دراسات شرق أوسطيةدراسات مغاربيةنظرية العلاقات الدولية

العلاقات الجزائرية الصينية مواقف متكاملة وتعاون بناء

“إن الصداقة بين الصين والجزائر نشأت في أيام الضراء، وتتجسد الصداقة بين الشعبين في نضالهما ضد الإمبريالية والاستعمارية. ولن ينسى الشعب الصيني أبداً الدور الهام الذي لعبته الجزائر في استعادة المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، فكل الشكر و التقدير للجزائر على دعمها الثابت للصين في القضايا المتعلقة بالمصالح الحيوية والهموم الكبرى لها. ”
هذا مقتطف من تصريح رئيس الصين الشعبية شي جين بينغ اتجاه الروابط المتينة التي تجمع الشعب الجزائري و الصيني و التي تؤكد ان تطوير علاقات الصداقة والتعاون الصينية الجزائرية على نحو شامل وتعميق التعاون الإستراتيجي بين البلدين يمثلان سياسة ثابتة للصين. و تحقق أبعاد شاملة في مستويات كافة ونطاقاً واسعاً، و هي كلها عوامل تدفع و تنم عن علاقات ثنائية إلى مستوى أعلى. و هو ما اكده مؤخرا الرئيس شي جين بينغ مشيرا الى ان الصين تعتبر الجزائر دائماً صديقاً عزيزاً وأخاً حميماً وشريكاً وثيقاً.

تعد العلاقات الجزائرية الصينية من بين أهم العلاقات في التاريخ الإنساني ويعود ذلك إلى زمن بعيد و بالضبط الى ما قبل تحرير الجزائر من الاستعمار الغاشم وتأسيس الدولة الديمقراطية الشعبية، فقد أيّدت الصين الشعبية نضال الشعب الجزائري وكفاحه المشروع من أجل تحرير وطنه وسيادته ورفعته و تحقيق حياة فضلى لأبنائه، وساندت بكين قولاً وفعلاً جبهة التحرير الوطني الجزائرية، مما أرسى قاعدة حقيقية وصلبة للتعاون الذي تم تكريسه أبدياً. وخلال السنوات الاخيرة، تعرض التعاون بين الصين والجزائر في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والصحية الى تجارب زمنية، فأضحت تتعمق بإستمرار وبلاانقطاع، فانتقلت الى طور الازدهار الحقيقي المبني على التآخي. و كان دعم دولة الصين واضحا و لم ينسى الشعب الجزائري وقوفه و موقفه من القضية الجزائرية خلال الخمسينيات ، اين أيّدت الصين ثورة التحرير الوطني الجزائرية المجيدة لاستئصال المستعمرين من تراب الجزائر و كان هذا الموقف بمثابة السند القوي الذي زلزل الأرض تحت اقدام جنيرالات فرنسا و حلفائها و كانت دولة الصين من بين الدول الأولى التي ساندت القضية الجزائرية و و اعترفت بعد ثلاثة ايام فقط من شهر سبتمبر سنة 1958 بتأسييس الحكومة المؤقتة لتتعزز هذه العلاقات اكثربمرور الزمن و تصبح الأكثرانتاجا و رقيا في كافة المجالات السياسية و الدبلوماسية و تبقى هذه العلاقات بين بكين و الجزائر علاقات صداقة تقليدية دائمة و راسخة في اذهان سكان البلدان سواء من ناحية الكفاح او من ناحية التوجه الايديولوجي المشترك .

هذا و كانت دولة الصين الشعبية منذ زمن سابق و بعيد بمثابة السند القوي للدولة الجزائرية اين قامت بارسال أول فريق طبي الى الجزائر، يُعد الاول من نوعه الذي ارسلته بكين الى افريقيا أيضاً. ومنذ ذلك العهد، لتواصل حكومة بكين دعمها للجزائر و تقوم بارسال عشرات الفرق الطبية، المجهزة و المدعمة بالأطباء والممرضين حيث ارسلت الصين الشعبية الى الجزائر 21 فريقا طبيا عمل فيها اكثر من 2800 شخص ، زيادة على ذلك المساهمات فى تطوّر القضية الطبية الجزائرية، وانقاذ الجزائريين ليس من ألغام فرنسا التي زرعتها في أرض الجزائر لتقتيل الشعب الجزائري وإلحاق الإعاقات الجسدية به فحسب، بل وعملت على ارسال بعثات من الاطباء والممرضات الصينيين الى الجزائر ، فكان هؤلاء بذوراً للصداقة الاكثر إثماراً بين الجماهير الشعبية متحدين بروح نضالية وإنسانية تتحدى المتاعب والاخطار، و كان هدفها انقاذ المرضى ورسم الابتسامات على شفاههم و لما ضرب الجزائر فى شمالها زلزال عنيف كانت درجته 6.2 على سلم ريشتر فى مايو عام 2003، مما اسفر عنه خسائر فادحة في الارواح والممتلكات. حيث كانت الصين السباقة في ارسال فرق اغاثة فورا الى الجزائر.و نظرا لوزن الصين في المنطقة العربية و الأروبية و الأسيوية و دور الجزائر الريادي على كافة المستويات فان غالبية القضايا المصيرية الكبرى كان دوما محل تداول وتشاورفيما بينهما . وفي المجال الدبلوماسي يبقى موقف الجزائر ثابث اتجاه مناصرة الصين وشرعية تمثيله دولة و شعبا و حكومة و ترابا ، فالدولتان ظلتا تتفاهمان وتؤيدان بعضهما البعض بكل قوة على الصعيد الدولي، وكانت الجزائر هي الاولى والسبّاقة الى هذا المجال لدعم وحدة الصين الجغرافية والجيوسياسية. وفي سبعينات القرن السابق، كانت الجزائر واحدة من دولتين (البانيا)، اللتان قدمتا المقترحات الحاسمة والحسّية لتسليم الصين مقعدها الشرعي في المنظمة الاممية، في مواجهة انفصالية تايوان ومن يدعهما من وراء المحيط علناً وسراً.

من جهتها دولة الجزائر تبقى تحفظ جميل الشعب الصيني دولة و حكومة من خلال الدعم المتواصل و المساعدات غير المحددة من الصين سواء أ كانت في نضالها من أجل الاستقلال والتحرر الوطني أو في علمية بناء الدولة الحديثة. وتبقى الجزائر حسب تصريح عبد القادر بن صالح ممثل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة تحرص على الصداقة التاريخية بين البلدين، وتأمل في الحفاظ على التبادل الرفيع المستوى وتعزيز التواصل بين الأجهزة التشريعية وتوسيع التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وتدعيم الصداقة الصينية الإفريقية، بما يرتقي بالعلاقات الثنائية إلى مستويات جديدة من مستواها المتميز القائم.
عشرات المؤسسات الصينية تستثمر في الجزائر و تساهم في رقيها تعمل حالياً عشرات المؤسسات الصينية الكبيرة بالجزائر في كل مجالات الاستثمار والتجارة والاقتصادي، ويمتد عملها الى تخصصات مختلفة منها الطُرق والإسكان والإتصالات السلكية واللاسلكية والطاقة والري والمواصلات، وقد غدا الفندق الذي ساعدت الصين في بنائه عمائر ترمز لعاصمة الجزائر الحديثة، أما الطرقات السريعة الرابطة بين شرقي الجزائر وغربيّها فيعتبر شريان المواصلات الرئيسي للجزائر، وهو كذلك الطريق المحوري الاستراتيجي للدول الشمال افريقية. في مجال آخر، تركّز وسائل الإعلام الصينية على نشر المواد الصحفية عن الجزائر والعلاقات معها، لذا فإن القارئ يستطيع الوصول الى المعلومات المطلوبة له عن هذه العلاقات بسهولة كبيرة، .

و تبقى في الأخيرالعلاقات الجزائرية الصينية إستراتيجية وهي الاقوى بكل المقاييس، وهو الوصف الذي رسى في الأدبيات السياسية للبلدين، وهو الذي كرره زعيما البلدين الرئيس الصيني والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، خلال زيارة سابقة للرئيس الصيني الى الجزائر، التي ستبقى مفتوحة أمام الصين، ومُشرَعةً أبوابها لبكين، وسبيلاً للدولة الصينية الشعبية من دولة الجزائر الشعبية .

كل رؤساء الصين زاروا الجزائر.

توافق في السياسة و الايديولوجيات يزداد سنة بعد السنة خلال تفحص مسار العلاقات الجزائرية الملفت للانتباه فيها انها كانت مميزة جدا و المسجل ايضا ان كل الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية منذ استقلال الجزائر عام 1962 زاروا الصين، كما أن كل زعماء الصين ماعدا ماو تسي تونغ زاروا الجزائر، وأول فرقة طبية غادرت الصين كانت باتجاه الجزائر، وكانت الصين من بين الدول الأولى التي اعترفت بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية قبل الاستقلال، كما أن الجزائر كانت من أشد المدافعين على احتفاظ الصين بمقعدها الدائم في مجلس الأمن… هي أمثلة عن عمق ومتانة العلاقات الجزائرية الصينية تاريخيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا.
سياسيا تكاد المواقف الدولية لكل من الجزائر والصين تتطابق، وقد برز هذا التوافق خلال عضوية الجزائر في مجلس الأمن طيلة سنتي 2004 و2005، حيث تجاوبت الصين إيجابيا مع المشاريع التي تقدمت بها المجموعة العربية بقيادة الجزائر.

 المصدر : مركز الصحراء للدراسات و الاستشارات

جزائريون و صينيون جنبا الى جنب في مجال البناء و التشيد.

كثر الحديث في أوساط الشارع الجزائري في الفترة الأخيرة عن انتشار اليد العاملة الصينية في ورشات الأشغال العمومية كما امتدت أياديهم العاملة إلى المنشآت القاعدية الأخرى مثل الطريق السيار الذي يمتد من الشرق إلى الغرب و قطاع البناء العمومية او التابعة للخواص كأفراد أو مقاولين خواص وذلك وسط استحسان الجزائريين والسبب يعود إلى سرعة الانجاز ونوعية العمل مقارنة بطلبات اليد العاملة الجزائرية التي تنقصها الخبرة في مجال مهن البناء. و في هذا السياق اشار مركز الصحراء للدراسات و الاستشارات الى انه مع انطلاق ورشات الأشغال العمومية التي تتعهدها الحكومة الصينية في الجزائر تدفق آلاف العمال الصينيين إلى البلاد للعمل في هذه الورش، لكن بعضهم تحول إلى العمل في المجال التجاري وكونوا علاقات مع السكان الجزائريين.

قصد ترسيخ مفهوم الصداقة بين الشعوب من خلال التجارة. جزائريون وصينيون جنبا إلى جنب سواءا في قطاع التجارة او الورشات او في مجال تبادل الخبرات
ويشكل الحضور الصيني في الجزائر أمرا بارزا وملفتا. فالاستثمارات الصينية المباشرة في الجزائر تتركز في مجال البترول والمعادن. أما عن التبادل التجاري فإنه في تزايد مطرد من 6،4 مليار دولار عام 2011، إلى 3،3 مليار دولار في الربع الأول من عام 2012، أي بزيادة قدرها 37،4 في المائة بالمقارنة مع نفس الفترة من عام 2011.

يعمل الصينيون في الجزائر في كل المجالات تقريبا من الأشغال العمومية والبناء والسياحة والمحروقات والهواتف وغيرها. ويعود تاريخ تكثف الوجود الصيني إلى بداية عام 2000 مع انطلاق عدد من مشاريع الإنشاءات العامة. فقد تمكنت الشركات الصينية من الاستحواذ على عدد كبير من هذه الصفقات من خلال تقديم عروض تنافسية خيالية، وفرضت ندرة الأيدى العاملة الوطنية عليها جلب مئات من العمال الصينيين لإنجاز مشاريعها.
ومع انتهاء هذه الأشغال بدأ هؤلاء في العمل مع خواص في مجالات البناء المختلفة في كل مدن الجزائر. كما دخل عدد منهم المجال التجاري وبدءوا يمارسون التجارة ، وتقدر السفارة الصينية تعداد الجالية الصينية حاليا في الجزائر بـــ35 ألفا.
ويبدو أن التجار الصينيون تكيفوا بسرعة مع الحياة الجزائرية ولم يجدوا صعوبة في التأقلم مع الأوضاع السائدة في الجزائر وهم اليوم ينافسون الجزائريين بدءا من البناء، الحرف اليدوية الصغرى والتجارة الشرعية وغير الشرعية، كما أنهم لم يصبحوا مجرد باعة أو مستخدمين، بل مالكين حقيقيين لهذه المحلات ويحوزون الوثائق والسجلات التجارية خصوصا بعد تسهيل الإجراءات الخاصة بالحصول على السجلات التجارية، فالتشريع الجزائري عرف تسهيلات في مجال تسجيل المؤسسات التجارية والتجار، خصوصا بصدور المرسوم التنفيذي رقم 06 – 454 المؤرخ في 11 ديسمبر 2006، حيث يلغي هذا المرسوم شرط توفر الأجنبي الذي يتقدم بطلب للحصول على سجل تجاري على بطاقة التاجر التي كان يسلمها المجلس الشعبي الولائي المختص إقليميا، كما أن الملف الذي يستوجب على الأجنبي تقديمه لم يعد يختلف عن الملف الذي يستوجب على الجزائري تحضيره.

رغم اختلاف الدين و اللغة و العادات الجزائر تفضل التعامل مع الصين و تعتبره بمثابة المتعامل الأول معها

بالرغم من اختلاف الدين و اللغة و العادات ، غير أن العلاقات بين الجزائر و الصين أخذت بعدا أكثر جدية بعد الزيارات المتتالية لقادة البلدين، حيث ارتفعت وتيرة التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وارتفعت قيمة التجارة بين البلدين. وبدأ التعاون في المشاريع الموقع عليها منذ ازيد من ثلاثة عشريات كاملة ، بما في ذلك مشاريع الزراعة والمياه والفنادق والمطاعم، لتصل المبادلات إلى أرقام قياسية بعد الزيارة الأخيرة التي قادت الرئيس الصيني إلى الجزائر* و اصبحت الصين من بين المتعاملين الأوائل مع الجزائر .‬ وقد اكتسح الصينيون عدة مجالات حيوية في الجزائر، خاصة قطاع البناء، حيث كلفت الشركات الصينية بإنجاز جزء هام من البرنامج السكني البيع بالإيجار، وأخير مجمع صيني بإنجاز القسم الأكبر من مشروع الطريق السيار شرق غرب، وهو مشروع استراتيجي فاز بصفقة إنجازه الصينيون واليابانيون رغم منافسة الشركات الفرنسية والأمريكية، الصفقة افتكها المجمع الصيني “سيتيك أس أر سي سي”، كما افتكت الشركات الصينية العديد من العقود في قطاع الموارد المائية، والتهيئة العامة، وهو عامل سيقفز بحجم الاستثمار الصيني في الجزائر.

ولم يقتصر التعاون بين البلدين في المجالين الاقتصادي والسياسي وإنما شمل كافة المجالات ابتداء بالجانب العلمي، حيث بدأت الصين في إرسال فرق طبية صينية إلى الجزائر ابتداء من سنة 1963، ، كما* وقعت* الصين* والجزائر* حوالى* 20* برنامج* تبادل* واتفاقية* تعاون* تتعلق* بالثقافة* والتعليم* والرياضة* والصحافة*.‬
اهدت ازيد من 700 كتاب و 200 قرص مضغوط و اجهزة اعلام ألي للمكتبة الوطنية الجزائرية.
استعداد و رغبة من طرف دولة الصين الصديقة للتعاون في المجال الثقافي و ادوات المعرفة.
اهدت دولة الصين الشعبية للمكتبة الوطنية الجزائرية كتعبير عن اهتمام الصين واستعدادها الدائم للتعاون الثقافي سيما في ما يخص أدوات المعرفة، 766 كتاب تخص الصين الشعبية وثقافتها، و247 قرص مضغوط، وأجهزة اعلام آلي من أحدث منجزات الصين في هذا المجال . كما عبر المدير العام للمكتبة الوطنية الجزائرية عن شكره وعرفانه لجمهورية الصين شعبا وحكومة، مؤكدا عمق التعاون الجزائري الصين في الماضي والحاضر والمستقبل،. كما أثني على العلاقات الثقافية والاقتصادية العميقة التي تربط بين الصين والجزائر عبر التاريخ و الملاحظ ان دولة الصين الصديقة ماتزال تستقبل البعثات العملية والجامعية من الجزائر و المسجل خلال السنوات الأخيرة اهتمام الجزائريون باللغة الصينية ، والتي أصبحت مطلوبة للتعلم.

من المنطلق الإنساني والتاريخي والحضاري (حضارة عمرها أكثر من 5000 سنة) لا يمكن تصنيف الصين إلا كقوة أمامية. مسيرة ومضمون حضاري بمنطلق فكري متميز يعتمد تمجيد العمل، الاحتكام للعقل، تثمين الإنسان ورفض القهر والهيمنة والاعتداء (الكونفيوشيسية)، وبمكاسب علمية سبّاقة في الابتكار والتطور الصناعي. الصينيون سباقون في صناعة الورق وفي فن صهر البرونز وقبل أكثر من 3000 سنة استخدموا الأدوات الحديدية وأدخلوا صناعة الفخار بما فيها الفخار الأبيض والملون وأبدعوا في نسيج الحرير ودخلوا في صناعة الفولاذ وكانوا سباقين في تطوير الرعاية الصحية والإنسانية خاصة في مجال الطب (الطب الصيني). وبالصين قامت نهضة ثقافية وحضارية إنسانية كبرى قادها فلاسفة ومفكرن وفي مقدمتهم كونفوشيوس والإستراتيجي سون وو المعروف بسون تسو الذين كانوا وراء المرجعية البنّاءة والثقافة الإنسانية المتميزة والحضارة العملية المنتجة لقيم وممارسات المجتمع الصيني المعاصر.
تشكل العلاقات الجزائرية – الصينية نموذجا لذلك. للجزائر ثوابت متجذرة في سياستها الخارجية متمثلة في احترام الوحدة والسيادة الوطنية، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول (والعكس صحيح)، السلم والأمن الدوليين، التعاون الإقتصادي والتجاري المتوازن وخاصة الإستثمار المبني على كسب التجربة والتكنولوجيا ودعم المشاريع الإقتصادية الإستراتيجية للبنية التحتية من أجل التنمية المستدامة.
أثبتت الصين للجزائر بأنها في مستوى هذا التوجه والهدف والمسعى الإستراتيجي في معظم المجالات والمشاريع الإقتصادية المبرمجة (البناء والتعمير، السدود والمياه، الفلاحة والري، الطرقات والسكك الحديدية، اكتساب التكنولوجيا في مجال تكرير البترول مثل ما هو منجز بأدرار، وصفقات أخرى مع الصين تمت (أكتوبر 2016 ) لبناء مصانع تكرير البترول في مناطق متعددة بالجزائر. تعاون بناء ودعم صيني هادف أوصل بالعلاقات الجزائرية – الصينية إلى المستوى الإستراتيجي (2014). أثبتت الصينيون للجزائر أنهم كانوا في مستوى المقاييس والكفاءة العالية لإنجاز المشاريع.
العلاقات الاقتصادية الجزائرية – الصينية وصلت إلى أكثر من 9 ملايير دولار سنة 2015 وإذا سارت على نفس الوتيرة يمكن أن تصل إلى أكثر من 15 مليار دولار في السنوات القليلة القادمة خاصة في مجال الاستثمار الصيني بالجزائر. في إطار البرنامج المكثف للجزائر للبحث عن اقتصاد بديل للنفط، يعتمد الاستثمار وكسب التكنولوجيا أظهرت الصين في أعلى هرم السلطة استعدادها للتجاوب مع هذا التوجه. يمكن للصين تجسيد هذا الهدف إذا كثفت من استثماراتها بالجزائر في الفلاحة، الصناعة والسياحة. توجه الجزائر خاصة في السنوات الأخيرة يعطي أولوية قصوى للبحث عن اقتصاد بديل للنفط، خاصة منذ (2013) انخفاض أسعار البترول في السوق العالمية. ميناء شرشال بولاية تيبازة (شما غرب الجزائر العاصمة) باستثمار أكثر من 3 مليار دولار بشراكة صينية جزائرية يمكن أن يشكل نموذج أمثل لضمان تضاعف العلاقات الإقتصادية الجزائرية الصينية. الميناء جد هام للبلدين بحكم أنه سيصبح من أكبر المواني العربية والإفريقية للتصدير والاستيراد.
وصول العلاقات الجزائرية الصينية إلى المستوى الإستراتيجي لها خلفياتها التاريخية ومرجعياتها السياسية. لقد كانت الصين دعما للجزائر أثناء حرب التحرير الجزائرية (1954-1962) ضد الإستعمار الفرنسي المدعوم من طرف الحلف الأطلسي والمعسكر الغربي. في نفس الفترة كانت الصين مستهدفة كذلك من طرف المعسكر الرأسمالي من خلال حصار السواحل الشرقية الصينية انطلاقا من تايوان، أي أن الجزائر والصين كانتا في جبهة مشتركة.
كما كانت الجزائر دعما للصين في استرجاع مكانتها داخل منظمة الأمم المتحدة وطرد تايوان (1971). أشرف على ذلك الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من موقعه آنذاك كوزير للشؤون الخارجية الجزائرية من خلال ترأسه للجمعية العامة للمنظمة الأممية.
وبالمقابل في الوقت الذي كان للغرب مواقف لا ترقى لمستوى محاربة الجزائر للإرهاب في التسعينيات من القرن الماضي بما فيها سحب كثير من الدول الغربية لممثليهم الدبلوماسيين من الجزائر كانت الصين دعما للجزائر في هذه الفترة في مختلف المجالات الإقتصادية والتعاون البناء بين الدولتين. بل الغرب ذهب لاتهام النظام السياسي الجزائري أنه كان وراء الإرهاب، ولم يتغير هذا الموقف الغربي إلا بعدما ضرب الإرهاب عمق الغرب (منذ 2001).
كما أن للصين مواقف متكاملة مع الجزائر تجاه تسوية المشاكل الإقليمية ومواجهة التحديات الدولية الراهنة تحت شعارات ما يسمى بالربيع العربي، الديمقراطية وحقوق الإنسان ومواقف مشتركة تجاه القضايا الإنسانية والدولية في إطار التوازن والعدالة الدولية بما فيها إصلاح منظمة الأمم المتحدة ودعم حق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها وفق الشرعية الدولية. للصين والجزائر مواقف مشتركة ضد التدخلات الدولية في شؤون الدول والمس بوحدة واستقرار الدولة الوطنية. للصين والجزائر مواقف متكاملة في محاربة الإرهاب مهما كان مصدره ومكانه بعيدا عن الازدواجية في التعامل مع هذا الملف الخطير على الإنسانية جمعاء معتبرين أن أي دعم لتسليح أو تموين عناصر فرديا أو جماعيا مرفوض مهما كان الهدف حتى ولو تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان على غرار ما تقدمه الدول الغربية من دعم بالسلاح والمال لعناصر ضد النظام السوري أو أنظمة أخرى. العنف واستعمال السلاح يؤدي إلى ضرب استقرار الدول والشعوب ويمس بمصالح الجميع.
التعاون المتزايد بين الصين ودول عالم الجنوب، خاصة في العقد الأخير صاحبته حملة إعلامية بالغرب ضد الإنتاج والسلع والاستثمارات الصينية. يتداول أحيانا إعلاميا أو في محطات أو مجالات أخرى بنظرة سلبية، مصطلح أو عبارة’’هذا إنتاج صيني’’، أو ’’سلعة صينية’’. والحقيقة غير ذلك، فهذه النظرة عبارة عن دعاية ممنهجة وبعيدة عن الواقع الفكري والحضاري للسياسة والإنتاج الإقتصادية الصيني، فالصين حضارة عميقة متميزة بالمكاسب النوعية في أعلى صورها معنويا وماديا. ما أنجزته الصين من تشييد عمراني حضاري وهياكل ومؤسسات اقتصادية هي تعيش في الصين وخارجها لآلاف السنين، ويكفي التذكير بسور الصين العظيم بحوالي 21.000 كلم، والابتكارات العلمية العريقة والمتميزة من صناعة الورق إلى الطب الصيني المتميز إلى صناعة الحرير وصناعة القوارب ووسائل النقل البحرية والبرية وغيرها من الإنجازات العريقة، وإلى المكاسب والإنجازات الحديثة وفي مقدمتها السكة الحديدية، الصناعات الكيماوية، الإنتاج الكهربائي، صناعات النقل والتنقل، تكنولوجيات الاتصال والإعلام الآلي، العمران الحديث، …. تباع السلع الصينية بمختلف أشكالها ومجالاتها في أهم المراكز والأسواق العالمية الكبرى وبعواصم الدول الغربية وتنافس إنتاج البلدان الغربية هناك.
المشكل هو ليس في السلع أو المنتجات الصينية، بل هو في الزبون في حد ذاته دولا أو مؤسسات أو أفراد. فبمفهوم اقتصاد السوق، الصيني يعرض اختيارات منتجاته (Les choix) وللزبون الاختيار بين المنتوج أو السلعة من الطراز الأعلى أو من الطراز الأدنى حسب الطلب والثمن المقدم. عندما يتعامل بعض الزبائن، خاصة من دول عالم الجنوب فإنهم يختارون السلع أو المنتجات الأقل ثمنا، وبالتالي يحصلون على منتوج أقل نوعية. فبعض الزبائن يشترون السلعة الصينية بمواصفات دنيا حسب اختياراتهم وعندما يعودون بها يعرضونها على أساس أنها من الطراز الأول. مثلا: تجد البذلة الصينية التقليدية في الأسواق الصينية بقيمة مالية تعادل 400 دينار جزائري، وتجد نفس البذلة ولكن بنوعية أرقى بمبلغ يعادل 40.000 د.ج. أي بزيادة تصل إلى 100 مرة مقارنة بين العرضين.
غير ذلك تكاد الصين أن تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تقدم إنتاجا أو سلعا أو استثمارات بأعلى المقاييس العالمية وبأقل تكلفة من الجميع لسبب أساسي أن تكلفة الإنتاج أقل بالصين سواء من اليد العاملة أو من آلات الإنتاج. العامل في الغرب بحكم غلاء المعيشة والاختلاف حول شروط الحياة التي يتجاوزها الصيني بالاعتماد على النفس في تحسين مستوى معيشته من منطلق العمل الدءوب والجدية والانضباط والقدرة الذاتية اللا متناهية.
المنظومة السياسية والاقتصادية الصينية تسيّر مليار و 350 ألف صيني وتحتل صدارة الإنتاج والاقتصاد عالميا. القراءة الموضوعية والعلمية لمنطق الحياة الإقتصادية السائد والسوق العالمية، يعكس الطلب المتزايد على الإنتاج الصناعي والتكنولوجي الصيني من طرف أعرق الدول الغربية ومن أهم المراكز التجارية الكبرى ببون (ألمانيا)، باريس (فرنسا)، لندن (بريطانيا)، نيويورك وواشنطن وكاليفورنيا (الولايات المتحدة الأمريكية)، ….. الاستثمارات الصينية مطلوبة ليس فقط من طرف دول عالم الجنوب بل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا (دولا وشركات اقتصادية وتجارية عالمية كبرى). الصين هي سوق أساسية للعالم وإن لم نبالغ فهي سوق العالم وذلك ناتج عن العمل والانضباط المسؤول والجدية وتقديم الكفاءة والنوعية العالية، ويتوقف على الزبون الاختيار.

قامت الجزائر و الصين في اطار بناء “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” تعاونات “مثمرة”، جعلت من الجزائر خامس اكبر شريك تجاري افريقي للصين، حسبما اكده سفير جمهورية الصين الشعبية بالجزائر، لي ليانهي.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى