمة مثل هذه الدول لا يتم عبر احتلالها أو تدمير جيشها، لأن هذا فقط يعتبر بمثابة بداية للحرب مع الحليف الحامي مثل اجتياح الكويت بواسطة نظام البعث العراقي.

ويطول ذكر الأمثلة لمراكز الثقل المذكورة أعلاه، ولكن غرضنا هنا هو توضيح المفهوم العام لمراكز الثقل على المستوى الاستراتيجي. ولابد من الانتباه إلى أن مفهوم مركز الثقل لا يقتصر على المستوى الاستراتيجي فقط، فهو يضطرد لأصغر اشتباك نحتاج لخوضه، فمثلا لو كان الهدف المحدد هو تدمير نقطة عسكرية بها 50 فرد مشاة مسلحين بعدة أسلحة خفيفة ودبابتين، ومتمركزين في مبنيين، ويحيط بهما سور محصن. ففي هذا المثال التكتيكي الصرف يمكننا القول بأن مركز ثقل العدو يتمثل في الدبابتين. لذا لابد من حشد وتركيز الجهد على تدميرهما من أجل ضمان تحقيق الهدف، وإلا يمكن أن نفشل أو نهدر الكثير من الموارد بدون تحقيق النجاح المطلوب.

وعلى المستوى العملياتي تجد دائما أن هناك بعض الفرق أو الأفرع داخل جيش العدو التي تمثل مركز ثقل له، ومن ثم ينبغي التركيز على تدميرها كهدف رئيسي للخطة الحربية ومثال على ذلك فرق الحرس الجمهوري العراقية في حرب الخليج الثانية، والتي لم يعلن التحالف انتصاره وتخفيض جهده العسكري الرئيسي إلا بعد تدميرها عبر عملية الهجوم من الجانب والتطويق التي قامت بها القوات الأمريكية عبر صحراء العراق والسعودية، وهي عملية مشهورة يمكن مراجعة تفاصيلها في العديد من الكتب والدراسات عن حرب الخليج. ويمثل سلاح الجو الآن في العديد من الصراعات، مركز ثقل الجيش الرئيسي بشكل كبير ومن ثم فإن القدرة على تدميره أو تحييده أو تحجيمه غالبا ما تمثل الشغل الشاغل للقائد العسكري، كما تمثل القوات المدرعة مركز الثقل بالنسبة للقوات البرية، ومن ثم فإن سلاحي الجو والمدرعات يمثلان أهم سلاحين في الحرب الحديثة.

ومثلما يمكن أن يتمثل مركز ثقل العدو في مكان جغرافي كالعاصمة على المستوى الاستراتيجي، فيمكن أن يكون كذلك على المستوى العملياتي والتكتيكي، فيتمثل في منطقة جغرافية عبر الاستيلاء عليها ينهزم العدو تلقائيا، ومثال على ذلك مضايق الجبال في شبه جزيرة سيناء، وجبل قاسيون في دمشق، وممر خيبر بين باكستان وافغانستان وغيرها الكثير.

ويتضح مما سبق أن مفهوم مركز الثقل هو مفهوم أساسي ورئيسي في عملية التخطيط من أجل الحرب أو الصراع على كل المستويات. ولذا فإن استيعاب هذا المفهوم والقدرة على تحديد مركز الثقل الصحيح من بين جميع الأهداف التي تبدو هامة أو ذات شأن أمام المخطط، وعبر مراعاة الظروف المختلفة لكل حرب وساحة وصراع، والإحاطة التامة بكل جوانبها. يمكننا قطع نصف الطريق في عملية التخطيط نحو النصر، ويتبقى النصف الآخر المتعلق بأسلوب تدمير مركز الثقل عبر استخدام الوسائل المناسبة لكل حالة.

لتحميل المقال إضغط هنا


مفهوم مركز الثقل

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى