دراسات سياسية

مراحل تطوّر السلطة السياسية بين مبدأ الشورى ومبدأ الديمقراطية

إعداد الطالب: زعـفـري مـراد، من مذكرة مكمّلة لنيل شهادة الماستر في القانون العام الداخلي تحت عنوان: السلطة السياسية بين مبدأ الشورى ومبدأ الديمقراطية، جامعة جيجل 2014-2015

لا شك أنّ السلطة السياسية بالمعنى الحديث مرّت بمجموعة من المراحل التاريخية التراكمية التي مهدت من أجل الوصول إلى المعنى الذي هو متعارف عليه اليوم.

فقد كانت السلطة السياسية تستمدّ أساسها من القوّة والصراع بين الجماعات البدائية، كما إستمدّت أساسها من السلطة الأبوية المتمثلة في ربّ الأسرة. كما وجدت السلطة السياسية أساسها أيضا في مجموعة عوامل متعدّدة كالقوة والإقتصاد والدّين والفكر …إلخ. وكذالك إستمدّت هذه السلطة أساسها من الصراع بين طبقات المجتمع وسيطرة إحداها على الأخرى[1].

وأخيرا جاءت النظريات العقدية التي أرجعت نشوء السلطة السياسية إلى فكرة العقد الإجتماعي الذي نشأت بمقتضاه السلطة السياسية[2].

وسأتطرّق في هذا المبحث إلى المراحل التارخية التي مرّت بها السلطة السياسية في كُلٍّ من النظام السياسي الإسلامي والنظام الديمقراطي، من هنا سأتعرّض لهذا الموضوع في ثلاث مطالب:

ـ المطلب الأول: وأتناول فيه التطوّر التاريخي للسلطة السياسية في الإسلام.

ـ المطلب الثاني:وأتناول فيه التطوّر التاريخي للسلطة السياسية في الفكر الغربي.

ـ المطلب الثالث: وأعقد فيه مقارنة للسلطة السياسية بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي من حيث الوقائع والأحداث التاريخية.

المطلب الأوّل: التطوّر التاريخي للسلطة السياسية في الإسلام.

مرّت السلطة السياسية في التاريخ الإسلامي بمراحل متعدّدة يمكن إبراز أهمّها من خلال ممارستها في العهد النّبوي الشريف [ الفرع الأوّل ]، ثم العصر الرّاشدي [ الفرع الثاني ]، وأخيرا العصر الأموي والعبّاسي [ الفرع الثالث ].

الفرع الأوّل: السلطة السياسية في زمن الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله.

كان للدولة الإسلامية الأولى مميّزاتها الخاصّة بإعتبار أنّ السلطة السياسية فيها كانت تُمَارَسُ من قِبَلِ الرّسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

فقد كانت هذه الدولة هي أوّل دولة للمسلمين في التاريخ، وكانت السلطة العليا فيها لنبي الله صلى الله عليه وآله، وفي المدينة المنوّرة – مدينة يَثْرِب – مارست هذه الدولة سلطتها ونظمت مجتمعها ووضعت دستورها الأوّل، وكان ذلك منذ السنة الأولى للهجرة[3].

والمُتَمَعِّنُ في سيرة الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم وفي نهجه يجد هذا النهج دليلا على لزوم تشكيل الحكومة، وذلك لأنّه هو نفسه قام بتشكيل الحكومة، والتاريخ يشهد بذلك، وقام بتطبيق القوانين وتثبيت أنظمة الإسلام وإدارة المجتمع. فأرسل الوُلاَّةَ إلى الأطراف، وجلس للقضاء، ونَصَّبَ القضاة، ووَجَهَ السفراء إلى الخارج وإلى رؤساء القبائل والملوك، وعقد المعاهدات والإتفاقات، وقَادَ الحروب. والخلاصة أنّه قام بتطبيق مسائل الحكم والدولة[4].

لكن أهمّ عمل قام به الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم بإعتباره قائدا سياسيا متمتعا بصلاحيات سياسية، فضلاً عن تمتعه بالقيادة الروحية والمعنوية، هو إصدار ما يسمّى بالصحيفة والتي تعتبر بمثابة دستور سياسي ينظم حياة المجتمع في المدينة المنوّرة، وذلك بعد هجرته من مكة المكرّمة. وأهمّ ما جاء في هذه الصحيفة ما يلي:

– أنّ المسلمين أمّة واحدة من دون النّاس.

– أنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين.

– أنّ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأنّ بينهم النّصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأنّ بينهم النصح والنّصيحة، والبرّ دون الإثم.

– أنّه لا يأثم إمرؤ بحليفه، وأنّ النّصر للمظلوم.

– أنّ الجار كالنّفس غير مضار ولا آثم.

ـ أنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو إشتجار يُخاف فساده، فإنّ مردّه الى الله وإلى محمّد رسول الله، وأنّ الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه.

ـ أنّه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنّه من خرج آمن ومن قعد آمن في المدينة، إلاّ من ظَلَمَ وأَثِمَ، وأنّ الله جار لمن برّ و اتقى، ومحمد رسول الله[5].

إنّ المتمعِن فيما جاء في هذه الصحيفة يجدها قد تضمّنت مبادئ عامّة درجت الدساتير الحديثة على وضعها، ولعلّ أهمّها تكوين الأمّة وتعريفها، وبيان الحقوق والواجبات المترتبة لطوائفها، وهو أمر جديد في الحياة السياسية في جزيرة العرب، حيث نقل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قومه من شعار القبيلة والتبعية لها إلى شعار الأمّة[6].

وبالرّغم من وجود مظاهر قام الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلم بإرسائها في المدينة المنوّرة، إلاّ أنّ  بعض  الكُتّاب ذهب إلى القول بأنّه << لا نستطيع التحدث عن إدارة جديدة أنشأها النّبي في المدينة خلال السنوات الأولى من هجرته إليها…[7]  >>. كما عبّر آخر بالقول: << من المؤكّد أنّنا لا نجد فيما وصل إلينا من الآثار شيئا واضحا يمكننا ـ ونحن مقتنعون ومطمئنّون- أن نقول أنّه كان هناك نظام الحكومة النّبوية[8] >>.

وفي المقابل، ذهب كُتّاب آخرون إلى أنّ الدولة التي أقامها الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم كانت مناسبة لزمانه وعصره، ومُلَبِّيَةً لحاجات المجتمع آنذاك، وأنّه من غير العدالة والإنصاف أن نأتي إلى مصطلحات هذا العصر لنحكم من خلالها على عدم وجود دولة في عهده صلّى الله عليه وآله وسلم.                                                  ومن الذين ذهبوا هذا المذهب إبن تيمية الحرّاني، حيث قال في كتابه [ الحسبة ]:

<< كان رسول الله (ص) يتولّى جميع ما يتعلّق بوُلاّة الأمور، يولّي في الأماكن البعيدة عنه، وكان كذلك يُؤمِّر على السرايا، ويبعث في الأموال الزكويّة السُعاة فيأخدونها ممّن هي عليه ويدفعونها إلى مستحقيها الذين سمّاهم الله في القرآن، وكان يستوفي الحساب على العمّال، يحاسبهم على المستخرج والمصروف[9] >>.

لكن المتأمِّل في المسألة بحق وإنصاف سوف لن يحتاج إلى كثير من النّقاش، لأنّه إذا سلّمنا بأنّ الإسلام عقيدة وعبادة ونظام، فحينئذ لا مفّر من أن نسلّم بأنّ هذا النظام الوارد في الكتاب والسنّة قد وُضِعَت الوسائل اللاّزمة لتطبيقه، وإلاّ كان نظاما نظريا لا قيمة له في الواقع العملي، فإمّا أن نسلّم بأنّ الإسلام نظام إلاّ أنّ هذا النظام لم يكن موضع تطبيق، وهو ممّا يأباه المنطق و العقل السليم، وإمّا أن نؤمن بأنّ هذا النظام قد أرسى قواعده الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم كأحسن ما يكون التنظيم وفقا للحاجات المجتمعية التي كانت في ذلك العصر[10].

ويَرِدُ على مُنكِريّ وجود النظام السياسي الإسلامي، بأنّ إنكار وجود هذا النظام يؤدي إلى إنكار ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية، وبالتالي فهم ينكرون ضرورة تطبيق الأحكام الإسلامية، ممّا يجعل من هذه الأحكام أحكاما نظرية غير قابلة للتطبيق. على أنّ أهمّ نقطة في النظام الذي أقامه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم هو نظرته إلى الجماعة الإسلامية كأمّة واحدة، آخذا في الإعتبار مصلحتها بالدرجة الأولى، وكذلك أفراد الجماعة، فقد كانوا ينظرون إلى مصلحة الأمّة، وهذا الأمر هو خير مقياس لِرُقَيّ الأمّة، من هنا فإنّ الحكومات الناجحة هي التي تنظر في تصرّفاتها لمصلحة الجمهور وينظر الأفراد لمصلحة الأمّة[11].

الفرع الثاني: السلطة السياسية في زمن الخلفاء الرّاشدين.

بعد انتقال الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم إلى الرّفيق الأعلى، لم يتردّد أحد من المسلمين في ضرورة وجود حكومة بعده، فلم يقل أحد لا حاجة لنا بالحكومة، بل كان الجميع متفقون على ضرورة تشكيل الحكومة. من هذا المنطلق تأسّست الحكومة بعد رحيله صلّى الله عليه وآله وسلم في زمن الذين تصدّوا للخلافة بعده، وكان هناك نظام حكومي تجري من خلاله عملية الإدارة والتنفيذ[12].

أَوّلاً: السلطة السياسية في زمن أبي بكر الصديق(رض).

إتفق المسلمون على ضرورة وجود حكومة أو سلطة سياسية تقوم بإدارة الدولة بعد وفاة الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم، لكن ممّا لا شك فيه أنّ الخلاف قد وقع حول من يتولّى ذلك. وأوّل الخلاف وقع في سقيفة بني ساعدة.

فقد إجتمعت الأنصار في هذه السّقيفة بعد وفاة رسول الله مباشرة، فقالو: [ نُوَّلي هذا الأمر بعد محمّد، سعد بن عبادة ]، وأخرجو سَعْدًا إليهم وهو مريض… فحمد الله وأثنى عليه وذكر سابقة الأنصار في الدّين وفضيلتهم في الإسلام وإعزازهم للنّبي وأصحابه، وجهادهم لأعدائه حتى استقامت العرب وتُوفيّ الرّسول وهو عنهم راض. وقال: [ إستبدّوا بهذا الأمر دون الناس ]، فأجابوه بأجمعهم أَنْ: [ قد وُفِقْتَ في الرّأي وأصبت في القول، نُوَلِّيكَ هذا الأمر ].

فقال المهاجرون: [ نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأوّلون، ونحن عشيرته وأولياؤه، فَعلامَ تنازعوننا هذا الأمر بعده؟ ]، فقالت طائفة من الأنصار: [ فإنّا نقول إذًا، منّا أمير ومنكم أمير ]، فقال سعد بن عبادة : [ هذا أوّل الوَهَن[13] ].

سمع أبو بكر وعمر بذلك فأسرعا إلى السّقيفة مع أبي عبيدة بن الجرّاح، وإنحاز معهم أسيد بن حضير وعويم بن ساعدة وعاصم بن عديّ من بني عجلان[14]. فقال عمر: [ هَيْهات، لا يجتمع إثنان في قرن… والله لا ترضى العرب أن يؤمّروكم ونبيّها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع أن تُوَلّي أمرها من كانت النبوّة فيهم، وَوَلِيّ أمورهم منهم … مَن ذا ينازعنا سلطان محمّد وإمارته ونحن أولياءه وعشيرته ].

قال عمر: فكثر اللّغظ وارتفعت الأصوات حتى تَخوّفتُ الإختلاف، فَقلتُ أبسط يدك يا أبا بكر لأبايّعك، فلمّا رأى الأوس ذلك قامو فبايعوه، فانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانو أجمعوا عليه من أمرهم… فأقبل النّاس من كلّ جانب يبايّعون أبا بكر[15].

ولما بويّع أبا بكر في السّقيفة وكان في الغد، جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلّم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه… وذكر أنّ قوله بالأمس لم يكن من كتاب الله ولا عهدا من رسوله، ثمّ قال: [ إنّ الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله (ص) ثاني اثْنيْن إذْ هما في الغار، فقوموا فبايّعوه ]. فبايع النّاس أبا بكر بيعته العامّة بعد بيعة السّقيفة[16].

الحقيقة أنّ هذه الأحداث تنمّ عن مدى تَفَاجُئ الرّعيل الأوّل من المسلمين بخصوص آليات انتقال السلطة السياسية آنذاك، ممّا جعل الجميع يُبدي رأيّه في القضية، ويمكن وصف هذه الأحداث بالصّدمة المفاجئة بعد وفاة الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم، والتي جعلت الرّعيل الأوّل يعيش مثل تلك الأحداث التي تركت أثرها على السلطة السياسية.

وممّا يلاحظ على خلافة أبي بكر أنّها كانت ذات فترة قصيرة، فَضلاً عن أنّها شهدت قتال المُرتدّين لبناء استقرار الدولة الداخلي[17].

ثانيا: السلطة السياسية في عهد عمر بن الخطاب (رض).

لم يكن انتقال السلطة السياسية بعد وفاة أبي بكر صَعبًا كما هو الحال بعد وفاة النّبي الأعظم، بإعتبار أنّ أبا بكر لم يفسح المجال للأمّة من أجل النّظر في هذا الموضوع، بعد أن نصّ على خلافة عمر بن الخطّاب في مرض وفاته.

فقد دعا أبو بكر، عثمان خَالِيًا، فقال: [ أكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين أما بعد ]. ثمّ أُغْمِيَ عليه، فذهب عنه. فكتب عثمان: [ أمّا بعد، فإنّي إِستخلفتُ عليكم عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيرا ]. ثم أفاق أبو بكر، فقال: [ إقرأ عَلَيَّ ]، فقرأ عليه، فكبّر أبو بكر، وقال: [ أراك خِفْتَ أن يختلف النّاس إن أفلتت نفسي في غشيّتي؟ ]، قال: [ نعم ]، قال: [ جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله[18] ]. وأقرّها أبو بكر من هذا الموضع.

من خلال التأمّل في هذا النّص يتضح لنا جليًّا أنّ الخليفة الأوّل إخترع آلية جديدة لإنتقال السلطة السياسية، وهي آلية النّص على شخص بعينه.

وقد تميّز عهد عمر بن الخطاب باتساع رقعة الدولة الإسلامية نتيجة الفتوحات التي حدثت في عهده، ممّا جعل هناك إعادة النّظر في إعادة الهيكل الإداري للدولة الجديدة وإيجاد تنظيم إداري أكثر انسجاما مع المعطيات الجديدة، ولذلك إنعقد الرّأي بعد المشورة على الأخذ بنظام الدواوين، فأنشأ عمر دَيْوانَيْن: الأوّل ديوان المال أو ديوان العطاء، والثاني ديوان الإنشاء لحفظ الوثائق والمكاتبات الرّسمية[19].

ثالثا: السلطة السياسية في عهد عثمان بن عفان ( رض).

عرف انتقال السلطة الى عثمان بن عفّان آلية جديدة عُرِفت بالشورى كما سمّاها عمر بن الخطّاب، لكنّها شورى محصورة في ستة نفر، هُم: عَليّ وعُثمان وطلحة والزبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص[20].

وممّا قاله عمر وهو على فراش الموت بعد أن عَيّن أصحاب الشورى الستة: << إنّ رجالاً يقولون أنّ بيعة أبي بكر فلتة – أيّْ فجأة دون دراسة وتخطيط – وَقى الله شرّها، وإنّ بيعة عمر كانت من غير مشورة، والأمر بعدي شورى، فإذا اجتمع رأيّ أربعة فليتبع الإثنان الأربعة، وإذا اجتمع رأيّ ثلاثة وثلاثة فاتبعوا رأيّ عبد الرّحمن بن عوف[21] >>.

ما يلاحظ على هذه الآلية الجديدة هو أنّ الشورى مورست في نطاق محدود جدّا، بل إنّ ترجيح رأيّ عبد الرّحمن بن عوف في حالة التساوي بين الأراء، جعل هناك صورة جديدة لممارسة الشورى، وهو ما يمكن تسميّته بالشورى المقيّدة أو المحدودة.

وقد ذهب بعض الكُتّاب إلى أنّ أحداث السّنوات السِّت الأواخر من عهد عثمان، كانت تعبّر عن فراغ دستوري كبير في نظام الحكم الذي قام بعد رحيل النّبي صلّى الله عليه آله وسلّم، ويتجلّى هذا الفراغ في عصرنا في ثلاثة مسائل رئيسيّة هي:

1– عدم إقرار طريقة واحدة مقنّنة لتعيّين الخليفة، حيث تم تعيّين أبي بكر في ظروف استعجاليّه إستثنائيّة.

2– عدم تحديد مدّة ولاية الخليفة.

3– عدم تحديد إختصاصات الخليفة[22].

رابعا: السلطة السياسية في عهد الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

بعد مقتل عثمان بن عفان إنحلّ المسلمون من كل بيعة سابقة مُلزِمة لهم، فتهافتوا على عَليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه لِيبايّعوه.

فأتاه أصحاب رسول الله فقالوا: [ إنّ هذا الرّجل قد قتِل ولا بدّ للنّاس من إمام، ولا نجد اليوم أحق بهذا الأمر منك، لا أقْدَم سابقة ولا أقْرَب من رسول الله ].

فقال: [ لا تفعلوا فإنّي أكون وزيرًا خير من أكون أميرًا ].

فقالوا: [ لا والله، ما نحن بفاعلين حتى نبايّعك ].

قال: [ ففي المسجد، فإنّ بيعتي لا تكون خفيًا، ولا تكون إلاّ عن رِضا المسلمين[23] ].

والملاحظ على هذه الآلية الجديدة هو أنّ الرّعية أو الأمّة هي التي تعرض أو ترشح الشخص لِتَوَلّي السلطة وولاية الأمر، وهو أمر لم يحصل من قبل. فضلاً عن ذلك فإنّ المترشح يرفض أن يبايّع خفية ويشترط البيعة العامّة في المسجد وبِرِضا جميع المسلمين.

فهذه الآلية تكتسي نوعًا جديدا من الممارسة التي تفتقد إليها الآليات السّابقة، التي تمّ من خلالها إنتقال السلطة السياسية. وقد تميّزت فترة خلافة الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه بمجموعة من الأحداث والتحدّيات والحروب التي انتهت بإستشهاده على يد عبد الرّحمن بن ملجم الخارجي، وهو قائم يُصلّي في المحراب.

الفرع الثالث:السلطة السياسية في العصر الأموي والعبّاسي.

أَوّلاً: السلطة السياسية في العصر الأموي.

بانتقال الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان الأموي أخذت شكلا جديدّا لا عهد للمسلمين به من قبل، أهمّها حَصْرُ الملك في أسرة واحدة، وهي أسرة الأمويّين، وقد كانت من قبل تعتمد على اختيار الخليفة أو اختيار أهل الحلّ والعقد، بل جعلها معاوية كذلك وِراثية، فعهد بالأمر مِن بعده لابنه يزيد[24]. وتحوّلت الخلافة منذ ذلك الحين إلى نظام الملكية، مع تمسّك شكلي بفكرة البيعة التقليدية[25].

وقد عُرِفت الخلافة الأموية بأنّها خلافة قَبليَة عربية خالصة، ذلك أنّها لم تستخدم إلاّ الأقرباء والأولياء، ولعلّ ذلك راجع إلى عدم الثقة في كل من هو خارج الأسرة الأموية وحاشيّتها، وإنْ كان على درجة عالية من التقوى والصلاح.

وقد لعب نقل الأمويّين العاصمة من المدينة المنوّرة إلى دمشق مسكن الرّومان، دورًا كبيرا في الاقتباس من المدنيات القديمة في نُظمِهم وسياستهم، وهو الأمر الذي أضفى على الدولة الأموية شكلا جديدًا لم تعهده دولة الخلافة[26].

ولأنّ الدولة الأموية أصبحت مترامية الأطراف بسبب الفتوحات التي حصلت في عهدها، فقد قسّم الأمويون دولتهم إلى ولايات يختلف عدد موظفيها الرّؤساء، فجعلوا في كلّ ولاية أميرا يوجه سياستها الداخلية ويقود جيشها، يعاونه على هذا الأمر صاحب الشرطة ومعه عامل خراج يشرف على جباية الضرائب، وتُجمَع أحيانا هاتان الوظيفتان في يد الأمير، ثم القاضي وهو تحت سلطة الأمير من الناحية الإدارية فقط[27].

كما إستند النظام الإداري والعسكري في الدولة الأموية إلى الدواوين، وقد بدأت قليلة العدد ثم توسعت وتعددت حسب الحاجة. وأهمّ هذه الدواوين:

1– ديوان الخراج: وهو من أهمّ الدواوين جميعا، لأنّه يختص بالشؤون المالية للدولة، ويتولى تسجيل الأأأموال التي ترِد عليها أو ماينفق منها.

2– ديوان الرّسائل: يقوم بمراسلات الخليفة مع الولايات ومع عمّال الخراج، وقد إستُحدث زمن معاوية بن أبي سفيان، ولم يكن موجودا قبل ذلك، كما يشرف على الرّسائل الواردة من الولايات.

3– ديوان الخاتم: إستحدث معاوية بن أبي سفيان هذا الديوان حتى لا تخرج التوقيعات بدون ختم، فلا يعلم ما تحتويه من أسرار غير الخليفة، فلا تتعرض هذه التوقيعات للتزوير أو التعديل.

4– ديوان البريد: إستحدث معاوية هذا الديوان بعد أن إتسعت الدولة وبَعُدَتْ الأقاليم عن بعضها البعض، وأصبح من الضروري نقل الرّسائل في سرعة متناهية لتسهيل الإتصال السريع بين الخليفة وبين عمّال الأقاليم، فكانوا يضعون مضمرات الخيل في عدّة أماكن، فإذا وصل صاحب الخبر المسرع إلى مكان منها وقد تعب فرسه، ركب غيره فرسا مستريحا، وكذلك يفعل في المكان الآخر حتى يصل بسرعة[28].

كما عُرِفَ في العصر الأموي منصب الوزارة من حيث التسمية لا من حيث الإختصاص، وكان زياد بن أبيه أوّل من لقب بوزير في عهد معاوية بن أبي سفيان، وروح بن زنباع الجذامي في عهد عبد الملك بن مروان[29].

لعلّه مما تقدم، يتضح جليًّا أنّ شكل السلطة السياسية لدى المسلمين قد إنقلب رأسا على عقب بوصول الأمويّين إلى سدّة الحكم من خلال تحول السلطة السياسية من نظام الخلافة إلى نظام الملك والوراثة.

ثانيا: السلطة السياسية في العصر العباسي.

لم يكن حال السلطة السياسية في العصر العباسي أفضل منه في العصر الأموي، حيث يمكن الجزم بأنّ طريقة الحكم بقيّت على ما هي عليه، مع بعض التعديلات الشكلية التي أَضْفَتْ على الدولة بعض الخصائص التي تميّزت بها عن الدولة الأموية.

فبعد أن كانت هذه الأخيرة تعتمد في حكمها على الأقرباء والأولياء، أصبحت الدولة العباسية تشارك في شؤون حكمها مجموعة من الأعاجم الذين شاركوا بشكل أساسي في قيامها من خلال الثورة التي أعلنوها ضد الأمويّين، والتي نجحت في إسقاط الدولة الأموية[30].

لقد نشأت فكرة الخلافة في بني العبّاس من خلال محمّد بن علي بن عبد الله بن عباس الذي كان يرى أنّ نقل السلطة السياسية من بيت إلى بيت لا بد أن يُسبق بإعداد أفكار الأمّة إلى هذا النقل، فطلب من شيعته أن يؤلّفوا منهم دعاة يدعون الناس الى ولاية هلأهلأأهههأهل البيت أهل البيت النبوي الشريف بدون أن يُسَمُّوا أحدًا، خوفا من بني أميّة أن يقضوا على المدعو إليه إذا عُرِف.

ورأى العبّاسيون أنّ أفضل منطقة يبثّون فيها الدعوة هي الكوفة وبلاد خراسان، أمّا الكوفة فلأنّها مهد التشيّع من قديم، فيمكنهم أن يأووا إليها ويجعلوها نقطة مواصلاتهم. وأمّا خراسان فسهولة الدّعوة العباسية مبنية على أمرين:

ــ الأوّل: أنّ فكرة التشيّع يفهمها الخراساني من المسلمين بسهولة، لأنّ مؤدّاها نقل الخلافة إلى بيت النبيّ، صاحب الرّسالة وسيد الأمّة.

ــ الثاني: أنّ البلاد الفارسية كانت ذات تاريخ وملك قديمَيْن، ولذلك فائدة كبيرة في حياة النفوس، وقد عاملهم بنوا أميّة معاملة السّادة للعبيد[31].

من هنا كان للأعاجم دور كبير في إسقاط الحكم الأموي، وقد كافأهم العبّاسيون بعد تأسيس دولتهم من خلال الإفساح لهم للمشاركة في تسيّير شؤون الدولة الجديدة، لكن تركيز السلطة السياسية كان بيد العباسيّين من خلال الصلاحيات المطلقة التي كان يتمتع بها الخليفة العبّاسي.

ما يمكن إستخلاصه من خلال السلطة السياسية التي مارسها الأمويون والعبّاسيون، هو أنّ الدولة في هذين العهدين قامت على أساس الملكية الوراثية، وجعلت للرأيّ العام دورا محدودًا، مؤسِّسة ذلك على مبادئ كالحسبة والقضاء، إضافة إلى ذلك، ولأنّ العديد من غير العرب دخل في الإسلام، فقد أدخل          هؤلاء معهم تقاليد جديدة حول السلطة والقانون، كالقانون الرّوماني في دمشق وبيروت ومصر.

إلاّ أنّ الفقهاء حاولوا تبني المبادئ والتقاليد الجديدة في المؤسّسات، كولاية المظالم وإدخالها ضمن المبادئ والمفاهيم الإسلامية[32].

فقد أقام الأمويون نظاما ملكيًا هو الأوّل من نوعه في الإسلام، وسارت الحكومات التي جاءت من بعدهم على هذا النّهج.

والنتيجة أنّ دولة المسلمين بعد الخلافة الراشدة لم تكن إسلامية ولا غير إسلامية بأتمّ مدلول الكلمتَيْن، كان قد تغيّر فيها أساسان مهمّان من أسس الدستور الإسلامي، الأساس الأوّل: إنتخاب الأمير، والثاني: تسيّير نظام الدولة بالمشورة[33].

المطلب الثاني: التطوّر التاريخي للسلطة السياسية في الفكر الديمقراطي.

لعبت مراحل تطور السلطة السياسية في الفكر الغربي دورا كبيرا في بلوَرة آليات ممارسة هذه السلطة، ومن أهمّ العصور التي لعبت هذا الدور العصر اليوناني والرّوماني (الفرع الأول) والعصر الوسيط (الفرع الثاني)، فضلا عن العصر الحديث (الفرع الثالث).

الفرع الأول: السلطة السياسية في العصر اليوناني والرّوماني.

أوّلاً: السلطة السياسية في العصر اليوناني.

تعتبر أثينا النموذج الأمثل الذي يُقتدى به قديما ويُعَوَّلُ عليه في مثل هذه الدراسات حديثا، حيث كانت أثينا سيدة المدن اليونانية بما فيها إسبرطة، فهي التي منحت الحضارة اليونانية القديمة وحدتها، وهي التي طالما هيمنت سياسيا على عالم بحر إيجة[34].

ولعلّ أهمّ الفلاسفة اليونانيّين الذين حاولوا معالجة مسألة السلطة السياسية في عصرهم، هما أفلاطون وأرسطو طاليس.

السلطة السياسية عند أفلاطون.

يرى أفلاطون أنّ السلطة السياسية تتأسّس من خلال تلك الإرادة المتحدة للمدينة، فهو يرى أنّ هذه الإرادة هي مصدر السيادة[35].

لكن في نظره يرى أنّه يستحيل أن يستقيم حال المدينة وتهدأ حدّة الشرور التي تصيب الدولة والتي تصيب الجنس البشري بأكمله، ما لم يصبح الفلاسفة ملوكا في بلدانهم، أو يصبح أولئك الذين نسميهم الآن ملوكا أو حكاما، فلاسفة متعمّقين، وما لم تتجمّع السلطة السياسية والفلسفة في فرد واحد.

ولأجل أن يقنع أفلاطون الناس بهذه الفكرة، ذهب إلى أنّ الطبيعة هي التي فطرت البعض بحيث يتعلّق بالفلسفة وبحكم الدولة، وفطرت البعض الآخر بحيث يعجز عن التفلسف ويُطيع من يحكمه[36].

من هذا المنطلق إعتبر أفلاطون أنّ أفضل أشكال الحكومات هي حكومة الحكماء التي تقوم على الحكمة والمعرفة ممّن يتوافر في أعضائها الفضيلة، ولا يؤثر في أن تكون لفرد أو لقلّة أو حتى لكثرة، كما لا يؤثر في شأنها عدم إصدار قانون عام، أو أن يكون الحاكم فقيرا أو غنيا، فهذه أمور لا تمس جوهر السلطة في شيء ما دام الحكم بيد الحكماء، فهم لا يفعلون إلاّ ما هو خير وعدل[37].

لقد كان هدف أفلاطون في كتابه [ الجمهورية ]، هو تحديد صورة الدولة المثالية التي تتحقق فيها العدالة، وهو ماجعل تحقيق مثل هذه الدولة صعب المنال إِنْ لم يكن ضربًا من المحال.

لكن مع ذلك بقيّت أراؤه السياسية مؤثرة حتى في العصر الحديث، بما دعت إليه من ضرورة التخطيط العلمي للمجتمع، وما ينبغي على الدولة أن تقوم به من مهام تربوية وإجتماعية[38].

وقد قسّم أفلاطون الدولة المثالية إلى ثلاث طبقات هي:

ــ طبقة القضاة والحكام، ويمثلها الفلاسفة.

ــ طبقة المحاربين أو الحرّاس.

ــ وطبقة المزارعين والحرفيّين[39].

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ أفلاطون لا يرى تحقق جمهوريته المثلى من خلال تَوَسُعِهَا أو كثرة عدد سكانها ولا بثرواتها، بل بعدالة الدولة وإستقرارها وسعادة مواطنيها، وهذه لا تتحقق إلاّ في وحدة الدولة التي لا تختلف مصالحها عن مصالح الفرد ولا تختلف مصالح الفرد عن مصالحها، فالفرد والدولة عبارة عن عملة واحدة ذات وجهين، حيث تَصَوُرُ عظمة الدولة في تأمّلنا للفرد، ويمكن فهم حقيقة الفرد من خلال تصورنا وفهمنا لنظام الدولة[40].

من هنا يتضح جليًّا أنّ الأساس الذي يستند عليه أفلاطون في إنشاء جمهوريته المثالية هو الأساس العقلي الذي لا يوجد إلاّ عند الفيلسوف، حيث أنّ هذا العقل هو وحده القادر على التحكم في السلطة السياسية التي من خلالها يمكن تحقيق العدل.

لكن سرعان ما تراجع أفلاطون عن جمهوريته المثالية التي أسّس لمبادئها في كتابه [ الجمهورية ]، بعدما رأى أنّها أقرب الى عالم المِثال منه الى عالم الواقع. ومن هذا المنطلق قام بتصنيف كتاب         [ القوانين ] الذي ظهر فيه كمشرّع أكثر منه كفيلسوف[41].

ويؤكّد أفلاطون في كتابه الأخير بأنّ توزيع السلطة يكون بين عدّة هيئات هي:

ــ مجلس السيادة المُكَوَّن من عشرة أشخاص يهيمنون على دفّة الحكم وفقا للدستور.

ــ جمعية تضمّ الحكماء مهمّتها الإشراف على التطبيق السليم للدستور.

ــ مجلس شيوخ منتخب مهمّته التشريع.

ــ هيئة لحلّ المنازعات التي تقوم بين الأفراد.

ــ هيئات للبوليس وأخرى للجيش مهمّتها الحفاظ على الأمن وسلامة التراب.

ــ هيئات تنفيذية وتعليمية لإدارة مرافق الدولة.

ومن ثَمّ، فإنّ أفلاطون يرى توزيع وظائف الدولة بين هذه الهيئات السِت بالتوازن والتعادل حتى لا تنفرد هيئة بالحكم وتمسّ سلطة الشعب، ممّا يؤدي إلى وقوع إنقلاب أو ثورة[42].

2ـ السلطة السياسية عند أرسطو طاليس.

إذا كان منهج أفلاطون يميل في رؤيته السياسية إلى حالة من النزعة العقلية الفلسفية، قبل تراجعه عنها في كتابه [ القوانين ] الذي ظهر فيه كمشرّع أكثر منه كفيلسوف، فإنّ أرسطو طاليس ظهر من الوهلة الأولى أكثر واقعية مع ما كان يعيشه المجتمع الأثيني اليوناني.

فقد لعب كتابه [ السياسة ] دورًا هامًّا في الفكر الغربي خاصّة وفي الفكر الإنساني عامّة، وظلّ هذا الكتاب خلال قرون طويلة هو كتاب الفلسفة السياسية[43]. وقد بَيَّنَ أرسطو أنّ السلطة السياسية يجب أن تنبع من الجماعة وليس من شخص الحاكم، وأنّ أفضل الحكومات هي الحكومة التي يسود فيها القانون[44]. وهذا معناه أنّ شرعية السلطة السياسية عند أرسطو لا بدّ أن تتأسس من خلال إرادة ورِضَى الجماعة.

وإكتشف أرسطو بعد دراسته لمئة وثمانية وخمسين (158) دستورا من دساتير المدن السياسية، أنّ هناك ثلاث أشكال للحكومات هي: الملكية، والأرستقراطية، والديمقراطية. وأنّ الحكومات الصالحة تشمل النظام الملكي الذي يكون الحكم فيه فرديا، والنظام الأرستقراطي الذي يكون الحكم فيه في يد الأقلية المتميّزة بميزة المولد، وأخيرا النظام الدستوري الذي يكون الحكم فيه للأكثرية.

أمّا الحكومات الفاسدة فيرى أرسطو أنّها تشمل النظام الإستبدادي أو حكم الطغيان، حيث يكون الحاكم فردا يستغلّ الحكم لمصلحته الخاصّة. والنظام الأوليغارشي حيث تكون السلطة في يد أقليّة من الأغنياء الذين يستغلّون الحكم لمصلحتهم الخاصة. وأخيرا حكم الديمقراطية[45]* وفيه تكون السلطة للأغلبيّة من الفقراء الذين يستغلّون الحكم لمصلحتهم ضد الأغنياء[46].

ويُلاحظ على هذا التقسيم الذي قام به أرسطو والحكم على صلاحية النظام الحاكم، أنّ النقطة الجوهرية التي يستند عليها في ذالك هي مدى خدمة النظام للمصلحة العامة التي هي أساس الحكم الصالح.

ولكي تتحقق هذه المصلحة العامة يرى أرسطو أنّ الحاكم لا بدّ أن يكون أكثر فضيلة وخيرية لأنّه يتمتع بمرتبة الإمارة وله حق الطاعة على بقية المواطنين[47].

ويَعتبر أرسطو أنّ أفضل النُظم هو نظام الدولة الدستورية التي يكون عمادها الطبقة المتوسطة، أمّا الطبقتان الشديدة الثراء والشديدة الفقر فلا يصلحان لرعاية مصالح المدينة والإهتمام بشؤونها، لأنّ الأولى هدفها إقتناء المال وإكتنازه، وأمّا الطبقة الفقيرة فلا يعنيهم سوى السعي وراء الرّزق لسدّ رمقهم، أمّا الطبقة الوسطى فإنّ أفرادها يمتلكون قدرًا وسطا من الثروة والفسحة من الوقت لممارسة الألعاب الرياضية التي تؤهلهم للدفاع عن المدينة وإكتساب المعرفة اللاّزمة لإدارة شؤون الحكم[48].  ممّا يعني أنّ الحكم الصالح عند أرسطو هو الحكم الذي يكون بيد الطبقة المتوسطة التي يراها أحرص على تحقيق المصلحة العامّة.

من هذا المنطلق دعا أرسطو إلى نظام سياسي مختلط هو وسط بين الأوليغارشية والديمقراطية، يكون الحكم فيه بيد الطبقة الوسطى التي يتصف أفرادها بالإعتدال ويتحقق فيها التوازن بين الغني والفقير، والقدرة على إدارة شؤون البلاد من أجل مصلحة  الجميع. وقد أطلق أرسطو على هذه الطبقة إسم الدستورية، وأطلق على النظام الذي تحكم في ظلّه إسم نظام الحكم الدستوري، وفي ظلّ هذا النظام يسود القانون لا الحاكم[49].

 ومن ثمّ يتضح أنّ معنى الدستورية عند أرسطو يختلف عمّا هو عليه اليوم، حيث كان يرى في هذا المعنى ضرورة وجود طبقة متوسطة تدير السلطة السياسية ممّا يُصبغ عليها صفة الدستورية أو الحكم الدستوري.

وقد قام أرسطو بتقسيم وظائف الدولة إلى ثلاث، هي:

ــ وظيفة المداولة: وهي من إختصاص الجمعية العامّة أو مجلس يقضي في المسائل الهامّة.

ــ وظيفة الأمر والنّهي التي يقوم بها القضاء.

ــ وظيفة القضاء: التي تقوم بها المحاكم[50].

وقد أكّد على ضرورة الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث تتولى كلٌ منهما هيئة مستقلّة عن الأخرى، كما أكّد على عدم تركيز أعمال الدولة في يد واحدة، بل يجب أن يُعهد بها إلى هيئات مختلفة تتعاون فيما بينها وتراقب بعضها.

كما يرى أنّ التشريع الذي هو القانون الوضعي لا بد من خضوعه للقانون الطبيعي، ذلك أنّ القانون الوضعي يستمدّ قوّته الملزمة من القانون الطبيعي، وهذا الأمر هو ما يقضي به القانون الطبيعي[51].

وأخيرا يجدر التنويه إلى أنّ رؤية أفلاطون وأرسطو للسلطة السياسية في أثينا اليونانية لم تكن الوحيدة التي حاولت إعطاء رؤية سياسية فلسفية لنظام الحكم السياسي في أثينا، بل كانت الإصلاحات الدستورية التي قام بها ( كليستينيس ) عام 507 ق م منعطفا حاسما على  صعيد السلطة السياسية. حيث قام بتشكيل ثلاث هيئات سياسية هي:

ــ الجمعية الشعبية: وكانت تتكوّن من المواطنين الذكور في المدينة البالغين سن العشرين، وكانت تعقد إجتماعاتها عشر مرّات في العام الواحد.

ــ مجلس الخمسمائة: ويُنتخب سنويا بالإقتراع من جميع القرى، ولهذا المجلس مهمّتان رئيسيّتان هما:

* الإشراف على نشاط الحكام وتنسيق جهودهم.

* وإعداد جداول أعمال الجمعية الشعبية.

ــ المحاكم الشعبية: وكان أعضاؤها من المحلّفين يُختارون لكل دعوى بالإقتراع المباشر، وكانت مهمّتها حماية الدستور والفصل في القضايا الشخصية، وكذالك البت في المسائل السياسية أيضا[52].

ممّا تقدّم يتضح أنّ الأثينيّين كانوا يحاولون دائما إيجاد آليات قانونية لممارسة السلطة السياسية، وإِنْ إختلفت الرؤى فيما بينهم حول كيفية إنشاء هذه الآليات وطبيعة عملها وإختصاصاتها.

ثانيا: السلطة السياسية عند الرّومان.

تأسّست روما كدولة مدينة قبل الميلاد بقرون، وكان لها حكومة ملكية ومجلس شيوخ وجمعية عامّة، وبعد إنهيار النظام الملكي الرّوماني نتيجة ثورة المزارعين الرّومانيين، ظهر ما يسمى بالعصر الجمهوري الذي حلّ فيه محلّ الملك حاكمان ينتخبهما مجلس الشيوخ، وهما القنصلان لإدارة الجمهورية وقيادة الجيش[53]. وقد أصبح مجلس الشيوخ في هذا العصر يتمتع بصلاحيات واسعة، حيث ينظر في السياسة الخارجية وميزانية الدولة، ويعطي رأيّه في مشاريع القوانين الذي يصادق عليها مجلس الشعب. وأصبح من حق الجمهور دخول هذا الأخير، الذي يحق له وحده سنّ القوانين[54].

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الرّومان إستمدّوا أفكارهم السياسية من الفكر اليوناني، وخصوصا أفلاطون وأرسطو، وعلى هذا فإنّ الفكر السياسي الرّوماني لم يكن في الحقيقة فكرا أصيلا.

ومن أهمّ المفكرين الرّومانيّين الذين تأثروا بالفكر السياسي اليوناني، [ بوليب ] و [ شيشرون ].

1ـ السلطة السياسية عند [ بوليب ].

كان نظام الحكم الرّوماني في عهد [ بوليب ] نظاما جمهوريا، حيث إنسجمت فيه مختلف الطبقات التي كانت متصارعة، ممّا ساعد على الإستقرار السياسي الداخلي للجمهورية الرّومانية[55].

وقد ذهب [ بوليب ] في رؤيته للنظم السياسية إلى ما كان يراه اليونانيون، فهو يصنّف الأنظمة الصالحة إلى: النظام الملكي، والنظام الأرستقراطي، والنظام الديمقراطي، بينما يصنّف الأنظمة الفاسدة إلى: النظام الإستبدادي، والنظام الأوليغارشي، ونظام الغوغاء[56].

ويعتقد [ بوليب ] في نظرته السياسية بأنّ سلطة القناصلة في النظام الجمهوري كانت تبدو وكأنّها سلطة ملكية. كما أنّ مجلس الشيوخ كان يبدو وكأنّه سلطة أرستقراطية ( أوليغارشية )[57]*. أمّا بالنّسبة إلى مجلس الشعب وما يتمتع به من صلاحيات فإنّه يعبّر عن سلطة ديمقراطية[58].

كما تناول مهام كلّ شكل من أشكال الحكم بالتفصيل على حِدَة ضمن دستور روما ونظامها السياسي. فيذكر بإيجاز مهام القناصلة ودورهم في قيادة الجيش خارج روما وداخلها. ومهام مجلس الشيوخ في التسيّير الإداري والسياسي والدور الذي يلعبه في الإقتصاد والقضاء والعلاقات الدولية. وتطرّق إلى مهام الشعب ومكانته من سلطة الجمهورية، فيرى على سبيل المثال أنّ من مهام الجمعية العامّة التصديق على قوانين الجمهورية أو إعلان رفضها وإلغائها، وأخذ قرار الحرب والسلم، وإبرام التحالفات، وعقد المعاهدات والتصديق عليها أو إبطالها… إلخ. ليخلص في الأخير إلى أنّ مثل هذا النّظام هو نظام حكم ديمقراطي[59].

2ـ السلطة السياسية عند [ شيشرون ].

يرى [ شيشرون ] بأنّ الدولة ليست سوى مؤسّسة سياسية يساهم فيها جميع المواطنين، نشأت كتعبير عن غريزة البشر من أجل إقامة الحكم العادل. وقد كان ينادي بالجمع بين النظام الملكي والأرستقراطي والديمقراطي، وضرورة تعديل القوانين نظرًا لتغيّر ظروف الحياة[60].

فقد كان [ شيشرون ] يفضل نظام حكم مختلط تشارك فيه جميع الطبقات السياسية بنسب متساوية، يجمع بين الملكية وحكم النخبة والحكم الشعبي.

ويُفَضِلُ في هذا الحكم المختلط أن تكون السلطة العليا ملكية، يُمنح قسم منها للنخبة من الأشراف وتبقى المهام الأخرى للقضاة وإرادة الشعب[61].

وممّا تقدّم يتضح أنّ السلطة السياسية في العصر الرّوماني لم تكن في الحقيقة سوى إمتداد وتجسيد للأفكار التي أسّسها فلاسفة اليونان، وخصوصا منهم أفلاطون وأرسطو طاليس.

الفرع الثاني: السلطة السياسية في العصور الوسطى.

تعتبر مرحلة العصور الوسطى في أوروبا إحدى المراحل المهمّة التي أثّر فيها الدّين المسيحي بشكل كبير على الفكر السياسي الغربي وعلى نظام الحكم في أروبا المسيحيّة. حيث تركت المبادىء المسيحيّة أثرًا لا يمكن إنكاره نتيجةً لتأثير تطوّر الكنيسة كمنظمة عالمية يجب طاعتها من قِبَلِ العالم المسيحي أجمع.

وبما أنّ كل مسيحي كان يؤمن بضرورة وجود سلطة تحكمه، وبما أنّ كلّ فرد من أفراد المجتمع المسيحي يعيش في عَالَمَيْنِوِفْقَ تعاليم الكنيسة، فهو في هذه الحالة يخضع لسلطتين: سلطة تسيطر على جسده وأخرى على روحه.أمّا السلطة التي تتسلط على روحه فهي الله، وكانت الكنيسة تتولى سلطة الله، وأمّا السلطة التي تتولى الإستئثار بالجسد فهي سلطة السادة الملوك. وقد سيطر الكهنة على أرواح الناس وتركوا أجسادهم للسادة الملوك في حالة من الإذلال والتبعية[62].

لعبت النّظريات الثيوقراطية دورًا كبيرًا في إضفاء الشرعية على السلطة السياسية لملوك أروبا المسيحية. حيث تعتبر السلطة السياسية وفقًا لهذه النّظريات ذات أصل ديني، فسلطة الدولة مصدرها الإرادة الإلهيّة التي  فوق إرادة البشر[63].

ومن أهمّ النَظَرِيَّات التي إستند إليها رجال الكنيسة المسيحيّة في العصور الوسطى لتبرير سلطة الملوك وإضفاء الشرعية عليها، نظرية الإختيار الإلهي المباشر ونظرية الإختيار الإلهي غير المباشر.

أَوّلاً: نظرية الإختيار الإلهي المباشر.

بشّر بهذه النظرية رجال الكنيسة المسيحيّة، والتي حاولوا من خلالها دعم سلطة الملوك رغم طغيانهم وإستبدادهم.

وطبقا لهذه النظرية فإنّه لا دخل للأفراد المحكومين في إختيار حكّامهم وملوكهم، حيث أنّ هذا الأمر خارج عن إرادتهم البشرية، لأنّ إختيار الحكام يرجع فقط لإرادة الله وحده الذي عهد إليهم بممارسة السلطة وتَوَلّي السيادة داخل الدولة.

وبما أنّ الأمر على هذا الحال، فإنّ الحاكم سواء كان ملكًا أم إمبراطورًا لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن أعماله أمام الأفراد المحكومين، وإنّما يكون فقط مسؤولا أمام الله الذي إختاره وإختصّه بالسلطة السياسية، وما على المحكومين إلاّ طاعة الحاكم حتى ولو كان مستبدًّا[64].

وقد عبّر عن هذه النّظرية القدّيس [ بولس ]، مِن خلال خطاب ألقاه على أهل روما يقول فيه:

<< لتخضع كل نفس للسلاطين، لأنّه ليس من سلطان إلاّ مِن الله، والسلاطين الكائنة هي رتبة من الله، حتى أنّ مَن يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله[65] >> .

وفي فرنسا بعد أن لاقت هذه النظرية إنتشارًا واسعًا في القرن السابع عشر، تبنّاها الملوك بشكل واسع، نذكر من ذلك ما جاء في مذكرات لويس الرّابع عشر ـ ملك فرنسا ـ حيث قال:

<< إنّ السلطة المُخَوَّلَة للملوك هي بتفويض من العناية الإلهيّة، فالله لا الشعب هو مصدر السلطة، ولا يُسأل الملوك عن مباشرة سلطتهم إلاّ أمام الله الذي خوَّلهم إيّاها[66] >>.

وقد أكّد القِدّيس [ بولس ] على طاعة الحكّام على الرّغم من تعسّفهم وما كان يلحق بالمحكومين من ظلم وجور على أيديهم، وإعتبر هذه الطاعة بمثابة تقرّب الى الله، لأنّ كل سلطة على الأرض مردّها وأساسها هو الله، ومن ثَمَّ فلا مجال للخوض في الطريقة التي يباشر بها الحكام مهامهم.

لكن مع إنتشارإستبداد وجور الملوك في أروبا رأى فقهاء الكنيسة أنّه من الضروري تكيّيف قول القديس [ بولس ]، فتحدّثوا عن حق مقاومة الأمير الجائر، فقالوا بأنّ الأمير مكلّف بمراعاة القوانين الإلهيّة لأنّه يتلقى سلطانه من الله، والكنيسة في روما مكلّفة من قِبل الله  بالإشراف على مراعاة تلك القوانين، وبالتالي مراقبة تصرّفات الأمراء ومدى مراعاتهم للقوانين الإلهيّة، فعدم مراعاة تلك القوانين يُعَدُّ خيانة عظمى تفقده حق الحكم، ومن ثَمّ يفقد حق الطاعة[67].

والملاحظ على هذه النّظرية أنّها لم تبيّن الوسيلة أو الآلية التي من خلالها يتم إختيار الحاكم من قِبَلِ الله، ممّا يفتح الباب أمام أي إنسان ليدّعي أنّه هو المختار دون غيره.

ثانيا: نظرية الإختيار الإلهي غير المباشر.

إذا كانت نظرية الإختيار الإلهي المباشر لم تبيّن لنا الوسيلة التي يختار الله بها الحاكم، فإنّ نظرية الإختيار الإلهي غير المباشر قد بيّنت هذه الوسيلة، وذلك من خلال الشعب لكن بإرادة من الله.

فَطِبْقًا لهذه النظرية يختار الله الحاكم عن طريق توجيه الأحداث ووقائع التاريخ وإرادة البشر نحو هذا الإختيار، وبالتالي فالنّاس هنا ليسوا مُخَيَّرِينَ في إرادتهم، بل هم مجبرون على مسايرة الإرادة الإلهيّة لإختيار حاكم بعينه دون سواه[68].

ومن رواد هذه النظرية القدّيس [ سانت توماس ألاكويني ]. حيث يؤكّد أنّ كل سلطة مصدرها الله، ولكن الله ترك النّاس يسندون هذه المهمّة لمن يشاؤون من الحكام.

والنّتيجة في هذه الحالة، هو أنّ السلطة السياسية تصبح ذو طابع مدني موكول أمرها للقوانين المدنية، وهو ما يفسر تباين أشكال الحكومات وطرائق الحكم، إلاّ أنّ هذا التباين لا يتعارض مع القول بأنّ الله هو مصدر السلطة[69].

لقد بدأ من خلال هذه النّظرية الإعتراف بدور الشعب في إختيار الحاكم، وإِنْ كان هذا الإختيار لا يمنع الحكم المطلق أو الإستبدادي الذي يمكن أن يمارسه الحاكم بعد إختياره، مستندا في ذلك إلى أنّ الإختيار قد تمّ بإرادة من الله، وهو صاحب السيادة ومصدر السلطة[70].

 مِن هنا، يتضح جليًّا خطورة هذه النّظرية التي تحاول أن تضفي نوعًا من المنطق الدّيني الذي ينسجم مع ما كان الملوك يسعون إليه، وبعبارة أخرى، إنّ هذه النّظرية من جهة أعطت حق الإختيار للشعب، ومن جهة أخرى منحت سلطة سياسية مطلقة للحاكم. ممّا يعني أنّ الشعب بمجرّد إختياره للحاكم تصبح السلطة السياسية من حق الحاكم وحده لا ينازعه فيها أحد، لا الشعب ولا غيره، يمارسها نيابة عن الله لا عن الشعب.

وهنا ما دامت السلطة في ذاتها مستمدّة من الإرادة الإلهيّة، فيمكن للحاكم أن يستغلّ ذلك في تكريس الإستبداد وعدم رعاية مصالح الشعب ومخالفة إرادة الجماعة، فطالما أنّ سلطته مستمدّة من الله، فهو لا يخضع للمساءلة إلاّ من قِبَلِ الله، ولا يحق للشعب ممارسة هذه المساءلة[71].

لكن القدّيس [ سانت توماس ] يرى أنّ الحاكم الذي يصل إلى السلطة على غير رِضَا الشعب هو غاصب أثيم، لأنّ الشعب هو صاحب الحق الأوّل في تعيّين وليّ أمره، وبالتالي فلا طاعة له على الرّعية، لأنّه حاكم غاصب مستبدّ، والثورة عليه مشروعة مباركة.

إلاّأنّ القدّيس يرجع ويقول، إنّ السلطة التي تنشأ على غير رِضَا الشعب هي سلطة شرعية إذا هي تمتّعت بِرِضَا الشعب فيما بعد[72].

ولعلّ الأمر الذي جعل القدّيس [ سانت توماس ] يحكم بعدم شرعيّة السلطة التي لا تقوم على أساس رِضًا من الشعب، هو عقيدته المسيحيّة التي يرى من خلالها أنّ إرادة الشعب هي تجلّي لإرادة الله، ممّا يعني أنّ أيّ حاكم يتربّع على السلطة دون إرادة الشعب التي هي إنعكاس لإرادة الله يُعتبر مُغتصِبًا لسلطة الله، وبالتالي فهو غاصب أثيم يجوز إعلان الثورة عليه.

وقد آمن مجتمع العصور الوسطى بأنّ القانون هو الذي يُحَقِقُ لكلّ فرد ما يلائم مكانته الإجتماعية من إمتيازات وما يتبع ذلك من واجبات، ولا يُستثنى من ذلك الملك. كما كان إختيار الملك في هذه العصور يخضع لثلاث إعتبارات هي:

ــ الوراثة.

ــ الإنتخاب.

ــ الحق أو الإختيار الإلهي[73].

وتجد نظريّة الحق الإلهي جذورها في الفكر السياسي اليوناني، حيث كان الحكام يصلون إلى السلطة وإدارة شؤون البلاد نيابة عن الله، ولم يكن لذلك أنظمة خاصّة، فمنهم من كان يصل بالإنتخاب من طرف مجلس شيوخ المدينة، ومنهم من كان يصل بالتدرّج أو حتى بإغتصاب السلطة، ولكنّهم كانو يحكمون ويشرّعون دائما بإسم الإله[74].

الفرع الثالث: السلطة السياسية في العصر الحديث.

ترتكز السلطة السياسية في العصر الحديث على مبدأ مهمّ يعتبر ركيزة أساسية لأيّ نظام سياسي دستوري حديث، ألا وهو مبدأ الديمقراطية.

ويجد هذا المبدأ أساسه الفلسفي في نظرية العقد الإجتماعي التي نادى بها كثير من المفكّرين والفلاسفة، حيث بلغت ذروتها وإزدهرت في فلسفات القرنيْن السابع عشر والثامن عشر للميلاد[75].

وتعتبر نظرية العقد الإجتماعي من النظريات التي حاولت تفسير نشأة الدولة وسلطتها السياسية بالإستناد للمبادئ الديمقراطية، خصوصا فيما يتعلّق بالرّجوع إلى إرادة الشعب لإقامة السلطة الحاكمة[76].

وقد إتفقت نظريات العقد الإجتماعي على أنّ فكرة إنشاء الدولة إنّما ترجع إلى العقد، وأنّ الأفراد قد إنتقلوا من الحياة البدائية التي كانوا يعيشونها إلى حياة الجماعة المنظمة بموجب العقد[77].

ولكن هذه النظريات إختلفت فيما بينها من جهات ثلاث، هي:

ــ من حيث وصف حالة الإنسان الفطرية السابقة على العقد.

ــ من حيث تحديد أطراف العقد.

ــ وأخيرا من حيث تحديد مضمون هذا العقد ونتائجه[78].

وتتركز أفكار هذه النظريات حول حياة الأفراد الفطرية البدائية، والتي لم تستطع قوانينها تنظيم ما يستجدّ من أحداث وعلاقات إنسانية ومبتكرات تكنولوجية، ممّا جعل الأفراد يفكّرون في ترك هذه الحياة وتكوين مجتمع سياسي ينظم لهم جوانبالحياة المختلفة ويكفل لهم الإستقرار الدائم، كلّذالك دفعهم إلى إبرام عقد إجتماعي نشأت من خلاله السلطة الحاكمة[79].

وقد تَزَعَّم هذه النظرية ثلاثة من مُفَكِرِي وفلاسفة القرنَيْن السابع عشر والثامن عشر للميلاد، هم: توماس هوبز، جون لوك، وجان جاك روسو.

أَوّلاً: نظريّة العقد الإجتماعي عند [ هوبز ] ( 1586م ـ 1679م ).

يعتبر المفكر الإنجليزي [ توماس هوبز ] من أنصار النظام الملكي في إنجلترا، وقد إِسْتُخْدِمَتْ نظريّته عن العقد الإجتماعي لتبرير الحكم المطلق للملوك آنداك[80].

مِن هذا المنطلق، كانت كتاباته تُمثل الدفاع عن حق الملك في الحكم عند أنصار سيادة البرلمان أثناء الحرب الأهليّة التي نشبت في إنجلترا[81].

يرى [ هوبز ] من خلال نظريّته أنّ حالة الإنسان الطبيعية قبل إبرام العقد كان يسودها العنف بدافع حبّ الذات والدفاع عن المصالح الخاصّة، ممّا جعل القوّة هي العامل الحاسم في توفير متطلّبات الحياة، بحيث يكون للقوي إمكانية إستعباد غيره والإستحواذ على هذه المتطلّبات[82].

ونتيجة لهذه الحياة المليئة بالدَمَوِيَة والبؤس والشقاء، أراد الأفراد التخلّص منها، فرأوا في إبرام العقد وسيلة ملائمة لبقائهم وإقامة حياة يسودها القانون والعدالة.

لكن [ هوبز ] يرى أنّ إبرام هذا العقد إنّما يتمّ بين أفراد المجتمع أنفسهم، من أجل إنشاء مجتمع منظّم تحت رئاسة حاكم واحد من بينهم، وبالتالي فالحاكم ليس طرفا في هذا العقد، لأنّ تحديد الحاكم هو نتيجة لإبرام العقد[83].

ويؤكّد [ هوبز ]، بأنّه في هذا العقد يلتزم كلّ فرد فيه بالتنازل الكلّي والمطلق عن كافة حقوقه وحرّياته للسلطة التي أقامها مهما كانت مساوئها وإستبدادها، لأنّها مهما بلغت من السوء فلن تصل حالة الحياة التي كانو يعيشونها قبل إبرام العقد، بل إنّ وضع أيّ قيد على الحاكم أو ترتيب أي إلتزام عليه يجعل العقد الإجتماعي قاصرًا عن تحقيق الغرض منه[84].

والنّتيجة المترتبة عن إبرام مثل هذا العقد، هو تمتع الحاكم بسلطة مطلقة، فلا يحق للأفراد مخالفة هذا النّظام مهما إستبدّ أو تعسّف، ومن هنا كان [ هوبز ] من أنصار الحكم المطلق[85].

لكن [ هوبز ] يرى أنّ السلطة المطلقة للحاكم يمكن أن يكون لها حدود إستثنائية خاصّة، وذلك في حالة ما إذا لم يستطع هذا الحاكم مواصلة واجبه الرّئيسي، وهو كفالة الحياة والأمن لرعاياه، ففي هذه الحالة يستطيع الشعب أن يتحرّر من إلتزاماته العقدية[86].

ما يُلاحظ على هذه النظرية، أنّها أرادت أَنْ تُضفي نوعًا من الشرعية على السلطة السياسية المطلقة للحاكم، في مقابل منح الشعب حقوق بسيطة جِدًّا بالمقارنة مع ما أعطته من حقوق للحاكم، كما أنّ الإلتزامات التي ألقتها هذه النظرية على عاتق الشعب بالمقارنة مع إلتزامات الحاكم، تجعل من الشعب يتحمّل كامل المسؤولية، مع أنّ السلطة المطلقة بيد الحاكم، وهو ما يتنافى مع روح العدالة والمساواة.

ثانيا: نظريّة العقد الإجتماعي عند [ جون لوك ] ( 1632ـ 1704م ).

ينحدر [ جون لوك ] من عائلة إنجليزية بروتستانتية مُتَدَيِّنَة، ممّا دفع والده الذي كان يعمل محاميًا إلى حَثّه على دراسة الفلسفة والدّين، ولكنّه ما لبث أن تراجع عن ذالك ليدرس الطب في جامعة أكسفورد، ويتخرّج طبيبا سنة 1675م[87].

يتفق [ جون لوك ] مع [ هوبز ] من حيث موضوع العقد الإجتماعي، حيث يرى أنّ أصل نشأة المجتمع المنظّم يرجع إلى العقد، الذي نقل الأفراد من حالتهم الفطرية الطبيعية الأولى إلى مجتمع منظّم يوجد فيه سلطة حاكمة وطبقة محكومة.

ولكن [ لوك ] يختلف مع [ هوبز ] من حيث وصف حالة الإنسان الفطرية قبل العقد، وكذلك من حيث أطراف العقد، وأيضًا من حيث مضمون هذا العقد ونتائجه.

فمن حيث وصف حالة الإنسان الفطرية قبل العقد، يرى [ جون لوك ] أنّ حياة الإنسان كانت حياة حرّة يسودها القانون الطبيعي[88]* الذي ينشر العدل والمساواة بين الأفراد، ويُلزم الجميع بعدم الإعتداء على حقوق الغير، سواء في حياته أو حرّيته أو ماله.ونظرا لشعور الأفراد بالحاجة إلى هيئة تتولّى تنظيم حياتهم الإجتماعية بشكل أكثر إستقرارا وأفضل تنظيما،إتفقوا على تأسيس سلطة عليا تتولّىإدارة شؤونهم الحياتية وتحفظ أمنهم وإستقرارهم[89].

أمّا من حيث أطراف العقد ومضمونه، فإنّ [ لوك ] يرى أنّ العقد يُبرم بين أفراد المجتمع وبين الحاكم، يتمّ التنازل فيه من قِبَلِ الأفراد بالقدر الضروري من حقوقهم الطبيعية لإقامة السلطة، مع الإحتفاظ بباقي الحقوق التي يجب على الحاكم حمايتها، وبالتالي فالسلطة التي تمنح للحاكم بموجب هذا العقد ليست مطلقة، بل هي مُقَيّدَةٌ بما يكفل تمتّع الأفراد بحقوقهم الطبيعية الباقية والتي لم يتنازلوا عنها[90].

مِن هذا المنطلق، فما دام أنّ هناك شروطا فرضت الكثير من الإلتزامات على الحاكم بموجب هذا العقد، فهو مقيّد وملزم بتنفيد هذه الشروط، وإلاّ فإنّه من حق أفراد المجتمع مقاومته وفسخ العقد[91].

ممّا تقدّم، يتضح أنّ [ جون لوك ] كان يدعو إلى سلطة سياسية مقيّدة على عكس [ هوبز ] الذي كان من مُنَظِّرِيّْ السلطة السياسية المطلقة، وهي نتيجة منطقية، بإعتبار أنّ [ لوك ] جعل الحاكم طرفًا في العقد الذي يقيّده بمجموعة من الإلتزامات ممّا يجعل سلطته مقيّدة، وهذا على عكس [ هوبز ] الذي لم يجعل الحاكم طرفًا في العقد ممّا يجعله مُتَحلّلاً من أيّ إلتزام، وهوما يجعل سلطته مطلقة وغير مقيّدة.

ثالثا: نظريّة العقد الإجتماعي عند [ جان جاك روسو ] ( 1712م ـ 1778م ).

يُعتبر [ جان جاك روسو ] الفيلسوف السياسي الذي أعطى زخمًا كبيرًا لأفكار الثورة الفرنسية، خصوصا من خلال كتابه [ العقد الإجتماعي ]. وإذا كان [ روسو ] يتفق مع [ لوك ] في وصف الحالة الفطرية للإنسان قبل إبرام العقد، بأنّها حياة خير وسعادة يتمتّع فيها الأفراد بالحرّية والإستقلال والمساواة، إلاّ أنّه يختلف معه في أسباب التعاقد وأطرافه، وبالتالي النتائج المترتبة عن هذا العقد[92].

فعلى عكس [ لوك ]، الذي كان يرى أنّ سبب هذا العقد هو ضمان إستمرارية المساواة والحرّيات العامّة وضمان السلم الإجتماعي، فإنّ [ روسو ] يرى أنّ الحياة الطبيعية التي كان يحياها الأفراد وفق القانون الطبيعي تعرّضت للفساد نتيجة تنامي النزاعات الفردية المتمثّلة بتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة، ممّا خلق حالة من التعارض والصراع بين أفراد المجتمع. لذالك إضطرّ الأفراد إلى الإتفاق على العيش في مجتمع تسود فيه سلطة الجماعة من أجل المحافظة على حرّيتهم وضمان حقوقهم[93].

ويؤكّد [ روسو ] بأنّ أطراف هذا العقد هم أفراد الجماعة من جهة بإعتبار كلّ فرد منهم، أمّا الطرف الثاني فهو مجموع الأفراد ـ الأمّة ـنأن بوصفهم كائن جماعي مستقل، ومن هنا فهو لم يجعل الحاكم طرفا في العقد، وذالك لأنّه لم يكن يعترف بالسلطة للحاكم بل لمجموع الأمّة، والحاكم عنده ليس سوى مندوب عن الأمّة يمثّلها في ممارسة مظاهر السلطة لمصلحة الشعب كلّه، و إذا إنحرف عن المصلحة العامّة فيجوز للشعب عزله[94].

وهكذا يرى [ روسو ] يرى أنّ الأمّة هي صاحبة السلطة التشريعية، وما الحكومة إلاّ سلطة تنفيذية تمارس إختصاصها لخدمة سيادة الأمّة وبتوكيل منها، وعلى هذا فإنّ القوانين يجب أن تصدر من الأمّة بإعتبارها صاحبة السلطة التشريعية[95].

ويؤكّد [ روسو ]، أنّ محتوى هذا العقد الإجتماعي يتضمّن تنازل الأفراد عن جميع حقوقهم وحرّياتهم الطبيعية وذلك لأجل مصلحة مجموع الأمّة، وفي مقابل ذلك تمنح السلطة العامّة المُمَثِلة لهذا المجموع حقوقا مدنية جديدة للأفراد عوضا عن حقوقهم الطبيعية التي تنازلوا عنها[96].

ما يُلاحظ على هذه النّظرية هو أنّ [ روسو ] جعل أطراف العقد مقتصرة على الشعب نفسه، جعل الطرف الأوّل يتمثل في ذلك الكائن المستقل الذي هو الأمّة، وجعل الثاني الأفراد الطبيعيّين الذين يُكَوِّنُونَ مجموع الشعب، ممّا جعل السلطة السياسية بيد الشعب دون سواه، والملاحظ أيضا أنّه لم يقيّد هذه السلطة بل جعلها سلطة مطلقة بيد الشعب، وبذلك يتميّز عن [ هوبز ] الذي جعل مثل هذه السلطة سلطة مطلقة بيد الملك، وكذلك عن [ لوك ] الذي جعلها بيد الحاكم وجعلها سلطة مقيّدة.

المطلب الثالث: مقارنة للسلطة السياسية بين الفكر الإسلامي والفكر الديمقراطي            من حيث الوقائع و الأحداث التاريخية.

سوف أقوم في هذا المطلب بعقد مقارنة تاريخية للسلطة السياسية من خلال التأمّل وتحليل الأحداث والوقائع التاريخية، سواء في الفكر الإسلامي ( الفرع الأوّل )، أو في الفكر الغربي ( الفرع الثاني )، لنصل أخيرًا إلى التعقيب على هذه الأحداث والوقائع ( الفرع الثالث ).

الفرع الأوّل: السلطة السياسية من حيث الوقائع والأحداث في الفكر الإسلامي.

لم يكن التاريخ يومًا مجرّد تلاحق أعمى للأحداث، بل كان ذو دلالة تتطوّر فيه الأفكار الإنسانية المتعلّقة بطبيعة النظام السياسي والإجتماعي[97]. ولعلّه من خلال ما تقدّم[98]، وما نقلناه من أحداث ووقائع تاريخية خاصة بتطوّر السلطة السياسية في الفكر الإسلامي يتضح تاريخيًا أنّ آليات إنتقال هذه السلطة وكيفية ممارستها لم تكن على وتيرة واحدة.

فإذا تأمّلنا في الحكومة الأولى التي أسّسها الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم، نجدها تستمدّ شرعيّتها من النّصوص القرآنية، والمتمثّلة في الآيات التي تشير إلى مقام إمامته العظمى صلّى الله عليه وآله وسلم، مُعْتَبِرَةً أنّ مقام النبوّة والرّسالة هو أمر ثابت له ومفروغ منه.

ومن أهمّ الآيات التي تشير إلى ذلك ما يلي:

ــ قوله تعالى: { النَبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ[99] }.

ــ قوله تعالى: { أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وآتُوا الزَّكَاةَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُول[100] }.

ــ وقوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الخِيَّرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا[101] }.

وتفصيل البحث في هذا الموضوع، أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ قضاء الرّسول لِأمْرٍ ما، وكونه أولى بالمؤمنين ووجوب طاعة أوامره، ليس مرتبطا ببيان أحكام الله تعالى أو بمقام النبوّة، لأنّ هذا أمر ثابت له بلا ريب، وإنّما طاعته في أوامره ونواهيه المقصود منها الأوامر الحكومية الصادرة عنه، بدليل أنّ آيات الطّاعة وما تتضمّنه من جُمَلٍ متقدّمة عليها أو متأخّرة عنها، كمجيئها في سياق الأمر بإقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة، إنّما تكشف عن أنّ المقصود هو طاعة الأوامر الحكومية، ومن هنا فالنبوّة والإمامة ـ القيادة السياسية ـ إنّما مُنِحَتَا من الله تعالى لرسوله[102].

وقد تجسّدت هذه السلطة السياسية من خلال أوامره صلّى الله عليه وآله وسلم في الحرب والسلام، وتَعْيِّينِ الوُلاَّةِ وقادة الجيش، وإيفاد المراقبين لجمع المعلومات عن العدو، وفي أواخر حياته الشريفة إرساله الكتب والرّسائل إلى كبار الحكّام في عصره يدعوهم فيها إلى الإسلام. كما تجسّدت هذه السلطة أيضا من خلال القانون الأساسي الذي وُضِعَ من طرفه، وكانت مواصفاته التي بُنِيَت عليه الحكومة الإسلامية الأولى كالآتي:

ــ أنّ المواطنين جميعا متساوون في الحقوق.

ــ أنّ عنصر الأمّة هو من أبرز مواصفات هذه الحكومة، ولم تكن محصورة في إعتبار جغرافي أو عنصري، فالمسلمون من جميع أنحاء العالم كانوا أمّة واحدة.

ــ أنّ حرّية الفكر والتعبير كانت من أوضح المميّزات التي تَطبَعُ هذه الحكومة في المدينة.

ــ أنّ العدالة كانت القاعدة الصلبة للحكومة، بِغَضِّ النظر عن الإختلاف الطبقي والعقائدي، وكانت المبدأ الأساس في هذه الحكومة.

ــ التعايش مع الآخرين من مختلف الأديان، كان حجر الزاوية في سياسة الحكومة[103].

ما يُمكن إستخلاصه من الأحداث والوقائع التاريخية هو أنّ المجتمع الإسلامي الأوّل، والذي كان رسول الله أحد أفراده لم يكن بلا سلطة سياسية أو حاكم يُدِيرُ شؤونه وينظم أمور حياته السياسية،.بل كان رسول الله وبمجرّد أن تهيّأت له الظروف المناسبة لتأسيس حكومته، أصدر مباشرة القانون الأساسي الذي يعتبر في العصر الحديث بمثابة دستور لتنظيم شؤون الدوّل وبيان حقوق وواجبات الأفراد داخل الدولة، وقد أطْلِقَ على هذا الدستور المُحمّدي في كتب التاريخ والسِيَّر إسم [ صحيفة المدينة المنوّرة ]، لكنّه مع إنتقاله صلّى الله عليه وآله وسلم إلى الرّفيق الأعلى، وجد المسلمون أنفسهم أمام فَرَاغٍ للسلطة السياسية، ممّا جعلهم أمام أزمة سياسية تتمثل في إفتقادهم لآلياتٍ تُنَظِمُ لهم كيفية إنتقال السلطة التي أصبحت تُمَثِلُ فراغًا دستوريًا، وهو ماجعل الرّعيل الأوّل من المسلمين يخترعون آلياتٍ كادت أن تؤدي إلى صِدَامٍ داخلي بين أفراد المجتمع الإسلامي، وقد عبّر عن هذا الخِلاف سعد بن عبادة في إجتماع سقيفة بني ساعدة حينما قال: << هذا أوّل الوهن >>.

والمتأمّل في آليات إنتقال السلطة في العصر الرّاشدي يجدها منحصرة في أربع آليات لا خامس لها، تتمثل فيما يلي:

ـ إختيار الخليفة أبي بكر الصديق (رض) من خلال إجتماع مجموعة من المسلمين في سقيفة بني ساعدة، إتفقت أغلبيّتهم الساحقة على بيعة أبي بكر، وكان هذا الإتفاق مُلْزِمًا لبقيّة المسلمين.

ـ النّص على الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) من قِبَلِ أبي بكر في مرض موته، وإكتفى المسلمون بإمضاء هذا التعيّين.

ــ إختيار الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رض) عن طريق حصر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حق تعيّين الخليفة في ستة أشخاص.

ــ إجتماع جماهير المسلمين وكبار الصحابة في المدينة على إختيار الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وبمبادرة جماهيرية واسعة.

ما يلاحظ على هذه الآليات أنّها حصرت القيادة السياسية في رجال كلّهم من قريش ممّا جعل الأنصار خارج هذه القيادة.

لكن أهمّ حَدَثٍ كان بِدَايَةَ إِنْحِرَافٍ عن حق المسلمين في إختيار حاكمهم هو تحوّل الخلافة إلى ملك عضوض، وذلك بعد وصول معاوية بن أبي سفيان الأموي إلى الحكم من خلال إكراه النّاس على ذالك، وإستخدام المكر والدهاء السياسي.

فقد ذكر إبن تيمية أنّ معاويّة << لمّا قدِم المدينة حاجًا، سمع صوتًا في دار عثمان، فقال: [ ما هذا؟ ]، فقالوا: [ بنت عثمان تندب عثمان ]. فصرف النّاس ثم دخل عليها، فقال: [ يا إبنة العمّ ، إنّ النّاس قد بدلوا لنا الطّاعة على كره، وبدلنا لهم حِلْمًا على غيظ، فإنْ رَدَدْنَا حِلْمَنَا ردّوا طاعتهم، فلا أَسْمَعَنَّكِ بعد اليوم ذكرتِ عثمان ][104] >>.

لعلّه من خلال هذا النّص الذي ينقله إبن تيميّة، يتضح جليًّا أنّ معاوية بن أبي سفيان الأموي قد أسّس لآلية جديدة في إنتقال السلطة السياسية، وهي آلية بعيدة عن الآليات التي كانت معروفة في العصر الرّاشدي، يمكن تسميّتها بآلية القهر والغلبة والإكراه، والتي بموجبها يتمّ الإنصياع والطاعة لصاحب القوّة.

وما لَبِثَ معاوية بعد ذلك قبل مفارقته هذه الحياة أنْ أسّس آلية أخرى لإنتقال السلطة، وهي آلية ولاية العهد التي دعا النّاس بموجبها إلى بيعة إبنه يزيد، وأنّه وليّ عهده الذي يتربّع على كرسي الحكم من بعده[105].

وهكذا أصبحت الخلافة الأموية تتميّز بمجموعة من الخصائص يمكن إيجازها فيما يلي:

ــ إنتقال الخلافة إلى البيت الأموي وحصرها فيه عن طريق الإكراه.

ــ تنظيم الخلافة في البيت الأموي عن طريق ولاية العهد.

ــ أصبحت الخلافة وراثية وقهريّة.

وقد إتّبع العبّاسيون نفس الآلية التي أسّسها معاويّة أوّل الأمر، وهي الإستيلاء على السلطة عن طريق القهر والغلبة، وذلك من خلال إعلان الثورة ضد الأمويّين بإسم الإنتصار لأهل البيت النّبوي الشريف، والتي إنتهت بسقوط الدولة الأمويّة وظهور الدولة العبّاسية التي حصرت السلطة السياسية بدورها في البيت العبّاسي من خلال آلية ولاية العهد أيضًا. وعلى هذا المنوال سار من جاؤوا بعدهم إلى أنْ سقطت هذه الخلافة سنة 1924م على يَدِ مصطفى كمال أتاتورك، مؤسّس الدولة التركيّة العلمانيّة الحديثة.

الفرع الثاني: السلطة السياسية من حيث الوقائع والأحداث في الفكر الديمقراطي.

بالرّجوع إلى الأحداث والوقائع التاريخية المتعلّقة بالسلطة السياسية في الفكر الغربي، نجدها قد إتّخذت حالة من التقدّم تارة والتأخر تارة أخرى، إلى أنْ وصلت إلى ما هي عليه اليوم.

فقد عرف الفكر الغربي في أثينا اليونانية آليات لممارسة السلطة السياسية، خصوصًا تلك الآليات التي أسّسها [ كليستنيس ] عام 507 ق م، والمتمثّلة في الجمعيّة الشعبيّة ومجلس الخمسمائة وكذلك المحاكم الشعبيّة.

ثمّ جاء [ بركليس ] حفيد [ كلستنيس ] فيما بعد، ليضع دستورًا أتاح فيه لكلّ فرد من أفراد الدولة المشاركة في الأمور السياسية، ووضع جميع أفراد الشعب على قدم المساواة أمام القانون[106].

وقد جاء [ أفلاطون ] بعد ذلك ليجعل من السلطة حالة خاصّة لا يمكن أن يتولاّها إلاّ من أسماهُ بالملك الفيلسوف، التي يجب أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط هي:

ــ الإستعداد بحكم الفطرة لتحصيل العلوم النظرية.

ــ قوّة الحافظة بما يعنيه ذالك من تغلّب على النسيان.

ــ حبّ العلم إلى حدّ طلب الكمال في جميع أجزائه.

ــ حبّ الصدق وكره الكذب.

ــ الإعراض عن اللذّات الحسّية وحبّ المال.

ــ سُمُوُّ النفس وكبرها وعُلُوُّ همّتها وإتصافه بالشجاعة.

ــ الإستعداد الدائم للتحرّك ناحية الخير والجمال.

ــ الخطابة وما تقتضيه من فصاحة[107].

وهذا معناه أنّ هذه الشروط متى ما توفّرت سواء في شخص أو في عدّة أشخاص، فإنّهم حينئذ يمكنهم أَنْ يمارسوا السلطة السياسية، وما على الأمّة إلاّ أنْ ترضخ لطاعتهم ما دامت هذه الشروط متوفرة فيهم، ولهذا أطلق على هذه الحكومة تسميّة [ حكومة الحكماء ].

والملاحظ على هذه الآلية أنّها أقرب إلى المثالية منها إلى الواقعية، ولا عجب في ذالك ما دام أنّ أفلاطون إعتمد في ذالك على الأساس العقلي الذي لم ينظر إلى الواقع بعين الإعتبار.

وقد إكتشف [ أفلاطون ] نفسه هذه المثالية التي تكاد تكون مستحيلة التحقيق، ولهذا ذهب في كتابه          [ القوانين ]  إلى ضرورة وجود دستور ينظم السلطة السياسية التي يجب توزيعها على مجموعة من الهيئات ليتسنى ممارسّتها، ممّا جعل من هذه الآلية أقرب إلى تجسيدها على أرض الواقع من آلية الجمهورية المثالية أو الملك الفيلسوف.

وبعد [ أفلاطون ]  جاء [ أرسطو طاليس ] ليجعل من الدولة الدستورية أفضل النُظم للحكم، وجعل أساس قيامها الطبقة المتوسطة، كما قسّم وظائفها إلى ثلاث، وأكّد على الفصل بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية.

لكن ما إن جاء عهد العصور الوسطى حتى بدأ الفكر الغربي ينحدر إلى تأسيس سلطة سياسية مُستغلاً الدّين المسيحي، من أجل إرساء قواعد للحكم المطلق، ومن أهمّ النّظريات التي إعتمد  عليها في هذا المجال هي نظرية الحق الإلهي أو الإختيار الإلهي، وأنّ الله هو مصدر السلطة وليس الشعب.

وما يلاحظ على هذه الآلية هو إعتمادها على نظرية الجبر، وأنّ الإنسان لا خيار له في إختيار محكوميه، ممّا جعل الملوك آنذاك يستغلّون هذه السلطة لممارسة أبشع أنواع الإنتهاكات الإنسانية.

ومع دخول القَرْنَيْنِ السابع عشر والثامن عشر للميلاد ظهرت ما يسمى بنظريات العقد الإجتماعي، التي جعلت من الأمّة أو الشعب الأساس الذي بموجبه يُختار الحاكم، وأنّ شرعية السلطة السياسية إنّما تكون كذلك، إذا كانت نابعة من إرادة الشعب، وأنّ الحاكم ما هو إلاّ مفوّض ونائب عن الشعب في ممارسة السلطة السياسية.

الفرع الثالث: تعقيب حول التطوّر التاريخي للسلطة السياسية بين الفكر الإسلامي والفكر الديمقراطي.

لعلّه من خلال ما قدّمناه من وقائع وأحداث كانت عاملاً حاسمًا في تطوّر السلطة السياسية، سواء في الفكر الاسلامي أم الفكر الغربي، نستنتج من هذه الوقائع أنّ أشكال الحكومات هي على أربع صور:

ــ الصورة الأولى:

الحكومة الفردية القائمة على أساس القوّة مثل حكم الملوك والمتسلّطين، والتي تشكّل القوّة والعنف والقدرة العسكرية الأساس الأكبر لقيام السلطة وإدارة شؤون الحكم[108].

وقد وُجِدَ هذا النّمط من الحكومات في التاريخ الإسلامي كما وُجد في تاريخ أروبا المسيحيّة.

أمّا في التاريخ الاسلامي، فإنّ المصداق الأبرز لهذا النوع من الحكومات هي الدولة الأموية والدولة العبّاسية، فممّا تقدّم إتّضح أنّ مملكة بني أميّة إنّما تأسّست على كره وعدم موافقة من الناس، وهو ما إعترف به معاوية بن أبي سفيان الأموي نفسه، كما نقل ذلك إبن تيميّة الحرّاني عنه.

وأمّا الدولة العبّاسية فقد قامت أيضا على الثورة ضد الأمويّين رافعة شعار الإنتصار لأهل البيت النبوي الشريف، ممّا جعل الناس يلتفون حولها ويُدَعِّمُونَهَا لإسقاط الدولة الأموية، مع العلم أنّ كِلاَ الدَوْلَتَيْنِ إنتهجتا نفس النهج السياسي مع الرّعية، وهو الحكم الملكي المطلق، الذي لا حق للشعب فيه بالإختيار.

وقد جاء بعد ذلك فقهاء وعلماء ليؤسّسوا نظريًا من أجل إضفاء نوع من الشرعية لهؤلاء الملوك، من خلال الدعوة إلى طاعتهم وعدم الخروج عنهم.

والحقيقة أنّ هذا التنظير ما هو إلاّ قياسا بالأحداث والوقائع التاريخية التي فرضت السلطة على الناس بقوّة الحديد والنّار، وماعلى الناس إلاّ السمع والطاعة.

وقد رُوِيت أحاديث لتجعل من طاعة الحاكم الظالم أمرًا شرعيًا لا يجوز الخروج عنه، كلّ ذلك من أجل شرعنة الأحداث التاريخية التي وقعت. فقد روى مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان (رض) قال: قال رسول الله (ص): << يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بِهُدايّ ولا يستنّون بسنّتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس.

قال: قلت: [ كيف أصنع يا رسول الله إن أدركتُ ذلك؟ ].

قال: [ تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع ][109] >>.

وقد جاء الإمام النووي فيما بعد، ليؤكّد على هذه الطاعة، حيث يقول:

<< وقال جماهير أهل السنّة من الفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين: لا ينعزل الأمير بالفسق والظلم وتعطيل حقوق النّاس، ولا يُخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك >>، وقال قبل ذلك: << وأمّا الخروج على الأمراء وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين[110] >>.

وفي العصر الحديث، ما زال من يُنَظِرُ للواقع التاريخي الذي أسّسه الأمويون والعبّاسيون ومن جاؤوا بعدهم، فهذا محمّد بن صالح العُثيْمين يقول: << إسمع وأطع في أيّ حال من الأحوال حتى في الأثَرَة، يعني إذا إستأثر وُلاّة الأمر على الشعب فعليهم أيضّا السّمع والطاعة في غير معصية الله. فلو أنّ وُلاّة الأمور سكنوا القصور الفخمة وركبوا السيارات المريحة ولبسوا أحسن الثياب وتزوّجوا وصار عندهم الإماء وتنعّموا في الحياة أكبر تنعّم، والنّاس سواهم في بؤس وشقاء وجوع، فعليهم السّمع والطاعة، لأنّنا لنا شيء والوُلاّة لهم شيء آخر[111] >>.

وما يُستشف من خلال هذه النصوص، هو أنّ الواقع التاريخي ترك أثره السياسي على الفكر الإسلامي، وهذا كلّه على حساب النصوص القرآنية التي طالما أكّدت على العدل والمساواة ومقاومة الظلم والطغيان من أيّ مصدر كان، قال تعالى: { وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّار[112] }.

فَضْلاً عن ذلك فإنّ هناك روايات تؤكّد على محاربة الظلم والطغيان، منها ما روى محمّد بن جرير الطبري في تاريخه عن الإمام الحسين عن رسول الله (ص آ) قال:

<< من رأى سلطانا جائرًا مُسْتَحلِاً لحرم الله ناكثا عهده مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل أو قول، كان حقا على الله أن يُدخله مدخله[113]  >>.

وفي المقابل فإنّ أروبا المسيحية عرفت الحكم الملكي المطلق خلال العصور الوسطى، وكما تقدّم فإنّ رجال الدّين المسيحي لعبوا دورا مهمّا في التأسيس لمثل هذا الحكم من خلال نظرية الحق الإلهي التي تجعل من سلطة الحاكم مستمدّة من قِبَلِ الله، تارة بطريق مباشر وتارة بطريق غير مباشر.

والحقيقة أنّ الخليفة أبو جعفر المنصور العبّاسي قد سبق رجال الدّين المسيحي في تأسيس هذه النظرية لإعطاء الشرعية لحكمه المطلق، فهو يقول صراحة: << إنّما أنا سلطان الله في أرضه >>.

لكن ما يجب التنويه عليه في هذا المقام هو أنّ بعض رجال الدّين المسيحي مثل [ سانت توماس ]، كان يرى أنّ مثل هذا الحكم لابدّ أنْ يقوم على أساس إرادة الشعب التي هي مظهر لإرادة الله التي من خلالها تقوم سلطة أي حاكم، ولهذا لا يجوز الخروج عليه لأنّ ذلك مخالف لإرادة الله، ولكنّه يؤكّد من جانب آخر بأنّ الحاكم إذا تربّع على السلطة دون إرادة الشعب فهنا يجوز إعلان الثورة عليه، وهذا من الأمور التي تميّز فكر بعض رجال الدين المسيحي عن بعض رجال الدّين الإسلامي الذين لم يجيزوا الخروج على الحاكم حتى ولو تربّع على كرسي الحكم والناس له كارهون، فضلا عن منعهم حقوقهم وغصب أموالهم وظلمهم.

ــ الصورة الثانية:

حكومة الفرد الصالح، أيّ الحكومة التي تُدَارُ بواسطة فرد واحد، ويرضى الشعب كلّه أو أكثريّته أنْ يُسَلّمُوا أمورهم بيده. فهذا الحكم فرديّ ولكنّه ليس حكم القوّة والعنف والسيطرة[114]. والنّموذج الأبرز لهذه الحكومة، هي الحكومة التي أقامها الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم بعد هجرته من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة، والذي أصدر فيها القانون الأساسي الذي عُرف بالصّحيفة.

وهنا لا بُدّ من التنبيه إلى أنّه صحيح أنّ رسول الله  كان يستشير النّاس في إدارة أمورهم، إلاّ أنّ الرّأي البات كان له لا لأحد سواه. ومن هذا المنطلق يتضح من مجريات التاريخ الاسلامي أنّ هذا النوع من الحكومات إنّما تأسّس في عهد النّبي صلّى الله عليه وآله، وذلك لأنّ الفرد العادي ـ مهما كان صالحًا – إلاّ أنّه مُعرّض للخطأ.

أمّا في الفكر الغربي، ومن خلال التأمّلات في الوقائع والأحداث التاريخية المتعلّقة بالسلطة السياسية لن تجد من إدّعى أنّ هناك حكومة قامت من هذا النوع، بل إنّهم نسبوا إلى عيسى المسيح عليه السّلام أنه قال: << دَع ما لقيصر  لقيصر وما لله لله >>، وقوله أيضا: << ليست مملكتي في هذا العالم >>. وهو ما جعل رجال الدّين المسيحي يفصلون بين الدّين والدولة[115].

لكنّنا نجد أفلاطون في جمهوريته المثالية يحاول التأسيس لمثل هذه الحكومة من خلال الملك الفيلسوف الذي لا يأتي منه إلاّ الخير والعدل، إلاّ أنّ أفكاره هذه بَقِيَتْ أفكارًا عقلية لم يمكن تحقيقها على أرض الواقع، ولهذا تراجع عن ذلك من خلال تصنيفه لكتاب [ القوانين ] الذي بَدَا فيه مُشَرِّعًا وليس فيلسوفًا.

ــ الصورة الثالثة:

حكومة حكم الشعب بالشعب على أساس الحرّية الشكلية. ويُقصد بهذا النوع من الحكومات تلك الحكومات التي مبناها في الظاهر هو إحترام أراء الشعب، وذلك يتمّ دون قيد أو شرط، فمن إختاره الشعب ومن أراده كان، سواء كان فيلسوفًا عظيما يُنْتَخَبُ لرئاسة الجمهورية أو ممثلا سنمائيًا وربّما كان مُهَرِّجًا أحيانًا، فلا يختلف الأمر من هذه الزاوية، وإنّما المعيار هو، ماذا يريد النّاس؟ ولمن يميلون؟[116]

من خلال الواقع التاريخي نجد أنّ جذور مثل هذه الحكومة موجودة في نظرية العقد الإجتماعي والتي يمثّلها بشكل بارز [ جون لوك ] و [ جون جاك روسو ]، الذيْنِ شاركا بشكل كبير في التنظير من أجل إنشاء مثل هذه الحكومة.

فقد كان [ روسو ] يرى أنّ حلّ المشكلة السياسية يكمن في أنْ تكون السيادة الفعلية للشعب في جملته ومن ثَمَّ لمجموع المواطنين يمارسونها بأنفسهم. فالقانون الذي لا يقرّه الشعب مباشرة ليس قانونا في شيء، ومن هنا كان تصوّر [ روسو ] للنظام النيابي الإنجليزي في عصره حينما قال:

<< إنّ الشعب الإنجليزي يعتقد أنّه حرّ، والحقيقة أنّه ليس حرّا إلاّ عند عملية الإنتخاب، حتى إذا ما إنتهت هذه العملية، إنقلب عَبْدًا للبرلمان الإنجليزي[117] >>.

أمّا في التاريخ الإسلامي فلا نجد أساسا لمثل هذا النوع من الحكومات التي تقوم على أساس الحرّية المطلقة في إختيار الشعب للحاكم، وإنّما كان هناك حرّية مقيّدة في إختياره، وذلك في إطار مجموعة من الشروط التي يمكن إستنتاجها من خلال الوقائع والأحداث التاريخية، وهو ما حصل فعلا حينما حُصِر الترشح لإختيار الخليفة الأوّل في أبي بكر دون غيره، وكذلك حينما تمّ النّص من قِبَلِ الخليفة الأوّل على عمر بن الخطاب ولم يكن للناس إلاّ أَنْ يبايّعوه، أما الخليفة الثالث فقد تمّ إختياره من قِبَلِ ما يسمى بجماعة أهل الحلّ والعقد، والتي كانت تضمّ ستة أشخاص كانوا جميعهم مترشحين لمنصب الخلافة، وبعبارة أخرى، أنّ الخليفة الثاني حصر الترشيح لهذا المنصب في هؤلاء الستة ليختاروا واحدا منهم، لتأتي الأمّة فيما بعد وتبايّع من إختاروه.

لكن الحالة الوحيدة في التاريخ الإسلامي التي يمكن تقريبها إلى حكومة الشعب بالشعب الذي يختار حاكمه بحرّية مطلقة، هي واقعة تنصيب الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، الذي إجتمع عليه النّاس دون أنْ يفرض عليهم أحد ذلك، وقد عبّر الإمام عن ذلك بقوله:

<< فما راعني إلاّ والنّاس كعرف الضبع إليَّ، ينثالون عَلَيَّ من كلّ جانب، حتى لقد وُطِئَ الحَسَنان وشقّ عطفاي، مجتمعِين حولي كربيضة الغنم[118] >>.

ــ الصورة الرّابعة:

وتتمثّل في حكومة الشورى المقيّدة، التي كانت تعتمد على إختيار مجموعة من النّاس للحاكم، لترضخ الأمّة فيما بعد لهذا الإختيار، وهو ما تمّ من خلاله تنصيب عثمان بن عفّان خليفةً للمسلمين.

أمّا تنصيب أبي بكر الصديق فقد كانت الشورى أوسع، حيث فصل فيها المهاجرون والأنصار و إنتهت بتنصيب أبي بكر، وإنْ كان هناك فئة لها وزنها في المجتمع الإسلامي لم تكن حاضرة أثناء التنصيب وهم بنوا هاشم وبعض كبار الصحابة.

– نعمان أحمد الخطيب، المرجع نفسه، ص 60-72. [1]

– رمزي الشاعر، الإيديولوجية وأثرها في الأنظمة السياسية المعاصرة، مطبعة عين شمس، القاهرة، مصر، 1978، ص18.  [2]

– عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، الطبعة الرابعة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، 2001، ص65.[3]

– روح الله الموسوي المصطفوي الخميني، الحكمومة الإسلامية، الطبعة الأولى، مركز بقية الله الأعظم(ع)، بيروت، لبنان، 1998، ص 128. [4]

– عبد الملك بن هشام الحِميَّري، السّيرة النبوية، ج1، مكتبة المعرفة، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 501-507.[5]

– ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي- الكتاب الأوّل- الحياة الدستورية، الطبعة الأولى، دار النفائس، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص37.[6]

[7]- منير العجلاني، عبقرية الإسلام في أصول الحكم، دار العلم للملايّين، بيروت، لبنان، 2005، ص 95.

– علي عبد الرزاق، الإسلام وأصول الحكم، دار مصر للطباعة، القاهرة، مصر، 2005، ص 45.[8]

[9]- أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، الحسبة في الإسلام، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 25.

[10]- ظافر القاسمي، المرجع السابق، ص 46.

– أحمد أمين، موسوعة الحضارة الإسلامية، ج23، الطبعة الأولى، دار العزّة والكرامة للكتاب، وهران، الجزائر، 2012، ص 219. [11]

[12]- روح الله الموسوي المصطفوي الخميني، المرجع السابق، ص 64.

[13]- محمّد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، حوادث سنة 11 هجرية، ج2، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 456.

[14]- عبد الملك بن هشام الحميَّري، المرجع سابق، ج4 ، ص 339.

– محمّد بن جرير الطبري، المرجع السابق، ج2 ، ص 457.[15]

[16]- عبد الملك بن هشام الحميَّري، المرجع السابق، ج4 ، ص 340.

– خالد الفهدوي، الفقه السياسي الإسلامي، الطبعة الثالثة، دار الأوائل للنشر، دمشق، سوريا، 2008، ص 46.[17]

– محمّد بن جرير الطبري، المرجع السابق، ج 1، ص 2138.[18]

 [19]- محمّد رفعت عبد الوهاب، الأنظمة السياسية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2007، ص 245.

[20] – أحمد بن يحيّ البلاذري، أنساب الأشراف، ج5 ، دار الفكر، دمشق، سوريا، 1417هـ، ص 16.

– محمّد بن جرير الطبري، المرجع السابق، ج4 ، ص 227.[21]

– محمّد عابد الجابري، الدّين والدولة وتطبيق الشريعة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2004، ص 75- 79.[22]

– محمّد بن جرير الطبري، المرجع السابق، ج5 ، ص 152-153.[23]

– أحمد أمين، المرجع السابق، ج 21 ، ص 117.[24]

– محمّد حسن الزبيدي وصالح صادق البياتي، الدولة الأموية، الطبعة الأولى، الجامعة المفتوحة، طرابلس، ليبيا، 2002، ص 178.[25]

– أحمد أمين، المرجع السابق، ج 21، ص 117. [26]

[27]- محمد حسن الزبيدي و صالح صادق البياتي، المرجع السابق، ص 180.

– محمد حسن الزبيدي وصالح صادق البياتي، المرجع نفسه، ص 180- 182.[28]

[29]- محمد حسن الزبيدي وصالح صادق البياتي، المرجع نفسه، ص 179.

– خالد الفهدوي، المرجع السابق، ص 550. [30]

– محمّد بك الخضري، تاريخ الأمم الإسلامية ـ الدولة العباسية -، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، 2004، ص 14. [31]

[32]- أحمد الموصلي، جدليات الشورى والديمقراطية – الديمقراطية وحقوق الإنسان في الفكر الإسلامي – ،الطبعة الأولى، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2007، ص 50.

[33]- أبو الأعلى المودودي، تدوين الدستور الإسلامي، دار الفكر، دمشق، سوريا، 1995، ص 78.

[34]- مسعود طيبي، فكرة الجماعة في الحكم عند المسلمين ومفهوم الديمقراطية لدى اليونانيّين والرّومانيّين – دراسة تحليلة مقارنة –، ( رسالة دكتوراه، كلية العلوم الإجتماعية والإنسانية، قسم الفلسفة، بوزريعة، جامعة الجزائر، 2005 )، ص 269.

[35]- محسن خليل، النظم السياسية والقانون الدستوري، ج 1، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1967، ص 222.

– مسعود طيبي، المرجع السابق، ص 310. [36]

[37]- حسين عبد الحميد أحمد رشوان، الديمقراطية والحرّية وحقوق الإنسان – دراسة في علم الإجتماع السياسي -، المكتب الجامعي الحديث، مصر، 2006،      ص 118.

[38]- أميرة حلمي مطر، جمهورية أفلاطون، مكتبة الأسرة، مصر ، 1994، ص 13.

[39]- مسعود طيبي، المرجع السابق، ص 311.

[40]- مسعود طيبي، المرجع نفسه، ص 312.

[41]- مسعود طيبي، المرجع نفسه، ص 324.

[42]- سعيد بوالشعير، القانون الدستوري والنظم السياسية، ج2، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2010، ص 164.

[43]- حسين عبد الحميد أحمد رشوان، المرجع السابق، ص 122.

[44]- محسن خليل، المرجع السابق، ج 1، ص 222.

*- يلاحظ أنّ مدلول الديمقراطية عند أرسطو يختلف عن مدلولها اليوم، فقد كان يعني بها حكم الرِّعاع أو حكم الغوغاء. [45]

– حسين عبد الحميد أحمد رشوان، المرجع السابق، ص 122- 123.[46]

– مصطفى النشار، الحرّية والديمقراطية والمواطنة – قراءة في فلسفة أرسطو السياسية -، الدار المصرية السعودية، مصر، 2009، ص 27.[47]

– حسين عبد الحميد أحمد رشوان، المرجع السابق، ص 124- 125. [48]

– حسين عبد الحميد أحمد رشوان، المرجع نفسه، ص 125.[49]

— سعيد بوالشعير، المرجع السابق، ص 146.[50]

– أشرف حافظ، أيديولوجيا النظم السياسية والإسلام، الطبعة الأولى، دار كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن، 2009، ص 138. [51]

– مصطفى النشار، المرجع السابق، ص 14- 17- 18.[52]

[53]-  محمود السيّد عبد الغني، التاريخ السياسي للجمهورية الرّومانية، الطبعة الأولى، المكتب الجامعي الحديث، دون سنة طبع، ص 55.

[54]- محمود السيّد عبد الغني، المرجع نفسه، ص 58.

[55]- طيبي مسعود، المرجع السابق، ص 361.

[56]- طيبي مسعود، المرجع نفسه، ص 362.

[57]*- الأوليغارشية: هي سلطة القلّة، تعود في ظلّها كل سلطة الدولة إلى حفنة صغيرة من الأغنياء.

[58]- محمود سعيد عمران وآخرون، النظم السياسية عبر العصور، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، مصر، 1995، ص 255.

[59]- طيبي مسعود، المرجع السابق، ص 363- 364.

[60]- محمود سعيد عمران وآخرون، المرجع السابق، ص 260.

– طيبي مسعود، المرجع السابق، ص 372. [61]

[62]- حسين عبد الحميد أحمد رشوان، المرجع السابق، ص 135- 136 .

[63]- عدنان طه الدوري، القانون الدستوري والنظم السياسية، الطبعة الأولى، الجامعة المفتوحة، طرابلس، ليبيا، 2002، ص 117.

[64]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 21.

[65]- نقلاً عن حسين عبد الحميد أحمد رشوان، المرجع السابق، ص 136.

[66]- نقلاً عن عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 118.

[67]- حسين عبد الحميد أحمد رشوان، المرجع السابق ، ص 138.

– محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 22. [68]

[69]- حسين عبد الحميد أحمد رشوان، المرجع السابق، ص 13.

[70]- ماجد راغب الحلو، النظم السياسية والقانون الدستوري، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، 2000، ص 66.

[71]- ميلود المهذبي وإبراهيم أبو خزّام، الوجيز في القانون الدستوري – الكتاب الأوّل -، مكتبة طرابلس العلميّة العالمية، طرابلس، ليبيا، 1996، ص 76.

[72]- حسين عبد الحميد أحمد رشوان، المرجع السابق، ص 139.

[73]- حسين عبد الحميد أحمد رشوان، المرجع نفسه، ص 137.

[74]- أسعد مفرّج ولجنة من الباحثين، موسوعة عالم السياسة – تعريف شامل بالسياسة فكرًا وممارسة -، ج 1، دار النشر والتوزيع NOBRIS، بيروت، لبنان، 2006، ص 64.

[75]- محمّد كامل ليلة، النظم الساسية – الدولة والحكومة -، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1970، ص 484.

[76]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 120.

[77]- نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص 62.

[78]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 36.

[79]- رمزي الشاعر، المرجع السابق، ص 18.

[80]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 126.

[81]- نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص 63.

[82]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 121.

[83]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 37.

[84]- عبد الكريم أحمد، مبادئ التنظيم السياسي، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1975، ص 45.

[85]- محسن خليل، المرجع السابق، ج 1،  ص 168.

[86]- محمّد عبد المعز نصر، النظريات والنظم السياسية، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1981، ص 75.

[87]- نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص 64.

[88]*- القانون الطبيعي عند [ لوك ]: هو القاعدة الخالدة للناس جميعًا وهو قانون العقل، والعقل هو قاعدة القياس المشتركة التي أعطاها الله للجنس الإنساني، والتي لا يستطيع أحد الخروج عليها، فلا إرادة الأفراد ولا إرادة المشرّع تستطيع مخالفة القانون العقلي، فالإرادة دائما خاضعة للعقل. والقانون الطبعي يقرّ بالحقوق  الطبيعية كحق الملكية وحق الحرية. وبالتالي فإنّ القانون الطبيعي يقضي بتنظيم تلك الحقوق عن طريق القانون الوضعي. ( أنظر أشرف حافظ، المرجع السابق، ص 139 ).

[89]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 123.

[90]- نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص 66.

[91]- محسن خليل، المرجع السابق، ج 1، ص 72.

[92]- نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص 67.

[93]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 124.

[94]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 42.

[95]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 124.

[96]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 42.

[97]- فرنسيس فوكوياما، نهاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة: حسين أحمد أمين، الطبعة الأولى، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، مصر، 1993، ص 9.

– راجع المطلب الأوّل من المبحث الأول، ( الفصل الأوّل ).[98]

– سورة الأحزاب، الآية 6.[99]

– سورة النور، الآية 56.  [100]

– سورة الأحزاب، الآية 36.  [101]

[102]- محمّد يزدي، مقالات المؤتمر الثالث للفكر الإسلامي في طهران – الحكومة الإسلامية -، الطبعة الأولى، دار سبهر، طهران، إيران، 1986، ص 70.

[103]- عزيز خان، مقالات المؤتمر الثالث للفكر الإسلامي في طهران- الحكومة الإسلامية والتشريع-، الطبعة الأولى، دار سبهر، طهران إيران، 1986، ص 197.

[104]- أحمد بن عبد الحليم بن تيميّة، منهاج السنّة النبويّة في الرّد على الشيعة القدريّة، المجلّد الرابع، دار الفكر، دمشق سوريا، 2005، ص 407- 408 .

[105]- محمّد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، أحداث سنة 60 هـ، المرجع السابق، ج 5 ، ص 460.

[106]- مصطفى النشار، المرجع السابق، ص 73.

[107]- فريد العلبي، رؤية إبن رشد السياسية، الطبعة الأولى، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2007، ص 84.

[108]- ناصر مكارم الشيرازي، مقالات المؤتمر الثالث للفكر الإسلامي في طهران ـ الإنسجام بين ولاية الفقيه وإحترام آراء الشعب -، الطبعة الأولى، دار سبهر، طهران، إيران، 1986، ص 224.

[109]- مسلم بن الحجاج النيسابوري، الجامع الصحيح ـ كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة -، ج 6، دار الفكر، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 20.

[110]- يحيّ بن شرف النوّوي، صحيح مسلم بشرح النّووي ـ باب لزوم طاعة الأمراء في غير معصيّة -، ج 12، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1987،     ص 229.

[111]- محمّد بن صالح العُثيْمين، شرح رياض الصّالحين من كلام سيّد المرسلين، دار الوطن للنشر، المملكة العربية السعودية، 1425هـ، ص 659.

[112]ـ سورة هود، الآية 113.

[113]- محمّد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، أحداث سنة 61 للهجرة، خطبة الإمام الحسين(رض) إلى جيش الحرّ بن يزيد الرّياحي(رض) ، المرجع السابق، ج 5 ، ص 565.

[114]- ناصر مكارم الشيرازي، المرحع السابق، ص 225.

[115]- نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص 110.

[116]- ناصر مكارم الشرازي، المرجع السابق، ص 225.

[117]- فضل الله محمّد إسماعيل، أثر الفكر السياسي الغربي الحديث على النُظم السياسية المعاصرة، الطبعة الأولى، مكتبة بستان المعرفة، الإسكندرية، مصر، 2002، ص 155.

[118]- الشريف الرّضي، نهج البلاغة، شرح محمّد عبده، ج 1، دار الفكر، دمشق سوريا، 2000، ص 36.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى