دراسات اقتصادية

الرزاز بين العقد الإجتماعي والعقدة البنيوية – وليد عبد الحي

قُدر لي منذ فترة قراءة بحث الدكتور عمر الرزاز الموسوم ” الطريق الصعب نحو عقد اجتماعي عربي جديد: من دولة الريع إلى دولة الانتاج”، والباحث ينبه في بداية دراسته إلى انها ” دراسة قيمية ((normative، أي أنها معنية بما يجب ان يكون لا بوصف ما هو كائن، ويلخص الازمة العربية لا الاردنية فقط في سيطرة المنظور التقني وغياب منظور سياسي/إقتصادي متكامل ، والهدف من الدراسة هو بحث متطلبات التحول من نموذج دولة “الريع” الذي تمثله الحالة العربية الى نموذج دولة “الإنتاج” و ضمن عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم،
وهنا نطرح التساؤل الاول : من يُعلق الجرس؟ أي من هي القوى الاجتماعية المنظمة والمدركة والمؤهلة لأداء هذه المهمة المشروعة التي يدعو لها الدكتور الرزاز؟ وتشخيص الواقع العربي في الدول النفطية وغير النفطية يشير –ومن خلال كم كاف من الشواهد التي يعرضها الدكتور الرزاز في دراسته- الى ان الجدران العالية التي تعترض هذا التحول هي أعلى من القدرة على القفز عليها، بل إن عليها ” حراسا شدادا ” ولهم دراية كافية في تفخيخ الطريق الى هذه الجدران…ويكفي التأمل في طموحات مشروع الدكتور الرزاز التي يسعى لانجازها :
1-سيطرة المجتمع من خلال ممثليه المنتخبين على الريع الذي مثَل تارخيا مصدر القوة للسلطة المستبدة. ويشمل ذلك السيطرة على مصادر الريع، وسبل إنفاقه في تطوير الإقتصاد المنتج والمشغّل للمواطنين، وتحديد المستفيدين منه ضمن مفهوم العدالة الإجتماعية، وإخضاعة الى رقابة حثيثة غير مسبوقة في أنظمة الريع العربي.
لكن الدكتور الرزاز يؤكد في موضع آخر من الدراسة على ” أن نموذج الدولة الريعية العربية مناقض للإنتاج ومقتضياته وبالتالي غير قادر على التحول بالدولة نحو المسار الإنتاجي التشغيلي بدون إعادة النظر في بنيتها السياسية والإقتصادية” ، وهذا يعني من وجهة نظري ان التحول(وليس الاصلاح) لا يأتي من داخل هذه الدولة الريعية لانه مناقض لبنيتها ولأغراض القائمين عليها، وهنا نعود لسؤالنا، هل سيكون التحول من خارج الدول الريعية؟ فمن هي هذه القوى؟ هل هي من المهمشين( وكأننا امام منظور فاليرستاين) ؟ ولكن هل هؤلاء المهمشين منظمين بكيفية قادرة على اجتراح التغيير الحقيقي المنشود؟ سؤال قد يطول الوقوف امامه.
2- يربط الدكتور الرزاز بين الريع الإقتصادي والإستبداد السياسي ويراهما متلازمين، بمعنى ان الانفلات من قبضة الريع يستلزم تراخي قبضة الاستبداد السياسي ، وهنا نسأل ايهما اولا؟ فالسادات في مصر والشاذلي بن جديد في الجزائر شرعا باصلاح سياسي سابق على التخلص من الاقتصاد الريعي وانتهى كلاهما لفشل ذريع( بغض النظر عن توصيف الشخصين او نواياهما)، بينما بدأ الصينيون بالجانب الاقتصادي قبل الجانب السياسي وانتهى النموذج لنجاح كبير على المستوى الاقتصادي رغم ان الدكتور الرزاز غير مأخوذ بهذا النموذج. ذلك يعني ان الظروف المحلية والاقليمية والدولية لا بد ان توضع في الاعتبار عند تحديد الاولويات، وهنا نتساءل هل يمكن الشروع بالبعدين(السياسي والاقتصادي ) معا ، وهنا ستكون المعركة أكثر ضراوة من قبل القطط السمان من ناحية وعسس السلطة من ناحية ثانية، وهو ما عبر عنه الرزاز ب ” تنمية العلاقة الزبائنية مع رموزالدولة للحصول على حصة أكبر من الريع خاصة أن الريع لم يعد ظاهرة فوقية متمثلة في نظام وانما تحول الى منظومة علاقات وحوافز تطورت وتشعبت في الأقتصاد والمجتمع وإنعكست في الممارسات والعقول والثقافة والأخلاق- ومن هنا تأتي صعوبة التحول او العقدة البنيوية وهو ما يتناوله الرزاز في تحليله للعلاقة بين النمو الاقتصادي والتحول الديمقراطي، ففي العالم العربي حالة يصفها الرزاز بأنها تتسم ب ” أن جهاز الامن يتغول على السلطة التنفيذية وهذه تتغول بدورها على التشريعية والقضائية ” ، وهو ما يكشف عن تراتبية الصراع التي على الرزاز ان يستعد لخوض غمارها..فما هي اسلحته فيها؟

3- الشروط للتخلص من الحالة السائدة: يحدد الرزاز معالم لطريق التحول هي :1–التحول الديمقراطي 2-حاكمية المال العام 3- السياسات الاقتصادية للتحول4 – دور الدولة 5- دور القطاع الخاص 6- – العدالة الاجتماعية( التي يصفها الرزاز بأنها اساس الحكم) 7- تكتل اقليمي عربي على اسس ديمقراطية، وهذه الجوانب متشابكة بل قد يقود الصراع في احدها لوضع الاسس للفشل في غيرها، كما ان ترتيب الاولويات بينها هو في حد ذاته معركة عقلية وبنيوية.
4- بيئة التحول: يضع الرزاز سلسلة ملاحظات ترسم البيئة التي يدور فيها الاشتباك العضوي في الجسد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي على النحو التالي:
أ‌- تصوير الخطر المحدق بالدول العربية تارة على شكل مد شيعي بدعم من إيران، وتارة على شكل تيارسني سلفي قاعدي
ب‌- لماذا تبقى أوجه الإنفاق خارج الموازنة (كالإنفاق العسكري) غير معروفة وغير مراقبة؟ الجواب المختصر، ليس لأن تلك هي “طبيعة” الريع ولكن لأن هناك منظومة مؤسسية لا تسمح بذلك.
ت‌- تراجع نصيب التصنيع من اجمالي الناتج العربي، وهو يقارن بين النموذج الناصري حتى السبعينات ( كانت الصناعة تشكل 22% وبين النموذج الساداتي بعده_ تراجع الى 17%)، وهو ما يشير وبعمق كبير الى جوهر مفهوم الاقتصاد السياسي.
ث‌- المساعدات الخارجية حيث يطغى السعي نحو توجيه المساعدات لتمويل الإنفاق الرأسمالي وليس في سد عجز النفقات الجارية للموازنة ، وهنا يتبدى دور الإقتصاد السياسي في مفاصل أي سعي للتحول.
ج‌- ظاهرة زواج الإمارة والتجارة، وهو امر يضع الاساس لجعل الدولة في خدمة ” الزبائنية” التي حذر منها الرزاز.، وهو ما يعيدنا للتساؤل كيف سيتم كبح الإمارة عن التجارة؟
ح‌- العلاقة بين الفقر المادي ( الدخل والتنمية وعدالة التوزيع ..الخ) والفقر المعنوي الذي يمس منظومة القيم والروح العامة للمجتمع، وهنا نجد الرزاز يسعى لجسر ثغرات هذين النمطين من الفقر بمواجهة عدد من الثنائيات مثل:القطاع العام والخاص- الذكر والانثى- العامل المحلي والوافد—الريف والمدينة- القطاع المنظم وغير المنظم-
5- ويصل الرزاز في مشروعه الى استنتاج يمس الموضوع الساخن في الساحة الاردنية فيقول ” ولا بديل للدول الريعية، خصوصا غير النفطية، لتمويل هذه النفقات من إعادة النظر بأنظمتها الضريبية ليس فقط كوسيلة لجني الإيرادات وإنما لتحقيق قدر أكبر من العدالة الإجتماعية وتقليص الفروقات الضخمة القائمة حاليا ، وهو ما يستدعي تعريف” التوزيع العادل” للدخل و لعوائد التنمية كونهما ليسا امرا تكنوقراطيا، بل هما في صميم عملية الحوار الإجتماعي والممارسة الديمقراطية التي يعبر فيها كل شعب من الشعوب الديمقراطية عن نظرته في التوازن بين حق الفرد وحق المجتمع.
ذلك يعني ان المشروع النظري موجود ، لكن نفخ الروح فيه يذكرني بقول الشاعر :
إن حقي كدقيقٍ…فوق شوكٍ نثروه
ثم قالوا لحفاة….يوم ريح اجمعوه

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى